- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 21- 30)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:34
الفصل الحادي والعشرون
يا ساعياً لنفسه في المهالك، دنا الرحيل ونضو النقلة بارك، متى تذكر وحشتك بعد إيناسك؟ متى تقتدي من ناسك بناسك؟ كأنك بك قد خرجت عن أهلك وولدك، وانفردت عن عددك وعددك، وقتلك بسيف الندم ولم يدك، ورحلت ولم يحصل بيدك إلا عض يدك.
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ... ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ... محاها مجال الريح بعدك والقطر
على ذاك مروا أجمعون وهكذا ... يمرون حتى يستردهم الحشر
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى ... وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر
بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا ... وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر
يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب؟ خل الأمل الكذوب، فرب شروق بلا غروب، وا آسفي أين القلوب؟ تفرقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجباً الناس ضروب، متى تنته لخلاصك أيها الناعس؟ متى تطلب الأخرى يا من على الدنيا ينافس؟ متى تذكر وحدتك إذ انفردت عن موانس؟ يا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس، يا من تحدثه الأماني دع هذه الوساوس.
أين الجبابرة الأكاسرة الشجعان الفوارس، أين الأسد الضواري والظباء الكوانس، أين من اعتاد سعة القصور حبس من القبور في أضيق المحابس، أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس، أين الغافل في أمله عن أجله سلبه كف المخالس، أين حارس المال، أخذ المحروس وقتل الحارس.
يا مضمراً حب الدنيا إضمار الجمل الحقود، نبعث منقاش اللوم وما يصل إلى شظايا المحبة، الدنيا جيفة قد أراحت ومزكوم الغفلة ما يدري، سوق فيها ضجيج الهوى، فمن يسمع المواعظ.
علمتني بهجرها الصبر عنها ... فهي مشكورة على التقبيح
إذا أردت دواء حبها فما قل في الشربة صبر، انفرد في صومعة الزهد، واحفر خندق الحذر، وأقم حارس الورع، ولا تطلع من خوخة مسامحة فإن البغي في الفتى صناع.
لصردر:
النجاء النجاء من أرض نجد ... قبل أن يعلق الفؤاد بوجد
كم خلى غدا إليه وأمسى ... وهو يهوي بعلوة وبهند
حصّن حصن التقى بسور القناعة، فإن لص الحرص يطلب ثمة، غريم الطبع متقاض ملح، والشره شرك، وخمار المنى داء قاتل، بينا الحرص يمد وتر الأمل انقطع، هل العيش إلا كأس مشوبة بالكدر ثم رسوتها الموت " فابتغوا عند الله الرزق " .
قال محمد بن واسع لو رأيتم رجلاً في الجنة يبكي، أما كنتم تعجبون؟ قالوا بلى، قال: فأعجب منه في الدنيا رجل يضحك ولا يدري إلى ما يصير؟ ضحك بعض الصالحين يوماً ثم انتبه لنفسه فقال: تضحكين؟ وما جزت العقبة، والله لا ضحكت بعدها، حتى أعلم بماذا تقع الواقعة؟
يا نسيم الشمال بالله بلغ ... ما يقول المتيم المستهام
قل لأحبابنا فداكم محب ... ليس يسلو ومقلة لا تنام
كل عيش ولذة وسرور ... قبل لقياكم علي حرام
فرغ القوم قلوبهم من الشواغل، فضربت فيها سرادقات المحبوب، فأقاموا العيون تحرس تارة، وترش الأرض تارة، هيهات هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
لابن المعتز:
أيها الملك الذي سهري فيه ... كطعم الرقاد بل هو أحلى
غرضي ما يريده بي حبيبي ... لو سقاني مهلاً لما قلت مهلا
لست أدري أطال ليلي أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى
إن العاشقين في قصر الليل ... وفي طوله عن النوم شغلا
لو تفرغت لاستطالة ليلي ... أو لرعي النجوم كنت مخلا
وغرام الفؤاد مذ غبت عنه ... لم يحل عن هواك حاشى وكلا
قلوب العارفين، مملوءة بذكر الحبيب، ليس فيها سعة لغيره.
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم ... فما لحب سواهم فيه متسع
إن نطقوا فبذكره، وإن تحركوا فبأمره، وإن فرحوا فلقربه، وإن ترحوا فلعتبه.
يا ساعياً لنفسه في المهالك، دنا الرحيل ونضو النقلة بارك، متى تذكر وحشتك بعد إيناسك؟ متى تقتدي من ناسك بناسك؟ كأنك بك قد خرجت عن أهلك وولدك، وانفردت عن عددك وعددك، وقتلك بسيف الندم ولم يدك، ورحلت ولم يحصل بيدك إلا عض يدك.
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ... ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ... محاها مجال الريح بعدك والقطر
على ذاك مروا أجمعون وهكذا ... يمرون حتى يستردهم الحشر
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى ... وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر
بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا ... وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر
يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب؟ خل الأمل الكذوب، فرب شروق بلا غروب، وا آسفي أين القلوب؟ تفرقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجباً الناس ضروب، متى تنته لخلاصك أيها الناعس؟ متى تطلب الأخرى يا من على الدنيا ينافس؟ متى تذكر وحدتك إذ انفردت عن موانس؟ يا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس، يا من تحدثه الأماني دع هذه الوساوس.
أين الجبابرة الأكاسرة الشجعان الفوارس، أين الأسد الضواري والظباء الكوانس، أين من اعتاد سعة القصور حبس من القبور في أضيق المحابس، أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس، أين الغافل في أمله عن أجله سلبه كف المخالس، أين حارس المال، أخذ المحروس وقتل الحارس.
يا مضمراً حب الدنيا إضمار الجمل الحقود، نبعث منقاش اللوم وما يصل إلى شظايا المحبة، الدنيا جيفة قد أراحت ومزكوم الغفلة ما يدري، سوق فيها ضجيج الهوى، فمن يسمع المواعظ.
علمتني بهجرها الصبر عنها ... فهي مشكورة على التقبيح
إذا أردت دواء حبها فما قل في الشربة صبر، انفرد في صومعة الزهد، واحفر خندق الحذر، وأقم حارس الورع، ولا تطلع من خوخة مسامحة فإن البغي في الفتى صناع.
لصردر:
النجاء النجاء من أرض نجد ... قبل أن يعلق الفؤاد بوجد
كم خلى غدا إليه وأمسى ... وهو يهوي بعلوة وبهند
حصّن حصن التقى بسور القناعة، فإن لص الحرص يطلب ثمة، غريم الطبع متقاض ملح، والشره شرك، وخمار المنى داء قاتل، بينا الحرص يمد وتر الأمل انقطع، هل العيش إلا كأس مشوبة بالكدر ثم رسوتها الموت " فابتغوا عند الله الرزق " .
قال محمد بن واسع لو رأيتم رجلاً في الجنة يبكي، أما كنتم تعجبون؟ قالوا بلى، قال: فأعجب منه في الدنيا رجل يضحك ولا يدري إلى ما يصير؟ ضحك بعض الصالحين يوماً ثم انتبه لنفسه فقال: تضحكين؟ وما جزت العقبة، والله لا ضحكت بعدها، حتى أعلم بماذا تقع الواقعة؟
يا نسيم الشمال بالله بلغ ... ما يقول المتيم المستهام
قل لأحبابنا فداكم محب ... ليس يسلو ومقلة لا تنام
كل عيش ولذة وسرور ... قبل لقياكم علي حرام
فرغ القوم قلوبهم من الشواغل، فضربت فيها سرادقات المحبوب، فأقاموا العيون تحرس تارة، وترش الأرض تارة، هيهات هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
لابن المعتز:
أيها الملك الذي سهري فيه ... كطعم الرقاد بل هو أحلى
غرضي ما يريده بي حبيبي ... لو سقاني مهلاً لما قلت مهلا
لست أدري أطال ليلي أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى
إن العاشقين في قصر الليل ... وفي طوله عن النوم شغلا
لو تفرغت لاستطالة ليلي ... أو لرعي النجوم كنت مخلا
وغرام الفؤاد مذ غبت عنه ... لم يحل عن هواك حاشى وكلا
قلوب العارفين، مملوءة بذكر الحبيب، ليس فيها سعة لغيره.
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم ... فما لحب سواهم فيه متسع
إن نطقوا فبذكره، وإن تحركوا فبأمره، وإن فرحوا فلقربه، وإن ترحوا فلعتبه.
والله ما طلعت شمس ولا غربت ... إلا وأنت مني قلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش ... إلا رأيت خيالاً منك في الكاس
أقواتهم ذكرى الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
حياتي منك في روح الوصال ... وصبري عنك من سلب المحال
وكيف الصبر عنك وأي صبر ... لعطشان عن الماء الزلال
إذا لعب الرجال بكل شيء ... رأيت الحب يلعب بالرجال
كم تدرس أخبارهم وما تدرس، لئن طواهم الفناء لقد نشرهم الثناء، لو سمعتهم في الدجا يعجون، لو رأيتهم في الأسحار يضجون، لولا نسايم الرجاء كانوا ينضجون.
ما لي عن وصلك اصطبار ... إليك من هجرك الفرارُ
أصبحتُ ظمآن ذا جفون ... مياه أخلافها غزارُ
أرومُ كتمان ما ألاقي ... وبالأماقي له اشتهارُ
ومن نسيم الصبا إذا ما ... هبت على أرضكم أغار
آه لذكرى ديار سلمى ... لا أجدبت تلكم الديار
لهفي لعيش بها تولي ... نظير أيامه النضارُ
إذ أعين الدهر راقدات ... وفي غضون الهوى ثمارُ
الفصل الثاني والعشرون
أيها الحاطب على أزره، وزراً وآثاماً، تنبه ترى الدنيا أحلى ما كانت أحلاماً، كم نكس الموت فيها أعلاماً أعلى ما، كم أذل بقهره أقواماً أقوى ما، لا كان مفتاح أمسى له الموت ختاماً.
مَن على هذه الديار أقاما ... أو صفا ملبس عليه فداما
عج بنا نندب الذين تولوا ... باقتياد المنون عاماً فعاما
تركوا كل ذروة من أشم ... يحسر الطرف ثم حلوا الرغاما
يا لحا الله مهملاً حسب الدهر ... نؤوم الجفون عنه فناما
هل لنا بالغين كل مراد ... غير ما يملأ الضلوع طعاما
وإذا أعوز الحلال فشل الله ... كفا جرت إليها حراما
التبعات تبقى واللذات تمر، وغب الأرى وإن حلا فهو مر، وكأن قد عوى في دار العوافي ذئب الضر، وما يلهي شيء من الدنيا ويسر إلا يؤذي ويضر، وقد بانت عيوبها، فليس فيها ما يغر وإنما يعشقها الجهول ويأنف منها الحر.
تذل الرجال لأطماعها ... كذل العبيد لأربابها
ولا تجنين ثمار المنى ... فتجنى الهوان بأعقابها
أخواني، ربما أورد الطمع ولم يصدر، كم شارب شرق قبل الري؟ من أخطأته سهام المنية قيده عقال الهرم، ألا يتيقظ العاقل بأضرابه، ألا يتنبه الغافل بأوصابه، أيسلم والرامي تحت ثيابه؟ يا مريضاً أتعب الأطباء ما به، كأنك بالدنيا التي تقول مرحباً قد حلت الحبى وتفرقت أيدي سبا.
ويحك أخوك من عذلك لا من عذرك، صديقك من صدقك لا من صدّقك، ويحك من يطربك يطغيك، ومالا يعنبك يعنيك، تتوب صباحاً فإذا أمسيت تحول وتعول وتقول غير أنك تنقض ما تقول، وتتلون دائماً كما تتلون الغول.
يا عبد الهوى، إن دعا أمّنت وإن ادعى آمنت، كم قال لك الهوى وما سمعت، أنا مكار وتبعت، والله لقد أفتك أضعاف ما أفدتك، ولقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر، لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها، وخداع الأمل لأربابها لجأوا إلى حصن الزهد، كما يأوي الصيد المذعور إلى الحرم، لاح لهم حب المشتهي، فلما مدوا إليه أيدي التناول بان لأبصار البصائر، خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر، وصوتوا إلى الرعيل الثاني " يا ليتَ قومي يعلمون " جمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس في الغفلات وهم في قطع الفلاة " تلك أمة قد خلتْ " لو رأيت مطايا أجسامهم، وقد أذا بها السرى فهي تحن مما تجن فتبكي الحداد.
للمصنف:
حنتْ فأذكتْ لوعتي حنينا ... أشكو من البين وتشكو البينا
قد عاث في أشخاصها طولُ السرى ... بقدر ما عاث الفراق فينا
فخلها تمشي الهوينا طال ما ... أضحت تباري الريح في البرينا
وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش ... إلا رأيت خيالاً منك في الكاس
أقواتهم ذكرى الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
حياتي منك في روح الوصال ... وصبري عنك من سلب المحال
وكيف الصبر عنك وأي صبر ... لعطشان عن الماء الزلال
إذا لعب الرجال بكل شيء ... رأيت الحب يلعب بالرجال
كم تدرس أخبارهم وما تدرس، لئن طواهم الفناء لقد نشرهم الثناء، لو سمعتهم في الدجا يعجون، لو رأيتهم في الأسحار يضجون، لولا نسايم الرجاء كانوا ينضجون.
ما لي عن وصلك اصطبار ... إليك من هجرك الفرارُ
أصبحتُ ظمآن ذا جفون ... مياه أخلافها غزارُ
أرومُ كتمان ما ألاقي ... وبالأماقي له اشتهارُ
ومن نسيم الصبا إذا ما ... هبت على أرضكم أغار
آه لذكرى ديار سلمى ... لا أجدبت تلكم الديار
لهفي لعيش بها تولي ... نظير أيامه النضارُ
إذ أعين الدهر راقدات ... وفي غضون الهوى ثمارُ
الفصل الثاني والعشرون
أيها الحاطب على أزره، وزراً وآثاماً، تنبه ترى الدنيا أحلى ما كانت أحلاماً، كم نكس الموت فيها أعلاماً أعلى ما، كم أذل بقهره أقواماً أقوى ما، لا كان مفتاح أمسى له الموت ختاماً.
مَن على هذه الديار أقاما ... أو صفا ملبس عليه فداما
عج بنا نندب الذين تولوا ... باقتياد المنون عاماً فعاما
تركوا كل ذروة من أشم ... يحسر الطرف ثم حلوا الرغاما
يا لحا الله مهملاً حسب الدهر ... نؤوم الجفون عنه فناما
هل لنا بالغين كل مراد ... غير ما يملأ الضلوع طعاما
وإذا أعوز الحلال فشل الله ... كفا جرت إليها حراما
التبعات تبقى واللذات تمر، وغب الأرى وإن حلا فهو مر، وكأن قد عوى في دار العوافي ذئب الضر، وما يلهي شيء من الدنيا ويسر إلا يؤذي ويضر، وقد بانت عيوبها، فليس فيها ما يغر وإنما يعشقها الجهول ويأنف منها الحر.
تذل الرجال لأطماعها ... كذل العبيد لأربابها
ولا تجنين ثمار المنى ... فتجنى الهوان بأعقابها
أخواني، ربما أورد الطمع ولم يصدر، كم شارب شرق قبل الري؟ من أخطأته سهام المنية قيده عقال الهرم، ألا يتيقظ العاقل بأضرابه، ألا يتنبه الغافل بأوصابه، أيسلم والرامي تحت ثيابه؟ يا مريضاً أتعب الأطباء ما به، كأنك بالدنيا التي تقول مرحباً قد حلت الحبى وتفرقت أيدي سبا.
ويحك أخوك من عذلك لا من عذرك، صديقك من صدقك لا من صدّقك، ويحك من يطربك يطغيك، ومالا يعنبك يعنيك، تتوب صباحاً فإذا أمسيت تحول وتعول وتقول غير أنك تنقض ما تقول، وتتلون دائماً كما تتلون الغول.
يا عبد الهوى، إن دعا أمّنت وإن ادعى آمنت، كم قال لك الهوى وما سمعت، أنا مكار وتبعت، والله لقد أفتك أضعاف ما أفدتك، ولقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر، لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها، وخداع الأمل لأربابها لجأوا إلى حصن الزهد، كما يأوي الصيد المذعور إلى الحرم، لاح لهم حب المشتهي، فلما مدوا إليه أيدي التناول بان لأبصار البصائر، خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر، وصوتوا إلى الرعيل الثاني " يا ليتَ قومي يعلمون " جمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس في الغفلات وهم في قطع الفلاة " تلك أمة قد خلتْ " لو رأيت مطايا أجسامهم، وقد أذا بها السرى فهي تحن مما تجن فتبكي الحداد.
للمصنف:
حنتْ فأذكتْ لوعتي حنينا ... أشكو من البين وتشكو البينا
قد عاث في أشخاصها طولُ السرى ... بقدر ما عاث الفراق فينا
فخلها تمشي الهوينا طال ما ... أضحت تباري الريح في البرينا
وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا
إن كن لم يفصحن بالشكوى لنا ... فهن بالأرزام يشتكينا
قد أقرحت بما تحن كبدي ... إن الحزين يسعد الحزينا
وقد تياسرت بهن جائراً ... عن الحمى فاعدل بها يمينا
يقول صاحبي أترى آثارهم ... نعم ولكن لا أرى القطينا
لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كما بلينا
أكلما لاح لعيني بارق ... بكت فأبدت سرى المصونا
لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ... وعذبوا الخائن لا الأمينا
دارت قلوب القوم في دائرة الخوف، دوران الكرة تحت الصولجان فهاموا في فلوات القلق، فمن خايف مستجير، ومن واحد يقول، ومن سكران يبث.
إذا لعب الرجال بكل شيء ... رأيت الحب يلعب بالرجال
طالت عليهم بادية الرياضة، ثم بدت بعدها الرياض، استوطنوا فردوس الأنس في قلة طور الطلب.
شقينا في الهوى زمناً فلما ... تلاقينا كأنا ما شقينا
سخطنا عندما جنت الليالي ... فما زالت بنا حتى رضينا
فمن لم يحيى بعد الموت يوماً ... فإنا بعد ما متنا حيينا
وقفت على قبر بعض الصالحين فقلت: يا فلان، بماذا نلت تردد الأقدام إليك؟ فقال: أقدمت على رد الهوى بلا تردد، فترددت إلي الأقدام، كان عطر إخلاصي خالصاً فعبق نشره بالأرواح.
للمهيار:
جرتْ مع الرسم لي محاورةٌ ... فهمتُ منها ما قاله الرسمُ
هل لك بالنازلين أرض منى ... يا علَمَ الشوقِ بعدنا عِلمُ
أدلج القوم طول الليل في السرى، وخافوا عوز الماء فتمموا المزاد بالبكاء.
سلو غير طرفي إن سألتم عن الكرى ... فما لجفون العاشقين منام
سكن الخوف قلوبهم فإذا بها، فإذا بها في محلة الأمن، نحلوا المعرفة فتحلوا فعمر قصر القلب للملك، وقنعت الحواشي في القاع بالخيم.
وكم ناحل بين تلك الخيام ... تحسبه بعض أطنابها
يا هذا، سرادق المحبة لا يضرب إلا في قاع فارغ نزه " فرِّغ قلبك من غيري ،أسكنه " .
للشريف الرضي:
تركوا الدار فلما ... نزلوا القلب أقاموا
يا خليلي اسقياني ... زمن الوجد مدامُ
وصِفا لي قلعة الركب ... ولليلِ مُقامُ
ومِنىً أين منىً ... مِنِّي لقد شط المَرامُ
هل على جمع نزول ... وعلى الخيف خيام
بحق لا بد أن المحبين تذوب، ولسماء أعينهم تهمي وتصوب، لو حملوا جبال الأرض مع كر الكروب، كان ذلك قليلاً في حب المحبوب.
لابن المعتز:
رأى خضوعي فصدَّ عني ... فازددت ذلاً فزادتيها
قلت له خالياً وعيني ... قد أحرق الدمع ما يليها
هل لي في الحب من شبيه ... قال: وأبصرت لي شبيها
الفصل الثالث والعشرون
أخواني، شمروا عن سوق الدأب في سوق الأدب، واعتبروا بالراحلين وسلوا السلب قبل أن يفوت الغرض بالمرض إن عرض، فكأنكم بمبسوط الأمل قد انقبض، وبمشيد المنى قد انتقض.
يا ساكن الدنيا تأهّب ... وانتظر يوم الفراق
وأعد زاداً للرحيل ... فسوف يحدى بالرفاق
وابك الذنوب يا دمع ... تنهل من سحب المآق
يا من أضاع زمانه ... أرضيت ما يفنى بباق
أين عزائم الرجال؟ أين صرائم الأبطال؟ تدعي وتتوانى، هذا محال.
أشتاقكم ويحول العزم دونكم ... فأدعي بعدكم عني وأعتذر
وأشتكي خطراً بيني وبينكم ... وآية الشوق أن يستصغر الخطر
إن هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر. قال عمر بن عبد العزيز: خلقت لي نفس تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة.
لأبي فراس:
بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى أن داراً لست من أهلها قفر
وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
قد أقرحت بما تحن كبدي ... إن الحزين يسعد الحزينا
وقد تياسرت بهن جائراً ... عن الحمى فاعدل بها يمينا
يقول صاحبي أترى آثارهم ... نعم ولكن لا أرى القطينا
لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كما بلينا
أكلما لاح لعيني بارق ... بكت فأبدت سرى المصونا
لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ... وعذبوا الخائن لا الأمينا
دارت قلوب القوم في دائرة الخوف، دوران الكرة تحت الصولجان فهاموا في فلوات القلق، فمن خايف مستجير، ومن واحد يقول، ومن سكران يبث.
إذا لعب الرجال بكل شيء ... رأيت الحب يلعب بالرجال
طالت عليهم بادية الرياضة، ثم بدت بعدها الرياض، استوطنوا فردوس الأنس في قلة طور الطلب.
شقينا في الهوى زمناً فلما ... تلاقينا كأنا ما شقينا
سخطنا عندما جنت الليالي ... فما زالت بنا حتى رضينا
فمن لم يحيى بعد الموت يوماً ... فإنا بعد ما متنا حيينا
وقفت على قبر بعض الصالحين فقلت: يا فلان، بماذا نلت تردد الأقدام إليك؟ فقال: أقدمت على رد الهوى بلا تردد، فترددت إلي الأقدام، كان عطر إخلاصي خالصاً فعبق نشره بالأرواح.
للمهيار:
جرتْ مع الرسم لي محاورةٌ ... فهمتُ منها ما قاله الرسمُ
هل لك بالنازلين أرض منى ... يا علَمَ الشوقِ بعدنا عِلمُ
أدلج القوم طول الليل في السرى، وخافوا عوز الماء فتمموا المزاد بالبكاء.
سلو غير طرفي إن سألتم عن الكرى ... فما لجفون العاشقين منام
سكن الخوف قلوبهم فإذا بها، فإذا بها في محلة الأمن، نحلوا المعرفة فتحلوا فعمر قصر القلب للملك، وقنعت الحواشي في القاع بالخيم.
وكم ناحل بين تلك الخيام ... تحسبه بعض أطنابها
يا هذا، سرادق المحبة لا يضرب إلا في قاع فارغ نزه " فرِّغ قلبك من غيري ،أسكنه " .
للشريف الرضي:
تركوا الدار فلما ... نزلوا القلب أقاموا
يا خليلي اسقياني ... زمن الوجد مدامُ
وصِفا لي قلعة الركب ... ولليلِ مُقامُ
ومِنىً أين منىً ... مِنِّي لقد شط المَرامُ
هل على جمع نزول ... وعلى الخيف خيام
بحق لا بد أن المحبين تذوب، ولسماء أعينهم تهمي وتصوب، لو حملوا جبال الأرض مع كر الكروب، كان ذلك قليلاً في حب المحبوب.
لابن المعتز:
رأى خضوعي فصدَّ عني ... فازددت ذلاً فزادتيها
قلت له خالياً وعيني ... قد أحرق الدمع ما يليها
هل لي في الحب من شبيه ... قال: وأبصرت لي شبيها
الفصل الثالث والعشرون
أخواني، شمروا عن سوق الدأب في سوق الأدب، واعتبروا بالراحلين وسلوا السلب قبل أن يفوت الغرض بالمرض إن عرض، فكأنكم بمبسوط الأمل قد انقبض، وبمشيد المنى قد انتقض.
يا ساكن الدنيا تأهّب ... وانتظر يوم الفراق
وأعد زاداً للرحيل ... فسوف يحدى بالرفاق
وابك الذنوب يا دمع ... تنهل من سحب المآق
يا من أضاع زمانه ... أرضيت ما يفنى بباق
أين عزائم الرجال؟ أين صرائم الأبطال؟ تدعي وتتوانى، هذا محال.
أشتاقكم ويحول العزم دونكم ... فأدعي بعدكم عني وأعتذر
وأشتكي خطراً بيني وبينكم ... وآية الشوق أن يستصغر الخطر
إن هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر. قال عمر بن عبد العزيز: خلقت لي نفس تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة.
لأبي فراس:
بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى أن داراً لست من أهلها قفر
وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
وقال أصيحابي الفرار أو الردى ... فقلت هما أمران أحلاهما مر
سيذكرني قومي إذ جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التبر لو نفق الصبر
ونحن أناس لا توسط عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
ابتليت الهمم العالية بعشق الفضائل، شجر المكاره يثمر المكارم، متى لاحت الفريسة قذفت الغابة السبع، إذا استقام للجواد الشوط لم يحوج راكبه إلى سوط، من ضرب يوم الوغى وجه الهوى بسهم، ضرب مع الشجعان يوم القسمة بسهم، من اشتغل بالعمارة استغل الخراج، إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ثم ردفه قمر العزيمة " أشرقت الأرض بنور ربها " يا طالباً للبدعة أخطأت الطريق، علة الراحة التعب، إن لم تكن أسداً في العزم ولا غزالاً في السبق فلا تتثعلب، يا هذا الجد جناح النجاة وكسلك مزمن، من كد كد العبيد تنعم تنعم الأحرار، من امتطى راحلة الشوق لم يشق عليه بعد السفر.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
يا هذا ركائب الرحيل قد أنيخت بالجناب ولم تتحرج، وناقد البايع قائم على الباب ونقدك بهرج، كيف يلحق السابقين كسلان أعرج؟ لو تنقلت على عيطموس العزم وهوجاء الطلب وبميسجور القصد، وجعلباة السير، ومشمعلة الجد، ووصلت الديجور بالضحى لانقطعت الديمومة القذف، ولكنك استوطأت مهاد الكسل وإبر النحل دون العسل.
قيل لبعض أهل الرياضة: كيف غلبت نفسك؟ فقال: قمت في صف حربها بسلاح الجد، فخرج مرحب الهوى بدافع، فعلاه على العزم بصارم الحزم، فلم تمض ساعة حتى ملكت خيبر، وقيل لآخر: كيف قدرت على هواك؟ فقال: خدعته حتى أسرته واستلبت عوده فكسرته وقيدته بقيد العزلة، وحفرت له مطمور الخمول في بيت التواضع، وضربته بسياط الجوع، فلان يا فلان، ألك؟ في مجاهدة النفس نية أم النية نية؟ أتعبتني وأنت أنت، يا خنشليلا في كل دردبيس، إلى متى تجول في طلب هجول؟ ما نفشت غنم العيون النواظر في زروع الوجوه النواضر إلا وأغير على السرح، من تعرض للعنقفير لقي الأمرين، المتعرض للنبلة أبله، ما عزَّ يوسف إلا بترك ما ذل به ماعز، لو ركد كدر دهن الذهن سمت ذبالة المصباح.
أخواني إلى متى سكر عن المقصود؟ ألا صحو ساعة؟ أريقوا قرقف الهوى قبل هجوم صاحب الشرطة، اكسروا الظروف ظرفاً ليعلم حسن قصدكم للتوبة، وليشغلكم ذكر صوت الناي عن صوت الناي، والفكر في خراب المغاني عن لغات الأغاني، فكم من شاب ما شاب، وكم من راج راج له أن خاب، ما أسرع افتراق الصاحبين إذا صاح بين، " فمفترق جاران داراهما عمر " .
مثل أهل الدنيا في غفلتهم وطول آمالهم كمثل الحاج، نزلوا منزلاً فقام أقوام يقطعون الصخور ويبنون البيوت، فقال المتيقظون: ويحكم ما هذا البله؟ الرحيل بعد ساعة، لو علم الورد قصر عمره ما تبسم، بينما هو ينشر بز ريحه، في شمال البكور بزه الناطور فإذا به في زجاجة الزور، فانتبه أنت ولا تغتر بزور نسيم الدجى يفتح مستغلق الجبند، وخوف سموم النهار يعيد اللينوفر إلى الماء، اسمع يا من لا يحركه تشويق، ولا يزعجه تخويف.
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة
تزوج صلة بن أشيم فأدخله ابن أخيه الحمام، ثم أدخل إلى المرأة وقد طيب فقام يصلي فمد الصلاة إلى الفجر، فعاتبه ابن أخيه فقال: إنك أدخلتني أمس بيتاً ذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتاً ذكرتني به الجنة، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.
كفى حزناً أن لا أعاين بقعة ... من الأرض إلا ازددت شوقاً إليكم
وإني متى ما طاب لي خفض عيشة ... تذكرت أياماً مضت لي لديكم
مر بعض الفقراء بامرأة فأعجبته فتزوجها، فلما دخل البيت نزعوا خلقانه وألبسوه ثياباً جدداً، فلما جن عليه الليل طلب قلبه فلم يجده فصاح: خلقاني خلقاني، فأخذها ورجع.
للشريف الرضي:
ما ساعفتني الليالي بعد بعدهم ... إلا ذكرت ليالينا بذي سلم
ولا استجد فؤادي في الزمان هوى ... إلا ذكرت هوى أيامنا القدم
سيذكرني قومي إذ جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التبر لو نفق الصبر
ونحن أناس لا توسط عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
ابتليت الهمم العالية بعشق الفضائل، شجر المكاره يثمر المكارم، متى لاحت الفريسة قذفت الغابة السبع، إذا استقام للجواد الشوط لم يحوج راكبه إلى سوط، من ضرب يوم الوغى وجه الهوى بسهم، ضرب مع الشجعان يوم القسمة بسهم، من اشتغل بالعمارة استغل الخراج، إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ثم ردفه قمر العزيمة " أشرقت الأرض بنور ربها " يا طالباً للبدعة أخطأت الطريق، علة الراحة التعب، إن لم تكن أسداً في العزم ولا غزالاً في السبق فلا تتثعلب، يا هذا الجد جناح النجاة وكسلك مزمن، من كد كد العبيد تنعم تنعم الأحرار، من امتطى راحلة الشوق لم يشق عليه بعد السفر.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
يا هذا ركائب الرحيل قد أنيخت بالجناب ولم تتحرج، وناقد البايع قائم على الباب ونقدك بهرج، كيف يلحق السابقين كسلان أعرج؟ لو تنقلت على عيطموس العزم وهوجاء الطلب وبميسجور القصد، وجعلباة السير، ومشمعلة الجد، ووصلت الديجور بالضحى لانقطعت الديمومة القذف، ولكنك استوطأت مهاد الكسل وإبر النحل دون العسل.
قيل لبعض أهل الرياضة: كيف غلبت نفسك؟ فقال: قمت في صف حربها بسلاح الجد، فخرج مرحب الهوى بدافع، فعلاه على العزم بصارم الحزم، فلم تمض ساعة حتى ملكت خيبر، وقيل لآخر: كيف قدرت على هواك؟ فقال: خدعته حتى أسرته واستلبت عوده فكسرته وقيدته بقيد العزلة، وحفرت له مطمور الخمول في بيت التواضع، وضربته بسياط الجوع، فلان يا فلان، ألك؟ في مجاهدة النفس نية أم النية نية؟ أتعبتني وأنت أنت، يا خنشليلا في كل دردبيس، إلى متى تجول في طلب هجول؟ ما نفشت غنم العيون النواظر في زروع الوجوه النواضر إلا وأغير على السرح، من تعرض للعنقفير لقي الأمرين، المتعرض للنبلة أبله، ما عزَّ يوسف إلا بترك ما ذل به ماعز، لو ركد كدر دهن الذهن سمت ذبالة المصباح.
أخواني إلى متى سكر عن المقصود؟ ألا صحو ساعة؟ أريقوا قرقف الهوى قبل هجوم صاحب الشرطة، اكسروا الظروف ظرفاً ليعلم حسن قصدكم للتوبة، وليشغلكم ذكر صوت الناي عن صوت الناي، والفكر في خراب المغاني عن لغات الأغاني، فكم من شاب ما شاب، وكم من راج راج له أن خاب، ما أسرع افتراق الصاحبين إذا صاح بين، " فمفترق جاران داراهما عمر " .
مثل أهل الدنيا في غفلتهم وطول آمالهم كمثل الحاج، نزلوا منزلاً فقام أقوام يقطعون الصخور ويبنون البيوت، فقال المتيقظون: ويحكم ما هذا البله؟ الرحيل بعد ساعة، لو علم الورد قصر عمره ما تبسم، بينما هو ينشر بز ريحه، في شمال البكور بزه الناطور فإذا به في زجاجة الزور، فانتبه أنت ولا تغتر بزور نسيم الدجى يفتح مستغلق الجبند، وخوف سموم النهار يعيد اللينوفر إلى الماء، اسمع يا من لا يحركه تشويق، ولا يزعجه تخويف.
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة
تزوج صلة بن أشيم فأدخله ابن أخيه الحمام، ثم أدخل إلى المرأة وقد طيب فقام يصلي فمد الصلاة إلى الفجر، فعاتبه ابن أخيه فقال: إنك أدخلتني أمس بيتاً ذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتاً ذكرتني به الجنة، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.
كفى حزناً أن لا أعاين بقعة ... من الأرض إلا ازددت شوقاً إليكم
وإني متى ما طاب لي خفض عيشة ... تذكرت أياماً مضت لي لديكم
مر بعض الفقراء بامرأة فأعجبته فتزوجها، فلما دخل البيت نزعوا خلقانه وألبسوه ثياباً جدداً، فلما جن عليه الليل طلب قلبه فلم يجده فصاح: خلقاني خلقاني، فأخذها ورجع.
للشريف الرضي:
ما ساعفتني الليالي بعد بعدهم ... إلا ذكرت ليالينا بذي سلم
ولا استجد فؤادي في الزمان هوى ... إلا ذكرت هوى أيامنا القدم
لا تطلبن لي الأبدال بعدهم ... فإن قلبي لا يرضى بغيرهم
الفصل الرابع والعشرون
يا طويل الأمل في قصير الأجل، أما رأيت مستلباً وما كمل؟ أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل.
يا من يعد غداً لتوبته ... أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في زلل على أمل ... ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد ... ولعل يومك آخر العدد
يا أخي التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة، الإنابة الإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقة الإفاقة فيا قرب وقت الفاقة، إنما الدنيا سوق للتجر، ومجلس وعظ للزجر، وليل صيف قريب الفجر، المكنة مزنة صيف، الفرصة زورة طيف، الصحة رقدة ضيف، الغرة نقدة زيف، الدنيا معشوقة وكيف، البدار البدار فالوقت سيف.
يا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً في تقصيره سبقك أهل العزائم وأنت في اليقظة نائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكس رأس الذل وقل أنا ظالم، وناد في الأسحار مذنب وواجم، وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، قم في الدجا نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من الغمر ذاهباً، ودع اللهو والهوى جانباً، وإذ لاح الغرور رأى راهباً، وطلق الدنيا إن كنت للأخرى طالباً ولكن بلا قلب إلى أين أذهب.
يا من قد ضاع قلبه اطلبه في مظان إنشاد الضلال، الضايع إنما ينشد في المجامع، فاطلب قلبك في مجالس الذكر، أو بين أهل المقابر، وربما دخلت بيت الفكر فرأيته فأي موضع غلب على ظنك وجوده فلا تقصر في البحث عنه، هذه النسور والرخم على كثافة طبعها إذا رأت جيشاً تبعته لما ترجو من قتال يوجب قتلى وأخداج حامل، أفما ترجو أنت في المجلس إجابة دعوة أو حضور قلب؟ يا نائماً طول الليل، سارت الرفقة، رحل القوم كلهم وما انتبهت من الرقدة، ويحك أتدري ما صنعت بنفسك؟ دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك، كنت أمس قلب أمس فتراك في تصحيف ترى، لاحت لك العاجلة، فهمت كأنك ما فهمت فلما تبدلت تبلدت أخبرني عن تخليطك فالطبيب لا يكذب، سجيتك تعلمني فاسمع أحدثك، استكثرت من برودات الغفلة فقعد نشاط العزم، فلو قاومتها بحرارات الحذر لقام المقعد، أما تعلم أن مطاعم المطامع تولد سدداً في كبد الجد، المحنة العظمى موافقة الهوى من غير تدبر، أنت ترى ما تشتهي فتضرب الحد.
يا أسيراً في قبضة الغفلة، يا صريعاً في سكرة المهلة، أما يخطر بقلبك خطر أمرك، ويحك قد وهن العظم العظيم وما شابت همة الأمل، اخلق برد الحياة وما انكفت كف البطالة، قربت نوق الرحيل وما في المزاد زاد قدمت معابر العبور وأنت تلهو على الساحل، أكثر العمر قد مر، وأنت تتغلغل في تضييع الغابر، أترجح الفاني على الباقي؟ تثبت، ففي الميزان عين، إن حركك حظ من حظ فالحظ الحظ الأحظ، والله لو شغلك نيل الجنة عن الحق لحظة كان في تدبيرك وكس، ويحك أنا بدك اللازم فالزم بدك، خاصمت عنك قبل وجودك " إني أعلم " واعتذرت عنك في زلل " فدلاهما " ولقنتك العذر " ما غرك بربك " وواصلتك برسائل " هل من سائل " .
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل ... فريح الصبا مني إليك رسول
كان بعض الأغنياء كثير الشكر، فطال عليه الأمد فبطر وعصى فما زالت نعمته ولا تغيرت حالته، فقال: يا رب تبدلت طاعتي، وما تغيرت نعمتي، فهتف به هاتف: يا هذا لأيام الوصال عندنا حرمة حفظناها وضيعتها.
للمهيار:
سَلْ بسلعٍ كان وكنا ... ليت شعري ما الذي ألهاك عنّا
أهوىً أحدّثْتَه أم كاشحٌ ... دبَّ أم ذنبٌ سرى أم تتجنّى
تاب رجل ممن كان قبلكم ثم نقض، فهتف به هاتف في الليل:
سأترك ما بيني وبينك واقفاً ... فإن عدت عدنا والوداد سليم
تواصل قوماً لا وفاء لعهدهم ... وتترك مثلي والحفاظ قديم
يا ناقضي العهود انظروا لمن عاهدتم، تلافوا خرق الخطاء قبل أن يتسع.
عودوا إلى العهد عودوا ... فالهجر صعب شديد
تذكرونا فما عهد ... نا لديكم بعيد
هل يرجع البان يوماً ... وهل تعود زرود
يا هذا أقبل علينا، تر من إقبالنا عليك العجب، احفظ الله يحفظك، اطلب الله تجده أمامك، من كان لنا عينا على قلبه، أجرينا له جامكية أمين.
الفصل الرابع والعشرون
يا طويل الأمل في قصير الأجل، أما رأيت مستلباً وما كمل؟ أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل.
يا من يعد غداً لتوبته ... أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في زلل على أمل ... ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد ... ولعل يومك آخر العدد
يا أخي التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة، الإنابة الإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقة الإفاقة فيا قرب وقت الفاقة، إنما الدنيا سوق للتجر، ومجلس وعظ للزجر، وليل صيف قريب الفجر، المكنة مزنة صيف، الفرصة زورة طيف، الصحة رقدة ضيف، الغرة نقدة زيف، الدنيا معشوقة وكيف، البدار البدار فالوقت سيف.
يا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً في تقصيره سبقك أهل العزائم وأنت في اليقظة نائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكس رأس الذل وقل أنا ظالم، وناد في الأسحار مذنب وواجم، وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، قم في الدجا نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من الغمر ذاهباً، ودع اللهو والهوى جانباً، وإذ لاح الغرور رأى راهباً، وطلق الدنيا إن كنت للأخرى طالباً ولكن بلا قلب إلى أين أذهب.
يا من قد ضاع قلبه اطلبه في مظان إنشاد الضلال، الضايع إنما ينشد في المجامع، فاطلب قلبك في مجالس الذكر، أو بين أهل المقابر، وربما دخلت بيت الفكر فرأيته فأي موضع غلب على ظنك وجوده فلا تقصر في البحث عنه، هذه النسور والرخم على كثافة طبعها إذا رأت جيشاً تبعته لما ترجو من قتال يوجب قتلى وأخداج حامل، أفما ترجو أنت في المجلس إجابة دعوة أو حضور قلب؟ يا نائماً طول الليل، سارت الرفقة، رحل القوم كلهم وما انتبهت من الرقدة، ويحك أتدري ما صنعت بنفسك؟ دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك، كنت أمس قلب أمس فتراك في تصحيف ترى، لاحت لك العاجلة، فهمت كأنك ما فهمت فلما تبدلت تبلدت أخبرني عن تخليطك فالطبيب لا يكذب، سجيتك تعلمني فاسمع أحدثك، استكثرت من برودات الغفلة فقعد نشاط العزم، فلو قاومتها بحرارات الحذر لقام المقعد، أما تعلم أن مطاعم المطامع تولد سدداً في كبد الجد، المحنة العظمى موافقة الهوى من غير تدبر، أنت ترى ما تشتهي فتضرب الحد.
يا أسيراً في قبضة الغفلة، يا صريعاً في سكرة المهلة، أما يخطر بقلبك خطر أمرك، ويحك قد وهن العظم العظيم وما شابت همة الأمل، اخلق برد الحياة وما انكفت كف البطالة، قربت نوق الرحيل وما في المزاد زاد قدمت معابر العبور وأنت تلهو على الساحل، أكثر العمر قد مر، وأنت تتغلغل في تضييع الغابر، أترجح الفاني على الباقي؟ تثبت، ففي الميزان عين، إن حركك حظ من حظ فالحظ الحظ الأحظ، والله لو شغلك نيل الجنة عن الحق لحظة كان في تدبيرك وكس، ويحك أنا بدك اللازم فالزم بدك، خاصمت عنك قبل وجودك " إني أعلم " واعتذرت عنك في زلل " فدلاهما " ولقنتك العذر " ما غرك بربك " وواصلتك برسائل " هل من سائل " .
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل ... فريح الصبا مني إليك رسول
كان بعض الأغنياء كثير الشكر، فطال عليه الأمد فبطر وعصى فما زالت نعمته ولا تغيرت حالته، فقال: يا رب تبدلت طاعتي، وما تغيرت نعمتي، فهتف به هاتف: يا هذا لأيام الوصال عندنا حرمة حفظناها وضيعتها.
للمهيار:
سَلْ بسلعٍ كان وكنا ... ليت شعري ما الذي ألهاك عنّا
أهوىً أحدّثْتَه أم كاشحٌ ... دبَّ أم ذنبٌ سرى أم تتجنّى
تاب رجل ممن كان قبلكم ثم نقض، فهتف به هاتف في الليل:
سأترك ما بيني وبينك واقفاً ... فإن عدت عدنا والوداد سليم
تواصل قوماً لا وفاء لعهدهم ... وتترك مثلي والحفاظ قديم
يا ناقضي العهود انظروا لمن عاهدتم، تلافوا خرق الخطاء قبل أن يتسع.
عودوا إلى العهد عودوا ... فالهجر صعب شديد
تذكرونا فما عهد ... نا لديكم بعيد
هل يرجع البان يوماً ... وهل تعود زرود
يا هذا أقبل علينا، تر من إقبالنا عليك العجب، احفظ الله يحفظك، اطلب الله تجده أمامك، من كان لنا عينا على قلبه، أجرينا له جامكية أمين.
أنت على البعد همومي إذا ... غبت أشجاني على القرب
لا أتبع القلب إلى غيركم ... عيني لكم عين وعلى قلبي
يا هذا حفر النهر إليك وإجراء الماء ليس عليك، احفر ساقية " فاذكروني " إلى جنب بحر " أذكركم " فإذا بالغ فيها معول الكد، فاضت عليك مياه البحر، " فبي يسمع وبي يبصر " الق بذر الفكر في أرض الخلوة وسق إلى ساقية من ماء الفكر، لعلها تنبت لك شجرة " أنا جليس من ذكرني " .
للشريف الرضي:
يُرَنِّحُني إليكَ الشوق حتى ... أميل من اليمين إلى الشمالِ
كما مال المُعاقِر عاودَتْه ... حُمَيّا الكأس حالاً بعد حالِ
ويأخذني لذكراك ارتياحٌ ... كما نشط الأسير من العِقالِ
وأيسرُ ما ألاقي أن همّا ... يُغَصِّصُني بذا الماءِ الزلالِ
هبت رياح الخوف فقلقلت قلوب الخائفين فلم تترك ثمرة دمع في فنن جفن، إذا نزل آب في القلب، سكن أذار في العين.
تبلني بجفاً يزيد خضوعي ... يكفيك أن النار بين ضلوعي
وحياة سقمي في هواك فإنه ... قسم الهوى ووحق فيض دموعي
لأوكلن عليك عيني بالبكاء ... ولأعشقن عليك طول هلوعي
كانت مع هشام بن حسان جارية في الدار فكانت تقول: أي ذنب عمل هذا؟ من قتل هذا؟ فتراه الليل كله يبكي.
تركت الفؤاد عليلاً يعاد ... وشردت نومي فما لي رقاد
كان فتح الموصلي يبكي الدموع ثم يبكي الدم، فقيل له: على ماذا بكيت الدم؟ فقال: خوفاً على الدموع أن تكون ما صحت لي.
يا من لفؤاد وامق ما يصحو ... قد طال لعظم ما عناه الشرح
والعين لها دم ودمع سمح ... ذا يكتب شجوه وهذا يمحو
الفصل الخامس والعشرون
يا من يعظه الدهر ولا يقبل، وينذره القهر بمن يرحل، ويضم العيب إلى الشيب وبئس ما يفعل، كن كيف شئت فإنما تجازى بما تعمل:
دعني فإن غريم العقل لازمني ... وذا زمانك فامرح فيه لازمني
ولّى الشباب بما أحببت من منح ... والشيب جاء بما أبغضت من محن
فما كرهت ثوى عندي وعنفني ... وما حرصت عليه حين عن فني
يا جايراً، كلما قيل أقسط قسط، يا نازلاً، فسطاط الهوى، على شاطئ الشطط، يا ممهلاً لا مهملاً ما عند الموت غلط، كم سلب وضيعاً وشريفاً سلباً عنيفاً وخبط، أما مضغ الأرواح؟ فلما طال المضغ استرط، أما يكفي نذيرهم؟ بلى قد خوف الفرط، تالله ما يبالي حمام الحمام أي حب لقط؟ أما خط الشيب خط النهي عن الخطآء لما وخط، أما آذن الشباب بالذهاب فماذا بعد الشمط؟
ما أن يطيب لذي الرعاية للأ ... يام لا لعب ولا لهو
إذ كان يطرب في مسرته ... فيموت من أجزائه جزو
يا مدعواً إلى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور؟ والرحيل قد تدانى، يا مقبلاً على هفواته لا يألو بهتاناً، كأنك بالدمع يجري عند الموت تهتاناً، وشغل التلف قد أوقد من شعل الأسف نيرانا، وأنت تبكي تفريطك حتى لقد أقرحت أجفانا، والعمل الصالح ينادي من كان أجفانا، احذر زلل قدمك، وخف حلول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك.
إذا ما نهاك امرؤٌ ناصحٌ ... عن الفاحشات انزجر وانتهِ
وإما علوت إلى رتبة ... فكن حذراً بعدها أن تهي
وإما ترى مهجة في الثرى ... فلا تغترر بالمنى أنت هي
خاصم نفسك عند حاكم عقلك لا عند قاضي هواك، فحاكم العقل يدين وقاضي الهوى يجور، كان أحد السلف إذا قهر نفسه بترك شهوة أقبل يهتز اهتزاز الرامي إذا قرطس، لما عرف القوم قدر الحياة، أماتوا فيها الهوى فعاشوا، انتبهوا بأكف الجد من الزمن ما نثره زمن البطالة.
وركب سروا والليل ملق رواقه ... على كل مغبر الطوالع قاتم
حدوا عزمات ضاقت الأرض بينها ... فصار سراهم في ظهور العزائم
تريهم نجوم الليل ما يبتغونه ... على عاتق الشعري وهام النعائم
إذا طردوا في معرك الجد قصفوا ... رماح العطايا في صدور المكارم
لا أتبع القلب إلى غيركم ... عيني لكم عين وعلى قلبي
يا هذا حفر النهر إليك وإجراء الماء ليس عليك، احفر ساقية " فاذكروني " إلى جنب بحر " أذكركم " فإذا بالغ فيها معول الكد، فاضت عليك مياه البحر، " فبي يسمع وبي يبصر " الق بذر الفكر في أرض الخلوة وسق إلى ساقية من ماء الفكر، لعلها تنبت لك شجرة " أنا جليس من ذكرني " .
للشريف الرضي:
يُرَنِّحُني إليكَ الشوق حتى ... أميل من اليمين إلى الشمالِ
كما مال المُعاقِر عاودَتْه ... حُمَيّا الكأس حالاً بعد حالِ
ويأخذني لذكراك ارتياحٌ ... كما نشط الأسير من العِقالِ
وأيسرُ ما ألاقي أن همّا ... يُغَصِّصُني بذا الماءِ الزلالِ
هبت رياح الخوف فقلقلت قلوب الخائفين فلم تترك ثمرة دمع في فنن جفن، إذا نزل آب في القلب، سكن أذار في العين.
تبلني بجفاً يزيد خضوعي ... يكفيك أن النار بين ضلوعي
وحياة سقمي في هواك فإنه ... قسم الهوى ووحق فيض دموعي
لأوكلن عليك عيني بالبكاء ... ولأعشقن عليك طول هلوعي
كانت مع هشام بن حسان جارية في الدار فكانت تقول: أي ذنب عمل هذا؟ من قتل هذا؟ فتراه الليل كله يبكي.
تركت الفؤاد عليلاً يعاد ... وشردت نومي فما لي رقاد
كان فتح الموصلي يبكي الدموع ثم يبكي الدم، فقيل له: على ماذا بكيت الدم؟ فقال: خوفاً على الدموع أن تكون ما صحت لي.
يا من لفؤاد وامق ما يصحو ... قد طال لعظم ما عناه الشرح
والعين لها دم ودمع سمح ... ذا يكتب شجوه وهذا يمحو
الفصل الخامس والعشرون
يا من يعظه الدهر ولا يقبل، وينذره القهر بمن يرحل، ويضم العيب إلى الشيب وبئس ما يفعل، كن كيف شئت فإنما تجازى بما تعمل:
دعني فإن غريم العقل لازمني ... وذا زمانك فامرح فيه لازمني
ولّى الشباب بما أحببت من منح ... والشيب جاء بما أبغضت من محن
فما كرهت ثوى عندي وعنفني ... وما حرصت عليه حين عن فني
يا جايراً، كلما قيل أقسط قسط، يا نازلاً، فسطاط الهوى، على شاطئ الشطط، يا ممهلاً لا مهملاً ما عند الموت غلط، كم سلب وضيعاً وشريفاً سلباً عنيفاً وخبط، أما مضغ الأرواح؟ فلما طال المضغ استرط، أما يكفي نذيرهم؟ بلى قد خوف الفرط، تالله ما يبالي حمام الحمام أي حب لقط؟ أما خط الشيب خط النهي عن الخطآء لما وخط، أما آذن الشباب بالذهاب فماذا بعد الشمط؟
ما أن يطيب لذي الرعاية للأ ... يام لا لعب ولا لهو
إذ كان يطرب في مسرته ... فيموت من أجزائه جزو
يا مدعواً إلى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور؟ والرحيل قد تدانى، يا مقبلاً على هفواته لا يألو بهتاناً، كأنك بالدمع يجري عند الموت تهتاناً، وشغل التلف قد أوقد من شعل الأسف نيرانا، وأنت تبكي تفريطك حتى لقد أقرحت أجفانا، والعمل الصالح ينادي من كان أجفانا، احذر زلل قدمك، وخف حلول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك.
إذا ما نهاك امرؤٌ ناصحٌ ... عن الفاحشات انزجر وانتهِ
وإما علوت إلى رتبة ... فكن حذراً بعدها أن تهي
وإما ترى مهجة في الثرى ... فلا تغترر بالمنى أنت هي
خاصم نفسك عند حاكم عقلك لا عند قاضي هواك، فحاكم العقل يدين وقاضي الهوى يجور، كان أحد السلف إذا قهر نفسه بترك شهوة أقبل يهتز اهتزاز الرامي إذا قرطس، لما عرف القوم قدر الحياة، أماتوا فيها الهوى فعاشوا، انتبهوا بأكف الجد من الزمن ما نثره زمن البطالة.
وركب سروا والليل ملق رواقه ... على كل مغبر الطوالع قاتم
حدوا عزمات ضاقت الأرض بينها ... فصار سراهم في ظهور العزائم
تريهم نجوم الليل ما يبتغونه ... على عاتق الشعري وهام النعائم
إذا طردوا في معرك الجد قصفوا ... رماح العطايا في صدور المكارم
هان عليهم طول الطريق لعلمهم أين المقصد، وحلت لهم مرارات البلا حباً لعواقب السلامة، فيا بشراهم يوم " هذا يومكم " .
قف بالديار فهذه آثارهم ... نبكي الأحبة حسرة وشوقا
كم قد وقفت بها أسائل مخبراً ... عن أهلها أو صادقاً أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى في رسمها ... فارقت من تهوى فعز الملتقى
يا ربوع الأحباب أين سكانك؟ يا مواطن الألباب أين قطانك؟ يا جواهر الآداب أين خزانك؟ للمهيار:
يطربني للمنازل اليوم ما ... أسأر عندي أيامُها القُدُمُ
وتطيبني على فصاحة شكواي ... إليها ربوعُها العُجُمُ
علي يا دار جهدُ عيني وما ... عليَّ عارٌ أن تبخل الدِّيَمُ
لك الرضا من جِمام أدمعها ... أو دمها إن سقى ثراك دمُ
أما وعهد الغادين عنكِ وأش ... جانٍ بواقٍ لي فيكِ بعدهُمُ
وما أطال المنى وأعرض من ... عيشٍ كأن اختلاسه حُلْمُ
هل هو إلا أن قيل: جُن بهم ... نعم! على كل حالة نَعَمُ
بتنا وأطواقنا يد ويد ... ورسل أشواقنا فم وفم
يا هذا تنزه في أخبار المحبين إن لم تكن منهم، إن أهل الكوفة يخرجون للتفرج على الحاج، اقعد على جانب وادي السحر لعل إبل القوم تمر بك.
خذي على قطن يمينا ... فعسى أريك به القطينا
مني تعلمت الحمام ... النوح والإبل الحنينا
وآسف المتقاعد عنهم، واحسرة البعيد منهم
سلو عن فؤادي ساكني ذلك الوادي ... فقد مر مجتازاً على يمنة الوادي
مضى يطلب الأحباب والقوم قد سروا ... فضل ومروا مسرعين مع الحادي
فها أنا أبكيهم وأبكيه بعدهم ... وتطلبهم عيني مع الرائح الغادي
وا حاجتنا إلى رؤية القوم، ويا شدة إيثارهم البعد عنا، إن رأينا شخصاً فأعلمتنا الفراسة أنه منهم كانت همته الهرب منا، وما ذاك إلا للتباين بين أفعالنا وأعمالهم فلنبك على هذه الحال.
عجبت لما رأتني ... أندب الربع المحيلا
واقفاً في الدار أبكي ... لا أرى إلا الطلولا
كيف نبكي لأناس ... لا يملون الذميلا
كلما قلت اطمأنت ... دارهم صاحوا الرحيلا
كان بعض الصالحين يتستر بإظهار الجنون فتبعه مريد فقال له: والله ما أبرح حتى تكلمني بشيء ينفعني، فإني قد عرفت تسترك، فسجد وجعل يقول في سجوده: اللهم سترك، فمات.
أسميك سعدى في نسيبي تارة ... وآونة اسما وآونة لبنى
حذاراً من الواشين أن يسمعوا بنا ... وإلا فمن سعدى لديك ومن لبنا
؟الفصل السادس والعشرون
يا مخدوعاً قد فتن، يا مغروراً قد غبن، من لك إذا سوى عليك اللبن؟ في بيت قط ما سكن، سلب الرفيق نذير والعاقل فطن.
أنت في دار شتات ... فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ ... صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند ... الله في يوم وفاتك
قف بالديار فهذه آثارهم ... نبكي الأحبة حسرة وشوقا
كم قد وقفت بها أسائل مخبراً ... عن أهلها أو صادقاً أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى في رسمها ... فارقت من تهوى فعز الملتقى
يا ربوع الأحباب أين سكانك؟ يا مواطن الألباب أين قطانك؟ يا جواهر الآداب أين خزانك؟ للمهيار:
يطربني للمنازل اليوم ما ... أسأر عندي أيامُها القُدُمُ
وتطيبني على فصاحة شكواي ... إليها ربوعُها العُجُمُ
علي يا دار جهدُ عيني وما ... عليَّ عارٌ أن تبخل الدِّيَمُ
لك الرضا من جِمام أدمعها ... أو دمها إن سقى ثراك دمُ
أما وعهد الغادين عنكِ وأش ... جانٍ بواقٍ لي فيكِ بعدهُمُ
وما أطال المنى وأعرض من ... عيشٍ كأن اختلاسه حُلْمُ
هل هو إلا أن قيل: جُن بهم ... نعم! على كل حالة نَعَمُ
بتنا وأطواقنا يد ويد ... ورسل أشواقنا فم وفم
يا هذا تنزه في أخبار المحبين إن لم تكن منهم، إن أهل الكوفة يخرجون للتفرج على الحاج، اقعد على جانب وادي السحر لعل إبل القوم تمر بك.
خذي على قطن يمينا ... فعسى أريك به القطينا
مني تعلمت الحمام ... النوح والإبل الحنينا
وآسف المتقاعد عنهم، واحسرة البعيد منهم
سلو عن فؤادي ساكني ذلك الوادي ... فقد مر مجتازاً على يمنة الوادي
مضى يطلب الأحباب والقوم قد سروا ... فضل ومروا مسرعين مع الحادي
فها أنا أبكيهم وأبكيه بعدهم ... وتطلبهم عيني مع الرائح الغادي
وا حاجتنا إلى رؤية القوم، ويا شدة إيثارهم البعد عنا، إن رأينا شخصاً فأعلمتنا الفراسة أنه منهم كانت همته الهرب منا، وما ذاك إلا للتباين بين أفعالنا وأعمالهم فلنبك على هذه الحال.
عجبت لما رأتني ... أندب الربع المحيلا
واقفاً في الدار أبكي ... لا أرى إلا الطلولا
كيف نبكي لأناس ... لا يملون الذميلا
كلما قلت اطمأنت ... دارهم صاحوا الرحيلا
كان بعض الصالحين يتستر بإظهار الجنون فتبعه مريد فقال له: والله ما أبرح حتى تكلمني بشيء ينفعني، فإني قد عرفت تسترك، فسجد وجعل يقول في سجوده: اللهم سترك، فمات.
أسميك سعدى في نسيبي تارة ... وآونة اسما وآونة لبنى
حذاراً من الواشين أن يسمعوا بنا ... وإلا فمن سعدى لديك ومن لبنا
؟الفصل السادس والعشرون
يا مخدوعاً قد فتن، يا مغروراً قد غبن، من لك إذا سوى عليك اللبن؟ في بيت قط ما سكن، سلب الرفيق نذير والعاقل فطن.
أنت في دار شتات ... فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ ... صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند ... الله في يوم وفاتك
إياك والدنيا فإن حب الدنيا مبتوت، واقنع منها باليسير فما يعز القوت، يا قوت الندم يغني عن الياقوت، احذر منها فإنها أسحر من هاروت وماروت، ليس للماء في قبضة ممسك ثبوت " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " أين من جمع المال وملأ التخوت، تساوى تحت اللحود السادات والتحوت، ما نفعه إن جال في البأس جالوت ولا رد عنه إن طال القوم طالوت، ولا منع أصحابه حلول التابوت، لقد أخرج الموت من قعر اليم الحوت، قل للذين تديروا تدبروا، أين البيوت؟ جوزوا على الذين جوزوا، فقد وعظ الخفوت، كم مسئول عن عذره في قبره مبهوت، لقد أنطق الوعظ الصخور الصموت، أما يكفي زجراً أنك تموت، بادر عمراً في كل يوم يفوت، قل أنا تائب إلى كم سكوت؟ قد تعودت منك النفس في المجلس، النطق بالتوبة فهي تسخو بالكلام لعلمها أنه على غير أصل، ولو تيقنت صدق عزمك لتوقفت عن القول، هذا العصفور إذا كان على حائط فصحت به لم يبرح فإذا أهويت إلى الأرض كأنك تناول حجراً يلمح يدك فارغة فلم ينفر، فإذا وضعت يدك على حجر رأى الجد ففر، يا هذا، قولك أنا تائب من غير عزم، نفخ في غير ضرم، بيض التراب لا يخرج منه فرخ.
أخواني، العمر أنفاس تسير بل تطير، الأمل منام لا ترى فيه إلا الأحلام، هذا سيف الموت قد دنا، فإن ضرب قدنا، هذا الرحيل ولا زاد عندنا، انتبهوا من رقاد الغفلة، تيقظوا من نوم العطلة، عرجوا عن طريق البطالة، ابعدوا عن ديار الوحشة، الفترة حيض الطباع، ووقوع العزيمة، رؤية النقا فحينئذٍ يتوجه الخطاب بالتوجه إلى محراب الجد، أول منازل الآخرة القبر، فمن مات فقد حط رحل السفر، وسائر الورى سائر، من كان في سجن التقى فالموت يطلقه، ومن كان هائماً في بوادي الهوى فالموت له حبس يوثقه، موت المتعبدين عتق لهم من استرقاق الكد ورفق بهم من تعب المجاهدة، وموت العصاة سباء يرقون به لطول العذاب، من كان واثقاً بالسلامة من جناية فرح يفك باب السجن، لما توعد فرعون السحرة بالصلب أنساهم أمل لقاء الحبيب مرارة الوعيد " إنّا إلى ربنا منقلبون " يا فرعون غاية ما تفعل أن تحرق الجسم، والركب قد سرى " لا ضير " من لاحت له منى، نسي تعب المدرج.
للمهيار:
متى رُفعت لها بالغور نار ... وقرّ بذي الأراك لها قرارُ
فكلُّ دمٍ أراق السير منها ... بحكم الشوق مطلولٌ جُبارُ
لا بد للمحبوب من اختبار المحب " ولنبلونكم " أسلم أبو جندل بن سهيل فقيده أبوه، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية خرج أبو جندل يرسف في قيده، فدخل في الصحابة، فقال سهيل: هذا أول من أقاضيك عليه، فاستغاث أبو جندل: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين، فيفتنوني عن ديني، فقال الرسول: لا بد من الوفاء فرد إليهم، فقدمه يسعى نحوهم وقلبه يجهز جيوش الحيل في الخلاص.
للمهيار:
أنذرتني أم سعدٍ أن سعدا ... دونها ينهد لي بالشر نَهْدا
وعلى ما صفحوا أو نقموا ... ما أرى لي منك يا ظبية بُدّا
لما أسلم مصعب بن عمير حبسه أهله، فأفلت إلى الحبشة، ثم قدم مكة، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه أمه، يا عاق أتدخل بلداً أنا فيه ولا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادت حبسه، فقال: والله لئن حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي، فتركته.
وعاذلين لحوبي في مودتكم ... يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم ... لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا
جمع حبس التعذيب بين بلال وعمار، مصادرين على بذل الدين فزوروا نطق عمار على خط قلبه، فلم يغرفوا التزوير، وأصر بلال على دعوى الإفلاس فسلموه إلى صبيانهم في حديدة يصهرونه في حر مكة، ويضعون على صدره وقت الرمضاء صخرة ولسان محبته يقول:
بعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللشوق ما لم يبق مني وما بقى
وا عجباً، إيلام ذو حس على عشق يوسف؟ قدم الطفيل بن عمر والدوسي مكة فقالت له قريش: لا تدن من محمد فإنا نخاف أن يفتنك، فسد أذنيه بقطنتين ثم تفكر، فقال: والله ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فانطلق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
أخواني، العمر أنفاس تسير بل تطير، الأمل منام لا ترى فيه إلا الأحلام، هذا سيف الموت قد دنا، فإن ضرب قدنا، هذا الرحيل ولا زاد عندنا، انتبهوا من رقاد الغفلة، تيقظوا من نوم العطلة، عرجوا عن طريق البطالة، ابعدوا عن ديار الوحشة، الفترة حيض الطباع، ووقوع العزيمة، رؤية النقا فحينئذٍ يتوجه الخطاب بالتوجه إلى محراب الجد، أول منازل الآخرة القبر، فمن مات فقد حط رحل السفر، وسائر الورى سائر، من كان في سجن التقى فالموت يطلقه، ومن كان هائماً في بوادي الهوى فالموت له حبس يوثقه، موت المتعبدين عتق لهم من استرقاق الكد ورفق بهم من تعب المجاهدة، وموت العصاة سباء يرقون به لطول العذاب، من كان واثقاً بالسلامة من جناية فرح يفك باب السجن، لما توعد فرعون السحرة بالصلب أنساهم أمل لقاء الحبيب مرارة الوعيد " إنّا إلى ربنا منقلبون " يا فرعون غاية ما تفعل أن تحرق الجسم، والركب قد سرى " لا ضير " من لاحت له منى، نسي تعب المدرج.
للمهيار:
متى رُفعت لها بالغور نار ... وقرّ بذي الأراك لها قرارُ
فكلُّ دمٍ أراق السير منها ... بحكم الشوق مطلولٌ جُبارُ
لا بد للمحبوب من اختبار المحب " ولنبلونكم " أسلم أبو جندل بن سهيل فقيده أبوه، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية خرج أبو جندل يرسف في قيده، فدخل في الصحابة، فقال سهيل: هذا أول من أقاضيك عليه، فاستغاث أبو جندل: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين، فيفتنوني عن ديني، فقال الرسول: لا بد من الوفاء فرد إليهم، فقدمه يسعى نحوهم وقلبه يجهز جيوش الحيل في الخلاص.
للمهيار:
أنذرتني أم سعدٍ أن سعدا ... دونها ينهد لي بالشر نَهْدا
وعلى ما صفحوا أو نقموا ... ما أرى لي منك يا ظبية بُدّا
لما أسلم مصعب بن عمير حبسه أهله، فأفلت إلى الحبشة، ثم قدم مكة، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه أمه، يا عاق أتدخل بلداً أنا فيه ولا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادت حبسه، فقال: والله لئن حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي، فتركته.
وعاذلين لحوبي في مودتكم ... يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم ... لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا
جمع حبس التعذيب بين بلال وعمار، مصادرين على بذل الدين فزوروا نطق عمار على خط قلبه، فلم يغرفوا التزوير، وأصر بلال على دعوى الإفلاس فسلموه إلى صبيانهم في حديدة يصهرونه في حر مكة، ويضعون على صدره وقت الرمضاء صخرة ولسان محبته يقول:
بعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللشوق ما لم يبق مني وما بقى
وا عجباً، إيلام ذو حس على عشق يوسف؟ قدم الطفيل بن عمر والدوسي مكة فقالت له قريش: لا تدن من محمد فإنا نخاف أن يفتنك، فسد أذنيه بقطنتين ثم تفكر، فقال: والله ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فانطلق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ... ولكن من يبصر جفونك يعشق
قطعت قريش لحم خبيب، ثم حملوه إلى الجذع ليصلب، فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة، ثم نادى وا محمداه.
إن في الأسر لصبا ... دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم ... وله بالشام قلب
لما بعث معاذ إلى اليمن، خرج الرسول يودعه، ودموع معاذ ترش طريق الوداع.
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى ... مشرق ركب مصعد عن مغرب
تبينت أن لا دار من بعد عالج ... تسر وأن لا خلة بعد زينب
كانت الدنيا بمثلهم عسلاً فتعلقمت بمثلكم، خلت الديار من الأحباب فلما فرغت ردم الباب.
للنابغة:
وقفتُ فيها أصيلاً كي أسائلها ... أعيت جواباً وما بالربع من أحدِ
أضحت قفاراً وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
حن ببعض أنديتهم ونادبها، وابك فقد الأحباب ونادبها.
للبحتري:
إذا جزت بالغور اليماني مغربا ... وحاذتك صحراء الشواجر يا سعد
فناد ديار العامرية باللوى ... سقت ربعك الأنواء ما فعلت هند
الفصل السابع والعشرون
إن الدنيا مذ أبانت محبها أبانت حالها، لقد روت وما روت، فأرت مآلها، لقد عرف إدبارها من قد ألف إقبالها، وما اطمأنت أرضها، إلا زلزلت زلزالها.
قل لمن فاخر بالدنيا وحامى ... قتلت قبلك ساماً ثم حاما
ندفن الخِلَّ وما في دفننا ... بعده شك ولكن نتعامى
إن قدامك يوماً لو به ... هددت شمس الضحى عادت ظلاما
فانتبه من رقدة اللهو وقم ... وانف عن عين تماديك المناما
صاح صح بالقبر يخبرك بما ... قد حوى واقرأ على القوم السلاما
فالعظيم القدر لو شاهدته ... لم تجد في قبره إلا العظاما
تالله لقد ركض الموت فأسرع في الركض، بث الجنود وطبق الأرض، ما حمل على كتيبة إلا وفض، ولا صاح بجيش إلا جاش وارفض، ولا لوح إلى طائر في البرج إلا انقض، إذا تكلمت قوسه بالنبض أسكنت النبض، بينا الحياة تعرب بالرفع جعل الشكل الخفض، أين مصون الحصون؟ أزعج عنها، أين مقصور القصور؟ أخرج منها، نقله هادم اللذات نقلاً سريعاً، ومقله في بحار الآفات مقلاً فظيعاً، وفرق بينه وبين بنيه، وطرقه بطارق النقض فأنقض ما كان يبنيه، لقد ولى ولاء ذي ود ينفعه، وبان فبان لباني الدنيا مصرعه، هجره والله من هاجر إليه، ونسيه نسيبه وقد كان يحنو عليه، فلا صديقه صدقه في مودته، ولا رفيقه أرفقه في شدته، حلوا والله بالبلاء في البلى، وودعهم من أودعهم ثم قلى، وانفردوا في الأخدود بين وحش الفلا، وسألوا الإقالة فقيل: أما هذا فلا، لو نطق الموتى بعد دفنهم لندموا على غيهم وافتهم، ولقالوا: رحلنا عن ظلم شرورنا إلى ظلم قبورنا، وخلونا عن الأخلاء بترابنا في آفات لا ترى بنا، أفترى محبنا إذ ظعنا، بمن اعتاض عنا؟ وهذا مصيرك بعد قليل، فتأهب يا مقيم للتحويل، يا سليماً يظن أنه سليم، جوارحك جوارحك، سور تقواك كثير الثلم، وأعداؤك قد أحاطوا بالبلد، ويحك، قبل الرمي تراش السهام، وبين العجز والتواني ينتج التوى، يا قالي القائل للنصايح إداؤك داؤك، كيف تجتمع همتك مع غوغاء المنى وضوضاء الشهوات، كيف تتصرف في مصالحك والشواغل للشوي غل، كم صادفت الهوى فصدفت؟ لقد خدع قلبك الهوى فاسترق فاسترق، أضرّ ما عليك سوء تدبيرك، آه للابس شعار الطرد وما يشعر به وأسفاً، لمضروب ما يحس صوت الشوط، عجباً لمن أصيب بعقله وعقله معه، يا معثر الأقدام مع إشراق الشمس، يا فارغ البيت من القوت في أيام الحصاد.
أملي من أملي ما ينقضي ... وغرامي من غرامي قاتلي
كلما أفنيتُ عاماً فاسداً ... جاء عامٌ مثله من قابل
كلما أملت يوماً صالحاً ... عرض المقدور لي في أملي
وأرى الأيام لا تُدني الذي ... أرتجي منك وتدني أجلي
قطعت قريش لحم خبيب، ثم حملوه إلى الجذع ليصلب، فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة، ثم نادى وا محمداه.
إن في الأسر لصبا ... دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم ... وله بالشام قلب
لما بعث معاذ إلى اليمن، خرج الرسول يودعه، ودموع معاذ ترش طريق الوداع.
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى ... مشرق ركب مصعد عن مغرب
تبينت أن لا دار من بعد عالج ... تسر وأن لا خلة بعد زينب
كانت الدنيا بمثلهم عسلاً فتعلقمت بمثلكم، خلت الديار من الأحباب فلما فرغت ردم الباب.
للنابغة:
وقفتُ فيها أصيلاً كي أسائلها ... أعيت جواباً وما بالربع من أحدِ
أضحت قفاراً وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
حن ببعض أنديتهم ونادبها، وابك فقد الأحباب ونادبها.
للبحتري:
إذا جزت بالغور اليماني مغربا ... وحاذتك صحراء الشواجر يا سعد
فناد ديار العامرية باللوى ... سقت ربعك الأنواء ما فعلت هند
الفصل السابع والعشرون
إن الدنيا مذ أبانت محبها أبانت حالها، لقد روت وما روت، فأرت مآلها، لقد عرف إدبارها من قد ألف إقبالها، وما اطمأنت أرضها، إلا زلزلت زلزالها.
قل لمن فاخر بالدنيا وحامى ... قتلت قبلك ساماً ثم حاما
ندفن الخِلَّ وما في دفننا ... بعده شك ولكن نتعامى
إن قدامك يوماً لو به ... هددت شمس الضحى عادت ظلاما
فانتبه من رقدة اللهو وقم ... وانف عن عين تماديك المناما
صاح صح بالقبر يخبرك بما ... قد حوى واقرأ على القوم السلاما
فالعظيم القدر لو شاهدته ... لم تجد في قبره إلا العظاما
تالله لقد ركض الموت فأسرع في الركض، بث الجنود وطبق الأرض، ما حمل على كتيبة إلا وفض، ولا صاح بجيش إلا جاش وارفض، ولا لوح إلى طائر في البرج إلا انقض، إذا تكلمت قوسه بالنبض أسكنت النبض، بينا الحياة تعرب بالرفع جعل الشكل الخفض، أين مصون الحصون؟ أزعج عنها، أين مقصور القصور؟ أخرج منها، نقله هادم اللذات نقلاً سريعاً، ومقله في بحار الآفات مقلاً فظيعاً، وفرق بينه وبين بنيه، وطرقه بطارق النقض فأنقض ما كان يبنيه، لقد ولى ولاء ذي ود ينفعه، وبان فبان لباني الدنيا مصرعه، هجره والله من هاجر إليه، ونسيه نسيبه وقد كان يحنو عليه، فلا صديقه صدقه في مودته، ولا رفيقه أرفقه في شدته، حلوا والله بالبلاء في البلى، وودعهم من أودعهم ثم قلى، وانفردوا في الأخدود بين وحش الفلا، وسألوا الإقالة فقيل: أما هذا فلا، لو نطق الموتى بعد دفنهم لندموا على غيهم وافتهم، ولقالوا: رحلنا عن ظلم شرورنا إلى ظلم قبورنا، وخلونا عن الأخلاء بترابنا في آفات لا ترى بنا، أفترى محبنا إذ ظعنا، بمن اعتاض عنا؟ وهذا مصيرك بعد قليل، فتأهب يا مقيم للتحويل، يا سليماً يظن أنه سليم، جوارحك جوارحك، سور تقواك كثير الثلم، وأعداؤك قد أحاطوا بالبلد، ويحك، قبل الرمي تراش السهام، وبين العجز والتواني ينتج التوى، يا قالي القائل للنصايح إداؤك داؤك، كيف تجتمع همتك مع غوغاء المنى وضوضاء الشهوات، كيف تتصرف في مصالحك والشواغل للشوي غل، كم صادفت الهوى فصدفت؟ لقد خدع قلبك الهوى فاسترق فاسترق، أضرّ ما عليك سوء تدبيرك، آه للابس شعار الطرد وما يشعر به وأسفاً، لمضروب ما يحس صوت الشوط، عجباً لمن أصيب بعقله وعقله معه، يا معثر الأقدام مع إشراق الشمس، يا فارغ البيت من القوت في أيام الحصاد.
أملي من أملي ما ينقضي ... وغرامي من غرامي قاتلي
كلما أفنيتُ عاماً فاسداً ... جاء عامٌ مثله من قابل
كلما أملت يوماً صالحاً ... عرض المقدور لي في أملي
وأرى الأيام لا تُدني الذي ... أرتجي منك وتدني أجلي
يا جرحى الذنوب قد عرفتم المراهم، اخرجوا من قصر مصر الهوى وقد لاحت مدينة مدين، اطلبوا بئر الشرب وإن صد الرعاء فلعل حضور موسى يتفق، متى استقامت لكم جادة البكاء فلا تعرجوا عنها، كان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي يبكيان الدم.
قولوا لسكان الحي ... تبدل الدمع دما
وكل شهد بعدكم ... قد صار مراً علقما
إذا تكاثفت كثبان الذنوب في بوادي القلوب، نسفها نسف أسف في نفس، يا أهل الزلل قوموا نفس أنفسكم فقد جمع قسر القهر، بين الناقص والتام، لقد تاب الله على المؤمنين " وعلى الثلاثة الذي خُلِّفوا " .
لست وإن أعرضتم ... أيأس من أن تعطفوا
فلا برى وجدي بكم ... ولا أفاق الشغف
وصبر يعقوب معي ... حتى يرد يوسف
يا من كان له وقت طيب وقلب حسن، فاستحال خله خمراً، ابكِ على ما فقدت في بيت الأسف.
لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجدان يطفي نجى البلابل
ما أحسن ما كنتَ فتغيرت، ما أجود جادتك فكيف تعثرت.
وكنا جميعاً قبل أن يظهر الورى ... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور
البكاء على الفايت معول الحزين.
لأبي تمام:
وانجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع انجدني على ساكني نجد
لعمري قد أخلفتم جدة البكا ... عليّ وجددتم به خلق الوجد
يا معاشر المطرودين عن صحبة أهل الدين.
تعالوا نقم مأتماً للفراق ... ونندب إخواننا الظاعنينا
هلموا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا، ونبعث مع الواصين رسالة محضر لعلنا نحظى بأجر المصيبة، أنجع المراهم لجراحات الذنوب البكاء، هتكة الدمع ستر على الذنب.
قد كنت أصون دمعتي في الأماق ... ستراً للحب وهو ما ليس يطاق
حتى صاح الوجد عن صحيح الأشواق ... ما حيلة من بلى بمهجر وفراق
كان محمد ابن المنكدر كثير البكاء فسئل عن ذلك فقال: آية من القرآن أبكتني " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " كيف لا تذهب العيون من البكاء؟ وما تدري ما قد أعد لها.
سبقت السعادة لمحمد صلى الله عليه وسلم قبل كونه، ومضت الشقاوة لأبي جهل قبل وجوده، وخوف العارفين من سوابق الأقدار قلقل الأرواح هيبة " لا يُسئل " مع تحكم " ولو شئنا لآتينا كلَّ نفسٍ هداها " قوي قلق العلماء.
أترى سألوا لما رحلوا ... ماذا فعلوا أم من قتلوا
أحليف النوم أقل اللوم ... فعندي اليوم بهم شغل
أدنى جزعي لم يبق معي ... قلب فيعي منذ احتملوا
جلدي سلبوا جسدي نهبوا ... كمدي وهبوا كبدي تبلوا
لما ذرفت عيني وقفت ... أترى عرفت ما بي الإبل
ولحا اللاحي وهو الصاحي ... وهو راحي وأنا الثمل
الفصل الثامن والعشرون
تيقظ لنفسك يا هذا وانتبه، وأحضر عقلك وميز ما تشتبه، أما هذا منزلك اليوم؟ وغداً لست به.
إذا ما انجلى الرأي فاحكم به ... ولا تحكمن بما يشتبه
ونبّه فؤادك من رقدة ... فإن الموفق من ينتبه
وإن كنتُ لم أنتبه بالذي ... وعظت به فانتبه أنت به
لقد أمكنت الفرصة أيها العاجز، ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز، أين الهمم العالية وأين النجايز؟ أما تخاف هادم اللذات والمنى الناجز؟ أما اعوجاج القناة دليل على الغامز؟ أما الطريق طويلة وفيها المفاوز، أما القبور قنطرة العبور فمن المجاوز، أما يكفي في التنغيص حمل الجنايز؟ أما العدو محارب فهل من مبارز؟ أما الأمن بعيد والهلك ناشز، والقنا مشرع والطعن واخز، تالله تطلب الشجاعة من بين العجايز، وتروم إصلاح فارك وتقويم ناشز، إن لم يكن سبق التصديق فلتكن توبة ماعز، ما هذه الغفلة والبلى مصيرك! وكم هذا التواني فلقد أودى تقصيرك، أما صاح بك في سلب نذيرك، أفلا تتأهب لقدساء تدبيرك.
قولوا لسكان الحي ... تبدل الدمع دما
وكل شهد بعدكم ... قد صار مراً علقما
إذا تكاثفت كثبان الذنوب في بوادي القلوب، نسفها نسف أسف في نفس، يا أهل الزلل قوموا نفس أنفسكم فقد جمع قسر القهر، بين الناقص والتام، لقد تاب الله على المؤمنين " وعلى الثلاثة الذي خُلِّفوا " .
لست وإن أعرضتم ... أيأس من أن تعطفوا
فلا برى وجدي بكم ... ولا أفاق الشغف
وصبر يعقوب معي ... حتى يرد يوسف
يا من كان له وقت طيب وقلب حسن، فاستحال خله خمراً، ابكِ على ما فقدت في بيت الأسف.
لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجدان يطفي نجى البلابل
ما أحسن ما كنتَ فتغيرت، ما أجود جادتك فكيف تعثرت.
وكنا جميعاً قبل أن يظهر الورى ... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور
البكاء على الفايت معول الحزين.
لأبي تمام:
وانجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع انجدني على ساكني نجد
لعمري قد أخلفتم جدة البكا ... عليّ وجددتم به خلق الوجد
يا معاشر المطرودين عن صحبة أهل الدين.
تعالوا نقم مأتماً للفراق ... ونندب إخواننا الظاعنينا
هلموا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا، ونبعث مع الواصين رسالة محضر لعلنا نحظى بأجر المصيبة، أنجع المراهم لجراحات الذنوب البكاء، هتكة الدمع ستر على الذنب.
قد كنت أصون دمعتي في الأماق ... ستراً للحب وهو ما ليس يطاق
حتى صاح الوجد عن صحيح الأشواق ... ما حيلة من بلى بمهجر وفراق
كان محمد ابن المنكدر كثير البكاء فسئل عن ذلك فقال: آية من القرآن أبكتني " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " كيف لا تذهب العيون من البكاء؟ وما تدري ما قد أعد لها.
سبقت السعادة لمحمد صلى الله عليه وسلم قبل كونه، ومضت الشقاوة لأبي جهل قبل وجوده، وخوف العارفين من سوابق الأقدار قلقل الأرواح هيبة " لا يُسئل " مع تحكم " ولو شئنا لآتينا كلَّ نفسٍ هداها " قوي قلق العلماء.
أترى سألوا لما رحلوا ... ماذا فعلوا أم من قتلوا
أحليف النوم أقل اللوم ... فعندي اليوم بهم شغل
أدنى جزعي لم يبق معي ... قلب فيعي منذ احتملوا
جلدي سلبوا جسدي نهبوا ... كمدي وهبوا كبدي تبلوا
لما ذرفت عيني وقفت ... أترى عرفت ما بي الإبل
ولحا اللاحي وهو الصاحي ... وهو راحي وأنا الثمل
الفصل الثامن والعشرون
تيقظ لنفسك يا هذا وانتبه، وأحضر عقلك وميز ما تشتبه، أما هذا منزلك اليوم؟ وغداً لست به.
إذا ما انجلى الرأي فاحكم به ... ولا تحكمن بما يشتبه
ونبّه فؤادك من رقدة ... فإن الموفق من ينتبه
وإن كنتُ لم أنتبه بالذي ... وعظت به فانتبه أنت به
لقد أمكنت الفرصة أيها العاجز، ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز، أين الهمم العالية وأين النجايز؟ أما تخاف هادم اللذات والمنى الناجز؟ أما اعوجاج القناة دليل على الغامز؟ أما الطريق طويلة وفيها المفاوز، أما القبور قنطرة العبور فمن المجاوز، أما يكفي في التنغيص حمل الجنايز؟ أما العدو محارب فهل من مبارز؟ أما الأمن بعيد والهلك ناشز، والقنا مشرع والطعن واخز، تالله تطلب الشجاعة من بين العجايز، وتروم إصلاح فارك وتقويم ناشز، إن لم يكن سبق التصديق فلتكن توبة ماعز، ما هذه الغفلة والبلى مصيرك! وكم هذا التواني فلقد أودى تقصيرك، أما صاح بك في سلب نذيرك، أفلا تتأهب لقدساء تدبيرك.
إبْ يا شارد الطبع من سفر الهوى، وأذب جامد الدمع بنيران الأسى، لعل شفيع الاعتراف يسئل في أسير الاقتراف، نق عينيك من عيوبك، وخلص ذنوبك من بحر ذنوبك، وصن صندوق فمك بقفل صمتك، واطو طيلسان لسانك عن بذلة نطقك، وأغمض عينك عن عيبك حفظاً لدينك، واكفف كفك مكتفياً بما كفك، وابن منبر التذكير لواعظ القلب في ساحة الصدر، وناد في شجعان العزائم ورهبان الفكر، هلموا إلى عقد مجلس الذكر، واحذر عين العدو أن يوقع تشتيت الهم في جمع العزم، فإن رماك القدر بسهم الفتور عن قوس الحكمة من يد لكل عامل فترة فاتق بجنة الاعتذار، فإن ألقى كرة قلبك إلى صولجان التقليب في بيداء المؤمن مفتن فجل في ميدان الدل فإن دب ذئب الهوى فعاث في مزرعة التقى فأقم ناطور القلق، فإن أفلت دجال الطبع فأقام صليب الزلل وأطلق خنزير الشره فألجأ إلى حرم التوبة واستغث بعيسى العون لعله ينزل من سماء الألطاف فيهلك الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب، اجلس ليلة على مائدة السحر وذق طعام المناجاة تنسيك كل لذة، أرواح الأسحار لا يستنشقها من كوم غفلة، إنها لتأتي بألطاف الحبيب ثم تعود فيحاء تطلب رسالة، فمن لم يكتب كتاباً فماذا يبعث؟ لو وقفت على جادة التهجد ليلة لرأيت ركب الأحباب لو سرت في أعراض القوم لحرك قلبك صوت الحداة، أقبلت رياح الأسحار فاحتشمت تقبيل أقدامهم، وذكت أذيال أثوابهم.
للشريف الرضي:
وأمستِ الريحُ كالغيرى تجاذبنا ... على الكئيب فضول الرَّيط واللَّمم
يشي بنا الطيبُ أحياناً وآونةً ... يُضيئنا البرقُ مجتازاً على أَضَم
يُولّع الطلُّ بُرْدَيْنا وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضال والسلم
حديث القوم مع الدجى يطول، يسيحون في فلوات خلواته، يندبون أطلال الحب ويرتاحون إلى تنسمه لشدة الطرب.
وإني لأستنشي الشمال إذا جرت ... حنينا إلى آلاف قلبي وأحبابي
وأهدي مع الريح الجنوب إليهم ... سلامي وشكوى طول حزني وأوصابي
واعجباً الرسايل تحمل في الأسحار، لا يدري بها الفلك، والأجوبة ترد إلى الأسرار لا يعلمها الملك.
يا حبذا رند العقيق وبأنه ... سقى العقيق وأهله وزمانه
راقت خمايله ورق نسيمه ... وصفت على عصبائه غدرانه
وشكت تباريح الصبابة ورقه ... وتمايلت بيد الصبا أفنانه
يا مفرداً في حسنه صل مفرداً ... في حزنه لعبت به أشجانه
صباً إذا ذكر العقيق وأهله ... صابت مدامعه وجن جنانه
اجتمع المحبون في مساجد التعبد أول الليل، فرماهم الوجد في آخره على قوارع الطرق.
مشوا إلى الراح مشى الرخ فانصرفوا ... والراح تهشي بهم مشي الفرازين
أرواح أزعجها الحب، وأقلقها الخوف، سبحان من أمسكها باللطف.
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا ... ماتوا وإن عاد من يهوونه بعثوا
ترعى المحبين صرعن في ديارهم ... كفتية الكهف يدرون لا كم لبثوا
والله لو حلف العشاق أنهم ... موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
مجلسنا بحر، يرده الفيل والعصفور كل أناس مشربهم أطيار صناعتها في الجو بالقلب.
فأين الطروب، سحائب التفهيم قد هطلت بودق البيان، أفتراها أخضرت رياض الأذهان؟ نحن في روضة طعامنا فيها الخشوع وشرابنا فيها الدموع ونقلنا هذا الكلام المطبوع، نداوي أمراضاً أعجزت بختيشوع، ونرقى الهاوي ونرقى الملسوع، فليته كان كل يوم لا كل أسبوع.
لصردر:
يا صحابي وأين منِّي صحبي ... فتنتهم عيون ذاك السربِ
كلمات أسماؤهن استعارات ... وما هن غير طعن وضربِ
أرني ميتة تطيب بها النفس ... وقتلا يلذُّ غير الحبِّ
لا تزل بي عن العقيق ففيه ... وطري إن قضيته أو نحبي
لا رعيتُ السوامَ إن قلتُ للصحبة ... خفّي عني وللعيس: هبِّي
وحدي أتكلم، وجدي يتألم، ألا مريد يتعلم؟ ألا دموع تتسلم؟ لابن المعلم:
هو الحمى ومغانيه معانيه ... فاحبس وعان بليلى ما تعانيه
للشريف الرضي:
وأمستِ الريحُ كالغيرى تجاذبنا ... على الكئيب فضول الرَّيط واللَّمم
يشي بنا الطيبُ أحياناً وآونةً ... يُضيئنا البرقُ مجتازاً على أَضَم
يُولّع الطلُّ بُرْدَيْنا وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضال والسلم
حديث القوم مع الدجى يطول، يسيحون في فلوات خلواته، يندبون أطلال الحب ويرتاحون إلى تنسمه لشدة الطرب.
وإني لأستنشي الشمال إذا جرت ... حنينا إلى آلاف قلبي وأحبابي
وأهدي مع الريح الجنوب إليهم ... سلامي وشكوى طول حزني وأوصابي
واعجباً الرسايل تحمل في الأسحار، لا يدري بها الفلك، والأجوبة ترد إلى الأسرار لا يعلمها الملك.
يا حبذا رند العقيق وبأنه ... سقى العقيق وأهله وزمانه
راقت خمايله ورق نسيمه ... وصفت على عصبائه غدرانه
وشكت تباريح الصبابة ورقه ... وتمايلت بيد الصبا أفنانه
يا مفرداً في حسنه صل مفرداً ... في حزنه لعبت به أشجانه
صباً إذا ذكر العقيق وأهله ... صابت مدامعه وجن جنانه
اجتمع المحبون في مساجد التعبد أول الليل، فرماهم الوجد في آخره على قوارع الطرق.
مشوا إلى الراح مشى الرخ فانصرفوا ... والراح تهشي بهم مشي الفرازين
أرواح أزعجها الحب، وأقلقها الخوف، سبحان من أمسكها باللطف.
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا ... ماتوا وإن عاد من يهوونه بعثوا
ترعى المحبين صرعن في ديارهم ... كفتية الكهف يدرون لا كم لبثوا
والله لو حلف العشاق أنهم ... موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
مجلسنا بحر، يرده الفيل والعصفور كل أناس مشربهم أطيار صناعتها في الجو بالقلب.
فأين الطروب، سحائب التفهيم قد هطلت بودق البيان، أفتراها أخضرت رياض الأذهان؟ نحن في روضة طعامنا فيها الخشوع وشرابنا فيها الدموع ونقلنا هذا الكلام المطبوع، نداوي أمراضاً أعجزت بختيشوع، ونرقى الهاوي ونرقى الملسوع، فليته كان كل يوم لا كل أسبوع.
لصردر:
يا صحابي وأين منِّي صحبي ... فتنتهم عيون ذاك السربِ
كلمات أسماؤهن استعارات ... وما هن غير طعن وضربِ
أرني ميتة تطيب بها النفس ... وقتلا يلذُّ غير الحبِّ
لا تزل بي عن العقيق ففيه ... وطري إن قضيته أو نحبي
لا رعيتُ السوامَ إن قلتُ للصحبة ... خفّي عني وللعيس: هبِّي
وحدي أتكلم، وجدي يتألم، ألا مريد يتعلم؟ ألا دموع تتسلم؟ لابن المعلم:
هو الحمى ومغانيه معانيه ... فاحبس وعان بليلى ما تعانيه
ما في الصحاب أخو وجد تطارحه ... حديث نجد ولا صب تجاريه
إليك عن كل قلب في أماكنه ... ساه وعن كل دمع في مآقيه
يوهي قوى جلدي من لا أبوح به ... ويستبيح دمي من لا أسميه
يبلى فما في لساني ما يعاتبه ... ضعفا بلى في فؤادي ما يداريه
الفصل التاسع والعشرون
أخواني تفكروا في مصارع الذين سبقوا، وتدبروا مصيرهم أين انطلقوا؟ واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا، قوم منهم سعدوا ومنهم قوم شقوا
والمرء مثل هلالٍ عند طلعته ... يبدو ضئيلاً لطيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ... كر الجديدين نقصا ثم ينمحق
كان الشباب رداءً قد بهجت به ... فقد تطاير منه للبلى خرق
وبات منشمراً يحدو المشيب به ... كالليل ينهض في أعجازه الفلق
عجبتُ والدهر لا تفنى عجائبه ... للراكنين إلى الدنيا وقد صدقوا
وطال ما نغصوا بالفجع ضاحية ... وطال بالفجع والتنغيص ما طرقوا
دار تغر بها الآمال مهلكة ... وذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال لمخدوع بزخرفها ... بعد البيان ومغرور بها يثق
أقول والنفس تدعوني لباطلها ... أين الملوك ملوك الناس والسوق
أين الذين إلى لذاتها ركنوا ... قد كان فيها لهم عيش ومرتفق
أمست مساكنهم قفراً معطلة ... كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذات دار لا بقاء لها ... إن اغتراراً بظل زايل حمق
أين من كان في سرور وغبطة؟ أين من بسط اليد في بسيط البسطة؟ لقد أوقعهم الموت في أصعب خطة، جسروا على المعاصي فانقلبت على الجيم النقطة، بيناهم في الخطأ خطا إليهم صاحب الشرطة، هذا دأب الزمان فإن صفا فغلطة، كم تخون الموت منا أخوانا، وكم قرن في الأجداث أقرانا، كم مترف أبدله الموت ديدانا، وهذا أمر إلينا قد تدانى، كم معد عوداً لعيده؟ صارت ثيابه أكفانا، وما شاهدنا مصرعها وما كفانا، كم مسرور بقصره عوض من قبره أعطانا، افتراناً، هذا الأمن، من أعطانا؟
لنمنا وصرف الدهر ليس بنائم ... خزمنا له قسراً بغير خزائم
من سعى إلى شهواته مستعجلاً تعثر بحسك الأسف، تلمح العواقب قبل الفعل أمان من الندم، قد عرفتم عقابيل قابيل وعلمتم حسن سرابيل هابيل:
الشرى يوجد في أعقابه ضرب ... خير من الأرى في أعقابه لسع
الهوى مطمورة ضيقة في حبس وعر ومذ خلق الهوى خلق الهوان، لا يتصرف الهوى إلا بربع قلب فارغ من العلم، الجهل خندق يحول بين الطالب والمطلوب والعلم يدل على القنطرة، كتابة العلم في ليل الجهل تفتقر إلى مصباح فطنة ودهن الذهن غال، ما قدر لص قط على فطن، ومتى نام حارس الفكر انتبه لص الهوى، من ثبت قلبه في حرب الشهوات لم يتزلزل قدمه، أول ما ينهزم من المهزوم عقله، ما دمتَ في حرب العدو فلا تبال بالجراح، فإنه قد يصاب الشجاع، إنما المهادنة دليل الذل، تأثيرات الذنوب على مقاديرها، وقعت غلطة من يوسف فقُدَّ القميص وقويت زلة آدم، فخرج عرياناً من الثياب، أين عزيمة توبة ماعز؟ لا عزيمة توبة، أين هم أويس لا غم قيس، ما لم يكن لك محرِّك من باطنك فالخلق تضرب في حديد بارد.
لصردر:
ظللت أكر عليه الرقي ... وتأبى عريكته أن تلينا
ويحك، من زم جوارحه ولازم الباب كان على رجاء الوصول، فكيف بمن لازم ولا لازم، طوبى للزهاد لقد مروا في المطلق، من يرافقني إلى ديار القوم؟ ما أجوز على البلدان إنما أمضى على السماوة، وهذه خيام ليلى فأين ابن الملوح:
هذي منازلهم ومالي ... بعد بعد القوم خبر
ويلي أحظى كله ... من دونه صد وهجر
كان سري يدافع أول الليل فإذا جن أخذ في البكاء إلى الفجر:
أقطع ليلى وجيش وجدي ... من عن شمالي وعن يميني
تالله لو عادني رسول ... لعاد عن مدنف حزين
ما حيلتي فيك غير أني ... أسرق من زفرتي أنيني
ذلوا له ليرضى، فإذا رأيتهم قلت مرضى.
لصردر:
إليك عن كل قلب في أماكنه ... ساه وعن كل دمع في مآقيه
يوهي قوى جلدي من لا أبوح به ... ويستبيح دمي من لا أسميه
يبلى فما في لساني ما يعاتبه ... ضعفا بلى في فؤادي ما يداريه
الفصل التاسع والعشرون
أخواني تفكروا في مصارع الذين سبقوا، وتدبروا مصيرهم أين انطلقوا؟ واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا، قوم منهم سعدوا ومنهم قوم شقوا
والمرء مثل هلالٍ عند طلعته ... يبدو ضئيلاً لطيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ... كر الجديدين نقصا ثم ينمحق
كان الشباب رداءً قد بهجت به ... فقد تطاير منه للبلى خرق
وبات منشمراً يحدو المشيب به ... كالليل ينهض في أعجازه الفلق
عجبتُ والدهر لا تفنى عجائبه ... للراكنين إلى الدنيا وقد صدقوا
وطال ما نغصوا بالفجع ضاحية ... وطال بالفجع والتنغيص ما طرقوا
دار تغر بها الآمال مهلكة ... وذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال لمخدوع بزخرفها ... بعد البيان ومغرور بها يثق
أقول والنفس تدعوني لباطلها ... أين الملوك ملوك الناس والسوق
أين الذين إلى لذاتها ركنوا ... قد كان فيها لهم عيش ومرتفق
أمست مساكنهم قفراً معطلة ... كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذات دار لا بقاء لها ... إن اغتراراً بظل زايل حمق
أين من كان في سرور وغبطة؟ أين من بسط اليد في بسيط البسطة؟ لقد أوقعهم الموت في أصعب خطة، جسروا على المعاصي فانقلبت على الجيم النقطة، بيناهم في الخطأ خطا إليهم صاحب الشرطة، هذا دأب الزمان فإن صفا فغلطة، كم تخون الموت منا أخوانا، وكم قرن في الأجداث أقرانا، كم مترف أبدله الموت ديدانا، وهذا أمر إلينا قد تدانى، كم معد عوداً لعيده؟ صارت ثيابه أكفانا، وما شاهدنا مصرعها وما كفانا، كم مسرور بقصره عوض من قبره أعطانا، افتراناً، هذا الأمن، من أعطانا؟
لنمنا وصرف الدهر ليس بنائم ... خزمنا له قسراً بغير خزائم
من سعى إلى شهواته مستعجلاً تعثر بحسك الأسف، تلمح العواقب قبل الفعل أمان من الندم، قد عرفتم عقابيل قابيل وعلمتم حسن سرابيل هابيل:
الشرى يوجد في أعقابه ضرب ... خير من الأرى في أعقابه لسع
الهوى مطمورة ضيقة في حبس وعر ومذ خلق الهوى خلق الهوان، لا يتصرف الهوى إلا بربع قلب فارغ من العلم، الجهل خندق يحول بين الطالب والمطلوب والعلم يدل على القنطرة، كتابة العلم في ليل الجهل تفتقر إلى مصباح فطنة ودهن الذهن غال، ما قدر لص قط على فطن، ومتى نام حارس الفكر انتبه لص الهوى، من ثبت قلبه في حرب الشهوات لم يتزلزل قدمه، أول ما ينهزم من المهزوم عقله، ما دمتَ في حرب العدو فلا تبال بالجراح، فإنه قد يصاب الشجاع، إنما المهادنة دليل الذل، تأثيرات الذنوب على مقاديرها، وقعت غلطة من يوسف فقُدَّ القميص وقويت زلة آدم، فخرج عرياناً من الثياب، أين عزيمة توبة ماعز؟ لا عزيمة توبة، أين هم أويس لا غم قيس، ما لم يكن لك محرِّك من باطنك فالخلق تضرب في حديد بارد.
لصردر:
ظللت أكر عليه الرقي ... وتأبى عريكته أن تلينا
ويحك، من زم جوارحه ولازم الباب كان على رجاء الوصول، فكيف بمن لازم ولا لازم، طوبى للزهاد لقد مروا في المطلق، من يرافقني إلى ديار القوم؟ ما أجوز على البلدان إنما أمضى على السماوة، وهذه خيام ليلى فأين ابن الملوح:
هذي منازلهم ومالي ... بعد بعد القوم خبر
ويلي أحظى كله ... من دونه صد وهجر
كان سري يدافع أول الليل فإذا جن أخذ في البكاء إلى الفجر:
أقطع ليلى وجيش وجدي ... من عن شمالي وعن يميني
تالله لو عادني رسول ... لعاد عن مدنف حزين
ما حيلتي فيك غير أني ... أسرق من زفرتي أنيني
ذلوا له ليرضى، فإذا رأيتهم قلت مرضى.
لصردر:
مرض بقلب ما يعاد ... وقتيل حب ما يقاد
يا آخر العشاق ما ... أبصرت أولهم يذاد
يقضي المتيم منهم ... نحباً ولو ردوا لعادوا
يأنسون في الدجى بالظلام، ويطربون بنوح الحمام، مرضى الأبدان من طول الغرام، أصحاء القلوب مع السقام، إذا ذكرت حبيبهم رأيت المستهام ق
يا آخر العشاق ما ... أبصرت أولهم يذاد
يقضي المتيم منهم ... نحباً ولو ردوا لعادوا
يأنسون في الدجى بالظلام، ويطربون بنوح الحمام، مرضى الأبدان من طول الغرام، أصحاء القلوب مع السقام، إذا ذكرت حبيبهم رأيت المستهام ق
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى