- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 41- 50)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:39
؟؟الفصل الحادي والأربعون
ما هذا الحب للدنيا والصبابة؟ وإنما يكفي منها صبابة، فقل للنفس الحريصة، لقد بعت الأخرى رخيصة.
يا نفس ما الدهر إلا ما علمت فكم ... ألست حدثتني أني أتوب فلم
إياك إياك من سوف فكم خدعت ... وأهلكت أمماً من قبلها وأمم
توبي يكن لك عند الله جاه تقى ... وقدمي من فعال الصالحين قدم
يا راقد للبلى حث المشيب به ... ألا فكن خائفاً لا تقعدن وقم
يا من قد أخذ الهوى بأزمته، وأمسك الردى بلمته، يا رهين ديون تعلقت في ذمته، هذا أوان جدك إن كنت مجداً، هذا زمان استعدادك إن كنت مستعداً.
للشريف الرضي:
يا نفس قد عز المرادُ فخذي ... إن كنت يوماً تأخذين أو ذَري
نُهزَةُ مجدٍ كنتُ في طِلابها ... لمثلها يَنصُفُ ساقي مئزري
عمر الفتى شبابُه وإنما ... آونةُ الشيبِ انقضاءُ العُمُر
رض مهر النفس يتأت ركوبه، أمت زئبق الطبع يمكن استعماله، تلمح فجر الأجر يهن ظلام التكليف، احذر حية الفم فإنها بتراء، إذا خرجت من شفة غدرك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها، ونسل الخصام مذموم، أوثق سبع غضبك بسلسلة حلمك، فإنه إن أفلت أتلف، متى قمت بحدة الغضب انطفى مصباح الحلم، بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ من الغرق فتحة البصر فلا يشتغل زمان الزيادة إلا بإحكام القورح.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
لو حضرت مع الأحباب الباب، لسامح الناقد ببهرجك، رحلت رفقة " تتجافى " ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان قيد الكرى حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار بباب الكوفة والأحباب قد وصلوا إلى الكعبة.
لصردر:
من يطّلع شرفاً فيعلمَ لي ... هل روح الرُعيان بالإبلِ؟
أم قعقعت عَمَدُ الخيام أم ... ارتفعت قبابهم على البُزْلِ؟
أم غرَّد الحادي بقافيةٍ ... منها غراب البين يستلمي؟
فَضَلَت دموعي عن مدى حَزَني ... فبكيتُ مَن قتل الهوى قبلي
ما مر ذو شجن يكتِّمه ... إلا أقول: متيَّم مثلي
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه، الزهاد عين العارفين، الأرواح في الأشباح كالأطيار في الأبراج، وليس ما أعد للإستفراخ كما هي للسباق، من حدق بعين الفكر إلى مطلع الهدى لاح له الهلال، كم أداوي بصر بصيرتك وما يتجلى، ما أظن الضعف إلا في الوضع، ضعف عين الخفاش في أصل الفطرة ليس برمد، وحدة ناظر الهدهد خلقة، مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة، قبل الشرايع " يكاد زيتها يضيء " وحدّ قس وما رأى الرسول، وكفر ابن أبي وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه، ولا ماء، وكم من عطشان في الموجة، إذا سبق الأنعام في القدم فذلك غنى الأبد، لما تقدم اختيار الطين المنهبط صعد على النار المرتفعة، وكانت الغلبة لآدم في حرب إبليس، فاكتفت نار جهنم بما جرى فسلمت يوم " جزيا مؤمن " سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسبق تابوته إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم، إلى امرأة خالية عن ولد، قرينان مرتعنا واحد.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت يهودي يعوده فقال له أسلم، فنظر المريض إلى أبيه فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم، فكان ذلك قريباً من نسب " سلمان منا " فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ والقدر يقول: مريضنا عندكم " كيف انصرافي ولي في داركم شغل " .
ما هذا الحب للدنيا والصبابة؟ وإنما يكفي منها صبابة، فقل للنفس الحريصة، لقد بعت الأخرى رخيصة.
يا نفس ما الدهر إلا ما علمت فكم ... ألست حدثتني أني أتوب فلم
إياك إياك من سوف فكم خدعت ... وأهلكت أمماً من قبلها وأمم
توبي يكن لك عند الله جاه تقى ... وقدمي من فعال الصالحين قدم
يا راقد للبلى حث المشيب به ... ألا فكن خائفاً لا تقعدن وقم
يا من قد أخذ الهوى بأزمته، وأمسك الردى بلمته، يا رهين ديون تعلقت في ذمته، هذا أوان جدك إن كنت مجداً، هذا زمان استعدادك إن كنت مستعداً.
للشريف الرضي:
يا نفس قد عز المرادُ فخذي ... إن كنت يوماً تأخذين أو ذَري
نُهزَةُ مجدٍ كنتُ في طِلابها ... لمثلها يَنصُفُ ساقي مئزري
عمر الفتى شبابُه وإنما ... آونةُ الشيبِ انقضاءُ العُمُر
رض مهر النفس يتأت ركوبه، أمت زئبق الطبع يمكن استعماله، تلمح فجر الأجر يهن ظلام التكليف، احذر حية الفم فإنها بتراء، إذا خرجت من شفة غدرك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها، ونسل الخصام مذموم، أوثق سبع غضبك بسلسلة حلمك، فإنه إن أفلت أتلف، متى قمت بحدة الغضب انطفى مصباح الحلم، بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ من الغرق فتحة البصر فلا يشتغل زمان الزيادة إلا بإحكام القورح.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
لو حضرت مع الأحباب الباب، لسامح الناقد ببهرجك، رحلت رفقة " تتجافى " ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان قيد الكرى حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار بباب الكوفة والأحباب قد وصلوا إلى الكعبة.
لصردر:
من يطّلع شرفاً فيعلمَ لي ... هل روح الرُعيان بالإبلِ؟
أم قعقعت عَمَدُ الخيام أم ... ارتفعت قبابهم على البُزْلِ؟
أم غرَّد الحادي بقافيةٍ ... منها غراب البين يستلمي؟
فَضَلَت دموعي عن مدى حَزَني ... فبكيتُ مَن قتل الهوى قبلي
ما مر ذو شجن يكتِّمه ... إلا أقول: متيَّم مثلي
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه، الزهاد عين العارفين، الأرواح في الأشباح كالأطيار في الأبراج، وليس ما أعد للإستفراخ كما هي للسباق، من حدق بعين الفكر إلى مطلع الهدى لاح له الهلال، كم أداوي بصر بصيرتك وما يتجلى، ما أظن الضعف إلا في الوضع، ضعف عين الخفاش في أصل الفطرة ليس برمد، وحدة ناظر الهدهد خلقة، مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة، قبل الشرايع " يكاد زيتها يضيء " وحدّ قس وما رأى الرسول، وكفر ابن أبي وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه، ولا ماء، وكم من عطشان في الموجة، إذا سبق الأنعام في القدم فذلك غنى الأبد، لما تقدم اختيار الطين المنهبط صعد على النار المرتفعة، وكانت الغلبة لآدم في حرب إبليس، فاكتفت نار جهنم بما جرى فسلمت يوم " جزيا مؤمن " سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسبق تابوته إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم، إلى امرأة خالية عن ولد، قرينان مرتعنا واحد.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت يهودي يعوده فقال له أسلم، فنظر المريض إلى أبيه فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم، فكان ذلك قريباً من نسب " سلمان منا " فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ والقدر يقول: مريضنا عندكم " كيف انصرافي ولي في داركم شغل " .
لما عم نور النبوة آفاق الهدى رآه سلمان دون العم، قويت ظلمات الشرك بمكة فتخبطت قريش في الضلال، فلاح مصباح الفلاح من سجف دار الخيزران، فإذا عمر على الباب ولقد أنارت لإبليس شمس البيان يوم " أنبِئهم بأسمائهم " غير أن النهار ليل عند الأعشى، رجع الخفاش إلى عشه، فقال: أوقدوا المصباح فقد جن الليل، فقالوا: الآن طلعت الشمس، فقال: ارحموا من طلوع الشمس عنده ليل، فسبحان من أعطى ومنع ولا يقال لم صنع؟ سلم التوفيق قريب المراقي، وبئر الخذلان بلا قعر، ربما أدرك الوقفة أهل مصر وفاتت أهل نخلة، لا بد والله من نفوذ القضاء فاجنح للسلم.
كم بالمخصب من عليل ... هوى طريح لا يعلل
وقتيل بين بين خيف ... مني وجمع ليس يعقل
كيف تتقي نبال القدر والقلب بين إصبعين.
لا تغضبن على قوم تحبهم ... فليس ينجيك من أحبابك الغضب
ولا تخاصمهم يوماً إذا حكموا ... إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا
كان إبليس كالبلدة العامرة فوقعت فيها صاعقة الطرد فهلك أهلها " فتلكَ بيوتُهُمْ خاوِيَةٌ "
من لم يكن للوصال أهلاً ... فكل إحسانه ذنوب
أخذ كساء ترهبه فجعل جلاً لكلب أصحاب الكهف، فأخذ المسكين في عداوة آدم فكم بالغ واجتهد؟ وأبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر، ويحك ما ذنب آدم؟ أنت الجاني على نفسك، ولكنه غيظ الأسير على القد.
لقي إبليس عمر بن الخطاب فصارعه فصرعه عمر، فقال بلسان الحال: أنا مقتولٌ بلسان الخذلان قبل لقائك فإياك عني لا يكن بك ما بيا، يا عمر أنت الذي كنت في زمان الخطاب لا تعرف الباب وأنا الذي كنت في سدة السيادة وأتباعي الملائكة موصل منشور " لا يسئل " فعزلني وولاك فكن على حذر من تحول الحال.
فإن الحسام الصقيل الذي ... قتلت به في يد القاتل
لما تمكنت معرفة عمر بتقليب القلوب لعب القلق بقلبه، خوفاً من قلبه، فبادر بطريق باب البريد بالعزل والولاية، يا حذيفة المحبة العظمى، ارتباط أمرك بمن لا يبالي بهلاكك، فكم قد أهلك قبلك مثلك، كم مشارف بسفينة عمله؟ على شاطئ النجاة، ضربها خرق الخذلان فغرقت وما بقي للسلامة إلا باع أو ذراع، أي تصرف بقي لك في قلبك؟ وهو بين إصبعين.
يا قلب إلام تطالبني ... بلقا الأحباب وقد رحلوا
أرسلتك في طلبي لهم ... لتعود فضعت وما حصلوا
سلم واصبر واخضع لهم ... كم مثلك قبلك قد قتلوا
ما أحسن ما أعقلت به ... أما لك منهم لو فعلوا
الفصل الثاني والأربعون
يا من قد أسره الهوى فما يستطيع فكاكاً، أفق قبل الومى، وها هو قد أدركك إدراكاً قبل أن لا ينفع البكاء الباكي ولا التباكي من تباكى.
لأبي العتاهية:
بَليتَ وما تَبْلَى ثيابُ صِباكا ... كفاكَ نذير الشيبِ فيك كفاكا
ألم ترَ أنَّ الشيبَ قد قامَ ناعياً ... مقامَ الشباب الغَضِّ ثم نعاكا
ولم تر يوماً مر إلا كأنه ... بإهلاكه للهالكين عناكا
ألا أيها الفاني وقد حان حينه ... أتطمع أن تبقى فلست هناكا
تسمَّع ودعْ من أفسد الغي سمعه ... كأني بداعٍ قد أتى فدعاكا
ورب أمان للفتى نصبت له ... المنية فيما بينهن شراكا
أراك وما تنفك تهدي جنازة ... ويوشك أن تهدي هديت كذاكا
ستمضي ويبقى ما تراه كما ترى ... وينساك من خلفته هو ذاكا
ألا ليت شعري كيف أنت إذا القُوى ... وهبْ وإذا الكرب الشديد علاكا
تموت كما مات الذين نسيتهم ... وتُنسى ويهوى الحي بعد هواكا
كأن خطوب الدهر لم تجر ساعة ... عليك إذا الخطب الجليل أتاكا
ترى الأرض كم فيها رهون دفينة ... غلقن فلم يقبل لهن فكاكا
كم سكن قلبك في هذه الدار، فحام الموت حوم حماهم ودار، ثم ناهضهم سريعاً وثار، كأنه ولي يطلب الثأر، وقد خوفك بأخذ الصديق وسلب الجار، ومن أنذر قبل هجومه فما جار.
كم بالمخصب من عليل ... هوى طريح لا يعلل
وقتيل بين بين خيف ... مني وجمع ليس يعقل
كيف تتقي نبال القدر والقلب بين إصبعين.
لا تغضبن على قوم تحبهم ... فليس ينجيك من أحبابك الغضب
ولا تخاصمهم يوماً إذا حكموا ... إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا
كان إبليس كالبلدة العامرة فوقعت فيها صاعقة الطرد فهلك أهلها " فتلكَ بيوتُهُمْ خاوِيَةٌ "
من لم يكن للوصال أهلاً ... فكل إحسانه ذنوب
أخذ كساء ترهبه فجعل جلاً لكلب أصحاب الكهف، فأخذ المسكين في عداوة آدم فكم بالغ واجتهد؟ وأبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر، ويحك ما ذنب آدم؟ أنت الجاني على نفسك، ولكنه غيظ الأسير على القد.
لقي إبليس عمر بن الخطاب فصارعه فصرعه عمر، فقال بلسان الحال: أنا مقتولٌ بلسان الخذلان قبل لقائك فإياك عني لا يكن بك ما بيا، يا عمر أنت الذي كنت في زمان الخطاب لا تعرف الباب وأنا الذي كنت في سدة السيادة وأتباعي الملائكة موصل منشور " لا يسئل " فعزلني وولاك فكن على حذر من تحول الحال.
فإن الحسام الصقيل الذي ... قتلت به في يد القاتل
لما تمكنت معرفة عمر بتقليب القلوب لعب القلق بقلبه، خوفاً من قلبه، فبادر بطريق باب البريد بالعزل والولاية، يا حذيفة المحبة العظمى، ارتباط أمرك بمن لا يبالي بهلاكك، فكم قد أهلك قبلك مثلك، كم مشارف بسفينة عمله؟ على شاطئ النجاة، ضربها خرق الخذلان فغرقت وما بقي للسلامة إلا باع أو ذراع، أي تصرف بقي لك في قلبك؟ وهو بين إصبعين.
يا قلب إلام تطالبني ... بلقا الأحباب وقد رحلوا
أرسلتك في طلبي لهم ... لتعود فضعت وما حصلوا
سلم واصبر واخضع لهم ... كم مثلك قبلك قد قتلوا
ما أحسن ما أعقلت به ... أما لك منهم لو فعلوا
الفصل الثاني والأربعون
يا من قد أسره الهوى فما يستطيع فكاكاً، أفق قبل الومى، وها هو قد أدركك إدراكاً قبل أن لا ينفع البكاء الباكي ولا التباكي من تباكى.
لأبي العتاهية:
بَليتَ وما تَبْلَى ثيابُ صِباكا ... كفاكَ نذير الشيبِ فيك كفاكا
ألم ترَ أنَّ الشيبَ قد قامَ ناعياً ... مقامَ الشباب الغَضِّ ثم نعاكا
ولم تر يوماً مر إلا كأنه ... بإهلاكه للهالكين عناكا
ألا أيها الفاني وقد حان حينه ... أتطمع أن تبقى فلست هناكا
تسمَّع ودعْ من أفسد الغي سمعه ... كأني بداعٍ قد أتى فدعاكا
ورب أمان للفتى نصبت له ... المنية فيما بينهن شراكا
أراك وما تنفك تهدي جنازة ... ويوشك أن تهدي هديت كذاكا
ستمضي ويبقى ما تراه كما ترى ... وينساك من خلفته هو ذاكا
ألا ليت شعري كيف أنت إذا القُوى ... وهبْ وإذا الكرب الشديد علاكا
تموت كما مات الذين نسيتهم ... وتُنسى ويهوى الحي بعد هواكا
كأن خطوب الدهر لم تجر ساعة ... عليك إذا الخطب الجليل أتاكا
ترى الأرض كم فيها رهون دفينة ... غلقن فلم يقبل لهن فكاكا
كم سكن قلبك في هذه الدار، فحام الموت حوم حماهم ودار، ثم ناهضهم سريعاً وثار، كأنه ولي يطلب الثأر، وقد خوفك بأخذ الصديق وسلب الجار، ومن أنذر قبل هجومه فما جار.
يا هذا، العمر عمر قليل وقد مضى أكثره بالتعليل، وأنت تعرض البقية للتأويل، وقد آن أوان الآن أن يرحل التنزيل، ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن الشرا، والله ما بيع أخوة يوسف يوسف بثمن بخس، يا عجب من بيعك نفسك بمعصية ساعة، متى ينتهي الفساد؟ متى يرعوي الفؤاد؟.
يا مسافراً بلا زاد، لا راحلة ولا جواد، يا زارعاً قد آن الحصاد، يا طائراً بالموت يصاد، يا بهرج البضاعة أين الجياد؟ يا مصاب الذنوب أين الحداد؟ لو عرفت المصاب فرشت الرماد، لو رأيت سواد السر لبست السواد، جسمك في واد وأنت في واد، نثر الدر لديك وما تنتقي، وقربت المراقي إليك وما ترتقي، لقد ضيعت ما مضى وشرعت في ما بقي، يا واقفاً في الماء الغمر وما ينقى.
إن قلت قم قال رجلي ما تطاوعني ... أو قلت خذ قال كفى ما تواتيني
واعجباً لنفاسة نفس رفعت بسجود الملك لها، كيف نزلت بالخساسة حتى زاحمت كلاب الشره، على مزابل الذل، هيهات لن تفلح الأسد إذا أنفقت عليها الميتات الفسد.
يا هذا، جسدك كالناقة يحمل راكب القلب، فلا تجعل القلب مستخدماً في علف الراحلة، تالله إن جوهر معناك يتظلم من سوء فعلك، لأنك قد ألقيته في مزابل الذل، ماء حياتك في ساقية عمرك قد اغدودق، فهو يسيل ضايعاً إلى مهاوي الهوى، وينسرب في أسراب البطالة، فقد امتلأت به خربات الجهل ومزابل التفريط، وشربته أدغال الغفلات، ويحك، أردده إلى مزارع التقوى لعله يحدق نور حديقة، إلى متى يمتد ليل الغفلة؟ متى تأتي تباشير الصباح؟
هل الدهر يوماً بوصل يجود ... وأيامُنا باللوى هل تعودُ
زمان تقضي وعيش مضى ... بنفسي والله تلك العهود
ألا قل لكان وادي الحبيب ... هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضاً ... فنحن عطاشى وأنتم ورود
لما سبق الاختيار لأقوام في القدم، جذبوا بعد الزلق في هوة الهوى إلى نجاة النجاة، يا عمر، كيف كانت حالك؟ قال: كنت مشغولاً بهبل فسمعت هتاف " ففِرُّوا إلى الله " فعرجت على المنادي، فإذا أنا في دار الخيزران يا فضيل، من أنت؟ قال: أخذت من قطع الطريق، فأخذت في قطع الطريق، يا عتبة الغلام، من أنت؟ قال: كنت عبد الهوى فحضرت مجلس عبد الواحد، فصرت عبداً للواحد يا سبتي من أنت؟ قال كنت ابن الرشيد فعرض لي رأي رشيد فإذا عزمي قد أخذ المر ومر، يا ابن أدهم، من أنت؟ قال أخذني حبه من منظرتي فصيرني ناطور البساتين. يا رابعة، من أنت؟ قالت: كنت أضرب بالعود فما سمع غيري.
بالله يا ريح الصبا ... مري على تلك الربا
وبلغي رسالة ... يفضها أهل قبل
واحربا وهل يرد ... فاتيا واحربا
يا طفلاً في حجر العادة محصوراً بقماط الهوى، مالك ومزاحمة الرجال؟ تمسكت بالدنيا تمسك المرضع بالظئر، والقوم ما أعاروها الطرف، ما لك والمحبة وأنت أسير حبة؟ كم بينك وبينهم؟ وهل تدري أين هم؟.
سلام على تلك المعاهد إنها ... شريعة وردي أو مهب شمالي
ليالي لم نحذر حزون قطيعة ... ولم نمش إلا في سهول وصال
فقد صرت أرضى من سواكن أرضها ... بخلب برق أو بطيف خيال
سار القوم ورجعت، ووصلوا وانقطعت، وذهبوا وبقيت، فإن لم تلحقهم شقيت.
لبس البياض بذات عرق معشر ... ولبست من حزن ثياب حداد
وصلوا إلى عرفات يبغون الرضا ... وبقيت منكسراً ببطن الوادي
رفعوا أكفهم وضجوا بالدعا ... وضممت من كمد يدي بفؤادي
يا من كلما استقام عثر، يا من كلما تقرب أبعد، استسلم مع الحرية واستروح إلى دوام البكاء وصح بصوت القلق على باب دار الأسف.
ليس لي فيك حيلة ... غير صبري على القضا
وبكائي على الوصال ... الذي كان وانقضى
ليتني تبت توبة ... وقضى الله ما قضى
الفصل الثالث والأربعون
يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.
للمهيار:
خاطرْ فإما عيشةٌ حرةٌ ... يُرغدُها العزُّ وإما الحِمامْ
يا مسافراً بلا زاد، لا راحلة ولا جواد، يا زارعاً قد آن الحصاد، يا طائراً بالموت يصاد، يا بهرج البضاعة أين الجياد؟ يا مصاب الذنوب أين الحداد؟ لو عرفت المصاب فرشت الرماد، لو رأيت سواد السر لبست السواد، جسمك في واد وأنت في واد، نثر الدر لديك وما تنتقي، وقربت المراقي إليك وما ترتقي، لقد ضيعت ما مضى وشرعت في ما بقي، يا واقفاً في الماء الغمر وما ينقى.
إن قلت قم قال رجلي ما تطاوعني ... أو قلت خذ قال كفى ما تواتيني
واعجباً لنفاسة نفس رفعت بسجود الملك لها، كيف نزلت بالخساسة حتى زاحمت كلاب الشره، على مزابل الذل، هيهات لن تفلح الأسد إذا أنفقت عليها الميتات الفسد.
يا هذا، جسدك كالناقة يحمل راكب القلب، فلا تجعل القلب مستخدماً في علف الراحلة، تالله إن جوهر معناك يتظلم من سوء فعلك، لأنك قد ألقيته في مزابل الذل، ماء حياتك في ساقية عمرك قد اغدودق، فهو يسيل ضايعاً إلى مهاوي الهوى، وينسرب في أسراب البطالة، فقد امتلأت به خربات الجهل ومزابل التفريط، وشربته أدغال الغفلات، ويحك، أردده إلى مزارع التقوى لعله يحدق نور حديقة، إلى متى يمتد ليل الغفلة؟ متى تأتي تباشير الصباح؟
هل الدهر يوماً بوصل يجود ... وأيامُنا باللوى هل تعودُ
زمان تقضي وعيش مضى ... بنفسي والله تلك العهود
ألا قل لكان وادي الحبيب ... هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضاً ... فنحن عطاشى وأنتم ورود
لما سبق الاختيار لأقوام في القدم، جذبوا بعد الزلق في هوة الهوى إلى نجاة النجاة، يا عمر، كيف كانت حالك؟ قال: كنت مشغولاً بهبل فسمعت هتاف " ففِرُّوا إلى الله " فعرجت على المنادي، فإذا أنا في دار الخيزران يا فضيل، من أنت؟ قال: أخذت من قطع الطريق، فأخذت في قطع الطريق، يا عتبة الغلام، من أنت؟ قال: كنت عبد الهوى فحضرت مجلس عبد الواحد، فصرت عبداً للواحد يا سبتي من أنت؟ قال كنت ابن الرشيد فعرض لي رأي رشيد فإذا عزمي قد أخذ المر ومر، يا ابن أدهم، من أنت؟ قال أخذني حبه من منظرتي فصيرني ناطور البساتين. يا رابعة، من أنت؟ قالت: كنت أضرب بالعود فما سمع غيري.
بالله يا ريح الصبا ... مري على تلك الربا
وبلغي رسالة ... يفضها أهل قبل
واحربا وهل يرد ... فاتيا واحربا
يا طفلاً في حجر العادة محصوراً بقماط الهوى، مالك ومزاحمة الرجال؟ تمسكت بالدنيا تمسك المرضع بالظئر، والقوم ما أعاروها الطرف، ما لك والمحبة وأنت أسير حبة؟ كم بينك وبينهم؟ وهل تدري أين هم؟.
سلام على تلك المعاهد إنها ... شريعة وردي أو مهب شمالي
ليالي لم نحذر حزون قطيعة ... ولم نمش إلا في سهول وصال
فقد صرت أرضى من سواكن أرضها ... بخلب برق أو بطيف خيال
سار القوم ورجعت، ووصلوا وانقطعت، وذهبوا وبقيت، فإن لم تلحقهم شقيت.
لبس البياض بذات عرق معشر ... ولبست من حزن ثياب حداد
وصلوا إلى عرفات يبغون الرضا ... وبقيت منكسراً ببطن الوادي
رفعوا أكفهم وضجوا بالدعا ... وضممت من كمد يدي بفؤادي
يا من كلما استقام عثر، يا من كلما تقرب أبعد، استسلم مع الحرية واستروح إلى دوام البكاء وصح بصوت القلق على باب دار الأسف.
ليس لي فيك حيلة ... غير صبري على القضا
وبكائي على الوصال ... الذي كان وانقضى
ليتني تبت توبة ... وقضى الله ما قضى
الفصل الثالث والأربعون
يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.
للمهيار:
خاطرْ فإما عيشةٌ حرةٌ ... يُرغدُها العزُّ وإما الحِمامْ
زاحمْ على باب العلى واجتهد ... لا بد أن تدخل بين الزِّحامْ
رام بها الليل فما يُسفر ... المصباح إلا عن نقابِ الظلامْ
مَوارقاً عن عُقْل أشطانها ... مروقَ فوق السهم عن قوسٍ رامْ
ميِّزْ من الناس على ظهرها ... نفسك لا ميزة تحت الرخامْ
من طلب الغايةَ خطواً على ... ظهر الهوينا رامَ صعبَ المرامْ
لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن، وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور الزمن، يا مغروراً بخضراء الدمن، يا جامعاً مانعاً قل لي لمن؟ كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.
يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة، من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز، لله در أقوام تأملوا الوجوب ففهموا المقصود، فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم، والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم.
قال الإمام أحمد لقد رأيت أقواماً صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.
وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي.
إذا ما الخيام البيض لاحت لدى منى ... فعرج فأنا بعدها بقليل
ترانا لدى الأطناب صرعى من الهوى ... نكفكف دمعاً لافتقاد خليل
وكم أنه أردفتها بتنفس ... وكم عبرة أتبعتها بعويل
قفوا وانظروا ذلي وعز معذبي ... تروا عجباً من قاتل وقتيل
عملت في قلوبهم معاول الحزن معاً، فانبعثت من كل ركية، ركية ماء أسي، فجرى من طرف طرفين ماء فجرى وسخاً فغسل وسخاً.
قد كنت أطوي على الوجد الضلوع ولا ... أبدي الهوى وأسوم القلب كتمانا
فخانني الصبر إذ ناديته ووفت ... لي الشؤون فعاد السر إعلانا
أكتم الوجد والعينان تظهره ... للحب أعظم مما رمته شانا
قال أبو عمران الجوبي: أرتني أمي موضعاً من الدار قد انحفر، فقالت: هذا موضع دموع أبيك.
وكان حسان بن أبي سنان: يحضر مجلس مالك بن دينار، فيبكي حتى يبل ما بين يديه ولا سمع له صوت. للمتنبي:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طللِ ... دعا فلبَّاه قبل الركب والإبلِ
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... فظل يسفح بين العُذر والعَذلِ
وما صبابة مشتاق له أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل
دموع المحبين، غدران في صحاري الشوق، من عادة القوم ألف البراري والجلوس إلى الشجر فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن نايح.
شوقي إليك مجاوز وصفي ... وظهور وجدي دون ما أخفي
ما دار ذكر منك في خلدي ... إلا طرفت بمدمعي طرفي
إذا تمكنت المحبة استحال السلو، تعلقت يد المحبة بتلابيب القلب فلا يمكنه التخلص، فيدور معها في دار المداراة.
ليكفكم ما فيكم من جوى نلقى ... فمهلاً بنا مهلاً ورفقاً بنا رفقا
وحرمة وجدي لا سلوت هواكم ... ولا رمت منه لا فكاكاً ولا عتقا
وهل للمحب قلب، هيهات مزقته المحبة، براثن أسود في شلو ضعيف، على شدة جذب مع وام التقليب.
إن ترحلت أو أقمت فعندي ... فيض دمع يجري ووجد مقيم
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى ... وغرامي ذاك الغرام القديم
انكشف اليوم الستر، افتضح العاصي والعارف.
لتوبة:
خليلي قد عم الأسى وتقاسمت ... فنون البلى عشاق ليلى ودورها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
وقع الحريق في زوايا المجلس رشوا عليه من مزاد الدمع، يا كثيف الطبع بيض الحمام يفرق من صوت الرعد ولا حس له، أفميت أنت وهذه الصواعق حولك؟
رام بها الليل فما يُسفر ... المصباح إلا عن نقابِ الظلامْ
مَوارقاً عن عُقْل أشطانها ... مروقَ فوق السهم عن قوسٍ رامْ
ميِّزْ من الناس على ظهرها ... نفسك لا ميزة تحت الرخامْ
من طلب الغايةَ خطواً على ... ظهر الهوينا رامَ صعبَ المرامْ
لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن، وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور الزمن، يا مغروراً بخضراء الدمن، يا جامعاً مانعاً قل لي لمن؟ كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.
يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة، من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز، لله در أقوام تأملوا الوجوب ففهموا المقصود، فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم، والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم.
قال الإمام أحمد لقد رأيت أقواماً صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.
وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي.
إذا ما الخيام البيض لاحت لدى منى ... فعرج فأنا بعدها بقليل
ترانا لدى الأطناب صرعى من الهوى ... نكفكف دمعاً لافتقاد خليل
وكم أنه أردفتها بتنفس ... وكم عبرة أتبعتها بعويل
قفوا وانظروا ذلي وعز معذبي ... تروا عجباً من قاتل وقتيل
عملت في قلوبهم معاول الحزن معاً، فانبعثت من كل ركية، ركية ماء أسي، فجرى من طرف طرفين ماء فجرى وسخاً فغسل وسخاً.
قد كنت أطوي على الوجد الضلوع ولا ... أبدي الهوى وأسوم القلب كتمانا
فخانني الصبر إذ ناديته ووفت ... لي الشؤون فعاد السر إعلانا
أكتم الوجد والعينان تظهره ... للحب أعظم مما رمته شانا
قال أبو عمران الجوبي: أرتني أمي موضعاً من الدار قد انحفر، فقالت: هذا موضع دموع أبيك.
وكان حسان بن أبي سنان: يحضر مجلس مالك بن دينار، فيبكي حتى يبل ما بين يديه ولا سمع له صوت. للمتنبي:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طللِ ... دعا فلبَّاه قبل الركب والإبلِ
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... فظل يسفح بين العُذر والعَذلِ
وما صبابة مشتاق له أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل
دموع المحبين، غدران في صحاري الشوق، من عادة القوم ألف البراري والجلوس إلى الشجر فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن نايح.
شوقي إليك مجاوز وصفي ... وظهور وجدي دون ما أخفي
ما دار ذكر منك في خلدي ... إلا طرفت بمدمعي طرفي
إذا تمكنت المحبة استحال السلو، تعلقت يد المحبة بتلابيب القلب فلا يمكنه التخلص، فيدور معها في دار المداراة.
ليكفكم ما فيكم من جوى نلقى ... فمهلاً بنا مهلاً ورفقاً بنا رفقا
وحرمة وجدي لا سلوت هواكم ... ولا رمت منه لا فكاكاً ولا عتقا
وهل للمحب قلب، هيهات مزقته المحبة، براثن أسود في شلو ضعيف، على شدة جذب مع وام التقليب.
إن ترحلت أو أقمت فعندي ... فيض دمع يجري ووجد مقيم
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى ... وغرامي ذاك الغرام القديم
انكشف اليوم الستر، افتضح العاصي والعارف.
لتوبة:
خليلي قد عم الأسى وتقاسمت ... فنون البلى عشاق ليلى ودورها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
وقع الحريق في زوايا المجلس رشوا عليه من مزاد الدمع، يا كثيف الطبع بيض الحمام يفرق من صوت الرعد ولا حس له، أفميت أنت وهذه الصواعق حولك؟
لو ترى العاشقين في مأتم الذل ... وقد شققت جيوب الوصال
لعذرت الذي بلى بقراق ... ورحمت المحب في كل حال
هبت اليوم نسمة من أرض كنعان إلى مصر، غنت حمامات اللوى في أرض نجد، تنفس المشتاق فانقشع غيم الهجر، سعى سمسار المواعظ في الصلح.
للغزي:
هبت لنا وبرود الليل أسمال ... ريح لها من جيوب الوصل أذيال
مرت بسفح اللوى والشح متشحٍ ... بلؤلؤ الطل والجرباء معطال
مريضة في حواشي مرطها بللٌ ... يهدي لكل مريض منه أبلال
دع جمرة لسويدا القلب محرقة ... يا لائمي ثم قل لي كيف احتال
حدثت عن منحني الوادي وساكنه ... كرر حديثك لا حالت بك الحال
وامزج بماء المنى قلت: من خبر ... فإن أخبار ذاك الحي جريال
الفصل الرابع والأربعون
أخواني، شحم المنى هزال، وشراب الآمال سراب وآل، ولذات الدنيا منام وخيال، وحربها قتل بلا قتال.
والمرء يبليه في الدنيا ويخلقه ... حرص طويل وعمر فيه تقصير
يطوق النحر بالآمال كاذبة ... ولهذم الموت دون الطوق مطرور
جذلان يبسم في أشراك ميتته ... إن أفلت الناب أردته الأظافير
تيقظ لنفسك واذكر زوالك، ودع الأمل ولو طوى الدنيا وزوى لك، فكأنك بالموت قد حيرك وأبدى كلالك، ونسيك الحبيب، لأنه أرادك له لا لك، وخلوت تبكي خلالك في زمان خلا لك، وشاهدت أمراً أفظعك وهالك، تود أن تفتديه بالدنيا لو أنها لك، فتنبه من رقاد الهوى لما هو أولى لك، واحذر أن أعمالك أعمى لك، وأفعالك كالأفعى لك.
لو كان باعث من نفسك، ما احتجت إلى محرك من خارج، هذا الديك يصيح في أوقات معلومة من الليل لا تختلف، يؤدي وظائفها بباعث الطبع وإن لم يكن في القرية ديك غيره، وأنت تؤخر وظائف صلواتك، وتنقص من واجبات عباداتك، فإن بكيت في المجلس فلبكاء الجماعة، فإذا خلوت خلوت من محرك، هيهات من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ، إذا لم يكن للدجاجة همة الحضن لم تنفع تغطيتها بمنخل الحاضن، تصابر الشقاء لما تأمل من العواقب والرعناء تكسر البيض قصداً.
الخصائص أوضاع والسوابق خواص، " هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي " المغناطيس يجذب الحديد بخاصية فيه، الظليم يبتلع الحصى والحجارة فيذيبها حرُّ قانصته حتى يجعلها كالماء الجاري، ولو طبخ ذلك بالنار لم ينخل، ذنب الجرادة يشق الصخرة وليس بالقوي، إبرة العقرب تنفذ في الطشت، خرطوم البعوضة يغوص في جلد الجاموس، من تعلق عليه برادة الحديد لم يغط في نومه، إذا ترك الرصاص أو الزيبق في تنور سقط الخبز كله، فإن ترك الرصاص في قدر لم ينضج اللحم، إذا كان الزعفران في دار لم تدخلها وزغه، إذا دفن الحديد في الدقيق زال عنه الصدأ، إذا ترك سراج على شيء في نهر سكنت ضفادعه، إذا دفنت ذئبة في قرية لم تدخلها الذئاب، إذا نظر صاحب الثآليل إلى كوكب ينقض فمسح بيده حينئذٍ على ثآليله ذهبت، إذا عسرت الولادة فصاحت بالمرأة بكر يا فلانة أنا جارية عذراء وقد ولدت وأنت لم تلدي ولدت في الحال للنملة، فضل حسن في الشم تدرك الأراييح البعيدة، لما شق ختام نافجة النبوة ملأت ريحها الأرض، فاستنشقها أهل العافية، فوصل إلى خياشم سلمان في فارس وصهيب في الروم وبلال في الحبشة، وكان ابن أُبي مزكوماً فما نفعه قرب الدار، كم من نفر دخلت مجلسي وهي حامل جنين الإصرار، فلما استنشقت ريح المواعظ أسقطت.
أيها التائب من حر؟كك؟ وقد كان تحريك الجبل دون إزعاجك " صُنْعَ الله الذي أتقن كلَّ شيء " أتدرون هذا التائب لم انزعج؟ أما تجدون في نفسه حرَّ وهج.
صبا لنسيم الصبا إذ نفح ... وارقه لمع برق لمح
واذكره عيشه بالحمى ... وعهداً تقادم سرب سنح
فحن إلى السفح سفح العقيق ... فسح له دمعه وانسفح
وكان كتوماً لسر الهوى ... ولكن جرى دمعه فافتضح
فدعه ينادي طلول الحمى ... ويسأل رامه عمن نزح
لعذرت الذي بلى بقراق ... ورحمت المحب في كل حال
هبت اليوم نسمة من أرض كنعان إلى مصر، غنت حمامات اللوى في أرض نجد، تنفس المشتاق فانقشع غيم الهجر، سعى سمسار المواعظ في الصلح.
للغزي:
هبت لنا وبرود الليل أسمال ... ريح لها من جيوب الوصل أذيال
مرت بسفح اللوى والشح متشحٍ ... بلؤلؤ الطل والجرباء معطال
مريضة في حواشي مرطها بللٌ ... يهدي لكل مريض منه أبلال
دع جمرة لسويدا القلب محرقة ... يا لائمي ثم قل لي كيف احتال
حدثت عن منحني الوادي وساكنه ... كرر حديثك لا حالت بك الحال
وامزج بماء المنى قلت: من خبر ... فإن أخبار ذاك الحي جريال
الفصل الرابع والأربعون
أخواني، شحم المنى هزال، وشراب الآمال سراب وآل، ولذات الدنيا منام وخيال، وحربها قتل بلا قتال.
والمرء يبليه في الدنيا ويخلقه ... حرص طويل وعمر فيه تقصير
يطوق النحر بالآمال كاذبة ... ولهذم الموت دون الطوق مطرور
جذلان يبسم في أشراك ميتته ... إن أفلت الناب أردته الأظافير
تيقظ لنفسك واذكر زوالك، ودع الأمل ولو طوى الدنيا وزوى لك، فكأنك بالموت قد حيرك وأبدى كلالك، ونسيك الحبيب، لأنه أرادك له لا لك، وخلوت تبكي خلالك في زمان خلا لك، وشاهدت أمراً أفظعك وهالك، تود أن تفتديه بالدنيا لو أنها لك، فتنبه من رقاد الهوى لما هو أولى لك، واحذر أن أعمالك أعمى لك، وأفعالك كالأفعى لك.
لو كان باعث من نفسك، ما احتجت إلى محرك من خارج، هذا الديك يصيح في أوقات معلومة من الليل لا تختلف، يؤدي وظائفها بباعث الطبع وإن لم يكن في القرية ديك غيره، وأنت تؤخر وظائف صلواتك، وتنقص من واجبات عباداتك، فإن بكيت في المجلس فلبكاء الجماعة، فإذا خلوت خلوت من محرك، هيهات من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ، إذا لم يكن للدجاجة همة الحضن لم تنفع تغطيتها بمنخل الحاضن، تصابر الشقاء لما تأمل من العواقب والرعناء تكسر البيض قصداً.
الخصائص أوضاع والسوابق خواص، " هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي " المغناطيس يجذب الحديد بخاصية فيه، الظليم يبتلع الحصى والحجارة فيذيبها حرُّ قانصته حتى يجعلها كالماء الجاري، ولو طبخ ذلك بالنار لم ينخل، ذنب الجرادة يشق الصخرة وليس بالقوي، إبرة العقرب تنفذ في الطشت، خرطوم البعوضة يغوص في جلد الجاموس، من تعلق عليه برادة الحديد لم يغط في نومه، إذا ترك الرصاص أو الزيبق في تنور سقط الخبز كله، فإن ترك الرصاص في قدر لم ينضج اللحم، إذا كان الزعفران في دار لم تدخلها وزغه، إذا دفن الحديد في الدقيق زال عنه الصدأ، إذا ترك سراج على شيء في نهر سكنت ضفادعه، إذا دفنت ذئبة في قرية لم تدخلها الذئاب، إذا نظر صاحب الثآليل إلى كوكب ينقض فمسح بيده حينئذٍ على ثآليله ذهبت، إذا عسرت الولادة فصاحت بالمرأة بكر يا فلانة أنا جارية عذراء وقد ولدت وأنت لم تلدي ولدت في الحال للنملة، فضل حسن في الشم تدرك الأراييح البعيدة، لما شق ختام نافجة النبوة ملأت ريحها الأرض، فاستنشقها أهل العافية، فوصل إلى خياشم سلمان في فارس وصهيب في الروم وبلال في الحبشة، وكان ابن أُبي مزكوماً فما نفعه قرب الدار، كم من نفر دخلت مجلسي وهي حامل جنين الإصرار، فلما استنشقت ريح المواعظ أسقطت.
أيها التائب من حر؟كك؟ وقد كان تحريك الجبل دون إزعاجك " صُنْعَ الله الذي أتقن كلَّ شيء " أتدرون هذا التائب لم انزعج؟ أما تجدون في نفسه حرَّ وهج.
صبا لنسيم الصبا إذ نفح ... وارقه لمع برق لمح
واذكره عيشه بالحمى ... وعهداً تقادم سرب سنح
فحن إلى السفح سفح العقيق ... فسح له دمعه وانسفح
وكان كتوماً لسر الهوى ... ولكن جرى دمعه فافتضح
فدعه ينادي طلول الحمى ... ويسأل رامه عمن نزح
يا غائباً عنا، وهو حاضر أما لك ناظر ناظر؟ أما دموع الوجد قد ملأت الحناجر؟ أف لبدوي لا يطربه ذكر حاجر، أقل أحوال الزمن أن يبكي إذا رأى المشاة، انظر إلى التائبين وحرقهم، والتفت إلى العارفين وقلقهم.
اسمع أنين العاشقين ... إن استطعت له سماعا
راح الحبيب فشيعته ... مدامع تجري سراعا
لو كلف الجبل الأصم ... فراق ألف ما استطاعا
كلما بكى الخائفون أزعجوني، وكلما استغاث الواجدون ألهفوني
وإني لمجلوب لي الشوق كلما ... تنفس باك أو تألم ذو وجد
تعرض رسل الشوق والركب هاجد ... فيوقظني من بين نوامهم وحدي
يا صبيان التوبة، ارفقوا بمطايا أبدانكم فقد ألفت الترف " ولا تُضارُّوهنَّ لتضيِّقوا عليهنَّ "
هب لها من النسيم رائد ... فعادها من الغرام عائد
نوق نفى عنها الحمى طيب الكرى ... فهي كما شاء السرى سواهد
أنحلها تحت الدؤب أينها ... فمارت الأنساع والقلائد
فلا تخالفها إذا ما التفتت ... شوقاً إلى بان الحمى يا قائد
وقل لها لعا إذا ما عثرت ... فهي لحمل وجدها تكابد
مذ حكم البين عليها لم تزل ... تبكي عليها البيد والفدافد
يا صبيان التوبة، للنفس حظ وعليها حق " فلا تميلوا كلَّ المَيْل " خذوا مالها، واستوفوا ما عليها " وزِنوا بالقسطاس المستقيم " فإن رأيتم من النفوس فتوراً فاضربوهن بسوط الهجر " فإنْ أطعْنَكُم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلا " على أني أوصي صبيان التوبة بالرفق، وبعيد أن يقر خائف أو يسمع العذل محب
ليت شعري هل أرى في طريقي ... سعة تفسح كرب المضيق
قد رماني الحب ف لج بحر ... فخذوا يا قوم كف الغريق
حل عندي حبكم في شغافي ... حل مني كل عقد وثيق
عفت دنياي اشتياقاً إليكم ... وتساوى خامها والدبيقى
ورفضت الكل شغلاً بوجدي ... فانجلى لي كل معنى دقيق
يا صديقي عندي اليوم شغل ... فاله عني واشتغل يا صديقي
بيدان تذكر لي حب قلبي ... فأعد ذكرهم يا رفيقي
غصني الشوق إليهم بريقي ... واحريقي في الهوى واحريقي
الفصل الخامس والأربعون
أخواني، البدار البدار، فما دار الدنيا بدار، إنما هي جلية لجريان الأعمار، وكم تبقى الفريسة بين النيوب الأظفار.
ما دار دنيا للمقيم بدار ... وبها النفوس فريسة الأقدار
ما بين ليل عاكف ونهاره ... نفسان مرتشفان للأعمار
طول الحياة إذا مضى كقصيرها ... واليسر للإنسان كالإعسار
والعيش يعقب بالمرارة حلوه ... والصفو فيه مخلف الأكدار
وكأنما تقضي بنيات الردى ... لفنائنا وطراً من الأوطار
ويروقنا زهر الأماني نضرة ... هدم الأماني عادة المقدار
والمرء كالطيف المطيف وعمره ... كالنوم بين الفجر والأسحار
خطب تضاءلت الخطوب لهوله ... أخطاره تعلو على الأخطار
تلقى الصوارم والرماح لهوله ... ونلوذ من حرب إلى استشعار
إن الذين بنوا مشيداً وانثنوا ... يسعون سعي الفاتك الجبار
سلبوا النضارة والنعيم فأصبحوا ... متوسدين وسائد الأحجار
تركوا ديارهم على أعدائهم ... وتوسدوا مدراً بغير دثار
خلط الحمام قويهم بضعيفهم ... وغنيهم ساوى بذي الإقتار
والدهر يعجلنا على آثارهم ... لا بد من صبح المجد الساري
وتعاقب الملوين فينا ناثر ... بالكر ما نظما من الأعمار
اسمع أنين العاشقين ... إن استطعت له سماعا
راح الحبيب فشيعته ... مدامع تجري سراعا
لو كلف الجبل الأصم ... فراق ألف ما استطاعا
كلما بكى الخائفون أزعجوني، وكلما استغاث الواجدون ألهفوني
وإني لمجلوب لي الشوق كلما ... تنفس باك أو تألم ذو وجد
تعرض رسل الشوق والركب هاجد ... فيوقظني من بين نوامهم وحدي
يا صبيان التوبة، ارفقوا بمطايا أبدانكم فقد ألفت الترف " ولا تُضارُّوهنَّ لتضيِّقوا عليهنَّ "
هب لها من النسيم رائد ... فعادها من الغرام عائد
نوق نفى عنها الحمى طيب الكرى ... فهي كما شاء السرى سواهد
أنحلها تحت الدؤب أينها ... فمارت الأنساع والقلائد
فلا تخالفها إذا ما التفتت ... شوقاً إلى بان الحمى يا قائد
وقل لها لعا إذا ما عثرت ... فهي لحمل وجدها تكابد
مذ حكم البين عليها لم تزل ... تبكي عليها البيد والفدافد
يا صبيان التوبة، للنفس حظ وعليها حق " فلا تميلوا كلَّ المَيْل " خذوا مالها، واستوفوا ما عليها " وزِنوا بالقسطاس المستقيم " فإن رأيتم من النفوس فتوراً فاضربوهن بسوط الهجر " فإنْ أطعْنَكُم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلا " على أني أوصي صبيان التوبة بالرفق، وبعيد أن يقر خائف أو يسمع العذل محب
ليت شعري هل أرى في طريقي ... سعة تفسح كرب المضيق
قد رماني الحب ف لج بحر ... فخذوا يا قوم كف الغريق
حل عندي حبكم في شغافي ... حل مني كل عقد وثيق
عفت دنياي اشتياقاً إليكم ... وتساوى خامها والدبيقى
ورفضت الكل شغلاً بوجدي ... فانجلى لي كل معنى دقيق
يا صديقي عندي اليوم شغل ... فاله عني واشتغل يا صديقي
بيدان تذكر لي حب قلبي ... فأعد ذكرهم يا رفيقي
غصني الشوق إليهم بريقي ... واحريقي في الهوى واحريقي
الفصل الخامس والأربعون
أخواني، البدار البدار، فما دار الدنيا بدار، إنما هي جلية لجريان الأعمار، وكم تبقى الفريسة بين النيوب الأظفار.
ما دار دنيا للمقيم بدار ... وبها النفوس فريسة الأقدار
ما بين ليل عاكف ونهاره ... نفسان مرتشفان للأعمار
طول الحياة إذا مضى كقصيرها ... واليسر للإنسان كالإعسار
والعيش يعقب بالمرارة حلوه ... والصفو فيه مخلف الأكدار
وكأنما تقضي بنيات الردى ... لفنائنا وطراً من الأوطار
ويروقنا زهر الأماني نضرة ... هدم الأماني عادة المقدار
والمرء كالطيف المطيف وعمره ... كالنوم بين الفجر والأسحار
خطب تضاءلت الخطوب لهوله ... أخطاره تعلو على الأخطار
تلقى الصوارم والرماح لهوله ... ونلوذ من حرب إلى استشعار
إن الذين بنوا مشيداً وانثنوا ... يسعون سعي الفاتك الجبار
سلبوا النضارة والنعيم فأصبحوا ... متوسدين وسائد الأحجار
تركوا ديارهم على أعدائهم ... وتوسدوا مدراً بغير دثار
خلط الحمام قويهم بضعيفهم ... وغنيهم ساوى بذي الإقتار
والدهر يعجلنا على آثارهم ... لا بد من صبح المجد الساري
وتعاقب الملوين فينا ناثر ... بالكر ما نظما من الأعمار
تالله ما صح من يطلبه مرضه، ولا سر من سير وصل حل غرضه ولا استقام غصن يلويه كاسره، ولا طاب عيش الموت آخره، إن الطمع لعذاب، وحديث الأمل كذاب، وفي طريق الهوى عقاب، وآخر المعاصي عقاب، فلا يخدعنك ضياء ضباب، ولا يطمعنك شراب سراب، فمجيء الدنيا على الحقيقة ذهاب، وعمارة الفاني إن فهمت خراب، وفرح الغرور ثبور واكتئاب، ودنو الشيب ينسخ ضياء الشباب وكلما نادى الأمل " فأبلغه مأمنه " صاح الأجل " فضرب الرقاب " .
يا تايهاً في ظلمة ظلمه.
يا موغلاً ف مفازة تيهه، يا باحثاً عن مدية حتفه، يا حافراً زبية هلكه، يا معمقاً مهواة مصرعه، بئس ما اخترت، لأحب الأنفس إليك، ويحك، تطلب الجادة ولست على الطريق، كم فغر الزمان بوعظه فماً، فما سمعت " لينذر من كان حياً " كيف تطيب الدنيا؟ لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتم له سرور يوم إذا كان عمرك في إدبار، والموت في إقبال: فما أسرع الملتقى، لقد نصبت لك أشراك الهلاك، والأنفاس أدق الحبائل، يا ماشياً في ظلمة ليل الهوى لو استضئت بمصباح الفكر فما تأمن من بئر بوار، الشهوات مبثوثة في طريق المتقين، وما يسلم من شرها شره الأولياء في حرم التقوى " ويُتخطَّف الناسُ من حولهم " الدنيا مثل منام والعيش فيها كالأحلام، قيل لنوح عليه السلام يا أطول النبيين عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار ذات بابين، دخلت من باب وخرجت من باب.
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
يا ثقيل النوم، أما تنبهك المزعجات؟ الجنة فوقك تزخرف، والنار تحتك توقد، والقبر إلى جانبك يحفر وربما يكون الكفن قد غزل، أيقظان أنت اليوم أم حالم، يا حاضراً يرى التائبين، وهو في عداد الغائبين.
واقف في الماء عطشان ... ولكن ليس يسقي
عاتب نفسك على هواها فقد وهاها، قل لها ادرجي درج المدرج وقد لاحت مني، لا يوقفنك في الطريق طاقة من أم غيلان، فالخبط في المنزل مهيؤ لك، تلمح عواقب الهوى يهن عليك الترك، تفكر في حال يوسف لو كان زل من كان يكون؟ هل كانت إلا لذة لحظة وحسرة الأبد، عبرت والله أجمال الصبر سليمة من مكس وبقيت مديحة " إنه من عبادنا المخلصين " .
يا هذا، احسب صبر يومك ساعة نومك تحظ في غداة برغدك، البدار إلى الشهوات والندامة فرسا رهان، والتواني عن التوبة والخيبة رضيعا لبان، واعجباً غرتك حبة فخ فحصلت وما حوصلت، اليوم واطرباً للكأس، وغداً واحرباً للإفلاس، آه من حلاوة لقم أورثت مرارة نقم، تأمل العاقبة لا يحصل إلا لنا قد يصير، من تلمح إذا تلا " وإذا ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ " وعرف قدر مدح " فأتمهنّ " علم أنه لم يبق في فيه شيئاً من مرارة البلى مرارة " وإذا ابتلى " ضجت الملائكة حين هموا بإلقائه في النار، فقالوا ائذن لنا حتى نطفي عنه، فقال تعالى: إن استغاث بكم فأغيثوه وإلا فدعوه. فلما ألقي عرض له جبريل، وهو يهوي في الهواء فأراد أن ينظر هل للهوى فيه أثر؟ فقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، فأقبل بمنشور " وإبراهيم الذي وفَّى " .
قالت لطيف خيال زارها ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فنال خلفته لو مات من ظماء ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت صدقت الوفا في الحب عادته ... يا برد ذلك الذي قالت على كبدي
الفصل السادس والأربعون
يا مجتنباً من الهدى طريقاً واضحاً، افتح عين الفكر تر العلم لائحاً، احذر بئر الغفلة فكم غال سائحاً، وتوق بحر الجهل فكم أغرق سابحاً.
يا غادياً في غفلة ورائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا
وكم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق اللهُ به الجوارحا
يا عجباً منك وأنت مبصر ... كيف تجنبت الطريقَ الواضحا
كيف تكون حين تقرأ في غد ... صحيفة قد حوت الفضائحا
وكيف ترضى أن تكون خاسراً ... يوم يفوز من يكون رابحا
يا تايهاً في ظلمة ظلمه.
يا موغلاً ف مفازة تيهه، يا باحثاً عن مدية حتفه، يا حافراً زبية هلكه، يا معمقاً مهواة مصرعه، بئس ما اخترت، لأحب الأنفس إليك، ويحك، تطلب الجادة ولست على الطريق، كم فغر الزمان بوعظه فماً، فما سمعت " لينذر من كان حياً " كيف تطيب الدنيا؟ لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتم له سرور يوم إذا كان عمرك في إدبار، والموت في إقبال: فما أسرع الملتقى، لقد نصبت لك أشراك الهلاك، والأنفاس أدق الحبائل، يا ماشياً في ظلمة ليل الهوى لو استضئت بمصباح الفكر فما تأمن من بئر بوار، الشهوات مبثوثة في طريق المتقين، وما يسلم من شرها شره الأولياء في حرم التقوى " ويُتخطَّف الناسُ من حولهم " الدنيا مثل منام والعيش فيها كالأحلام، قيل لنوح عليه السلام يا أطول النبيين عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار ذات بابين، دخلت من باب وخرجت من باب.
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
يا ثقيل النوم، أما تنبهك المزعجات؟ الجنة فوقك تزخرف، والنار تحتك توقد، والقبر إلى جانبك يحفر وربما يكون الكفن قد غزل، أيقظان أنت اليوم أم حالم، يا حاضراً يرى التائبين، وهو في عداد الغائبين.
واقف في الماء عطشان ... ولكن ليس يسقي
عاتب نفسك على هواها فقد وهاها، قل لها ادرجي درج المدرج وقد لاحت مني، لا يوقفنك في الطريق طاقة من أم غيلان، فالخبط في المنزل مهيؤ لك، تلمح عواقب الهوى يهن عليك الترك، تفكر في حال يوسف لو كان زل من كان يكون؟ هل كانت إلا لذة لحظة وحسرة الأبد، عبرت والله أجمال الصبر سليمة من مكس وبقيت مديحة " إنه من عبادنا المخلصين " .
يا هذا، احسب صبر يومك ساعة نومك تحظ في غداة برغدك، البدار إلى الشهوات والندامة فرسا رهان، والتواني عن التوبة والخيبة رضيعا لبان، واعجباً غرتك حبة فخ فحصلت وما حوصلت، اليوم واطرباً للكأس، وغداً واحرباً للإفلاس، آه من حلاوة لقم أورثت مرارة نقم، تأمل العاقبة لا يحصل إلا لنا قد يصير، من تلمح إذا تلا " وإذا ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ " وعرف قدر مدح " فأتمهنّ " علم أنه لم يبق في فيه شيئاً من مرارة البلى مرارة " وإذا ابتلى " ضجت الملائكة حين هموا بإلقائه في النار، فقالوا ائذن لنا حتى نطفي عنه، فقال تعالى: إن استغاث بكم فأغيثوه وإلا فدعوه. فلما ألقي عرض له جبريل، وهو يهوي في الهواء فأراد أن ينظر هل للهوى فيه أثر؟ فقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، فأقبل بمنشور " وإبراهيم الذي وفَّى " .
قالت لطيف خيال زارها ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فنال خلفته لو مات من ظماء ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت صدقت الوفا في الحب عادته ... يا برد ذلك الذي قالت على كبدي
الفصل السادس والأربعون
يا مجتنباً من الهدى طريقاً واضحاً، افتح عين الفكر تر العلم لائحاً، احذر بئر الغفلة فكم غال سائحاً، وتوق بحر الجهل فكم أغرق سابحاً.
يا غادياً في غفلة ورائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا
وكم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق اللهُ به الجوارحا
يا عجباً منك وأنت مبصر ... كيف تجنبت الطريقَ الواضحا
كيف تكون حين تقرأ في غد ... صحيفة قد حوت الفضائحا
وكيف ترضى أن تكون خاسراً ... يوم يفوز من يكون رابحا
يا معدوماً في الأمس، فانياً في الغد، عاجزاً في الحال، من أنت حتى تغتر بسلامتك؟ وتنسى حتفك؟ وأملك بين يديك وأجلك خلفك، وكتابك قد حوى تفريطك، كم نُهيت عن أمر؟ فما كفك النهي أن تبسط كفك، يا من قد طال زلله وتعثيره، تفكر في عمر قد مضى كثيره، يا قلباً مشتتاً قل نظيره، كم هذا الهوى؟ ولكم هوى أسيره؟ أيها القاعد عن أعالي المعالي، سبق الأبطال والبطال ما يبالي، ستعرف خبرك يوم عتابي وسؤالي، وستقول عند الحساب مالي ومالي، أعمالك إذا تصفحت لهواك لآلي، لو أثر فيك وعظي ومقالي لكنت لحر الحسرات على حر المقالي.
إلى أي حين أنت في زي محرم ... وحتى متى في شقوة وإلى كم
فالا تمت تحت السيوف مكرما ... تمت وتقاسي الذل غير مكرم
فثب واثقاً بالله وثبة ماجد ... يرى الموت في الهيجا جنى النحل في الفم
ويحك، إنما يكون الجهاد بين الأمثال، ولذلك منع من قتل النساء والصبيان، فأي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها؟ أما علمت شهواتها جيف ملقاة، أفيحسن بباشق الملك أن يطير عن كفه إلى ميتة؟ مهلاً " لا تمدنَّ عينيك " لو علمت أن لذة قهر الهوى أطيب من نيله لما غلبك، أما ترى الهرة تتلاعب بالفأرة ولا تقتلها ليبين أثر اقتدارها وربما تغافلت عنها، فتمعن الفأرة في الهرب فتثب فتدركها ولا تقتلها إيثاراً للذة القهر على لذة الأكل، من ذبح حنجرة الطمع بخنجر اليأس أعتق القلب من أسر الرق، من ردم خندق الحرص بسكر القناعة ظفر بكيمياء السعادة، من تدرع بدرع الصدق على بدن الصبر هزم عسكر الباطل، من حصد عشب الذنوب بمنجل الورع طالبت له روضة الاستقامة، من قطع فضول الكلام بشفرة الصمت وجد عذوبة الراحة في القلب، من ركب مركب الحذر مرت به رخاء الهدى إلى رجاء النجاة، من أرسى على ساحل الخوف لاحت له بلاد الأمن، إلا عزيمة عمرية، إلا هجرة سلمانية جاءت بمركب عمر، جنوب المجانبة للحق إلى دار الخيزران، فلما فتح له الباب انقلب شمالاً، مد يده لتناول خمر الفتك فاستحالت في الحال خلاً، جاء وكله كدر، فلما دنا من الصفا صفا، كان ماء قلبه لما جنى ملحاً آجناً فلما تلقاه النذير بالعذاب عذب.
يكون أجاجاً دونكم فإذ انتهى ... إليكم تلقى طيبكم فيطيب
سقم قلب سلمان من معاناة أمراض المجوس، فخرج إلى أودية الأدوية فالتقطته يد ظالم، وما عرفت، فهان على يوسف البيع ليلقى العزيز فبينا هو في نخلة يحترفها قدم مخبر بقدوم الرسول، فنزل ليصعد وصاح به: حدثني.
نزلوا جبال تهامة فلأجلهم ... يهوى الفؤاد تهامة وجبالها
يا صاحبيّ قفا علي بقدر ... ما أسقي بواكف عبرتي أطلالها
واعجباً، أطلب الشجاعة من حسان، وأسأل عن الهلال ابن أم مكتوم، أتلو سورة يوسف على روبيل، أستملي الفصاحة من باقل، وأنتظر الوفاء من عرقوب، لقد رجعت إذن بخفي حنين، يا من نقده مردود، وعقله محلول، نيتك في الحيرنية لو أنضجتها نيران خوف أو شوق لانتفعت بها.
ولي قوادم لو أني جذب بها ... لأنهضتني ولكن أفرخي زغب
غمض عينيك على الدواء يعمل، وافتحها لرؤية الهدى تبصر، حجر المعصية تطحطح إناء القلب، وضبة التوبة شعاب، يا من عزمه في الإنابة جزر بلا مد، وقفت سفينة نجاتك، ليل كسلك قد أطبق آفاق التردد، وقد طلبت فيه أطيار الهمة أوكار الدعة، فلو قد طلعت شمس العزيمة في نهار اليقظة لانبث عالم النشط في صحراء المجاهدة. يا صبيان التوبة، تزودوا للبادية تأهبوا لحاجر، انعلوا الإبل قبل زرود، ولا تنسوا وقت تناول الزاد جمالكم.
بين العقيق والكثيب الفرد ... علاقة لي من هوى ووجد
سل هضبات الرمل من جزع اللوى ... يوم النوى عن قلقي ووجدي
واستخبر الأنجم عن صبابتي ... بساكني نجد وأرض نجد
فمن مجيري أو ممن أستعدي ... وليس عند عاذلي ما عندي
الفصل السابع والأربعون
واعجباً لنفسٍ تدعى إلى الهدى فتأبى، ثم ترى خطأها بعين الهوى صواباً، كم أذهبت زمناً وكم أفنت شباباً، وكم سودت في تبييض أغراضها كتاباً.
إلى أي حين أنت في زي محرم ... وحتى متى في شقوة وإلى كم
فالا تمت تحت السيوف مكرما ... تمت وتقاسي الذل غير مكرم
فثب واثقاً بالله وثبة ماجد ... يرى الموت في الهيجا جنى النحل في الفم
ويحك، إنما يكون الجهاد بين الأمثال، ولذلك منع من قتل النساء والصبيان، فأي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها؟ أما علمت شهواتها جيف ملقاة، أفيحسن بباشق الملك أن يطير عن كفه إلى ميتة؟ مهلاً " لا تمدنَّ عينيك " لو علمت أن لذة قهر الهوى أطيب من نيله لما غلبك، أما ترى الهرة تتلاعب بالفأرة ولا تقتلها ليبين أثر اقتدارها وربما تغافلت عنها، فتمعن الفأرة في الهرب فتثب فتدركها ولا تقتلها إيثاراً للذة القهر على لذة الأكل، من ذبح حنجرة الطمع بخنجر اليأس أعتق القلب من أسر الرق، من ردم خندق الحرص بسكر القناعة ظفر بكيمياء السعادة، من تدرع بدرع الصدق على بدن الصبر هزم عسكر الباطل، من حصد عشب الذنوب بمنجل الورع طالبت له روضة الاستقامة، من قطع فضول الكلام بشفرة الصمت وجد عذوبة الراحة في القلب، من ركب مركب الحذر مرت به رخاء الهدى إلى رجاء النجاة، من أرسى على ساحل الخوف لاحت له بلاد الأمن، إلا عزيمة عمرية، إلا هجرة سلمانية جاءت بمركب عمر، جنوب المجانبة للحق إلى دار الخيزران، فلما فتح له الباب انقلب شمالاً، مد يده لتناول خمر الفتك فاستحالت في الحال خلاً، جاء وكله كدر، فلما دنا من الصفا صفا، كان ماء قلبه لما جنى ملحاً آجناً فلما تلقاه النذير بالعذاب عذب.
يكون أجاجاً دونكم فإذ انتهى ... إليكم تلقى طيبكم فيطيب
سقم قلب سلمان من معاناة أمراض المجوس، فخرج إلى أودية الأدوية فالتقطته يد ظالم، وما عرفت، فهان على يوسف البيع ليلقى العزيز فبينا هو في نخلة يحترفها قدم مخبر بقدوم الرسول، فنزل ليصعد وصاح به: حدثني.
نزلوا جبال تهامة فلأجلهم ... يهوى الفؤاد تهامة وجبالها
يا صاحبيّ قفا علي بقدر ... ما أسقي بواكف عبرتي أطلالها
واعجباً، أطلب الشجاعة من حسان، وأسأل عن الهلال ابن أم مكتوم، أتلو سورة يوسف على روبيل، أستملي الفصاحة من باقل، وأنتظر الوفاء من عرقوب، لقد رجعت إذن بخفي حنين، يا من نقده مردود، وعقله محلول، نيتك في الحيرنية لو أنضجتها نيران خوف أو شوق لانتفعت بها.
ولي قوادم لو أني جذب بها ... لأنهضتني ولكن أفرخي زغب
غمض عينيك على الدواء يعمل، وافتحها لرؤية الهدى تبصر، حجر المعصية تطحطح إناء القلب، وضبة التوبة شعاب، يا من عزمه في الإنابة جزر بلا مد، وقفت سفينة نجاتك، ليل كسلك قد أطبق آفاق التردد، وقد طلبت فيه أطيار الهمة أوكار الدعة، فلو قد طلعت شمس العزيمة في نهار اليقظة لانبث عالم النشط في صحراء المجاهدة. يا صبيان التوبة، تزودوا للبادية تأهبوا لحاجر، انعلوا الإبل قبل زرود، ولا تنسوا وقت تناول الزاد جمالكم.
بين العقيق والكثيب الفرد ... علاقة لي من هوى ووجد
سل هضبات الرمل من جزع اللوى ... يوم النوى عن قلقي ووجدي
واستخبر الأنجم عن صبابتي ... بساكني نجد وأرض نجد
فمن مجيري أو ممن أستعدي ... وليس عند عاذلي ما عندي
الفصل السابع والأربعون
واعجباً لنفسٍ تدعى إلى الهدى فتأبى، ثم ترى خطأها بعين الهوى صواباً، كم أذهبت زمناً وكم أفنت شباباً، وكم سودت في تبييض أغراضها كتاباً.
أستغفر الله من نفس طغت وأبت ... أبتْ إلى هذه الدنيا فما أتأبت
جابت لي الشيب أوقات الشباب فما ... أجابت النصح لكن سيئاً جلبت
خانت فخابت وما طابت ولا سعدت ... وكم أرابت ورابت ثم ما رأبت
ودأبها في أمور غيرِ نافعةٍ ... ولو توافق أمست للنقي دأبت
همت بخير فلم تعزم وريثها ... خطب إذا هي في غير التقى رتبت
أما طريق المعالي فهي واضحة ... لكل طرف سرى عنه الكرى لحبت
والعالمون جميعاً عالمون بها ... على ركائب عن معروفها نكبت
ألا يسائل أملاك الورى فطن ... علام جمعت الأجناد واحتربت
إن الذي طلبته لا يدوم لها ... ولا مسرة إن فازت بماء طلبت
ألم يروا دول الماضين قبلهم ... كانوا بأحسن ما كانوا بها ذهبت
لا تفرحوا بهبات من زمانهم ... ستسترد الليالي كلما وهبت
لو أعلمت علمنا الغبراء ما ركدت ... تحت الأنام أو الخضراء ما ثقبت
وأم دفرٍ إذا ميزت حالتها ... كأم صلٍ إذا ما عضت انقلبت
وكيف ترجو صلاحاً من خلائقها ... كلما الناس فيه من أذى جلبت
لله درّ أقوام تأملوا غيبها وما زالوا حتى رأوا عيبها، نزلوا من الدنياء منزلة الأصياف، أخذوا الزاد وقالوا ما زاد إسراف، وقفوا عند الهموم والمؤمن وقاف، رموا فضول الدنيا من وراء قاف، لو رأيتهم في الدجى، يراعون النجوم، وخيل الفكر قد قطعت حلبات الهموم يشكون جرح الذنوب ويبكون الكلوم، أحرقت أحزانُهم أجسامَهم، وبقيت الرسوم بلغتهم البلغ ورمتك التخم في التخوم، سكروا من مناجاة الكريم، لا من بنات الكروم، أصبحت عليهم آثار الحبيب والطيب نموم، هذه سلع الأسحار من يشتري؟ من يسوم؟ أين قلبك الغائب؟ قل لي لمن تلوم؟ جسمك في أرض العراق وقلبك في أرض الروم، مهر الطبع ما ريض، أهاب البشرية ما دبغ، في عين البصير عشا، عرائس الموجودات ترفل في حلل مختلفة الصنعة والصبغة والصيغة، تعبر إلى المعتبر في معبر الاعتبار، فهل حظك حظها من النضارة أن تحظى من النظر بحظ.
جابت لي الشيب أوقات الشباب فما ... أجابت النصح لكن سيئاً جلبت
خانت فخابت وما طابت ولا سعدت ... وكم أرابت ورابت ثم ما رأبت
ودأبها في أمور غيرِ نافعةٍ ... ولو توافق أمست للنقي دأبت
همت بخير فلم تعزم وريثها ... خطب إذا هي في غير التقى رتبت
أما طريق المعالي فهي واضحة ... لكل طرف سرى عنه الكرى لحبت
والعالمون جميعاً عالمون بها ... على ركائب عن معروفها نكبت
ألا يسائل أملاك الورى فطن ... علام جمعت الأجناد واحتربت
إن الذي طلبته لا يدوم لها ... ولا مسرة إن فازت بماء طلبت
ألم يروا دول الماضين قبلهم ... كانوا بأحسن ما كانوا بها ذهبت
لا تفرحوا بهبات من زمانهم ... ستسترد الليالي كلما وهبت
لو أعلمت علمنا الغبراء ما ركدت ... تحت الأنام أو الخضراء ما ثقبت
وأم دفرٍ إذا ميزت حالتها ... كأم صلٍ إذا ما عضت انقلبت
وكيف ترجو صلاحاً من خلائقها ... كلما الناس فيه من أذى جلبت
لله درّ أقوام تأملوا غيبها وما زالوا حتى رأوا عيبها، نزلوا من الدنياء منزلة الأصياف، أخذوا الزاد وقالوا ما زاد إسراف، وقفوا عند الهموم والمؤمن وقاف، رموا فضول الدنيا من وراء قاف، لو رأيتهم في الدجى، يراعون النجوم، وخيل الفكر قد قطعت حلبات الهموم يشكون جرح الذنوب ويبكون الكلوم، أحرقت أحزانُهم أجسامَهم، وبقيت الرسوم بلغتهم البلغ ورمتك التخم في التخوم، سكروا من مناجاة الكريم، لا من بنات الكروم، أصبحت عليهم آثار الحبيب والطيب نموم، هذه سلع الأسحار من يشتري؟ من يسوم؟ أين قلبك الغائب؟ قل لي لمن تلوم؟ جسمك في أرض العراق وقلبك في أرض الروم، مهر الطبع ما ريض، أهاب البشرية ما دبغ، في عين البصير عشا، عرائس الموجودات ترفل في حلل مختلفة الصنعة والصبغة والصيغة، تعبر إلى المعتبر في معبر الاعتبار، فهل حظك حظها من النضارة أن تحظى من النظر بحظ.
واعجباً لك لو دخلت بيت ملك لم تزل تتعجب من رقوش نقوشه فارفع بصر التفكر واخفض عين البصيرة، فهل أحسن من هذا الكون؟ تلمح مخيم السقف كيف مدّ بلا أطناب؟، ثم زخرف نقشه برقم النجوم، والهلال دملوج في عضد السماء، فإذا جن الليل كحلت العيون بأثمد النوم، واجتلاها أهل " تَتَجافى " فإذا جلى ركب الدجى، جلا ضوء الشمس عن الأبصار رمد الظلام، أنظر إلى الأرض إذا تأيمت من زوج القطر، ووجدت لفقد إنفاقه مس الجدب، كيف تحد في ثياب " وتَرى الأَرضَ خاشعَةً " طالما لازمت حبس الصبر وسكنت مسكن المسكنة لولا ضجيج أطفال البذر، فإذا قوي فقر القفر امتدت أكف الطلب تستعطي زكاة السحاب، فهبت الجنوب من جناب اللطف، فسحبت ذيل النسيم على صحصح الصحارى، فتحركت جوامد الجلاميد وانتبه وسنان العيدان لقبول تلقيح اللواقيح، فإذا لبس الجو مطرفه الأدكن، أرسل خيالة الفطر شاهرة أسياف البرق وأنذر بالإقدام صوت الرعد، فقام فراش الهواء يرش خيش النسيم، فاستعار السحاب جفون العشاق وأكف الأجواد، فامتلأت الأودية أنهاراً، كلما لمستها كف النسيم حكى سلسالها سلاسل الفضة، فالشمس تسفر وتنتقب، والغمام يرش وينسكب، فانعقد بين الزوجين. عقد حب الحب، فلا يزال السحاب يسقي ذر البذر. بثدي الندى. وكلما احتاج إلى فضل قوت كر الرك، وشط الطش، ودق الودق، فطم إلى أن فطم الطفل، فإذا وقعت شمس الشتاء في الطفل، نشأ أطفال الزرع فارتبع الربيع أوسط بلاد الزمان، فأعار الأرض أثواب الصبا وروح كربها بنسيم الصبا، فانتبهت عيون النور من سنة الكرى، فكم نهضت من الغروس عروس بين يديها الأوراق كالوصائف فصافحت ريحها الخياشيم، ومنظرها الحدق، فكان عين النرجس عين وورقة ورق، فالشقايق تحكي لون الحجل والبهار يصف حال الوجل، والنيلوفر يغفى وينتبه، والأغصان تعتنق وتفترق، وقد ضرب الربيع جل ناره في جلناره، وبثت الأراييح أسرارها إلى النسيم فنم، فاجتمع في عرس التواصل فنون القيان، فعلا كل ذي فن على فنن، فتطارحت الأطيار مناظرات السجوع، فأعرب كل بلغته عن شوقه إلى إلفه، فالحمام يهدر، والبلبل يخطب، والقمري يرجع، والمكاء يغرد، والأغصان تتمايل، كلها تشكر الذي بيده عقدة النكاح فحينئذ تجد خياشم المشوق ضالة وجده.
لي بذات البان أشجان ... حبذا من أجلها الباب
حبذا رياه يوقظه ... من نسيم الفجر ريعان
حبذا ورق الحمام إذا ... رنحتها منه أغصان
داعيات بالهديل لها ... فيه أسجاعٌ وألحان
أعجمياتٌ إذا نطقت ... ليس إلا الشوق تبيان
كلما غنيتني هزجاً ... هاجني للذكر أحزان
ما لي بي ميل الغصون بها ... طربي فالكل نشوان
يا حمام البان يجمعنا ... وجدنا إذ نحن جيران
يحن بالشكوى إلي فما ... بين أهل الحب كتمان
يتشاكى الواجدون جوى ... واحداً والوجد ألوان
أنا مخلوس القرين وأنتن ... أزواج وأقران
وبعيد الدار عن وطن ... شاقه للبان أوطان
آه من داء أكاتمه ... والهوى سرّ وإعلان
لا تزدني يا عذول جوى ... أنا بالأشواق سكران
الفصل الثامن والأربعون
من علم أن هبات الدنيا هبا حل من غل ذل.
الدهر مستعجل يخب ... فاختم وطين الكتاب رطب
إن الذي أنت فيه حلم ... وسوف تنساه إذا تهب
توقَّ مكر الزمان واحذرْ ... ولا تثق فالزمان خب
جميع أفعاله غرور ... وكل ما نحن فيه لعب
وليس يبقى عليه شيءٌ ... يكرهه المرء أو يحب
أسمع أحاديث من تقضي ... يا من له ناظر وقلب
الدنيا تعطي تفاريق وتسترجع جملاً، وترضع أفاويق وتقطع عجلاً، يواني خيرها وإن واتى لمعا، ثم يأتي شرها حين يأتي دفعا، فترى العبرات عند فقدها تراق ولا ترقا، والزفرات عند سلبها تهد ولا تهدأ، ويحكم أن المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه
لي بذات البان أشجان ... حبذا من أجلها الباب
حبذا رياه يوقظه ... من نسيم الفجر ريعان
حبذا ورق الحمام إذا ... رنحتها منه أغصان
داعيات بالهديل لها ... فيه أسجاعٌ وألحان
أعجمياتٌ إذا نطقت ... ليس إلا الشوق تبيان
كلما غنيتني هزجاً ... هاجني للذكر أحزان
ما لي بي ميل الغصون بها ... طربي فالكل نشوان
يا حمام البان يجمعنا ... وجدنا إذ نحن جيران
يحن بالشكوى إلي فما ... بين أهل الحب كتمان
يتشاكى الواجدون جوى ... واحداً والوجد ألوان
أنا مخلوس القرين وأنتن ... أزواج وأقران
وبعيد الدار عن وطن ... شاقه للبان أوطان
آه من داء أكاتمه ... والهوى سرّ وإعلان
لا تزدني يا عذول جوى ... أنا بالأشواق سكران
الفصل الثامن والأربعون
من علم أن هبات الدنيا هبا حل من غل ذل.
الدهر مستعجل يخب ... فاختم وطين الكتاب رطب
إن الذي أنت فيه حلم ... وسوف تنساه إذا تهب
توقَّ مكر الزمان واحذرْ ... ولا تثق فالزمان خب
جميع أفعاله غرور ... وكل ما نحن فيه لعب
وليس يبقى عليه شيءٌ ... يكرهه المرء أو يحب
أسمع أحاديث من تقضي ... يا من له ناظر وقلب
الدنيا تعطي تفاريق وتسترجع جملاً، وترضع أفاويق وتقطع عجلاً، يواني خيرها وإن واتى لمعا، ثم يأتي شرها حين يأتي دفعا، فترى العبرات عند فقدها تراق ولا ترقا، والزفرات عند سلبها تهد ولا تهدأ، ويحكم أن المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه
إخواني: ذودوا هممكم عن مرعى المنى فإنه يزيدها عجقاً، ولا تولوا الهوى على ميدان الأبدان " إنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أوْ أَنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفساد " . الهوى وثن ينصب في جاهلية الشباب فإن صح إسلام العزم جعل أصنام الشهوات جذاذاً.
يا معاشر الشباب زيدوا في سلاسل الهوى فإن شيطان الهوى مارد، زنوا حلوى المشتهى بمر العقاب يبن لكم التفاوت، إلى متى يقودكم الهوى؟ إلى متى تستعبدكم الدنيا؟.
للشريف الرّضيّ:
كم اصطبارٌ على ضيمٍ ومنقصةٍ ... وكَمْ على الذلِّ إقرارٌ وإذعانُ
ثُوروا لها وَلْتَهُنْ فيها نفوسُكُمُ ... إنَّ المناقبَ للأرواح أثمانُ
إلى متى جمود الإناث؟ أين الحركة الرجولية؟.
للمهيار:
قم فانتشطْها حسبُها أن تُعقَلا ... ودَعْ لها أيديَها والأرجلا
لا يطرحُ الذلَّ وراء ظهره ... إلا فتىً يُنْضي المطايا الذُّلُلا
الجد الجد فالطريق طويلة، دار الناقة بذكر الدار عللها بصوت الحداة، فإذا لاح لها المنزل فشوقها يسوقها.
للمهيار:
إرخِ لها زمامها والأنسعا ... وارمِ بها من العلى ما شسعا
وارحل بها مغترباً عن العدى ... توطك من أرض العدى متسعا
يا رائد الظعن بأكناف اللوى ... بلغ سلامي إن وصلت لعلعا
ماذا عليهم لو رثوا لساهر ... لولا انتظار طيفِهم ما هجعا
إخواني: انبعاث الجوارح في العمل دليل على قوة العلم بالأجر، فإذا حصل تسليم النفوس في الجهاد إلى القتل كان النهاية في كمال اليقين، فإذا وقع الفرح بأسباب التلف دل على كمال المحبة، كما قال عبد الله بن جحش اللهم سلِّط علي غداً عدواً يبقر بطني ويجدع أنفي، فإذا لقيتك قلت هذا فيك ومن أجلك.
وطعن حرام بن ملحان، فنفذ فيه الرمح فقال: فزت وربِّ الكعبة. لو رأيتهم والمعترك قد اعتكر وقد تقدموا في القدموس فانبلج الأمر وجاش جأش الجيش في أُفُرّة فلم يتميز الهلقام السرعرع، من القلهزم الحنزقرة، وإذا الغضنفر الدمكمك والقخر العلندي والضباضب الدلامر كلهم في مقام أجفيل فلما انزعجت الطباع تذكروا قبيح الجناية، فمدوا أيدي التسليم للودايع، فخضب الدماء محاسن وجوه، طال ما صبرت على برد الماء وقت الإسباغ، وحصدت مناجل السيوف زروع روس طال ما أطرقت في الأسحار، وعادت خيولهم خلية عنهم فوطئتهم بعد السنا تحت السنابك، واقتسم لحومهم عقبان السماء وسباع الأرض، فكم من رجل رجل، طالما قامت فصلت فصلت، وكم من يد بالدعاء رفعت وقعت، وكم من بطن حمل بالصيام ما شق شق، وكم من عين كانت تعين الحزين بالفيض وقعت في منقار طائر هذا حديث الأجسام فأما الأرواح ففي دار السلام، والله ما كانت إلا غفوة حتى أعطاهم العفو عفوا عفوه، وكأنكم بأجسادهم التي تفرقت قد تلفقت، وبالقبور التي جمعتهم قد تشققت، وقد قاموا بالسلاح حول العرش ينادون بلسان الحال، عن صاحبه حاربنا ولأجله قتلنا، وكلومهم يومئذ قد انفجرت فجرت، اللون لون الدم والريح ريح المسك، فليعلم الأشهاد حينئذ أنهم الشهداء، اسمع يا من لا يحارب الهوى ولا ساعة فلو فاتتك الغنائم وحدها قرب الأمر، وإنما لقب جبان قبيح، أين أرباب العزائم القوية؟ امتلأت بالأبرار البرية، رحلوا عنها وفاتوا، ونحن متنا وهم ما ماتوا.
خَلّي طرفي والبكا إن كنتَ خِلي ... فالحمى أقفر من جار وأهل
والح من لم يدر ما طعم السى ... أنا عن لومك في أشغل شغل
لم يدع وقر الهوى في سمعي ... واعتراضات الهوى باباً لعذل
غير قلبي أن تأسى عاشق ... للتأسي أو تسلي للتسلي
أثاف ما ترى تشكو الصلا ... أم قلوب بين حصباء ورمل
هذه من بعدهم آثارهم ... والتجافي عن بلى الأطلاب يبلي
ما وقوفي في محلٍّ ساكنٍ ... في فؤادي أهلُه لا في المحل
يتمنّى طيفُكُم صب لكم ... مستهام والمنى جهد المقل
والذي يستجلب الطيف الكرى ... من لعيني أن ترى النوم ومن لي
يا معاشر الشباب زيدوا في سلاسل الهوى فإن شيطان الهوى مارد، زنوا حلوى المشتهى بمر العقاب يبن لكم التفاوت، إلى متى يقودكم الهوى؟ إلى متى تستعبدكم الدنيا؟.
للشريف الرّضيّ:
كم اصطبارٌ على ضيمٍ ومنقصةٍ ... وكَمْ على الذلِّ إقرارٌ وإذعانُ
ثُوروا لها وَلْتَهُنْ فيها نفوسُكُمُ ... إنَّ المناقبَ للأرواح أثمانُ
إلى متى جمود الإناث؟ أين الحركة الرجولية؟.
للمهيار:
قم فانتشطْها حسبُها أن تُعقَلا ... ودَعْ لها أيديَها والأرجلا
لا يطرحُ الذلَّ وراء ظهره ... إلا فتىً يُنْضي المطايا الذُّلُلا
الجد الجد فالطريق طويلة، دار الناقة بذكر الدار عللها بصوت الحداة، فإذا لاح لها المنزل فشوقها يسوقها.
للمهيار:
إرخِ لها زمامها والأنسعا ... وارمِ بها من العلى ما شسعا
وارحل بها مغترباً عن العدى ... توطك من أرض العدى متسعا
يا رائد الظعن بأكناف اللوى ... بلغ سلامي إن وصلت لعلعا
ماذا عليهم لو رثوا لساهر ... لولا انتظار طيفِهم ما هجعا
إخواني: انبعاث الجوارح في العمل دليل على قوة العلم بالأجر، فإذا حصل تسليم النفوس في الجهاد إلى القتل كان النهاية في كمال اليقين، فإذا وقع الفرح بأسباب التلف دل على كمال المحبة، كما قال عبد الله بن جحش اللهم سلِّط علي غداً عدواً يبقر بطني ويجدع أنفي، فإذا لقيتك قلت هذا فيك ومن أجلك.
وطعن حرام بن ملحان، فنفذ فيه الرمح فقال: فزت وربِّ الكعبة. لو رأيتهم والمعترك قد اعتكر وقد تقدموا في القدموس فانبلج الأمر وجاش جأش الجيش في أُفُرّة فلم يتميز الهلقام السرعرع، من القلهزم الحنزقرة، وإذا الغضنفر الدمكمك والقخر العلندي والضباضب الدلامر كلهم في مقام أجفيل فلما انزعجت الطباع تذكروا قبيح الجناية، فمدوا أيدي التسليم للودايع، فخضب الدماء محاسن وجوه، طال ما صبرت على برد الماء وقت الإسباغ، وحصدت مناجل السيوف زروع روس طال ما أطرقت في الأسحار، وعادت خيولهم خلية عنهم فوطئتهم بعد السنا تحت السنابك، واقتسم لحومهم عقبان السماء وسباع الأرض، فكم من رجل رجل، طالما قامت فصلت فصلت، وكم من يد بالدعاء رفعت وقعت، وكم من بطن حمل بالصيام ما شق شق، وكم من عين كانت تعين الحزين بالفيض وقعت في منقار طائر هذا حديث الأجسام فأما الأرواح ففي دار السلام، والله ما كانت إلا غفوة حتى أعطاهم العفو عفوا عفوه، وكأنكم بأجسادهم التي تفرقت قد تلفقت، وبالقبور التي جمعتهم قد تشققت، وقد قاموا بالسلاح حول العرش ينادون بلسان الحال، عن صاحبه حاربنا ولأجله قتلنا، وكلومهم يومئذ قد انفجرت فجرت، اللون لون الدم والريح ريح المسك، فليعلم الأشهاد حينئذ أنهم الشهداء، اسمع يا من لا يحارب الهوى ولا ساعة فلو فاتتك الغنائم وحدها قرب الأمر، وإنما لقب جبان قبيح، أين أرباب العزائم القوية؟ امتلأت بالأبرار البرية، رحلوا عنها وفاتوا، ونحن متنا وهم ما ماتوا.
خَلّي طرفي والبكا إن كنتَ خِلي ... فالحمى أقفر من جار وأهل
والح من لم يدر ما طعم السى ... أنا عن لومك في أشغل شغل
لم يدع وقر الهوى في سمعي ... واعتراضات الهوى باباً لعذل
غير قلبي أن تأسى عاشق ... للتأسي أو تسلي للتسلي
أثاف ما ترى تشكو الصلا ... أم قلوب بين حصباء ورمل
هذه من بعدهم آثارهم ... والتجافي عن بلى الأطلاب يبلي
ما وقوفي في محلٍّ ساكنٍ ... في فؤادي أهلُه لا في المحل
يتمنّى طيفُكُم صب لكم ... مستهام والمنى جهد المقل
والذي يستجلب الطيف الكرى ... من لعيني أن ترى النوم ومن لي
بعت حلمي طائعاً لا كارهاً ... بسفاهي فاشتروا عزي بذُلي
وانقضى أكثر عمري في القلى ... جفوة منكم فرقوا للأقل
حملوني الخف من هجركم ... وارحموا من ما له طاقة ثقل
عجباً لي ولقلب ضائعٍ ... بان عني بين بانات وأثل
سل بقلبي عن خيام باللوى ... تاه قلبي في حماها ضلّ عقلي
ذات طوقٍ مثل شجوى شجوها ... غير أن ما شكلها في الحزن شكلي
أنا في النوح اضطراراً مثلها ... وهي في غير اضطرارٍ فيه مثلي
حرم الله على البان الصبا ... وحماه الغيث من طلٍّ ووبل
ما على السائق لو حلّ النقى ... وأراح العيس من شدٍّ وحلّ
فعسى تدني المنى منى مني ... ولعلي أن أرى الخيف لعلّي
الفصل التاسع والأربعون
عجباً لراحلٍ عن قليل غافل عن زاد الرحيل لا يعتبر بأخذ الجيل وإنما هو تأخير وتعجيل، أين النزيل؟ أزيل. أين القويم؟ أميل. أين المطمئن؟ اغتيل.
إنَّ الليالي لا تبقى على حال ... والناس ما بين آمالٍ وآجال
كيف السرور بإقبال وآخره ... إذا تأملته مقلوب إقبال
تيقظوا فالأيام دائبة، وتحفظوا فالسهام صائبة، واحذروا دنياكم فما هي مواتية، واذكروا أخراكم فها هي آتية، أما رأيتم الدنيا فقد أبانت خدعها ومكرها، إذا بانت من جمعها مكرها، أين الارتياد للسلامة غداً، أين الاستعداد؟ قبل الندامة أبدا، كأنكم بالمسير عن الربع قد أزف، وبالكثير من الدمع قد نزف، وبالمقيم قد أبين مما ألف، وبالكريم قد أهين لما تلف.
يا طالب الدنيا دنا فراقها ... تزويجها أسرع أم إطلاقها
ودين من يخطها صداقها
عباد الله من تعلق قلبه بالجنة لا يصلح لنا، فكيف بمن يهوى الدنيا؟.
أردناكم صرفاً فلما مزجتم ... بعدتم بمقار التفاتكم عنا
وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ... فأسكنتم الأغيارَ ما أنتم منا
السلطان لا يزاحم في داره، " لا يسعني شيءٌ ويسعى قلب عبدي المؤمن " .
غبتم عن العين القريحة فيكم ... وسكنتم في القلب دار مقام
وسلبتم جلدي التصبر عنكم ... فالصبر أول راحلٍ بسلام
خرج المريد الصادق من ديار الهوى إلى بادية الطلب، فجن عليه ليل التحير فجن، فإذا نار القرى تلوح إن حملت رجل الرجل.
للمهيار:
قد أبصرتْ حقّاً مناها في الحمى ... وظنَّها بحاجر يقينا
فبَلَغَتْ أدعو لها وبلَّغتْ ... وخانني من لم يقل: آمينا
كرب المحب بالنهار يشتده لمزاحمة رقباء المخالطة، فبلبل بلباله يتبلل في قفص الكتم، فإذا هبّت نسيمُ السحر وجد بروحه روحاه يصل من قصر مصر المنى إلى أرض كنعان الأمل، فيقدم ركب الشوق يتجسس النسيم، من فرج الفرج ولَهَ وَلَهٌ، فنهض توق الشوق فتكلم قلم الشكوى، ورقم وصف القوم وحكى ما حاكى، وكنى عن ما كنى.
عاودَ القلبُ غرامَهُ ... وجفا الجفن منامه
كلما قلت جوى الشوق ... خبا زاد اضطرامه
أنا في أسرك والمأسور ... قد يرعى ذمامه
آه من عتبك في الليل ... إذا جن ظلامه
سيدي هائمك الحيران ... قد زاد هيامه
هو ميت غيران لم ... تبل في الترب عظامه
كنهاري منذ فارقتك ... ليلى لا أنامه
إذا اعتكر الليل اعترك الهم، طال الدجى على الأبدان وقصر على القلوب.
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما اقتصر الليل عندنا
لو رأيت رواحل الأبدان قد أنضاها طول السهر وأضناها، فلما هبت نجدية السحر مدت أعناق الشوق فزال كل الكلال.
لصردر:
تزاوَرن عن أذرعاتٍ يمينا ... نواشز ليس يُطعن البرينا
كَلِفْنَ بنجد كان الرياض ... أخذنَ لنجد عليها يمينا
وأقسمن يحملن إلا نحيلا ... إليه ويُبْلغنَ إلا حزينا
وانقضى أكثر عمري في القلى ... جفوة منكم فرقوا للأقل
حملوني الخف من هجركم ... وارحموا من ما له طاقة ثقل
عجباً لي ولقلب ضائعٍ ... بان عني بين بانات وأثل
سل بقلبي عن خيام باللوى ... تاه قلبي في حماها ضلّ عقلي
ذات طوقٍ مثل شجوى شجوها ... غير أن ما شكلها في الحزن شكلي
أنا في النوح اضطراراً مثلها ... وهي في غير اضطرارٍ فيه مثلي
حرم الله على البان الصبا ... وحماه الغيث من طلٍّ ووبل
ما على السائق لو حلّ النقى ... وأراح العيس من شدٍّ وحلّ
فعسى تدني المنى منى مني ... ولعلي أن أرى الخيف لعلّي
الفصل التاسع والأربعون
عجباً لراحلٍ عن قليل غافل عن زاد الرحيل لا يعتبر بأخذ الجيل وإنما هو تأخير وتعجيل، أين النزيل؟ أزيل. أين القويم؟ أميل. أين المطمئن؟ اغتيل.
إنَّ الليالي لا تبقى على حال ... والناس ما بين آمالٍ وآجال
كيف السرور بإقبال وآخره ... إذا تأملته مقلوب إقبال
تيقظوا فالأيام دائبة، وتحفظوا فالسهام صائبة، واحذروا دنياكم فما هي مواتية، واذكروا أخراكم فها هي آتية، أما رأيتم الدنيا فقد أبانت خدعها ومكرها، إذا بانت من جمعها مكرها، أين الارتياد للسلامة غداً، أين الاستعداد؟ قبل الندامة أبدا، كأنكم بالمسير عن الربع قد أزف، وبالكثير من الدمع قد نزف، وبالمقيم قد أبين مما ألف، وبالكريم قد أهين لما تلف.
يا طالب الدنيا دنا فراقها ... تزويجها أسرع أم إطلاقها
ودين من يخطها صداقها
عباد الله من تعلق قلبه بالجنة لا يصلح لنا، فكيف بمن يهوى الدنيا؟.
أردناكم صرفاً فلما مزجتم ... بعدتم بمقار التفاتكم عنا
وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ... فأسكنتم الأغيارَ ما أنتم منا
السلطان لا يزاحم في داره، " لا يسعني شيءٌ ويسعى قلب عبدي المؤمن " .
غبتم عن العين القريحة فيكم ... وسكنتم في القلب دار مقام
وسلبتم جلدي التصبر عنكم ... فالصبر أول راحلٍ بسلام
خرج المريد الصادق من ديار الهوى إلى بادية الطلب، فجن عليه ليل التحير فجن، فإذا نار القرى تلوح إن حملت رجل الرجل.
للمهيار:
قد أبصرتْ حقّاً مناها في الحمى ... وظنَّها بحاجر يقينا
فبَلَغَتْ أدعو لها وبلَّغتْ ... وخانني من لم يقل: آمينا
كرب المحب بالنهار يشتده لمزاحمة رقباء المخالطة، فبلبل بلباله يتبلل في قفص الكتم، فإذا هبّت نسيمُ السحر وجد بروحه روحاه يصل من قصر مصر المنى إلى أرض كنعان الأمل، فيقدم ركب الشوق يتجسس النسيم، من فرج الفرج ولَهَ وَلَهٌ، فنهض توق الشوق فتكلم قلم الشكوى، ورقم وصف القوم وحكى ما حاكى، وكنى عن ما كنى.
عاودَ القلبُ غرامَهُ ... وجفا الجفن منامه
كلما قلت جوى الشوق ... خبا زاد اضطرامه
أنا في أسرك والمأسور ... قد يرعى ذمامه
آه من عتبك في الليل ... إذا جن ظلامه
سيدي هائمك الحيران ... قد زاد هيامه
هو ميت غيران لم ... تبل في الترب عظامه
كنهاري منذ فارقتك ... ليلى لا أنامه
إذا اعتكر الليل اعترك الهم، طال الدجى على الأبدان وقصر على القلوب.
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما اقتصر الليل عندنا
لو رأيت رواحل الأبدان قد أنضاها طول السهر وأضناها، فلما هبت نجدية السحر مدت أعناق الشوق فزال كل الكلال.
لصردر:
تزاوَرن عن أذرعاتٍ يمينا ... نواشز ليس يُطعن البرينا
كَلِفْنَ بنجد كان الرياض ... أخذنَ لنجد عليها يمينا
وأقسمن يحملن إلا نحيلا ... إليه ويُبْلغنَ إلا حزينا
ولما استمعن زفيرَ المشوق ... ونوحَ الحمام تركنَ الحنينا
إذا جئتما بانة الواديين ... فأرخو النسوع وحلّوا الوضينا
فثَمَّ علائق من أجلها ... مُلاءُ الدجى والضحى قد طوينا
وقد أنبأتْهم مياهُ الجفون ... بأن بقلبك داء دفينا
دموع الخائفين يحبسها النهار مراقبة الخلق، فإذا جن الليل انفتح سكر الدموع " فسالت أودية بقدرها " أرواح الأسحار أقوات الأرواح، رقت فرقت حرجد الوجد، وبلغت رسائل الحب ومكروب الشوق يرتاح للرياح.
يا نسيم الريح هل من وقفة ... تطغي الغلة أو تشفي الأواما
كن رسولاً بسلام عائداً ... نحو من أنقذني فيك السلاما
لم تثر شجوى حمامات اللوى ... بل غرامي علم الشجو الحماما
كانت بردة العابدة تنادي في جوف الليل: غارت النجوم ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك يا خير محبوب، أفتراك تعذبني؟ وحبك في قلبي لا تفعل يا حبيباه.
إن شئت سألت دمع عيني عني ... يخبرك بأنني أسير الحزن
منك الغفران والخطايا مني ... ظني حسن فيك فحقق ظني
يا غافل القلب، ما هذا الكلام لك؟ ليس على الخراب خراج، لا يعرف البر إلا سائح، ولا البحر إلا سابح، ولا الزناد إلا قادح.
ضمنا يوم تنادوا للقا ... موقف يعرفه من عشقا
لما عشقت اللبلابة الشجر، تقلقلت طلباً لاعتناق الرؤس ولثم الخدود، فقيل لها مع الكثافة لا يمكن، فرضيت بالنحول، فالتفت فالتقت.
حبي والوجد أورياني سقما ... هذا جسمي يعد عظماً عظما
دعني والشوق قد كفاني خصما ... يا سهم البين قد أصبت المرمى
الفصل الخمسون
أخواني: من تفكر في ذنوبه بكى، ومن تلمح سير السابقين وانقطاعه شكا، ولا أقلق القلب مثل الحزن ولا نكا.
عند قلبي علاقة ما تقضى ... وجوى كلما ذوى عاد غضا
وبكاء على المنازل أبلتهن ... أيدي الأنام بسطاً وقبضا
من معيد أيام ذي الأثل أو ما ... قل منها دبنا علي وقرضا
سامحا بالقليل من عهد نجد ... ربما أقنع القليل وأرضى
مهدياً لي من طيب أرواح نجد ... ما يداوي نكس العليل المنضى
أخواني: تفكروا في ذنب أبيكم ونزوله بالزلل، ويكفيكم رمز إلى آدم بأنك عبد، في قوله " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " لأن العبد ليس له إلا ما سد الجوعة وستر
إذا جئتما بانة الواديين ... فأرخو النسوع وحلّوا الوضينا
فثَمَّ علائق من أجلها ... مُلاءُ الدجى والضحى قد طوينا
وقد أنبأتْهم مياهُ الجفون ... بأن بقلبك داء دفينا
دموع الخائفين يحبسها النهار مراقبة الخلق، فإذا جن الليل انفتح سكر الدموع " فسالت أودية بقدرها " أرواح الأسحار أقوات الأرواح، رقت فرقت حرجد الوجد، وبلغت رسائل الحب ومكروب الشوق يرتاح للرياح.
يا نسيم الريح هل من وقفة ... تطغي الغلة أو تشفي الأواما
كن رسولاً بسلام عائداً ... نحو من أنقذني فيك السلاما
لم تثر شجوى حمامات اللوى ... بل غرامي علم الشجو الحماما
كانت بردة العابدة تنادي في جوف الليل: غارت النجوم ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك يا خير محبوب، أفتراك تعذبني؟ وحبك في قلبي لا تفعل يا حبيباه.
إن شئت سألت دمع عيني عني ... يخبرك بأنني أسير الحزن
منك الغفران والخطايا مني ... ظني حسن فيك فحقق ظني
يا غافل القلب، ما هذا الكلام لك؟ ليس على الخراب خراج، لا يعرف البر إلا سائح، ولا البحر إلا سابح، ولا الزناد إلا قادح.
ضمنا يوم تنادوا للقا ... موقف يعرفه من عشقا
لما عشقت اللبلابة الشجر، تقلقلت طلباً لاعتناق الرؤس ولثم الخدود، فقيل لها مع الكثافة لا يمكن، فرضيت بالنحول، فالتفت فالتقت.
حبي والوجد أورياني سقما ... هذا جسمي يعد عظماً عظما
دعني والشوق قد كفاني خصما ... يا سهم البين قد أصبت المرمى
الفصل الخمسون
أخواني: من تفكر في ذنوبه بكى، ومن تلمح سير السابقين وانقطاعه شكا، ولا أقلق القلب مثل الحزن ولا نكا.
عند قلبي علاقة ما تقضى ... وجوى كلما ذوى عاد غضا
وبكاء على المنازل أبلتهن ... أيدي الأنام بسطاً وقبضا
من معيد أيام ذي الأثل أو ما ... قل منها دبنا علي وقرضا
سامحا بالقليل من عهد نجد ... ربما أقنع القليل وأرضى
مهدياً لي من طيب أرواح نجد ... ما يداوي نكس العليل المنضى
أخواني: تفكروا في ذنب أبيكم ونزوله بالزلل، ويكفيكم رمز إلى آدم بأنك عبد، في قوله " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " لأن العبد ليس له إلا ما سد الجوعة وستر
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى