- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28469
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 11 - 20)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:31
الفصل الحادي عشر
أيتها النفس، أقلعي عن الجناح وتوبي، وراجعي إلى الصلاح وأوبي، أيتها النفس قد شان شاني عيوبي، أيتها الجاهلة تكفيني ذنوبي:
يا ويح نفسي من تتابع حوبتي ... لو قد دعاني للحساب حسيبي
فاستيقظي يا نفس ويحك واحذري ... حذراً يهيج عبرتي ونحيبي
أيتها النفس، أقلعي عن الجناح وتوبي، وراجعي إلى الصلاح وأوبي، أيتها النفس قد شان شاني عيوبي، أيتها الجاهلة تكفيني ذنوبي:
يا ويح نفسي من تتابع حوبتي ... لو قد دعاني للحساب حسيبي
فاستيقظي يا نفس ويحك واحذري ... حذراً يهيج عبرتي ونحيبي
واستدركي ما فات منك وسأبقى ... سطوات موت للنفوس طلوب
وابكي بكاء المستغيث واعولي ... إعوال عان في الوثاق غريب
هذا الشباب قد اعتللت بلهوه ... أفليس ذا يا نفس حين مشيبي
هذا النهار يكر ويحك دائباً ... يجري بصرف حوادث وخطوبِ
هذا رقيب ليس عني غافلاً ... يحصي علي ولو غفلت ذنوبي
أوليس من جهل بأني نائم ... نوم السفيه وما ينام رقيبي
آه لنفسي تركت يقينها وتبعت آمالها، ما لها؟ جهلت ما عليها وما لها، أما ضربت العبر؟ بأخذ أمثالها أمثالها، من لها؟ إذا نازلها الموت فغالها، وأخذ منها ما نالها وقد أنى لها، ليتها تفقدت أمورها، أو شهدت أحوالها، تحضر المجالس بنية، فإذا قامت بدا لها، ويحها لو ترى أجزآءا من مالها لهالها.
لابن المعتز:
وكم دهى المرء من نفسه ... فلا تؤكلن بأنيابها
وإن مكنت فرصة في العدو ... فلا تبدو فعلك إلا بها
قال أبو زيد: رأيت الحق في المنام، فقلت: يا رب كيف أجدك؟ قال: فارق نفسك وتعال.
جاء رجل إلى أبي علي الدقاق، فقال: قد قطعت إليك مسافة، فقال: ليس هذا المر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة وقد حصل لك مقصود، لو عرفت منك نفسك التحقيق لسارت معك في أصعب مضيق، لكنها ألفت التفاتك، فلما طلبت قهرها، فاتك، هلا شددت الحيازم، وقمت قيام حازم، وفعلت فعل عازم، وقطعت على أمر جازم، تقصد الخير ولكن ما تلازم:
ويعرف أخلاق الجبان جوادُه ... فيجهده كراً ويرهبه ذعرا
ومن كل تطلاب المعالي بصدره ... بحد حلو ما يعطاه من غير هامرا
حريم العزم الصادق حرام على المتردد، متى تحزم العزم هزم، لو رأيت صاحب العزم وقد سرى حين رقدت السراحين، بهمة تحل فوق الفرقد فلنفسه نفاسة ولإنفه إنفة، سهم الشهم مفوق عرضة الغرض.
كان الفضيل ميتاً بالذنوب، وابن أدهم مقتولاً بالكبر، والسبتي هالكاً بالملك، والجنيد من جيد الجند، فنفخ في صور المواعظ، فدبت أرواح الهدى في موتى الهوى، فانشقت عنهم قبور الغفلة، وصاح إسرافيل الاعتبار " كذلك يحيي الله الموتى " إنما سمع الفضيل آية، فذلت نفسه لها واستكانت، وهي " كانت " إنما زجر ابن أدهم بكلمة كلمت قلبه فانقلب، هايف عاتبه ولام أخرجه من بلخ إلى الشام كانت عقدة قلوبهم بأنشوطة، ومسد قلبك كله عقد، لاحت للقوم، جادة السلوك " قالوا ربنا الله ثم استقاموا " .
هيهات منك غبار ذلك الموكب، ركبوا سفين العزم فهبت لهم رياح العون، فقطعوا بالعلم لجج الجهل، فوصلوا إلى إقليم أرض الفهم فأرسلوا على ساحل بلد الوصل، إذا استصلح القدر أرض قلب قلبها بمحراث الخوف وبذر فيها حب المحبة، وأدار لها دولاب العين، وأقام ناطور المراقبة، فتربى زرع التقى على سوقه، أصفهم عند من؟ انثر الدر على دمن:
بلغ سلامي بالغوير جيرة ... قلبي وإن حالوا إليهم تائق
فارقتهم كرهاً وليت أنني ... للروح من دونهم مفارق
ولست أنساهم وإن تقطعت ... بالبعد فيما بيننا علايق
يا نفس، عند ذكر الصالحين تبكين، وعند شرح جدهم تأنين، وإذا تصورت طيب عيشهم تحنين، فإذا عرفت قيامهم بالخدمة تنكبين.
للمهيار:
أمن خفوق البرق ترزمينا ... حِنِّي فما أمنعك الحنينا
سيري يميناً وسراك شأمةً ... فضلة ما تتلفّتينا
نعم تُشاقين وأشتاق له ... ونعلن الوجد وتكتمينا
فأين منا اليوم أو منك الهوى ... وأين نجد والمغوِّرينا
لما اشتغل القوم بإصلاح قلوبهم أعرضوا عن إصلاح أبدانهم، عري أويس حتى جلس في قوصرة، وقدم بشر من عبادان وهو متشح بحصير.
للسموءل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو ل يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
وابكي بكاء المستغيث واعولي ... إعوال عان في الوثاق غريب
هذا الشباب قد اعتللت بلهوه ... أفليس ذا يا نفس حين مشيبي
هذا النهار يكر ويحك دائباً ... يجري بصرف حوادث وخطوبِ
هذا رقيب ليس عني غافلاً ... يحصي علي ولو غفلت ذنوبي
أوليس من جهل بأني نائم ... نوم السفيه وما ينام رقيبي
آه لنفسي تركت يقينها وتبعت آمالها، ما لها؟ جهلت ما عليها وما لها، أما ضربت العبر؟ بأخذ أمثالها أمثالها، من لها؟ إذا نازلها الموت فغالها، وأخذ منها ما نالها وقد أنى لها، ليتها تفقدت أمورها، أو شهدت أحوالها، تحضر المجالس بنية، فإذا قامت بدا لها، ويحها لو ترى أجزآءا من مالها لهالها.
لابن المعتز:
وكم دهى المرء من نفسه ... فلا تؤكلن بأنيابها
وإن مكنت فرصة في العدو ... فلا تبدو فعلك إلا بها
قال أبو زيد: رأيت الحق في المنام، فقلت: يا رب كيف أجدك؟ قال: فارق نفسك وتعال.
جاء رجل إلى أبي علي الدقاق، فقال: قد قطعت إليك مسافة، فقال: ليس هذا المر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة وقد حصل لك مقصود، لو عرفت منك نفسك التحقيق لسارت معك في أصعب مضيق، لكنها ألفت التفاتك، فلما طلبت قهرها، فاتك، هلا شددت الحيازم، وقمت قيام حازم، وفعلت فعل عازم، وقطعت على أمر جازم، تقصد الخير ولكن ما تلازم:
ويعرف أخلاق الجبان جوادُه ... فيجهده كراً ويرهبه ذعرا
ومن كل تطلاب المعالي بصدره ... بحد حلو ما يعطاه من غير هامرا
حريم العزم الصادق حرام على المتردد، متى تحزم العزم هزم، لو رأيت صاحب العزم وقد سرى حين رقدت السراحين، بهمة تحل فوق الفرقد فلنفسه نفاسة ولإنفه إنفة، سهم الشهم مفوق عرضة الغرض.
كان الفضيل ميتاً بالذنوب، وابن أدهم مقتولاً بالكبر، والسبتي هالكاً بالملك، والجنيد من جيد الجند، فنفخ في صور المواعظ، فدبت أرواح الهدى في موتى الهوى، فانشقت عنهم قبور الغفلة، وصاح إسرافيل الاعتبار " كذلك يحيي الله الموتى " إنما سمع الفضيل آية، فذلت نفسه لها واستكانت، وهي " كانت " إنما زجر ابن أدهم بكلمة كلمت قلبه فانقلب، هايف عاتبه ولام أخرجه من بلخ إلى الشام كانت عقدة قلوبهم بأنشوطة، ومسد قلبك كله عقد، لاحت للقوم، جادة السلوك " قالوا ربنا الله ثم استقاموا " .
هيهات منك غبار ذلك الموكب، ركبوا سفين العزم فهبت لهم رياح العون، فقطعوا بالعلم لجج الجهل، فوصلوا إلى إقليم أرض الفهم فأرسلوا على ساحل بلد الوصل، إذا استصلح القدر أرض قلب قلبها بمحراث الخوف وبذر فيها حب المحبة، وأدار لها دولاب العين، وأقام ناطور المراقبة، فتربى زرع التقى على سوقه، أصفهم عند من؟ انثر الدر على دمن:
بلغ سلامي بالغوير جيرة ... قلبي وإن حالوا إليهم تائق
فارقتهم كرهاً وليت أنني ... للروح من دونهم مفارق
ولست أنساهم وإن تقطعت ... بالبعد فيما بيننا علايق
يا نفس، عند ذكر الصالحين تبكين، وعند شرح جدهم تأنين، وإذا تصورت طيب عيشهم تحنين، فإذا عرفت قيامهم بالخدمة تنكبين.
للمهيار:
أمن خفوق البرق ترزمينا ... حِنِّي فما أمنعك الحنينا
سيري يميناً وسراك شأمةً ... فضلة ما تتلفّتينا
نعم تُشاقين وأشتاق له ... ونعلن الوجد وتكتمينا
فأين منا اليوم أو منك الهوى ... وأين نجد والمغوِّرينا
لما اشتغل القوم بإصلاح قلوبهم أعرضوا عن إصلاح أبدانهم، عري أويس حتى جلس في قوصرة، وقدم بشر من عبادان وهو متشح بحصير.
للسموءل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو ل يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
كان أويس يلتقط النوى فيبيعه بما يفطر عليه، فإذا أصاب حشفة ادخرها لإفطاره، ويجمع الخرق من المزابل فيغسلها في الفرات ويرقعها ليستر عورته، ويفر من الناس فلا يجالسهم، فقالوا مجنون، لا تصح المحبة، حتى يمحي الاسم المعروف، باسم متجدد، فإن اسم قيس نسي، وعرف بالمجنون:
لولا جنوني فيك ما ... قعد العواذل لي وقاموا
أولى يلوم العاذلون ... وليس لي قلي يلام
بني أهل أويس له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنون لا يرون له وجهاً، وكان إذا خرج يمشي ضرب الصبيان عقيبه بالحجارة حتى تدمي، وهو ساكت ولسان حاله يقول:
ولقيت في حبيك ما لم يلقه ... في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم أتبع وحش الفلا ... كفعال قيس والجنون فنون
لقي بعض الجند إبراهيم بن أدهم في البرية، فقال له: أين العمران؟ فأومى بيده إلى المقابر، فضربه فشج رأسه، فقيل له: هذا ابن أدهم فرجع يعتذر إليه فقال له إبراهيم: الرأس الذي يحتاج إلى اعتذارك تركته ببلخ:
عزى ذلي وصحتي في سقمي ... يا قوم رضيت بالهوى سفك دمي
عذالي كفوا فمن ملامي ألمي ... من بات على وعد اللقا لم ينم
مر رجل بابن أدهم وهو ينظر كرماً فقال: ناولني من هذا العنب فقال ما أذن لي صاحبه، فقلب السوط وضرب رأسه، فجعل يطأطئ رأسه، ويقول: اضرب رأساً طالما عصى الله:
من أجلك قد جعلت خدي أرضاً ... للشامت والحسود حتى ترضى
مولاي إلى متى بهذا أحظى ... عمري يفنى وحاجتي ما تقضى
لو قطعني الغرام إرباً إرباً ... ما ازددت على الملام إلا حبا
لا زلت بكم أسير وجد صبا ... حتى أقضي على هواكم نحبا
كان ابن أدهم يستغيث من كرب وجده، ويبول الدم من كثرة خوفه، فطلب يوماً سكوناً من قلقه، فقال: يا رب إن كنت وهبت لأحد من المحبين لك ما يستريح به، فهب لي، فقيل له في نومه: وهل يسكن محب بغير حبيبه؟
الجسم يذيبه الأسى والسهد ... والقلب ينوبه الجوى والكمد
هم قد وجدوا وهكذا ما وجدوا ... ما جن بهم مثل جنوني أحد
شوق وجوى ونار وجد تقد ... مالي جلد ضعفت ما لي جلد
الفصل الثاني عشر
عجباً لذكر الموت كيف يلهو؟ ولخائف الفوت وهو يسهو، ولمتيقن حلول الليل ثم يزهو، وإذا ذكرت له الآخر مر يلغو.
لأبي العتاهية:
إني أرقت وذكر الموت أرَّقني ... فقلتُ للدمع: أسعدني فأسعدني
إن لم أبك لنفسي مشعراً حزناً ... قبل الممات ولم آسف لها فمن
يا من يموت ولم تحزنه موتته ... ومن يموت فما أولاه بالحزن
لمن أثْمِّرُ أموالي وأجمِّعها ... لمن أروح لمن أغدو لمن لمن
لمن سيرفع بي نعشي ويتركني ... في حفرتي ترب الخدين والذقن
يا غافلاً عن الموت وقد لدغه، أخذ قرينه فقتله ودمغه، تأمل صنع الدهر بالرأس إذ صبغه، بأي حديث ترعوي أو بأي لغة؟ كم رأيت مغروراً قبلك؟ كم شاهدت منقولاً مثلك؟ من أباد أقرانك؟ ومن أهلك أهلك؟ لقد نادى الموت وقال: أخذتم أماني يا أهل الأماني والآمال، أين من كان في روح وسعة؟ نقلته إلى مكان ما وسعه، أين من كان يسري آمناً في سربه، أما قيل للتلف؟ خذه وسر به، أما عاقبة الألفة فرقة؟ أما آخر جرعة اللذة شرقة؟ أما ختما الفرح قلق وحرقة؟ أما زاد ذي المال إلى القبر خرقة؟ أعِرْ سمعك الأصوات، فهل تسمع إلا فلاناً مات؟ أجل بصرك في الفلوات فهل ترى إلا القبور الدارسات؟
قوض الموت طود عزهم الشا ... مخ قسراً والدهر ذو حدثان
واسترد الذي أعار وللأ ... يام ظهراً خشونة وليان
وإذا صاح صايح الموت في قو ... م غدوا كل واحد في مكان
لولا جنوني فيك ما ... قعد العواذل لي وقاموا
أولى يلوم العاذلون ... وليس لي قلي يلام
بني أهل أويس له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنون لا يرون له وجهاً، وكان إذا خرج يمشي ضرب الصبيان عقيبه بالحجارة حتى تدمي، وهو ساكت ولسان حاله يقول:
ولقيت في حبيك ما لم يلقه ... في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم أتبع وحش الفلا ... كفعال قيس والجنون فنون
لقي بعض الجند إبراهيم بن أدهم في البرية، فقال له: أين العمران؟ فأومى بيده إلى المقابر، فضربه فشج رأسه، فقيل له: هذا ابن أدهم فرجع يعتذر إليه فقال له إبراهيم: الرأس الذي يحتاج إلى اعتذارك تركته ببلخ:
عزى ذلي وصحتي في سقمي ... يا قوم رضيت بالهوى سفك دمي
عذالي كفوا فمن ملامي ألمي ... من بات على وعد اللقا لم ينم
مر رجل بابن أدهم وهو ينظر كرماً فقال: ناولني من هذا العنب فقال ما أذن لي صاحبه، فقلب السوط وضرب رأسه، فجعل يطأطئ رأسه، ويقول: اضرب رأساً طالما عصى الله:
من أجلك قد جعلت خدي أرضاً ... للشامت والحسود حتى ترضى
مولاي إلى متى بهذا أحظى ... عمري يفنى وحاجتي ما تقضى
لو قطعني الغرام إرباً إرباً ... ما ازددت على الملام إلا حبا
لا زلت بكم أسير وجد صبا ... حتى أقضي على هواكم نحبا
كان ابن أدهم يستغيث من كرب وجده، ويبول الدم من كثرة خوفه، فطلب يوماً سكوناً من قلقه، فقال: يا رب إن كنت وهبت لأحد من المحبين لك ما يستريح به، فهب لي، فقيل له في نومه: وهل يسكن محب بغير حبيبه؟
الجسم يذيبه الأسى والسهد ... والقلب ينوبه الجوى والكمد
هم قد وجدوا وهكذا ما وجدوا ... ما جن بهم مثل جنوني أحد
شوق وجوى ونار وجد تقد ... مالي جلد ضعفت ما لي جلد
الفصل الثاني عشر
عجباً لذكر الموت كيف يلهو؟ ولخائف الفوت وهو يسهو، ولمتيقن حلول الليل ثم يزهو، وإذا ذكرت له الآخر مر يلغو.
لأبي العتاهية:
إني أرقت وذكر الموت أرَّقني ... فقلتُ للدمع: أسعدني فأسعدني
إن لم أبك لنفسي مشعراً حزناً ... قبل الممات ولم آسف لها فمن
يا من يموت ولم تحزنه موتته ... ومن يموت فما أولاه بالحزن
لمن أثْمِّرُ أموالي وأجمِّعها ... لمن أروح لمن أغدو لمن لمن
لمن سيرفع بي نعشي ويتركني ... في حفرتي ترب الخدين والذقن
يا غافلاً عن الموت وقد لدغه، أخذ قرينه فقتله ودمغه، تأمل صنع الدهر بالرأس إذ صبغه، بأي حديث ترعوي أو بأي لغة؟ كم رأيت مغروراً قبلك؟ كم شاهدت منقولاً مثلك؟ من أباد أقرانك؟ ومن أهلك أهلك؟ لقد نادى الموت وقال: أخذتم أماني يا أهل الأماني والآمال، أين من كان في روح وسعة؟ نقلته إلى مكان ما وسعه، أين من كان يسري آمناً في سربه، أما قيل للتلف؟ خذه وسر به، أما عاقبة الألفة فرقة؟ أما آخر جرعة اللذة شرقة؟ أما ختما الفرح قلق وحرقة؟ أما زاد ذي المال إلى القبر خرقة؟ أعِرْ سمعك الأصوات، فهل تسمع إلا فلاناً مات؟ أجل بصرك في الفلوات فهل ترى إلا القبور الدارسات؟
قوض الموت طود عزهم الشا ... مخ قسراً والدهر ذو حدثان
واسترد الذي أعار وللأ ... يام ظهراً خشونة وليان
وإذا صاح صايح الموت في قو ... م غدوا كل واحد في مكان
يا ساكناً مسكن من قد أزعج، يا شارباً فضلة من شرق، تصحو في المجلس ساعة من خمار الهوى، ثم تسليك حميا الكأس، هيهات ليس في البرق اللامع مستمتع لمن يخوض الظلمة، كم أعطف عطفك بلجام العظة إلى عطفة اليقظة، فإذا انقضى المجلس عاد الطبع " ثانيَ عطْفِه " وتأبى الطباع على الناقل يا من قد لجج في لجة الهوى، قارب الساحل في قارب، دنا رحيل الرفقة وما اشتريت للمير قوت ليلة، كلما جد اللعب فتر النشاط في الجد، صحح نقدة عملك فقد انقرضت أيام الأسبوع، جوّد غزل عزمك، فلربما لم تسامح وقت الوزن، صابر غبش العيش فقد دنا فجر الأجر.
انتبه الاغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان؟ مد بحر القدرة، فجرى بمراكب الصور، فرست على ساحل إقليم الدنيا فعاملت في موسم الحياة مدة الجزر، ثم عاد المد فرد إلى برزخ الترب، فقذف محاسن الأبنية في حفر اللحود، وسيأتي طوفان البعث عن قرب، فاحذر أن تدفع دونك سفينة النجاة، فتستغيث وقت الفوت ولا عاصم كأنك بك في قبرك، على فراش الندم وأنه والله لأخشن من الجندل.
فازرع في ربيع حياتك قبل جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك لزمان عجزك، واعتبر رحلك قبل رحيلك، مخالفة الفقر في القبر إلى لازم الأخذ " أن تقول نفسٌ يا حسرتا " .
يا هذا. مثل لنفسك صرعة الموت، وما قد عزمت أن تفعل حينئذ وقت الأسر، فافعله وقت الإطلاق.
لقيس بن ذريح:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فكنت كآت حتفه وهو طائع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى ... بلبنى وبانت عنك ما أنت صانع
كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق، وانهزمت جيوش الأمل وإذا بملك الموت قد بارز الروح، يجتذبها بخطاطيف الشدائد من تيار أوتار العروق، وقد أوثق كتاف الذبيح، وحار البصر لشدة الهول وملائكة الرحمة عن اليمين، قد فتحوا أبواب الجنة، وملائكة العذاب عن الشمال قد فتحوا أبواب النار وجميع المخلوقات تستوكف الخبر، والكون كله قد قام على صيحة، إما أن يقال: سعد فلان، أو شقي فلان، فحينئذ تتجلى أبصار " الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري " ويحك تهيأ لتلك الساعة، حصل زاداً قبل العوز.
للصمة القشيري:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
وا أسفاه من حياة على غرور، وموت على غفلة، ومنقلب إلى حسرة، ووقوف يوم الحساب بلا حجة.
يا هذا، مثل نفسك في زاوية من زوايا جهنم وأنت تبكي أبداً، وأبوابها مغلقة وسقوفها مطبقة وهي سوداء مظلمة، لا رفيق تأنس به، ولا صديق تشكو إليه، ولا نوم بريح ولا نفس، قال كعب إن أهل النار ليأكلون أيديهم إلى المناكب، من الندامة على تفريطهم، وما يشعرون بذلك. يا مطروداً عن الباب، يا مضروباً بسوط الحجاب، لو وفيت بعهودنا، ما رميناك بصدودنا، لو كاتبتنا بدمع الأسف، لعفونا عن كل ما سلف.
ولو أنهم عند كشف القناع ... وحل العقود ونقض العهودِ
وخلعهم لعذار الحياء ... ولبسهم لبرود الصدودِ
أناخوا بأبوابنا ساعة ... وأجروا مدامعهم في الخدودِ
لعدنا سراعاً إلى وصلهم ... وقلنا قلوب المحبين عودي
الفصل الثالث عشر
كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها، وكم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها، وكم نقل ذاتاً ذات أخطاء بأوزارها، وكم أجرى عيوناً كالعيون بعد بعد مزارها.
يا مغرماً بوصال عيشٍ ناعم ... ستصد عنه طائعاً أو كارها
إن المنية تزعج الأحرار عن ... أوطانهم والطير عن أوكارها
أخواني: قد حام الحمام حول حماكم، وصاح بكم إذ خلا النادي وناداكم، وأولاكم من النصح حقكم، فما أحقكم بالتدبر وأولاكم، وهو عازم على اقتناصكم، وما المقصود سواكم. كم أخلى الموت داراً فدارا؟ أما استلب كسرى بن دارا؟ أدارى لما أخذ داراً؟ أما ترك العامر قفاراً؟ أما أذاق الغصص المر مراراً؟ لقد جال يميناً ويساراً؟ فما حابى فقراً ولا يساراً.
انتبه الاغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان؟ مد بحر القدرة، فجرى بمراكب الصور، فرست على ساحل إقليم الدنيا فعاملت في موسم الحياة مدة الجزر، ثم عاد المد فرد إلى برزخ الترب، فقذف محاسن الأبنية في حفر اللحود، وسيأتي طوفان البعث عن قرب، فاحذر أن تدفع دونك سفينة النجاة، فتستغيث وقت الفوت ولا عاصم كأنك بك في قبرك، على فراش الندم وأنه والله لأخشن من الجندل.
فازرع في ربيع حياتك قبل جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك لزمان عجزك، واعتبر رحلك قبل رحيلك، مخالفة الفقر في القبر إلى لازم الأخذ " أن تقول نفسٌ يا حسرتا " .
يا هذا. مثل لنفسك صرعة الموت، وما قد عزمت أن تفعل حينئذ وقت الأسر، فافعله وقت الإطلاق.
لقيس بن ذريح:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فكنت كآت حتفه وهو طائع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى ... بلبنى وبانت عنك ما أنت صانع
كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق، وانهزمت جيوش الأمل وإذا بملك الموت قد بارز الروح، يجتذبها بخطاطيف الشدائد من تيار أوتار العروق، وقد أوثق كتاف الذبيح، وحار البصر لشدة الهول وملائكة الرحمة عن اليمين، قد فتحوا أبواب الجنة، وملائكة العذاب عن الشمال قد فتحوا أبواب النار وجميع المخلوقات تستوكف الخبر، والكون كله قد قام على صيحة، إما أن يقال: سعد فلان، أو شقي فلان، فحينئذ تتجلى أبصار " الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري " ويحك تهيأ لتلك الساعة، حصل زاداً قبل العوز.
للصمة القشيري:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
وا أسفاه من حياة على غرور، وموت على غفلة، ومنقلب إلى حسرة، ووقوف يوم الحساب بلا حجة.
يا هذا، مثل نفسك في زاوية من زوايا جهنم وأنت تبكي أبداً، وأبوابها مغلقة وسقوفها مطبقة وهي سوداء مظلمة، لا رفيق تأنس به، ولا صديق تشكو إليه، ولا نوم بريح ولا نفس، قال كعب إن أهل النار ليأكلون أيديهم إلى المناكب، من الندامة على تفريطهم، وما يشعرون بذلك. يا مطروداً عن الباب، يا مضروباً بسوط الحجاب، لو وفيت بعهودنا، ما رميناك بصدودنا، لو كاتبتنا بدمع الأسف، لعفونا عن كل ما سلف.
ولو أنهم عند كشف القناع ... وحل العقود ونقض العهودِ
وخلعهم لعذار الحياء ... ولبسهم لبرود الصدودِ
أناخوا بأبوابنا ساعة ... وأجروا مدامعهم في الخدودِ
لعدنا سراعاً إلى وصلهم ... وقلنا قلوب المحبين عودي
الفصل الثالث عشر
كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها، وكم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها، وكم نقل ذاتاً ذات أخطاء بأوزارها، وكم أجرى عيوناً كالعيون بعد بعد مزارها.
يا مغرماً بوصال عيشٍ ناعم ... ستصد عنه طائعاً أو كارها
إن المنية تزعج الأحرار عن ... أوطانهم والطير عن أوكارها
أخواني: قد حام الحمام حول حماكم، وصاح بكم إذ خلا النادي وناداكم، وأولاكم من النصح حقكم، فما أحقكم بالتدبر وأولاكم، وهو عازم على اقتناصكم، وما المقصود سواكم. كم أخلى الموت داراً فدارا؟ أما استلب كسرى بن دارا؟ أدارى لما أخذ داراً؟ أما ترك العامر قفاراً؟ أما أذاق الغصص المر مراراً؟ لقد جال يميناً ويساراً؟ فما حابى فقراً ولا يساراً.
يا هذا، مطايا العمر قد أعنقت وأنت في مسامرة الأمل، معاول الساعات تهدم حايط الأجل، فرايس المهج في مضابث أسد المنايا، أسنة القنا مشرعة ولا درع، عقارب الخدع دائمة للسع، غير أن خدران الغفلة يمنع الإحساس بسريان السم، آه من مثاقف ما ينتهي عن القتل، الناس في الدنيا ككيزان الدولاب، فالشاب مثل الممتلي، والكهل قد فرغ بعضه، والشيخ لم يبق فيه شيء. الشاب المتقي في مقام " يحبهم " والكهل المنحط في مرتبة " خَلَطوا عملاً صالحاً " والشيخ في حيز " تجدني عند المنكسرة قلوبهم " .
يا من قد انطوى برد شبابه، وخبيت خلع تلفه، وبلغت سفينته ساحل سفره، قف على ثنية الوداع، فلم تبق إلا ساعة تتغنم، لو فتحت عين اليقظة لرأيت حيطان العمر قد تهدمت، فبكيت على خراب دار الأجل. صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر، فما تيقظت فستنتبه، إذا نعق الغراب البين بين البين.
ومشتت العزمات ينفق عمره ... حيران لا ظفر ولا أخفاق
لا في الشباب وافقت، ولا في الكهولة رافقت، ولا في الشيب أفقت، ولا من العتاب أشفقت، فكأنك ما آمنت بالمعاد ولا صدقت.
يا مقيماً على الهوى وليس بمستقيم، يا مبذراً في بضاعة العمر متى يؤنس منك رشد؟ يا أكمة البصر، لا حيلة فيها لعيسى، يا طويل الرقاد ولا نوم أهل الكهف، كيف يفلح من هو والكسل كندمائي جذيمة؟.
الدنيا مضمار سباق، والليل سرى، وطلب الراحة تحنث:
فلا تحسبوا أن المعالي رخيصة ... ولا أن إدراك العلى هين سهل
فما كل من يسعى إلى المجد ناله ... ولا كل من يهوى العلا نفسه تعلو
من تذكر حلاوة العاقبة نسي مرارة الصبر، الرجولية بالهمة لا بالصورة، نزول همة الكساح حطه في بئر الأنجاس، قنديل الفكر في محراب قلبك مظلم، فاطلب له زيت خلوة، وفتيلة عزم بينك وبين المتقين حبل الهوى، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه، فاطو فضل منزل تلحق، لو علوت نشز الجد، بانت بانة الوادي.
للمهيار:
إن كنت ممن يطلع الوادي فسلْ ... بين البيوت عن فوادي ما فعلْ
عز هواكِ فأذلَّ جَلَدي ... والحب ما رقَّ له الجَلْد وذلّ
أين ليالينا على الخيف وهل ... يرد عيشاً فائتاً قولك هل
يا مقيداً بقيود الطرد، الق نفسك في الدجى على باب الذل، وقل إلهي، كم لك سواي ومالي سواك، فبفقري إليك وعناك عني، ألا عفوت عني.
أيا منعماً لم يزل محسناً ... برى جسدي سخطك الدائمُ
إلى النحر مني مضمومة ... يداي كما يفعل النادمُ
يزل الحليم ويكبو الجواد ... وينبو عن الضربة الصارمُ
يا هذا، ليس في المياه ما يقلع آثار الذنب من ثوب القلب إلا الدموع، فإن نضبت ولم يزل الأثر فعليك بالاغتراف من بحر الاعتراف.
ودعت قلبي حين ودعتهم ... وقلت يا قلبي عليك السلامُ
وصحتُ بالنوم انصرف راشداً ... فإن عيني بعدهم لا تنامُ
أحضر نادي المتهجدين ونادهم طوبى لكم وجدتم قلوبكم فارحموا من لا يجد:
إذا وصلتم إلى وادي العقيق سلوا ... عن حال منقطع أودى به السهر
وفتشوا عن فؤاد هائم قلق ... قد ضاع مني فلا عين ولا أثر
أنجع الوسائل الذل، وأبلغ الأسباب في العفو البكاء، والعي عن ترتيب العذر بلاغة المنكسر.
يا من أشكو إليه ما يعلمه ... والدمع يذيع كلما أكتمه
هذا المسكين من ترى يرحمه ... قد هان عليه كلما يؤلمه
بالجسم من السقام ما يحرضه ... والقلب يذوب من جوى يمرضه
ما قد حكم الإله من ينقضه ... قد أعوزني الصبر فمن يقرضه
الفصل الرابع عشر
لقد خوفنا الموت بمن أخذ منا، ونعلم هجومه علينا وقد آمنا، ما أذكرتنا المواعظ فما لنا ما لنا:
لا ترقدن لعينك السهر ... وانظر إلى ما تصنع العبرُ
انظر إلى عبر مصرفة ... ما دام يمكن طرفك النظرُ
فإذا جهلت ولم تجد أحداً ... فسل الزمان فعنده الخبرُ
فإذا نظرت تريد معتبراً ... فانظر إليك ففيك معتبرُ
أنت الذي تنعاه خلقته ... ينعاه منه الشعر والبشرُ
يا من قد انطوى برد شبابه، وخبيت خلع تلفه، وبلغت سفينته ساحل سفره، قف على ثنية الوداع، فلم تبق إلا ساعة تتغنم، لو فتحت عين اليقظة لرأيت حيطان العمر قد تهدمت، فبكيت على خراب دار الأجل. صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر، فما تيقظت فستنتبه، إذا نعق الغراب البين بين البين.
ومشتت العزمات ينفق عمره ... حيران لا ظفر ولا أخفاق
لا في الشباب وافقت، ولا في الكهولة رافقت، ولا في الشيب أفقت، ولا من العتاب أشفقت، فكأنك ما آمنت بالمعاد ولا صدقت.
يا مقيماً على الهوى وليس بمستقيم، يا مبذراً في بضاعة العمر متى يؤنس منك رشد؟ يا أكمة البصر، لا حيلة فيها لعيسى، يا طويل الرقاد ولا نوم أهل الكهف، كيف يفلح من هو والكسل كندمائي جذيمة؟.
الدنيا مضمار سباق، والليل سرى، وطلب الراحة تحنث:
فلا تحسبوا أن المعالي رخيصة ... ولا أن إدراك العلى هين سهل
فما كل من يسعى إلى المجد ناله ... ولا كل من يهوى العلا نفسه تعلو
من تذكر حلاوة العاقبة نسي مرارة الصبر، الرجولية بالهمة لا بالصورة، نزول همة الكساح حطه في بئر الأنجاس، قنديل الفكر في محراب قلبك مظلم، فاطلب له زيت خلوة، وفتيلة عزم بينك وبين المتقين حبل الهوى، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه، فاطو فضل منزل تلحق، لو علوت نشز الجد، بانت بانة الوادي.
للمهيار:
إن كنت ممن يطلع الوادي فسلْ ... بين البيوت عن فوادي ما فعلْ
عز هواكِ فأذلَّ جَلَدي ... والحب ما رقَّ له الجَلْد وذلّ
أين ليالينا على الخيف وهل ... يرد عيشاً فائتاً قولك هل
يا مقيداً بقيود الطرد، الق نفسك في الدجى على باب الذل، وقل إلهي، كم لك سواي ومالي سواك، فبفقري إليك وعناك عني، ألا عفوت عني.
أيا منعماً لم يزل محسناً ... برى جسدي سخطك الدائمُ
إلى النحر مني مضمومة ... يداي كما يفعل النادمُ
يزل الحليم ويكبو الجواد ... وينبو عن الضربة الصارمُ
يا هذا، ليس في المياه ما يقلع آثار الذنب من ثوب القلب إلا الدموع، فإن نضبت ولم يزل الأثر فعليك بالاغتراف من بحر الاعتراف.
ودعت قلبي حين ودعتهم ... وقلت يا قلبي عليك السلامُ
وصحتُ بالنوم انصرف راشداً ... فإن عيني بعدهم لا تنامُ
أحضر نادي المتهجدين ونادهم طوبى لكم وجدتم قلوبكم فارحموا من لا يجد:
إذا وصلتم إلى وادي العقيق سلوا ... عن حال منقطع أودى به السهر
وفتشوا عن فؤاد هائم قلق ... قد ضاع مني فلا عين ولا أثر
أنجع الوسائل الذل، وأبلغ الأسباب في العفو البكاء، والعي عن ترتيب العذر بلاغة المنكسر.
يا من أشكو إليه ما يعلمه ... والدمع يذيع كلما أكتمه
هذا المسكين من ترى يرحمه ... قد هان عليه كلما يؤلمه
بالجسم من السقام ما يحرضه ... والقلب يذوب من جوى يمرضه
ما قد حكم الإله من ينقضه ... قد أعوزني الصبر فمن يقرضه
الفصل الرابع عشر
لقد خوفنا الموت بمن أخذ منا، ونعلم هجومه علينا وقد آمنا، ما أذكرتنا المواعظ فما لنا ما لنا:
لا ترقدن لعينك السهر ... وانظر إلى ما تصنع العبرُ
انظر إلى عبر مصرفة ... ما دام يمكن طرفك النظرُ
فإذا جهلت ولم تجد أحداً ... فسل الزمان فعنده الخبرُ
فإذا نظرت تريد معتبراً ... فانظر إليك ففيك معتبرُ
أنت الذي تنعاه خلقته ... ينعاه منه الشعر والبشرُ
يا من يؤمل أنت منتظر ... أملاً يطول ولست تنتظرُ
ماذا تقول وأنت في غصصٍ ... ماذا تقول وذوقك المدرُ
ماذا تقول وقد لحقت بما ... يجري عليه الريح والمطرُ
كم قد عفتْ عين لها أثر ... درستْ ويُدرس بعدها الأثرُ
يا من يشيع ببدنه الميت، فأما قلبه ففي البيت، أتخلى بين المودود والدود؟ وتعود إلى المعاصي حين تعود، هلا أجلت بالبال ذكر البالي؟ وقلت للنفس الجاهلة: هذا لي، من زار القبور والقلب غافل وسعى بين الأجداث والفكر ذاهل وشغله عن الاعتبار لهو شاغل فهو قتيل قد أسكره القاتل:
وما أعطى الصبابة ما استحقت ... عليه ولا قضى حق المنازل
ملاحظها بعين غير عبرى ... وزايرها بجسم غير ناحل
شيّع الحسن جنازة فجلس على شفير القبر فقال: إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن أمراً هذا أوله، لحقيق أن يخاف آخره.
أخواني، كيف الأمن؟ وهذا الفاروق يقول: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً وفضة لافتديت بها، كيف الأمن؟ من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر؟ لما طعن عمر قال لابنه ضع خدي على التراب فوضعه فبكا حتى لصق الطين بعينيه وجعل يقول: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، ودخل عليه كعب، وكان قد قال له إنك ميت إلى ثلاثة أيام، فلما رآه أنشد
وواعدني كعب ثلاثاً بعدها ... ولا شك أن القول ما قاله كعب
وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذار الذنب الذي يتبعه الذنب
واعجباً من خوف عمر مع كماله وأمنك مع نقصانك، قيل لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ فقال: كان الطائر الحذر الذي كان له بكل طريق شركاً.
يا مسدود الفهم بكثرة الشواغل أحضر قلبك لحظة للعظة، يا جامداً على وضع طبعه، تحرك إلى قطر التذكرة، يا عبد الطمع طالع ديار الأحرار، ما أطول غشية غفلتك فلمن تحدث؟ قلبك في غلاف غفلة وفطنتك في غشاوة غباوة، وحبل عزمك الجديد حديد، لو خرج عقلك من سلطان هواك، عادت الدولة عادة، لو صح مزاجك فطرتك طعم النصح في فمك، المفروض عنك مرفوض، وكلام النصيح صوت الريح.
يا تلميذ الهوى اخرج من وصف التبعية، يا مقيد الوجود في فناء الفناء قامت قيام الملامة وما تسمع، لقد ضحل صوت النصيح، ولكن صلخ صماخ السمع مانع.
يا هذا، لو وقف مرضك رجونا لك البرء، ولكن المرض يزيد وقوة العزم تضعف:
متى يلتقي الآلاف والعيس كلما ... تصعد من واد هبطن إلى واد
يا مقبلاً على المعاصي أدبرت، ويحك إذا أخرجت من يديك فمن يحصل؟ كم تعد بالتوبة ولا تفي؟ ويحك إن اللذة بالعقوبة لا تفي، ضمانك عقيم، ووعدك عاقر، إذا أقمت بناء توبة اكتريت ألف نقاض، ويحك لا تفعل، فإنه ما سحب أحد ذيل الهوى إلا وتعثر، اكتب قصة الندم بمداد الدمع، وفي الحال تصل:
سألت ودمع العين سايل ... ودعت وداعي البين شاغل
فأجاب دمعي وهو في ... صفق الأسى سحبان وائل
أعرضت عنك فما تروم ... وبنت منك فمن تواصل
لم يبق من سنن الهوى ... إلا الوقوف على المنازل
يا مشرداً عن الأوطان إلى متى ترضى بالتمردك؟ للقطاة أفحوص، ولابن آوى مأوى، منذ خمسين سنة تجدف في العبور إلى ساحل التوبة وما تلحق الشط، قوة الأمل عقدة في وجه منشار الجد، الرياء عيب في رئة الإيمان، يسل المرض إلى السل، شدة الحرص على الفاني سدة في كبد اليقين، ومن صبر على مرارة الدواء عوفي:
السقم على الجسم له ترداد ... والصبر يقل والهوى يزداد
ما أبعد شقتي وما لي زاد ... ما أكثر بهرجي ومالي نفاد
يا أرباب الدنس يا أوساخ الذنوب " هذا مُغْتَسَلٌ بارد وشراب " لا تقنعوا بصب ماء التوبة على الظاهر، بلوا الشعر وانقوا البشرة، ما لم تسبح بدمع عينيك لم تأت بسنة الغسل:
فلو داواك كل طبيب داء ... بغير كلام ليلى ما شفاكا
أبلغ المراهم لجراح الذنوب الندم، وأوطأ فراش المعتذر القلق، وأسرع الأوقات إجابة السحر، فاطرد عن عينيك لذة النوم، وناد في نادي الأسى مع القوم:
يا من بسهامه لقلبي جرحا ... صل مشتاقاً بغيركم ما فرحا
ماذا تقول وأنت في غصصٍ ... ماذا تقول وذوقك المدرُ
ماذا تقول وقد لحقت بما ... يجري عليه الريح والمطرُ
كم قد عفتْ عين لها أثر ... درستْ ويُدرس بعدها الأثرُ
يا من يشيع ببدنه الميت، فأما قلبه ففي البيت، أتخلى بين المودود والدود؟ وتعود إلى المعاصي حين تعود، هلا أجلت بالبال ذكر البالي؟ وقلت للنفس الجاهلة: هذا لي، من زار القبور والقلب غافل وسعى بين الأجداث والفكر ذاهل وشغله عن الاعتبار لهو شاغل فهو قتيل قد أسكره القاتل:
وما أعطى الصبابة ما استحقت ... عليه ولا قضى حق المنازل
ملاحظها بعين غير عبرى ... وزايرها بجسم غير ناحل
شيّع الحسن جنازة فجلس على شفير القبر فقال: إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن أمراً هذا أوله، لحقيق أن يخاف آخره.
أخواني، كيف الأمن؟ وهذا الفاروق يقول: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً وفضة لافتديت بها، كيف الأمن؟ من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر؟ لما طعن عمر قال لابنه ضع خدي على التراب فوضعه فبكا حتى لصق الطين بعينيه وجعل يقول: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، ودخل عليه كعب، وكان قد قال له إنك ميت إلى ثلاثة أيام، فلما رآه أنشد
وواعدني كعب ثلاثاً بعدها ... ولا شك أن القول ما قاله كعب
وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذار الذنب الذي يتبعه الذنب
واعجباً من خوف عمر مع كماله وأمنك مع نقصانك، قيل لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ فقال: كان الطائر الحذر الذي كان له بكل طريق شركاً.
يا مسدود الفهم بكثرة الشواغل أحضر قلبك لحظة للعظة، يا جامداً على وضع طبعه، تحرك إلى قطر التذكرة، يا عبد الطمع طالع ديار الأحرار، ما أطول غشية غفلتك فلمن تحدث؟ قلبك في غلاف غفلة وفطنتك في غشاوة غباوة، وحبل عزمك الجديد حديد، لو خرج عقلك من سلطان هواك، عادت الدولة عادة، لو صح مزاجك فطرتك طعم النصح في فمك، المفروض عنك مرفوض، وكلام النصيح صوت الريح.
يا تلميذ الهوى اخرج من وصف التبعية، يا مقيد الوجود في فناء الفناء قامت قيام الملامة وما تسمع، لقد ضحل صوت النصيح، ولكن صلخ صماخ السمع مانع.
يا هذا، لو وقف مرضك رجونا لك البرء، ولكن المرض يزيد وقوة العزم تضعف:
متى يلتقي الآلاف والعيس كلما ... تصعد من واد هبطن إلى واد
يا مقبلاً على المعاصي أدبرت، ويحك إذا أخرجت من يديك فمن يحصل؟ كم تعد بالتوبة ولا تفي؟ ويحك إن اللذة بالعقوبة لا تفي، ضمانك عقيم، ووعدك عاقر، إذا أقمت بناء توبة اكتريت ألف نقاض، ويحك لا تفعل، فإنه ما سحب أحد ذيل الهوى إلا وتعثر، اكتب قصة الندم بمداد الدمع، وفي الحال تصل:
سألت ودمع العين سايل ... ودعت وداعي البين شاغل
فأجاب دمعي وهو في ... صفق الأسى سحبان وائل
أعرضت عنك فما تروم ... وبنت منك فمن تواصل
لم يبق من سنن الهوى ... إلا الوقوف على المنازل
يا مشرداً عن الأوطان إلى متى ترضى بالتمردك؟ للقطاة أفحوص، ولابن آوى مأوى، منذ خمسين سنة تجدف في العبور إلى ساحل التوبة وما تلحق الشط، قوة الأمل عقدة في وجه منشار الجد، الرياء عيب في رئة الإيمان، يسل المرض إلى السل، شدة الحرص على الفاني سدة في كبد اليقين، ومن صبر على مرارة الدواء عوفي:
السقم على الجسم له ترداد ... والصبر يقل والهوى يزداد
ما أبعد شقتي وما لي زاد ... ما أكثر بهرجي ومالي نفاد
يا أرباب الدنس يا أوساخ الذنوب " هذا مُغْتَسَلٌ بارد وشراب " لا تقنعوا بصب ماء التوبة على الظاهر، بلوا الشعر وانقوا البشرة، ما لم تسبح بدمع عينيك لم تأت بسنة الغسل:
فلو داواك كل طبيب داء ... بغير كلام ليلى ما شفاكا
أبلغ المراهم لجراح الذنوب الندم، وأوطأ فراش المعتذر القلق، وأسرع الأوقات إجابة السحر، فاطرد عن عينيك لذة النوم، وناد في نادي الأسى مع القوم:
يا من بسهامه لقلبي جرحا ... صل مشتاقاً بغيركم ما فرحا
ما ناح له مطوق أو صدحا ... إلا شرب الدمع وعاف القدحا
يا نائماً طول الليل ما تحس برد السحر؟ لقد نم النسيم على الزهر، ودلت أغاريد الحمام، على دنو الفجر، صاح الديك فلم تنتبه، وأعاد فلم تفق، فقوى ضرب الجناحين لطماً على غفلتك.
صفق أما ارتياحه لسنا الفجر ... وأما على الدجا أسفا
يا مطولاً بالقيام ... مستلذاً بالمنام
قم فقد فاتك يا ... مغبون أرباح الكرام
وخلوا دونك بالمو ... لى وفازوا بالمرام
وكذا تسبقك القو ... م إلى دار السلام
الفصل الخامس عشر
أخواني، الدنيا دار الآفات، الإثم بقي والإلتذاذ فات، بينا نرى فيها الغصن خضراً متمايلاً ذابلاً ذابلي.
يا أيهذا الذي قد غره الأمل ... ودون ما يأمل التنغيص والأجل
ألا ترى أنما الدنيا وزينتها ... كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا
حتوفها رصد وعيشها نكد ... وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها ... فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض ... تظل فيه سهام الدهر تنتضل
والنفس هاربة والموت يتبعها ... وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث ما يسعى له الرجل
أخواني، ألبسوا الدنيا جنة الهجر، واسمعوا فيها من مواعظ لزجر، واحبسوها يوماً صممتموه للأجر، وصابروا ليل البلى فما أسرع إتيان الفجر، فلا تبيعوا اليقين بالظن فحرام بيع المجر.
لقد أبصرت عيون الفطن في نهار المشيب سبل الرحيل، وسمعت آذان الفجر بقعقعة الصلب الصلب أذان التخويل، لله در أقوام بادروا أيامهم وحاذروا آثامهم، جعلوا الصوم طعامهم والصمت كلامهم، فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى والقلوب في رياض الملكوت ترعى، قاموا لخوف القيامة بالأوامر، ووقفوا أنفسهم على الخير، ما توقفوا كالموامر، هجروا بالصيام لذيذ الهوى في الهواجر وصمت اللسان كأنه مقطوع في الحناجر بالخناجر، وجرى الدمع واصباً، حتى قد محا المحاجر، متى تطرق طريقهم؟ قبل طروق الطوارق، هذا ذئب السقام قد عوى للعوائق، يا من أعماله فيما خلا للخلائق، كم داواك الطبيب؟ وكم رقا بالرقايق؟ أين من ربا في الربى، ونما بين النمارق، أبرزهم حادي الموت لما حدا من الحدايق، وأمال مستقيمهم فالتوى فهل من هذا التوى أنت واثق؟ ويحك إن الدنيا سراب مخلف فإن وجد شراب أعطش، أزدهت فدهت على أنها تذم وتضم، كم عقدت لمحبها عقد عهدها؟ فلما حلت عنده حلت، إنها لعجوز وهي في عينك كالقمر، وقد قمر هواها قلبك فما أبقى منه إلا قلب قمر. للشريف الرضي:
شَرَتِ الفؤادَ رخيصةً أعلاقُهُ ... ومضى يَعَضُّ بنانه المغبونُ
أفنيت عمرك في طلبها وما حصل بيدك منها إلا ما حصل بيد قيس من ليلى.
صحا كل عذري الغرام عن الهوى ... وأنت على حكم الصبابة نازلُ
ول الدنيا ظهرك تنص الآخرة لك نقابها، تعر عن الدنيا تعز، وخذ قدر البلغة وجز تفز، إلى متى زنبيل حرصك على كاهل همتك وأنت تسعى في مزابل طمعك، تحش وقود الحطام لنار هواك وقد أقمت موقداً من الشره لا يفتر، أما علمت أنه كلما ترقى دخان أتون الهوى في برابخ الحس سود وجه القلب، أنت في جمع الحطام نظير الزبال، وفي فعل الخير غلام الخبال عالم الهمم مختلف الأجناس هذا الشفنين لا يقرب غير زوجته أبداً، فإن ماتت لم يتزوج أبداً وكذلك الأنثى والدجاجة مع أي ديك كان.
يا نائماً طول الليل ما تحس برد السحر؟ لقد نم النسيم على الزهر، ودلت أغاريد الحمام، على دنو الفجر، صاح الديك فلم تنتبه، وأعاد فلم تفق، فقوى ضرب الجناحين لطماً على غفلتك.
صفق أما ارتياحه لسنا الفجر ... وأما على الدجا أسفا
يا مطولاً بالقيام ... مستلذاً بالمنام
قم فقد فاتك يا ... مغبون أرباح الكرام
وخلوا دونك بالمو ... لى وفازوا بالمرام
وكذا تسبقك القو ... م إلى دار السلام
الفصل الخامس عشر
أخواني، الدنيا دار الآفات، الإثم بقي والإلتذاذ فات، بينا نرى فيها الغصن خضراً متمايلاً ذابلاً ذابلي.
يا أيهذا الذي قد غره الأمل ... ودون ما يأمل التنغيص والأجل
ألا ترى أنما الدنيا وزينتها ... كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا
حتوفها رصد وعيشها نكد ... وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها ... فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض ... تظل فيه سهام الدهر تنتضل
والنفس هاربة والموت يتبعها ... وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث ما يسعى له الرجل
أخواني، ألبسوا الدنيا جنة الهجر، واسمعوا فيها من مواعظ لزجر، واحبسوها يوماً صممتموه للأجر، وصابروا ليل البلى فما أسرع إتيان الفجر، فلا تبيعوا اليقين بالظن فحرام بيع المجر.
لقد أبصرت عيون الفطن في نهار المشيب سبل الرحيل، وسمعت آذان الفجر بقعقعة الصلب الصلب أذان التخويل، لله در أقوام بادروا أيامهم وحاذروا آثامهم، جعلوا الصوم طعامهم والصمت كلامهم، فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى والقلوب في رياض الملكوت ترعى، قاموا لخوف القيامة بالأوامر، ووقفوا أنفسهم على الخير، ما توقفوا كالموامر، هجروا بالصيام لذيذ الهوى في الهواجر وصمت اللسان كأنه مقطوع في الحناجر بالخناجر، وجرى الدمع واصباً، حتى قد محا المحاجر، متى تطرق طريقهم؟ قبل طروق الطوارق، هذا ذئب السقام قد عوى للعوائق، يا من أعماله فيما خلا للخلائق، كم داواك الطبيب؟ وكم رقا بالرقايق؟ أين من ربا في الربى، ونما بين النمارق، أبرزهم حادي الموت لما حدا من الحدايق، وأمال مستقيمهم فالتوى فهل من هذا التوى أنت واثق؟ ويحك إن الدنيا سراب مخلف فإن وجد شراب أعطش، أزدهت فدهت على أنها تذم وتضم، كم عقدت لمحبها عقد عهدها؟ فلما حلت عنده حلت، إنها لعجوز وهي في عينك كالقمر، وقد قمر هواها قلبك فما أبقى منه إلا قلب قمر. للشريف الرضي:
شَرَتِ الفؤادَ رخيصةً أعلاقُهُ ... ومضى يَعَضُّ بنانه المغبونُ
أفنيت عمرك في طلبها وما حصل بيدك منها إلا ما حصل بيد قيس من ليلى.
صحا كل عذري الغرام عن الهوى ... وأنت على حكم الصبابة نازلُ
ول الدنيا ظهرك تنص الآخرة لك نقابها، تعر عن الدنيا تعز، وخذ قدر البلغة وجز تفز، إلى متى زنبيل حرصك على كاهل همتك وأنت تسعى في مزابل طمعك، تحش وقود الحطام لنار هواك وقد أقمت موقداً من الشره لا يفتر، أما علمت أنه كلما ترقى دخان أتون الهوى في برابخ الحس سود وجه القلب، أنت في جمع الحطام نظير الزبال، وفي فعل الخير غلام الخبال عالم الهمم مختلف الأجناس هذا الشفنين لا يقرب غير زوجته أبداً، فإن ماتت لم يتزوج أبداً وكذلك الأنثى والدجاجة مع أي ديك كان.
كلامي يدور حول ستور سمعك، وموانع الهوى تحجبه أن لا يصل فلو قد وصل إلى القلب أثّر، عضت رجلاً حية فلم يعلم أنها حية فلم يتغير، فلما أخبر أنها حية مات، لأنه حين أخبر انفتحت مسامه. فوصل السم إلى القلب. يا أطروش الهوى صاحب من يسمع، يا عمي البصيرة امش مع من يبصر، تشبه بالصالحين تعد في الجملة، هذا الطاووس يحب البساتين فهو يوافق الأشجار، إذا ألقت ورقها ألقى ريشه، فإذا اكتست اكتسى، لو سرت في حزب المتقين خطوات لعرفوا لك حق الصحبة، يا من كان لهم رفيقاً فأصبح لا يعرف لهم طريقاً، اطلب اليوم أخبارهم واتبع في السلوك آثارهم فإن وقعت ببعضهم حملك إلى أرضهم.
للمصنف:
في شغل عن الرقاد شاغل ... من هاجه البرق بسفح عاقل
يا صاحبي هذي رياح ربعهم ... قد أخبرت شمائل الشمائل
نسيمهم سحيري الريح فما ... تشبهه روايح الأصائل
ما للصبا مولعة بذي الصبا ... أو الصبا فوق الغرام القاتل
ما للهوى العذري في ديارنا ... أين العذيب من قصور بابل
لا تطلبوا ثأراً بنا يا قومنا ... دماؤنا في أذرع الرواحل
لله در العيش في ظلالهم ... ولي وكم أسار في المفاصل
واطربي إذا رأيت أرضهم ... هذا وفيها دميت مقاتلي
يا طرة الشيح سقيت أدمعي ... ولا ابتليت في الهوى بما بلى
ميلك عن زهو وميلي عن أساً ... ما طرب المخمور مثل الثاكل
يا من قد كثر تردده إلى المجلس ولم تزل قسوة قلبه لا تضجر، فللدوام أثر، جالس البكائين يتعد إليك حزنهم، فتأثير الصحبة لا يخفى، أما ترى دون البقل أخضر؟ يا من يشاهد ما يجري على الخائفين ولا ينزعج، أقل الأقسام أن يبكي رحمة لهم، إذا رأيت الثكلى تتقلقل فلا بد من رحمة الجنس.
للمهيار:
ولما وقفنا في الديار تشابهت ... جسومٌ براهنَّ البِلى وطلول
فباكٍ بداءٍ بين جنبيه عارفٌ ... وباكٍ بما جر الفراقُ جهول
كان العاصي قتيل عشق الدنيا، فكشف له بالمخوفات نقاب المحبوبة فسلا، ثم جليت عليه بالمشوقات محاسن الآخرة فمال الجيد إلى الجيد.
ألفيتها وللحدا تغريد ... برامة إن ذكرت زرود
ولاح برق بثنيات الحمى ... تشيمه للأعين الرعود
فمالت الأعناق منها طرباً ... كما يميل الناشد المنشود
هيهات يخفي ما به متيم ... دموعه بوجده شهود
أتدرون ما أوجب اصفرار هذا التائب؟ ومن أي شراب سكر هذا الشارب؟ وأي كتاب أقدم هذا الغائب؟
كلما زاد كربه ... في هوى من يحبهُ
طار نحو الحبيب من ... شدة الشوق قلبه
دنف كاد ينقضي ... بيد البين نحبه
خبرونا عن العقيق ... متى سار ركبه
الفصل السادس عشر
يا من نسبه معرق في الموتى، وقد وعظوه وإن لم يسمع صوتاً، أدرك أمرك فما تأمن فوتاً.
لأبي نواس:
ألا كلُّ حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك راحلُ ... إلى منزل نأى المحل سحيق
وما تعدم الدنيا الدنية أهلها ... شواظ حريق أو دخان حريق
تجرع فيها هالكاً فقد هالك ... وتشجى فريقاً منهم بفريق
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها ... قراراً فما دنياك غير طريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له ... عن عدو في ثياب صديق
عليك بدار لا يزال ظلالها ... ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة ... ولا ينفع الصادي صداه بريق
يا راقداً وق أوذن بالرحيل، يا مشيد البنيان في مدارج السيول، بادر العمل قبل انقضاء العمر، لا تنس من يعد الأنفاس للقائك
وما هي إلا ليلة ثم يومها ... ويوم إلى يوم وشهر إلى شهر
للمصنف:
في شغل عن الرقاد شاغل ... من هاجه البرق بسفح عاقل
يا صاحبي هذي رياح ربعهم ... قد أخبرت شمائل الشمائل
نسيمهم سحيري الريح فما ... تشبهه روايح الأصائل
ما للصبا مولعة بذي الصبا ... أو الصبا فوق الغرام القاتل
ما للهوى العذري في ديارنا ... أين العذيب من قصور بابل
لا تطلبوا ثأراً بنا يا قومنا ... دماؤنا في أذرع الرواحل
لله در العيش في ظلالهم ... ولي وكم أسار في المفاصل
واطربي إذا رأيت أرضهم ... هذا وفيها دميت مقاتلي
يا طرة الشيح سقيت أدمعي ... ولا ابتليت في الهوى بما بلى
ميلك عن زهو وميلي عن أساً ... ما طرب المخمور مثل الثاكل
يا من قد كثر تردده إلى المجلس ولم تزل قسوة قلبه لا تضجر، فللدوام أثر، جالس البكائين يتعد إليك حزنهم، فتأثير الصحبة لا يخفى، أما ترى دون البقل أخضر؟ يا من يشاهد ما يجري على الخائفين ولا ينزعج، أقل الأقسام أن يبكي رحمة لهم، إذا رأيت الثكلى تتقلقل فلا بد من رحمة الجنس.
للمهيار:
ولما وقفنا في الديار تشابهت ... جسومٌ براهنَّ البِلى وطلول
فباكٍ بداءٍ بين جنبيه عارفٌ ... وباكٍ بما جر الفراقُ جهول
كان العاصي قتيل عشق الدنيا، فكشف له بالمخوفات نقاب المحبوبة فسلا، ثم جليت عليه بالمشوقات محاسن الآخرة فمال الجيد إلى الجيد.
ألفيتها وللحدا تغريد ... برامة إن ذكرت زرود
ولاح برق بثنيات الحمى ... تشيمه للأعين الرعود
فمالت الأعناق منها طرباً ... كما يميل الناشد المنشود
هيهات يخفي ما به متيم ... دموعه بوجده شهود
أتدرون ما أوجب اصفرار هذا التائب؟ ومن أي شراب سكر هذا الشارب؟ وأي كتاب أقدم هذا الغائب؟
كلما زاد كربه ... في هوى من يحبهُ
طار نحو الحبيب من ... شدة الشوق قلبه
دنف كاد ينقضي ... بيد البين نحبه
خبرونا عن العقيق ... متى سار ركبه
الفصل السادس عشر
يا من نسبه معرق في الموتى، وقد وعظوه وإن لم يسمع صوتاً، أدرك أمرك فما تأمن فوتاً.
لأبي نواس:
ألا كلُّ حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك راحلُ ... إلى منزل نأى المحل سحيق
وما تعدم الدنيا الدنية أهلها ... شواظ حريق أو دخان حريق
تجرع فيها هالكاً فقد هالك ... وتشجى فريقاً منهم بفريق
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها ... قراراً فما دنياك غير طريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له ... عن عدو في ثياب صديق
عليك بدار لا يزال ظلالها ... ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة ... ولا ينفع الصادي صداه بريق
يا راقداً وق أوذن بالرحيل، يا مشيد البنيان في مدارج السيول، بادر العمل قبل انقضاء العمر، لا تنس من يعد الأنفاس للقائك
وما هي إلا ليلة ثم يومها ... ويوم إلى يوم وشهر إلى شهر
مطايا يقربن الجديد إلى البلى ... ويدنين أشلاء الصحيح إلى القبر
ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر
يا عجباً، أما تعلم ما أمامك؟ فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك، وتأهب للردى واقطع قطع المدى مدامك، واجتهد أن ينشر الإخلاص في المحل الأعلى أعلامك، وأحضر قلبك وسمعك وإن ملا من لامك، وإياك والفتور فإني أرى الدواء دوامك، اطلب ما شئت بالعزم وأنا زعيم لك بالظفر، من عزم على أمر هيأ آلاته، لما كان شغل الغراب الندب على الأحباب لبس السواد قبل النوح.
أنفت شقة المهامة أن تق ... طع إلا بالشد والترحال
وأبى المجد أن ينال بغير ال ... جد فلتنتبه عقول الرجال
إذا وقعت عزيمة الإنابة في قلب من " سبقت لهم منا الحسنى " قلعت قواعد الهوى من مسناة الأمل، ركب ابن أدهم يوماً للصيد وقد نصب له فخ " يهديهم ربهم " حوله حب " يحبهم " فصيد قبل أن يصيد، سمع هاتفاً يقول ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فكانت تلك العظة شربة نقضت قولنج الهوى يا له من سهم ألقاه عن قربوسه وبوسه، كان راقد الفهم في ليل الغفلة، مشغولاً بأحلام المنى، فصيح به قم فقام، فقيل له سر فاستقام.
للشريف الرضي:
رأى على الغور وميضاً فاشتاق ... ما أجلب البرق لماء الإماق
وعظه خطيب اليقظة فوصلت ملامته إلى سمع الأنفة، فنهضت حمية الرجولية، يا ابن أدهم مبارزة الصيد أول مراتب الشجاعة، أفترضى أن تستأسر لثعلب الهوى؟ يا ابن أدهم قتلك حب الدنيا فثر لأخذ الثأر، إن كانت لك عزيمة يا ابن أدهم فهذا الكميت وهذا الأدهم فصادف التحريض حريضاً فنهض.
للشريف الرضي:
ذكرتماني طلب الفضائل ... أيقظتما مني غير غافل
قوما فقد مللت من إقامتي ... والبيض أولى بي من المعاقل
شنا بي الغارات كل ليلة ... وعوداني طرف العوامل
إن كان لا بد من الموت فمت ... تحت ظلال الأسل الذوابل
هتف به متقاضي الشوق: يا ابن أدهم دخلت شهور الحج فما قعودك ببلخ؟ فرحل الراحلة وراح، لاحت له نار الهدى فصاح في جنود الهوى: " إنِّي آنست " فتجلى له أنيس " تجدني " فغاب عن وجوده، فلما أفاق من صعقة وجده وقد دك ظور نفسه، صاح لسان الإنابة " تُبتُ إليك " .
رويداً أيها الحادي ... سقيت الرايح الغادي
فتلك الدار قد لاحت ... وهذا الربع والوادي
فلما خرج عن ديار الغفلة، أومأت اليقظة إلى البطالة.
لابن المعتز:
سلام على اللذات واللهو والصبى ... سلام وداع لا سلام قدوم
يا ابن أدهم لو عدت إلى قصرك فعبدت فيه، قال العزم كلا ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.
أحن إلى الرمل اليماني صبابة ... وهذا لعمري لو رضيتُ كئيب
ولو أن ما بي بالحصى فلق الحصى ... وبالريح لم يسمع لهن هبوب
أمرضه التخم فاستلذ طعم الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة الصوف
حملتم جبال الحب فوقي وإنني ... لأعجز عن حمل القميص واضعف
لاح له جمال الآخرة فتثبتت في النظر عين اليقين، فتمكن الحب من حبة القلب فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر، طال عليه انتظار اللقا فصار ناطور البساتين، تقاضته المحبة باقي دينها فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الوصل فتأخر يا مفلس.
دون المعالي مرتقى شاهق ... فطر إلى ذروته أوقع
من لم يخض غمرتها لم يشد ... قواعد المجد ولم يرفع
كان إبراهيم إسكندري الهمة فاحتقر قصير بلخ في جنب ما أمل، فانتخب سوابق العزم وسار في جند الجد حتى قطع ظلمات الطبع، وبلغ إلى مطلع شمس لا تغرب، شكا إليه صفاء القلب من يأجوج وساوس النفس، فاستغاث بحامي المسكن فقيل له: شد سد العزم، فاستظهر بعد الزبر بالقطر، ثم انفرد من جند جوارحه فوقع بعين الحياة في السر فعاش بالتوفيق أبد الدهر.
أما تقومون كذا أو فاقعدوا ... ما كل من رام السماء يصعدُ
نام على الهون الذليل ودرى ... جفن العزيز لم بات يسهدُ
أخفهم سعياً إلى سودده ... أحقهم بان يقال سيدُ
ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر
يا عجباً، أما تعلم ما أمامك؟ فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك، وتأهب للردى واقطع قطع المدى مدامك، واجتهد أن ينشر الإخلاص في المحل الأعلى أعلامك، وأحضر قلبك وسمعك وإن ملا من لامك، وإياك والفتور فإني أرى الدواء دوامك، اطلب ما شئت بالعزم وأنا زعيم لك بالظفر، من عزم على أمر هيأ آلاته، لما كان شغل الغراب الندب على الأحباب لبس السواد قبل النوح.
أنفت شقة المهامة أن تق ... طع إلا بالشد والترحال
وأبى المجد أن ينال بغير ال ... جد فلتنتبه عقول الرجال
إذا وقعت عزيمة الإنابة في قلب من " سبقت لهم منا الحسنى " قلعت قواعد الهوى من مسناة الأمل، ركب ابن أدهم يوماً للصيد وقد نصب له فخ " يهديهم ربهم " حوله حب " يحبهم " فصيد قبل أن يصيد، سمع هاتفاً يقول ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فكانت تلك العظة شربة نقضت قولنج الهوى يا له من سهم ألقاه عن قربوسه وبوسه، كان راقد الفهم في ليل الغفلة، مشغولاً بأحلام المنى، فصيح به قم فقام، فقيل له سر فاستقام.
للشريف الرضي:
رأى على الغور وميضاً فاشتاق ... ما أجلب البرق لماء الإماق
وعظه خطيب اليقظة فوصلت ملامته إلى سمع الأنفة، فنهضت حمية الرجولية، يا ابن أدهم مبارزة الصيد أول مراتب الشجاعة، أفترضى أن تستأسر لثعلب الهوى؟ يا ابن أدهم قتلك حب الدنيا فثر لأخذ الثأر، إن كانت لك عزيمة يا ابن أدهم فهذا الكميت وهذا الأدهم فصادف التحريض حريضاً فنهض.
للشريف الرضي:
ذكرتماني طلب الفضائل ... أيقظتما مني غير غافل
قوما فقد مللت من إقامتي ... والبيض أولى بي من المعاقل
شنا بي الغارات كل ليلة ... وعوداني طرف العوامل
إن كان لا بد من الموت فمت ... تحت ظلال الأسل الذوابل
هتف به متقاضي الشوق: يا ابن أدهم دخلت شهور الحج فما قعودك ببلخ؟ فرحل الراحلة وراح، لاحت له نار الهدى فصاح في جنود الهوى: " إنِّي آنست " فتجلى له أنيس " تجدني " فغاب عن وجوده، فلما أفاق من صعقة وجده وقد دك ظور نفسه، صاح لسان الإنابة " تُبتُ إليك " .
رويداً أيها الحادي ... سقيت الرايح الغادي
فتلك الدار قد لاحت ... وهذا الربع والوادي
فلما خرج عن ديار الغفلة، أومأت اليقظة إلى البطالة.
لابن المعتز:
سلام على اللذات واللهو والصبى ... سلام وداع لا سلام قدوم
يا ابن أدهم لو عدت إلى قصرك فعبدت فيه، قال العزم كلا ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.
أحن إلى الرمل اليماني صبابة ... وهذا لعمري لو رضيتُ كئيب
ولو أن ما بي بالحصى فلق الحصى ... وبالريح لم يسمع لهن هبوب
أمرضه التخم فاستلذ طعم الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة الصوف
حملتم جبال الحب فوقي وإنني ... لأعجز عن حمل القميص واضعف
لاح له جمال الآخرة فتثبتت في النظر عين اليقين، فتمكن الحب من حبة القلب فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر، طال عليه انتظار اللقا فصار ناطور البساتين، تقاضته المحبة باقي دينها فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الوصل فتأخر يا مفلس.
دون المعالي مرتقى شاهق ... فطر إلى ذروته أوقع
من لم يخض غمرتها لم يشد ... قواعد المجد ولم يرفع
كان إبراهيم إسكندري الهمة فاحتقر قصير بلخ في جنب ما أمل، فانتخب سوابق العزم وسار في جند الجد حتى قطع ظلمات الطبع، وبلغ إلى مطلع شمس لا تغرب، شكا إليه صفاء القلب من يأجوج وساوس النفس، فاستغاث بحامي المسكن فقيل له: شد سد العزم، فاستظهر بعد الزبر بالقطر، ثم انفرد من جند جوارحه فوقع بعين الحياة في السر فعاش بالتوفيق أبد الدهر.
أما تقومون كذا أو فاقعدوا ... ما كل من رام السماء يصعدُ
نام على الهون الذليل ودرى ... جفن العزيز لم بات يسهدُ
أخفهم سعياً إلى سودده ... أحقهم بان يقال سيدُ
عن تعب أو رد ساق أو لا ... ومسحت غرة سباق يد
لو شرف الإنسان وهو وادع ... لقطع الصمصام وهو مغمدُ
الفصل السابع عشر
الدنيا دار المحن ودائرة الفتن، ساكنها بلا وطن واللبيب قد فطن.
للمصنف:
من مال إلى الدنيا وصبا ... قد أمعن في الفاني طلبا
خذ ما يبقى كيلا تشقى ... واتبع حقاً ودع اللعبا
وذر الدنيا فلكم قتلتْ ... مكراً بسهام هوى وصبا
برت ورعت فإذا اجتمعت ... خدعت حتى قطعت إربا
يا عاشقها كم قد نصبت ... لهلاكك فاحذرها سببا
يا آمنها كم قد سلبت ... ولداً براً أماً وأبا
أفأين الجار أما قد جار ... فجارته حتى ذهبا
أم أين التراب أما تربت ... خداه أما سكن التربا
كم خدت خداً في الأخدود ... وقدت قداً منتصبا
كم ثغر ملتثم ثلمت ... قد كان لراشفه ضربا
فسقته المر لدى جدث ... وكذاك الدهر إذا ضربا
وأتت قصراً يحوي نصراً ... فغدا وقصاراه خربا
ومليكاً في صولة دولته ... أضحى في الحفرة مغتربا
عرج بأمدار على الآثار ... وسل طللاً أمسى شجبا
ينبيك بأنهم رحلوا ... وثوى من بعدهم الغربا
بينا الإنسان يرى رأساً ... فهوى رأساً فغدا ذنبا
فتأمل عاقبة الدنيا ... فلعلك تصبح مجتنبا
وتدبر ما صنعت فلقد ... أبدت بصنايعها عجبا
ينساك الأهل إذا رجعوا ... عن قبرك لا تسمع كذبا
تركوك أسيراً إذ ذهبوا ... بتراب ضريحك محتجبا
وغدوا فرحين بما أخذوا ... وغدوت باتمك محتقبا
وترى أعمالك قد حضرت ... فتنكس رأسك مكتئبا
فكر في الذنب وما احتقبت ... كفاك عليك وما اكتسبا
كم بت على ذنب فرحاً ... وغدوت على ذنب طربا
وعلمت بأن الله يرى ... فأسأت ولم تحسن أدبا
فأعد الزاد فما سفر ... كالموت ترى فيه نصبا
وأفق والعمر به رمق ... فكأن قد فات وقد ذهبا
يا كثير الدرن والدنس، يا من كلما قيل أقبل انتكس، يا من أمر بترك ما يفنى لما يبقى فعكس، جاء الأجل وحديث الأمل هوس، يا مؤثراً على الصواب عين الغلط، يا جارياً في أمره على أقبح نمط، يا مضيعاً وقته المغتم الملتقط، أي شيء بقي بعد الشمط؟ أتنسى ما سلف لك وفرط؟ وأبوك بزلة واحدة هبط، ما عندك من التوبة خير ولا لها فيك أثر، تنوب من الذنب، فإذا بدا لك بدا لك.
من علم أن عندنا حسن المآب آب، من خاف الجزاء بما في الكتاب تاب، من حذر اليم العذاب ذاب، من سار في طريق الإيجاب انجاب، من ذكر فعل الموت بالأب والجد جد، من تفكر في مرارة الكأس كاس، ويحك دع محبة الدنيا، فعابر السبيل لا يتوطن واعجباً تضيع منك حبة فتبكي وقد ضاع عمرك وأنت تضحك، تستوفي مكيال هواك وتطفف في كيل صلاتك " ألا بُعداً لمدين " تقف ببدنك في المحراب، ووجهك ملتفت للجراب، ما يصلح مثلك في الجرب، أنت تفضح صف الجهاد، ما تحسن الزردية على مخنث خمسين سنة في مكتب التعليم وما حذقت، أبا جاد غداً توبخ وقت عرض الألواح " ألم نعمركم " بضاعتك أيام عمرك وقد انتهبها قطاع الطريق، ورجعت إلى بيت الأسف بأعدال فارغة، فانظر لعله تخلف فيها شيء تعامل به، فبقية عمر المؤمن لا قيمة له.
سقيا لزماننا الذي كان لنا ... وافقرى أبعد ذا الفقر غنى
مر أسرع ما توقع البين بنا ... واقرب منيتي وما نلت منى
كان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه؟ قالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد.
لو شرف الإنسان وهو وادع ... لقطع الصمصام وهو مغمدُ
الفصل السابع عشر
الدنيا دار المحن ودائرة الفتن، ساكنها بلا وطن واللبيب قد فطن.
للمصنف:
من مال إلى الدنيا وصبا ... قد أمعن في الفاني طلبا
خذ ما يبقى كيلا تشقى ... واتبع حقاً ودع اللعبا
وذر الدنيا فلكم قتلتْ ... مكراً بسهام هوى وصبا
برت ورعت فإذا اجتمعت ... خدعت حتى قطعت إربا
يا عاشقها كم قد نصبت ... لهلاكك فاحذرها سببا
يا آمنها كم قد سلبت ... ولداً براً أماً وأبا
أفأين الجار أما قد جار ... فجارته حتى ذهبا
أم أين التراب أما تربت ... خداه أما سكن التربا
كم خدت خداً في الأخدود ... وقدت قداً منتصبا
كم ثغر ملتثم ثلمت ... قد كان لراشفه ضربا
فسقته المر لدى جدث ... وكذاك الدهر إذا ضربا
وأتت قصراً يحوي نصراً ... فغدا وقصاراه خربا
ومليكاً في صولة دولته ... أضحى في الحفرة مغتربا
عرج بأمدار على الآثار ... وسل طللاً أمسى شجبا
ينبيك بأنهم رحلوا ... وثوى من بعدهم الغربا
بينا الإنسان يرى رأساً ... فهوى رأساً فغدا ذنبا
فتأمل عاقبة الدنيا ... فلعلك تصبح مجتنبا
وتدبر ما صنعت فلقد ... أبدت بصنايعها عجبا
ينساك الأهل إذا رجعوا ... عن قبرك لا تسمع كذبا
تركوك أسيراً إذ ذهبوا ... بتراب ضريحك محتجبا
وغدوا فرحين بما أخذوا ... وغدوت باتمك محتقبا
وترى أعمالك قد حضرت ... فتنكس رأسك مكتئبا
فكر في الذنب وما احتقبت ... كفاك عليك وما اكتسبا
كم بت على ذنب فرحاً ... وغدوت على ذنب طربا
وعلمت بأن الله يرى ... فأسأت ولم تحسن أدبا
فأعد الزاد فما سفر ... كالموت ترى فيه نصبا
وأفق والعمر به رمق ... فكأن قد فات وقد ذهبا
يا كثير الدرن والدنس، يا من كلما قيل أقبل انتكس، يا من أمر بترك ما يفنى لما يبقى فعكس، جاء الأجل وحديث الأمل هوس، يا مؤثراً على الصواب عين الغلط، يا جارياً في أمره على أقبح نمط، يا مضيعاً وقته المغتم الملتقط، أي شيء بقي بعد الشمط؟ أتنسى ما سلف لك وفرط؟ وأبوك بزلة واحدة هبط، ما عندك من التوبة خير ولا لها فيك أثر، تنوب من الذنب، فإذا بدا لك بدا لك.
من علم أن عندنا حسن المآب آب، من خاف الجزاء بما في الكتاب تاب، من حذر اليم العذاب ذاب، من سار في طريق الإيجاب انجاب، من ذكر فعل الموت بالأب والجد جد، من تفكر في مرارة الكأس كاس، ويحك دع محبة الدنيا، فعابر السبيل لا يتوطن واعجباً تضيع منك حبة فتبكي وقد ضاع عمرك وأنت تضحك، تستوفي مكيال هواك وتطفف في كيل صلاتك " ألا بُعداً لمدين " تقف ببدنك في المحراب، ووجهك ملتفت للجراب، ما يصلح مثلك في الجرب، أنت تفضح صف الجهاد، ما تحسن الزردية على مخنث خمسين سنة في مكتب التعليم وما حذقت، أبا جاد غداً توبخ وقت عرض الألواح " ألم نعمركم " بضاعتك أيام عمرك وقد انتهبها قطاع الطريق، ورجعت إلى بيت الأسف بأعدال فارغة، فانظر لعله تخلف فيها شيء تعامل به، فبقية عمر المؤمن لا قيمة له.
سقيا لزماننا الذي كان لنا ... وافقرى أبعد ذا الفقر غنى
مر أسرع ما توقع البين بنا ... واقرب منيتي وما نلت منى
كان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه؟ قالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد.
يا هذا الآخرة دار سكانها الأخلاق الجميلة، فصادقوا اليوم سكانها لتنزلوا عليهم يوم القدوم، فإن من قدم إلى بلد لا صديق له به نزل بالعراء، يا هذا فتى العمر في خدمة البدن وحوائج القلب كلها واقفة، انهض إلى التلافي قبل التلف، الكلف يداوى قبل أن يصير بهقاً، والبهق يلاطف قبل أن يعود برصاً، أما سمعت في بداية الزلل " إذا مسَّهم طائف " وفي وسطه " كلا بل ران على قلوبهم " وفي آخره " أم على قلوب أقفالها " أتبكي على معاصيك؟ والإصرار يضحك، أتخادع التوبة؟ وإنما تمكر بدينك.
رأيتُ الناس خداعاً ... إلى جانب خداع
يعيشون مع الذئب ... ويبكون مع الراعي
ويحك حصل كبريت عزيمة قبل أن تقدح نار توبة وقبل نزول الحرب تملأ الكمائن ويحك، لا تطمع أن تخرج إلى فضاء قلبك حتى تتخلص من ربقات نفسك، كيف لا يفتقر إلى الرياضة لإزالة الكدر؟ من أول غذائه دم الطمث، ابك على ظلام قلبك يضيء، إذا بكت السحاب إلى الربى تنسمت.
يا هذا، تسمع بالكيمياء وما رأيته صح قط، اجمع عقاقير التوبة في بوتقة العزم، وأوقد تحتها نار الأسى على ما سلف، فإن تصعد منها نفس أسف، صار نحاس نحوسك ذهب سعادة، أترى في بستاننا اليوم أثمر؟ قد توجه صلاحه، كأني أشم ريح كبد محترقة، أي قلب قد لفحته نار الوجد؟ ففاح نسيمه، أحسن مظلوم في سلك الاعتذار خرز الذل، أحلى نطق يلج سمع القبول الاستغفار، أطرب كلام يحرك قلب الرحمة التملق.
يا من بصدودهم لقلبي جرحوا ... وازداد بي الغرام لما نزحوا
ما جدت بهم وهم بهجري سمحوا ... هذا المطروح كم ترى يطرحُ
قال عبد الله بن مرزوق لغلامه عند الموت: احملني فاطرحني على تلك المزبلة، لعلي أموت عليها فيرى ذلي فيرحمني.
عودوا وتعطفوا على قلب كئيب ... لو جيب لبان فيه حزن ووجيب
يدعى للموت في هواكم فيجيب ... من أمل مثل فضلكم كيف يخيب
المذنب يأوي إلى الذل والبكا كما يأوي الطفل إلى الأبوين، بكى أبوكم آدم على تفريطه حتى جرت الأودية من دموعه، كان كلما ذكر الجنة قلق، وكلما رأى الملائكة تصعد، يحترق تذكر المعاهد فحن.
والذي بالبين والبعدُ بلاني ... ما جرى ذكر الحمى إلا شجاني
حبذا أهل الحمى من ساكن ... شفني الشوق إليهم وبراني
كلما رمت سلواً عنهم ... جذب الشوق إليهم بعناني
أحسد الطير إذا طارت إلى ... أرضهم أو أقلعت للطيران
أتمنى أنني أصحبها ... نحوهم لو أنني أعطى الأماني
لا تزيدوني غراماً بعدكم ... خل بي من بعدكم ما قد كفاني
ذهب العمر ولم أحظ بكم ... وتقضي في تمنيكم زماني
يا خليلي احفظا عهدي الذي ... كنتما قبل النوى عاهدتماني
واذكراني مثل ذكري لكما ... فمن الإنصاف أن لا تنسياني
وسلا من أنا أهواه على ... أي جرم صد عني وجفاني
الفصل الثامن عشر
أيها المشغول باللذات الفانيات، متى تسعد لملمات الممات؟ متى تستدرك هفوات الفوات؟ أتطمع مع حب الوسادات في لحاق السادات؟ وأنى تجعل مثلهم؟ أنى، وهيهات.
يا مدمن اللذات ناس غدرها ... اذكر تهجم هادمِ اللذاتِ
احذر مكايده فهن كوامنٌ ... في كرك الأنفاس واللحظات
تمضي حلاوة ما احتبقت وبعده ... تبقى عليك مرارة التبعات
يا حسرة العاصين يوم معادهم ... ولو أنهم سيقوا إلى الجنات
لو لم يكن إلا الحياء من الذي ... ستر الذنوب لأكثروا الحسرات
يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط، ما تخاف عواقب هذا الإفراط؟ يا مؤثر الفاني على الباقي غلطة لا كالأغلاط، ألك صبر يقاوم ألم السياط؟ ألك قدم يصلح للمشي على الصراط؟ أيعجبك لباس الصحة؟ كلا، وثوب البلا يخاط بداء المتون، داء أعيى على بقراط. كم رحل الموت؟ على غارب اغتراب، كم ألحق ترباً بالأتراب في سفر التراب، إنما الموت مخرنبق ليقول، ومجرمز ليغول.
وكم من فتى يمسي ويصبح آمناً ... وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
رأيتُ الناس خداعاً ... إلى جانب خداع
يعيشون مع الذئب ... ويبكون مع الراعي
ويحك حصل كبريت عزيمة قبل أن تقدح نار توبة وقبل نزول الحرب تملأ الكمائن ويحك، لا تطمع أن تخرج إلى فضاء قلبك حتى تتخلص من ربقات نفسك، كيف لا يفتقر إلى الرياضة لإزالة الكدر؟ من أول غذائه دم الطمث، ابك على ظلام قلبك يضيء، إذا بكت السحاب إلى الربى تنسمت.
يا هذا، تسمع بالكيمياء وما رأيته صح قط، اجمع عقاقير التوبة في بوتقة العزم، وأوقد تحتها نار الأسى على ما سلف، فإن تصعد منها نفس أسف، صار نحاس نحوسك ذهب سعادة، أترى في بستاننا اليوم أثمر؟ قد توجه صلاحه، كأني أشم ريح كبد محترقة، أي قلب قد لفحته نار الوجد؟ ففاح نسيمه، أحسن مظلوم في سلك الاعتذار خرز الذل، أحلى نطق يلج سمع القبول الاستغفار، أطرب كلام يحرك قلب الرحمة التملق.
يا من بصدودهم لقلبي جرحوا ... وازداد بي الغرام لما نزحوا
ما جدت بهم وهم بهجري سمحوا ... هذا المطروح كم ترى يطرحُ
قال عبد الله بن مرزوق لغلامه عند الموت: احملني فاطرحني على تلك المزبلة، لعلي أموت عليها فيرى ذلي فيرحمني.
عودوا وتعطفوا على قلب كئيب ... لو جيب لبان فيه حزن ووجيب
يدعى للموت في هواكم فيجيب ... من أمل مثل فضلكم كيف يخيب
المذنب يأوي إلى الذل والبكا كما يأوي الطفل إلى الأبوين، بكى أبوكم آدم على تفريطه حتى جرت الأودية من دموعه، كان كلما ذكر الجنة قلق، وكلما رأى الملائكة تصعد، يحترق تذكر المعاهد فحن.
والذي بالبين والبعدُ بلاني ... ما جرى ذكر الحمى إلا شجاني
حبذا أهل الحمى من ساكن ... شفني الشوق إليهم وبراني
كلما رمت سلواً عنهم ... جذب الشوق إليهم بعناني
أحسد الطير إذا طارت إلى ... أرضهم أو أقلعت للطيران
أتمنى أنني أصحبها ... نحوهم لو أنني أعطى الأماني
لا تزيدوني غراماً بعدكم ... خل بي من بعدكم ما قد كفاني
ذهب العمر ولم أحظ بكم ... وتقضي في تمنيكم زماني
يا خليلي احفظا عهدي الذي ... كنتما قبل النوى عاهدتماني
واذكراني مثل ذكري لكما ... فمن الإنصاف أن لا تنسياني
وسلا من أنا أهواه على ... أي جرم صد عني وجفاني
الفصل الثامن عشر
أيها المشغول باللذات الفانيات، متى تسعد لملمات الممات؟ متى تستدرك هفوات الفوات؟ أتطمع مع حب الوسادات في لحاق السادات؟ وأنى تجعل مثلهم؟ أنى، وهيهات.
يا مدمن اللذات ناس غدرها ... اذكر تهجم هادمِ اللذاتِ
احذر مكايده فهن كوامنٌ ... في كرك الأنفاس واللحظات
تمضي حلاوة ما احتبقت وبعده ... تبقى عليك مرارة التبعات
يا حسرة العاصين يوم معادهم ... ولو أنهم سيقوا إلى الجنات
لو لم يكن إلا الحياء من الذي ... ستر الذنوب لأكثروا الحسرات
يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط، ما تخاف عواقب هذا الإفراط؟ يا مؤثر الفاني على الباقي غلطة لا كالأغلاط، ألك صبر يقاوم ألم السياط؟ ألك قدم يصلح للمشي على الصراط؟ أيعجبك لباس الصحة؟ كلا، وثوب البلا يخاط بداء المتون، داء أعيى على بقراط. كم رحل الموت؟ على غارب اغتراب، كم ألحق ترباً بالأتراب في سفر التراب، إنما الموت مخرنبق ليقول، ومجرمز ليغول.
وكم من فتى يمسي ويصبح آمناً ... وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
يا شدة الوجل عند حضور الأجل، يا حسرة الفوت عند حضور الموت، يا خجلة العاصين يا أسف المقصرين.
للحجاج:
إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
فما انفك من ندم ... وهان دمي فها ندمي
استلب زمانك يا مسلوب! وغالب الهوى يا مغلوب! وحاسب نفسك فالعمر محسوب، وامسح قبيحك فالقبيح مكتوب، واعجباً لنائم وهو مطلوب، ولضاحك وعليه ذنوب.
ألا ذكِّراني قبل أن يأتي الموتُ ... وبيني لجثماني بدار البلى بيتُ
وعرفني ربي طريق سلامتي ... وبصَّرني لكنني قد تعاميتُ
وقالوا مشيب الرأس يحدو إلى البلى ... فقلت أراني قد قربت فأدنيت
أين الدموع السواجم؟ قبل المنايا الهواجم، أين القلق الدائم؟ للذنوب القدايم، أترى آثرت الملاوم؟ في هذه الأقاوم، أيها القاعد والموت قائم أنائم أنت عن حديثنا أم متناوم؟ لا بد والله من ضربة لازم، تقرع لها سن نادم، لا بد من موج هول متلاطم، ينادي فيه نوح الأسى لا عاصم، لا بد من سقم السالم ينسى فيه يا أم سالم.
يا من سينأى عن بنيه ... كما نأى عنه أبوه
مثل لنفسك قولهم ... جاء اليقين فوجهوه
وتحللوا من ظلمه ... قبل الممات وحللوه
يا مؤخراً توبته بمطل التسويف " لأي يومٍ أُجِّلتْ " كنت تقول إذا شئت تبت فهذي شهور الصيف عناقد انقضت، قدر أن الموت لا يأتي إلا بغتة! أليس مرض الموت يبغت؟ ويحك قد نفذ السليط، فاستدرك ذبالة المصباح، في كل يوم تضع قاعدة إنابة، ولكن على شفا جرف هار، كم تعزم على طاعة وتوبة، يا ليلى الهوى ما تبصر توبة، تبيت من العزم في شعار أويس، فإذا أصبحت أخذت طريق قيس تنقض عرى العزايم عروة عروة، كل صريع في الهوى رفيق عروة، كم تدفن كثيراً من الأعزة؟ وما يرجع كثير عن حب عزة.
جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيباً يداوي من جنون جنون
خلق قلبك صافياً في الأصل، وإنما كدرته الخطايا، وفي الخلوة يركد الكدر، تلمح سبب هذا التكدير، فما يخفى الحال على متلمح، كنت مقيماً في دار الإنابة نظيفاً، فسافرت في الهوى فعلاك وسخ، أفلا تحن إلى النظافة؟ ألا يحرك البدوي ذكر نجد؟ طال مرضك واليوم بحران، أتدري ما البحران؟ تجتمع القوة والمرض فيختصمان، فإن تحلبته جاءت العافية، وإن تحلبها فالهلاك، هذه ساعة بحرانك، والعقل يقاوم الهوى، فانظر من يغلب؟ واعجباً كيف يستأسر أسد لثعلب؟ يا مستهاناً في خدمة النفس، اخرج إلى ديار القلب تعز، الفيلة في الهند عوامل تنقل رجال القوم وتخدمهم، فإذا خرجت إلى من يعرف قدرها. أكرمت، العود في بلاده خشب، فإذا سوفر به إلى طالب الطيب أعز، تفاح أصبهان في بلده فاكهة، فإذا جيء به إلى العراق، دل على الطباع اللطيفة بريحه. الفهد في الصحراء بهيمة، فإذا وقع بيد من يعرفه، غضب فيترضى، البازي في البرية طائر، فإذا صيد فسريره كف الملك.
يا مختار الكون وما يعرف قدر نفسه، أما أسجدت الملائكة بالأمس لك؟ وجعلتهم اليوم في خدمتك، لما تكبر عليك إبليس، وقد عبدني سنين طردته، أفتصافيه على خلافي؟ " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " أنا القائل قبل وجود أبيك للملائكة " إني جاعلٌ في الأرض خليفة " اطلعوا من خوخات تعبدكم، فانظروا ما أصنع؟ أخذت قبضة من تراب، فصببت عليها قطرات من ماء " مرج البحرين يلتقيان " قال التراب والماء: وأي قدر لنا؟ فنزل دار تواضعهما عزيز " ونفخت فيه من روحي " فانضم صدف بحر البدن على در القلب، فانعقد فصار عرشاً لصفة " ويسعني " .
خلا المثقف بالطفل داخل البيت، فسطر في لوح سره العلم " كتب في قلوبهم الإيمان " وأخرجه يوم التخيير وقد حذق المكتوب " فقال أنبئهم بأسمائهم " ثم قيل له، لا يحتمل موضع الخلع، وجوده ذر البذر، فاخرج إلى عالم الطبع، أكلت يا دودة القز، فاذهبي إلى الغزل، وتشاغلي بالنسج، فنزل إلى دار المجاهدة، فظهر من ثمرة شجرته، صبر الخليل، وثبوت الذبيح، وجهاد يوسف، وكمال محمد صلى الله عليه وسلم، ثم جاء أولياء في هذه الدولة، فخجلت عند زهدهم الرهبة، لا بل سبقوا تعبد الملائكة، قال سري: ما فاتني ورد قط فقدرت على إعادته، وذاك أن الزمان الذي مضى فيه وظيفة أخرى.
للحجاج:
إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
فما انفك من ندم ... وهان دمي فها ندمي
استلب زمانك يا مسلوب! وغالب الهوى يا مغلوب! وحاسب نفسك فالعمر محسوب، وامسح قبيحك فالقبيح مكتوب، واعجباً لنائم وهو مطلوب، ولضاحك وعليه ذنوب.
ألا ذكِّراني قبل أن يأتي الموتُ ... وبيني لجثماني بدار البلى بيتُ
وعرفني ربي طريق سلامتي ... وبصَّرني لكنني قد تعاميتُ
وقالوا مشيب الرأس يحدو إلى البلى ... فقلت أراني قد قربت فأدنيت
أين الدموع السواجم؟ قبل المنايا الهواجم، أين القلق الدائم؟ للذنوب القدايم، أترى آثرت الملاوم؟ في هذه الأقاوم، أيها القاعد والموت قائم أنائم أنت عن حديثنا أم متناوم؟ لا بد والله من ضربة لازم، تقرع لها سن نادم، لا بد من موج هول متلاطم، ينادي فيه نوح الأسى لا عاصم، لا بد من سقم السالم ينسى فيه يا أم سالم.
يا من سينأى عن بنيه ... كما نأى عنه أبوه
مثل لنفسك قولهم ... جاء اليقين فوجهوه
وتحللوا من ظلمه ... قبل الممات وحللوه
يا مؤخراً توبته بمطل التسويف " لأي يومٍ أُجِّلتْ " كنت تقول إذا شئت تبت فهذي شهور الصيف عناقد انقضت، قدر أن الموت لا يأتي إلا بغتة! أليس مرض الموت يبغت؟ ويحك قد نفذ السليط، فاستدرك ذبالة المصباح، في كل يوم تضع قاعدة إنابة، ولكن على شفا جرف هار، كم تعزم على طاعة وتوبة، يا ليلى الهوى ما تبصر توبة، تبيت من العزم في شعار أويس، فإذا أصبحت أخذت طريق قيس تنقض عرى العزايم عروة عروة، كل صريع في الهوى رفيق عروة، كم تدفن كثيراً من الأعزة؟ وما يرجع كثير عن حب عزة.
جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيباً يداوي من جنون جنون
خلق قلبك صافياً في الأصل، وإنما كدرته الخطايا، وفي الخلوة يركد الكدر، تلمح سبب هذا التكدير، فما يخفى الحال على متلمح، كنت مقيماً في دار الإنابة نظيفاً، فسافرت في الهوى فعلاك وسخ، أفلا تحن إلى النظافة؟ ألا يحرك البدوي ذكر نجد؟ طال مرضك واليوم بحران، أتدري ما البحران؟ تجتمع القوة والمرض فيختصمان، فإن تحلبته جاءت العافية، وإن تحلبها فالهلاك، هذه ساعة بحرانك، والعقل يقاوم الهوى، فانظر من يغلب؟ واعجباً كيف يستأسر أسد لثعلب؟ يا مستهاناً في خدمة النفس، اخرج إلى ديار القلب تعز، الفيلة في الهند عوامل تنقل رجال القوم وتخدمهم، فإذا خرجت إلى من يعرف قدرها. أكرمت، العود في بلاده خشب، فإذا سوفر به إلى طالب الطيب أعز، تفاح أصبهان في بلده فاكهة، فإذا جيء به إلى العراق، دل على الطباع اللطيفة بريحه. الفهد في الصحراء بهيمة، فإذا وقع بيد من يعرفه، غضب فيترضى، البازي في البرية طائر، فإذا صيد فسريره كف الملك.
يا مختار الكون وما يعرف قدر نفسه، أما أسجدت الملائكة بالأمس لك؟ وجعلتهم اليوم في خدمتك، لما تكبر عليك إبليس، وقد عبدني سنين طردته، أفتصافيه على خلافي؟ " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " أنا القائل قبل وجود أبيك للملائكة " إني جاعلٌ في الأرض خليفة " اطلعوا من خوخات تعبدكم، فانظروا ما أصنع؟ أخذت قبضة من تراب، فصببت عليها قطرات من ماء " مرج البحرين يلتقيان " قال التراب والماء: وأي قدر لنا؟ فنزل دار تواضعهما عزيز " ونفخت فيه من روحي " فانضم صدف بحر البدن على در القلب، فانعقد فصار عرشاً لصفة " ويسعني " .
خلا المثقف بالطفل داخل البيت، فسطر في لوح سره العلم " كتب في قلوبهم الإيمان " وأخرجه يوم التخيير وقد حذق المكتوب " فقال أنبئهم بأسمائهم " ثم قيل له، لا يحتمل موضع الخلع، وجوده ذر البذر، فاخرج إلى عالم الطبع، أكلت يا دودة القز، فاذهبي إلى الغزل، وتشاغلي بالنسج، فنزل إلى دار المجاهدة، فظهر من ثمرة شجرته، صبر الخليل، وثبوت الذبيح، وجهاد يوسف، وكمال محمد صلى الله عليه وسلم، ثم جاء أولياء في هذه الدولة، فخجلت عند زهدهم الرهبة، لا بل سبقوا تعبد الملائكة، قال سري: ما فاتني ورد قط فقدرت على إعادته، وذاك أن الزمان الذي مضى فيه وظيفة أخرى.
ما لي شغل سواه ما لي شغل ... ما يصرف عن هواه قلبي عذل
ما أصنع إن جفا وخاب الأمل ... مني بدل ومنه ما لي بدل
كانت رابعة العابدة، تقوم من أول الليل، وتقول:
قام المحب إلى المؤمل قومه ... كاد الفؤاد من السرور يطير
فإذا انقضى الليل، صاحت: واحرباه، واسلباه.
ذهب الظلام بأنسه وبألفه ... ليت الظلام بأنسه يتجدد
دخلوا على زجلة العابدة، فكلموها في الرفق بنفسها، فقالت: والله لأصلين لله ما أقلتني جوارحي، ولأصومن له أيام حياتي. ولأبكين ما حملت الماء عيناي.
لا أقبل نصحكم فخلوا عذلي ... ما أعذب في الغرام طعم القتل
إن طل دمي فكم محب مثلي ... قد ضرج باللحاظ لا بالنبل
أين أنت والأحباب؟ كم بين القشور واللباب؟ لصردر:
هل مدلج عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
يا معجباً بتعبده، تأمل فضائل السابقين، وقد هدرت شقاشق كبرك النظر في سيرهم قرظ يجفف عفن الرعونة، مضى والله هل المعاني، وتخلف أرباب الدعاوي.
هاتيك ربوعهم وفيها كانوا ... بانوا عنها فليتهم ما بانوا
ناديت وفي حشاشتي نيران ... يا قوم متى تحول السكان
الفصل التاسع عشر
عجباً لراحل مات وما تزود للرحلة، ولمسافر ماج وما جمع للسفر رحلة، ولمنتقل إلى قبره لم يتأهب للنقلة، ولمفرط في أمره لم يستشر عقله.
لصردر:
لا مرية في الردى ولا جدلُ ... العمر دين قضاؤه الأجلُ
للمرء في حتف أنفه شغل ... فما تريد السيوف والأسلُ
يفرى الدجى والضحى بأسلحة ... سيان فيها الدروع والحللُ
كأس أديرت على لذاذتها ... عُدّل فيها الزعاف والعسلُ
كل إلى غاية يصير ولا ... تمييز إلا الإسراع والمَهَلُ
والناس ركب يهوون حثهم ... ولا يُسرُّون أنهم نزلُ
وسوف تطوى مسافة ذملت ... بقاطعيها ركائب ذللُ
كيف يعد الدنيا له وطناً ... من هو عنها ينأى وينتقلُ
نسخو بأعمارنا ونبخل با ... لمال فتبَّ السخاء والبخلُ
أضاع راقي الداء العضال كما ... ضيع في سمع عاشق عدَلُ
ولو نجا الهائب الجبان من ... الموت نجا في أقدامه البطلُ
ما أسلموا هذه النفوس إلى ... الأجداث إلا إذا ضاقت الحيلُ
ضرورة ذلت القروم لها ... وقد تقود المصاعب الجدلُ
ومن حذار تبوأ الكدية الضب ... وأوفى الشواهق الوعل
يقاد في عزه الخبعثنة الضا ... ري ويدهي في ذله الجُعَلُ
وهل يردُّ الأحباب أن ظعنوا ... على محب أن يندب الطللُ
أخواني، مر الأقران على مدرجة، وخيول الرحيل للباقين مسرجة سار القوم إلى القبور هملجة وباتت أرواح من الأشباح مستخرجة، إلى كم هذا التسويف والمجمجة؟ بضائعكم كلها بهرجة، وطريقكم صعبة عوسجة، وستعرفون الخبر وقت الحشرجة.
يا من قد ساخ في أوساخ، إلى كم تملى؟ تعبت النساخ، يا من ضيع الشباب، وما يسمع العتاب وقد شاخ، بادر صبابة القوى، فاستدرك باقي الطباخ، وتأهب للرحيل فما هذه الدنيا بمناخ، كم بات مزمار في بيت فأصبح فيه الصراخ، أين من حصن الحصون واحترس وعمر الحدائق واحترس، ونصب سرير الكبر وجلس، وظن بقاء للنفس فخاب الظن في نفس، نازله الموت، وتركه في ظلام ظلمة بين العيب والدنس، فالعاقل من بادر الندامة، فإن السلامة خلس.
لابن المعتز:
ألا من لقلب في الهوى غير منته ... وفي الغي مطواع وفي الرشد مكره
أشاوره في توبة فيقول لا ... فإن قلت تأتي فتنة قال: أين هي؟
ما أصنع إن جفا وخاب الأمل ... مني بدل ومنه ما لي بدل
كانت رابعة العابدة، تقوم من أول الليل، وتقول:
قام المحب إلى المؤمل قومه ... كاد الفؤاد من السرور يطير
فإذا انقضى الليل، صاحت: واحرباه، واسلباه.
ذهب الظلام بأنسه وبألفه ... ليت الظلام بأنسه يتجدد
دخلوا على زجلة العابدة، فكلموها في الرفق بنفسها، فقالت: والله لأصلين لله ما أقلتني جوارحي، ولأصومن له أيام حياتي. ولأبكين ما حملت الماء عيناي.
لا أقبل نصحكم فخلوا عذلي ... ما أعذب في الغرام طعم القتل
إن طل دمي فكم محب مثلي ... قد ضرج باللحاظ لا بالنبل
أين أنت والأحباب؟ كم بين القشور واللباب؟ لصردر:
هل مدلج عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
يا معجباً بتعبده، تأمل فضائل السابقين، وقد هدرت شقاشق كبرك النظر في سيرهم قرظ يجفف عفن الرعونة، مضى والله هل المعاني، وتخلف أرباب الدعاوي.
هاتيك ربوعهم وفيها كانوا ... بانوا عنها فليتهم ما بانوا
ناديت وفي حشاشتي نيران ... يا قوم متى تحول السكان
الفصل التاسع عشر
عجباً لراحل مات وما تزود للرحلة، ولمسافر ماج وما جمع للسفر رحلة، ولمنتقل إلى قبره لم يتأهب للنقلة، ولمفرط في أمره لم يستشر عقله.
لصردر:
لا مرية في الردى ولا جدلُ ... العمر دين قضاؤه الأجلُ
للمرء في حتف أنفه شغل ... فما تريد السيوف والأسلُ
يفرى الدجى والضحى بأسلحة ... سيان فيها الدروع والحللُ
كأس أديرت على لذاذتها ... عُدّل فيها الزعاف والعسلُ
كل إلى غاية يصير ولا ... تمييز إلا الإسراع والمَهَلُ
والناس ركب يهوون حثهم ... ولا يُسرُّون أنهم نزلُ
وسوف تطوى مسافة ذملت ... بقاطعيها ركائب ذللُ
كيف يعد الدنيا له وطناً ... من هو عنها ينأى وينتقلُ
نسخو بأعمارنا ونبخل با ... لمال فتبَّ السخاء والبخلُ
أضاع راقي الداء العضال كما ... ضيع في سمع عاشق عدَلُ
ولو نجا الهائب الجبان من ... الموت نجا في أقدامه البطلُ
ما أسلموا هذه النفوس إلى ... الأجداث إلا إذا ضاقت الحيلُ
ضرورة ذلت القروم لها ... وقد تقود المصاعب الجدلُ
ومن حذار تبوأ الكدية الضب ... وأوفى الشواهق الوعل
يقاد في عزه الخبعثنة الضا ... ري ويدهي في ذله الجُعَلُ
وهل يردُّ الأحباب أن ظعنوا ... على محب أن يندب الطللُ
أخواني، مر الأقران على مدرجة، وخيول الرحيل للباقين مسرجة سار القوم إلى القبور هملجة وباتت أرواح من الأشباح مستخرجة، إلى كم هذا التسويف والمجمجة؟ بضائعكم كلها بهرجة، وطريقكم صعبة عوسجة، وستعرفون الخبر وقت الحشرجة.
يا من قد ساخ في أوساخ، إلى كم تملى؟ تعبت النساخ، يا من ضيع الشباب، وما يسمع العتاب وقد شاخ، بادر صبابة القوى، فاستدرك باقي الطباخ، وتأهب للرحيل فما هذه الدنيا بمناخ، كم بات مزمار في بيت فأصبح فيه الصراخ، أين من حصن الحصون واحترس وعمر الحدائق واحترس، ونصب سرير الكبر وجلس، وظن بقاء للنفس فخاب الظن في نفس، نازله الموت، وتركه في ظلام ظلمة بين العيب والدنس، فالعاقل من بادر الندامة، فإن السلامة خلس.
لابن المعتز:
ألا من لقلب في الهوى غير منته ... وفي الغي مطواع وفي الرشد مكره
أشاوره في توبة فيقول لا ... فإن قلت تأتي فتنة قال: أين هي؟
سابقة القدر قضت لقوم بدليل " سبقت لهم " وعلى قوم بدليل " غلبتْ علينا " تلقيح " سبقت " نور قلوب الجن " فقالوا سمعنا قرآناً عجبا " وخذلان " غلبت " أعمى بصائر قريش " فقالوا أساطير الأولين " إذا هزت صوارم القدر، تقلقلت رقاب المقربين غضب على قوم فلم تنفعهم الحسنات، ورضي عن قوم فلم تضرهم السيئات، ما نفعت عبادة إبليس، ولا ضر عناد السحرة.
هبت عواصف الأقدار ف
هبت عواصف الأقدار ف
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى