منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 ) 1393418480781

المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 ) 140

المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 ) Empty المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 )

السبت 15 أكتوبر 2011, 20:27
القسم الثاني في المواعظ
وهو المشتمل على المواعظ والإرشادات مطلقاً وهو مائة فصل
الفصل الأول
في قوله تعالى " هو الأول والآخر " يذكر فيه التوحيد
أول ليس له مبدأ، آخر جل عن منتهى، ظاهر بالدليل، باطن بالحجاب، يثبته العقل ولا يدركه الحس، كل مخلوق محصور، بحد مأسور في سور قطر، والخالق بائن مباين يعرف بعدم مألوف التعريف، ارتفعت لعدم للشبه الشبه، إنما يقع الإشكال في وصف من له أشكال، وإنما تضرب الأمثال لمن له أمثال، فأما من لم يزل ولا يزال فما للحس معه مجال، عظمته عظمت عن نيل كف الخيال.
كيف يقال له كيف، والكيف في حقه محال، أنى تتخايله الأوهام وهي صنعه، كيف تحده العقول وهي فعله، كيف تحويه الأماكن وهي وضعه، انقطع سير الفكر، وقف سلوك الذهن، بطلت إشارة الوهم، عجز لطف الوصف، عشيت عين العقل، خرس لسان الحس، لا طور للقدم في طور القدم، عز المرقى فيأس المرتقى، بحر لا يتمكن منه غايص، ليل لا يبين للعين فيه كوكب:
مرام شط مرمى العقل فيه ... فدون مداه بيد لا تبيد




جادة التسليم سليمة، وادي النقل بلا نقع، انزل عن علو غلو التشبيه، ولا تعل قلل أباطيل التعطيل، فالوادي بين جبلين، المشبه متلوث بفرث التجسيم، والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق لبن خالص هو التنزيه، تخمّر في نفوس الكفار حب الأصنام، فجاء محمد فمحا ذلك بالتوحيد، وتخمر في قلوب المشبهة حب صورة وشكل، حييت فمحوتها بالتنزيه " والعلماء ورثة الأنبياء " ما عرفه من كيفه، ولا وحده من مثله، ولا عبده من شبهه، المشبه أعشى، والمعطل أعمى.
فما ينزه عنه فم، فيما يجب نفيه بثم جل وجوب وجوده عن رجم لعل، سبق الزمان فلا يقال كان إذ، تمجد في وحدانيته عن زحام مع، تفرد بالإنشاء فلا يستفهم عن الصانع بمن، أبرز عرايس المخلوقات من كنّ كن، بث الحلم فلم يعارض بلم، تعالى عن بعضية من، وتقدس عن ظرفية في، وتنزه عن شبه كان، وتعظم عن نقص لو أن، وعز عن عيب إلا أن، وسما كماله عن تدارك لكن.
إن وقف ذهن بوصفه صاح العز جز، إن سار فكر نحوه قالت الهيبة عد، إن قعد اللسان عن ذكره قال القلب قم، إن تجبر متكبر قال القهر شم، إن سأل محتاج قال الإنعام رش، إن تعرض فقير قال الوفر فر، إن سكت مذنب حيا قال الحلم قل، إن بعد ذو خطاء نادى اللطف إبْ، نثر عجايب النعم وقال للكل خذ.
من بيان عظمته " رفيع الدرجات " من أثر قسره " تُسبِّح له السماوات " توقيع أمره " يأمر بالعدل " واقع زجره " ينهى عن الفحشاء " ينادي على باب عزته " لا يُسأل " يصاح على محجة حجته " لمن الأرض ومن فيها " ينذر جاسوس علمه " ما يكون من نجوى ثلاثة " يقول جهبذ طوله " وإن تعدُّوا نعمة الله " يترنم منشد فضله " لا تقنطوا " .
سبحان من أقام من كل موجود دليلاً على عزته، ونصب علم الهدى على باب حجته، الأكوان كلها تنطق بالدليل على وحدانيته، وكل موافق ومخالف يمشي تحت مشيئته، إن رفعت بصر الفكر ترى دائرة الفلك في قبضته، وتبصر شمس النهار وبدر الدجى يجريان في بحر قدرته، والكواكب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته، فمنها رجوم للشياطين ترميهم فترميهم عن حمى حمايته، ومنها سطور في المهامه يقرؤها المسافر في سفر سفرته، وإن خفضت البصر رأيت الأرض ممسكة بحكمة حكمته، كل قطر منها محروس بأطواده عن حركته، فإذا ضجت عطائها ثار السحاب من بركة بركته، ونفخ في صور الرعد لإحياء صور النبات من حفرته، فيبدو نور النور يهتز طرباً بخزامى رحمته، فإذا استوى على سوقه. زادت في سوقه نعامى نعمته، ويفتق يد الإيجاد بأنامل القدرة أكمام النبات عن صنعة صبغته، فيرفل في حلى حلل الحال الحالية إلى معبر عبرته، وتصدح الورق على الورق كل بتبليغ لغته، والأشجار معتنقة ومفترقة على مقدار إرادته، صنوان وغير صنوان، هذا بعض صنعته " ويُسبِّح الرعد بحمد والملائكة من خيفته " .
نظر بعين الاختيار إلى آدم فحظي بسجود ملائكته، وإلى ابنه شيث فأقامه في منزلته، وإلى إدريس فاحتال بإلهامه على جنته، وإلى نوح فنجا من الغرق بسفينته، وإلى هود فعاد على عاد شؤم مخالفته، وإلى صالح فتمخضت صخرة بناقته، وإلى إبراهيم فتبختر في حلة خلته، وإلى إسماعيل فأعان الخليل في بناء كعبته، وإلى إسحق فافتكه بالفداء من ضجعته، وإلى لوط فنجاه وأهله من عشيرته، وإلى شعيب فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى يعقوب فرد حبيبه مع حبيبته، وإلى يوسف فأراه البرهان في همته، وإلى موسى فخطر في ثوب مكالمته، وإلى إلياس فاليأس للناس من حالته، وإلى داود فألان الحديد له على حدته، وإلى سليمان فراحت الريح من في مملكته، وإلى أيوب فيا طوبى لركضته، وإلى يونس فسمع نداه في ظلمته، وإلى زكريا فقرن سؤاله ببشارته، وإلى يحيى فتلمح حصير الحصور على سدة سيادته، وإلى عيسى فكم أقام ميتاً من حفرته، وإلى محمد، فخصه ليلة المعراج رؤيته.
وأعرض عن إبليس فخزي ببعده ولعنته، وعن قابيل فقلب قلبه إلى معصيته، وعن نمرود فقال أنا أحيي الموتى ببلاهته، وعن فرعون فادعى الربوبية على جرأته، وعن هامان فأين رأيه؟ يوم اليم في وزارته، وعن قارون فخرج على قومه في زينته، وعن بلعام فهلك بل عام في بحر شقوته، وعن برصيصا فلم تنفعه سابق عبادته، وعن أبي جهل فشقي مع سعادة أمه وابنه وابنته، هكذا جرى تقديره من يوم " لا أبالي " في قسمته " ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته " .
الفصل الثاني




في قوله تعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " نذكر فيه فضل نبينا صلى الله عليه وسلم
لم يزل ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم منشوراً وهو في طي العدم، توسل به آدم، وأخذ له ميثاق الأنبياء على تصديقه، في بعض درسه علم إدريس، في ضمن وجده حزن يعقوب، في سر جده صبر أيوب، في طي خوفه بكاء داود، بعض غنى نفسه يزيد على ملك سليمان، غير بعيد خل خلاله خلة الخليل، ونال تكليم موسى، واسترجع له النظر عند قاب قوسين، فهو جملة الجمال، وكل الكمال، وواسطة العقد، وزينة الدهر، يزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر، والبحر على القطر، فهو أصدرهم وبدرهم، وعليه يدور أمرهم، قطب فلكهم، عين كتيبتهم، واسطة قلادتهم، نقش فصهم، بيت قصيدتهم، حاتمهم، خاتمهم:
شمس ضحاها هلال ليلتها ... در تقاصيرها زبرجدها
لما رأى تخليط قريش في دعوى الشرك فر في بادية الهرب فتحرى غار حراء في الفرار للفراغ، فراغ إليه فجاء مزاحم " اقرأ " يا راهب الصمت تكلم، قال لسان العجز البشري: لست بقارئ، فحم لما حم فزمزم بلفظ " زمِّلوني " فصاح الملك " يا أيها المزَّمِّل " يا أطيب ثمار كن، يا محمولاً عليه. ثقل قل " قم " .
لما بعث الملك الملك إلى نبينا برسالة " اقرأ " فتر الوحي بعدها مدة، مات قوس الشوق فرمت الكبداء الكبد، بكبد أعجز المكابدة، فكان يهم لما يلقي بإلقاء نفسه من ذروة الجبل، فإذا بدا له جبريل بدله، ثم رميت الشياطين عند مبعثه بأسهم الشهب، عن قوس " ويُقذفون من كل جانب " فمروا إلى المغارب، ومشوا إلى المشارق، ليقطعوا سبسب السبب، فجرت ريح التوفيق، بمراكب بعضهم إلى تهامة، فصادفوه في الصلاة، فصادفوه قلوب القوم، فصاحت ألسنة الوجد " إنّا سمعنا قرآناً عجبا " .
تحركت لتعظيمه السواكن، فحن إليه الجذع، وسبح الحصى، وتزلزل الجبل وتكلم الذيب، كل كنى عن شوقه بلغاته. فمرضت قريش بداء الحسد فقالوا مجنون، يا محمد، هذا نقش يرقانهم لا لون وجهك.
لما أخذ في سفر " أسرى " فنقل إلى المسجد الأقصى، برز إليه عباد الأنبياء من صوامعهم، فاقتدوا بصلاة راهب الوجود، ثم خرج فعرج فعرضت عليه الجنة والنار، حتى عرف الطبيب عقاقير الأدوية، قبل تركيب الأدوية، يل لها من ليلة، قل غرب حد سيف " أتجعل فيها " ظنت الملائكة أن الآيات تختص بالسماء، فإذا آية الأرض قد علت.
أقبلت رؤساء الأملاك، تحيي الرئيس الأكبر، فرأى في القوم ملكاً نصفه من ثلج ونصفه من نار، فعجب لاجتماع الضدين، فقيل لا تعجب فعندك أعجب منه، لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا، كان جبريل دليل البادية فلما وصل إلى مفازة ليس فيها علم يعرفه، علم ابن أجود أن الصدق أجود، فقال: ما أنت وربك، فإذا قامت القيامة، فموسى صاحبه، وعيسى حاجبه، والخليل في عسكره، وآدم ينادي بلسان حاله يا ولد صورتي، ويا والد معناي، ما صعد من بحور الأكوان أشرف من درة نبينا صلى الله عليه وسلم، طرة غرته أحسن من جمال يوسف، لعاب فيه أشفى من البرء، شمس شرعه لا يدركها كسوف ناسخ، قمر دينه لا يدخل في محاق.
كل الأنبياء في القيامة تقول نفسي نفسي، وهو يقول أمتي أمتي، فإذا سجد، قيل ارفع رأسك، وقل تُسمَع، كم بين ذل محب، وإدلال محبوب، الحيوانات تذل في طلب القوت، والفيلة تتملق حتى تأكل، يا من هو في جملة جنود هذا الشجاع، أيحسن بك؟ كل يوم هزيمة.




لولا جد أصحابه في جهادهم وشجاعتهم في صفوف قتالهم، لافتضح المتأخرون، فالحمد لله على اليزل، كانوا بالليل رهباناً وبالنهار فرساناً، قطع الرسول طمع من طمع في لحاقهم بحسام " ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " وكيف تنال مرتبة السابق بشيء وقر في صدره؟ أو منقبة المهيب والعدو يفرق من ظله؟ أو مقام الوقور فالملائكة تستحي منه؟ أو فضيلة مزاحم النفس في منزلة كهارون من موسى: يأس والله الكهول من مقارنة سيدَيْ كهول أهل الجنة، كما لم تطمع الشباب في مزاحمة سيدَيْ شباب أهل الجنة، متى التهبت في صحابة الأنبياء؟ عزيمة كحمرة جمرة حمزة، أو علا على العلاء علي، كعلاء علي، لقد فاز بلقب الصدق طلحة الجود، كما سعد بالفضل وحوارى الزبير، وسما بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلفه ابن عوف، كما قرت بلفظ فداك أبي وأمي عين سعد، ونجا بالشهادة له بالجنة سعيد، كما عز ابن الجراح بلقب الأمين، ولم يذكر باسمه بالقرآن غير زيد، وأين في الموالي مثل سالم وسلمان؟ ومن في الزهاد كمصعب وابن مظعون، وإنه لمسعود عبد الله ابن مسعود، وطوبى ثم طوبى لخباب وصهيب، ويا شرف المؤمنين بصوت بلال، ويكفي فخراً: " كوني فخراً لعمار " وأي بيت يشبه بيت أبي أيوب؟ ومن زين القراء إلا أبي بن كعب؟ ومن في النقباء كابن زرارة وابن الربيع؟ وأنى في الفقهاء مثل معاذ؟ ومن له زهد كزهد أبي ذر؟ والفخر لبني هاشم بالعباس، وكفى للبصراء قائداً ابن أم مكتوم، وإنه لقدوة المؤثرين أبو الدحداح، ومن في قوام الليل مثل تميم؟ ومن صبر على القتل صبر خبيب؟ كلهم أخيار، وجميعهم أبرار، ولا مثل صاحب الغار، وأين نظير فُتّاح الأمصار؟ ومن يشبه قتيل الدار؟ ولقد افتقروا إلى المجاهد بذي الفقار، بحب هؤلاء ترجى الجنة وتتقى النار.
إن الله تعالى لما حلى محمداً حلية التنزه، خلع عليه خلعةً هي الإسلام، وأعطاه منشوراً هو القرآن، ولواءً هو النصر، فأبو بكر صدَّق النبوة، وعمر أظهر الرسالة وعثمان جمع المنشور، وعلي حمل السيف لما جلا الرسول عروس الإسلام، لم يكن بد من نثار، نثر عمر نصف ماله، فرمى أبو بكر بالكل، فقام عثمان يجهز جيش العسرة، بوليمة العرس، فعلم على حال الغيرة، فبت طلاق الضرة، ثم رأى بعض جهاز الدنيا المطلقة عنده. وهو الخاتم. فسلم وما سلم:
خطوا وأقلامهم خطية سلب ... فهم على الخيل أميون كتاب
إن أحسنوا كلما واخلو لقوا ذمماً ... واخشوشنوا شيماً فالقوم أعراب
الفصل الثالث
في قوله تعالى " وأذِّن في الناس بالحج "
لما تكامل بناء البيت، أرسل الله تعالى إلى خليله، أدِّ رسالة " وأذِّن " فَعَلا على أبي قبيس، ونادى في جميع الوجوه: إن ربكم قد بنى لكم بيتاً فحجوه، فأجاب من جرى القدر بحجه: لبيك اللهم لبيك. فكان ذلك اليوم. أخاً ليوم " ألست بربكم " :
لما رأيت مناديهم ألم بنا ... شددت ميزر إحرامي ولبيتُ
وقلتُ للنفس جدي الآن واجتهدي ... وساعديني كهذا ما تمنيتُ
لو جئتكم زائراً أسعى على بصري ... لم أقض حقاً وأي الحق أديتُ
قطع القوم بيد السفر " بشقِّ الأنفس " فوافقهم الركاب " وعلى كلِّ ضامرٍ " :
دعِ المطايا تنسم الجنوبا ... إن لها لنبأ عجيبا
حنينها وما اشتكت لوبا ... يشهدان قد فارقت حبيبا
ما حملت إلا فتى كئيبا ... يسر مما أعلنت نصيبا
لو غادر الشوق لنا قلوبا ... أذن لأثرنا بهن النيبا
إن الغريب يسعد الغريبا
واعجبا من حنين النوق، كأنها قد علمت وجد الركاب، تارة تجد في السير، وتارة تتوقف، وتارة تذل وتطأطئ العناق، وتارة تمرح، كأنها قد استعارت أحوال العارفين:
اذكراها في سراها ما عراها ... فغدت تنفخ شوقاً في براها
تقطع البر وتنسى ما جنى ... سيرُها والسيرُ أمرٌ قد براها
كلما ظنت مني قد قربت ... وتدانت دارها طار كراها
أسعداها يا خليلي على ... ما دعاها في الهوى أو فدعاها
ذكرا ما زال من عهد الصبى ... خلياها والصبا فهو رضاها




غنها يا أيها الحادي لها ... بالحمى أو بالنقا وانظر سراها
نح عنها السوط يكفي شوقها ... قد رأت في نفسها ما قد كفاها
باعها الوجد بكثبان النقي ... عجباً إذ باعها كيف اشتراها
أتراها علمتْ من حملتْ ... ليتها قد عرفت من في ذراها
أنتَ إن لاحت لك العلام قف ... فهي المقصود لا شيء سواها
قف على الوادي وسل عن كبدي ... كبدي واكبدي ماذا دهاها
يا رفيقي اهدياني دارهم ... ودعاني ودعاني وثراها
أنا مقتول بسهم غرب ... قوسه خيف مني أو ما زماها
حُرِّم الصيد على من حجه ... فانظرا إلى مهجتي من قد رماها
اكتبا في لوح قبري عشتما ... مهجة ماتت وما هالت مناها
أمر المحرمون بالتعري. ليدخلوا بزي الفقراء، فيبين أثر " وما أموالكُم " :
من أعلم السايق العنيف بهم ... بأن روحي تساق مع أبله
وأن دمعي يروي ركايبهم ... لولا دم في انسكاب منهمله
تالله لقد جمعوا الخير، ليلة جمع، ونالوا المنى إذ دخلوا منى:
لله در منى وما جمعت ... وبكا الأحبة ليلة النفرِ
ثم اغتدوا فرقاً هنا وهنا ... يتلاحظون بأعين الذكرِ
ما للمضاجع لا تلايمني ... وكأن قلبي ليس في صدري
حج جعفر الصادق فأراد أن يلبي فتغير وجهه، فقيل: مالك يا ابن رسول الله؟ فقال: أريد أن ألبي فأخاف أن أسمع غير الجواب.
وقف مطرف وبكر، فقال مطرف: اللهم لا تردهم من أجلي، وقال بكر: ما أشرفه من مقام لولا أني فيهم.
وقام الفضيل بعرفة، فشغله البكاء عن الدعاء، فلما كادت الشمس تغرب، قال: واسؤتاه منك وإن عفوت.
وقف بعض الخائفين على قدم الإطراق والحياء فقيل له: لم لا تدعو؟ فقال: ثم وحشة. قيل: فهذا يوم العفو عن الذنوب؟ فبسط يده فوقع ميتاً.
....:
وانزل الوادي بأيمنه ... إنه بالدمع ملآن
وارم بالطرف العقيق فلي ... ثم أوطار وأوطان
وانشد القلب المشوق عسى ... يرجع المفقود نشدان
وابك عني ما استطعت إذا ... ما بدا للطرف نعمان
واقره عني السلام فكأن ... قلبي فيه سكان
لا تزدني يا عذول جوى ... أنا بالأشواق سكران
حج الشبلي. فلما رأى مكة قال:
أبطحاء مكة هذا الذي ... أراه عياناً وهذا أنا
ثم غشي عليه فلما أفاق قال:
هذه دارهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع في الإماق
حج قوم من العباد فيهم عابدة فجعلت تقول: أين بيت ربي؟ أين بيت ربي؟ فيقولون ألا ترينه:
إذا دنت المنازل زاد شوقي ... ولا سيما إذا دنت الخيام
فلما لاح البيت، قالوا هذا بيت ربك، فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي. بيت ربي. حتى وضعت جبهتها على البيت، فما رفعت إلا ميتة:
هاتيك دارهم وهذا ماؤهم ... فاحبس ورد وشرقت إن لم تسقني
أودعت إقرارك يوم السبت الحجر الأسود، وأمرتُك بالحج لتستحي بالتذكير من نقض العهد، الحجر صندوق أسرار المواثيق، مستمل لما أملى المعاهد، مشتمل على حفظ العهد، فاستلم المستملي المشتمل، ليعلم أن إقرارك لا عن إكراه، لا تنس عهدي فإني لا أنساك:
فلا تحسبوا أني نسيت ودادكمُ ... فإني وإن طال المدى لست أنساكمُ
حفظنا وضيعتم وداداً وحرمةً ... فلا كان من في هجرنا اليوم أغراكمُ
كم شخص أشخصه الوجد في الحج، فكاد نشابة المواثيق قبل تقبيله تقتله، فلما قضى الناسك المناسك، ورجع باقي سهم الشوق إليه في قلب منى المنى:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
أخواني: ذكر تلك الأماكن يعمل في القلب قبل السمع، كأنها قد خلقت من طين الطبع، لسلع سلع لسع، ليس لعسل لعس: للمهيار:
هل مجابٌ يدعو مبدِّد أوطا ... ري بجمع يرد أيام جمعِ




أو أمين القوى أحمِّله هما ... ثقيلاً يحطُّه دون سلعِ
فافرُجا لي عن نفحةٍ من صباه ... طال مدى لها الصليف ورفعي
إن ذاك النسيم يجري على أرضٍ ... ثراها في الريح رقيةُ لَسْعِ
كم زفير علمت منه حمام ... الدوح ما كان من حنين وسجعِ
وآخجل المتخلف، وآسف المسوف، أين حسرات البعد؟ أين لذعات الوجد؟.
للخفاجي:
أتظن الورق في الأيك تغنِّي ... إنها تضمر حزناً مثل حزني
لا أراك الله نجداً بعدها ... أيها الحادي بنا إن لم تجبني
هل تباريني إلى بث الجوى ... في ديار الحي نشوي ذات غصن
هب لها السبق ولكن زادنا ... أننا نبكي عليها وتغني
يا زمان الخيف هل من عودة ... يسمح الدهر بها من بعد ضنِّ
أرضينا بثنيات اللوى ... عن زرود يا لها صفقة غبنِ
سل أراك الجزع هل مرت به ... مزنة روت ثراه غير جفني
وأحاديث الغضا هل علمت ... أنها تملك قلبي قبل أذني
يا عجباً لمن يقطع المفاوز ليرى البيت فيشاهد آثار الأنبياء، كيف لا يقطع نفسه عن هواه؟ ليصل إلى قلبه فيرى آثار " ويسعني " . لمحمد بن أحمد الشيرازي:
إليك قصدي لا للبيت والأثر ... ولا طوافي بأركان ولا حجرِ
صفاء دمعي الصفالي حين أعبره ... وزمزمي دمعة تجري من البصرِ
عرفانكم عرفاتي إذ مني منن ... وموقفي وقفة في الخوف والحذرِ
وفيك سعيي وتعميري ومزدلفي ... والهدى جسمي الذي يغني عن الجزرِ
ومسجد الخيف خوفي من تباعدكم ... ومشعري ومقامي دونكم خطري
زادي رجائي لكم والشوق راحلتي ... والماء من عبراتي والهوى سفري
الفصل الرابع
إخواني: قد نمى إليكم أمر من نما، وسامي وصال الوسام وسما، وافتخر بالنسب والنشب وانتمى، كيف بارزه من أبرزه، عن الحمى، فبات بعد الري يشكو الظما، وقد رأيتم ما جرى، فانتظروا مثل ما. لابن المعتز:
يا نفس ويحك طال ما ... أبصرت موعظة وما
نفعتك فاخشي وانتهى ... وعليك بالتقوى كما
فعل الأناس الصالحون ... وبادري فلربما
سلم المبادر واحذري ... يا نفس من سوف فما
خدع الشقي بمثلها ... إياك منها كلما
ناجت مكايدها ضمير ... ك إنما هي إنما
خطرت وكم قتلت ... وأهلكت النفوس وقلما
تغني أمانيها إذا ... حضر الردى فكأنما
لم يحيي من لاقى ... منيته فيا عجبا أما
في ذاك معتبر ولا ... شاف يبصر من عمى
يا ذا المنى يا ذا المنى ... عش ما بدا لك ثم ما
يا سكران الهوى. أما آن الصحو؟ يا ساطراً قبح الخلاف. أما حان المحو؟ أين الراحلون؟ كانوا بالأمس، صحت حجة الموت فبطلت حجة النفس، واعتقلهم حاكم البلى على دين الرمس، وكف أكف الحس، بعد تصرف آلة الخمس، واستوعر عليهم الحصر. واستطال الحبس وأصبحت منازلهم " كأنْ لم تغنَ بالأمس " .
يا قليل اللبث، خل العبث، كم حدث جدث في حدث؟ يا موقناً بالرحيل وما اكترث، اقبل نصحي. ورم الشعث.
إذا نلت من دنياك خيراً ففز به ... فإن لجمع الدهر من صرفه شتا
فكم من مشت لم يصيف بأهله ... وآخر لم يدركه صيف إذا شتى
انتهب نثار الخير. في مكان الإمكان، قبل أن تدخل في خبر كان، قبل معاينة الهول المخوف الفظيع، وتلهف المجدب على زمان الربيع، إنما أهل هذه الدار سفر، لا يحلون عقد الركاب إلا في غيرها، فاعجبوا لدار قد أدبرت والنفوس عليها والهة، ولأخرى قد أقبلت والقلوب عنها غافلة.
والله لو كانت الدنيا بأجمعها ... تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا
ما كان من حق حر أن يذل لها ... فكيف وهي متاع يضمحل غدا




يا مكرماً بحلية الإيمان. بعد حلة الإيجاد، وهو يخلقها في مخالفة الخالق، كم من نعمة نعمة؟ في ترف ترف، وما يخف عليك ذكر شكر. يا عبد السوء ما تساوي قدر قدرتك، لا كانت دابة لا تعمل بعلفها، إلى متى يخدعك المنى؟ ويغرك الأمل؟ ويحك. افتح عينيك متى رأيت العقل يؤثر الفاني على الباقي، فاعلم أنه قد مسخ.
ما زالت الدنيا مرة في العبرة، ولكن قد مرض ذوقك، لسان قلبك في عقلة غفلة، وسَمْعُ فهمك مسدود عن الفطنة بقطنة. وبصر بصيرتك محجوب بعشا عمى، ومزاج تقواك منحرف عن الصحة، وأما نبض الهوى فشديد الخفقان، سارت أخلاط الأمل في أعضاء الكسل فتثبطت عن البدار، وقد صارت المفاصل في منافذ الفهوم. سدداً، وما يسهل شرب مسهل، ويحك اجتنب حلواء الشره فإنها سبب حمى الروح، خل خل البخل فإنه يؤذي عصب المرؤة، إن عولجت أمراضك فعولجت، وإلا ملكت فأهلكت، لو احتميت عن أخلاط الخطايا لم تحتج إلى طبيب، من ركب ظهر التفريط نزل به دار الندامة ألم تسمع أن داود كان قد أعطي نعمة نغمة. كان يقف لها الماء فلا يسير والطير وقوف الأسير، فامتدت يد الغفلة، فقدت قميص العصمة، فأثر زلله حتى في التلاوة، أعرض المعمار عن المراعاة، فتشعب منزل الصفا، وانقطعت جامكية العسكر، فتفرقت جنود " أوِّبي " كان يؤتى بالإناء ناقصاً، فيتمه بالدموع.
للمهيار:
ما لي شرقتُ بماء ذي الأثل ... هل كدَّر الوُرَّادُ من قبلي؟
أما بان سكان فاملح لي ... ما كنت قبل البين أستحلي؟
ما ابيض لي في الدار بعدهمُ ... يومٌ وهل دارٌ بلا أهلِ؟
رحلوا بأيامي الرقاق على ... آثارهم وبعيشي السهلِ
كان عيش عيشه خضراً، فأحالت الحال سنة الهجر، فكأن أيام الوصال كانت سنة، وكاد يقطع باليأس، لولا التقاء الخضر باليأس.
أرقي قد رق لي من أرقي ... ورثى لي قلقي من قلقي
وبكائي من بكائي قد بكا ... وتشكت حرقي من حرقي
كان داود إذا أراد النياحة، نادى مناديه في أندية المحزونين فيجتمعون في مآتم الندوب، فتزداد الحرق بالتعاون.
للعباس بن الأحنف:
يا بعيد الدار عن وطنه ... مفرداً يبكي على شجنهْ
كلما جدَّ النحيب به ... زادت الأسقام في بدنهْ
ولقد زاد الفؤاد شجىً ... هاتفٌ يبكي على فننهْ
شاقه ما شاقني فبكى ... كلنا يبكي على سكنهْ
يا مذنبين مصيبتنا في التفريط واحدة وكل غريب للغريب نسيب يا مترافقين: في سفر الطرد. انزلوا للنياحة في ساحة، اندبوا طيب أوطان الوصل، واستغيثوا من هجير الهجر، لعل الغم ينقلب غمامة، تظل من لفخ الكرب.
للمصنف:
أين فؤادي إذا به البعد ... وأين قلبي أما صحا بعد
حدا بذكر العقيق سايقه ... فطار شوقاً بلبه الوجد
جسم ببغداد ليس تصحبه ... روح وروح يضمها نجد
يا لفؤاد ما يستريح من الكر ... ب له كل لحظة وقد
آه لعيش قد كنت أصحبه ... لو كان يوماً لفايت رد
أروح في حبكم ووا قلقي ... وهكذا أشتكي إذا أغدوا
كل زماني جزر عن الوصل أشكو ... ه فهلا تناوب المد
يا سعد زدني جوى بذكرهم ... يا سعد قل لي فديت يا سعد
بلغهم ما أجن من حرق ... وقل وحدث ببعض ما يدو
وقل رأيت الأسير في قلق ... وقال لي حرمة ولي عهد
ثم فسلهم والأمر أمرهم ... يقول مولى ويصمت العبد
الفصل الخامس
أيتها النفس تدبري أمرك وتأملي، ومثلي بين ما يفنى ولا تعجلي، لقد ضللت طريق الهدى فقفي واسألي، وآثرت وهنا، ما يؤرث وهنا لا تفعلي، يا غمرة من الشقا، ما أراها تنجلي، اتبع الهوى والهوى علي وليس لي، أريد حياة نفسي ونفسي تريد مقتلي، يا جسداً قد بلى. بما قد بلى.
نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل ... وننقضي وكأن العمر لم يطل
والعيش يوذِننا بالموت أوله ... ونحن نرغب في الأيام والدول




يأتي الحمام فينسى المرء منيته ... ونستقر وقد أمسكن بالطول
لا تحسب العيش ذا طول فتتبعه ... يا قرب ما بين عنق المرء والكفل
سلّى عن العيش أنا لا ندوم له ... وهون الموت ما نلقى من العلل
لنا بما ينقضي من عمرنا شغل ... وكلنا علق الأحشاء بالغزل
ونستلذ الأماني وهي مردية ... كشارب السم ممزوجاً مع العسل
أخواني: أوقدوا أدهان الأذهان في ليل الفكر، صابروا سني الجدب لعام الخصب تعصروا، فمن أدلج في غياهب ليل العلى. على نجايب الصبر، صبح منزل السرور في السر، ومن نام على فراش الكسل، سال به سيل التمادي إلى وادي الأسف، الرجولية قوة معجونة في طين الطبع، والأنوثية رخاوة، ولد السبع عزيز الهمة، وابن الذئب غدار، وكل إلى طبعه عايد، الجد كله حركة، والكسل كله سكون، إذا أردت أن تعرف الديك من الدجاجة حين يخرج من البيضة، فعلقه بمنقاره، فإن تحرك فديك، وإلا فدجاجة، فُتورك عن السعي في طلب الفضائل دليل على تأنيث العزم، يا من قد بلغ أربعين سنة، وكل عمره نوم وسنة، يا متعباً في جمع المال بدنه، ثم لا يدري لمن قد أخزنه؟ اعلم هذه النفس الممتحنة، إنها بكسبها مرتهنة ألا يعتبر المغرور بمن قد دفنه؟ كم رأى جباراً فارق مسكنه؟ ثم سكن مسكن مسكنة.
أيا راحلين بالإقامة، يا هالكين بالسلامة، أين من أخذ صفو ما أنتم في كدره؟ أما وعظكم في سيره بسيره؟ بلى. قد حمل بريد الإنذار أخبارهم، وأراكم تصفح الآثار آثارهم.
وحدثتك الليالي أن شيمتها ... تفريق ما جمعته فاسمع الخبرا
وكن على حذر منها فقد نصحت ... وانظر إليها تر الآيات والعبرا
فهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً ... وهل سمعت بصفو لم يعد كدرا
حبال الدنيا خيال تغر الغر، المتمسك بها. يلعب بلعاب الشمس، الدنيا كالمرآة الفاجرة لا تثبت مع زوج. فلذلك عنت طلابها..
ميزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودها ... فكأنما حلفت لنا أن لا تفي
محبة الدنيا محنة، عيونها بابلية، كم تفتح باب بلية؟ ولا حيلة كحيلة، من عين كحيلة، كم أفردت من أرفدت؟ كم أخمدت من أخدمت؟ كم فللت من ألفت؟ كم أفقرت من أرفقت؟ كم فارقت من رافقت؟ كم قطعت من أقطعت؟ فعلها في التكدير كله هكذا، فإن آثرت الصفا فما في الزهد أذى، وإن أردت القذى، فالق ذا. للمهيار:
تعجب من صبري على ألوانها ... في وصلها طوراً وفي هجرانها
ورهاء من كلفها وثيقة ... كلّفها ما ليس من أديانها
تسلط البلوى على عشاقها ... تسلُّط الحِنثِ على أيمانها
الود في القلب ودعوى ودِّها ... لا يتعدى طرفَيْ لسانها
فكما أعطتك في محبة ... زيادةً فاقطع على نقصانها
وقفتُ أسترجع يومَ بينها ... قلباً شجاعاً طاح في أظعانها
ولم يكن مني إلا ضلّة ... نِشدانُ شيءٍ وهو في ضمانها
يا من إذا أصبح، طلب المعاش بالشهوات، وإذا أمسى انقلب إلى فراش الغفلات، أين أنت من أقوام نصبوا الآخرة نصب أعينهم فنصبوا، فوفر النصب نصيبهم " إنّا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار " .
قال بعض السلف: لقيت رجلاً في برية، فقلت من أين؟ فقال: من عند قوم " لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " قلت: وإلى أين؟ قال: إلى قوم " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .
بنفسي من غداة نايت عنهم ... تركت القلب عندهم رهينا
أما لك أيها القلب اعتبار ... بما فعل الهوى بالعاشقينا
ملأوا مراكب القلوب متاعاً لا ينفق إلا على الملك، فلما هبت رياح الدجى دفعت المراكب.
لأبي إسحاق الغزي:
إذا الصبا سحبت أذيالها سحراً ... على العقيق وقرت في ربى أضم
وحرشت بين بان الجزع ظالمة ... وشيحه وجرت في الضال والسلم
تنفس الوجد وارتاح المشوق وعا ... ش الروح بالروح بعد الأخذ بالكظم




يا سوق الأكل أين أرباب الصيام؟ يا فرش النوم أين حراس الظلام؟ درست والله المعالم ووقعت الخيام، قف بنا على الأطلال.
للمهيار:
أين سكانك؟ لا أين همُ ... أحجازاً سلوكها أم شئاما
قد وقفنا بعدهم في ربعهم ... فنبهناه استلاماً والتزاما
أترى أي طريق سلكوا؟ أترى أي شعب أخذوا؟.
حمامة الواديين ما الخبر ... أعرسوا بالفرات أم عبروا
ما وصل القوم إلى المنزل. إلا بعد طول السرى، ما نالوا حلاوة الراحة إلا بعد مرارة التعب.
لصردر:
لو قَرُبَ الدر على جلابه ... ما لجّج الخايص في طِلابه
ولو أقام لازماً أصدافَه ... لم تكن التيجان في حسابه
ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ... إلا وراء الهول من عُبابه
من يعشق العلياء يلق عندها ... ما لقي المحب من أحبابه
ما حظي الدينار بنقش اسم الملك، حتى صبرت سبيكته على التردد على النار، فنفت عنها كل كدر، ثم صبرت على تقطيعها دنانير ثم صبرت على ضربها على السكة، فحينئذٍ ظهر عليها رقم النقش " كتب في قلوبهم الإيمان " .
كم أحمل في هواك ذلاً وعنا ... كم أصبر فيك تحت سقم وضنا
لا تطردني فليس لي عنك غنا ... هذا نفسي إذا أردت الثمنا
من طلب الأنفس، هجر الألذ، من اهتم بالجوهر نسي العرض، يا صفراء يا بيضاء غرى غيري.
من أجل هواكم عشقت العشقا ... قلبي كلف ودمعتي ما ترقا
في حبكم يهون ما قد ألقى ... ما يحصل بالنعيم من لا يشقى
يا معشر التائبين " اصبروا وصابروا ورابطوا " مكابدة البادية تهون عند ذكر منى المضحى في بوادي الجوع والمعشى بوادي السهر إلى أن تلوح بوادي القبول، إن ونت في السير ركائبكم. فأقيموا حداة العزم تدلج.
البين يا أيدي المطايا البينا ... لا تتشكى شوطك البطينا
يا حادييها من نمير عامر ... خذا بها عن حاجر يمينا
حلا على وادي الغضى نسوعها ... وارخيا برامة الوضينا
رُدا بها ماء العذيب عله ... يشفى ويطفي داءها الدفينا
واستخبرا بالجزع أنفاس الصبا ... أين استقل الجيرة الغادونا
يا مطروداً عن صحبة الصالحين، امش في أعراض الركب، وناشد حادي القوم، لعله يتوقف لك.
يا حادي العيس اصخ لمدنف ... متيم لجَّ به الغرامُ
إذا وقفتَ في ثنيات اللوى ... ولا الديار والخيامُ
وافترت الرياض عن أزهارها ... عقيب ما قد رحل الغمامُ
وهبت الريح فهب شيحها ... وانتبه الحوذان والثمامُ
فقف قليلاً نتزود نظرة ... تحيى بها الأرواح والسلامُ
الفصل السادس
أخواني: انتبهوا من رقدات الأغمار، وانتبهوا لحظات الأعمار، وقاطعوا الكسل فقد قطع الأعذار، واسمعوا زواجر الزمن فما داجي الدجى ولقد بهر النهار، وخذوا بالحزم فقد شقي تلف من رضي بشفا جرف هار.
للشريف الرضي:
تفوز بنا المنون وتستبد ... ويأخذنا الزمان ولا يَرُد
وانظر ماضياً في أثر ماضٍ ... لقد أيقنتُ أن الأمر جد
رويداً بالفرار من المنايا ... فليس يفوتها الساري المُجِدُّ
فأين ملوكنا الماضون قِدماً ... أعدوا للنوائب واستعدوا
أعارهم الزمانُ نعيم عيش ... فيا سرعان ما استلبوا وردوا
هم فرطٌ لنا في كل يوم ... نمدهمُ وإن لم يستمدوا




العمر يسير وهو يسير، فاقصروا عن التقصير في القصير، أما دراك دراك قبل امتناع الفكاك، حذار حذار قبل قدوم القرار، أما يحرك سوق الرهب سوق الهرب؟ أما يحث التعليم على الدأب الأدب؟ أليس الزمان يعير ثم يغير؟ وهب إنه وهب، أما ضرب الدهر؟ فاستحال الضرب، مر العمر والغمر مشغول عما ذهب بالذهب، كم فارق من رافق فسلا من سلا بالسلب، أين الفهم؟ فقد المعنّى المعنى وعج العجب، أين الثمرة؟ أيتها .. في الغرب، حالت غمايم الهوى، بينكم وبين شمس الهدى، وغدا ما في يومكم ينسيكم غداً حتى كأن الرحيل حديث خرافة، أو كان الزاد يفضل عن المسافة.
أيها الشيوخ: آن الحصاد، أيها الكهول: قرب الجداد، أيها الشباب: كم جرد الزرع جراد.
يا ابن آدم لا تغررك عافية ... عليك شاملة فالعمر معدود
ما أنت إلا كزرع عند خضرته ... بكل شيء من الأوقات مقصود
فإن سلمت من الآفات أجمعها ... فأنت عند كمال الأمر محصود
واعجبا!.. يتأمل الحيوان البهيم العواقب، وأنت لا ترى إلا الحاضر، ما تكاد تهتم بمؤنة الشتاء حتى يقوى البرد، ولا بمؤنة الصيف حتى يشتد الحر، ومن هذه صفته في أمور الدنيا " فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " هذا الطائر إذا علم أن الأنثى قد حملت، أخذ ينقل العيدان لبناء العش قبل الوضع، أفتراك ما علمت قرب رحيلك إلى القبر؟ فهلا بعثت لك فراش تقوى " فلأنفسهم يمهدون " هذا اليربوع لا يتخذ بيتاً إلا في موضع طيب مرتفع، ليسلم من سيل أو حافر، ثم لا يجعله إلا عند أكمة أو صخرة، فإذا أتى من باب دفع برأسه مارق وخرج.
اسمع يا من قد ضيق على نفسه الخناق في فعل المعاصي، فما أبقى لعذر موضعاً، يا مقهوراً بغلبة النفس صل عليها بسوط العزم، فإنها إن علمت جدك استأسرت لك، امنعها ملذوذ مباحها ليقع الصلح على ترك الحرام، فإذا ضجت لطلب المباح " فإمّا منّاً بعدُ وإمّا فداء " الدنيا والشيطان خارجيان، خارجان عليك خارجان عنك، فالنفس عدو مباطن، ومن آداب الجهاد " قاتِلوا الذي يَلونكم " ليس من بارز المحاربة كمن كمن، ما دامت النفس حية تسعى، فهي حية تسعى، أقل فعل لها تمزيق العمر بكف التبذير، كالخرقاء وجدت صوفاً، أخل بها في بيت الفكر ساعة، وانظر، هل هي معك أو عليك؟ نادها بلسان التذكرة، يا نفس ذهب عرش بلقيس، وبلي جمال شيرين، وتمزق فرش بوران، وبقي نسك رابعة، يا نفس صابري عطش الهجير يحصل الصوم، وتحزمي تحزم الأجير فإنما هو يوم:
جد في الجد قد تولى العمر ... كم ذا التفريط قد تدانى المر
أقبل فعسى يُقبل منك العذر ... كم تبني وكم تنقض كم ذا الغدر
يا هذا ذرات الوجود تستدعيك إلى الموجد، ورسايل العتاب على انقطاعك متصلة، فما هذا التوقف؟
كم كم ذا الهجر وافتراق الأحباب ... هل بعد البعد للذي غاب إياب
كم قد خطت إليكم الكف كتاب ... خلوا العتب ثم ما جاء جواب
يا هذا! دبر دينك كما دبرت دنياك، لو علق بثوبك مسمار رجعت إلى وراء لتخلصه، هذا مسمار الإضرار قد تشبث بقلبك، فلو عدت إلى الندم خطوتين تخلصت، هيهات صبي الغفلة كلما حرك نام، يا مجنون الهوى أما مارستان العزلة، وقيد الحمية، ومعالجة سلاسل التقوى، ومرافقة بشر ومعروف، وإلا فمارستان جهنم، في أنكال العقوبة، وصحبة إبليس، لا بد من جرم عزم، يؤخذ بالحزم لينتصر من عايث الشره، سلطان الأزم، من رق لبكاء الطفل لم يقدر على فطامه، كل يوم تحضر المجلس يقف لك الشيطان على الباب، فإذا خرجت كما دخلت قال فديت من لا يفلح، وأسفي كم تطلب الخضر وما ترى إلا اليأس، ويحك اعرف ما ضاع منك، وابك بكاء من يدري قيمة الفايت، وصح في السحر
إن كان عهود وصلكم قد درست ... فالروح إلى سواكم ما أنست
أغصان هواكم بقلبي غرست ... منوا بلقائكم وإلا يبست
واستنشقت ريح الأسحار لأفاق قلبك المخمور وتخايلت قرب الأحباب أقمت المآتم على بعدك.
ما أشوقني إلى نسيم الرند ... يشفي سقمي إذا أتى من نجد
والشيح فإنه مثير الوجد ... شوقي شوقي له ووجدي وجدي
كان بعض السلف يقول في مناجاته: إلهي! إنما أبكي لما قسمت الأقسام. جعلت التفريط حظي فأنا أبكي على بختي.




قد كنت من قبل النوى ... مما ألاقي جزعا
تركتموني بعدكم ... أشرب دمعي جرعا
أخواني. تعالوا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا، ونبعث مع قاصدي الحبيب رسالة محصر لعلنا باجر المصاب. إن لم يرجع المفقود، يا أرباب القلوب الضايعة " اذهبوا فتحسَّسوا من يوسف " .
هذي معالمهم وما ... لي منذ بان القوم عهد
واها لعيش بالحمى ... لو كان لي يوماً يرد
ويلي أحظِّي كله ... من حبكم هجر وصد
الفصل السابع
أخواني: ذهبت الأيام، وكتبت الآثام، وإنما ينفع الملام متيقظاً والسلام.
وعظتنا بمرها الأيام ... وارتنا مصيرنا الأرجامُ
ودعتنا المنون في سنة الغفلة ... هبوا واستيقظوا يا نيام
ليت شعري ما يتقي المرء والرامي ... له الموت والخطوب سهامُ
منهل واحد شرايعه شتى ... عليه للواردين ازدحامُ
نتحاماه ما استطعنا وتحدو ... نا إليه الشهور والأعوامُ
وإذا راعنا فقيد نسيناه ... تناسي ما راعهن السوامُ
أوقوفاً على غرور وقد زلت ... بمن كان قبلنا الأقدامُ
ووراء المصير في هذه الأجدا ... ث دار يكون فيها المقامُ
يا من صحيفته بالذنوب قد خفت، وموازينه لكثرة العيوب قد حفت، يا مستوطناً والمزعجات قد ذفت، لا تغتر بأغصان المنى وإن أورقت ورفت، فكأنك بها قد صوحت وجفت، أما رأيت أكفاً عن مطالبها قد كفت؟ أما شاهدت عرايس الأجساد إلى الإلحاد زفت؟ أما عاينت سطور الأجسام في كتب الأرجام قد أدرجت ولفت، أما أبصرت قبور القوم؟ في رقاع بقاع القاع قد صفت، من عرف تصرف الأيام لم يغفل الاستعداد، إن قرب المنية، ليضحك من بعد الأمنية، ما جرى عبد في عنان أمله إلا عثر في الطريق بأجله.
أخواني خلفنا نتقلب في ستة أسفار، إلى أن يستقر بنا المنزل، السفر الأول، سفر السلالة من الطين، والثاني سفر النطفة من الصلب، والثالث من البطون إلى الدنيا، والرابع، من الدنيا إلى القبور، والخامس من القبور إلى العرض، والسادس إلى منزل الإقامة، فقد قطعنا نصف الطريق، وما بعد أصعب.
أخواني. السنون مراحل، والشهور فراسخ، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والطاعات رؤس أموال، والمعاصي قطاع الطريق، والريح الجنة، والخسران النار، لهذا الخطب شمر المتقون عن سوق الجد في سوق المعاملة، كلما رأوا مراكب الحياة تخطف في بحر العمر شغلهم هول ما هم فيه عن التنزه في عجائب البحر، فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي، فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الدهر.
المهيار:
زمّوا المطايا فدمع العين منطلق ... والقلب عان وراء الخوف مأسورُ
فلم يهبهب بأولى الزجر سائقهم ... حتى تشابك مهتوك ومستورُ
فغلّسوا من زرود وجه يومهم ... وحطّهم لظلال البان تهجيرُ
وضمنوا الليل سلعاً إذ رأوه وقد ... غنت على فتنى سلع العصافير
أملهم أقصر من فتر، منازلهم أفقر من قبر، نومهم أعز من الوفاء، السهر عندهم أحلى من رقدة الفجر، أخبارهم أرق من نسيم السحر، آماقهم بالدموع دامية، والهموم على الجوانح جوانح، لأنفسهم أنفاس، من مثلها يهيج البهيج، روض رياضتهم مطلول الخمايل، يحدث ريّاً عنهم، فالرايحة رائجة بالخير.
للمهيار:
يا سايق الأظعان إن مع الصَّبا ... خبراً لو أنك للصبا تتوقفُ
هبّت بعارفة تسوق من الحمى ... أرجاً بريّا أهله يتعرّفُ
خذ حديث القوم جملة واقنع بالعنوان، كواكب هممهم في بروج عزائمهم، سيارة. ليس فيها زحل، ناموا في الدجى على مهاد القلق، فلما جن الليل. جن الحذر، فاستيقظت عين. ما تهنأت بطعم الرقاد.
كفى سائقاً بالشوق بين الأضالع ... لهيب اشتياق ثم فيض مدامع




فركبوا عيس القصد، وركبوا الجادة، فلما غنت الحداة، رنت الفلاة، فأعربت أبيات الشعر، عن أبيات الشعر، فعصفت رياح الزفرات من قلب المشوق، فانقلع شكر الدمع، فلو رأيت وَكْفَ شؤونهم قلت قد انقطع شريان الغمام، هذا. يعاتب نفسه على التقصير، وهذا يتفكر في هول المصير، وهذا يخاف من ناقد بصير، منازل تعبدهم متناوحة، وفي كل بيت منهم نايحة، تائبهم أبكى من متمم، ومحبهم أتيم من مرقش، ومشتاقهم أقلق من قيس، وكلهم قد بات بليل النابغة التائب يقول أنا المقر على نفسي بالخيانة، أنا الشاهد عليها بالجناية.
اعف عني واقلني عن عثرتي ... يا عتادي لملمات الزمن
لا تعاقبني فقد عاقبني ... ندم أقلق روحي في البدن
لا تطير وسناً عن مقلتي ... أنت أهديت لها حلو الوسن
يا حبيبي بلسان العربي ... ولسان الفارسي يا دوست من
والمتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى بين القبور، ويندب زمان الوصال ويتأسف على تغير الحال.
قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم فكدرته يد الأيام حين صفا.
والخائف ينادي ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك؟ قلت: " هذا فراق بيني وبينك " ؟.
لأية علة ولأي حال ... صرمت حبال وصلك عن حبالي
وعوضت البعاد من التداني ... ومر الهجر من حلو الوصال
فإن أك قد جنيت عليك ذنباً ... ولم أشعر بقول أو فعال
فعاقبني عليه بأي شيء ... أردت سوى الصدود فما أبالي
وصريع المحبة يستغيث وينادي، حتى أقلق الحاضر والبادي.
تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي ... وللناس أشجان ولي شجن وحدي
أحبكم ما دمت حياً وإن أمت ... فواكبدي من ذا يحبكم بعدي
وقتيل الشوق يتعلق بما يرى، ويتشبث بما يسمع، يرتاح إلى السهر ومقصوده غيره، وإلى الشجر ومغنين طيره.
للمهيار:
أيا بانة الغور عطفاً شُفيت ... وإن كنتُ أكني وأعني سواكِ
أحبكِ من أجل من تعلمين ... لو أني أراه كما قد أراكِ
ذكرت ويا لهفي هل نسيتُ ... لياليَ أسمرُها في ذراكِ
كفى الوجد أني إذا ما استرحت ... إلى اسمك عمّيتُه بالأراكِ
إذا الصد أرضاكِ فهو الوصال ... فإني فعلت فأهلاً بذاكِ
الفصل الثامن
الشهوات تغر وتعر، وتمر عيش العواقب وتمر، وتبكي عين الندم أضعاف ما تسر، ألا يقظ؟ ألا حذر؟ ألا حر؟
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ... فجايعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعاد وموقف ... نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة ... وفات الذي كنا نلذ به عنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ... إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
أن المواعظ قد أفصحت وأعربت، غير أن الزخارف للواحظ قد أدهشت وأعجبت، وإنما تقطع مراحل الجد بالعزم والصبر، ونظر اللبيب المجد إلى آخر الأمر، أو ليس الصحيح بعرض عارض الأسقام والأوصاب؟ أوما المسرور بالعرض كالغرض لسهام المصاب؟ أو ما يكفي من الزواجر؟ كف كف الأحداث مبسوط الأمل، أما يشفى من البيان؟ عيان الأعيان. في الأجداث خالين بالعمل أين من فاق قمم الشرف؟ فعزل وولى، أما ذاق ألم المنصرف؟ فنزل وولى أين من نشا، في علي ونهى وندى؟ سلب ولم يشأ، حلى ولهى وجدى، أين المسرور بشهوات أمسه، حزن، أين المغرور بلذات نفسه غبن:
فيا آملاً أن يخلد الدهر كله ... سل الدهر عن عاد وعن أختها إرم
إذا ما رأت الشيء يبليه عمره ... ويفنيه أن يبقى ففي دائه عقم
يروح ويغدو وهو من موت غبطة ... وموت فناء بين فكين من جلم
تحد لنا أيدي الزمان شفاره ... ونرتع في أكلائه رتعة النعم
نراع إذا ما الموت صاح فنرعوي ... وإن لم يصح يوماً براتعنا خضم
ألا إن بالأبصار عن عبرة عمى ... ألا إن بالأسماع عن عظة صمم




سيكشف عن قلب الغبي غطاؤه ... إذا حتفه يوماً على صدره جثم
يا معتقداً دار القلعة قلعة، أما تراها تميد بسكانها، والشاهد ما يشاهد عواصف الحوادث تنسف جمال المقتنى، ومعاول الزمان تهدم مشيد المبتنى، وكلما ارتفع كثيب أمل وهال انهال، يا مهلكاً نفسه التي لا قيمة لها لأجل دينا لا وقع لها، إلى كم هذا الحرص؟ وما تنال غير المقدور، أما رأيت مرزوقاً لا يتعب؟ ومتعباً لا يرزق. هذا موسى في تقلقل " أرني " وما أري، ومحمد يزعج عن منامه. وما طلب " قضاها لغيري وابتلاني بحبها " واعجباً يطلب موسى التجلي، فيمنع ويرزق الجبل.
أراك الحمى قل لي بأي وسيلة ... توسلت حتى قبلتك ثغورها
لقد أنضى الحرص مطية عمرك، وما وصلت بلد الأمل، لو قنعت الذبابة بطرف ظرف العسل ما تلفت، لو عرفت قيمة نفسها رخصت أو غلت ما أوغلت، شقايق اللذة. تروق بصر الحس، وسن العواقب تضحك من المغرور، يا دني الهمة أعجبتك خضرة على مزبلة، فكيف لو رأيت فردوس الملك؟ قنعت بخسايس الحشايش والرياض معشبة بين يديك، تقدم بالرياضة خطوات وقد وصلت.
الغور يا ركابنا الغور إذن ... أن صدق الرايد في هذا الخبر
وإن حننت للحمى وروضه ... فبالغضا ماء وروضات أخر
الهمم تتفاوت في جميع الحيوانات، العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتاً ولا يقبل منة الأم، والحية تطلب ما حفره غيرها. إذ طبعها الظلم، الغراب يتبع الجيف، والأسد لا يأكل البايت، الكلب ينضنض لترمى له لقمة، والفيل يتملق حتى يأكل، للصيد كلاب، وللمدبغة كلاب، أين الأنفة؟ النحل يغضب فيترضى من لجاج، والخنفساء تطرد فتعود، الاختبار يظهر جواهر الرجال، بعثت بلقيس إلى سليمان هدية لتسبر بها قدر همته، فإن رأتها قاصرة، علمت أنها لا تصلح للمعاشرة، وإن رأتها عالية تطلب ما هو أعلى، تيقنت أنه يصلح.
يا هذا الدنيا هدية بلقيس فهل تقبلها؟ أو تطلب ما هو أنفس. ويحك أحسن ما في الدنيا قبيح، لأنه يشغل عما هو أحسن منه، أترى؟ لو ابتليناك بترك عظيم كيف كنت تفعل؟ إنما رددناك عن دنس، ومنعناك من كدر، ثم ما علمت أن الثواب على قدر المشقة، ويحك إن الأرباح الكثيرة في الأسفار البعيدة، الصبر والهوى ضرتان فاختر إحدى الضرتين، فما يمكن الجمع من دام به الخمار. في ديار الهوى، لم يفتح عينيه إلا في منازل البلى، من غرق بنهر المعلى طفا تحت البلد، واعجباً، اعدم نظر العقل بمرة؟ أو بعينه رمد، لو قيل لك ارم ثوبك على هدف مرمى لم تفعل إشفاقاً عليه، وهذا دينك في عرض عرضك، قد تمزق من نبل الهوى، لو قيل: زد في النفقه خفت على المال وقد حفت في إنفاق العمر على معشوق البطالة، رميت يوسف قلبك في جب الهوى، وجئت على قميص الأمانة بدم كذب، ويحك! كلما أوغلت في الهوى زاد التعرقل. ويحك! ما يساوي النصاب المسروق قطع اليد. مجلسنا بحر، والفكر غواص يستخرج الدر، ومراكب القلوب تسير إلى بلد الوصل، وأنت تقف على الساحل " وترى الفلك مواخر فيه " إن قعر جهنم لبعيد، ولكن همتك أسفل منه، خنقنا دخان التخويف، افتحوا للرواح:
إلى كم عتاب يس

________________________________________________
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 ) 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى