؟؟الفصل الحادي والتسعون أخواني: أما ينبه على استعداد الزاد؟ سلب الآباء وأخذ الأجداد أما يحرك إلى التيقظ؟ ونفي الرقاد عكس المشتهى ورد المراد. للشريف الرضي: لنا كل يوم رنةٌ خلف ذاهبِ ... ومستَهلكٍ بين النوى والنوائبِ ونأمل من وعد المُنى غيرَ صادق ... ونأمن من وعد الردى غير كاذب نُراع إذا ما شيك أخمص بعضنا ... وأقدامُنا ما بين شوكِ العقاربِ نعمْ إنما الدنيا سمومٌ لطاعمٍ ... وخوفٌ لمطلوبٍ وهمٌّ لطالبِ وإنا لنهواها مع الغدر والقِلى ... ونمدحها مع علمنا بالمعائبِ أي مطمئن لم يزعج؟ أي قاطن لم يخرج؟ فرس الرحيل لنا سرج وما جرى على الأقران أنموذج، يا مختالاً في ثوب الصبا معجباً بمرطه، شرط المقام الرحيل وقد تقاضى بشرطه أما لك نبرة في رفع الزمان وحطه، أما ترى رقوم المنايا مكتوبة بخطه، أما أعرب المسطور بشكل المرض ونقطه، هلا تصور العاصي ساعة إنزاله القبر وحطه، أفلا يتذكر الغني أخذ ماله على رغمه ومن أصل قرطه. يا من قد قاده الهوى بلا خزامة، لو قبلت مشورة العقل لم تتجرع مر لو وليت قدر. إن الزلل يخفى على الخلق " ألا يعلم من خلق " صور إنه قد عفا عنك فأين الحياء مما جنيته؟. هب البعث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق ... حياء العباد من المنعم أقل نعمه أن أوسع عرصة الوجود لئلا يضيق نفس النفس بالحصر وأجرى مجرى الهواء في جو الفضا يقتسم بمكاييل الخياشيم فيصل بالعدل إلى ذوات الذوات. واعجباً للغافلين عن هذا المنعم بماذا اشتغلوا؟ أجهلاً بوجوده؟ فهو أوضح من ضحى أم ميلاً إلى الدنيا؟ فهي أغدر من تاء بتمتام إن سلمت فتنت وإن تلفت قتلت، وقع نحل على لينوفر منتشر الورق فاحب ريحه فلما تقبض الورق وغاص، هلك العاشق.
[center]
أخواني: إياكم والذنوب فإنها أذلت عزيز " اسجدوا " وأخرجت مقطع " اسكن " لولا لطف " فتلقى " كان العجب، استراح آدم إلى بعض العناقيد، فإذا به في العناقيد، جاءه جبريل فسلم عليه فبكى وبكى جبريل ثم قال يا آدم ما يبكيك؟ قال: كيف لا أبكي وقد حولني من دار النعيم إلى دار البؤس، واعجباً بمجيء جبريل زاد المريض ألماً. آه لبرق لمعا ... ماذا بقلبي صنعا أيقظ مني للغرام ... مستهاماً موجعا فبت من إيماضه ... أسكب دمعي دفعا يا برق أما تريني ... للصنيع موضعا فحيى عني أربعا ... أكرم بهن أربعا يا ناظراً أقسم من ... بعد النوى لا هجعا كبر مذ فارقهم ... على الرقاد أربعا كم كبد قطعها ... بين الحبيب قطعا حمل وجدي جلدي ... أكثر مما وسعا خرج آدم يوم الكعبة فلما وصل طاف أسبوعاً فما أتمه حتى خاض في دموعه. دموع عيني مذجد بين ... مثل الدوالي وهي الدوالي فشمت به إبليس حين نزل وما علم أن نزوله إلى دار التعبد صعود كنزول الغائص خلف الدر صعود. رأى في بدايته طيناً قد صلصل وبذراً قد عفن ونسي أنه ستهتز طاقاته في ربيع " فتلقى " ويلك يا إبليس ما جرى على آدم وهو المراد من وجوده، " لو لم تذنبوا " قدح أريد كسره فسلم إلى مرتعش. فلولا غليل الشوق أو لوعة الأسى ... لما خلقت لي أعين وجفون لا يهولنك قوله " اهبطوا منها " فلك خلقتها وإنما أخرجت إلى مزرعة المجاهدة فإذا حصدت فعد إن قيل لك مرة " اهبط " ففي كل يوم تنادي ألف ألف مرة " والله يدعو إلى دار السلام " إن تعذرت عن الحضرة مرة فزيارة الحبيب ما تنقطع " هل من سائل " الكرة تلقى من صاحب الصولجان بالطرد ثم هو يطلبها. ترجو في المحب عتق من أنت له ... إن كان كذا الحب فما أعدله هيهات الحب يعتريه وله ... من حكمه قضى عليه وله يا آدم، قد ذقت حلاوة الذنب وتطعمت مرارة الندم، فهل وفت بتلك؟ أين لذاتك؟ إذا نزل الموت كيف حسراتك؟ إذا وقع الفوت: ما أسرع ما انقضى زمان الوصل ... هل يرجع ما مضى برد الشمل من لي بهم وهل مفيد من لي ... يكفي ما بي فلا تزد في عذلي يا صبيان التوبة اشكروا من نجاكم بالإنابة " وكنتم على شفا حفرة من النار " تذكروا عظمة من عاهدتم " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " لا تزدروا أثواب الفقر فعليها أنوار المهابة " ولكم فيها جمال حين تُريحون وحين تسرحون " لا يصعبن على الخيل تضميرها فستفرح به يوم السباق إن قال لك رفقاؤك: امش معنا ساعة، فقل: أقعدني الخوف. يا نديمي صحا القلب صحا ... فاطردا عني الصبا والمرحا شمرا بردى للنسك ولا ... تعجبا من فاسد إن صلحا زجر الحلم فؤاداً فارعوى ... ولحا الدهر امرءاً فيمن لحا أيها التائب قل لقلبك الراعي في رياض الهدى، احذر من الفتنة إلى خضراء دمن الهوى، فمرعاك أطيب، وشرابك أعذب " ولئن لم يفعل ما أمره ليُسْجَنَنَّ " نسيم الريح يقوي الروح ما لم يختلط به بخار ردى كذلك كلام المذكرين إذا سلم من بدعة كان قوتاً للنفس وإن مازجه هوى هوى بصاحبه إلى العلل. كلامي نهر يأخذ من بحر الكتاب والسنة، صاف ما تغير قط، يسقي قلوبكم سيحاً بلا كلف وقد قنع من الخراج بالدعا هل في مجلسي نقص؟ فيقال لو أنه أو عيب، فيقال إلا أنه أو رأيتم مثله؟ فيقال كأنه، آه لو كان من أعجمي ولكنه أبلغ بلفظي منزل المعنى وما طال سفر العبارة، المعاني واسعة الفيافي والألفاظ ضيقة العراص وما يقدر على حشو العرصة فوق ما تسع إلا مهندس لآلئ هذه المعاني لطاف. فأي سلك فهم دق انتظمت فيه وغنما ينظم اللؤلؤ في خيط لا في حبل، كلامي ثوب فصل على قدر أسماعكم فهو لا يصلح إلا لكم، لا تنكروا مدحي لأهل بغداد فهم فهم، ألهذا البلد بدل؟ إذا مرضت الأفهام السليمة من وباء طعام العبارات الركيكة عمل لفظي في شفائها ولا رقي الهند كلم تداوى كل كلم ظلم، قياسها بعذوبة الظلم. جواهر كلها يتيم ... توجد مفقودة المثال
تجنب الغائصون عنها ... عجزاً وجاشت بحارها لي الفصل الثاني والتسعون يا ديار الأحباب أقوى جديدها، أين أسودها؟ أم أين غيدها؟ أين ظباء الهوى؟ مرت ومن يصيدها، تساوى في القبور مواليها وعبيدها، قف يا حبيبي بالرسوم وانظر نسخ النسيم بالسموم وتبديل الأفراح بالغموم، هيهات إن الدنيا لا تدوم إنها على قتلك تحوم. إيثار مثل هذه لوم. للخفاجي: سل بعمدان أين ساكنه أو ... قل لنعمان أين أين السدير أيها الظاعنون لا زال للغيث ... رواح عليكم وبكور قد رأينا دياركم وعليها ... أثر من عفائكم مهجور وسألنا أطلالكم فأجابت ... ومن الصمت واعظ ونذير عجباً كيف لم نمت في مغانيها ... أسى ما القلوب إلا صخور يا ديار الأحباب غيرك الدهر ... وكانت بعد الأمور أمور أيها الباكي على أقاربه الأموات، ابك على نفسك فالماضي قد فات وتأهب لنزول البلايا وحلول الآفات وتذكر قول من إذا ذكرك قال مات، كأنك بما أتى الماضين قد أتاك، ولقد صاح بك نذيرهم، أنت غداً كذاك، وليخرسن الموت بسطوته فاك، إذا وافاك إنما اليوم لهذا وغداً لذاك، قرئ على قبر أنا في القبر وحيد ... قد تبرا الأهل مني أسلموني بذنوبي ... خبت أن لم تعف عني يا هذا: لاحت الغاية لعين الشيب فصح بخيل البدار مرحلة الشيب تحط على شفير القبر، وقد أنجد من رأى حضناً، أتحمل مشاق السفر من وراء النهر وتخاطر بالوقفة من نخلة. يا هذا إذا ركبت مركب الهوى فاجعل باتاني المركب لمحاسبة النفس فإنه يشم كل يوم ريح ثرى الأرض فيعلم هل هو على خطأ أو صواب؟ ومتى لم يعلم الطريق صدمه حجر فغرق. يا من يحدث وكأنه ما يسمع، متى لم ينصت سمع القلب ضاع الحديث، أترى ينطبع في شمع سمعك من هذا حرف، تحضرون المجلس فرجة؟ وتجعلون رجاء النفع حجة ولا تسلكون إلى العمل محجة " وما أُبرِّئ نفسي " واعجباً، تجتمع العزائم في المجلس اجتماع الثريا فإذا خرجنا صارت كبنات نعش لو تأملتم عيب الدنيا لهان طلاقها: سرور الدهر مقرون بحزن ... فكن منه على حذر شديد ففي يمناه تاج من نضار ... وفي يسراه قيد من حديد آه للدنيا ملكت القلب حين ملكت وأبقت الغم ثم أبقت. تزودن منا كل قلب ومهجة ... وزودننا للوجد عض الأباهم كم تألفت بحلو مذاقها ثم أتلفت بمر فراقها. فليت عهدك إذ لم يبق لي أبداً ... لم يبق عندي عقابيلاً من السقم لما كان الصانع غائباً عن الإحساس سطرت قدرته في ألواح التكوين عجائب الكائنات ثم وضعت الألواح في حجور العقول ليقرأها أذهان أطفال الطباع فإذا أحذق الصبيان وحفظ المكتوب محا السطور " إذا الشمس كُوِّرتْ وإذا النجوم انكدرتْ " . أخواني: عيون يقينكم رمدة والفكر تبريد، من أيقن بالموت كيف يفرح؟ من علم قرب الحساب كيف يلهو؟ من عرف تقليب القلوب كيف يأمن؟. كان سفيان الثوري من شدة خوفه يبول الدم فحمل ماؤه إلى الطبيب فقال هذا ماء رهبان هذا ماء رجل قد فتت الحزن كبده، وحمل ماء سري إلى الطبيب فلما نظر إليه قال هذا بول عاشق قال حامله فسقطت ثم غشي علي ثم رجعت إلى سرى فأخبرته فقال قاتله الله ما أبصره: إذا أنا واجهت الصبا عاد بردها ... ومن حر أنفاسي عليه لهيب وقد أكثرت في الأطباء قولهم ... ومالي إلا أن أراك طبيب قيل لبعض عقلاء المجانين لم سميت مجنوناً؟ قال لما طال حبسي عنه في الدنيا سميت مجنوناً لخوف فراقه: قلبي بحبك ما يفيق ... وجفن عيني ما ينام قد طال فيك الليل حتى ... ما يقال له انصرام والنجم فيه راكد ... والفجر يمنعه الظلام ليل بغير نهاية ... ولكل مفتاح ختام في وصلك العيش الهني ... وهجرك الموت الزؤام إن لم تكن مع القوم في السفر تلمح آثار الحبيب عليهم وقت الضحى، ترى في صحائف الوجوه سطور القبول بمداد الأنوار وجوه زهاها الحسن أن تتبرقعا.
قال بعض السلف: لقيت غلاماً في طريق مكة فقلت له: أما تستوحش؟ فقال إن الأنس بالله قطع عني كل وحشة، قلت: فأين ألقاك؟ قال: أما الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي وأما الآخرة فإنها مجمع المتقين. قلت: فأين أطلبك في الآخرة؟ قال: اطلبني في جملة الناظرين إلى الله تعالى. قلت: وكيف علمت؟ قال: بغض طرفي عن كل محرم واجتنابي فيه كل منكر ومأثم وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه ثم صاح وأقبل يسعى حتى غاب عن بصري. للشريف الرضي: وما تَلَوَّم جسمي عن لقائكمُ ... إلا وقلبي إليكم شيقٌ عَجِلُ وكيف يقعد مشتاقٌ يحركهُ ... إليكم الحافزان: الشوق والأملُ فإن نهضت فمالي غيركم وطرٌ ... وإن قعدت فمالي غيركم شُغُلُ وكم تعرض لي الأقوام بعدكم ... يستأذنون على قلبي فما وصلوا الفصل الثالث والتسعون سبحان من فاوت بين القلوب فمنها ما لا يصلح إلا لخدمة الدنيا ومنها ما لا يصلح إلا للتعبد ومنها روحاني مشغول بمحبة الخالق. للمتنبي: أروح وقد خمنتُ على فؤادي ... بحبكَ أن يحل به سواكا فلو أني استطعت غضضت طرفي ... فلم أبصر به حتى أراكا أحبكَ لا ببعضي بل بكلي ... وإن لم يبق حبك لي حراكا ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله فيحسن منك ذاكا وفي الأحباب مختص بوجد ... وآخر يدعي معه اشتراكا إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبين من بكى ممن تباكى فأما من بكى فيذوب شوقاً ... وينطق بالهوى من قد تباكى النهار يزيد في كرب المحب والليل يروحه السحر روضة نجدية يجد فيها المحب ضالة وجده، شراب المناجاة يروي ظمأ العشاق، لو رأيت المحب في الليل يتقلقل ويناجي حبيبه ثم يتململ وكلما أزعجه الشوق تحير وتبلبل، وما ألذ ما يصف حاله ويتعمل. أحباي أما جفن عيني فمقروح ... وأما فؤادي فهو بالشوق مجروح يذكرني مر النسيم عهودكم ... فأزداد شوقاً كلما هب الريح أراني إذا ما الليل أظلم أشرقت ... بقلبي من نار الغرام مصابيح أصلي بذكراكم إذا كنت خالياً ... إلا أن تذكار الأحبة تسبيح يشح فؤادي أن يخامر سره ... سواكم وبعض الشح في المرء ممدوح لو لبس أحد المحبين حلة علم أنه من الزهاد، كيف يخفي الليل بدراً طالعاً، كم بالغوا في كتم الحال؟ وستر المحب محال: أسائل عمن لا أريد وإنما ... أريدكم من بينهم بسؤالي فيعثر ما بين الكلام ورجعه ... لساني بكم حتى ينم بحالي وأطوي على ما تعلمون جوانحي ... وأظهر للعذال أني سال كلما قوي حامل المحبة، زيد في حمله، " نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءاً ثم الأمثل فالأمثل " فوران قدر القلب من قدر شدة الإيقاد، كان يسمع لصدر الخليل أزيز من بعيد خوفاً من الله تعالى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي ولخوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، كان الوحي إذا نزل عليه وهو على ناقته أثر فيها فربما وتدت بيديها في الأرض وربما بركت لثقل الوحي. للشريف الرضي: أحست بناري في ضلوعي فأصبحت ... يخب بها حر الغرام ويوضع تحنين إلا أن بي لأبك الهوى ... ولي لا لك الألف الخليط المودع وباتت تشكي رحلي ضامراً ... كلانا إذن يا ناق نضو مفجع أماعت قلوبهم بالخوف فهاتبهم الجوامد فالحجر يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم والسكين لا تعمل في الذبيح، مالك أيتها المدية وعادتك القطع؟ قالت بلسان الحال: أخواتي تحز رقاب الكفار، وأنا قد ابتليت بقطع عنق إسماعيل فقد وقفت مدهوشة بالبلوى فعندي شغل، قطع يد زليخا يجوز فأما يد يوسف فمشكل أتراك تحلو لك عباراتي؟ أو تفهم إشاراتي، كم أجلو عليك عرائس المحبة؟ ولست كفؤاً، وإنما يحل النظر لمن يعقد، أقل أحوال القوم رفض الهوى وهذا كالمستحيل عندك، كانوا إذا ابتلوا صبروا ثم صاروا إذا ابتلوا شكروا، ثم رأوا في البلى المبتلى، فسكروا أين الذين أصفهم؟ مروا وعبروا.
ليس بالصب من يحرك بالشكوى ... لساناً ويودع الدمع خدا أيها الوامق الذي جعل الكتمان ... بين الوشاة والحب سدا صاح لولا صوني الغرام لأجريت ... دموعاً توفى على البحر مدا قل لحي على اللوى والكثيب الفرد ... جاد الحيا الكثيب الفردا قد وقفنا من بعدكم نسأل البان ... ضلالاً عنكم ونشكو الرندا أين تبغي يا حادي الركب أفنيت ... المطايا سيراً ذميلاً ووخدا قف قليلاً في الربع وارفق فما أبقيت ... منها إلا عظاماً وجلدا فلدار الهوى علينا حقوق ... إن تركنا أداءها كان ادا يا بني الورد والوفاء وما أسمع ... إلا قولاً وفاءاً وودا لم نقضتم من غير جرم عهوداً ... ما نقضنا منها على الرمل عهدا كم أنشر بز المحبة ولا أرى إلا مفلساً، تنزهوا في السلع فسهل على طي المنشور، ما أحلى ذكر الأحباب ما أطيب حديث أولي الألباب. لصردر: إيه أحاديث نعمان وساكنه ... إن الحديث عن الأحباب أسمارُ أفتش الريح عنكم كلما نفحتْ ... من نحو أرضكم نكباء معطارُ تمكن الحب من حبات قلوبهم فأخرجهم إلى الوله فلو رأيتموهم لقلتم مجانين. قد لج بي الغرام حتى قالوا ... قد جن بهم وهكذا البلبال الموت إذا رضيتم سلسال ... في مثل هواك ترخص الآجال كانت رابعة تقول: لقد طالت علي الأيام والليالي بالشوق إلى الله تعالى. أمرت عنك بصبر ... وليس لي عنك صبر يا آمري بالتسلي ... ما لي مع الشوق أمر قال الشبلي: رأيت جارية حبشية فقلت من أين؟ قالت من عند الحبيب، قلت: وإلى أين؟ قالت: إلى الحبيب، قلت: ما تريدين من الحبيب؟ قالت: الحبيب. وجدي بكم وصفو ودي لكم ... والقلب فمذ نأيتم عندكم عيني عين لبعدكم بعدكم ... لو شقوا قلبي لما رأوا غيركما ؟الفصل الرابع والتسعون يا هذا اشتغلت بفنون تعليلك عن ذكر تحويلك وستسلب من أخيك وخليلك وعلى تخبيطك وتخييلك. كأنك بالمضي إلى سبيلك ... وقد جد المجهز في رحيلك وجيء بغاسل فاستعجلوه ... بقولهم له أفرغ من غسيلك ولم تحمل سوى كفن وقطن ... إليهم من كثيرك أو قليلك وقد مد الرجال إليك نعشاً ... فأنت عليه ممدود بطولك وَصَلوا ثم إنهم تداعوا ... لحملك في بكورك أو أصيلك ولما أسلموك نزلت قبرك ... ومن لك بالسلامة في نزولك أعانك يوم تدخله رحيم ... رؤف بالعباد على دخولك فسوف تجاور الموتى طويلاً ... فدعني من قصيرك أو طويلك أخي إني نصحتك فاستمع لي ... وبالله استعنت على قبولك ألست ترى المنايا كل يوم ... تصيبك في أخيك وفي خليلك إخواني ما من الموت بدّ، باب البقاء في الدنيا قد سد كم قد في القبر قد قد؟ كم خد في الأخدود خد؟ يا من ذنوبه لا تحصى إن شككت عد، يا من أتى باب الإنابة كاذباً فرد لقد حملت على نفسك ما يثقلها، فحسبك ما قد مضى أتقتلها؟ يا طول سفرة الموت أولها أين جزع النفس؟ أين تململها؟ كأنها بالمرض قد نزل يزلزلها ويعث إليها رائد الأسف يستعجلها، الحذر الحذر فقد فوق السهام مرسلها، الدروع الدروع فقد جلى السيوف صيقلها ما هذه الخصال المذمومة؟ أتؤثر العقول لذة مسمومة؟ ما هذا الحرص؟ والأرزاق مقسومة، أنسيت يوم تنشر الصحف المختومة؟ أما تعلم أنها ستظهر قبائح مكتومة؟ يا لها لوعظة بين المواعظ كالأيام المعلومة أحسن من اللآلئ المنثورة وأعجب من العقود المنظومة العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة. أيها لمعلم تثبت على المبتدى " وقدِّر في السَّرْدِ " فللعالم رسوخ وللمتعلم قلق، ويا أيها الطالب تواضع في الطلب فإن التراب بينا هو تحت الأخمص صار طهور للوجه، السهر مرقي إلى أطيب مرقد:
الهون في طلب الهوينا كامن ... وجلالة الأخطار في الأخطار قلب العالم بحر ما للجنة قرار، إذا نزل غواص الفكر ترقى إلى ساحل اللسان قدر الإمكان، مياه المعاني مخزونة في صدر العالم تفتح لزرع قلبه. سيحاً بعد سيح، ويدخر أصفاها قوتاً للروح، فإذا تكاثرت عليه صاح السيل العالم ينفخ في صور فيه بعبارة التخويف فيموت هوى العاصي ثم ينفخ في صور التشويق فيحيي روح المعرفة فيخرج التائب من قبر غفلته في كفن يقظته وقد بدلت الأرض غير الأرض فيفتح له رضوان الرضا باب جنة الوصل. لا تظنوا العالم شخصاً واحداً، العالم عالم تصانيف العالم أولاده المخلدون دون أولاده، من خلق للعلم شف جوهره من الصغر فتراه ينفق في الجد بضاعة الشبيبة ويسابق سائق العجز، يصل الكدود ليله بنهاره، كدود القز في زمان الشدة فإذا امتلأ وعاء قلبه بما وعى نسج الفهم في زوايا الذهن من المعاني المستنبطة نسج القز فإذا رأى عرياناً من العلم فأراد كسوته بعث الفكر فسل من لطائف اللطف طاقات ثم أرسلها إلى صانع القوة فبالغ في تحسينها وتأنق في تلوينها ثم ينسجها اللسان على منوال البلاغة فتظهر رقوم نقوشها عن شدود عقدتها الفطن الباطنة فإذا الثوب نسيج وحده ومثل تلك المطارف الطرائف لا تبتذل إلا في عيد مجلس الذكر، ليس كل من ربى دود القز سلالاً ولا كل قزاز سقلا طونيا. آه، من اشتراك الأسماء وتلقيب القصدير بالبيع، ليس كل معدن عرق الذهب، ولا في بطن كل غزال مسك، ليس من عام في قرار البحر حتى وقع بالدر اليتيم كمن قعد على الساحل يجمع الصدف، أمراء العبارات رعية لفصاحتي، ويك إنه كيل بلا ثمن سقى فصاحتي سيح فقد تضاعفت علي زكاة الشكر، سافر لفظي ببضائع فكري من أرض قلبي إلى بادية فمي فسلم سلع النطق إلى منادي لساني هيهات فواكه الألفاظ اللذيذة في مذاق الأفهام السليمة ليس لها ثمن. فهو يعرضها في موسم النصح على تجار الإرادة، فمن منكم يشتري حكمة بقبول؟ قد يرى علو مكاني وينسى الدرج كم قد خضت بحراً ملحاً؟ حتى وقعت بعذب، كم قطعت مهمهاً وحدي؟ حتى سميت بالدليل أنضيت مركب الجسم ورفضت شهوات الحس وواصلت الليل بالنهار في الجد وأوقدت في دجى الهوى نار الصبر فإن وثقتم بأمانتي فهذا تخيير الشراء: شربت لأغلالي، رحيقاً بسلسال ... من الشاهق العالي على غير تصريد فأصبحت نشواناً من الشرب سكرانا ... وأطرب أحياناً بلا نغمة العود وكم جبت من وادٍ وسرت بلا حاد ... وبتُّ بلا زادٍ سوى ذكر معبودي الفصل الخامس والتسعون كم تنذر الدنيا وما تسمع! وكم تؤنس محبها من وصلها ويطمع! فالعجب من فطن غره سراب يلمع. يأتي على الناس أصباحٌ وأمساء ... وكلنا لصروف الدهر نسّاء خسست يا دار دنيانا وربتما ... يرضى الخسيسة أوباشٌ أخساء إذا تعطّفت يوماً كنت قاسيةً ... وإن نظرت بعين فهي شوساء وقد نطقت بأصناف العظات لنا ... وأنت فيما يراك الناس خرساء أين الملوك وأبناء الملوك ومن ... كانت لهم عزة في الملك قعساء نالوا يسيراً من اللذات وارتحلوا ... برغمهم فإذا النعماء بأساء الدنيا دار كدر بذلك جرى القدر فإن صفا عيش لحظة ندر، ثم عاد التخليط فيذر الورود فيها كالصدر ودم قتيلها هدر. المرء من دنياه في كلف ... ومآله فيها إلى التلف ولكل شيء فائت خلف ... وحياتنا فوت بلا خلف يا لاحقاً بآبائه وأمهاته لا بد أن يصير الطلا إلى مهاته، يا من جل همته شغل خياطة وطهاته يغلبه الهوى وهو غالب دهاته، إن كان لك عذر في تفريطك فهاته. إخواني: مر الزمان وعظ الألباب ويكفي في الإنذار موت الأصحاب، كم ترى في التراب من أتراب؟ أغمدت تلك السيوف في شر قراب تناولتهم يد البلى من كف استلاب، ويحك ضياء الدنيا ضباب، وشراب الهوى سراب، أترضى أن يقال قد خاب؟ أما لهذا عندك جواب؟ كلما دخلنا من باب خرجت من باب. للشريف الرضي: أذكر تصاب والمشيب نقاب ... وغير الغواني للمشيب صحاب أومل ما لا يبلغ العمر بعضه ... كان الذي بعد المشيب شباب
وطعم لبازي الموت لا شك مهجتي ... أسف على رأسي فطاف غراب وأثقل محمول على العين ماؤها ... إذا بان أحباب وعز إياب لله درّ أقوامٍ علموا قرب الرحيل فهيئوا آلة السفر وهونوا بالدنيا فقنعوا منها مما حضر واستوثقوا بقفل التقوى من أذى النطق والنظر؟ مالك خبر بحالهم ولا عندك منهم خبر، قاموا في الجد وقعدت وسهروا في الدجى ورقدت، طالما نصبوا في خدمة المالك، وناقشوا أنفسهم مناقشة مماحك، وآثروا بالزاد فزادوا على البرامك، واختبروا بالبلى كالتبر عن السابك، هذه طريقهم فأين السالك؟ أترضى بالتأخر عنهم؟ هذا برائك كأنك بهم وقد دخلت على الملأ الملائك، كل يا من لم يأكل هذا بذلك لما أريدوا أفيدوا لما شكروا المنعم زيدوا، ولو فتروا عن التعبد قيدوا، نام العلاء بن زياد ليلة عن ورده فجذب في نومه بناصيته وقيل له قم إلى صلاتك فما زالت الأخبار قائمة في حياته " نحنُ جعلناها تَذكِرَةً " . قال أبو سليمان: غلبتني عيني، فإذا أنا بالحوراء قد ركضتي برجلها وهي تقول: أترقد عيناك؟ والملك يقظان؟ قال: ونمت ليلة أخرى، وإذا بها توقظني وتقول: أتنام؟ وأنا أرتي لك في الخدور منذ خمسمائة عام. للنابغة الذبياني: أقول والنجم قد مالت أواخِرُهُ ... إلى المغيب تبينُ نظرةً حارِ ألمحةً من سنا برق رأى بصري ... آم وجهُ نُعمٍ بَدا لي أم سنا نار أُنبئت نُعماً على الهجران عاتبةً ... سَقياً ورعياً لذاك العاتب الزاري قلوب القوم في الدجى قلقة وأفئدتهم من الخوف محترقة والنفوس من هجر الحبيب فرقة، وجفونهم من البكاء غرقة، وعروق المحبة في سويدائهم علقة، وشفاههم بكأس المناجاة مصطحبة مغتبقة، والآمال إليه كل وقت منطلقة، وما عادت قط إلاّ وهي بالرجاء عبقة. قل للمقيمين على وادي الحمى ... عني إذا أتيتهم مسلما قد صار طيب العيش مذ فارقتكم ... على من بعدكم محرما وكل شهد ذقته في وصلكم ... قد عاد من بعد الفراق علقما لا عيش لي إن غبتم عن ناظري ... وإن حضرتم ربما وربما إن سألوك عن سقام قد رثى ... لي فيه أهل الأرض مع أهل السما فقل لهم ما يشتكي من سقم ... لأنه يذكر فيه المسقما واحسرة من مضوا وخلفوه، لقد استبدل بالعسل الخل فوه، آه على عيش ولّى ولا عودة، وعلى حادٍ سرى ولا وقفة، تالله لو ضارت العين عيناً ما وفت. للمهيار: يا لنسيم سَحَرٍ بحاجز ... ردت به عهد الصِّبا ريح الصبا سل من يدل الناشدين بالغضا ... على الطريق ويردّ السلبا أراجعُ لي والمنى هلهلةٌ ... وطالعٌ نجمُ زمانٍ غَرَبا إذا اطمأنت أضلعي تذكرتْ ... نواك فاهتزت جوىً لا طربا تالله ما تعشق الأماكن لذاتها، بل لسابق لذاتها، لك يا منازل في القلوب منازل، للمعاهد عهد عند المعاهدة كلما تذكره الصبّ صبّ الدموع. للمتنبي: وما شرَقي بالماء إلاّ تذكّرا ... لماءٍ به أهل الحبيب نزولُ وما عشتُ من بعد الأحبةِ سلوةً ... ولكنني للنائبات حَمول أما في النجوم السائرات وغيرها ... لعيني على ضوء الصباح دليل أعرف الناس بالطريق من قد سلك، إذا ذكرت منازل مكة حن الحاج. للمهيار: وإذا هبَّ صَبَا أرضكم ... حملتْ تُربَ الغضى باناً ورندا رُدَّ لي يوماً على وادي منى ... إن قضى الله لأمر فات ردّا عجباً لي كيف أبقى بعدهم ... غير أن قد خلق الإنسان جَلدا الفصل السادس والتسعون يا من قد ملكته نفسه وغلبه حسه وقد دنا حبسه وستكف خمسه ولقد أنذره جنسه، عاتب نفسك لعلها ترعوي وسلمها إلى رائض العلم عساها تستوي، أحضر دستور المحاسبة وحاسبها واندبها إلى الخير فإن أبت فاندبها. للمصنف: يا ويح نفسٍ رضيت بالسقم ... وفرطتْ في عمر منصرمِ تستر باللهو وتنس حتفها ... وتؤثر البعدَ على التقدُّمِ
وكلّما أصبحت أبكي فعلها ... أضحت عناداً لي في تبسمِ تفرح بالفاني فما تطلب ما ... يبقى لها فمن يكون حكمي أقول يا نفس اتقي من لم يزل ... معروفُهُ يفوقُ وكف الديم كم من ذنوب لك قد سترها ... وعاد بالفضل وبالتكرم وكم له من نعمة جاد بها ... وكم وكم أولاك طيب أنعم كم واعظ في كل يوم زاجر ... وكم نذير زائر مسلم وكم يناديك لسان عبرةٍ ... وأنت عن قول الهدى في صمم أين الذين شيّدوا واحترسوا ... وأين من كان كثير النعم مضى الجميع هل ترى من أثرٍ ... لهم وصاروا في بيوت الظلم تبدلوا بالترب ترباً كلهم ... في قعر لحدٍ ضيِّقٍ منهدم تفصلت عظامهم وحصلت ... أعمالُهم وأصبحوا كالعدم وباشروا التراب بعد ترفٍ ... وشرف وحجب وخدم وسرر ودرى وطرف ... وتحف وصولة وكرم ولذة في شهوة لذيذة ... وعزة في عزمة وهمم لو قيل قولوا ما مناكم طلبوا ... حياة يوم ليتوبوا فاعلم ويحك يا نفسُ ألا تيقظ ... ينفع قبل أن تزلَّ قدمي مضى الزمان في توان وهوى ... فاستدركي ما قد بقي واغتنمي انتظري الموت سيأتي بغتة ... وأنت بين أسفٍ وندمِ حرق وفرق وحسرة ... وفيض دمع العين في تسجم وترحلين عن ديار إلفةٍ ... فانتبهي من رقدات النوَّمِ من لي إذا نزلت لحداً مظلماً ... هذا وكم من نازلٍ لم يسلم من لي إذا قرأت ما أمليته ... أقبح مسطور جرى بالقلم من لي إذا أزعج قلبي حسرة ... وهل ترى يشفي بفوزي ألمي كيف الخلاص والكتاب قد حوى ... كلَّ فعالي وجميع كلمي يا نفس فاز الصالحون بالتقى ... فأبصروا الرشد وقلبي قد عمي يا حسنهم والليل قد جنَّهم ... ونورُهم يفوق نورَ الأنجم ترنَّموا في الذكر في ليلهم ... فعيشهم قد طاب بالترنُّم قلوبهم للذكر قد تفرَّغتْ ... دموعهم كلؤلؤ منتظم أسحارهم بهم لهم قد أشرقت ... وخلع الغفران خير القسم سار وأوعدت عن طريق واضحٍ ... دلَّ على الرّشد دليل العلم دعني أبكي ما حييت أبداً ... فحق لي أبكي فلا لا تلم يا عجباً لك تتسمى باسم تاجر، وتخاصم على الدرهم وتشاجر، وتصابر لربح القيراط الهواجر، وتغضب لأجل الجبة وتهاجر، وترضى بأفعالك باسم فاجر، أما لك من عقلك ناه ولا زاجر؟ يا من نومه كثير وانتباهه نادر، إن دعيتَ إلى التوبة سوَّفتَها، وإن قمتَ إلى الصلاة سففتها، وإن لاح وجهُ الدنيا ترشفتها، أما هي دار بلغة لضيفها، تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها، كم بادية في أرباح غير بادية تعسفتها؟ لقد استشعرت محبتها أي والله والتحفتها، تالله لو علمت جناياتها لعفتها، أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها؟ آه، لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها، كم تعد بالإنابة؟ وكل الوعود أخلفتها، فما تلين قناتك لغامز، ولا ترى ما تشتهي فتجاوز، ويحك، بين يديك أهوال وهزاهز، كم تقوم ولا تستوي؟ من يغير الغرائز؟ إبك لما بك، واندب في شيبك على شبابك، وتأهب لسيف المنون فقد علق الشبابك. قد كان عمرك ميلا ... فأصبح الميل شبرا وأصبح الشبر عقدا ... فاحفر لنفسك قبرا عجباً للطرف كيف اغتمض؟ ولمكلف ما أدى المفترض، يا من كلما بنى على أن يلوذ بنا نقض، يا من إذا أدى حقاً، فعلى مضض، يا من إذا لاح له صيد الفاني جد وركض، يا من إذا قدر على جيفة الهوى جثم وربض، يا مشغولاً عن الجوهر بفاني العرض إيثار ما يفنى على ما يبقى أشد المرض:
ألا يا غافلاً تحصى عليه ... من العمل الصغيرة والكبيرة يُصاح به ويُنذَرُ كل يوم ... وقد أنسته غفلته مصيره تأهب للرحيل فقد تدانى ... وأنذرك الرحيل أخ وجيره وكم ذنب أتيت على بصيره ... وعينك بالذي تأتي قريره تحاذر أن تراك هناك عين ... وإن عليك للعين البصيره وكم من مدخل لومت فيه ... لكنت به نكالاً في العشيره وقيت السوء والمكروه منه ... ورحت بنعمة فيه ستيره هذا حادي الممات قد أسرع، هذه سيوف الملمات تلمع، هذه قصور الأقران بلقع، إن وصلت الدنيا فعلى نية أن تقطع، وإن بذلت فعلى عزم أن تمنع، أفيها حيلة أم في وصلها مطمع؟ يا معرقاً في البلى قل لي لمن تجمع؟ إذا خلوت وتخليت فكيف تصنع؟ أترى أنت عندنا؟ أو ما تسمع؟ يا محبوساً في سجن هواه متى تتخلص؟ لو عرفتنا ألفتنا لنا أحباب لهم ألباب هم اللباب شغلهم على الدوام المحراب حاضرون معكم بالأبدان وبالقلوب غياب: وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان منك فإنه شغلي وأديم نحو محدثي نظري ... إني قد فهمت وعندكم عقلي ما نال الصالحون ما نالوا إلا بترك ما نطلبه وما نالوا، كانت هممهم في طلب الفضائل تغلي في القلوب غليان ما في القدور، تخايل القوم لذة الثواب فسهلت عليهم مرارات الصبر وتصوروا خلود الأبدان فهان عليهم بذل النفوس، جدوا في الجد فما سكنوا حتى سكنوا الجنة، وراحة المؤمن في الدنيا صفر من راحة، فلو رأيتهم في الجنان يسرحون منطلقين في أغراضهم يمرحون لا يدرون بأي مطلوب يفرحون، أبالنجاة من النيران؟ أم بالخلود في الجنان؟ أم بالخيرات الحسان؟ أم برضى المليك الديان؟ لقد نالوا بالمراد، ما لم يكن في الحسبان، من تلمح جولان مضمر الصبر في لذيذ العافية، وفرحة المفطر بعد إنصاب الصوم وتناول العذب بعد عذاب الظما، وسلامة الغريق بعد الإغراق في أذى الأذى، وخلاص التجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على باب الطول بعد طول الفراق رأى من قوة قرة العين ما لا يدخل تحت قياس بعد أن حدق ياس، وقد وصفنا ما حصل للقوم وجملة المبذول من الثمن " بما صَبَرْتُمْ " . قف بالمحصب واسأل أيها الرجل ... تلك الرسوم عن الأحباب ما فعلوا فما أسائل عن آثارهم أحدا ... إلا أجاب غراب البين قد رحلوا الفصل السابع والتسعون من ركب الهوى هوى به والنفس إذا استعملت التقوى تقوى به، إن كنت يا صاح لبيباً حازماً ... فكن لأسباب الهوى مُراغما لا تهو دنياك فإن حبَّها ... رأس الخطايا تكسب المآتما غرارة فكل من حلت له ... لا بدَّ أن تذيقه العلاقما وإنما تخدم من آهاتها ... كما تهين من أتاها خادما فكن بها مثل غريب مصلح ... أزواده على الرحيل عازما وبادر الأيام قبل فوتها ... مخاصماً للنفس أو مسالما فإنما عمر الفتى سوق له ... يروح عنها خاسرأ أو غانما يا من يخطي على نفسه ويقترف متى تندم وتعترف؟ يا من بحب العاجل قد كلف، ستعلم غداً جفن من يكف، يا محبوساً في سجن الهوى لو ارعوى أنف، يا متردداً في التوبة سارع ولا تقف إلى متى أعمالك كلها قباح؟ إلى كم فساد؟ متى يكون الصلاح؟ ستفارق هذه الأجساد الأرواح، إما في غدو وإما في رواح ، سيفنى هذا المساء والصباح، وسيخلو البلى بالوجوه الصباح، أفي هذا شك؟ والأمر صراح، أين شارب الراح؟ راح إلى قبر تسفي عليه الرياح، خلى للبلى والدود مباح، لهما اغتباق به ثم اصطباح، عليه نطاق من التراب ووشاح، عنوانه لا يزال مفهومه لا براح، مشغول عمن بكى عليه وناح، أما هذا لنا عن قليل؟ إنا لوقاح، كأنك بملك الموت قد صوت بالروح وراح، فتأهب للنقلة على غفلة: لم أدر بالبين حتى أزمعوا ظعناً ... كل الجمال قبيل الصبح مزموم هذا حادي الرحيل قد استعجلكم فالبدار البدار خلوا كسلكم ودعوا التواني فالتواني قد قتلكم، وا أسفي قد سبق الصالحون فماذا شغلكم " فستذكرونَ ما أَقولُ لكُمْ " :
ما على حادي المطايا لو ترفق ... ريثما أسكب دمعي ثم أعنق يا فؤاداً كلما قلت خبت ... ناره ألهبه الوجد فأحرق ذلك العيش الذي فات به ... سائق الدهر فولّى أين يلحق زال إلا خطرة من ذكره ... كاد إنساني لها بالدمع يشرق يلذع القلب إذا غنى على ... فنن أو ناح قمري مطوق يا معدوداً مع الشيب في الصبيان، يا محبوساً مع البصراء في العميان، يا واقفاً في الماء وهو ظمآن، يا عارفاً بالطريق وهو حيران، أما وعظت بآي القرآن؟ أما زُجرت بناي الأقران؟ أما تعتبر بصروف الزمان؟ أتعمر المنزل وعلى الرحيل السكان؟ أما يكفي وعظ؟ " كلُّ مَنْ عليها فان " ، تسافر ببضائع الأمانة وما تنزل إلا في خان من خان، أفعالك كلها مكتوبة فيا ليت ما كان ما كان، تدفن الميت ولا وعظ كالعيان، ثم تعود غافلاً يا قرب ذا النسيان، ويحك أما تدري أن الهوى هوان " ألَمْ أَعْهَدْ إليكمْ يا بني آدمَ أنْ لا تعبدوا الشيطان " . نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونسكن حين تخفى ذاهبات كروعة ثلة لظهور ذئب ... فلما غاب عادت راتعات يا مستأنساً بظل متقلص، يا حريصاً على الهوى والموت عليه يحرص، يا من إذا كال فمطفف وإن وزن فمتلصص، ما تتخلص من معامل وهو عند الله متخلص، تفكر فيمن أصبح مسروراً فأمسى وهو متنغص، ومتى ازددت لذة فاذكر قبلها المنغص، حاسب نفسك وخذ على يديها، لا ترخص حائط الباطن خراب فلماذا تجصص؟. يا ابن آدم أنت بين ذنب لا تدري أغفر؟ وحسنة لا تدري أقبلت؟ فأين الانزعاج؟ لما سترت عن الصالحين العواقب استراحوا إلى الأحزان وفزعوا إلى البكاء، كانوا يتزاورون فلا تجري في خلوة الزيارة إلا دموع الحذر. كان أشعث الحراني يزور حبيب العجمي فيبكيان طول النهار. باحت بسرّي في الهوى أدمعي ... ودلَّت الواشي على موضعي يا قوم إن كنتم على مذهبي ... في الوجد والحزنِ فنوحوا معي يحق لي أبكي على زلتي ... فلا تلوموني على أدمعي أخواني: أتدرون ما أقلق هذا التائب؟ أعلمتم ما أقدم هذا الغائب؟. سرى نسيم الصبا من حاجر فصبا ... فبات يشكو إلى أنفاسه الوصبا ما يبرح البارق والنجديّ يذكره ... نجداً ويلهبه وجداً إذا التهبا يحق لمن رأى الراحلين إلى الحبيب وهو قاعد أن يبكي ولمن سمع بأخبار الواصلين وهو متباعد أن يقلق. أبصر الركب على الجزع ضحى ... فتوالى دمعه منسفحا يا خليلي بجرعاء الحمى ... سائلاً من حل ذاك الأبطحا وخذا عني أحاديث الغضا ... بخل الراوي بها أو سمحا واستملاها بدمعي واكتبا ... عن أخي الشوق إذا ما شرحا وإذا هب الصبا قولا له ... عد فقد هيَّجت قلباً ما صحا يا أهل الحيّ من كاظمةٍ ... عاد مستور الهوى مفتضحا إذا رأيتم قلقاً فارحموه، وإذا شاهدتم باكياً فوافقوه، وإذا عاينتم واجداً فاتركوه. خلني من العذل ... ما الفؤاد من قبلي لا تسل ففي كبدي ... شعلة من الشعل يا أطفال الهوى أين أنتم والرجال؟. كم من حث وما أرى غير بطا ... لو حركت العزم نحونا فضل خطى تعصي قصداً وتدّعيه غلطاً ... تصمي عمداً وتزعم القتل خطا يا هذا إذا هممت بخير فبادر لئلا تغلب، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تغلب، ثقف نفسك بالآداب قبل صحبة الملوك فإن سياسة الأخلاق مراقي المعالي. قال بزرجمهر: أخذت من كل شيء أحسن ما فيه حتى من الكلب والهر والغراب، قيل ما أخذت من الكلب؟ قال: ذبه عن حريمه وإلفه لأهله، قيل فما أخذت من الهر؟ قال: رفقها عند المسألة ولين صياحها، قيل: ومن الغراب؟ قال: شدة حذره.
لولا سخط نفس أبي بكر عليه لمفارقة هواها ما نال مرتبة: أنا عنك راض، لولا عري أويس ما لبس حلة، يشفع مثل ربيعة ومضر، يا كثير الذنوب متى تقضي؟ يا مقيماً وهو في المعنى يمضي، أترك الهوى محموداً قبل أن يتركك مذموماً، إن فاتتك قصبات السبق في الزهد فلا تفوتنك ساعات الندم في التوبة، يا من كلما حرك إلى الجد الجد سوف، يا من شدد عليه الوعيد وما تخوّف، يا مريض الهوى بل يا مدنف إن كنت لا تعرف الدواء فالطبيب قد عرف، هذا ممكن النصائح ثم أنت بنفسك أعرف. الفصل الثامن والتسعون إخواني: من عرف ما بين يديه لم يؤثر الهوى ولم يلتفت إليه، ومن تفكر في رحيل من كان لديه صار النهوض للتزود متعيناً عليه. رحل الأحبة عن ديارهم ... أهون بما أخذوا وما تركوا وعلمت أين مضى الخليط فما ... أنا بالمبالي أية سلكوا ونفوسنا كحمائم وقفت ... للصائدين ودونها الشبك متضربات في حبائلها ... وهي جناح ضمه الشرك أن الملوك إذا هم احتضروا ... ودوا هنالك أنهم نسكوا كم فرح بشهر وإهلاله متهلل لرؤية هلاله اختطفه الموت في خلاله، كم مائل إلى جمع ماله تركه تركة ومرّ بأثقاله، هل رحم الموت مريضاً لضعف أوصاله؟ هل ترك كاسباً لأجل أطفاله؟ هل أمهل ذا عيال من جرا عياله؟ كم راع قصراً؟ وما راعى عن أبطاله، كم أشرف على شريف فلم ينظر في خلاله؟ كم خرق درعاً نبيلاً بوقع نباله؟ كم أيتم طفلاً صغيراً ولم يباله؟ كم شد نفساً في سعة نعاماه وشماله؟ كم بعث عليلاً إلى البلى؟ بعد التراقي إلى إبلاله فرقى روحه إلى التراقي ولم ينظر في حاله. أليس إلى الآجال نهوي وخلفنا ... من الموت حادٍ لا يغب عجول دع الفكر في حب البقاء وطوله ... فهمك لا العمر القصير يطول ومن نظر الدنيا بعين حقيقة ... تيقن أن العيش سوف يزول وما هذه الأيام إلا فوارس ... تطاردنا والنائبات خيول بينا محب الدنيا في اختيال ومرح، وكلما جاء باباً من أبوابها فتح، وكلما عانى أمراً من أرها صلح، فبينا هو في لذاته يدير القدح، قدح زناد العمر في حراق القدح فمن يستدرك ما فات؟ ومن يداوي ما جرح؟. بينما المرء غافل إذا أتاه ... من يد الموت سالب لا يصد فتأهب لماله كل نفس ... عرضة الأسر إنما الأمر جد إلى كم تعصي وتتمرد؟ وأقبح من قبحك أنك تتعمد، يا رديّ العزم يا سيّء المقصد يا نقي الثوب والقلب أسود، ما هذا الأمل ولست بمخلد؟ يا مستوراً على القبيح أم تجحد أما الطريق طويلة؟ فمتى تتزود؟ تخلص من أسر الهوى فإنك مقيد، أتشتري لذة ساعة بعذاب سرمد؟ سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ... ولا بد من زاد لكل مسافر ولا بد للإنسان من حمل عدة ... ولا سيما إن خيف صولة قاهر يا مدمن الذنوب منذ كان غلاماً، علام عوّلت قل لي علاما؟ أتأمن مأتى من أتى حراما؟ قد ترى ما حلّ بهم، إليك قد ترامى أين المجتمعون على خمورهم والندامى؟ كل القوم في قبورهم ندامى، أما ما جرى على العصاة يكفي إماما؟ لقد ضيّعنا حديثا طويلاً وكلاماً ما أرى إلاّ داءً عقاما: يا ليت شعري ما ادخرتَ ... ليوم بؤسك وافتقارك فلتنزلن بمنزل ... تحتاج فيه إلى ادّخارك أفنيتَ عمرك باغترارك ... ومناك فيه بانتظارك ونسيتَ ما لابدَّ منه ... وكان أولى بادّكارك ولو اعتبرت بما ترى ... لكفاك علماً باعتبارك لك ساعة تأتيك من ... ساعات ليلك أو نهارك فتصير محتضراً بها ... فتهي من قبل احتضارك من قبل أن تقلي وتقصي ... ثم تخرج من ديارك من قبل أن يتثاقل ... الزوّار عنك وعن مزارك
متى تفيق من هذا المرض المراض؟ متى تستدرك هذه الأوقات الطوال العراض؟ يا عرض المنون كيف تبقي الأعراض؟ أما الأعمار في كل يوم في انقراض؟ لقد نبت قبل شكة السهم صكة المعراض، أما ترى الراحلين ماضياً خلف ماض؟ كم بنيان ما تم حتى تم مأتم؟ وهذا قد استفاض، إن الموت إليك كما كان لأبويك في ارتكاض، إن لم تقدر على مشارع الصالحين فرد باقي الحياض، إن لم يكن لك ابن لبون فلتكن بنت مخاض، إلى متى؟ وحتى متى؟ أتعبت الرواض، كلما بنينا نقضت ولا بناء مع نقاض، يا من قد باع نفسه بلذة ساعة بيعاً عن تراض، لبئس ما لبست أتدري ما تعتاض؟ يا علة لا كالعلل و يا مرضاً لا كالأمراض. لقد أخبرتك الحادثات نزولها ... ونادتك إلا أن سمعك ذو وقر تنوح وتبكي للأحبة إن مضوا ... ونفسك لا تبكي وأنت على الإثر يا مخالفاً من نهاه وأمره، يا مضيّعاً في البطالة عمره، الزمان صولجان والعمر كرة الدنيا بحر، والساحل المقبرة احذر نوائبها فإن مشاربها كدرة، على أنها مزرعة يحصد كل ما بذره فلا تحتقر معصية فربما أحرقت شررة، أما عرفت سر " ولا تقْرَبا هذهِ الشَّجَرَة " ، لو اقتنع اكتفى ولكن المحنة الشرة. أخواني: كل مقاتل ليس معه سلاح عزم مغلوب، إذا برز شجاع اليقظة بسلاح الجد هشم وجه الأمل وهزم جيوش الزلل، إذا استشعرت النفس زرمانقة الزهد ودخلت مترهبنة دير العزوف وجدت أنيس، أنا جليس من ذكرني، الخلوة شرك لصيد الموانسة فأخفى الصيادين شخصاً ، وأقلهم حركة أكثرهم التقاطاً للصيد ما صاد هر صاح، وحل المخالطة يلزم المتهذب المتمذهب رفع أذيال قميص الدين. قيل للحسن ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها؟ قال لأنهم: خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره: أبداً نفوس الطالبين ... إلى طلولكم تحن وكذا القلوب بذكركم ... بعد المخافة تطمئن جنت بحبكم ومن ... يهوى يجنُّ ولا يجن بحياتكم يا سادتي ... جودوا بوصلكم ومنوا رحم الله أعظماً طالما نصبت وانتصبت، جنَّ عليها الليل فلما تمكن وثبت، وثبت إن ذكرت عدله رهبت وهربت، وإن تصورت فضله فرحت وطربت، عرفت أذنبت عن خدمته إنها قد أذنبت، هبت على قلوبهم عقيم الحذر فاقشعرّت وندبت، فبكت عليها سحاب الرجاء فاهتزت وربت، حسبك إن قوماً موتى تحيى بذكرهم النفوس وإن قوماً أحياء تقسو برؤيتهم القلوب، سلام الله على تلك القبور ورضوان الله حشو تلك اللحود: طلول إذا دمعي شكا لبين بينها ... شكى غير ذي نطق إلى غير ذي فهم أماكن تعبدهم باكية ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر وذهب ليل النصب وطلع الفجر، جاء في الحديث: تحت شجرة طوبى مستراح العابدين، إنما يطيب مكان الاستراحة بإجراء حديث التعب وإنما يلذ الظل البارد لمن تأذّى بحرِّ الهجير. إخواني: مثلوا الاستراحة تحت شجرة طوبى يهون عليكم السفر، ادأبوا في السير، فقد لاح العلم: لما وردنا القادسية ... حيث مجتمع الرفاق وشممت من أرض الحجاز ... نسيمَ أنفاس العراق أيقنت لي ولمن أحب ... بجمع شملٍ واتفاقِ وضحكت من طيب الوصال ... كما بكيت من الفراق ما بيننا إلاّ تصرّم ... هذه السبع البواقي حتى يطول حديثنا ... بصنوف ما كنا نلاقي الفصل التاسع والتسعون يا هذا هون بأمر الدنيا تهن، وقدّر أنها قط لم تكن، واحفظ دينك من مكرها وصن، فمتى وفت ومتى لم تخن؟ للمتنبي: لا تلق دهركَ إلاّ غيرَ مكترث ... ما دام يصحبُ فيه روحكَ البدنُ فما يديم سروراً ما سررت به ... ولا يُرَدُّ عليك الفائتُ الحزنُ فما أضرَّ بأهل العشق أنهمُ ... هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا تفنى عيونهم دمعاً وأنفسهم ... في أثرِ كلِّ قبيحٍ وجهه حَسَنُ تحملوا حملتكم كل ناحية ... فكل بين على اليوم مؤتمن ما في هوادجكم من مهجتي عوضٌ ... إن متُّ شوقاً ولا فيها لها ثمنُ
سهرتُ بعدَ رحيلي وحشةً لكمُ ... ثم استمرَّ مريري وارعوى الوَسَنُ إنما الدنيا حلم نائم، وقائلة راقد، ومعبَر مُعتبِرْ وضحكة مستعبِرْ، تالله ما أعجب بمالها من نظر في مالها، ولا بنى قصورها من عرف غرورها، ولا مد باع الأمل فباع وشرى بها من تذكر مر شرابها، إنها إذا طغت على الطعام تطغى، وإذا بغى نكاحها على العفاف تبغى، وكأنها تقصد هلاك محبها وتبغى، وكم عذلت في فتكها بالفتى الفتى؟ وتلغى، أما دردرها فغرت؟ فلما فرغت فغرت فاها فرغت للظعن، أما سحبت قرون قارون مع أقرانه إلى القرار في قرن، أما كفكفت بكفها كف مكفوف حبها فأرتك فن ما يكون فيك في كفن، تالله لقد لقي الغبي غب غباوته فلما انجلى غيهب عيبته رأى الغبن والغبن. يا أرباب اللمم الشماط، الموت بكم قد أحاط، هذا العدو منازل فالزموا الرباط، ما هذه الفتور؟ ومهر الحور الجد والنشاط، إياكم والزلل فكم من دم أشاط؟ أما سمعتم منادي " وتلكَ القُرى أَهلكْناهُمْ " ، أما ينذركم أعلام " وكذلكَ أَخْذُ رَبِّكَ " ، أما يفصم عرى عزائمكم " وكم قَصَمْنا منْ قريةٍ " ، أما يقصر من قصوركم " وبئرٍ معطَّلةٍ وقصرٍ مَشيد " ، أما سمعتم هاتف العبر ينادي " فكُلاًّ أخذنا بذنبِهِ " ، إذا رأيتم المبارزين بالخطأ قد اتسع لهم مجال الإمهال فلا تستعجل لهم " إنما نُملي لهُمْ " ، بينا القوم على غرور سرورهم " أَخذْناهُمْ بَغْتَةً " ، يا سالكي سبيلهم انحرفوا عن هذه الجادة. يا هذا: ظلمك لنفسك غاية في القبيح، إلا أن ظلمك لغيرك أقبح، ويحك إن لم تنفع أخاك فلا تؤذه، وإن لم تعطه فلا تأخذ منه، لا تشابهن الحية فإنها تأتي إلى الموضع الذي قد حفره غيرها فتسكنه، ولا تتمثلنَّ بالعقاب فإنه يتكاسل عن طلب الرزق ويصعد على مرقب عال، فأيّ طيرٍ صاد صيداً اتبعه، فلا تكون له همة إلا القاء صيده والنجاة بنفسه، في الحيوانات أخيار وأشرار كبني آدم فالتقط خير الخلال. وخلِّ خسيسها، ولا تكن العصافير أحسن منك مروة، إ