- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 31- 40)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:36
الفصل الحادي والثلاثون
يا جامعاً المال لغيره، تاركاً للتزود في سيره، أتحظى بشر كسبك، ويحصل سواك بخيره:
سابق إلى مالك وراثه ... ما المرء في الدنيا بلباث
كم صامت يخنق أكياسه ... قد صلح في ميزان ميراث
أين جامع الدنيا؟ طرحها واطرح، أين اللاهي بها؟ حزن بعد أن فرح، جال في وصف الحرب عنها فاغتيل وجرح، وظن الأمر سهلاً فإذا الرجل قد ذبح، بينا هو في لذاته يغتبق ويصطبح برح به أمر مرحل، فما برح نزل والله لحداً ضيقاً فما ينفسح، وصمت تحت الثرى فكأنه لم ينطق ولم يصح، وكتب على قبره ما أخّر خسر، وما قدم ربح، وعدل إلى قصره بعد الدفن فافتتح، وأصبحت سهام الوارث في ماله تنتطح، يا معرضاً عن الهدى والأمى متضح، أو ما حالك كهذا الحال؟ الذي شرح، كأنك بك في ضيق خناقك تبكي على قبيح أخلاقك، وحبل الدموع تجري في حلبات آماقك، وقد تحيرت عند التفاف ساقك بساقك، وأسرت لا بقيد عن حركات إطلاقك، وناداك تفريطك: هذا بعض استحقاقك.
لا تكذبن فإنني ... لك ناصح لا تكذبنه
فاعمل لنفسك ما استطع ... ت فإنها نار وجنة
أخواني، كم من حريص قد جمع المال جمع الثريا؟ فرقته الأقدار تفريق بنات نعش، يا ذا اللب، حدثني عنك، أتنفق العمر الشريف في طلب الفاني الرذيل؟ ويحك، إن الهوى مرعاد مبراق بلا مطر، الدنيا لا تساوي نقل أقدامك في طلبها، أرأيت غزالاً يغدو خلف كلب، الدنيا مجاز والأخرى وطن، والأوطار في الأوطان أطوار، إيثار ما يفنى على ما يبقى برسام حاد.
يا جامعاً المال لغيره، تاركاً للتزود في سيره، أتحظى بشر كسبك، ويحصل سواك بخيره:
سابق إلى مالك وراثه ... ما المرء في الدنيا بلباث
كم صامت يخنق أكياسه ... قد صلح في ميزان ميراث
أين جامع الدنيا؟ طرحها واطرح، أين اللاهي بها؟ حزن بعد أن فرح، جال في وصف الحرب عنها فاغتيل وجرح، وظن الأمر سهلاً فإذا الرجل قد ذبح، بينا هو في لذاته يغتبق ويصطبح برح به أمر مرحل، فما برح نزل والله لحداً ضيقاً فما ينفسح، وصمت تحت الثرى فكأنه لم ينطق ولم يصح، وكتب على قبره ما أخّر خسر، وما قدم ربح، وعدل إلى قصره بعد الدفن فافتتح، وأصبحت سهام الوارث في ماله تنتطح، يا معرضاً عن الهدى والأمى متضح، أو ما حالك كهذا الحال؟ الذي شرح، كأنك بك في ضيق خناقك تبكي على قبيح أخلاقك، وحبل الدموع تجري في حلبات آماقك، وقد تحيرت عند التفاف ساقك بساقك، وأسرت لا بقيد عن حركات إطلاقك، وناداك تفريطك: هذا بعض استحقاقك.
لا تكذبن فإنني ... لك ناصح لا تكذبنه
فاعمل لنفسك ما استطع ... ت فإنها نار وجنة
أخواني، كم من حريص قد جمع المال جمع الثريا؟ فرقته الأقدار تفريق بنات نعش، يا ذا اللب، حدثني عنك، أتنفق العمر الشريف في طلب الفاني الرذيل؟ ويحك، إن الهوى مرعاد مبراق بلا مطر، الدنيا لا تساوي نقل أقدامك في طلبها، أرأيت غزالاً يغدو خلف كلب، الدنيا مجاز والأخرى وطن، والأوطار في الأوطان أطوار، إيثار ما يفنى على ما يبقى برسام حاد.
يا أبناء الدنيا إنها مذمومة في كل شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، يا من هو في حديثها أنطق من سبحان، وفي انتقاد الدنانير أنسب من أغفل، فإذا ذكرت الآخرة فأبله من باقل، حيلتك في تحصيلها أدق من الشعر، وأنت في تدبيرها أصنع من النحل، وعين حرصك عليها أبصر من العقاب، وبطن أملك أعطش من الرمل، وفم شرهك أشرب من الهيم، تجمع فيها الدر جمع الذر، يا رفيقاً في البله لدود القز، ما انتفعت بموهبة العقل:
كدود كدود القز ينسج دائماً ... ويهلك غماً وسط ما هو ناسجه
ويحك، إن سرورها أقتل من السم، وإن شرورها أكثر من النمل، إنها في قلبك أعز من النفس، وسنصير عند الموت أهون من الأرض، حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر؟ يا أبرد من الثلج، يا من هو عن نجاته أنوم من فهد، ضيعت عمراً أنفس من الدر، أنت في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، تسعى إلى العاجل سعي رث، ويمشي في الأجل مشي فرزان، الزكاة عليك أثقل من أحُد، والصلاة عندك كنقل صخر على ظهر، وطريق المسجد في حسبان كسلك كفرسخي دير كعب، صدرك عن حديث الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من تسعين، معاصيك أشهر من الشمس، وتوبتك أخفى من السهي، إن عرضت خطيئة وثبت وثوب النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، تقدم على الظلم أقدام السبع، وتخطف الأمانة اختطاف الحدأة، يا أظلم من الجلندي ما تأمنك غزلان الحرم، يا كنعان الأمل، يا نمرود الحيل، يا نعمان الزلل، أنت في حب المال شبه الحباحب، وفي تبذير العمر رفيق حاتم، تمشي في الأمل على طريق أشعب، وستندم ندامة الكسعي، يا عذري الهوى في حب الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، إنما يتعب في تعليم البازي ليصيد ماله قدر، ولما تعلم بازي فكرك، أرسلته على الجيف.
ويحك تفكر قبل سلوك طريق الهوى، في كثرة المعاثر والصدمات أوما المكروهات في طي المحبوبات كوامن؟ يا مطلقاً نفسه في محظور شهواتها، اذكر الغمس في الرمس، يا ذا البال الناعم فوق الأرض، اذكر الناعم البالي تحتها، أتلفق؟ والزمان يفرق، أتؤلف؟ والحدثان يمزق، أتصفي؟ والدهر يرنق، أتؤمل؟ والموت معوق، ويحك إن القاصد قاصم، وما للعاصي عاصم، أنت في أرباب الذنوب غريق، وفي روم الهوى بطريق، فاحذر عقاب الأكابر، يا قليل الخبرة بالطريق اطلب رفقة، إذا لم تعرف القبلة بالعلامات، ففي المساجد محاريب، إذا رأيت قطار التائبين متصلاً فعلق عليه.
أهل الغرام تجمعوا ... فاليوم يوم عتابنا
نعق الغراب ببيننا ... فغرابنا أغرى بنا
إن الذين نحبهم ... قد وكلوا بعذابنا
قوموا بنا بحياتكم ... نمضي إلى أحبابنا
قوم إذا ظفروا بنا ... جادوا بعتق رقابنا
من مشى إليَّ هرولتُ إليه، دعوناك بالوسائط فلم تحضر، فأتى المرسل ينزل إلى السماء، النظر متشابه والذوق محكم.
ولما رأيت الحب قد مد جسره ... ونودي بالعشاق قوموا بنا فاسروا
خرجتُ مع الأحباب كيما أحوزه ... فصادفني الحرمان وانقطع الجسر
ومالت بنا الأمواج من كل جانبٍ ... ونادى مناد الحب قد غرق الصبر
الفصل الثاني والثلاثون
يا هذا. لو عاينت قصر أجلك لزهدت في طول أملك، وليقتلنك ندمك إن زلت بك قدمك.
للمتنبئ:
إلى كم ذا التواني في التواني؟ ... وكم هذا التمادي في التمادي؟
وما ماضي الشباب بمستردٍّ ... ولا يومٌ يمر بمستعار
متى لحظتْ بياض الشيب عيني ... فقد وجدته منها في السواد
متى ما ازددت من بعد التناهي ... فقد وقع انتفاضي في ازدياد
إلى متى تحرص على الدنيا وتنسى القدر؟ من الذي طلب ما لم يقدر فقدر؟ لقد أذاك إذ ذاك النصب، وأوقعك الحرص في شرك الشرك إذ نصب، أتحمل على نفسك فوق الجسد؟ ولو قنعت أراحك الزهد فلماذا تحمل ما آذى ولمن؟ ومن ينفعك إن قتلت نفسك يا هذا، ومن؟ تحمل على الهم الهم، لأمر لو قضى تم، أحرصاً على الدنيا. لا كانت، أم شكاً في عيوبها؟ فقد بانت.
رأيت ظنوني بها كالسراب ... فأيقنت أن سرابي سرابي
كدود كدود القز ينسج دائماً ... ويهلك غماً وسط ما هو ناسجه
ويحك، إن سرورها أقتل من السم، وإن شرورها أكثر من النمل، إنها في قلبك أعز من النفس، وسنصير عند الموت أهون من الأرض، حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر؟ يا أبرد من الثلج، يا من هو عن نجاته أنوم من فهد، ضيعت عمراً أنفس من الدر، أنت في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، تسعى إلى العاجل سعي رث، ويمشي في الأجل مشي فرزان، الزكاة عليك أثقل من أحُد، والصلاة عندك كنقل صخر على ظهر، وطريق المسجد في حسبان كسلك كفرسخي دير كعب، صدرك عن حديث الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من تسعين، معاصيك أشهر من الشمس، وتوبتك أخفى من السهي، إن عرضت خطيئة وثبت وثوب النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، تقدم على الظلم أقدام السبع، وتخطف الأمانة اختطاف الحدأة، يا أظلم من الجلندي ما تأمنك غزلان الحرم، يا كنعان الأمل، يا نمرود الحيل، يا نعمان الزلل، أنت في حب المال شبه الحباحب، وفي تبذير العمر رفيق حاتم، تمشي في الأمل على طريق أشعب، وستندم ندامة الكسعي، يا عذري الهوى في حب الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، إنما يتعب في تعليم البازي ليصيد ماله قدر، ولما تعلم بازي فكرك، أرسلته على الجيف.
ويحك تفكر قبل سلوك طريق الهوى، في كثرة المعاثر والصدمات أوما المكروهات في طي المحبوبات كوامن؟ يا مطلقاً نفسه في محظور شهواتها، اذكر الغمس في الرمس، يا ذا البال الناعم فوق الأرض، اذكر الناعم البالي تحتها، أتلفق؟ والزمان يفرق، أتؤلف؟ والحدثان يمزق، أتصفي؟ والدهر يرنق، أتؤمل؟ والموت معوق، ويحك إن القاصد قاصم، وما للعاصي عاصم، أنت في أرباب الذنوب غريق، وفي روم الهوى بطريق، فاحذر عقاب الأكابر، يا قليل الخبرة بالطريق اطلب رفقة، إذا لم تعرف القبلة بالعلامات، ففي المساجد محاريب، إذا رأيت قطار التائبين متصلاً فعلق عليه.
أهل الغرام تجمعوا ... فاليوم يوم عتابنا
نعق الغراب ببيننا ... فغرابنا أغرى بنا
إن الذين نحبهم ... قد وكلوا بعذابنا
قوموا بنا بحياتكم ... نمضي إلى أحبابنا
قوم إذا ظفروا بنا ... جادوا بعتق رقابنا
من مشى إليَّ هرولتُ إليه، دعوناك بالوسائط فلم تحضر، فأتى المرسل ينزل إلى السماء، النظر متشابه والذوق محكم.
ولما رأيت الحب قد مد جسره ... ونودي بالعشاق قوموا بنا فاسروا
خرجتُ مع الأحباب كيما أحوزه ... فصادفني الحرمان وانقطع الجسر
ومالت بنا الأمواج من كل جانبٍ ... ونادى مناد الحب قد غرق الصبر
الفصل الثاني والثلاثون
يا هذا. لو عاينت قصر أجلك لزهدت في طول أملك، وليقتلنك ندمك إن زلت بك قدمك.
للمتنبئ:
إلى كم ذا التواني في التواني؟ ... وكم هذا التمادي في التمادي؟
وما ماضي الشباب بمستردٍّ ... ولا يومٌ يمر بمستعار
متى لحظتْ بياض الشيب عيني ... فقد وجدته منها في السواد
متى ما ازددت من بعد التناهي ... فقد وقع انتفاضي في ازدياد
إلى متى تحرص على الدنيا وتنسى القدر؟ من الذي طلب ما لم يقدر فقدر؟ لقد أذاك إذ ذاك النصب، وأوقعك الحرص في شرك الشرك إذ نصب، أتحمل على نفسك فوق الجسد؟ ولو قنعت أراحك الزهد فلماذا تحمل ما آذى ولمن؟ ومن ينفعك إن قتلت نفسك يا هذا، ومن؟ تحمل على الهم الهم، لأمر لو قضى تم، أحرصاً على الدنيا. لا كانت، أم شكاً في عيوبها؟ فقد بانت.
رأيت ظنوني بها كالسراب ... فأيقنت أن سرابي سرابي
كم غرت الدنيا فرخها؟ فعرت، ثم ذبحته بمدية ما مرت، إنها لتقتل صيادها، وتقتل أولادها.
عزيز على مهجتي غرني ... وسلم لي الوصل واستسلما
فلما تملكني واحتوى ... على مهجتي سل ما سلما
والله لو كنت من رياشها أكسى من الكعبة، لم تخرج منها إلا أعرى من الحجر الأسود.
قيل لراهب: ما الذي حبب إليك الخلوة وطرد عنك الفترة؟ قال: وثبة الأكياس من فخ الدنيا.
وقيل لآخر: لم تخليت عن الدنيا؟ فقال: خوفاً والله من الآخرة أن تتخلى عني.
من غرس في نفسه شرف الهمة فنبت، نبت عن الأقذار، ومن استقر ركن عزيمته وثبت، وثبت نفسه عن الأكدار.
قد انقضى العمر وأنت في شغل ... فاجسر على الأهوال إن كنت رجل
يا زمن الهمة، يا مقعد العزيمة، يا عليل الفهم، يا بعيد الذهن.
أما اشتقت مغنى الهوى حين طاب ... ومنبت غصن الصبي حين مالا
أما آن من نازح أن يحن ... وللوصل من هاجر أن يدالا
سار المجدون وتركوك، ونجا المخفون وخلفوك، نادهم إن سمعوك، واستغث بهم إن رحموك.
أيها الراحلون من بطن خيف ... وركاب النوى بهم تترامى
إن أتيتم وادي الأراك فاهدوا ... لحبيبي تحيتي والسلاما
وردوا ماء ناظري عوض الغدر ... ان وارعوا بين الحشى لا الخزامى
واطلبوا إلى قلبي وآيته أن ... تجدوا فيه من هواهم سهاما
يا من أبعدته الخطايا عنهم، أدرج مرحلة الهوى وقد وصلت أنت تتعلل للكسل بالقدر فتقول: لو وفقني، ولكسب الشهوات بالندب إلى الحركة " فامشوا في مناكبها " أنت في طلب الدنيا قدري، وفي طلب الدين جبري، أي مذهب وافق غرضك تمذهبت به، أوليس في الإجماع " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها " جسدك عندنا وقلبك في البيت، نحن في واد وأنت في واد.
بكرت صبحاً عواذله ... ورسيس الحب قاتله
هوى في واد ولسن به ... والهوى عنهن شاغله
يتمنين السلو له ... ومناه من يواصله
لا بد والله من قلق وحرقة أما في زاوية التعبد أو في هاوية الطرد، إما أن تحرق قلبك بنار الندم على التقصير والشوق إلى لقاء الحبيب، وإلا فنار جهنم أشد حراً:
شجاك الفراق فما تصنع ... أتصبر للبين أم تجزع
إذا كنت تبكي وهم جيرة ... فما ذا تقول إذا ودعوا
القلق القلق يا من سلب قلبه، والبكاء البكاء يا من عظم ذنبه.
كان الشبلي يقول في مناجاته: ليت شعري ما اسمي عندك يا علام الغيوب، وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب، وبم تختم عملي يا مقلب القلوب؟ وكان يصيح في جوف الليل: قرة عيني، وسرور قلبي ما الذي أسقطني من عينك؟ أقلت هذا فراق بيني وبينك؟
هجرانك قاتلي سريعا ... والهجر من الحبيب قاتل
إن كنت نسيتني فعندي ... شغل بك لا يزال شاغل
قلبي يهواك ليت شعري ... ما أنت بذا المحب فاعل
حقاً قد قلت يا حبيبي ... قام على قولي الدلائل
شوق وجوى ونار وجد ... تذكي بعظائم البلابل
سائل دمعي فجفن عني ... لا يبرح بالبكاء سائل
إن جن لي الليل يا حبيبي ... فجنة القلب في الرسائل
أبكي ما كان من وصال ... والحزن تهيجه المنازل
هذا خدي على ثراكم ... لا أبرحه ولا أزايل
إن أنت طردتني فويلي ... بعد الإعراض من أواصل
كلا والجود لي شفيع ... والجود مقدم الوسائل
الفصل الثالث والثلاثون
يا من بين يديه الأهوال والعجائب، وقدماً نوى له الدهر النوائب، أما سهم المصائب كل يوم صائب، أحاضر فتحمل من عتبنا؟ كلا بل أنت غائب.
وكيف قرّت لأهل العلم أعينهم ... أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا
والموت ينذرهم جهراً علانية ... لو كان للقوم أسماعٌ لقد سمعوا
والنار ضاحية لا بد موردهم ... وليس يدرون من ينجو ومن يقع
عزيز على مهجتي غرني ... وسلم لي الوصل واستسلما
فلما تملكني واحتوى ... على مهجتي سل ما سلما
والله لو كنت من رياشها أكسى من الكعبة، لم تخرج منها إلا أعرى من الحجر الأسود.
قيل لراهب: ما الذي حبب إليك الخلوة وطرد عنك الفترة؟ قال: وثبة الأكياس من فخ الدنيا.
وقيل لآخر: لم تخليت عن الدنيا؟ فقال: خوفاً والله من الآخرة أن تتخلى عني.
من غرس في نفسه شرف الهمة فنبت، نبت عن الأقذار، ومن استقر ركن عزيمته وثبت، وثبت نفسه عن الأكدار.
قد انقضى العمر وأنت في شغل ... فاجسر على الأهوال إن كنت رجل
يا زمن الهمة، يا مقعد العزيمة، يا عليل الفهم، يا بعيد الذهن.
أما اشتقت مغنى الهوى حين طاب ... ومنبت غصن الصبي حين مالا
أما آن من نازح أن يحن ... وللوصل من هاجر أن يدالا
سار المجدون وتركوك، ونجا المخفون وخلفوك، نادهم إن سمعوك، واستغث بهم إن رحموك.
أيها الراحلون من بطن خيف ... وركاب النوى بهم تترامى
إن أتيتم وادي الأراك فاهدوا ... لحبيبي تحيتي والسلاما
وردوا ماء ناظري عوض الغدر ... ان وارعوا بين الحشى لا الخزامى
واطلبوا إلى قلبي وآيته أن ... تجدوا فيه من هواهم سهاما
يا من أبعدته الخطايا عنهم، أدرج مرحلة الهوى وقد وصلت أنت تتعلل للكسل بالقدر فتقول: لو وفقني، ولكسب الشهوات بالندب إلى الحركة " فامشوا في مناكبها " أنت في طلب الدنيا قدري، وفي طلب الدين جبري، أي مذهب وافق غرضك تمذهبت به، أوليس في الإجماع " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها " جسدك عندنا وقلبك في البيت، نحن في واد وأنت في واد.
بكرت صبحاً عواذله ... ورسيس الحب قاتله
هوى في واد ولسن به ... والهوى عنهن شاغله
يتمنين السلو له ... ومناه من يواصله
لا بد والله من قلق وحرقة أما في زاوية التعبد أو في هاوية الطرد، إما أن تحرق قلبك بنار الندم على التقصير والشوق إلى لقاء الحبيب، وإلا فنار جهنم أشد حراً:
شجاك الفراق فما تصنع ... أتصبر للبين أم تجزع
إذا كنت تبكي وهم جيرة ... فما ذا تقول إذا ودعوا
القلق القلق يا من سلب قلبه، والبكاء البكاء يا من عظم ذنبه.
كان الشبلي يقول في مناجاته: ليت شعري ما اسمي عندك يا علام الغيوب، وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب، وبم تختم عملي يا مقلب القلوب؟ وكان يصيح في جوف الليل: قرة عيني، وسرور قلبي ما الذي أسقطني من عينك؟ أقلت هذا فراق بيني وبينك؟
هجرانك قاتلي سريعا ... والهجر من الحبيب قاتل
إن كنت نسيتني فعندي ... شغل بك لا يزال شاغل
قلبي يهواك ليت شعري ... ما أنت بذا المحب فاعل
حقاً قد قلت يا حبيبي ... قام على قولي الدلائل
شوق وجوى ونار وجد ... تذكي بعظائم البلابل
سائل دمعي فجفن عني ... لا يبرح بالبكاء سائل
إن جن لي الليل يا حبيبي ... فجنة القلب في الرسائل
أبكي ما كان من وصال ... والحزن تهيجه المنازل
هذا خدي على ثراكم ... لا أبرحه ولا أزايل
إن أنت طردتني فويلي ... بعد الإعراض من أواصل
كلا والجود لي شفيع ... والجود مقدم الوسائل
الفصل الثالث والثلاثون
يا من بين يديه الأهوال والعجائب، وقدماً نوى له الدهر النوائب، أما سهم المصائب كل يوم صائب، أحاضر فتحمل من عتبنا؟ كلا بل أنت غائب.
وكيف قرّت لأهل العلم أعينهم ... أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا
والموت ينذرهم جهراً علانية ... لو كان للقوم أسماعٌ لقد سمعوا
والنار ضاحية لا بد موردهم ... وليس يدرون من ينجو ومن يقع
قد أمست الطير والأنعام آمنة ... والنون في البحر لن يغتالها فزع
والآدمي بهذا الكسب مرتهن ... له رقيب على الأسرار يطلع
حتى يوافيه يوم الجمع منفرداً ... وخصمه الجلد والأبصار والسمع
إذ النبيون والأشهاد قائمة ... والجن والإنس والأملاك قد خشعوا
وطارت الصحف في الأيدي ... منشرة فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليل ولا تدري مما يقع
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فلا تبقي ولا تدع
تهوي بساكنها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها قمعوا
طال البكاء فلم يرحم تضرعهم ... هيهات لا رقة تغني ولا جزع
لينفع لعلم قبل الموت عالمه ... قد سأل قوم بها الرجعى فما رجعوا
يا من عمره يقد بالساعات ويعد بالأنفاس، يا خل الأمل خل أحاديث الوسواس، يا طويل الرقاد إلى كم ذا النعاس؟، قد بقي القليل لا ريب وهذا الشيب يقلع الأغراس، إن في المقابر عبراً، وما أدراك ما الأدراس؟، تالله لو سكن اليقين القلب، لضربت أخماساً في أسداس، هل تجد لماضي العمر لذة؟ والباقي على القياس، ماذا التهول في البوار، وجر الأذيال في الخسار، كأنك لم تسمع بجنة ولا نار، لهيب حرصك ما يطفي، وشر شرهك ما يخفى، أترى هذا ؟ على ماذا، أليس لما إذا؟ قيل آذى.
أنت في طلب الدنيا أحير من صَب، تبيت في عشقها أسهر من صب، أين ما حلا في الفم وحلى في العين، ذهب الكل وأنت تدري إلى أين، ما أصعب السباحة في غدير التمساح، ما أشق السير في الأرض المسبعة، إن المفروح به هو المحزون عليه، غير أن عين الهوى عميا، طاير الطبع يرى الحبة لا الشرك، ضيعت سهادك بسعادك، رمَتْكَ إلى الهند هند، صَيرتَ نهارك ليلا ليلى، ويحك ربات الظلم ظلم، كم أراق الهوى دماً في دمن، ويحك دع سلمى وسل ما ينفعك، دعة لمثلك ترك دعد للنوى، وسعادة لك هجرة لسعاد، قطع الطمع من خضر الدنيا بموسى الياس، تجمع للقلب عزم الخضر وموسى وإلياس.
يا معشر الفقراء الصادقين قد لبستم حلة الفقر، فتجملوا بحلية الكتمان ، اصبروا على عطش الزهد، ولا تشربوا من مشربة من، فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها، لا تسألوا سوى مولاكم فسؤال الغير غير سيده تشنيع عليه، إن الفقير ترك الدنيا إنفة رآها قاطعاً فقاطع، جاز على جيفة مستحيلة فسد منخر الظرف وأسرع، الأنف الأشم لا يشم رذيلة بينا هو في قطع فيافي القناعة، وقع بكنز ما وجده الإسكندر، فقلبه أغنى من قارون، وبيته أفرغ من فؤاد أم موسى. كان إبراهيم بن أدهم يعطي عطاء الأغنياء وهو فقير، ويستدين عليه ثم يؤثر به.
للشريف الرضي :
وهم ينفذون المالَ في أول الغنى ... ويستأنفون الصبرَ في آخر الصبر
مغاوير في الجُليّ مغاييرُ في الحمى ... مفاريج للغُمّي مداريكُ للوِتْر
وتأخذهم في ساعة الجود هِزّةٌ ... كما خايل المطرابُ عن نزوةِ الخمرِ
فتحسبهم فيها نشاوى من الغنى ... وهم في جلابيب الخَصاصة بلا وفر
عظيمٌ عليهم أن يمنّوا بلا يدٍ ... وهَيْنٌ عليهم أن يبيتوا بلا وفر
إذا نزل الحيّ الغريبُ تقارعوا ... عليه فلم يدرِ المُقل من المثري
يميلون في شِق الوفاء مع الردى ... إذا كان محبوب البقاء مع الغدر
أحكم القوم العلم فحكم عليهم بالعمل، فقاطعوا التسويف الذي يقطع أعمار الأغمار، وانتبهوا فانتبهوا الليل والنهار، أخرجوا قوى العزائم إلى الأفعال، فلما قضوا ديون الجد قضت علومهم بالحذر من الرد، أقدامهم على أرض التعبد قد ألفت الصفون تعتمد على سنابك الحذر، فإذا أثر عندها النصب، راوحت بين أرجل الرجاء قلوب كالذهب ذهب غشه، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفى، لون المحب غماز، دمع المشوق نمام.
أخفي كمدي ودمع عيني ... في الخد على هواك شاهد
فالجفن بلوعتي مقر ... للعاذل واللسان جاحد
اشتد الخوف يوماً بإبراهيم بن أدهم، فسأل الراحة فعوتب.
والآدمي بهذا الكسب مرتهن ... له رقيب على الأسرار يطلع
حتى يوافيه يوم الجمع منفرداً ... وخصمه الجلد والأبصار والسمع
إذ النبيون والأشهاد قائمة ... والجن والإنس والأملاك قد خشعوا
وطارت الصحف في الأيدي ... منشرة فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليل ولا تدري مما يقع
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فلا تبقي ولا تدع
تهوي بساكنها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها قمعوا
طال البكاء فلم يرحم تضرعهم ... هيهات لا رقة تغني ولا جزع
لينفع لعلم قبل الموت عالمه ... قد سأل قوم بها الرجعى فما رجعوا
يا من عمره يقد بالساعات ويعد بالأنفاس، يا خل الأمل خل أحاديث الوسواس، يا طويل الرقاد إلى كم ذا النعاس؟، قد بقي القليل لا ريب وهذا الشيب يقلع الأغراس، إن في المقابر عبراً، وما أدراك ما الأدراس؟، تالله لو سكن اليقين القلب، لضربت أخماساً في أسداس، هل تجد لماضي العمر لذة؟ والباقي على القياس، ماذا التهول في البوار، وجر الأذيال في الخسار، كأنك لم تسمع بجنة ولا نار، لهيب حرصك ما يطفي، وشر شرهك ما يخفى، أترى هذا ؟ على ماذا، أليس لما إذا؟ قيل آذى.
أنت في طلب الدنيا أحير من صَب، تبيت في عشقها أسهر من صب، أين ما حلا في الفم وحلى في العين، ذهب الكل وأنت تدري إلى أين، ما أصعب السباحة في غدير التمساح، ما أشق السير في الأرض المسبعة، إن المفروح به هو المحزون عليه، غير أن عين الهوى عميا، طاير الطبع يرى الحبة لا الشرك، ضيعت سهادك بسعادك، رمَتْكَ إلى الهند هند، صَيرتَ نهارك ليلا ليلى، ويحك ربات الظلم ظلم، كم أراق الهوى دماً في دمن، ويحك دع سلمى وسل ما ينفعك، دعة لمثلك ترك دعد للنوى، وسعادة لك هجرة لسعاد، قطع الطمع من خضر الدنيا بموسى الياس، تجمع للقلب عزم الخضر وموسى وإلياس.
يا معشر الفقراء الصادقين قد لبستم حلة الفقر، فتجملوا بحلية الكتمان ، اصبروا على عطش الزهد، ولا تشربوا من مشربة من، فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها، لا تسألوا سوى مولاكم فسؤال الغير غير سيده تشنيع عليه، إن الفقير ترك الدنيا إنفة رآها قاطعاً فقاطع، جاز على جيفة مستحيلة فسد منخر الظرف وأسرع، الأنف الأشم لا يشم رذيلة بينا هو في قطع فيافي القناعة، وقع بكنز ما وجده الإسكندر، فقلبه أغنى من قارون، وبيته أفرغ من فؤاد أم موسى. كان إبراهيم بن أدهم يعطي عطاء الأغنياء وهو فقير، ويستدين عليه ثم يؤثر به.
للشريف الرضي :
وهم ينفذون المالَ في أول الغنى ... ويستأنفون الصبرَ في آخر الصبر
مغاوير في الجُليّ مغاييرُ في الحمى ... مفاريج للغُمّي مداريكُ للوِتْر
وتأخذهم في ساعة الجود هِزّةٌ ... كما خايل المطرابُ عن نزوةِ الخمرِ
فتحسبهم فيها نشاوى من الغنى ... وهم في جلابيب الخَصاصة بلا وفر
عظيمٌ عليهم أن يمنّوا بلا يدٍ ... وهَيْنٌ عليهم أن يبيتوا بلا وفر
إذا نزل الحيّ الغريبُ تقارعوا ... عليه فلم يدرِ المُقل من المثري
يميلون في شِق الوفاء مع الردى ... إذا كان محبوب البقاء مع الغدر
أحكم القوم العلم فحكم عليهم بالعمل، فقاطعوا التسويف الذي يقطع أعمار الأغمار، وانتبهوا فانتبهوا الليل والنهار، أخرجوا قوى العزائم إلى الأفعال، فلما قضوا ديون الجد قضت علومهم بالحذر من الرد، أقدامهم على أرض التعبد قد ألفت الصفون تعتمد على سنابك الحذر، فإذا أثر عندها النصب، راوحت بين أرجل الرجاء قلوب كالذهب ذهب غشه، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفى، لون المحب غماز، دمع المشوق نمام.
أخفي كمدي ودمع عيني ... في الخد على هواك شاهد
فالجفن بلوعتي مقر ... للعاذل واللسان جاحد
اشتد الخوف يوماً بإبراهيم بن أدهم، فسأل الراحة فعوتب.
لو شئت داويت قلباً أنت سقمه ... وفي يديك من البلوى سلامته
علامة كتبت في خد عارفكم ... من كان مثلي فقد قامت قيامته
ضجت الناقة لثقل الحمل، رأت عظامها قد فرغت ففغرت فم الشكوى فرغت.
يا حادي العيس قد براها ... حمل هموم لها عظام
رفقاً بها إنها جلود ... ملصقات على عظام
أشواقها خلفها وشوقي ... خلاف أشواقها أمامي
تمادى في قلب العارف جبل الخوف وجبل الحزن، فلما وصل اسكندر الفكر عبى زبر الهموم، حتى إذا ساوى بين الصدفين صاح بجنود الفهم، انفخوا، فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
أجد روحها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها
لأن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس مكروب تجلت همومها
الفصل الرابع والثلاثون
إخواني، رحيل من رحل عنا نذير لنا عنا، وما جرى على من تقدمنا وعظ لنا.
للشريف الرضي:
ما أسرعَ الأيامَ في طيّنا ... تمضي علينا ثم تمضي بنا
في كل يوم أملٌ قد نأى ... مرامُهُ عن أجل قد دنا
أنذرنا الدهرُ وما نرعوي ... كأنما الدهر سوانا عنا
تعاشياً والموت في جده ... ما أوضح الأمرَ وما أبَيْنا
والناسُ كالأجمالِ قد قُرِّبتْ ... تنتظر الحيَّ لأن يظعنا
تدنو إلى العشب ومن خلفها ... مقامرٌ يطردها بالقنا
أين الأُولى شادوا مبانيهم ... تهدّموا قبل انهدامِ البنا
لا مُعدِمٌ يحميه إعدامُه ... ولا يقي نفسَ الغنيِّ الغِنى
كيف دفاعُ المرء أحداثها ... فرداً وأقرانُ الليالي ثِنى
حط رجالٌ وركبنا الذُّرى ... وعُقبةُ السير لمن بعدنا
والحازم الرأي الذي يَغتَذي ... مُستقلعاً ينذرُ مستوطنا
لا يأمنُ الدهرَ على غِرَّةٍ ... وعزّ ليث الغاب أن يؤمنا
كم غارسٍ أمّل في غرسه ... فاعجل المقدار أن يُجتنى
ما هذا التقصير في العمر القصير، ما هذا الزهو يا من إلى البلى يصير، كم فرق الموت أميرة أمير؟، كم أزار الألحاد من وزير؟، وسوى في القبور بين من هجر وزير، أين الأبطال الذين خاطرهم خطير، طال ما اقتتلوا، حتى كسروا القنا على القناطير، تالله لقد أمسوا حتى أصبحت خيل الموت تعثي وتغير، ونزلوا لحداً كبيراً غير كبير، ورأوا كل منكر من منكر وكل نكير من نكير، فهم مفترقون في القبور، فإذا اجتمعوا بنفخة الصور، عاد شراب الفراق قد أدير " فريقٌ في الجنّةِ وفريقٌ في السّعير " .
يا غافلاً والموت يسعى في طلبه، يا مشغولاً بلهوه مفتوناً بلعبه، يا مشترياً راحة تفنى بطول تعبه، أما عللت مريضاً ورأيت كرب كربه، أما شيعت ملكاً فرجعت إلى سلبه، أما تخلى عن ماله وتخلى بمكتسبه، أنفعه غلوّ عزّه أو علوّ نسبه، لقد ناجاك قبره وناداك أمره، فانتبه، ولقد ضرّه هواه، فلا تلهج أنت به، لا تغرنك السلامة فمع الخواطي سهم صائب.
نظر شاب إلى شيخ ضعيف الحركة فقال: يا شيخ، من قيدك؟ فقال: الذي خلفته يفتل قيدك.
من أخطأته سهام الموت قيده ... طول السنين فلا لهو ولا غزل
وضاق من نفسه ما كان متسعاً ... حتى الرجاء وحتى العزم والأمل
الشباب باكورة الحياة، والشيب رداء الردى، إذا قرع المرء باب الكهولة فقد استأذن على البلا، يا رهين الإثم على العقوبة، ليس لك من يستفكك إلا التوبة، المنطع في قيد يتلقى الحاج منكس الرأس، رب خجلة تمت الناقص، كان بعض الأشياخ يقول: إلهي، من عادة الملوك، أنهم إذا كبر لهم مملوك أعتقوه، وقد كبرت فأعتقني. وقف أعجمي عند الكعبة، والناس يدعون وهو ساكت، ثم اخذ بلحيته فرفعها، وقال: يا خداه شيخ كبير.
لما أتونا والشيب شافعهم ... وقد توالى عليهم الخجل
قلنا لتلك الصحائف انقلبي ... بيضاً فإن الشيوخ قد عقلوا
علامة كتبت في خد عارفكم ... من كان مثلي فقد قامت قيامته
ضجت الناقة لثقل الحمل، رأت عظامها قد فرغت ففغرت فم الشكوى فرغت.
يا حادي العيس قد براها ... حمل هموم لها عظام
رفقاً بها إنها جلود ... ملصقات على عظام
أشواقها خلفها وشوقي ... خلاف أشواقها أمامي
تمادى في قلب العارف جبل الخوف وجبل الحزن، فلما وصل اسكندر الفكر عبى زبر الهموم، حتى إذا ساوى بين الصدفين صاح بجنود الفهم، انفخوا، فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
أجد روحها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها
لأن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس مكروب تجلت همومها
الفصل الرابع والثلاثون
إخواني، رحيل من رحل عنا نذير لنا عنا، وما جرى على من تقدمنا وعظ لنا.
للشريف الرضي:
ما أسرعَ الأيامَ في طيّنا ... تمضي علينا ثم تمضي بنا
في كل يوم أملٌ قد نأى ... مرامُهُ عن أجل قد دنا
أنذرنا الدهرُ وما نرعوي ... كأنما الدهر سوانا عنا
تعاشياً والموت في جده ... ما أوضح الأمرَ وما أبَيْنا
والناسُ كالأجمالِ قد قُرِّبتْ ... تنتظر الحيَّ لأن يظعنا
تدنو إلى العشب ومن خلفها ... مقامرٌ يطردها بالقنا
أين الأُولى شادوا مبانيهم ... تهدّموا قبل انهدامِ البنا
لا مُعدِمٌ يحميه إعدامُه ... ولا يقي نفسَ الغنيِّ الغِنى
كيف دفاعُ المرء أحداثها ... فرداً وأقرانُ الليالي ثِنى
حط رجالٌ وركبنا الذُّرى ... وعُقبةُ السير لمن بعدنا
والحازم الرأي الذي يَغتَذي ... مُستقلعاً ينذرُ مستوطنا
لا يأمنُ الدهرَ على غِرَّةٍ ... وعزّ ليث الغاب أن يؤمنا
كم غارسٍ أمّل في غرسه ... فاعجل المقدار أن يُجتنى
ما هذا التقصير في العمر القصير، ما هذا الزهو يا من إلى البلى يصير، كم فرق الموت أميرة أمير؟، كم أزار الألحاد من وزير؟، وسوى في القبور بين من هجر وزير، أين الأبطال الذين خاطرهم خطير، طال ما اقتتلوا، حتى كسروا القنا على القناطير، تالله لقد أمسوا حتى أصبحت خيل الموت تعثي وتغير، ونزلوا لحداً كبيراً غير كبير، ورأوا كل منكر من منكر وكل نكير من نكير، فهم مفترقون في القبور، فإذا اجتمعوا بنفخة الصور، عاد شراب الفراق قد أدير " فريقٌ في الجنّةِ وفريقٌ في السّعير " .
يا غافلاً والموت يسعى في طلبه، يا مشغولاً بلهوه مفتوناً بلعبه، يا مشترياً راحة تفنى بطول تعبه، أما عللت مريضاً ورأيت كرب كربه، أما شيعت ملكاً فرجعت إلى سلبه، أما تخلى عن ماله وتخلى بمكتسبه، أنفعه غلوّ عزّه أو علوّ نسبه، لقد ناجاك قبره وناداك أمره، فانتبه، ولقد ضرّه هواه، فلا تلهج أنت به، لا تغرنك السلامة فمع الخواطي سهم صائب.
نظر شاب إلى شيخ ضعيف الحركة فقال: يا شيخ، من قيدك؟ فقال: الذي خلفته يفتل قيدك.
من أخطأته سهام الموت قيده ... طول السنين فلا لهو ولا غزل
وضاق من نفسه ما كان متسعاً ... حتى الرجاء وحتى العزم والأمل
الشباب باكورة الحياة، والشيب رداء الردى، إذا قرع المرء باب الكهولة فقد استأذن على البلا، يا رهين الإثم على العقوبة، ليس لك من يستفكك إلا التوبة، المنطع في قيد يتلقى الحاج منكس الرأس، رب خجلة تمت الناقص، كان بعض الأشياخ يقول: إلهي، من عادة الملوك، أنهم إذا كبر لهم مملوك أعتقوه، وقد كبرت فأعتقني. وقف أعجمي عند الكعبة، والناس يدعون وهو ساكت، ثم اخذ بلحيته فرفعها، وقال: يا خداه شيخ كبير.
لما أتونا والشيب شافعهم ... وقد توالى عليهم الخجل
قلنا لتلك الصحائف انقلبي ... بيضاً فإن الشيوخ قد عقلوا
يا معاشر الشباب انتبهوا، القوى في التقوى، فلو قد حل المشيب حل التركيب، إذا هلك أمير الشباب وقع الشتات في العسكر، الشباب رياض والشيب قاع قفر، فاستصحبوا الزاد قبل دخول الفلاة.
يا قومنا، الفوائد فوايت، كف من تبذير يؤذي، فكيف ببيذر من رعونة؟، إذا كانت القلوب عقماً عن الفكر، واتفقت عنة الفهم فلا وجه لنسل الفضائل، الخوف ذكر والرجاء أنثى ومخنث البطالة إلى الإناث أميل. من زرع بذر العمل في أرجاء الرجا ولم تقع عليه شمس الحذر جاءت ثماره فجة. الجاهل ينام على فراش الأمن فيثقل نومه، فتكثر أحلام أمانيه، والعالم يضطجع على مهاد الخوف وحارس اليقظة يوقظه، من فهم معنى الوجود علم عزة النجاة. النفس طائر قد أرسل من عبادان التعبد محملاً كتاب الأمانة إلى دار الملك والعدو قد نصب له صنوف الأشراك، يلوح في ضمنها الحب المحبوب، فإن تم كيده فهو صيده، وإن خبر الخبر عبر، يا أطيار الفهوم احذري مراعي الهموم فثم عقبان التلف، ومن نجا منها بعد المحاربة أفلت مكسور الجناح، واعجباً لبلبل الفطنة كيف اغتر بفخ الفتنة.
للشريف الرضي:
يا قلب كيف علقت في أشراكهم ... ولقد عهدتك تُفلِتُ الأشراكا
لا تشكونَ إليّ وَجداً بعدها ... هذا الذي جرَّتْ عليكَ يداكا
من حدق بصره إلى طرف الدنيا طرفت عينه. من أصغى إلى حديث الهوى أورثه الصمم عن النصائح. خست همة فرعون فاستعظم الحقير " أليسَ لي مُلكُ مِصر " يا دني النفس حمارك ينهق من كف شعير يراه، الدنيا كلها كجناح بعوضة فما نسبة مصر إليها. صبي الفهم يشغله لون الصدفة والمتيقظ يرى الدرة. يا هذا، إذا لاحت لك شهوة فقف متدبراً عواقبها وقد بردت حرارة الهوى فبين النجاة والهلاك فواق. واعجباً أنفقت المال المسروق وبقي القطع:
أبكي زللي وأشتكي آثامي ... في سفك دمي تقدمت أقدامي
ما أبصرت إلا والبلى قدامي ... ما أسرع ما أصاب قلبي الرامي
ضر والله التخليط آدم، ونفعت الحمية يوسف، ملك هواه فملك زليخا، أمرضها حبه فأرادت تناول مقصودها في زمان الحمية فصاح لسان طبه " معاذ الله " فخلطت في بحران المرض " ما جزاء من أرادَ بأهلكَ سوءاً إلاّ أن يُسْجَنَ " فلما صح الذهن قالت: " الآنَ حصحصَ الحَقُّ " . لما نظر يوسف في عواقب الذنب ونهاية الصبر فكف الكف اطلع بتعليم التأويل على عواقب الرؤيا. دخل اليوم موسى وعظى إلى مدينة مدين قلبك فوجد فيها رجلين يقتتلان، القلب والهوى، فاستغاثه الذي من شيعته وهو القلب على الذي من عدوه وهو الهوى، فوكزه موسى فقضى عليه، فكان قتل الهوى سبباً للخروج من قصر مصر الغفلة إلى شعب شعيب اليقظة، فالآن يناديك لسان المعاملة، هل لك في بلوغ عرضك على أن تأجرني، فإن وفيت انقلبت إلى لذاتك مسروراً، واسترجع لك التكليم على طور الجنة، فإن صحبت فرعون الهوى غرقت بعبورك يوم اليم.
الفصل الخامس والثلاثون
يا هذا، إنما خلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها، ولتعبرها لا لتعمرها، فاقتل هواك المايل إليها، واقبل نصحي لا تعول عليها.
لورقة بن نوفل:
لاشيء فيما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويؤدي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولتْ عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجنّ فيما بينها تردُ
أين الملوك التي كانت نوافلها ... من كل أوب إليها وافدٌ يفد
حوضٌ هنالك مورودٌ بلا كذبٍ ... لا بدّ من رده يوماً كما وردوا
الدنيا مزرعة النوائب ومشرعة المصائب، ومفرقة المجامع ومجرية المدامع. كم سلبت أقواماً أقوى ما كانوا، وبانت أحلى ما كانت أحلاماً فبانوا، ففكر في أهل القصور والممالك، كيف مزقوا بكف المهالك ثم عد بالنظر في حالك، لعله يتجلى القلب الحالك. إن لذات الدنيا لفوارك، وإن موج بلائها لمتدارك، كم حج كعبتها قاصد فقتلته قبل المناسك، كم علا ذروتها مغرور فإذا به تحت السنابك، كم غرت غراً فما استقر، حتى صيد باشك، خلها واطلب خلة ذات سرور وسرر وأرائك، تالله ما طيب العيش إلا هنالك.
يا قومنا، الفوائد فوايت، كف من تبذير يؤذي، فكيف ببيذر من رعونة؟، إذا كانت القلوب عقماً عن الفكر، واتفقت عنة الفهم فلا وجه لنسل الفضائل، الخوف ذكر والرجاء أنثى ومخنث البطالة إلى الإناث أميل. من زرع بذر العمل في أرجاء الرجا ولم تقع عليه شمس الحذر جاءت ثماره فجة. الجاهل ينام على فراش الأمن فيثقل نومه، فتكثر أحلام أمانيه، والعالم يضطجع على مهاد الخوف وحارس اليقظة يوقظه، من فهم معنى الوجود علم عزة النجاة. النفس طائر قد أرسل من عبادان التعبد محملاً كتاب الأمانة إلى دار الملك والعدو قد نصب له صنوف الأشراك، يلوح في ضمنها الحب المحبوب، فإن تم كيده فهو صيده، وإن خبر الخبر عبر، يا أطيار الفهوم احذري مراعي الهموم فثم عقبان التلف، ومن نجا منها بعد المحاربة أفلت مكسور الجناح، واعجباً لبلبل الفطنة كيف اغتر بفخ الفتنة.
للشريف الرضي:
يا قلب كيف علقت في أشراكهم ... ولقد عهدتك تُفلِتُ الأشراكا
لا تشكونَ إليّ وَجداً بعدها ... هذا الذي جرَّتْ عليكَ يداكا
من حدق بصره إلى طرف الدنيا طرفت عينه. من أصغى إلى حديث الهوى أورثه الصمم عن النصائح. خست همة فرعون فاستعظم الحقير " أليسَ لي مُلكُ مِصر " يا دني النفس حمارك ينهق من كف شعير يراه، الدنيا كلها كجناح بعوضة فما نسبة مصر إليها. صبي الفهم يشغله لون الصدفة والمتيقظ يرى الدرة. يا هذا، إذا لاحت لك شهوة فقف متدبراً عواقبها وقد بردت حرارة الهوى فبين النجاة والهلاك فواق. واعجباً أنفقت المال المسروق وبقي القطع:
أبكي زللي وأشتكي آثامي ... في سفك دمي تقدمت أقدامي
ما أبصرت إلا والبلى قدامي ... ما أسرع ما أصاب قلبي الرامي
ضر والله التخليط آدم، ونفعت الحمية يوسف، ملك هواه فملك زليخا، أمرضها حبه فأرادت تناول مقصودها في زمان الحمية فصاح لسان طبه " معاذ الله " فخلطت في بحران المرض " ما جزاء من أرادَ بأهلكَ سوءاً إلاّ أن يُسْجَنَ " فلما صح الذهن قالت: " الآنَ حصحصَ الحَقُّ " . لما نظر يوسف في عواقب الذنب ونهاية الصبر فكف الكف اطلع بتعليم التأويل على عواقب الرؤيا. دخل اليوم موسى وعظى إلى مدينة مدين قلبك فوجد فيها رجلين يقتتلان، القلب والهوى، فاستغاثه الذي من شيعته وهو القلب على الذي من عدوه وهو الهوى، فوكزه موسى فقضى عليه، فكان قتل الهوى سبباً للخروج من قصر مصر الغفلة إلى شعب شعيب اليقظة، فالآن يناديك لسان المعاملة، هل لك في بلوغ عرضك على أن تأجرني، فإن وفيت انقلبت إلى لذاتك مسروراً، واسترجع لك التكليم على طور الجنة، فإن صحبت فرعون الهوى غرقت بعبورك يوم اليم.
الفصل الخامس والثلاثون
يا هذا، إنما خلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها، ولتعبرها لا لتعمرها، فاقتل هواك المايل إليها، واقبل نصحي لا تعول عليها.
لورقة بن نوفل:
لاشيء فيما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويؤدي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولتْ عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجنّ فيما بينها تردُ
أين الملوك التي كانت نوافلها ... من كل أوب إليها وافدٌ يفد
حوضٌ هنالك مورودٌ بلا كذبٍ ... لا بدّ من رده يوماً كما وردوا
الدنيا مزرعة النوائب ومشرعة المصائب، ومفرقة المجامع ومجرية المدامع. كم سلبت أقواماً أقوى ما كانوا، وبانت أحلى ما كانت أحلاماً فبانوا، ففكر في أهل القصور والممالك، كيف مزقوا بكف المهالك ثم عد بالنظر في حالك، لعله يتجلى القلب الحالك. إن لذات الدنيا لفوارك، وإن موج بلائها لمتدارك، كم حج كعبتها قاصد فقتلته قبل المناسك، كم علا ذروتها مغرور فإذا به تحت السنابك، كم غرت غراً فما استقر، حتى صيد باشك، خلها واطلب خلة ذات سرور وسرر وأرائك، تالله ما طيب العيش إلا هنالك.
أخواني ، ما قعودنا وقد سار الركب، ما أرى النية الآنية، يا مسافرين من عزم تزود، يا راحلين بلا رواحل وطنوا على الانقطاع، ليت المحترز نجا فكيف المهمل؟، يا أقدام الصبر تحملي فقد بقي القليل، تذكري حلاوة الدعة يهن عليك مر السرى، قد علمت أين المنزل، فاحدلها تسير .
للمهيار:
تغنَّ بالجرعاء يا سائقها ... فإن ونت شيئاً فزدها الأبرقا
واغنَ عن السياطِ في أرجوزة ... بحاجرٍ ترَ السهامَ المُرقا
واستقبال الريح الصبا بخُطمها ... تجدْ سُرى ما وجدتْ منتسقا
إن لها عند الحمى وأهلهِ ... تعلقاً من حبها وعلقا
وكل ما تزجره حداتُها ... رعى الحمى ربُّ الغمام وسقى
حواملا منها هموماً ثقُلتْ ... وانفساً لم تبق إلا رمَقا
تحملنا وإن عرين قصَباً ... وإن دمين أذرعاً وأسوقا
دام عليها الليلُ حتى أصبحت ... تحسب فجرَ ذاتِ عرقٍ شفقا
عرِّجْ على الوادي فقل عن كبدي ... ما شئت للبان الجوى والحُرَقا
الجنة ترضى منك بالزهد، والنار تندفع عنك بترك الذنب، والمحبة لا تقع إلا بالروح.
إنّ سلطان حبه ... قال لا أقبل الرشا
ما سلك الخليل طريقاً أطيب من الفلاة التي دخلها، لما خرج من كفه المنجنيق، زيارة تسعى، فيها أقدام الرضا على أرض الشوق، شابهت ليلة " فزجني في النور، وقال ها أنت وربك " .
زرناك شوقاً ولو أن النوى بسطت ... فرش للفلا بيننا جمراً لزرناك
رآه جبريل وقد ودع بلد العادة، فظن ضعف أقدام المتوكل فعرض عليه زاد " ألك حاجة " فرده بأنفة " أما إليك فلا " قال فسل مولاك، قال: علمه بحالي يغنيني عن سؤالي.
تملكوا واحتكموا ... وصار قلبي لهم
تصرفوا في ملكهم ... فلا يقال ظلموا
إن وصلوا محبهم ... أو قطعوا لهم هم
يا أرض سلع أخبري ... وحدثيني عنهم
تبكيهم أرضى منى ... وتشتكيهم زمزم
يا ليت شعري إذ غوا ... أأنجدوا أم اتهموا
ما ضرهم حين سروا ... لو وقفوا فسلّموا
أبدان المحبين عندكم وقلوبهم عند الحبيب، طرق طارق باب أبي يزيد فقال: ها هنا أبو يزيد؟ فصاح من داخل الدار: أبو يزيد يطلب أبا يزيد فما يجده.
للمهيار:
وبجرعاءِ الحمى قلبي فعج ... بالحمى واقرأ على قلبي السلاما
وترجّلْ وتحدّثْ عجَباً ... أن قلباً سار عن جسمٍ أقاما
قل لجيران الغضا آهٍ على ... طيب عيشٍ بالغضا لو كان داما
حملوا ريحَ الصبا نشركُمُ ... قبلَ أن تحملَ شيحاً وتماما
وابعثوا لي بالكرى طيفكم ... إن أذنتم لعيوني أن تناما
بلغت بالقوم المحبة إلى استحلاء البلى، فوجدوا في التعذيب عذوبة لعلمهم أنه مراد الحبيب.
إرضاء أسخط أو أرضي تلونه ... وكل ما يفعل المحبوب محبوب
ضنى سويد بن مثعبة، على فراشه، فكان يقول: والله ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.
تعجبوا من تمني القلب مؤلمه ... وما دروا أنه خلوٌ من الألم
أمر الحجاج بصلب ما هان العابد، فرفع على خشبة وهو يسبح ويهلل ويعقد بيده حتى بلغ تسعاً وعشرين فبقي شهراً بعد موته، ويده على ذلك العقد مضمومة.
لتحشرن عظامي بعد ما بليت ... يوم الحساب وفيها حبكم علق
مروا على مجذوم قد مزقه الجذام، فقالوا له: لو تداويت، فقال: لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلا حباً.
إن كان جيرانُ الغضى ... رضوا بقتلي فرضا
والله لا كنت لما ... يهوى الحبيب مبغضا
صرت لهم عبداً وما ... للعبد أن يعترضا
هم قلّبوا قلبي من ... الشوق على جمر الغضا
يا ليت أيام الحمى ... يعود منها ما مضى
من لمريض لا يرى ... إلا الطبيب الممرضا
كان الشبلي يقول: أحبك الناس لنعمائك وأنا أحبك لبلائك.
للمهيار:
تغنَّ بالجرعاء يا سائقها ... فإن ونت شيئاً فزدها الأبرقا
واغنَ عن السياطِ في أرجوزة ... بحاجرٍ ترَ السهامَ المُرقا
واستقبال الريح الصبا بخُطمها ... تجدْ سُرى ما وجدتْ منتسقا
إن لها عند الحمى وأهلهِ ... تعلقاً من حبها وعلقا
وكل ما تزجره حداتُها ... رعى الحمى ربُّ الغمام وسقى
حواملا منها هموماً ثقُلتْ ... وانفساً لم تبق إلا رمَقا
تحملنا وإن عرين قصَباً ... وإن دمين أذرعاً وأسوقا
دام عليها الليلُ حتى أصبحت ... تحسب فجرَ ذاتِ عرقٍ شفقا
عرِّجْ على الوادي فقل عن كبدي ... ما شئت للبان الجوى والحُرَقا
الجنة ترضى منك بالزهد، والنار تندفع عنك بترك الذنب، والمحبة لا تقع إلا بالروح.
إنّ سلطان حبه ... قال لا أقبل الرشا
ما سلك الخليل طريقاً أطيب من الفلاة التي دخلها، لما خرج من كفه المنجنيق، زيارة تسعى، فيها أقدام الرضا على أرض الشوق، شابهت ليلة " فزجني في النور، وقال ها أنت وربك " .
زرناك شوقاً ولو أن النوى بسطت ... فرش للفلا بيننا جمراً لزرناك
رآه جبريل وقد ودع بلد العادة، فظن ضعف أقدام المتوكل فعرض عليه زاد " ألك حاجة " فرده بأنفة " أما إليك فلا " قال فسل مولاك، قال: علمه بحالي يغنيني عن سؤالي.
تملكوا واحتكموا ... وصار قلبي لهم
تصرفوا في ملكهم ... فلا يقال ظلموا
إن وصلوا محبهم ... أو قطعوا لهم هم
يا أرض سلع أخبري ... وحدثيني عنهم
تبكيهم أرضى منى ... وتشتكيهم زمزم
يا ليت شعري إذ غوا ... أأنجدوا أم اتهموا
ما ضرهم حين سروا ... لو وقفوا فسلّموا
أبدان المحبين عندكم وقلوبهم عند الحبيب، طرق طارق باب أبي يزيد فقال: ها هنا أبو يزيد؟ فصاح من داخل الدار: أبو يزيد يطلب أبا يزيد فما يجده.
للمهيار:
وبجرعاءِ الحمى قلبي فعج ... بالحمى واقرأ على قلبي السلاما
وترجّلْ وتحدّثْ عجَباً ... أن قلباً سار عن جسمٍ أقاما
قل لجيران الغضا آهٍ على ... طيب عيشٍ بالغضا لو كان داما
حملوا ريحَ الصبا نشركُمُ ... قبلَ أن تحملَ شيحاً وتماما
وابعثوا لي بالكرى طيفكم ... إن أذنتم لعيوني أن تناما
بلغت بالقوم المحبة إلى استحلاء البلى، فوجدوا في التعذيب عذوبة لعلمهم أنه مراد الحبيب.
إرضاء أسخط أو أرضي تلونه ... وكل ما يفعل المحبوب محبوب
ضنى سويد بن مثعبة، على فراشه، فكان يقول: والله ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.
تعجبوا من تمني القلب مؤلمه ... وما دروا أنه خلوٌ من الألم
أمر الحجاج بصلب ما هان العابد، فرفع على خشبة وهو يسبح ويهلل ويعقد بيده حتى بلغ تسعاً وعشرين فبقي شهراً بعد موته، ويده على ذلك العقد مضمومة.
لتحشرن عظامي بعد ما بليت ... يوم الحساب وفيها حبكم علق
مروا على مجذوم قد مزقه الجذام، فقالوا له: لو تداويت، فقال: لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلا حباً.
إن كان جيرانُ الغضى ... رضوا بقتلي فرضا
والله لا كنت لما ... يهوى الحبيب مبغضا
صرت لهم عبداً وما ... للعبد أن يعترضا
هم قلّبوا قلبي من ... الشوق على جمر الغضا
يا ليت أيام الحمى ... يعود منها ما مضى
من لمريض لا يرى ... إلا الطبيب الممرضا
كان الشبلي يقول: أحبك الناس لنعمائك وأنا أحبك لبلائك.
من لقتيل الحب لو ... ردّ عليه القاتلُ
يجرحه النّبلُ ويهوى ... أن يعود النابل
قلبهم الزهد في قفر الفقر على أكف الصبر فقلع أوداج أغراضهم بسكين المسكنة، والبلاء ينادي أتصبرون؟ والعزم يجيب: لا ضير، سقاهم رحيق القرب فأورثهم حريق الحب فغابوا بالسكر عن روية النفس فعربدوا على رسم الجسم وهاموا في فلوات الوجد يستأنسون بالحمام والوحش.
يا منية القلب ما جيدي بمنعطف ... إلى سواكم ولا حبلي بمنقاد
لولا المحبة ما استعملت بارقة ... ولا سألت حمام الدوح إسعادي
ولا وقفت على الوادي أسائله ... بالدمع حتى رثى لي ساكن الوادي
الفصل السادس والثلاثون
أيها المغتر كم خدعت، ما واصل وصلها محب إلا قطعت، ولا ناولت نوالاً إلا ارتجفت، اختبأت مريرها فلما اعتقلت أسيرها جرعت، متى رأيتها قد توطنت فاعلم أنها قد أزمعت.
يا محب الدنيا الغرور اغترارا ... راكباً في طلابها الأخطارا
يبتغي وصلها فتأبى عليه ... وترى أنسه فتبدي نفارا
خابَ من يبتغي الوصال لديها ... جارةٌ لم تزل تسيء الجوارا
كم محبٍّ أرته أنساً فلما ... حاول الزور صيرته ازورارا
شيب حلو اللذات منها بمر ... إن حلت مرة أمرت مرارا
في اكتساب الحلال منها حساب ... واكتساب الحرام يصلي النارا
ولباغي الأوطار منها عناءٌ ... سوف يقضي وما قضى الأوطارا
كل لذاتها منغصة العيش ... وأرباحها تعود خسارا
وليالي الهموم فيها طوال ... وليالي السرور تمضي قصارا
وكفى أنها تظن وإن جادت ... بنزر أفنت به الأعمارا
وإذا ما سقت خمور الأماني ... صيرت بعدها المنايا خمارا
كم مليك مسلط ذللته ... بعد عز فما أطاق انتصارا
ونعيم قد أعقبته ببوس ... ومغان قد غادرتها قفارا
أيها المستعير منها متاعاً ... عن قليل تسترجع المستعارا
عد عن وصل من يعيرك ما ... يفنى ويبقى إثماً ويكسب عارا
قد أرتك الأمثال في سالف الد ... هر وما قدراتك فيك اعتبارا
وجدير بالعذر من قدم الأ ... عذار فيما جناه والإنذارا
فتعوض منها بخلة صدق ... والتمس غير هذه الدار دارا
والبدار البدار بالعمل الصا ... لح ما دمت تستطيع البدارا
إلى متى في طلبها؟، إلى كم الاغترار بها؟، تدور البلاد منشداً ضالة المنى، وتلك ضالة لا توجد أبداً، فسيقتلك الحرص غريباً ولكن لا في فيافي " فيا طوبى للغرباء " .
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لدي ولا أهل
ولا أحد أفضى إليه وصيتي ... ولا وارث إلا المطية والرحل
أيها المتعب نفسه في جمع المال، عقاب الوارث على مرقب الانتظار، أفهمت أم أشرح لك؟، العقاب لا تعاني الصيد وإنما تكون على موضع عال، فأي طائر صاد صيداً انقضت عليه فإذا رآها هرب وترك الصيد، ومالك تجمع مالك؟ ومالك منه إلا ما تخلف، والزمان يشتك للذهاب وأنت للإذهاب تؤلف، المال إذا وصل إلى الكرام عابر سبيل وإكرام عابر السبيل تجهيزه للرحيل، جسم البخيل كله يعرق إلا اليد كفه مكفوفة ما ينفق منها خرزة.
تحلى بأسماء الشهور فكفه ... جمادى وما ضمت عليه المحرم
يا فرعوني الكبر تفرح بمال سيسلب منك، فتستعير كلمة " أليس لي " يا نمروذي الجهل، تشد أطناب الحيل على الدنيا في أرجل نسور الأمل ثم ترمي نشاب الأغراض، إن وقف لك غرض فتستغيث الأكوان من يدك " وإن كان مكرهم " من فهم علم التوحيد، تجرد للواحد بقطع العلائق، أما ترى كلمتي الشهادة مجردة عن نقط. إذا أعرضت عن الدنيا أقبلت إليك الآخرة، من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، عقر سليمان الخيل " فسخّرنا لهُ الريحَ " ، لما عقدت الخنصر على التوحيد ميزت على باقي الأصابع بالخاتم.
يجرحه النّبلُ ويهوى ... أن يعود النابل
قلبهم الزهد في قفر الفقر على أكف الصبر فقلع أوداج أغراضهم بسكين المسكنة، والبلاء ينادي أتصبرون؟ والعزم يجيب: لا ضير، سقاهم رحيق القرب فأورثهم حريق الحب فغابوا بالسكر عن روية النفس فعربدوا على رسم الجسم وهاموا في فلوات الوجد يستأنسون بالحمام والوحش.
يا منية القلب ما جيدي بمنعطف ... إلى سواكم ولا حبلي بمنقاد
لولا المحبة ما استعملت بارقة ... ولا سألت حمام الدوح إسعادي
ولا وقفت على الوادي أسائله ... بالدمع حتى رثى لي ساكن الوادي
الفصل السادس والثلاثون
أيها المغتر كم خدعت، ما واصل وصلها محب إلا قطعت، ولا ناولت نوالاً إلا ارتجفت، اختبأت مريرها فلما اعتقلت أسيرها جرعت، متى رأيتها قد توطنت فاعلم أنها قد أزمعت.
يا محب الدنيا الغرور اغترارا ... راكباً في طلابها الأخطارا
يبتغي وصلها فتأبى عليه ... وترى أنسه فتبدي نفارا
خابَ من يبتغي الوصال لديها ... جارةٌ لم تزل تسيء الجوارا
كم محبٍّ أرته أنساً فلما ... حاول الزور صيرته ازورارا
شيب حلو اللذات منها بمر ... إن حلت مرة أمرت مرارا
في اكتساب الحلال منها حساب ... واكتساب الحرام يصلي النارا
ولباغي الأوطار منها عناءٌ ... سوف يقضي وما قضى الأوطارا
كل لذاتها منغصة العيش ... وأرباحها تعود خسارا
وليالي الهموم فيها طوال ... وليالي السرور تمضي قصارا
وكفى أنها تظن وإن جادت ... بنزر أفنت به الأعمارا
وإذا ما سقت خمور الأماني ... صيرت بعدها المنايا خمارا
كم مليك مسلط ذللته ... بعد عز فما أطاق انتصارا
ونعيم قد أعقبته ببوس ... ومغان قد غادرتها قفارا
أيها المستعير منها متاعاً ... عن قليل تسترجع المستعارا
عد عن وصل من يعيرك ما ... يفنى ويبقى إثماً ويكسب عارا
قد أرتك الأمثال في سالف الد ... هر وما قدراتك فيك اعتبارا
وجدير بالعذر من قدم الأ ... عذار فيما جناه والإنذارا
فتعوض منها بخلة صدق ... والتمس غير هذه الدار دارا
والبدار البدار بالعمل الصا ... لح ما دمت تستطيع البدارا
إلى متى في طلبها؟، إلى كم الاغترار بها؟، تدور البلاد منشداً ضالة المنى، وتلك ضالة لا توجد أبداً، فسيقتلك الحرص غريباً ولكن لا في فيافي " فيا طوبى للغرباء " .
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لدي ولا أهل
ولا أحد أفضى إليه وصيتي ... ولا وارث إلا المطية والرحل
أيها المتعب نفسه في جمع المال، عقاب الوارث على مرقب الانتظار، أفهمت أم أشرح لك؟، العقاب لا تعاني الصيد وإنما تكون على موضع عال، فأي طائر صاد صيداً انقضت عليه فإذا رآها هرب وترك الصيد، ومالك تجمع مالك؟ ومالك منه إلا ما تخلف، والزمان يشتك للذهاب وأنت للإذهاب تؤلف، المال إذا وصل إلى الكرام عابر سبيل وإكرام عابر السبيل تجهيزه للرحيل، جسم البخيل كله يعرق إلا اليد كفه مكفوفة ما ينفق منها خرزة.
تحلى بأسماء الشهور فكفه ... جمادى وما ضمت عليه المحرم
يا فرعوني الكبر تفرح بمال سيسلب منك، فتستعير كلمة " أليس لي " يا نمروذي الجهل، تشد أطناب الحيل على الدنيا في أرجل نسور الأمل ثم ترمي نشاب الأغراض، إن وقف لك غرض فتستغيث الأكوان من يدك " وإن كان مكرهم " من فهم علم التوحيد، تجرد للواحد بقطع العلائق، أما ترى كلمتي الشهادة مجردة عن نقط. إذا أعرضت عن الدنيا أقبلت إليك الآخرة، من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، عقر سليمان الخيل " فسخّرنا لهُ الريحَ " ، لما عقدت الخنصر على التوحيد ميزت على باقي الأصابع بالخاتم.
يا أطفال التوبة ما أنكر حنينكم إلى الرضاع، ولكن ذوقوا مطاعم الرجال وقد نسيتم شرب اللبن، إذا تحصن الهوى بقلعة الطبع فانصبوا مجانيق العزائم وقد انهدم السور، أنتم تخرجون لقتل سبع ما أذاكم. ليقال عن أحدكم ما أجلده، فكيف تتركون سبع الهوى وقد أغار على سرح القلوب؟ إنما تتحف الملوك بالباكورة. فافهموا يا صبيان التوبة إذا أهديتم فالرطب لا الحشف. يا أطيار الشباب، إما عبادان التعبد وإلا استفراخ العلم وإلا فالذبح، تريدون نيل الشهوات وحصول المراتب، والجمع بين الأضداد لا يمكن.
هواك نجد وهواي الشام ... وذا وذا يا مي لا يلتام.
ما زلت أعالج مسمار الهوى. في قلب العاصي، أميل به تارة إلى جانب التخويف، وتارة إلى ناحية التشويق، فلما ضعف الماسك بإزعاجي له، اتسع عليه المجال فجذبته، أنفت لصبي اللعب من بيع جوهر العمر النفيس بصدف الهوى، فشددت عليه في الحجر ليعلم بعد البلوغ " أنِّي لمْ أَخُنْهُ بالغيب " .
الفصل السابع والثلاثون
أخواني! جدوا فقد سبقتكم، واستعدوا فقد لحقتم، وانظروا بماذا من الهوى علقتم؟، ولا تغفلوا عما له خلقتم، ذهبت الأيام وما أطعتم، وكتبت الآثام وما أصغيتم، وكأنكم بالصادقين قد وصلوا وانقطعتم، أهذا التوبيخ لغيركم أو ما قد سمعتم؟ لصردر:
ما ضاع من أيامنا هل يُغرمُ ... هيهات والأزمان كيف تقوم
يومٌ بأرواحٍ يباع ويشترى ... وأخوه ليس يُسامُ فيه درهمُ
لي وقفة في الدار لا رجعت بما ... أهوى ولا يأسي عليها يُقدِمُ
وكفاك أني للنوائب عاتبٌ ... ولصُمِّ أحجار الديار أكلم
ومن البلادة في الصبابة أنني ... مستخبرٌ عنهن من لا يفهم
وإذا البليغ شكا إليه بثه ... عبثاً فما بال المطايا تُرزِمُ
كل كنى عن شوقه بلغاته ... ولربما أبكى الفصيحَ الأعجمُ
نرجو سلوكاً في رسومٍ بينها ... الأغصان سكر، والحمام متيمُ
هذي تميل إذا تنسمت الصبا ... والوُرق تذكر إلفَها فترَنَّمُ
آهٍ على زمانٍ فاتن وعلى قلب حي مات، كيف الطمع فيما مضى؟ هيهات، رداً على ليالي التي سلفت أين الزمان الذي بان؟ أتراه بان، أين القلب الصافي؟ كان وكان.
سقياً لمنزلة الحمى وكثيبها ... إذ لا أرى زمناً كأزماني بها
ما أعرف اللذات إلا ذاكراً ... هيهات قد خلفت أوقاتي بها
يا من كان له قلب فانقلب، قيام السحر يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك.
أين أيامك والدهر ربيع ... والنوى معزولة والقرب وال
يا من كان قريباً فطرد، يا من كان مشاهداً فحجب، يا عزيزي ما ألفت الشقاء، فكيف تصبر؟ أصعب الفقر ما كان بعد الغنى. وأوحش الذل ما كان بعد العز وأشدهما على الكبر. يا هذا بت بيت الأحزان من قبل البيات، وثب إلى المثيب وثبة ثبات، ولا تجاوز الجناب ودر حول الدار، واستقبل قبلة التضرع وقل في الأسحار:
قد قلق الحب وطال الكرى ... وأظلم الجو وضاق الفضا
لا يعطش الزرع الذي نبته ... بصوت أنعامك قد روّضا
إن كان لي ذنب تجرمته ... فاستأنف العفو وهب ما مضى
لا تبر عوداً أنت ريشته ... حاشى لباني المجد أن ينقضا
كيف لا أبكي لأعراض من ... أعرض عني الدهر إذ عرضا
قد كنت أرجوه لنيل المنى ... فاليوم لا أطلب إلا الرضا
يا من فقد قلبه وعدم التحيل في طلبه، تنفس من كرب الوجد فبريد اللطف يحمل الملطفات، ريح الأسحار ركابي الرسائل، ونسيم الفجر ترجمان الجواب.
للمهيار:
فيا ريح الصبا اقترحي ... على الأحشاء واحتكمي
أراك نسمتِ تختبرين ... ما عهدي وما ذممي
فهذي في يدي كبدي ... وذا في وجنتي دمي
سلامٌ كلما ذُكرتْ ... ليالينا بذي سلَم
هواك نجد وهواي الشام ... وذا وذا يا مي لا يلتام.
ما زلت أعالج مسمار الهوى. في قلب العاصي، أميل به تارة إلى جانب التخويف، وتارة إلى ناحية التشويق، فلما ضعف الماسك بإزعاجي له، اتسع عليه المجال فجذبته، أنفت لصبي اللعب من بيع جوهر العمر النفيس بصدف الهوى، فشددت عليه في الحجر ليعلم بعد البلوغ " أنِّي لمْ أَخُنْهُ بالغيب " .
الفصل السابع والثلاثون
أخواني! جدوا فقد سبقتكم، واستعدوا فقد لحقتم، وانظروا بماذا من الهوى علقتم؟، ولا تغفلوا عما له خلقتم، ذهبت الأيام وما أطعتم، وكتبت الآثام وما أصغيتم، وكأنكم بالصادقين قد وصلوا وانقطعتم، أهذا التوبيخ لغيركم أو ما قد سمعتم؟ لصردر:
ما ضاع من أيامنا هل يُغرمُ ... هيهات والأزمان كيف تقوم
يومٌ بأرواحٍ يباع ويشترى ... وأخوه ليس يُسامُ فيه درهمُ
لي وقفة في الدار لا رجعت بما ... أهوى ولا يأسي عليها يُقدِمُ
وكفاك أني للنوائب عاتبٌ ... ولصُمِّ أحجار الديار أكلم
ومن البلادة في الصبابة أنني ... مستخبرٌ عنهن من لا يفهم
وإذا البليغ شكا إليه بثه ... عبثاً فما بال المطايا تُرزِمُ
كل كنى عن شوقه بلغاته ... ولربما أبكى الفصيحَ الأعجمُ
نرجو سلوكاً في رسومٍ بينها ... الأغصان سكر، والحمام متيمُ
هذي تميل إذا تنسمت الصبا ... والوُرق تذكر إلفَها فترَنَّمُ
آهٍ على زمانٍ فاتن وعلى قلب حي مات، كيف الطمع فيما مضى؟ هيهات، رداً على ليالي التي سلفت أين الزمان الذي بان؟ أتراه بان، أين القلب الصافي؟ كان وكان.
سقياً لمنزلة الحمى وكثيبها ... إذ لا أرى زمناً كأزماني بها
ما أعرف اللذات إلا ذاكراً ... هيهات قد خلفت أوقاتي بها
يا من كان له قلب فانقلب، قيام السحر يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك.
أين أيامك والدهر ربيع ... والنوى معزولة والقرب وال
يا من كان قريباً فطرد، يا من كان مشاهداً فحجب، يا عزيزي ما ألفت الشقاء، فكيف تصبر؟ أصعب الفقر ما كان بعد الغنى. وأوحش الذل ما كان بعد العز وأشدهما على الكبر. يا هذا بت بيت الأحزان من قبل البيات، وثب إلى المثيب وثبة ثبات، ولا تجاوز الجناب ودر حول الدار، واستقبل قبلة التضرع وقل في الأسحار:
قد قلق الحب وطال الكرى ... وأظلم الجو وضاق الفضا
لا يعطش الزرع الذي نبته ... بصوت أنعامك قد روّضا
إن كان لي ذنب تجرمته ... فاستأنف العفو وهب ما مضى
لا تبر عوداً أنت ريشته ... حاشى لباني المجد أن ينقضا
كيف لا أبكي لأعراض من ... أعرض عني الدهر إذ عرضا
قد كنت أرجوه لنيل المنى ... فاليوم لا أطلب إلا الرضا
يا من فقد قلبه وعدم التحيل في طلبه، تنفس من كرب الوجد فبريد اللطف يحمل الملطفات، ريح الأسحار ركابي الرسائل، ونسيم الفجر ترجمان الجواب.
للمهيار:
فيا ريح الصبا اقترحي ... على الأحشاء واحتكمي
أراك نسمتِ تختبرين ... ما عهدي وما ذممي
فهذي في يدي كبدي ... وذا في وجنتي دمي
سلامٌ كلما ذُكرتْ ... ليالينا بذي سلَم
أخواني، صعداء الأنفاس واصل لا يمنع، لسان الدمع أفصح من لسان الشكوى، شجو التائب يطرب سمع الرضا، حزن النادم يسر قلب التعبد، قلق المسكين محبوب الرحمة، آسى من أسا فرح العفو، بكاء المفرط يضحك سن القبول، دمع المحزون مخزون لخزانة الخاص، ريح نفس آسف أطيب من ند ند، قطرة من الدمع على الخد أنفع من ألف مطرة على الأرض:
ضمنت حالي للقصة ورفعتها ... فآتاني التوقيع يشرح حاله
فأتيت ديوان الهوى فلكثرة ... العشاق لم ينهي لي إيصاله
حتى إذا أوصلتها نظروا إلى ... شخص تبقى للعيون خياله
قلت ارحموا هذا الفقير فإنه ... من حين هجركم تمزق حاله
يا دائرة الشقاء أين أوّلك؟ يا أرض التيه متى آخرك؟ يا أيوب البلاء إلى كم على الكناسة؟ متى ينسخ الزمن؟ زمن " اركض " :
سمعت حمامة هتفت بليل ... وقد حنّتْ إلى ألف بعيد
فأزعجت القلوب وأقلقتها ... فما زلنا نقول لها أعيدي
أرى ماءً وبي عطشٌ شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
تعلق بالليل فهو شفيع مشفع، تمسك بالبكاء فهو رفيق صالح، ادخل في زمرة المتهجدين على وجه التطفل في فلوات الخلوات بلسان التذلل:
يا راحم عبرة المسيء المحزون ... دمعي مبذول وحزن قلبي مخزون
شوقي يسعى إليك والصبر حرون ... من تهجره أنت ترى كيف يكون
أبواب الملوك لا تطرق بالأيدي ولا بالحجارة بل بنفس محتاج: للمهيار:
آه والشوق ما تأوهت منه ... لليالٍ بالسفح لو عُدْنَ أخرى
قلِّبوا ذلك الرماد تُصيبوا ... فيه قلبي إن لم تصيبوا الجمرا
يا هذا، إذا رأيت نفسك متخيلة لا مع المحبين ولا مع التائبين فابسط رماد الأسف واجلس مع رفيق اللهف وابعث رسالة القلق مع بريد الصعداء لعله يأتي بالجواب بكشف الجوى:
ولي زفرات لو ظهرنَ قتلتني ... لشوق لييلاتي التي قد تولت
إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى مثل تيك أظلمت
حلفت لهم بالله ما أم واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنت
وما وجدا عرابية قد. فت بها ... صروف النوى من حيث لم تك ظنت
تمنت أحاليب الرعاء وخيمة ... بنجد فلم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه ... وبرد حصاه آخر الليل حنت
لها أنة وقت العشاء وأنة ... سحيراً فلو لا انتاها لجنت
بأكثر مني لوعة غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنت
نيران الخوف في قلوب التائبين ما تخبو، وقلق المذنبين مما جنوا لا يسكن، وضجيج المحبين في جيوش الشوق ما يفتر:
واهاً لزماننا الذي كان صفا ... أبكي مرضي وليس لي منه شفا
ذابت روحي وما أرى غير جفا ... هذا رمقي تسلموه بوفا
الفصل الثامن والثلاثون
ألا يعتبر المقيم منكم بمن رحل؟ ألا يندم من يعلم عواقب الكسل؟ آه لغافل كلما جد الموت هزل، ولعاقل كلما صعد العمر نزل.
أعد على فكرك أسلاف الأمم ... وقفْ على ما في القبور من رمم
وناديهم أين القوي منكم ... القاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاصلت أوصالهم فوق الثرى ... ثم تساوت تحته كلُّ قدم
قبرُ البخيل والكريم واحدٌ ... ما نفع البخل ولا ضر الكرم
واعجباً لغافل أمامه ... هجوم ما لا يتقي إذا هجم
إذا تخطاه على عهد الصبي ... أو الشباب لم يفته في الهرم
أما كفى الإنسان موتُ بعضه ... وهو المشيب المستطير في اللمم
أي خليلين أقاما أبداً ... ما افترقا وأي حبل ما انصرم
إن النجوم الدائرات أبداً ... تضحك من مبتسم إذا ابتسم
أخواني، بادروا آجالكم، وحاذروا آمالكم، آمالكم عبرة فيمن مضى؟ آمالكم، ما هذا الغرور الذي قد أمالكم؟ ستتركون على رغم آمالكم مالكم.
ضمنت حالي للقصة ورفعتها ... فآتاني التوقيع يشرح حاله
فأتيت ديوان الهوى فلكثرة ... العشاق لم ينهي لي إيصاله
حتى إذا أوصلتها نظروا إلى ... شخص تبقى للعيون خياله
قلت ارحموا هذا الفقير فإنه ... من حين هجركم تمزق حاله
يا دائرة الشقاء أين أوّلك؟ يا أرض التيه متى آخرك؟ يا أيوب البلاء إلى كم على الكناسة؟ متى ينسخ الزمن؟ زمن " اركض " :
سمعت حمامة هتفت بليل ... وقد حنّتْ إلى ألف بعيد
فأزعجت القلوب وأقلقتها ... فما زلنا نقول لها أعيدي
أرى ماءً وبي عطشٌ شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
تعلق بالليل فهو شفيع مشفع، تمسك بالبكاء فهو رفيق صالح، ادخل في زمرة المتهجدين على وجه التطفل في فلوات الخلوات بلسان التذلل:
يا راحم عبرة المسيء المحزون ... دمعي مبذول وحزن قلبي مخزون
شوقي يسعى إليك والصبر حرون ... من تهجره أنت ترى كيف يكون
أبواب الملوك لا تطرق بالأيدي ولا بالحجارة بل بنفس محتاج: للمهيار:
آه والشوق ما تأوهت منه ... لليالٍ بالسفح لو عُدْنَ أخرى
قلِّبوا ذلك الرماد تُصيبوا ... فيه قلبي إن لم تصيبوا الجمرا
يا هذا، إذا رأيت نفسك متخيلة لا مع المحبين ولا مع التائبين فابسط رماد الأسف واجلس مع رفيق اللهف وابعث رسالة القلق مع بريد الصعداء لعله يأتي بالجواب بكشف الجوى:
ولي زفرات لو ظهرنَ قتلتني ... لشوق لييلاتي التي قد تولت
إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى مثل تيك أظلمت
حلفت لهم بالله ما أم واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنت
وما وجدا عرابية قد. فت بها ... صروف النوى من حيث لم تك ظنت
تمنت أحاليب الرعاء وخيمة ... بنجد فلم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه ... وبرد حصاه آخر الليل حنت
لها أنة وقت العشاء وأنة ... سحيراً فلو لا انتاها لجنت
بأكثر مني لوعة غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنت
نيران الخوف في قلوب التائبين ما تخبو، وقلق المذنبين مما جنوا لا يسكن، وضجيج المحبين في جيوش الشوق ما يفتر:
واهاً لزماننا الذي كان صفا ... أبكي مرضي وليس لي منه شفا
ذابت روحي وما أرى غير جفا ... هذا رمقي تسلموه بوفا
الفصل الثامن والثلاثون
ألا يعتبر المقيم منكم بمن رحل؟ ألا يندم من يعلم عواقب الكسل؟ آه لغافل كلما جد الموت هزل، ولعاقل كلما صعد العمر نزل.
أعد على فكرك أسلاف الأمم ... وقفْ على ما في القبور من رمم
وناديهم أين القوي منكم ... القاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاصلت أوصالهم فوق الثرى ... ثم تساوت تحته كلُّ قدم
قبرُ البخيل والكريم واحدٌ ... ما نفع البخل ولا ضر الكرم
واعجباً لغافل أمامه ... هجوم ما لا يتقي إذا هجم
إذا تخطاه على عهد الصبي ... أو الشباب لم يفته في الهرم
أما كفى الإنسان موتُ بعضه ... وهو المشيب المستطير في اللمم
أي خليلين أقاما أبداً ... ما افترقا وأي حبل ما انصرم
إن النجوم الدائرات أبداً ... تضحك من مبتسم إذا ابتسم
أخواني، بادروا آجالكم، وحاذروا آمالكم، آمالكم عبرة فيمن مضى؟ آمالكم، ما هذا الغرور الذي قد أمالكم؟ ستتركون على رغم آمالكم مالكم.
أخواني، صدقتم الأمل فكذبكم، وأطعتم الهوى فعذبكم، أما أنذركم السقم بعد الصحة، والترحة بعد الفرحة، في كل يوم يموت من أشباحكم ما يكفي في نعي أرواحكم، ويحل بعقوقكم وفنائكم ما يخبركم عن شتاتكم وفنائكم، فخذوا حذركم قبل النوائب، فقد أتيتم من كل جانب، وتذكروا سهر أهل النار في النار، واحذروا فوت دار الأبرار، وتخوفوا يوم الفصل بين الفريقين أن يصيبكم من البين البين.
أخواني، أبصاركم قوية وبصائركم ضعيفة، ومن ترائى هواه توارى عنه عقله، سحبان من ظهر لخلقه بخلقه، غير أن عالم الحس لا يرونه، أما قلبك من نطفة إلى علقة وأنت كالجماد، كلما نفخ فيك الروح بعث الزاد بساق إليك من دم الأم فتتناوله باجتذاب السرة، إذ لو طرق الحلقوم تلفت، فلما خرجت إلى فلاة الدنيا رأيت أدواتي الثديين معلقتين لشربك، وكانت عمور الأسنان تكفي في اجتذاب المشروب، فكلما اعتصرته خرج مغربلاً لئلا يقع شرق، فلما قويت المعا وافتقرت إلى غذاء فيه صلابة أنبت الأسنان لتقطع والأضراس لتطحن ومن العجائب، أنه أخرجت غبياً لا تعلم شيئاً، فلو أخرجك عاقلاً لرأيت من أطم المصائب تقلبك في الخرق والمصائب، ثم جعل بكاءك حينئذٍ متقاضياً بالمصالح وبث القوى في باطنك فقوة تطلب الغذاء وثانية تجتذبه إلى الكبد وثالثة تمسكه لها حتى تطبخه فيصير دماً، ورابعة تهضمه، وخامسة تفرق بين صفوه وكدره وسادسة تتولى قسمته، فلو بعثت إلى الخد، ما تبعث إلى الكخذ صار بمقداره، وسابعة تدفع ثقله.
أفيحسن بعد تفرقة الجامكية على العسكر، أن يثبوا في المخالفة للمنعم؟ ثم انظر إلى هذا الهواء الذي قد ملئ به الفضاء كيف تنتصب منه النفس إلى النفس؟ ثم هو للأصوات من حيث المعنى كالقرطاس، يرقم فيه الحوائج ثم يمتحي فيعود نقياً، فأقوام يرقمون فيه الذكر والتسبيح، وآخرون يرقمون كل قبيح، وكم بين من يرقم تلاوة القرآن، وبين من يرقم أصوات العيدان؟ ثم تأمل آلات الأصوات، ترى الرئة كالرق، والحنجرة كالأنبوب، فإذا ظهر الصفر أخذ اللسان والشفتان في صناعته ألحاناً، فهو كالأصابع المختلفة على فم المزمار.
ثم تأمل الأرض، كيف مدها بساطاً وأمسكها عن الاضطراب لتصح للسكنى، ثم يزلزلها في وقت ليفطن الساكن بقدرة المزعج، وجعل فيها نوع رخاوة ليقبل الحفر والزرع، ورفع جانب السماء لينحدر الماء، وفرق المياه بين الجزائر ليرطب الهواء، وأودع المعادن كما تودع الحاجات في الخزائن، ولما بث الطير صان عنها السنبل، لأنه قوتك بقشور صلبة قايمات كالإبر لئلا تستفه فتموت بشماء، فيفوت الحظان، ثم تأمل الرماية كيف حشيت بالشحم بين الحب، ليكون غذاءاً لها إلى وقت عود المثل، ثم جعل كل حشوتين لفافة لئلا يتصاك فيجري الماء، ثم جاء بالشمس سراجاً ومنضجاً للثمر تجري لتعمر الأماكن ثم تغيب ليسكن الحيوان، ولما كانت الحوائج قد تعرض بالليل جعل في القمر خلفاً ولم يجعل طلوعه في الليل دائماً، لئلا تنبسط الناس في أعمالهم كانبساطهم بالنهار، فيؤذي الحريص كلاله، ولما قدر غيبة القمر في بعض الليل جعل أنوار الكواكب كشعل النار في أيدي المقتبسين، ولما كانت حاجة الخلق إلى النار ضرورية أنشأها وجعلها كالمخزون، تستنهض وقت الحاجة فتمسك بالمادة، قدر مراد الممسك، ثم انظر إلى الطائر، لما كان يختلس قوته خوف اصطياده، صلب منقاره لئلا ينسحج من الالتقاط لأن زامن الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعل له حوصلة يجمع فيها الحب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له أفراخ أسهمهم من الحاصل في الحوصلة قبل النقل، فإن لم يكن له حنة على أفراخه أغنوا عنه باستقلالهم من حين انشقاق البيضة كالفراريج.
واعجباً كيف يُعصى من هذه نعمه، وكيف لا تموت النفس حباً لمن هذه حكمه، إن دنت همتك فخف من عقوبته، وإن علت قليلاً فارغب في معاملته، وإن تناهت فتعلق بمحبته، على قدر أهل العزم تأتي العزائم، إن قصرت همتك فآثرت قطع الشوك صحبك حمار، وإن رضيت سياسة الدواب رفقك بغل، وإن سددت بعض الثغور أعطيت فرساً، فإن كنت تحسن السباق كان عربياً، فإن عزمت على الحج ركبت جملاً، وإن شمخت همتك إلى الملك فالفيل مركب الملوك.
رأيت عليات الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
أخواني، أبصاركم قوية وبصائركم ضعيفة، ومن ترائى هواه توارى عنه عقله، سحبان من ظهر لخلقه بخلقه، غير أن عالم الحس لا يرونه، أما قلبك من نطفة إلى علقة وأنت كالجماد، كلما نفخ فيك الروح بعث الزاد بساق إليك من دم الأم فتتناوله باجتذاب السرة، إذ لو طرق الحلقوم تلفت، فلما خرجت إلى فلاة الدنيا رأيت أدواتي الثديين معلقتين لشربك، وكانت عمور الأسنان تكفي في اجتذاب المشروب، فكلما اعتصرته خرج مغربلاً لئلا يقع شرق، فلما قويت المعا وافتقرت إلى غذاء فيه صلابة أنبت الأسنان لتقطع والأضراس لتطحن ومن العجائب، أنه أخرجت غبياً لا تعلم شيئاً، فلو أخرجك عاقلاً لرأيت من أطم المصائب تقلبك في الخرق والمصائب، ثم جعل بكاءك حينئذٍ متقاضياً بالمصالح وبث القوى في باطنك فقوة تطلب الغذاء وثانية تجتذبه إلى الكبد وثالثة تمسكه لها حتى تطبخه فيصير دماً، ورابعة تهضمه، وخامسة تفرق بين صفوه وكدره وسادسة تتولى قسمته، فلو بعثت إلى الخد، ما تبعث إلى الكخذ صار بمقداره، وسابعة تدفع ثقله.
أفيحسن بعد تفرقة الجامكية على العسكر، أن يثبوا في المخالفة للمنعم؟ ثم انظر إلى هذا الهواء الذي قد ملئ به الفضاء كيف تنتصب منه النفس إلى النفس؟ ثم هو للأصوات من حيث المعنى كالقرطاس، يرقم فيه الحوائج ثم يمتحي فيعود نقياً، فأقوام يرقمون فيه الذكر والتسبيح، وآخرون يرقمون كل قبيح، وكم بين من يرقم تلاوة القرآن، وبين من يرقم أصوات العيدان؟ ثم تأمل آلات الأصوات، ترى الرئة كالرق، والحنجرة كالأنبوب، فإذا ظهر الصفر أخذ اللسان والشفتان في صناعته ألحاناً، فهو كالأصابع المختلفة على فم المزمار.
ثم تأمل الأرض، كيف مدها بساطاً وأمسكها عن الاضطراب لتصح للسكنى، ثم يزلزلها في وقت ليفطن الساكن بقدرة المزعج، وجعل فيها نوع رخاوة ليقبل الحفر والزرع، ورفع جانب السماء لينحدر الماء، وفرق المياه بين الجزائر ليرطب الهواء، وأودع المعادن كما تودع الحاجات في الخزائن، ولما بث الطير صان عنها السنبل، لأنه قوتك بقشور صلبة قايمات كالإبر لئلا تستفه فتموت بشماء، فيفوت الحظان، ثم تأمل الرماية كيف حشيت بالشحم بين الحب، ليكون غذاءاً لها إلى وقت عود المثل، ثم جعل كل حشوتين لفافة لئلا يتصاك فيجري الماء، ثم جاء بالشمس سراجاً ومنضجاً للثمر تجري لتعمر الأماكن ثم تغيب ليسكن الحيوان، ولما كانت الحوائج قد تعرض بالليل جعل في القمر خلفاً ولم يجعل طلوعه في الليل دائماً، لئلا تنبسط الناس في أعمالهم كانبساطهم بالنهار، فيؤذي الحريص كلاله، ولما قدر غيبة القمر في بعض الليل جعل أنوار الكواكب كشعل النار في أيدي المقتبسين، ولما كانت حاجة الخلق إلى النار ضرورية أنشأها وجعلها كالمخزون، تستنهض وقت الحاجة فتمسك بالمادة، قدر مراد الممسك، ثم انظر إلى الطائر، لما كان يختلس قوته خوف اصطياده، صلب منقاره لئلا ينسحج من الالتقاط لأن زامن الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعل له حوصلة يجمع فيها الحب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له أفراخ أسهمهم من الحاصل في الحوصلة قبل النقل، فإن لم يكن له حنة على أفراخه أغنوا عنه باستقلالهم من حين انشقاق البيضة كالفراريج.
واعجباً كيف يُعصى من هذه نعمه، وكيف لا تموت النفس حباً لمن هذه حكمه، إن دنت همتك فخف من عقوبته، وإن علت قليلاً فارغب في معاملته، وإن تناهت فتعلق بمحبته، على قدر أهل العزم تأتي العزائم، إن قصرت همتك فآثرت قطع الشوك صحبك حمار، وإن رضيت سياسة الدواب رفقك بغل، وإن سددت بعض الثغور أعطيت فرساً، فإن كنت تحسن السباق كان عربياً، فإن عزمت على الحج ركبت جملاً، وإن شمخت همتك إلى الملك فالفيل مركب الملوك.
رأيت عليات الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
ليس كل الخيل للسباق ولا كل الطيور تحمل الكتب، من الناس من تشغله في الدنيا سوداء، ومنهم من لا يلهيه في الجنة قصر، ولا يسليه عن حبيبه نهر، قوته في الدنيا الذكر وفي الآخرة النظر.
يقول أناس لو تناسى وصالها ... وواصل أخرى غيرها لسلاها
فلا نظرت عين تلذ بغيرها ... ولا بقيت نفس تحب سواها
الفصل التاسع والثلاثون
أيها الغافل في إقامته عن نقلته، الجاهل وقد ملأ بما يملي بطن صحيفته، ألك زاد لسفرك على طول مسافته؟
خف الله وانظر في صحيفتك التي ... حوت كلما قدمته من فعالكا
فقد خط فيها الكاتبان فأكثروا ... ولم يبق إلا أن يقولا فذالكا
والله ما تدري إذا ما لقيتها ... أتوضع في يمناك أو في شمالكا
فلا تحسبن المرء يبقى مخلداً ... فما الناس إلا هالك فابك هالكا
يا من تحصى عليه اللفظة والنظرة، مزق بيد الجد أثواب الفترة، وتأهب فما تدري السير عشاء أو بكرة، واعتبر بالقرباء فالعبرة تبعث العبرة، وتزود لسفرة ما مثلها سفرة، واقنع باليسير فالحساب عسير على الذرة، وإياك والحرام وانظر من أين الكسرة؟ قبل أن تلقى ساعة حسرة وتلقى بعدها في ظلمة حفرة.
لا يغرنك الزمان بيسر ... وسرور ولا يرعك بعسره
إن مر الزمان يمحق عسر المرء ... في لحظة ويذهب بسره
وسواء إذا انقضى يوم كسرى ... في نعيم ويوم صاحب كسره
أترى في عين العبرة رمد؟ أما تبصر انسلاخ الأمد؟ يا دائم المعاصي ما غيره الأبد، تصلي ولو التعود لم تكد، القلب غايب إنما جاء الجسد، الفكر يجول في طلب الدنيا من بلد إلى بلد، يا معرضاً عن بحر برناء لا تقنع بالثمد، يا مقتول الهوى ولكن بلا قود. بين الهوى والمنى، ضاع الجلد، أما يجول ذكر الموت في الخلد؟ أرأيت أحداً من قبلك خلد؟ رب يوم معدود وليس في العدد، إنما الروح عارية في هذا الجسد، هذا بحر الغرور يقذف بالزبد، كم ركبه جاهل فغرق قبل البلد، هذا سهم المنون يفري حلق الزرد، أخواني دنا الصباح فقولوا لمن رقد: أين الوجوه الصباح؟ مرت على جدد، أين الظباء الملاح؟ اغتالها الأسد، هذا هو المصير. أما يرعوي أحد؟ قال عمر بن عبد العزيز لأبي حازم: عظني، فقال: اضطجع. ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فجد فيه الآن وما تكره أن يكون فيك فدعه الآن.
أيها الطالب للدنيا وما يجد، كيف تجد الآخرة وما تطلب؟ ما مضى من الدنيا فحلم، وما بقي فأماني، سبعة يظلهم الله في ظله، منهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخشى الله.
اسمع يا من أجاب عجوزاً على مزبلة، ويحك إنها سوداء، ولكن قد غلبت عليك، عرضت على نبيينا صلى الله عليه وسلم بطحاء مكة ذهباً فأبى، يا محمد ممن تعلمت هذه القناعة؟ قال لسان حاله: من عجلة أبي، الحريص دائم السرى وما يحمد الصباح، من لا همة له سوى جمع الحطام معدود في الحشرات.
يا أطيار القلوب إلى كم في مزبلة الحبس؟ اكسري بالعزم قفص الحصر، واخرجي إلى فضاء صحراء القدس، روحي خماصاً من الهوى، تعودي بطاناً من الهدى، بين أبي الحركة وأم القصد ينتج ولد الظفر، لا ينال الجسيم بالهوينا، حمل النفس على حمل المشاق مدرجة إلى الشرف، واعجباً من توقف الكالى والدر ينثر، أشهود كغياب؟ أكانون في آب؟، الحرب خصام قائم وأنت غلام نائم، ادخل بسلامتك لابس لامتك، ليس في سلاح المحارب أحدّ من نبلة عوم، أجرأ الليوث أجرها للصيود.
ليس عزماً ما مرض العزم فيه ... ليس هما ما عاق عنه الظلام
طر بجناح الجد من وكر الكسل، تابعاً آثار الأحباب تصل.
للشريف الرضي:
تلفّت حتى لم يبِن من ديارهم ... جناب ولا من نارهن وقود
وإن التفات القلب من بعد طَرْفه ... طَوال الليالي نحوهم ليزيد
ولو قال لي الغادون: ما أنت مُشْتَهٍ ... غداةَ جزعنا الرمل قلت: أعود
أأصبر والوَعساءُ بيني وبينهم ... وأعلام خَبتٍ؟ إنني لجليد
يقول أناس لو تناسى وصالها ... وواصل أخرى غيرها لسلاها
فلا نظرت عين تلذ بغيرها ... ولا بقيت نفس تحب سواها
الفصل التاسع والثلاثون
أيها الغافل في إقامته عن نقلته، الجاهل وقد ملأ بما يملي بطن صحيفته، ألك زاد لسفرك على طول مسافته؟
خف الله وانظر في صحيفتك التي ... حوت كلما قدمته من فعالكا
فقد خط فيها الكاتبان فأكثروا ... ولم يبق إلا أن يقولا فذالكا
والله ما تدري إذا ما لقيتها ... أتوضع في يمناك أو في شمالكا
فلا تحسبن المرء يبقى مخلداً ... فما الناس إلا هالك فابك هالكا
يا من تحصى عليه اللفظة والنظرة، مزق بيد الجد أثواب الفترة، وتأهب فما تدري السير عشاء أو بكرة، واعتبر بالقرباء فالعبرة تبعث العبرة، وتزود لسفرة ما مثلها سفرة، واقنع باليسير فالحساب عسير على الذرة، وإياك والحرام وانظر من أين الكسرة؟ قبل أن تلقى ساعة حسرة وتلقى بعدها في ظلمة حفرة.
لا يغرنك الزمان بيسر ... وسرور ولا يرعك بعسره
إن مر الزمان يمحق عسر المرء ... في لحظة ويذهب بسره
وسواء إذا انقضى يوم كسرى ... في نعيم ويوم صاحب كسره
أترى في عين العبرة رمد؟ أما تبصر انسلاخ الأمد؟ يا دائم المعاصي ما غيره الأبد، تصلي ولو التعود لم تكد، القلب غايب إنما جاء الجسد، الفكر يجول في طلب الدنيا من بلد إلى بلد، يا معرضاً عن بحر برناء لا تقنع بالثمد، يا مقتول الهوى ولكن بلا قود. بين الهوى والمنى، ضاع الجلد، أما يجول ذكر الموت في الخلد؟ أرأيت أحداً من قبلك خلد؟ رب يوم معدود وليس في العدد، إنما الروح عارية في هذا الجسد، هذا بحر الغرور يقذف بالزبد، كم ركبه جاهل فغرق قبل البلد، هذا سهم المنون يفري حلق الزرد، أخواني دنا الصباح فقولوا لمن رقد: أين الوجوه الصباح؟ مرت على جدد، أين الظباء الملاح؟ اغتالها الأسد، هذا هو المصير. أما يرعوي أحد؟ قال عمر بن عبد العزيز لأبي حازم: عظني، فقال: اضطجع. ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فجد فيه الآن وما تكره أن يكون فيك فدعه الآن.
أيها الطالب للدنيا وما يجد، كيف تجد الآخرة وما تطلب؟ ما مضى من الدنيا فحلم، وما بقي فأماني، سبعة يظلهم الله في ظله، منهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخشى الله.
اسمع يا من أجاب عجوزاً على مزبلة، ويحك إنها سوداء، ولكن قد غلبت عليك، عرضت على نبيينا صلى الله عليه وسلم بطحاء مكة ذهباً فأبى، يا محمد ممن تعلمت هذه القناعة؟ قال لسان حاله: من عجلة أبي، الحريص دائم السرى وما يحمد الصباح، من لا همة له سوى جمع الحطام معدود في الحشرات.
يا أطيار القلوب إلى كم في مزبلة الحبس؟ اكسري بالعزم قفص الحصر، واخرجي إلى فضاء صحراء القدس، روحي خماصاً من الهوى، تعودي بطاناً من الهدى، بين أبي الحركة وأم القصد ينتج ولد الظفر، لا ينال الجسيم بالهوينا، حمل النفس على حمل المشاق مدرجة إلى الشرف، واعجباً من توقف الكالى والدر ينثر، أشهود كغياب؟ أكانون في آب؟، الحرب خصام قائم وأنت غلام نائم، ادخل بسلامتك لابس لامتك، ليس في سلاح المحارب أحدّ من نبلة عوم، أجرأ الليوث أجرها للصيود.
ليس عزماً ما مرض العزم فيه ... ليس هما ما عاق عنه الظلام
طر بجناح الجد من وكر الكسل، تابعاً آثار الأحباب تصل.
للشريف الرضي:
تلفّت حتى لم يبِن من ديارهم ... جناب ولا من نارهن وقود
وإن التفات القلب من بعد طَرْفه ... طَوال الليالي نحوهم ليزيد
ولو قال لي الغادون: ما أنت مُشْتَهٍ ... غداةَ جزعنا الرمل قلت: أعود
أأصبر والوَعساءُ بيني وبينهم ... وأعلام خَبتٍ؟ إنني لجليد
يا مخنث العزم أين أنت والطريق؟ سبيل نصب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار إبراهيم الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بدراهم، وذهبت من البكاء عين يعقوب، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح الحصور يحيى، وضنى بالبلاء أيوب، وزاد على المقدار موسى، وهام مع الوحوش عيسى، وعالج الفقر محمد صلى الله عليه وسلم.
فيا دارهم بالحزن أن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
أول قدم في الطريق بذل الروح، هذه الجادة فأين السالك؟ هذا قميص يوسف فأين يعقوب؟ هذا طور سينا فأين موسى؟ يا جنيد احضر، يا شبلي اسمع.
بدم المحب يباع وصلهم ... فمن الذي يبتاع بالسعر
؟؟الفصل الأربعون
أخواني، اعتبروا بالذين قطنوا وخزنوا، كيف ظعنوا وحزنوا؟ وانظروا إلى آثارهم تعلموا أنهم قد غبنوا، لاحت لهم لذات الدنيا فاغتروا وفتنوا، فما انقشعت سحاب المنى حتى ماتوا ودفنوا.
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ... وبنوا مساكنهم فما سكنوا
فكأنهم كانوا بها ظعناً ... لما استراحوا ساعة ظعنوا
يا من قد امتطى بجهله مطا المطامع، لقد ملا الوعظ، في الصباح والمساء المسامع، أين الذين بلغوا آمالهم؟ فما لهم في المنى منازع.
ما زال الموت يدور على بدور الدور حتى طوى الطوالع، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع، ولقوا والله البلا في تلك البلاقل، قال شداد بن أوس: لو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا التذوا بنوم.
وقال وهب ابن منبه: لو أن لأم عرق من عروق الميت قسم على أهل الأرض لوسعهم ألماً.
وكان عمر بن عب
فيا دارهم بالحزن أن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
أول قدم في الطريق بذل الروح، هذه الجادة فأين السالك؟ هذا قميص يوسف فأين يعقوب؟ هذا طور سينا فأين موسى؟ يا جنيد احضر، يا شبلي اسمع.
بدم المحب يباع وصلهم ... فمن الذي يبتاع بالسعر
؟؟الفصل الأربعون
أخواني، اعتبروا بالذين قطنوا وخزنوا، كيف ظعنوا وحزنوا؟ وانظروا إلى آثارهم تعلموا أنهم قد غبنوا، لاحت لهم لذات الدنيا فاغتروا وفتنوا، فما انقشعت سحاب المنى حتى ماتوا ودفنوا.
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ... وبنوا مساكنهم فما سكنوا
فكأنهم كانوا بها ظعناً ... لما استراحوا ساعة ظعنوا
يا من قد امتطى بجهله مطا المطامع، لقد ملا الوعظ، في الصباح والمساء المسامع، أين الذين بلغوا آمالهم؟ فما لهم في المنى منازع.
ما زال الموت يدور على بدور الدور حتى طوى الطوالع، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع، ولقوا والله البلا في تلك البلاقل، قال شداد بن أوس: لو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا التذوا بنوم.
وقال وهب ابن منبه: لو أن لأم عرق من عروق الميت قسم على أهل الأرض لوسعهم ألماً.
وكان عمر بن عب
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى