- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 6- 70)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:46
الفصل الحادي والستون
يا من أيامه تعظه، حين تبنيه وتنقضه، يا من صحته تمرضه، وسلامته تحرضه، يقرض عمره فيفنى ومن يقرضه:
أرى الدهر أغنى خطبه عن خطابه ... بوعظ شفى البابنا بلبابه
له قلب تهدى القلوب صواديا ... إليها وتعمى عن وشيك انقلابه
هو الليث إلا أنه وهو خادر ... سطا فأغاب الليث عن أنس غابه
وهيهات لم تسلم حلاوة شهده ... لصاب إليه من مرارة صابه
مبيد مباديه تغر وإنما ... عواقبه مختومة بعقابه
ألم تر من ساس الممالك قادراً ... وسارت ملوك الأرض تحت ركابه
ودانت له الدنيا وكادت تحله ... على شهبها لولا خمود شهابه
لقد أسلمته حصنه وحصونه ... غداة غدا عن كسبه باكتسابه
فلا فضة أنجته عند انفضاضه ... ولا ذهب أغناه عند ذهابه
سلا شخصه وراثه بتراثه ... وأفرده أترابه بترابه
كم دارس عليك إن الرابع دارس، كم واعظ ناطق وآخر هامس، كم غمست حبيباً في الثرى كف رامس، كم طمس وجهاً صبيحاً من البلى طامس، تالله ما نجا بطبه بقراط ولا أرسطا طالس، صاح الموت بالقوم فنكس الفارس، أين الفطن اللبيب أين اليقظ القائس؟ أتشتري أخس الخسائس يا نفس النفائس؟ أتؤثر لذة لحظة تجني حرب البسوس وداحس؟ يا مقترين من التقى، اشتروا نفوسكم عن الذنوب تشتروا لها السنادس، أخواني، لو ذكرتم أنكم تبادون ما كنتم بالمعاصي تبادون، لقد صوت فيكم الحادون وما كأنكم للخير ترادون، واعجباً تصادون المواعظ ولا تصادون، إلى متى تراوحون الذنوب وتغادون؟ يا مقيمين وهم حقاً غادون، أتعادون من يقول إنكم تعادون؟ كأنكم بكم تقادون إلى مقام فيه تقادون، أما سمعتم كيف نادى المنادون؟ كل شيء دون المنى دون:
يا نائم الليل تنبه للتقى ... وانهض فقد طال بك القعود
بين يديك حادث لمثله ... يغسل عن أجفانه الرقود
ما جحد الصامت من نشأه ... ومن ذوي النطق أتى الجحود
الدهر خطيب كاف، والفكر طبيب شاف، كم قطع زرع قبل التمام فما ظن المستحصد، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية، عواري الزمان في ضمان الارتجاع، يوسف العقل ينظر في العواقب، وزليخا الهوى تتلمح العاجل، يا مقدمين على الحرام أنتم بعين من حرم، ينبغي لمن أُلبس ثوب العافية أن لا يدنسه بوسخ الزلل، زرع النعم مفتقر إلى دوران دولاب الشكر، فإذا فتح القلب سكر الاعتراف بالعجز صار السقي سبحاً.
يا من أيامه تعظه، حين تبنيه وتنقضه، يا من صحته تمرضه، وسلامته تحرضه، يقرض عمره فيفنى ومن يقرضه:
أرى الدهر أغنى خطبه عن خطابه ... بوعظ شفى البابنا بلبابه
له قلب تهدى القلوب صواديا ... إليها وتعمى عن وشيك انقلابه
هو الليث إلا أنه وهو خادر ... سطا فأغاب الليث عن أنس غابه
وهيهات لم تسلم حلاوة شهده ... لصاب إليه من مرارة صابه
مبيد مباديه تغر وإنما ... عواقبه مختومة بعقابه
ألم تر من ساس الممالك قادراً ... وسارت ملوك الأرض تحت ركابه
ودانت له الدنيا وكادت تحله ... على شهبها لولا خمود شهابه
لقد أسلمته حصنه وحصونه ... غداة غدا عن كسبه باكتسابه
فلا فضة أنجته عند انفضاضه ... ولا ذهب أغناه عند ذهابه
سلا شخصه وراثه بتراثه ... وأفرده أترابه بترابه
كم دارس عليك إن الرابع دارس، كم واعظ ناطق وآخر هامس، كم غمست حبيباً في الثرى كف رامس، كم طمس وجهاً صبيحاً من البلى طامس، تالله ما نجا بطبه بقراط ولا أرسطا طالس، صاح الموت بالقوم فنكس الفارس، أين الفطن اللبيب أين اليقظ القائس؟ أتشتري أخس الخسائس يا نفس النفائس؟ أتؤثر لذة لحظة تجني حرب البسوس وداحس؟ يا مقترين من التقى، اشتروا نفوسكم عن الذنوب تشتروا لها السنادس، أخواني، لو ذكرتم أنكم تبادون ما كنتم بالمعاصي تبادون، لقد صوت فيكم الحادون وما كأنكم للخير ترادون، واعجباً تصادون المواعظ ولا تصادون، إلى متى تراوحون الذنوب وتغادون؟ يا مقيمين وهم حقاً غادون، أتعادون من يقول إنكم تعادون؟ كأنكم بكم تقادون إلى مقام فيه تقادون، أما سمعتم كيف نادى المنادون؟ كل شيء دون المنى دون:
يا نائم الليل تنبه للتقى ... وانهض فقد طال بك القعود
بين يديك حادث لمثله ... يغسل عن أجفانه الرقود
ما جحد الصامت من نشأه ... ومن ذوي النطق أتى الجحود
الدهر خطيب كاف، والفكر طبيب شاف، كم قطع زرع قبل التمام فما ظن المستحصد، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية، عواري الزمان في ضمان الارتجاع، يوسف العقل ينظر في العواقب، وزليخا الهوى تتلمح العاجل، يا مقدمين على الحرام أنتم بعين من حرم، ينبغي لمن أُلبس ثوب العافية أن لا يدنسه بوسخ الزلل، زرع النعم مفتقر إلى دوران دولاب الشكر، فإذا فتح القلب سكر الاعتراف بالعجز صار السقي سبحاً.
هذا اليوم يقول: ارضني وعلى رضا أمس، السكون بالبلادة أصعب من التحريك بالهوى، إذا رآك عقلك، وقد تولى حسُّك تدبيرك تولى، ويحك لا تأمن حسك على عقلك فإنه عكس الحكمة، العقل نور والحس ظلمة، الحس أعشى والعقل عين الهدهد، الحس طفل والعقل بالغ، العقل يدخل في المضائق والحس أبله، الحس لا يرى إلا الحاضر والعقل يتلمح الآخر، الصبر عن الأغراض صبر غير أن الحازم يجعل مراقبة العواقب تقوية، ما خلا قط وجه سرور من تعبس مكروه، ولا سلمت كأس لذة، من شائبة نغصة: للمتنبي:
فذي الدار أخونُ من مومس ... وأخدعُ من كِفةِ الحابل
تفانى الرجال على حبّها ... وما يحصلون على طائل
كل صاف من الدنيا، مقرون بكدر، حتى أنه في الغيث عيث، أتريد أن لا ينعكس لك غرض؟ فما هذا موضعه، الهبات ذاهبات، والليل مناهبات، الدنيا قنطرة واستيطان القناطير بله.
هل نجد إلا منزل مفارق ... ووطن في غيره يقضي الوطر
الهم فيها أكثر من الفرح، والسرور أقل من الحزن " وأنَّ الدار الآخرة لهي الحَيَوان " يا مجتهداً في طلب الدنيا، اجعل عشر اجتهادك للأخرى، جهزت البنات وتزوجت البنين، فأنت بماذا تجهزت للرحيل؟ يا متقاعداً عن أوامر الرب، احذر أن يقعدك عن نهضاتك تزمن، واعجباً إن حركت إلى الطاعة، فزحل وإن لاح لك الهوى فعطارد عينك قد استرقها المنظور، ولسانك يتصرف فيه اللغو، ويدك. يحركها الزلل، وخطا أقدامك إلى الخطأ، ثم قد أسكنت الهوى قلبك، فأين يكون الملك؟ وهل ترك لنا عقيل من منزل.
ويحك إن الإنسان يشد في إصبعه خيطاً يتذكر به حاجته، وهل في جسدك عرق أو شعرة إلا وهي تذكر بالخالق، فما وجه هذا النسيان البارد، يا من باعنا نفسه ثم ماطل بالتسليم، لا أنت ممن يفسخ العقد ولا ممن يمضي البيع، تدعي الرحلة إلى دار الحبيب، ودهليز سرادقك إلى بلد الهوى، هيهات لا يدرك علم الربانية إلا من ربى فيه.
للمهيار:
يا قلب ما أنت وأهلَ الحمى ... وإنما هم أمسُكَ الذاهبُ
دون نجدٍ وظباءِ الحمى ... أن يُقرح المنسِمُ والغاربُ
لا بد في سلوك الطريق من مصابرة رفيق، البلاء له خلق صعب فاصبر على مداراته، البلايا ضيوف فأحسن قراها لترحل عنك إلى بلد الجزاء مادحة لا قادحة، من حك بأظفار شكواه جلد عيشه أدمى دينه، البلاء ظلمة غبش ويا سرعة طلوع الفجر، اللهم أعن أطفال التوبة على ما ابتلوا به من جوع شديد، فإذا أعد قرص الإفطار نزل ضيف " ويُؤثرون " فزاحم، فأراح " أحَسِبَ الناس أن يُتركوا " .
إن هواك الذي بقلبي ... صيرني سامعاً مطيعا
أخذت قلبي وغمض عيني ... سلبتني النوم والهجوعا
فذر فؤادي وخذ رقادي ... فقال لا بل هما جميعا
فإذا تمكنت قدم المريد وطاب له ارتضاع ثدي الوصال قطع عنه في أهنأ ما كان يراد منه زيادة القلق، في الحديث يوحي الله تعالى إلى جبريل عليه السلام اسلب عبدي حلاوة مناجاتي فإن تضرع إليّ فردها، فلو سمعت استغاثة المحبين، لأورثتك القلق:
على بعدك لا يصبر ... من عادته القرب
ولا يقوى على حجبك ... من تيمه الحب
فمهلاً أيها الساقي ... فقد يشهدك القلب
فإن لم تترك العين ... فقد يشهدك القلب
الفصل الثاني والستون
يا من قد غلبته نفسه وبطش بعقله حسه، استدرك صبابة اليقظة وصح في سمع قلبك بموعظة.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا ... واعصى الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترينا المنايا كيف تلقطنا ... لقطاً وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه ... نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها ... خلفي وأخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضيتها لعباً ... قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ... ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا ... كان زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن ... كانت تخر له الأذقان إذعانا
فذي الدار أخونُ من مومس ... وأخدعُ من كِفةِ الحابل
تفانى الرجال على حبّها ... وما يحصلون على طائل
كل صاف من الدنيا، مقرون بكدر، حتى أنه في الغيث عيث، أتريد أن لا ينعكس لك غرض؟ فما هذا موضعه، الهبات ذاهبات، والليل مناهبات، الدنيا قنطرة واستيطان القناطير بله.
هل نجد إلا منزل مفارق ... ووطن في غيره يقضي الوطر
الهم فيها أكثر من الفرح، والسرور أقل من الحزن " وأنَّ الدار الآخرة لهي الحَيَوان " يا مجتهداً في طلب الدنيا، اجعل عشر اجتهادك للأخرى، جهزت البنات وتزوجت البنين، فأنت بماذا تجهزت للرحيل؟ يا متقاعداً عن أوامر الرب، احذر أن يقعدك عن نهضاتك تزمن، واعجباً إن حركت إلى الطاعة، فزحل وإن لاح لك الهوى فعطارد عينك قد استرقها المنظور، ولسانك يتصرف فيه اللغو، ويدك. يحركها الزلل، وخطا أقدامك إلى الخطأ، ثم قد أسكنت الهوى قلبك، فأين يكون الملك؟ وهل ترك لنا عقيل من منزل.
ويحك إن الإنسان يشد في إصبعه خيطاً يتذكر به حاجته، وهل في جسدك عرق أو شعرة إلا وهي تذكر بالخالق، فما وجه هذا النسيان البارد، يا من باعنا نفسه ثم ماطل بالتسليم، لا أنت ممن يفسخ العقد ولا ممن يمضي البيع، تدعي الرحلة إلى دار الحبيب، ودهليز سرادقك إلى بلد الهوى، هيهات لا يدرك علم الربانية إلا من ربى فيه.
للمهيار:
يا قلب ما أنت وأهلَ الحمى ... وإنما هم أمسُكَ الذاهبُ
دون نجدٍ وظباءِ الحمى ... أن يُقرح المنسِمُ والغاربُ
لا بد في سلوك الطريق من مصابرة رفيق، البلاء له خلق صعب فاصبر على مداراته، البلايا ضيوف فأحسن قراها لترحل عنك إلى بلد الجزاء مادحة لا قادحة، من حك بأظفار شكواه جلد عيشه أدمى دينه، البلاء ظلمة غبش ويا سرعة طلوع الفجر، اللهم أعن أطفال التوبة على ما ابتلوا به من جوع شديد، فإذا أعد قرص الإفطار نزل ضيف " ويُؤثرون " فزاحم، فأراح " أحَسِبَ الناس أن يُتركوا " .
إن هواك الذي بقلبي ... صيرني سامعاً مطيعا
أخذت قلبي وغمض عيني ... سلبتني النوم والهجوعا
فذر فؤادي وخذ رقادي ... فقال لا بل هما جميعا
فإذا تمكنت قدم المريد وطاب له ارتضاع ثدي الوصال قطع عنه في أهنأ ما كان يراد منه زيادة القلق، في الحديث يوحي الله تعالى إلى جبريل عليه السلام اسلب عبدي حلاوة مناجاتي فإن تضرع إليّ فردها، فلو سمعت استغاثة المحبين، لأورثتك القلق:
على بعدك لا يصبر ... من عادته القرب
ولا يقوى على حجبك ... من تيمه الحب
فمهلاً أيها الساقي ... فقد يشهدك القلب
فإن لم تترك العين ... فقد يشهدك القلب
الفصل الثاني والستون
يا من قد غلبته نفسه وبطش بعقله حسه، استدرك صبابة اليقظة وصح في سمع قلبك بموعظة.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا ... واعصى الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترينا المنايا كيف تلقطنا ... لقطاً وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه ... نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها ... خلفي وأخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضيتها لعباً ... قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ... ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا ... كان زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن ... كانت تخر له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ... مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها ... واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ... ورافلاً في ثياب الغي نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب ... يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
أين الزاد يا مسافر؟ أين درع التقوى يا سافر؟ لقد أنشب الموت فيك الأظافر ولا تشكن أنه ظافر، هذه النبل فأين المغافر، كيف تصنع إن غضب الغافر؟ يا مبارزاً بالقبيح أمؤمن أنت أم كافر؟ إن قمت سدلت من ثياب كبرك وإن أقمت سدرت من شراب خمرك، اصطفقت أبواب المواعظ. وما استفقت، تقف في الصلاة بغير خضوع وتقرأ للتخويف وما ثم خشوع، يا نائماً عن صلاحه كم هذا الهجوع؟ يا دائم الحضور عندنا هل عمرك إلا أسبوع؟ إن لنجم الحياة لأفول، ولشمس الممات لطلوع، أين أبوك أين جدك؟ السيف قطوع، كيف تبقى مع كسر الأصول ضعاف الفروع؟ تعلق الدنيا بقلبك وتعتذر بلفظ مصنوع، إصرارك كالصحيحين وإقلاعك حديث موضوع، مزق أملك. فالعمر قصير، حقق عملك فالناقد بصير، زد زاد سفرك فالطريق بعيد، ردد نظر فكرك فالحساب شديد، صح بالقلب لعله يرعوي، سلمه إلى الرائض عساه يستوي، يا مؤثر البطالة عالم الهوى دنس، عاشق الهوى جامد الفكر فلو ذاب ما ذاب.
سهر العيون لغير وجهك ضائع ... وبكاؤهن لغير وصلك باطل
يا هذا وجه ناقتك إلى بادية الزيارة، فإن لها بنسيم نجد معرفة، قفها على الجادة وقد هب لها نسيم الشيح من الحجاز، إن أعوزك في الطريق ماء فتمم مزادتك بالبكاء.
لعلي بن أفلح:
دعها لك الخير وما بدا لها ... من الحنين ناشطاً عقالها
ولا تعللها بجو بابل ... فهو أهاج بالجوى بلبالها
ولا تعقها عن عقيق رامة ... فإنها ذكراه قد أمالها
نشدتك الله إذا جئت الربى ... فرد أضاها واستظل ضالها
وناوح الورق بشجو ثاكل ... أطفى لها ريب الردى أطفالها
بدأ بآدم في طريق ابتلائه ثلاثمائة سنة، وعام نوح في دمعه ثلاثمائة عام، وضج داود من دائه حتى ذوى، كان كلما هاج حر الحزن هاج نبت الفرج، فحالت الحال دمعاً فأجدب البصر وأعشب الوادي فلو وزنت دموعه بدموع الخلائق لرجحت.
للشريف الرضي:
عندي من الدمع ما لو كان وارده ... مطيُّ قومك يوم الجزع ما نزحا
غادَرْنَ أسوانَ ممطوراً بعبرته ... ينحو مع البارق العُلوي أين نحا
هل تبلغنهم النفس التي تلفت ... فيهم شعاعاً أو القلب الذي قَرِحا
إن هان سفحُ دمي بالبين عندهُمُ ... فواجبٌ أن يهون الدمع إن سُفحا
كان يحيى بن زكريا يبكي حتى رق جلدة خده وبدت أضراسه، هذا وقد كان على الجادة فكيف بمن ضل؟ واعجباً من بكائه وما ثم مأتم، فكيف بمن ما انقضى يوم إلا ومأتم ما تم؟ يا هذا إن كان قد أصابك داء داود، فنح نوح نوح تحيى حياة يحيى.
لا تحبسن ما العيون فإنه ... لك يا لديغ هواهم درياق
شنوا الإغارة في القلوب بأسهم ... لا يرتجى لأسيرها إطلاق
واستعذبوا ماء الجفون فعذبوا ... الأسرار حتى درت الأماق
كان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي يبكيان الدم، وقليل في جنب ما نطق به لسان الوعيد إذا خلا الفكر باليقين، ثارت عجاجة الدمع، فإذا أقرح الحزن القلب استحالت الدموع دماً.
للمهيار:
أجارتنا بالغور والركبُ متهمُ ... أيعلم خالٍ كيف بات المتيمُ
بنا أنتمُ من ظاعنين وخلّفوا ... قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهمُ
ولما انجلى التوديع عما حذرته ... ولم يبق إلا نظرةٌ تتغنمُ
بكيتُ على الوادي فحرمتُ ماءه ... وكيف يحلُّ المرءُ أكثره دم؟
واعجباً أطار حكم حديث العذيب وأنتم من وراء النهر، يا منقطعين عن الأحباب تعالوا نمشي رفقة، فمجمعنا مأتم الأسى، موعدنا مقابر الأسف.
تعالين نعالج زفرة ... البين تعالينا
نزود إذناً شكوى ... وتودع نظرة عينا
خلوا مدائن كان العز مفرشها ... واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ... ورافلاً في ثياب الغي نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب ... يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
أين الزاد يا مسافر؟ أين درع التقوى يا سافر؟ لقد أنشب الموت فيك الأظافر ولا تشكن أنه ظافر، هذه النبل فأين المغافر، كيف تصنع إن غضب الغافر؟ يا مبارزاً بالقبيح أمؤمن أنت أم كافر؟ إن قمت سدلت من ثياب كبرك وإن أقمت سدرت من شراب خمرك، اصطفقت أبواب المواعظ. وما استفقت، تقف في الصلاة بغير خضوع وتقرأ للتخويف وما ثم خشوع، يا نائماً عن صلاحه كم هذا الهجوع؟ يا دائم الحضور عندنا هل عمرك إلا أسبوع؟ إن لنجم الحياة لأفول، ولشمس الممات لطلوع، أين أبوك أين جدك؟ السيف قطوع، كيف تبقى مع كسر الأصول ضعاف الفروع؟ تعلق الدنيا بقلبك وتعتذر بلفظ مصنوع، إصرارك كالصحيحين وإقلاعك حديث موضوع، مزق أملك. فالعمر قصير، حقق عملك فالناقد بصير، زد زاد سفرك فالطريق بعيد، ردد نظر فكرك فالحساب شديد، صح بالقلب لعله يرعوي، سلمه إلى الرائض عساه يستوي، يا مؤثر البطالة عالم الهوى دنس، عاشق الهوى جامد الفكر فلو ذاب ما ذاب.
سهر العيون لغير وجهك ضائع ... وبكاؤهن لغير وصلك باطل
يا هذا وجه ناقتك إلى بادية الزيارة، فإن لها بنسيم نجد معرفة، قفها على الجادة وقد هب لها نسيم الشيح من الحجاز، إن أعوزك في الطريق ماء فتمم مزادتك بالبكاء.
لعلي بن أفلح:
دعها لك الخير وما بدا لها ... من الحنين ناشطاً عقالها
ولا تعللها بجو بابل ... فهو أهاج بالجوى بلبالها
ولا تعقها عن عقيق رامة ... فإنها ذكراه قد أمالها
نشدتك الله إذا جئت الربى ... فرد أضاها واستظل ضالها
وناوح الورق بشجو ثاكل ... أطفى لها ريب الردى أطفالها
بدأ بآدم في طريق ابتلائه ثلاثمائة سنة، وعام نوح في دمعه ثلاثمائة عام، وضج داود من دائه حتى ذوى، كان كلما هاج حر الحزن هاج نبت الفرج، فحالت الحال دمعاً فأجدب البصر وأعشب الوادي فلو وزنت دموعه بدموع الخلائق لرجحت.
للشريف الرضي:
عندي من الدمع ما لو كان وارده ... مطيُّ قومك يوم الجزع ما نزحا
غادَرْنَ أسوانَ ممطوراً بعبرته ... ينحو مع البارق العُلوي أين نحا
هل تبلغنهم النفس التي تلفت ... فيهم شعاعاً أو القلب الذي قَرِحا
إن هان سفحُ دمي بالبين عندهُمُ ... فواجبٌ أن يهون الدمع إن سُفحا
كان يحيى بن زكريا يبكي حتى رق جلدة خده وبدت أضراسه، هذا وقد كان على الجادة فكيف بمن ضل؟ واعجباً من بكائه وما ثم مأتم، فكيف بمن ما انقضى يوم إلا ومأتم ما تم؟ يا هذا إن كان قد أصابك داء داود، فنح نوح نوح تحيى حياة يحيى.
لا تحبسن ما العيون فإنه ... لك يا لديغ هواهم درياق
شنوا الإغارة في القلوب بأسهم ... لا يرتجى لأسيرها إطلاق
واستعذبوا ماء الجفون فعذبوا ... الأسرار حتى درت الأماق
كان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي يبكيان الدم، وقليل في جنب ما نطق به لسان الوعيد إذا خلا الفكر باليقين، ثارت عجاجة الدمع، فإذا أقرح الحزن القلب استحالت الدموع دماً.
للمهيار:
أجارتنا بالغور والركبُ متهمُ ... أيعلم خالٍ كيف بات المتيمُ
بنا أنتمُ من ظاعنين وخلّفوا ... قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهمُ
ولما انجلى التوديع عما حذرته ... ولم يبق إلا نظرةٌ تتغنمُ
بكيتُ على الوادي فحرمتُ ماءه ... وكيف يحلُّ المرءُ أكثره دم؟
واعجباً أطار حكم حديث العذيب وأنتم من وراء النهر، يا منقطعين عن الأحباب تعالوا نمشي رفقة، فمجمعنا مأتم الأسى، موعدنا مقابر الأسف.
تعالين نعالج زفرة ... البين تعالينا
نزود إذناً شكوى ... وتودع نظرة عينا
ونبكي من يد البين ... عسانا نعطف البينا
فما زاد النوى إلا ... لجاجاً ما تباكينا
إلى أين أما تعلم ... يا سائقها الأينا
إذا عرست بالجرعاء ... وسطا بين ما بينا
فحيى الله يبرين ... وعين الرمل حيينا
الفصل الثالث والستون
يا هذا، عاتب نفسك على تفريطها ثم حاسبها على تخليطها، حدثها بما بين يدها وأخبرها، أشر عليها بمصلحتها ودبرها.
استمدي للموت يا نفس واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تبينت أنه ليس للحي ... خلود ولا من الموت بد
أي ملك في الأرض أو أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد
كيف يهوى امرؤ لذاذة أيام ... عليه الأنفاس فيها تعد
آه لنفوس بغرور هذه الدنيا يخدعن، فإذا فاتهن شيء من فان توجعن، شربن من مياه الغفلة وتجرعن، فلما بانت حبة الفخ أسرعن، فما انجلت ساعة التفريط حتى وقعن، أما علمن أنهن يحصدن ما يزرعن، أما تيقن أنهن في هلاكهن يشرعن، يا قلة ما تنعمن، ويا احتقار ما تمتعن، أما هن عن قليل في اللحد يضجعن، أين تلك الأقدام المشيعة لهن؟ تصدعن، بئس حافظ الأجساد تراب يقول دعهن لما أودعهن، طال ما كن يوترن الذنوب ويشفعن، فلو رأيتهن بعد الموت يتضرعن " رب ارجعون " لا والله لا يرجعن، يا عجباً هذه الآفات لهن ويهجعن، وهذا الحبس الشديد ويرتعن، يا لها من مواعظ فهل أثرن أو نجعن.
يا هذا، اخل بنفسك في بيت الفكر، واعذلها في الهوى فإن لم تلن فاخرج بها على عسكر المقابر، فإن لم ترعوي فاضربها بسوط الجوع.
يا هذا، العزلة. تجمع الهمم، والمخالطة نهابة، الهوى مرضع كثير التخليط، فهذا طفل قلبك كثير المرض، عجل فطامه وقد صح، العزلة والقناعة والصبر والعفة والتواضع عقاقير كيمياء النجاة يبلغن بمستعملهن مرتبة الغنى، والحرص والشره والغضب والعجب والكبر كلهم مجانين في مارستان العقل وهو القيم عليهم، فليتحذر الغفلة عنهم فإنه إن أفلت مجنون حل الباقين.
يا هذا حصن السلامة العزلة، أقل ما في الخروج منه من الأذى، مصادمة الهواء المختلف المهاب في بادية الشهوات، وقد عقبته جنوب المجانبة للصواب، فصار وباء، وإياك أن تتعرض لهواء الوبي مغتراً بصحة مزاجك، فإنك إن سلمت من فضول الفتن من التلف لم تأمن زكمة، ومتى تمكنت زكمة الهمة لم تشم الفضائل.
يا قلب الأم لا يفيد النصح ... عمر ولى وقد توالى القبح
جرح دام وقد تبدى جرح ... ما تشعر بالخمار حتى تصحو
لما انقشع غيم الغفلة عن عيون أهل اليقين، لاح لهم هلال الهدى في صحراء اليقظة، فبيتوا نية الصوم عن الهوى على عزم: عزفت نفسي عن الدنيا، دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز وقد غيره الزهد فأنكره، فقال: يا ابن كعب فكيف لو رأيتني بعد ثلاثة أيام في قبري؟
لم تبق فيهم حرارات الهوى وجوى ... الأحزان غير خيالات وأشباح
تكاد تنكرهم عين الخبير بهم ... لولا تردد أنفاس وأرواح
كان وهيب بن الورد قد نحل من التعبد، فكانت خضرة البقل تبين تحت جلدة بطنه.
للمهيار:
زعمتِ لا يُبلي هواك جسدي ... بَلى وحسبي بكم لقد بلى
دارُك تدري أنه لولا الهوى ... ما طل دمع مقلتي في طَلَلِ
أخواني من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.
لصردر:
وكم ناحل بين تلك الخيام ... تحسبه بعضَ أطنابها
أنضى القوم رواحل الأبدان في سفر الشوق حباً لتعجيل اللقاء، فكم طووا منزلاً على الظماء حتى كل كل المطي بتلك الجعجعة، ورفيق الرفق يصيح بهم.
للمهيار:
دعوها ترِدْ بعد خمسٍ شروعاً ... وارخوا أزمتها والنسوعا
وقولوا دعاءً لها: لا عُقرتِ ... ولا امتدَّ دهرُك إلا ربيعا
حملن نشاوى بكأس الغرام ... فكلُّ غدا لأخيه رضيعا
إذا أجدبوا خصّهم جد بهم ... وإن أخصبوا كان خِصباً جميعا
طِوال السواعد شمّ الأنوف ... فطابوا أصولاً وطابوا فروعا
فما زاد النوى إلا ... لجاجاً ما تباكينا
إلى أين أما تعلم ... يا سائقها الأينا
إذا عرست بالجرعاء ... وسطا بين ما بينا
فحيى الله يبرين ... وعين الرمل حيينا
الفصل الثالث والستون
يا هذا، عاتب نفسك على تفريطها ثم حاسبها على تخليطها، حدثها بما بين يدها وأخبرها، أشر عليها بمصلحتها ودبرها.
استمدي للموت يا نفس واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تبينت أنه ليس للحي ... خلود ولا من الموت بد
أي ملك في الأرض أو أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد
كيف يهوى امرؤ لذاذة أيام ... عليه الأنفاس فيها تعد
آه لنفوس بغرور هذه الدنيا يخدعن، فإذا فاتهن شيء من فان توجعن، شربن من مياه الغفلة وتجرعن، فلما بانت حبة الفخ أسرعن، فما انجلت ساعة التفريط حتى وقعن، أما علمن أنهن يحصدن ما يزرعن، أما تيقن أنهن في هلاكهن يشرعن، يا قلة ما تنعمن، ويا احتقار ما تمتعن، أما هن عن قليل في اللحد يضجعن، أين تلك الأقدام المشيعة لهن؟ تصدعن، بئس حافظ الأجساد تراب يقول دعهن لما أودعهن، طال ما كن يوترن الذنوب ويشفعن، فلو رأيتهن بعد الموت يتضرعن " رب ارجعون " لا والله لا يرجعن، يا عجباً هذه الآفات لهن ويهجعن، وهذا الحبس الشديد ويرتعن، يا لها من مواعظ فهل أثرن أو نجعن.
يا هذا، اخل بنفسك في بيت الفكر، واعذلها في الهوى فإن لم تلن فاخرج بها على عسكر المقابر، فإن لم ترعوي فاضربها بسوط الجوع.
يا هذا، العزلة. تجمع الهمم، والمخالطة نهابة، الهوى مرضع كثير التخليط، فهذا طفل قلبك كثير المرض، عجل فطامه وقد صح، العزلة والقناعة والصبر والعفة والتواضع عقاقير كيمياء النجاة يبلغن بمستعملهن مرتبة الغنى، والحرص والشره والغضب والعجب والكبر كلهم مجانين في مارستان العقل وهو القيم عليهم، فليتحذر الغفلة عنهم فإنه إن أفلت مجنون حل الباقين.
يا هذا حصن السلامة العزلة، أقل ما في الخروج منه من الأذى، مصادمة الهواء المختلف المهاب في بادية الشهوات، وقد عقبته جنوب المجانبة للصواب، فصار وباء، وإياك أن تتعرض لهواء الوبي مغتراً بصحة مزاجك، فإنك إن سلمت من فضول الفتن من التلف لم تأمن زكمة، ومتى تمكنت زكمة الهمة لم تشم الفضائل.
يا قلب الأم لا يفيد النصح ... عمر ولى وقد توالى القبح
جرح دام وقد تبدى جرح ... ما تشعر بالخمار حتى تصحو
لما انقشع غيم الغفلة عن عيون أهل اليقين، لاح لهم هلال الهدى في صحراء اليقظة، فبيتوا نية الصوم عن الهوى على عزم: عزفت نفسي عن الدنيا، دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز وقد غيره الزهد فأنكره، فقال: يا ابن كعب فكيف لو رأيتني بعد ثلاثة أيام في قبري؟
لم تبق فيهم حرارات الهوى وجوى ... الأحزان غير خيالات وأشباح
تكاد تنكرهم عين الخبير بهم ... لولا تردد أنفاس وأرواح
كان وهيب بن الورد قد نحل من التعبد، فكانت خضرة البقل تبين تحت جلدة بطنه.
للمهيار:
زعمتِ لا يُبلي هواك جسدي ... بَلى وحسبي بكم لقد بلى
دارُك تدري أنه لولا الهوى ... ما طل دمع مقلتي في طَلَلِ
أخواني من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.
لصردر:
وكم ناحل بين تلك الخيام ... تحسبه بعضَ أطنابها
أنضى القوم رواحل الأبدان في سفر الشوق حباً لتعجيل اللقاء، فكم طووا منزلاً على الظماء حتى كل كل المطي بتلك الجعجعة، ورفيق الرفق يصيح بهم.
للمهيار:
دعوها ترِدْ بعد خمسٍ شروعاً ... وارخوا أزمتها والنسوعا
وقولوا دعاءً لها: لا عُقرتِ ... ولا امتدَّ دهرُك إلا ربيعا
حملن نشاوى بكأس الغرام ... فكلُّ غدا لأخيه رضيعا
إذا أجدبوا خصّهم جد بهم ... وإن أخصبوا كان خِصباً جميعا
طِوال السواعد شمّ الأنوف ... فطابوا أصولاً وطابوا فروعا
أحبُّوا فرادى ولكنهم على ... صيحة البين ماتوا جميعا
حموا راحة النوم أجفانَهم ... ولفوا على الزفرات الضلوعا
أسكّان رامة هل من قِرىً ... فقد دفع الليل ضيفاً قنوعا
كفاه من الزاد أن تمهدوا ... له نظراً أو حديثاً وسيعا
قيل لأبي بكر النهشلي وهو في الموت اشرب قليلاً من الماء فقال: حتى تغرب الشمس.
للمهيار:
نفّرها عن وِردها بحاجر ... شوقٌ يعوق الدمع في المحاجر
وردّها على الطوى سواغباً ... ذلُّ الغرام وحنين الذاكر
واشوقاه إلى تلك الأشباح، سلام الله على تلك الأرواح.
ها إنها منازل تعودت ... مني إذا شارفتها التسليما
وقفت فيها سالماً راد الضحى ... ورحت من وجد بها سليما
يا نفحة الشمال من تلقائها ... ردي على ذلك النسيما
يا هذا إن أردت لحاق السادة فخل مخالفة الوسادة، واجعل جلدتك بردتك، وحد عن الخلق والزم وحدتك، اكحل عينيك بالسهر والدمع وضع على قروح الجوع مرهم الصبر، وتزود للسير زاد العزم، واقطع طريق الدنيا بقدم الزهد، واخرج إلى خصب الأخرى عن ضنك الدنيا، وسح في بوادي التقى لتنزل بوادي الفخر، فإن وصلت إلى دوائك تناولته من يد " يُحبُّهم ويُحبونه " وإن مت بدائك فمقابر الشهداء " في مَقْعَدِ صدق " .
؟الفصل الرابع والستون
يا مشغولاً بتلفيق ماله عن تحقيق أعماله، من خطر ذكر الرحيل بباله قنع بالبلغ ولم يباله.
مالك للحادثات نهب ... أو للذي حازه وراثه
أولك أن تتخذه ذخراً ... فلا تكن أعجز الثلاثه
لا بد والله من العبور إلى منزل القبور، يسفي عليك الصبا والدبور وأنت تحت الأرض تبور، آه من طول الثبور، بعد طيب الحبور، يا لكسر بعيد الجبور، لا ينفع فيه صبر الصبور، يندم على عثرته العثور، ويفترش الدثور حتى يثور، أين كسرى وبهرام جور، أين المتقلبون حجور الفجور؟ أين الحليم أين الضجور؟ أين المهر العربي، والناقة العيسجور، أين الظباء الكنس والأتراب الحور، كن يزين در البحور بالنحور، غرق الكل في يم من التلف زخور، واستوى الوضيع والفخور، تحت الصخور، لا فرق بين ذات الإيماء وذوات الخدور في ذلك المهبط الحدور، لقد بان للكل أن الدنيا غرور، وعرفوا في المصير. شرور السرور، وتيقنوا أن تزوير الأمل للخلد زور وتفصلت أعضاؤهم ولا تفصيل لحم الجزور، ودكت بهم الأرض ولا كما دك الطور، وبانت حسباناتهم وفيها قصور وتأسفوا على مساكنة القصور في مساكن القصور، وهذا المصير ولو عمرتم عمر النسور، والرامي مصيب وما يدفع السور، فإذا انقضت بعده تلك العصور ونفخ في الصور، وخرجت أطيار الأرواح من أعجب الوكور، وباتت الأرض تموج والسماء تمور، ولقي الكفور ناراً تلتهب وتفور، انزعج الخليل والكليم. فمن بشر وطيفور.
كم للمنايا في بني آدم ... توسع منه تضيق الصدور
فالوقت لا تحدث ساعاته ... إلا الردى المحض بوشك المرور
أيامنا السبعة أيسارنا ... وكلنا فيها شبيه الجزور
طهرت ثوباً واهياً ثم ما ... قلبك إلا عادم للطهور
لو فطن الناس لدنياهم ... لا اقتنعوا منها اقتناع الطيور
ويحك إن الدنيا تغر ولا بد لك منها، فخذ قدر الحاجة على حذر، أما ترى الطائر كيف يختلس قوته؟ هذا العصفور يألف الناس فلا يسكن داراً لا أهل بها وهو مع هذا الأنس شديد الحذر ممن جاور، هذا الخطاف يقطع البحر لطلب الأنس بالأنس ثم يتخذ وكره في أحصن مكان من البيت، ولا يحمله الأنس بهم على ترك الحذر منهم، بل يعطي الأنس حقه والحزم حقه.
حموا راحة النوم أجفانَهم ... ولفوا على الزفرات الضلوعا
أسكّان رامة هل من قِرىً ... فقد دفع الليل ضيفاً قنوعا
كفاه من الزاد أن تمهدوا ... له نظراً أو حديثاً وسيعا
قيل لأبي بكر النهشلي وهو في الموت اشرب قليلاً من الماء فقال: حتى تغرب الشمس.
للمهيار:
نفّرها عن وِردها بحاجر ... شوقٌ يعوق الدمع في المحاجر
وردّها على الطوى سواغباً ... ذلُّ الغرام وحنين الذاكر
واشوقاه إلى تلك الأشباح، سلام الله على تلك الأرواح.
ها إنها منازل تعودت ... مني إذا شارفتها التسليما
وقفت فيها سالماً راد الضحى ... ورحت من وجد بها سليما
يا نفحة الشمال من تلقائها ... ردي على ذلك النسيما
يا هذا إن أردت لحاق السادة فخل مخالفة الوسادة، واجعل جلدتك بردتك، وحد عن الخلق والزم وحدتك، اكحل عينيك بالسهر والدمع وضع على قروح الجوع مرهم الصبر، وتزود للسير زاد العزم، واقطع طريق الدنيا بقدم الزهد، واخرج إلى خصب الأخرى عن ضنك الدنيا، وسح في بوادي التقى لتنزل بوادي الفخر، فإن وصلت إلى دوائك تناولته من يد " يُحبُّهم ويُحبونه " وإن مت بدائك فمقابر الشهداء " في مَقْعَدِ صدق " .
؟الفصل الرابع والستون
يا مشغولاً بتلفيق ماله عن تحقيق أعماله، من خطر ذكر الرحيل بباله قنع بالبلغ ولم يباله.
مالك للحادثات نهب ... أو للذي حازه وراثه
أولك أن تتخذه ذخراً ... فلا تكن أعجز الثلاثه
لا بد والله من العبور إلى منزل القبور، يسفي عليك الصبا والدبور وأنت تحت الأرض تبور، آه من طول الثبور، بعد طيب الحبور، يا لكسر بعيد الجبور، لا ينفع فيه صبر الصبور، يندم على عثرته العثور، ويفترش الدثور حتى يثور، أين كسرى وبهرام جور، أين المتقلبون حجور الفجور؟ أين الحليم أين الضجور؟ أين المهر العربي، والناقة العيسجور، أين الظباء الكنس والأتراب الحور، كن يزين در البحور بالنحور، غرق الكل في يم من التلف زخور، واستوى الوضيع والفخور، تحت الصخور، لا فرق بين ذات الإيماء وذوات الخدور في ذلك المهبط الحدور، لقد بان للكل أن الدنيا غرور، وعرفوا في المصير. شرور السرور، وتيقنوا أن تزوير الأمل للخلد زور وتفصلت أعضاؤهم ولا تفصيل لحم الجزور، ودكت بهم الأرض ولا كما دك الطور، وبانت حسباناتهم وفيها قصور وتأسفوا على مساكنة القصور في مساكن القصور، وهذا المصير ولو عمرتم عمر النسور، والرامي مصيب وما يدفع السور، فإذا انقضت بعده تلك العصور ونفخ في الصور، وخرجت أطيار الأرواح من أعجب الوكور، وباتت الأرض تموج والسماء تمور، ولقي الكفور ناراً تلتهب وتفور، انزعج الخليل والكليم. فمن بشر وطيفور.
كم للمنايا في بني آدم ... توسع منه تضيق الصدور
فالوقت لا تحدث ساعاته ... إلا الردى المحض بوشك المرور
أيامنا السبعة أيسارنا ... وكلنا فيها شبيه الجزور
طهرت ثوباً واهياً ثم ما ... قلبك إلا عادم للطهور
لو فطن الناس لدنياهم ... لا اقتنعوا منها اقتناع الطيور
ويحك إن الدنيا تغر ولا بد لك منها، فخذ قدر الحاجة على حذر، أما ترى الطائر كيف يختلس قوته؟ هذا العصفور يألف الناس فلا يسكن داراً لا أهل بها وهو مع هذا الأنس شديد الحذر ممن جاور، هذا الخطاف يقطع البحر لطلب الأنس بالأنس ثم يتخذ وكره في أحصن مكان من البيت، ولا يحمله الأنس بهم على ترك الحذر منهم، بل يعطي الأنس حقه والحزم حقه.
أما عرفت أدب الشرع في تناول المطعم، ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس، شره الحرص يغبى بلا غم البلادة، ولا يسهل شرب المسهل إلا على من تأذى بحركات الأخلاط، لا يقدر على الحمية إلا من تلمح العافية في العاقبة، شغل العقل النظر في العواقب، فأما الهوى فإيثار لذة قليلة تعقب ندامة طويلة، فملبس في قضاياه، المؤمن بين حرب ومحراب وكلاهما مفتقر إلى جمع الهم، ويريد المحراب القيام بأشراط الوضوء والدنيا في مقام امرأة واللمس ناقض طريق المتيقن تفتقر إلى رواحل، وابل عزائمكم كلها كال، إنما يصلح للملك قلب فارغ ممن سواه.
وقلبك خان كل يوم وليلة ... يفارقه ركب وينزله ركب
في كل يوم ترهن قلبك على ثمن شهوة فيستعمله المرتهن فدق أخلق، أنت توقد نار التوبة في المجلس، في الحلفاء، فإذا أردت منها قبساً بعد خروجك لم تجد، تبكي ساعة الحضور على الخيانة والمسروق في جيبك، يا مظهراً من الخير ما ليس له لا تبع ما ليس عندك، كم نهاك عن نظرة وتعلم أنه بالحضرة، أفلا تراقب الناظر برد الناظر، وكأنك ما تعرف أن الحاضر حاضر، واعجباً لك، تعد التسبيحة بسبحة، فهلا جعلت لعد المعاصي أخرى، يا من يختار الظلام على الضوء، الذباب أعلى همة منك، متى أظلم البيت خرج الذباب إلى الضوء، أما ترى الطفل في القماط؟ يناغي المصباح، ويحك، خذ بتلابيب نفسك، قبل أن يجذبها ملك الموت، وقل أيتها النفس الحمقاء، إن كان محمد صادقاً فالمسجد وإلا فالدير.
الناس من الهوى على أصناف ... هذا نقض العهد، وهذا واف
هيهات من الكدور تبغي الصافي ... لا يصلح للحضرة قلب جاف
يا هذا، أكبر دليل عليك علينا، إنك كنت مبدداً في ظهور الأصول فنظمت بالقدرة نظماً عجيباً خالياً عن العبث، فما تنقض إلاّ لأمر هو أعجب منه، مدت أطناب العروق، وحفرت خنادق الأعصاب، وضربت أوتاد المفاصل، وأقيم عمد الصلب، ثم مد السرادق، فنصب سرير القلب في الباطن للملك ويسعني قلب عبدي المؤمن
إذا لم يجد صب على النأي مخبراً ... عن الحي بعد البين أين أقاموا
فعند النسيم الرطب أخبار منزل ... به لسليمى بالعقيق خيام
يا هذا، إن كنت محباُ فحبيبك معك في كل حال، حتى عند الموت، وفي بطن اللحد.
للغزي:
يا حبذا العرعر النجدي والبان ... ودار قوم بأكناف الحمى بانوا
وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع الأحباب ميدان
إذا أقفر قلبك من ساكن ويسعني فتحت النفس باباً لعناكب الغفلة، فنسجت في زواياه من لعاب الأمل، طاقات المنى، اللهم أجر القلوب من جور النفوس، يا سلطان القلب، نشكو إليك النزالة.
الفصل الخامس والستون
إخواني، اعرفوا الدنيا وقد سلمتم، ثم اعملوا فيها بما عملتم، لا يغرنكم منها الوفر، فإنكم فيها في سفر، أما بعد توطئة المهاد الحفر؟، أتتوطن مني وتنسى النفر؟.
أرى الدنيا وما وصفت ببر ... متى أغنت فقيراً أرهقته
إذا خشيت لشر عجلته ... وإن رجيت لخير عوقته
تعلقها ابن جهل في صباه ... فهام بفارك ما علقته
سقته زمانه مقراً وصابا ... وكأس الموت آخر ما سقته
أبادت قصر قيصر ثم جازت ... بإيوان ابن هرمز فارتقته
أما افتتحت له في الأرض بيتاً ... فآوته النزيل وأطبقته
إذا انفلت ابنها عنها بزهد ... ثنته بزخرف قد نمقته
أترى لم تنفع التجارب؟، أما ترون الدنيا كيف تحارب؟، ألا تلقون حبلها على الغارب؟، أما سيف الهلاك في يد الضارب؟، تالله لقد جلا صبح اليقين ظلام الغياهب، إلا عزم زاهد، يتوكأ على عصا راهب.
ودنياك إن وهبت باليمين ... يسار الفتى سلبت باليسار
إخواني، احذروا الدنيا، فإنها أسحر من هاروت وماروت، ذلك يفرقان بين المرء وزوجه، وهذه تفرق بين العبد وربه، وكيف لا، وهي التي سحرت سحرة بابل، إن أقبلت شغلت، وإن أدبرت قتلت.
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن عرضت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
وقلبك خان كل يوم وليلة ... يفارقه ركب وينزله ركب
في كل يوم ترهن قلبك على ثمن شهوة فيستعمله المرتهن فدق أخلق، أنت توقد نار التوبة في المجلس، في الحلفاء، فإذا أردت منها قبساً بعد خروجك لم تجد، تبكي ساعة الحضور على الخيانة والمسروق في جيبك، يا مظهراً من الخير ما ليس له لا تبع ما ليس عندك، كم نهاك عن نظرة وتعلم أنه بالحضرة، أفلا تراقب الناظر برد الناظر، وكأنك ما تعرف أن الحاضر حاضر، واعجباً لك، تعد التسبيحة بسبحة، فهلا جعلت لعد المعاصي أخرى، يا من يختار الظلام على الضوء، الذباب أعلى همة منك، متى أظلم البيت خرج الذباب إلى الضوء، أما ترى الطفل في القماط؟ يناغي المصباح، ويحك، خذ بتلابيب نفسك، قبل أن يجذبها ملك الموت، وقل أيتها النفس الحمقاء، إن كان محمد صادقاً فالمسجد وإلا فالدير.
الناس من الهوى على أصناف ... هذا نقض العهد، وهذا واف
هيهات من الكدور تبغي الصافي ... لا يصلح للحضرة قلب جاف
يا هذا، أكبر دليل عليك علينا، إنك كنت مبدداً في ظهور الأصول فنظمت بالقدرة نظماً عجيباً خالياً عن العبث، فما تنقض إلاّ لأمر هو أعجب منه، مدت أطناب العروق، وحفرت خنادق الأعصاب، وضربت أوتاد المفاصل، وأقيم عمد الصلب، ثم مد السرادق، فنصب سرير القلب في الباطن للملك ويسعني قلب عبدي المؤمن
إذا لم يجد صب على النأي مخبراً ... عن الحي بعد البين أين أقاموا
فعند النسيم الرطب أخبار منزل ... به لسليمى بالعقيق خيام
يا هذا، إن كنت محباُ فحبيبك معك في كل حال، حتى عند الموت، وفي بطن اللحد.
للغزي:
يا حبذا العرعر النجدي والبان ... ودار قوم بأكناف الحمى بانوا
وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع الأحباب ميدان
إذا أقفر قلبك من ساكن ويسعني فتحت النفس باباً لعناكب الغفلة، فنسجت في زواياه من لعاب الأمل، طاقات المنى، اللهم أجر القلوب من جور النفوس، يا سلطان القلب، نشكو إليك النزالة.
الفصل الخامس والستون
إخواني، اعرفوا الدنيا وقد سلمتم، ثم اعملوا فيها بما عملتم، لا يغرنكم منها الوفر، فإنكم فيها في سفر، أما بعد توطئة المهاد الحفر؟، أتتوطن مني وتنسى النفر؟.
أرى الدنيا وما وصفت ببر ... متى أغنت فقيراً أرهقته
إذا خشيت لشر عجلته ... وإن رجيت لخير عوقته
تعلقها ابن جهل في صباه ... فهام بفارك ما علقته
سقته زمانه مقراً وصابا ... وكأس الموت آخر ما سقته
أبادت قصر قيصر ثم جازت ... بإيوان ابن هرمز فارتقته
أما افتتحت له في الأرض بيتاً ... فآوته النزيل وأطبقته
إذا انفلت ابنها عنها بزهد ... ثنته بزخرف قد نمقته
أترى لم تنفع التجارب؟، أما ترون الدنيا كيف تحارب؟، ألا تلقون حبلها على الغارب؟، أما سيف الهلاك في يد الضارب؟، تالله لقد جلا صبح اليقين ظلام الغياهب، إلا عزم زاهد، يتوكأ على عصا راهب.
ودنياك إن وهبت باليمين ... يسار الفتى سلبت باليسار
إخواني، احذروا الدنيا، فإنها أسحر من هاروت وماروت، ذلك يفرقان بين المرء وزوجه، وهذه تفرق بين العبد وربه، وكيف لا، وهي التي سحرت سحرة بابل، إن أقبلت شغلت، وإن أدبرت قتلت.
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن عرضت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
كم في جرع لذاتها من غصص، طالبها معها في نغص:
بكى عليها حتى إذا حصلت بكى ... عليها خوفاً من الغير
إنها إذا صفت حلالاً، كدرت الدين، فكيف إذا أخذت من حرام؟، إن لحم الذبيحة ثقيل على المعاء، فكيف إذا كان ميتة؟، الظلمة في الظلمة يمشون في جمع الحطام، يصبحون ويمسون على فراش الآثام " فما ربِحَتْ تجارَتُهُمْ " ، من نبت جسمه على الحرام، فمكاسبه كبريت به يوقد، الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، أتراهم نسوا؟ طي الليالي سالف الجبارين، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، فما هذا الاغترار " وقدْ خَلَتْ منْ قبلِهِمُ المَثُلاتُ " فهم ينتظرون من لهم إذا طلبوا العود " فحِيلَ بينَهُمْ وبينَ ما يشتَهونَ " كم بكت في تنعم الظالم؟ عين أرملة، وأحرقت كبد يتيم " ولَتَعلَمُنَّ نبأَهُ بعدَ حين " ما ابيض لون الرغيف حتى اسودَّ وجه الضعيف، ما تروّقت المشارب حتى ترنّقت المكاسب، ما عبل جسم الظالم حتى ذوت ذواب ذات قوة، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته، إلى سقف بيتك، نباله مصيب، ونبله غريب، قوسه حرقه، ووتره قلقه، ومرماته هدف " لأنصرَنَّكَ " وسهم سهمه الإصابة، وقد رأيت وفي الأيام تجريب.
كم من دار دارت بنعم النعم، دارت عليها دوائر النقم " فجعلناها حصيداً " كم جار في حلبة المنى؟، قد استولى طرفه على الأمد، صدمه قهر عقوبة، فألقاه أسرع من طرف، بينا القوم ينبسطون على البسيطة، كفت أكفهم بمقامع القمع، لسبتهم عقارب ظلمهم نفخ عليهم ثعبان جورهم، عقرتهم أسود بطشهم، نسفتهم عواصف كبرهم، وفي الغير عبر، ويحك، إذا كانت راحة اللذة تعقب تعب العقوبة، فدع الدعة تمضي في غير الدعة، والله ما تساوي لذة سنة غم ساعة، فكيف والأمر بالعكس؟، كم في يم الغرور، من تمساح فاحذر يا غائض، يا من قد أمكنه الزمان من حركات التصرف في العدل فما يؤمن من الزمن الزمن.
ومتى بلغت إلى الرئاسة فاستلب ... كرة العلى بصوالج المعروف
كان عمر يخاف مع العدل، يا من يأمن مع العدول، رؤى بعد موته باثنتي عشرة سنة، فقال الآن تخلصت من حسابي، واعجباً، أقيم أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟ أحسن شعائر الشرائع، العدل، الظلم ظلمة في نهار الولاية، وجدب يرعى لحوم الرعية، والعدل، صوت في صور الحياة، يبعث به موتى الجور، أيها الظالم، تذكر عند جورك عدل الحاكم، تفكر حين تصرفك في سرفك، عجباً لك، تدعي الظرف وتأخذ المظروف والظرف، كلا، أو في الظرافة رأفة، ستعلم أيها الغريم قدر غرامك إذا يلتقي كل ذي دين وماطله، من لم يتبع بمنقاش العدل، شوك الظلم من أيدي التصرف، أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب.
يا أرباب الدول، لا تعربدوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصاد، سليمان الحكم قد حبس آصف العقوبة، في حصن " فلا تعجَل عليهم " وأجرى رخاء الرجاء " لئلا يكون للناس على الله حجةٌ " فلو قد هبت سموم الجزاء من مهب " ولئن مستهم نفحة " قلعت سكر " إنما نُملي لهم " فإذا طوفان التلف، ينادي فيه نوح " لا عاصم " فالحذر الحذر " قبل أن تقول نفسٌ يا حسرتا " " ولات حين مناص " وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت؟ فإنك لا تلقى كدراً، إلا من طريق جناية " لا يُغيِّر ما يقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم " .
كان لبّان يخلط الماء باللبن، فجاء سيل فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوكتا وفوك نفخ. اذكر غفلتك عن الآمر والأمر وقت الكسب، ولا تنسى إطراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انقض عاصف فسمعت صوت سوطه يضرب عقد الكسب جزء الخيانة العقود، فلا تستطرف ذلك، فأنت الجاني أولاً، والبادي أظلم.
الفصل السادس والستون
يا مشغولاً بأمله، عن ذكر أجله، راضياً في صلاح خلاله بخلله، هل أتى المساكن لكسله إلا من قبله.
أضحى لك في قبضة المطامع آمال ... ترجو دركاً والردى لعمرك مغتال
هل أنت معدٌ ليوم حشرك زاداً ... يوماً بجد الفوز بالقيمة عمال
إن أغفلك الدهر برهة فسيأتي ... ك على غفلة بحتفك معجال
بادر بمتاب فربما طرق المو ... ت بسهم من المنية قتال
بكى عليها حتى إذا حصلت بكى ... عليها خوفاً من الغير
إنها إذا صفت حلالاً، كدرت الدين، فكيف إذا أخذت من حرام؟، إن لحم الذبيحة ثقيل على المعاء، فكيف إذا كان ميتة؟، الظلمة في الظلمة يمشون في جمع الحطام، يصبحون ويمسون على فراش الآثام " فما ربِحَتْ تجارَتُهُمْ " ، من نبت جسمه على الحرام، فمكاسبه كبريت به يوقد، الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، أتراهم نسوا؟ طي الليالي سالف الجبارين، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، فما هذا الاغترار " وقدْ خَلَتْ منْ قبلِهِمُ المَثُلاتُ " فهم ينتظرون من لهم إذا طلبوا العود " فحِيلَ بينَهُمْ وبينَ ما يشتَهونَ " كم بكت في تنعم الظالم؟ عين أرملة، وأحرقت كبد يتيم " ولَتَعلَمُنَّ نبأَهُ بعدَ حين " ما ابيض لون الرغيف حتى اسودَّ وجه الضعيف، ما تروّقت المشارب حتى ترنّقت المكاسب، ما عبل جسم الظالم حتى ذوت ذواب ذات قوة، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته، إلى سقف بيتك، نباله مصيب، ونبله غريب، قوسه حرقه، ووتره قلقه، ومرماته هدف " لأنصرَنَّكَ " وسهم سهمه الإصابة، وقد رأيت وفي الأيام تجريب.
كم من دار دارت بنعم النعم، دارت عليها دوائر النقم " فجعلناها حصيداً " كم جار في حلبة المنى؟، قد استولى طرفه على الأمد، صدمه قهر عقوبة، فألقاه أسرع من طرف، بينا القوم ينبسطون على البسيطة، كفت أكفهم بمقامع القمع، لسبتهم عقارب ظلمهم نفخ عليهم ثعبان جورهم، عقرتهم أسود بطشهم، نسفتهم عواصف كبرهم، وفي الغير عبر، ويحك، إذا كانت راحة اللذة تعقب تعب العقوبة، فدع الدعة تمضي في غير الدعة، والله ما تساوي لذة سنة غم ساعة، فكيف والأمر بالعكس؟، كم في يم الغرور، من تمساح فاحذر يا غائض، يا من قد أمكنه الزمان من حركات التصرف في العدل فما يؤمن من الزمن الزمن.
ومتى بلغت إلى الرئاسة فاستلب ... كرة العلى بصوالج المعروف
كان عمر يخاف مع العدل، يا من يأمن مع العدول، رؤى بعد موته باثنتي عشرة سنة، فقال الآن تخلصت من حسابي، واعجباً، أقيم أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟ أحسن شعائر الشرائع، العدل، الظلم ظلمة في نهار الولاية، وجدب يرعى لحوم الرعية، والعدل، صوت في صور الحياة، يبعث به موتى الجور، أيها الظالم، تذكر عند جورك عدل الحاكم، تفكر حين تصرفك في سرفك، عجباً لك، تدعي الظرف وتأخذ المظروف والظرف، كلا، أو في الظرافة رأفة، ستعلم أيها الغريم قدر غرامك إذا يلتقي كل ذي دين وماطله، من لم يتبع بمنقاش العدل، شوك الظلم من أيدي التصرف، أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب.
يا أرباب الدول، لا تعربدوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصاد، سليمان الحكم قد حبس آصف العقوبة، في حصن " فلا تعجَل عليهم " وأجرى رخاء الرجاء " لئلا يكون للناس على الله حجةٌ " فلو قد هبت سموم الجزاء من مهب " ولئن مستهم نفحة " قلعت سكر " إنما نُملي لهم " فإذا طوفان التلف، ينادي فيه نوح " لا عاصم " فالحذر الحذر " قبل أن تقول نفسٌ يا حسرتا " " ولات حين مناص " وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت؟ فإنك لا تلقى كدراً، إلا من طريق جناية " لا يُغيِّر ما يقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم " .
كان لبّان يخلط الماء باللبن، فجاء سيل فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوكتا وفوك نفخ. اذكر غفلتك عن الآمر والأمر وقت الكسب، ولا تنسى إطراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انقض عاصف فسمعت صوت سوطه يضرب عقد الكسب جزء الخيانة العقود، فلا تستطرف ذلك، فأنت الجاني أولاً، والبادي أظلم.
الفصل السادس والستون
يا مشغولاً بأمله، عن ذكر أجله، راضياً في صلاح خلاله بخلله، هل أتى المساكن لكسله إلا من قبله.
أضحى لك في قبضة المطامع آمال ... ترجو دركاً والردى لعمرك مغتال
هل أنت معدٌ ليوم حشرك زاداً ... يوماً بجد الفوز بالقيمة عمال
إن أغفلك الدهر برهة فسيأتي ... ك على غفلة بحتفك معجال
بادر بمتاب فربما طرق المو ... ت بسهم من المنية قتال
أين المتحامون عن زخارف دنيا ... إن أوطنت المرء عقبته بترحال
خلابة عقل بباطل متماد ... غرارة صاد رأي المطامع كالال
إن شيم سحاب لها فذاك جهام ... أو ظن بها وابل فذلك خال
دع عنك حديث الركاب أين تولت ... أو ذكر ديار بها العفاء وإطلال
يا حسرة من أنفق الحياة غروراً ... قد باع لها الفرصة الرخيصة بالغال
لا تحتقر الذنب فالصحائف تحصى ... ما كنت تناسيت من قبائح أفعال
يا ضاحكاً ملء فيه سروراً واغتباطاً، وقد ارتضيت له المنون خيل التلف ارتباطاً، أما بسط الإنذار على باب الدار بساطاً؟ أما الحادي مجد. فما للمنادي يتباطى؟ أيحسن بالكبير أن يتمرس الهوى ويتعاطى؟ عجباً لعالم يقرب المنايا، كيف لا ينتهب التقى التقاطاً، ولجسد بال، جر بالعجب والرياء رياطا، إلى كم هذا الإسراع في الهوى والوجيف؟ وباب البقاء في الدنيا قد سد وجيف، إن الأمن في طريق قد أخيف، رأي رذيل. وعقل سخيف، يا من يجمع العيب إلى الشيب، ويضيف، لا الماء بارد، ولا الكوز نظيف، إن إيثار ما يفنى على ما يبقى لمزيف لا ظريف، كم أتى خريف وكم أناخ ريف، ويكفي من الكل كل يوم رغيف، أيجوع بشر الحافي؟ ويشبع وصيف، ويذل هذا ويخدم هذا مائة وصيف، وما أدرك هذا مد هذا. ولا النصيف، إلا أريب إلا لبيب إلا حصيف؟ لا يعجبنكم استقامة غصن الهوى، فالغصن قصيف ها نحن قد شتونا ولعلنا لا نصيف.
سل الأيام ما فعلت بكسرى ... وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للموت طراً ... فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدنى بسهم خطب ... فأصمته وواجهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس ... أنفت لعاقل أن يشتريها
يا من عمره يذوب، وما يتوب، إذا خرقت ثوب دينك بالزلل فارقعه بالاستغفار، فإن رفاء الندم صناع في جمع المتمزق.
يا هذا، إنما يضل المسافر في سفره يوماً أو يومين، ثم يقع على الجادة واعجباً من تيه خمسين سنة، يا واقفاً مع الصور خالط عالم المعنى، أما علمت أن تغريد الحمام نياحة، أنت تظن البلبل يغني، وإنما يبكي على أحبابه.
ليت شعري عن الذين تركنا ... بعدنا بالحجاز هل يذكرونا
أما لعل المدى تطاول حتى ... بعد العهد بيننا فنسونا
أرجعوا حرمة الوصال فإنا ... لهم في الهوى كما عهدونا
لو صفت لك فكرة، كان لك في كل شيء عبرة، كل المخلوقات بين مخوف ومشوق، حر الصيف يذكر حر جهنم، وبرد الشتاء محذر من زمهريها، والخريف ينبه على اجتناء ثمار الأعمار، والربيع يحث على طلب العيش الصافي، أوقات الأسحار ربيع الأبرار، وقوة الخوف صيفاً، وبرودة الرجاء شتاءً، وساعات الدعاء والطلب خريف، إذا استحر الحر تقحم القحل، فطلق القسر الأرض، فلبست سربال الجدب، واحدت في حفش الذل، فلما طالت أيام الأيمة، أومأ إلى المراجعة الرجع، فبكت من قطراته لطول الهجر، فضحك لكثرة بكائه روض الأرض، فبنى البناء ريع الربيع، فنهضت ماشطة القدرة، لإخراج بنات النبات من مخدر الثرى، ففرشت الحلل بمصبغات الحلل، فسمع الورد هتاف العندليب، وحنين الدواليب، ففتح فاه مشتاقاً إلى مشروب، فإذا الطل صبوح، فقال ألا منادم؟ فأبت الأزهار مصاحبة من لا يقيم، فأجابه بعد الياس الياسمين، فقال أنا نظيرك في قصر العمر، والموانسة في المجانسة، فأشر أنت إلى المذنب، باحمرار الخجل، حتى أشير أنا إلى الخائف، باصفرار الوجل، فرأى البلبل طيب الاجتماع فغنى، فرنت ديار اللهو، فدخل الناطور والصياد، فاقتطف الناطور رأس الورد، واختطف الصياد البلبل الوغد، فذبح في الحال العصفور، وحبس الورد في قوارير الزور، وقيل للياسمين. لم اغتررت بزور؟ " أفحسبتُم أنما خلقناكم عبثاً " فلما بكى الورد بكاء نادم على الاغترار، صلح للمتطيبين " أنين المذنبين أحبُّ إلينا من زجل المسبحين " فانتبه يا مخدوع، فالعمر الورد، والزجاجة القبر، والنفس البلبل، والقفص اللحد.
الفصل السابع والستون
أخواني، المستقر يزول، والمقيم منقول، والأحوال تحول، والعتاب على الفاني يطول، وكم نعذل وكم نقول؟
خلابة عقل بباطل متماد ... غرارة صاد رأي المطامع كالال
إن شيم سحاب لها فذاك جهام ... أو ظن بها وابل فذلك خال
دع عنك حديث الركاب أين تولت ... أو ذكر ديار بها العفاء وإطلال
يا حسرة من أنفق الحياة غروراً ... قد باع لها الفرصة الرخيصة بالغال
لا تحتقر الذنب فالصحائف تحصى ... ما كنت تناسيت من قبائح أفعال
يا ضاحكاً ملء فيه سروراً واغتباطاً، وقد ارتضيت له المنون خيل التلف ارتباطاً، أما بسط الإنذار على باب الدار بساطاً؟ أما الحادي مجد. فما للمنادي يتباطى؟ أيحسن بالكبير أن يتمرس الهوى ويتعاطى؟ عجباً لعالم يقرب المنايا، كيف لا ينتهب التقى التقاطاً، ولجسد بال، جر بالعجب والرياء رياطا، إلى كم هذا الإسراع في الهوى والوجيف؟ وباب البقاء في الدنيا قد سد وجيف، إن الأمن في طريق قد أخيف، رأي رذيل. وعقل سخيف، يا من يجمع العيب إلى الشيب، ويضيف، لا الماء بارد، ولا الكوز نظيف، إن إيثار ما يفنى على ما يبقى لمزيف لا ظريف، كم أتى خريف وكم أناخ ريف، ويكفي من الكل كل يوم رغيف، أيجوع بشر الحافي؟ ويشبع وصيف، ويذل هذا ويخدم هذا مائة وصيف، وما أدرك هذا مد هذا. ولا النصيف، إلا أريب إلا لبيب إلا حصيف؟ لا يعجبنكم استقامة غصن الهوى، فالغصن قصيف ها نحن قد شتونا ولعلنا لا نصيف.
سل الأيام ما فعلت بكسرى ... وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للموت طراً ... فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدنى بسهم خطب ... فأصمته وواجهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس ... أنفت لعاقل أن يشتريها
يا من عمره يذوب، وما يتوب، إذا خرقت ثوب دينك بالزلل فارقعه بالاستغفار، فإن رفاء الندم صناع في جمع المتمزق.
يا هذا، إنما يضل المسافر في سفره يوماً أو يومين، ثم يقع على الجادة واعجباً من تيه خمسين سنة، يا واقفاً مع الصور خالط عالم المعنى، أما علمت أن تغريد الحمام نياحة، أنت تظن البلبل يغني، وإنما يبكي على أحبابه.
ليت شعري عن الذين تركنا ... بعدنا بالحجاز هل يذكرونا
أما لعل المدى تطاول حتى ... بعد العهد بيننا فنسونا
أرجعوا حرمة الوصال فإنا ... لهم في الهوى كما عهدونا
لو صفت لك فكرة، كان لك في كل شيء عبرة، كل المخلوقات بين مخوف ومشوق، حر الصيف يذكر حر جهنم، وبرد الشتاء محذر من زمهريها، والخريف ينبه على اجتناء ثمار الأعمار، والربيع يحث على طلب العيش الصافي، أوقات الأسحار ربيع الأبرار، وقوة الخوف صيفاً، وبرودة الرجاء شتاءً، وساعات الدعاء والطلب خريف، إذا استحر الحر تقحم القحل، فطلق القسر الأرض، فلبست سربال الجدب، واحدت في حفش الذل، فلما طالت أيام الأيمة، أومأ إلى المراجعة الرجع، فبكت من قطراته لطول الهجر، فضحك لكثرة بكائه روض الأرض، فبنى البناء ريع الربيع، فنهضت ماشطة القدرة، لإخراج بنات النبات من مخدر الثرى، ففرشت الحلل بمصبغات الحلل، فسمع الورد هتاف العندليب، وحنين الدواليب، ففتح فاه مشتاقاً إلى مشروب، فإذا الطل صبوح، فقال ألا منادم؟ فأبت الأزهار مصاحبة من لا يقيم، فأجابه بعد الياس الياسمين، فقال أنا نظيرك في قصر العمر، والموانسة في المجانسة، فأشر أنت إلى المذنب، باحمرار الخجل، حتى أشير أنا إلى الخائف، باصفرار الوجل، فرأى البلبل طيب الاجتماع فغنى، فرنت ديار اللهو، فدخل الناطور والصياد، فاقتطف الناطور رأس الورد، واختطف الصياد البلبل الوغد، فذبح في الحال العصفور، وحبس الورد في قوارير الزور، وقيل للياسمين. لم اغتررت بزور؟ " أفحسبتُم أنما خلقناكم عبثاً " فلما بكى الورد بكاء نادم على الاغترار، صلح للمتطيبين " أنين المذنبين أحبُّ إلينا من زجل المسبحين " فانتبه يا مخدوع، فالعمر الورد، والزجاجة القبر، والنفس البلبل، والقفص اللحد.
الفصل السابع والستون
أخواني، المستقر يزول، والمقيم منقول، والأحوال تحول، والعتاب على الفاني يطول، وكم نعذل وكم نقول؟
سيقطع ريب البين بين الفريقين ... لكل اجتماع فرقة من يد البين
وكل يقضي ساعة بعد ساعة ... تخاتله عن نفسه ساعة الحين
وما العيش إلا يوم موت له غد ... وما الموت إلا رقدة بين يومين
وما الحشر إلا كالصباح إذا انجلى ... يقوم له اليقظان من رقدة العين
أيا عجباً مني ومن طول غفلتي ... أومل أن أبقى وأنى ومن أين
أين قطان الأوطان؟ أين الأطفال والشمطان؟ أين الجائع والمبطان؟ أين حطان وقحطان؟ أين العبيد والسلطان؟ أين الباني وماطان؟ أين السقوف والحيطان؟ أين المروج والغيطان؟ أين المهاري والأشطان؟ أين الآجال والخيطان؟ أين المحب والحبيب في الثرى خطان، تعرف وتصدف " هذا من عمل الشيطان " الطريق الهادية واسعة الفجاج، والدليل ظاهر لا يحتاج إلى احتجاج، وأما بحر الهوى فما يفارقه ارتجاج، ما فيه ماء للشرب، بل كله أجاج، والعجب من راكب فيه، يتجر في الزجاج، كم مزجور عنه غرفته في لجة لجاج.
يا معاشر العصاة، قد عم الجدب أرض القلوب، وأشرفت زروع التقوى على التوى، فأخرجوا من حصر الذنوب، إلى صحراء الندم، وحولوا أردية الغدر عن مناكب العهود، ونكسوا رؤس الرياسة على أذقان الذل، لعل غيوم الغموم على ما تلف تأتلف، أخواني، قد بشر الرشاش فاثبتوا، وقد سال الوادي.
واحبس الركب علينا ساعة ... نندب الربع ونبكي الدمنا
فلذا الموقف أعددنا البكا ... ولذا اليوم الدموع تقتنى
زمناً كان وكنا جيرة ... يا أعاد الله ذاك الزمنا
بيننا يوم أثيلات النقى ... كان عن غير تراض بيننا
إذا خرجت القلوب بالتوبة من حبس الهوى إلى بيداء الإنابة، جرت خيول الدمع في حلبات الوجد، كالمرسلات عرفاً، إذا استقام زرع الفكر، قامت العبرات تسقي، ونهضت الزفرات تحصد، ودارت رحا التحير تطحن، واضطرمت نار القلق تنضج، فحصلت للقلب بلة، يتقونها في سفر الحب، يا من لم يصبر عن الهوى، صبر يوسف، تعين عليك، حزن يعقوب، فإن لم تطق، فذل أخوته، يوم " وتصدق علينا " خوف السابقة، وحذر الخاتمة، قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا " يحول بين المرء وقلبه " كلما دخلوا سكة من سكك السكون، شرع بهم الجزع في شارع من شوارع القلق، لما حرك نسيم السحر أغصان الشجر، أخذت ألسن قلوبهم في بث القلق، فكاد نفس النفس يقطع الحيازيم، لولا حزم التمسك.
للشريف الرضي:
وإني لأغرى بالنسيم إذا سرى ... وتعجبني بالأبرقَيْن ربوعُ
ويحني على الشوق نجديُّ مُزنةٍ ... وبَرقٌ بأطراف الحجاز لَموعُ
ولا أعرف الأشجان حتى تشوقني ... حمائم ورق في الديار وقوع
في كل ليل تهب الرياح، ولكن نسيم السحر خاصية، ما أظنه تعطر إلا بأنفاس المستغفرين، لنفس المحب عطرية، تنم على قدر طيبة:
أحب الثرى النجدي من أجرع الحمى ... كأني لمن بالأجرعين نسيب
إذا هب علوي الرياح رأيتني ... أغض جفوني أن يقال مريب
المحبون على شواطئ أنهار الدمع تزول، فلو سرت عن هواك خطوات، لاح لك الخيام:
وصلوا إلى مولاهم وبقينا ... وتنعموا بوصاله وشقينا
ذهبت شبيبتنا وضاع زماننا ... ودنت منيتنا فمن ينجينا
فتجمعوا أهل القطيعة والجفا ... نبكي شهوراً قد مضت وسنينا
كان بعض السلف يقول: اللهم إن منعتني ثواب الصالحين، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته، وكان آخر يقول إن لم ترضى عني فاعف عني، كان القوم زينة الدنيا، فمذ سلبوا تسلبت، خلت والله الديار، وباد القوم، وارتحل أرباب السهر، وبقي أهل النوم، واستبدل الزمان آكلي الشهوات بأهل الصوم:
كفى حزناً بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
يا من كان له في حديث القوم ذوق، أين آثار الوجد والشوق؟ إذا طالت لبث الطين في حافات الأنهار تكامل ريه، فإذا نضب الماء عنه استلبت الشمس جميع ما فيه من رطوبة، فيقوى شوقه إلى ما فارق فلو تركت قطعة منه على لسانك لأمسكته شوقاً إلى ما فارقت من رطوبة، أشد الناس حباً لحديث الحجاز من سافر:
وكل يقضي ساعة بعد ساعة ... تخاتله عن نفسه ساعة الحين
وما العيش إلا يوم موت له غد ... وما الموت إلا رقدة بين يومين
وما الحشر إلا كالصباح إذا انجلى ... يقوم له اليقظان من رقدة العين
أيا عجباً مني ومن طول غفلتي ... أومل أن أبقى وأنى ومن أين
أين قطان الأوطان؟ أين الأطفال والشمطان؟ أين الجائع والمبطان؟ أين حطان وقحطان؟ أين العبيد والسلطان؟ أين الباني وماطان؟ أين السقوف والحيطان؟ أين المروج والغيطان؟ أين المهاري والأشطان؟ أين الآجال والخيطان؟ أين المحب والحبيب في الثرى خطان، تعرف وتصدف " هذا من عمل الشيطان " الطريق الهادية واسعة الفجاج، والدليل ظاهر لا يحتاج إلى احتجاج، وأما بحر الهوى فما يفارقه ارتجاج، ما فيه ماء للشرب، بل كله أجاج، والعجب من راكب فيه، يتجر في الزجاج، كم مزجور عنه غرفته في لجة لجاج.
يا معاشر العصاة، قد عم الجدب أرض القلوب، وأشرفت زروع التقوى على التوى، فأخرجوا من حصر الذنوب، إلى صحراء الندم، وحولوا أردية الغدر عن مناكب العهود، ونكسوا رؤس الرياسة على أذقان الذل، لعل غيوم الغموم على ما تلف تأتلف، أخواني، قد بشر الرشاش فاثبتوا، وقد سال الوادي.
واحبس الركب علينا ساعة ... نندب الربع ونبكي الدمنا
فلذا الموقف أعددنا البكا ... ولذا اليوم الدموع تقتنى
زمناً كان وكنا جيرة ... يا أعاد الله ذاك الزمنا
بيننا يوم أثيلات النقى ... كان عن غير تراض بيننا
إذا خرجت القلوب بالتوبة من حبس الهوى إلى بيداء الإنابة، جرت خيول الدمع في حلبات الوجد، كالمرسلات عرفاً، إذا استقام زرع الفكر، قامت العبرات تسقي، ونهضت الزفرات تحصد، ودارت رحا التحير تطحن، واضطرمت نار القلق تنضج، فحصلت للقلب بلة، يتقونها في سفر الحب، يا من لم يصبر عن الهوى، صبر يوسف، تعين عليك، حزن يعقوب، فإن لم تطق، فذل أخوته، يوم " وتصدق علينا " خوف السابقة، وحذر الخاتمة، قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا " يحول بين المرء وقلبه " كلما دخلوا سكة من سكك السكون، شرع بهم الجزع في شارع من شوارع القلق، لما حرك نسيم السحر أغصان الشجر، أخذت ألسن قلوبهم في بث القلق، فكاد نفس النفس يقطع الحيازيم، لولا حزم التمسك.
للشريف الرضي:
وإني لأغرى بالنسيم إذا سرى ... وتعجبني بالأبرقَيْن ربوعُ
ويحني على الشوق نجديُّ مُزنةٍ ... وبَرقٌ بأطراف الحجاز لَموعُ
ولا أعرف الأشجان حتى تشوقني ... حمائم ورق في الديار وقوع
في كل ليل تهب الرياح، ولكن نسيم السحر خاصية، ما أظنه تعطر إلا بأنفاس المستغفرين، لنفس المحب عطرية، تنم على قدر طيبة:
أحب الثرى النجدي من أجرع الحمى ... كأني لمن بالأجرعين نسيب
إذا هب علوي الرياح رأيتني ... أغض جفوني أن يقال مريب
المحبون على شواطئ أنهار الدمع تزول، فلو سرت عن هواك خطوات، لاح لك الخيام:
وصلوا إلى مولاهم وبقينا ... وتنعموا بوصاله وشقينا
ذهبت شبيبتنا وضاع زماننا ... ودنت منيتنا فمن ينجينا
فتجمعوا أهل القطيعة والجفا ... نبكي شهوراً قد مضت وسنينا
كان بعض السلف يقول: اللهم إن منعتني ثواب الصالحين، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته، وكان آخر يقول إن لم ترضى عني فاعف عني، كان القوم زينة الدنيا، فمذ سلبوا تسلبت، خلت والله الديار، وباد القوم، وارتحل أرباب السهر، وبقي أهل النوم، واستبدل الزمان آكلي الشهوات بأهل الصوم:
كفى حزناً بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
يا من كان له في حديث القوم ذوق، أين آثار الوجد والشوق؟ إذا طالت لبث الطين في حافات الأنهار تكامل ريه، فإذا نضب الماء عنه استلبت الشمس جميع ما فيه من رطوبة، فيقوى شوقه إلى ما فارق فلو تركت قطعة منه على لسانك لأمسكته شوقاً إلى ما فارقت من رطوبة، أشد الناس حباً لحديث الحجاز من سافر:
فكانت بالفرات لنا ليال ... سرقناهن من ريب الزمان
يا هذا كنت تدعي حبنا وتؤثر القرب منا فما هذا الصبر الذي قد عن عنا؟ كنت تستطيب رياح الأسحار وما تغير المحب ولكن دخل فصل برد الفتور، ولم تحرزه، فأصابك زكام الكسل، كنت في الرعيل الأول، فما الذي ردك إلى الساقة؟ قف الآن على جادة التأسف والزم البكاء على التخلف فأحق الناس بالأسى من خص بالتعويق دون الرفقاء:
يا صاحبي أطيلا في موانسي ... وناشداني بخلاني وعشاقي
وحدثاني حديث الخيف إن له ... روحاً لقلبي وتسهيلاً لأخلاقي
ما ضر ريح الصبا لو ناسمت حرقي ... واستنقذت مهجتي من أسر أشواقي
داء تقادم عندي من يعالجه ... ونفثة بلغت مني من الراقي
يمضي الزمان وآمالي مصرمة ... ممن أحب على مطل وإملاق
واضيعة العمر لا الماضي انتفعت به ... ولا حصلت على علم من الباقي
بلى علمت وقد أيقنت يا أسفاً ... أني لكل الذي قدمته لاق
الفصل الثامن والستون
أخواني: من عامل الدنيا خسر ومن حمل في صف طلبها كسر وإن خلاص محبها منها عسر وكل عاشقيها قد قيد وأسر " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر " .
أرى الشهد يرجع مثل الصبر ... فما لابن آدم لا يعتبر
وخبره صادق في الحديث ... فإن شك في ذاك فليختبر
ودنياك فالق بطول الهوان ... فهل هي إلا كجسر عبر
يا طالباً ما لا يدرك تمنى البقاء وما تترك كأنك بالحادي قد أبرك، وهل غير الحصاد لزرع قد أفرك؟
وكيف أشيد في يومي بناء ... وأعلم أن في غد عنه ارتحالي
فلا تنصب خيامك في محل ... فإن القاطنين على احتمال
يا من أعماله رياء وسمعة، يا من أعمى الهوى بصره وأصم سمعه، يا من إذا قام إلى الصلاة لم يخلص ركعة، يا نائماً في انتباهه إلى متى هذه الهجعة؟ يا غافلاً عن الموت كم قلع الموت قلعة؟ كم دخل دارك فأخذ غيرك وإن له لرجعة، كم شرى شخصاً بنقد مريض؟ وله الباقون بالشفعة، كم طرق جباراً فأشت شمله وأخرب ربعه، أفلا يتعظ البيدق بسلب شاه الرقعة.
يا عامر الدنيا إنما الدنيا دار قلعة كم مزقت قلباً بحبها، فرجع ألف قطعة إن خصت بطيب المذاق أغصت وسط الجرعة يوم ترحها سنة وسنة فرحها جمعة، إنها لمظلمة ولو أوقدت ألف شمعة، وهي مع هذا خائنة ولو حلفت بربعة، كم درست عليكم مجلدات؟ تقول ما هذه الأنفس مخلدات، أين الأقارب، أين اللذات؟ أفلا روائد ذهن للأخبار منتسمات، آه للقاعدات عن طلب المكرمات، آه للمستريحات لقد رضوا بمولمات:
ذهب العمر وفات ... يا أسير الشهوات
ومضى وقتك في لهو ... وسهو وسبات
بينما أنت على غيك ... حتى قيل مات
أخواني: ما لقلب العزم قد غفل ولنجم الحزم قد أفل، مهلاً فشمس العمر في الطفل ومن لم يحضر الوغى لم يحرز النفل:
ثواني هم فلم أقره ... أوائل من عزمتي أو ثواني
فيا هندوان عن المكرمات ... من لا يساور بالهند واني
يا معاشر العلماء أتقنعون من الصفات بالأسماء؟ أتؤثرون الأرض على السماء؟ أفي السكر أنتم أم في الإغماء أترضون بالثريا الثرى؟ أتغمضون العيون من غير كرى؟ أتنامون. فمن يحمد السرى؟ أتحيدون وفي الأنف البرى؟ أتحلون عقد " إن الله اشترى " إنكم لأحق بالحزن فيما أرى، احضروا ناحية، لا تكلفكم الكرى:
يا قومنا هذي الفوائد جمة ... فتخيروا قبل الندامة وانتقوا
إن مسكم ظمأ يقول نذيركم ... لا ذنب لي قد قلت للقوم استقوا
يا معاشر العلماء قد كتبتم ودرستم ثم إن طلبكم العلم فلستم في بيت العمل، ثم لو ناقشكم الإخلاص لا فلستم، شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعزع " أين شركائي " وأما شجرة الرياء فاجتثت عند نسمة " وقِفوهم " كم متشبه بالمخلصين؟ في تخشعه ولباسه وأفواه القلوب تنفر من طعم مذاقه واأسفي ما أكثر الزور؟ أما الخيام فإنها خيامهم، ليس كل مستدير يكون هلالا، لا لا.
يا هذا كنت تدعي حبنا وتؤثر القرب منا فما هذا الصبر الذي قد عن عنا؟ كنت تستطيب رياح الأسحار وما تغير المحب ولكن دخل فصل برد الفتور، ولم تحرزه، فأصابك زكام الكسل، كنت في الرعيل الأول، فما الذي ردك إلى الساقة؟ قف الآن على جادة التأسف والزم البكاء على التخلف فأحق الناس بالأسى من خص بالتعويق دون الرفقاء:
يا صاحبي أطيلا في موانسي ... وناشداني بخلاني وعشاقي
وحدثاني حديث الخيف إن له ... روحاً لقلبي وتسهيلاً لأخلاقي
ما ضر ريح الصبا لو ناسمت حرقي ... واستنقذت مهجتي من أسر أشواقي
داء تقادم عندي من يعالجه ... ونفثة بلغت مني من الراقي
يمضي الزمان وآمالي مصرمة ... ممن أحب على مطل وإملاق
واضيعة العمر لا الماضي انتفعت به ... ولا حصلت على علم من الباقي
بلى علمت وقد أيقنت يا أسفاً ... أني لكل الذي قدمته لاق
الفصل الثامن والستون
أخواني: من عامل الدنيا خسر ومن حمل في صف طلبها كسر وإن خلاص محبها منها عسر وكل عاشقيها قد قيد وأسر " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر " .
أرى الشهد يرجع مثل الصبر ... فما لابن آدم لا يعتبر
وخبره صادق في الحديث ... فإن شك في ذاك فليختبر
ودنياك فالق بطول الهوان ... فهل هي إلا كجسر عبر
يا طالباً ما لا يدرك تمنى البقاء وما تترك كأنك بالحادي قد أبرك، وهل غير الحصاد لزرع قد أفرك؟
وكيف أشيد في يومي بناء ... وأعلم أن في غد عنه ارتحالي
فلا تنصب خيامك في محل ... فإن القاطنين على احتمال
يا من أعماله رياء وسمعة، يا من أعمى الهوى بصره وأصم سمعه، يا من إذا قام إلى الصلاة لم يخلص ركعة، يا نائماً في انتباهه إلى متى هذه الهجعة؟ يا غافلاً عن الموت كم قلع الموت قلعة؟ كم دخل دارك فأخذ غيرك وإن له لرجعة، كم شرى شخصاً بنقد مريض؟ وله الباقون بالشفعة، كم طرق جباراً فأشت شمله وأخرب ربعه، أفلا يتعظ البيدق بسلب شاه الرقعة.
يا عامر الدنيا إنما الدنيا دار قلعة كم مزقت قلباً بحبها، فرجع ألف قطعة إن خصت بطيب المذاق أغصت وسط الجرعة يوم ترحها سنة وسنة فرحها جمعة، إنها لمظلمة ولو أوقدت ألف شمعة، وهي مع هذا خائنة ولو حلفت بربعة، كم درست عليكم مجلدات؟ تقول ما هذه الأنفس مخلدات، أين الأقارب، أين اللذات؟ أفلا روائد ذهن للأخبار منتسمات، آه للقاعدات عن طلب المكرمات، آه للمستريحات لقد رضوا بمولمات:
ذهب العمر وفات ... يا أسير الشهوات
ومضى وقتك في لهو ... وسهو وسبات
بينما أنت على غيك ... حتى قيل مات
أخواني: ما لقلب العزم قد غفل ولنجم الحزم قد أفل، مهلاً فشمس العمر في الطفل ومن لم يحضر الوغى لم يحرز النفل:
ثواني هم فلم أقره ... أوائل من عزمتي أو ثواني
فيا هندوان عن المكرمات ... من لا يساور بالهند واني
يا معاشر العلماء أتقنعون من الصفات بالأسماء؟ أتؤثرون الأرض على السماء؟ أفي السكر أنتم أم في الإغماء أترضون بالثريا الثرى؟ أتغمضون العيون من غير كرى؟ أتنامون. فمن يحمد السرى؟ أتحيدون وفي الأنف البرى؟ أتحلون عقد " إن الله اشترى " إنكم لأحق بالحزن فيما أرى، احضروا ناحية، لا تكلفكم الكرى:
يا قومنا هذي الفوائد جمة ... فتخيروا قبل الندامة وانتقوا
إن مسكم ظمأ يقول نذيركم ... لا ذنب لي قد قلت للقوم استقوا
يا معاشر العلماء قد كتبتم ودرستم ثم إن طلبكم العلم فلستم في بيت العمل، ثم لو ناقشكم الإخلاص لا فلستم، شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعزع " أين شركائي " وأما شجرة الرياء فاجتثت عند نسمة " وقِفوهم " كم متشبه بالمخلصين؟ في تخشعه ولباسه وأفواه القلوب تنفر من طعم مذاقه واأسفي ما أكثر الزور؟ أما الخيام فإنها خيامهم، ليس كل مستدير يكون هلالا، لا لا.
وما كل من أومى إلى العز ناله ... ودون العلى ضرب يدمي النواصيا
كم حول معروف من دفين ذهب اسمه كما بلى رسمه ومعروف معروف:
فما كل دار أقفرت دارة الحمى ... ولا كل بيضاء الترائب زينب
لريح المخلصين عطرية القبول وللمرائي سموم النسيم، نفاق المنافقين صير المسجد مزبلة " لا تقم فيه أبداً " وإخلاص المخلصين رفع قدر الوسخ " رب أشعث أغبر " .
أيها المرأى قلب من ترائيه بيد من تعصيه لا تنقش على الدرهم الزائف اسم الملك، فما يتبهرج الشحم بالورم، المرائي يتبرطل على باب السلطان، يدعي أنه خاص وهو غريب، أتردون ما ذنب المرائي؟ دعا باسم ليلى غيرها. فيا أسفي ذهب أهل التحقيق وبقيت بنيات الطريق، خلت البقاع من الأحباب وتبدلت العمارة بالخراب، يا ديار الأحباب عندك خبر المخلص يبهرج على الخلق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد، كان في ثوب أيوب السختياني، بعض الطول لستر الحال، وكان إذا وعظ فرق فرق من الرياء فيمسح وجهه ويقول ما أشد الزكام.
لصردر:
أحبس دمعي فينِدُّ شارداً ... كأنني أضبط عبداً آبقا
ومن محاشاة الرقيب خلتني ... يوم الرحيل في الهوى منافقا
كان أيوب يحيي الليل كله فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة: لصردر:
أكلف القلب أن يهوى وأُلزمه ... صبراً وذلك جمعٌ بين أضداد
وأكتم الركب أوطاري وأسأله ... حاجات نفسي لقد أتعبتُ روادي
هل مدلجٌ عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
إن رويتُ أحاديث الذين مضوا ... فعن نسيم الصبا والبرق أسنادي
كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه. وكان ابن أبي ليلى إذا دخل داخل وهو يصلي اضطجع على فراشه.
أفدى ظباء فلاة ما عرفن بما ... مضغ الكلام ولا صيغ الحواجيب
مرض ابن أدهم فجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء، لئلا يتشبه بالشاكين، هذه والله بهرجة اصح من نقدك.
للعباس بن الأحنف:
قد سحَّب الناسُ أذيال الظنون بنا ... وفرَّق الناس فينا قولهم فِرَقا
فكاذبٌ قد رمى بالظن غيركمُ ... وصادقٌ ليس يدري أنّه صدقا
اشتهر ابن أدهم ببلد فقيل هو في البستان الفلاني، فدخل الناس يطوفون ويقولون أين إبراهيم بن أدهم؟ فجعل يطوف معهم، ويقول أين إبراهيم بن أدهم.
للمهيار:
ضناً بأن يعلم الناسُ الهوى ولمن ... وهبتُ للسرِّ فيه لذة العلنِ
عرِّض بغيري ودعني في ظنونهم ... إن قيل من يك يُخفي الحق في الظنن
قرئ على أحمد بن حنبل في مرضه أن طاوساً كان يكره الأنين فما أنَّ حتى مات.
لصردر:
تفيض نفوسٌ بأوصابها ... وتكتم عوّادها ما بها
وما أنصفت مهجةٌ تشتكي ... هواها إلى غير أحبابها
لما هم الطبع بالتأوه من البلاء كشفت الحقائق سجف المحبوب فلم يبق لتقطيع الأيدي أثر:
بدا لها من بعد ما بدا لها ... روض الحمى إن تشتكي كلالها
رحل والله أولئك السادة، وبقي والله قرناء الرياء والوسادة.
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام
أسمع أصواتاً بلا أنيس وأرى خشوعاً أصله من إبليس.
للمهيار:
تشبهتْ حورُ الظباء بهم ... إذا سكنتْ فيك ولا مثل سكنْ
أصامتٌ بناطقٍ ونافرٌ بآنسٍ ... وذو خلاً بذي شجنْ
مشتبِهٌ أعرفه وإنما ... مغالطاً قلت لصحبي: دارُ منْ
قف باكياً فيها وإن كنت أخاً ... موانساً فبكِّها عنك وعن
لم يُبق لي يوم الفراق فضلةً ... من دمعةٍ أبكي بها على الدِّمَنْ
الفصل التاسع والستون
يا من قد أرخى له في الطول وأمهل له بمد الأجل، إخل بنفسك وعاتبها وخذ على يدها وحاسبها لعلها تأخذ عدتها قبل أن تستوفي مدتها:
وجدت أيامي لي رواحلاً ... وآن ينحط عنها الراحل
وصيح بي عرس فقد طال المدى ... وكل ركب في التراب نازل
كم حول معروف من دفين ذهب اسمه كما بلى رسمه ومعروف معروف:
فما كل دار أقفرت دارة الحمى ... ولا كل بيضاء الترائب زينب
لريح المخلصين عطرية القبول وللمرائي سموم النسيم، نفاق المنافقين صير المسجد مزبلة " لا تقم فيه أبداً " وإخلاص المخلصين رفع قدر الوسخ " رب أشعث أغبر " .
أيها المرأى قلب من ترائيه بيد من تعصيه لا تنقش على الدرهم الزائف اسم الملك، فما يتبهرج الشحم بالورم، المرائي يتبرطل على باب السلطان، يدعي أنه خاص وهو غريب، أتردون ما ذنب المرائي؟ دعا باسم ليلى غيرها. فيا أسفي ذهب أهل التحقيق وبقيت بنيات الطريق، خلت البقاع من الأحباب وتبدلت العمارة بالخراب، يا ديار الأحباب عندك خبر المخلص يبهرج على الخلق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد، كان في ثوب أيوب السختياني، بعض الطول لستر الحال، وكان إذا وعظ فرق فرق من الرياء فيمسح وجهه ويقول ما أشد الزكام.
لصردر:
أحبس دمعي فينِدُّ شارداً ... كأنني أضبط عبداً آبقا
ومن محاشاة الرقيب خلتني ... يوم الرحيل في الهوى منافقا
كان أيوب يحيي الليل كله فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة: لصردر:
أكلف القلب أن يهوى وأُلزمه ... صبراً وذلك جمعٌ بين أضداد
وأكتم الركب أوطاري وأسأله ... حاجات نفسي لقد أتعبتُ روادي
هل مدلجٌ عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
إن رويتُ أحاديث الذين مضوا ... فعن نسيم الصبا والبرق أسنادي
كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه. وكان ابن أبي ليلى إذا دخل داخل وهو يصلي اضطجع على فراشه.
أفدى ظباء فلاة ما عرفن بما ... مضغ الكلام ولا صيغ الحواجيب
مرض ابن أدهم فجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء، لئلا يتشبه بالشاكين، هذه والله بهرجة اصح من نقدك.
للعباس بن الأحنف:
قد سحَّب الناسُ أذيال الظنون بنا ... وفرَّق الناس فينا قولهم فِرَقا
فكاذبٌ قد رمى بالظن غيركمُ ... وصادقٌ ليس يدري أنّه صدقا
اشتهر ابن أدهم ببلد فقيل هو في البستان الفلاني، فدخل الناس يطوفون ويقولون أين إبراهيم بن أدهم؟ فجعل يطوف معهم، ويقول أين إبراهيم بن أدهم.
للمهيار:
ضناً بأن يعلم الناسُ الهوى ولمن ... وهبتُ للسرِّ فيه لذة العلنِ
عرِّض بغيري ودعني في ظنونهم ... إن قيل من يك يُخفي الحق في الظنن
قرئ على أحمد بن حنبل في مرضه أن طاوساً كان يكره الأنين فما أنَّ حتى مات.
لصردر:
تفيض نفوسٌ بأوصابها ... وتكتم عوّادها ما بها
وما أنصفت مهجةٌ تشتكي ... هواها إلى غير أحبابها
لما هم الطبع بالتأوه من البلاء كشفت الحقائق سجف المحبوب فلم يبق لتقطيع الأيدي أثر:
بدا لها من بعد ما بدا لها ... روض الحمى إن تشتكي كلالها
رحل والله أولئك السادة، وبقي والله قرناء الرياء والوسادة.
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام
أسمع أصواتاً بلا أنيس وأرى خشوعاً أصله من إبليس.
للمهيار:
تشبهتْ حورُ الظباء بهم ... إذا سكنتْ فيك ولا مثل سكنْ
أصامتٌ بناطقٍ ونافرٌ بآنسٍ ... وذو خلاً بذي شجنْ
مشتبِهٌ أعرفه وإنما ... مغالطاً قلت لصحبي: دارُ منْ
قف باكياً فيها وإن كنت أخاً ... موانساً فبكِّها عنك وعن
لم يُبق لي يوم الفراق فضلةً ... من دمعةٍ أبكي بها على الدِّمَنْ
الفصل التاسع والستون
يا من قد أرخى له في الطول وأمهل له بمد الأجل، إخل بنفسك وعاتبها وخذ على يدها وحاسبها لعلها تأخذ عدتها قبل أن تستوفي مدتها:
وجدت أيامي لي رواحلاً ... وآن ينحط عنها الراحل
وصيح بي عرس فقد طال المدى ... وكل ركب في التراب نازل
تهدد الحين فهل من سامع ... وجاء بالنصح فأين القابل
وكل شيء زاجر محدث ... يفهم ما قال الحصيف العاقل
أخواني، بادروا قبل العوائق واستدركوا فما كل طالب لاحق، واشكروا نعمة من ستركم عن الذنوب، واعرفوا فضله فقد أعطاكم كل مطلوب، ما أعم وجوده لجميع خلقه وما أكثر تقصيرهم في حقه، عم إحسانه الآدمي والبهائم والمستيقظ والنائم والجاهل، والعالم والمتقي والظالم من تأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش، خلق الجنين في بطن الأم فجعل وجهه إلى ظهرها لئلا يجري الطعام عليه، وجعل انفه بين ركبتيه ليتنفس في فراغ وسيق قوته في مصران السرة وليس العجب تغذيه لأنه متصل بحي، إنما العجب، خلق الفرخ في البيضة المنفصلة فإنه من البياض يخلق ومن المح يتغذى، فقد هيأ له زاد الطريق قبل سير الإيجاد، إذا تفقأت بيضة الغراب خرج الفرخ أبيض فتنفر عنه الأم لمباينته إياها، فيبقى مفتوح الفم لطلب الرزق فيسوق القدر إلى فيه الذباب، فلا يزال يغتذي به حتى يسود، فتعود أمه إليه، خلق الطير ذا جؤجؤ مخدد لتجري سفينة طيرانه في بحر الهوى، وجعل في جناحه وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران ولما كان يختلس قوته خوفاً من اصطياده، جعل منقاره صلباً لئلا ينسحج ولم يخلق له أسنان لأن زمان الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعلت له حوصلة كالمخلاة، فينقل إليها ما يستلب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له فراخ أسهمهم قبل النقل كلما طالت ساق الحيوان طال عنقه ليمكنه تناول طعمه من الأرض، هذا طائر الماء لا يقف إلا في ضحضاح، فيتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى ما يريد خطا خطوات على مهل فيتناول ولو كان قصير القوائم، كان حين يخطو يضرب الماء ببطنه فيهرب الصيد، هذه العنكبوت تبني بيتها بصناعة يعجز عنها المهندس إنها تطلب زاوية فجعلت فيها خيطاً، ووصلت بين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الجانبين فإذا أحكمت المعاقد ورتبت القسط كالسدى أخذت في اللحمة فيظن الظان أن نسجها عبث، كلا، إنها تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذباب والبق فإذا أتمت النسج انزوت إلى زاوية ترصد رصد الصائد، فإذا وقع صيد قامت تجني ثمار كسبها فتغتذي به فإذا أعجزها الصيد طلبت زاوية ووصلت بين طرفيها بخيط ثم علقت بنفسها بخيط آخر، وتنكست في الهواء تنتظر ذبابة تمر بها فإذا دنت منها دبت إليها واستعانت على قتلها بلف الخيط على رجلها، أفتراها علمت هذه الصنعة بنفسها؟ أو قرأتها على بعض جنسها أفلا ينظر إلى حكمة من علمها؟ وتثقيف من ألهمها.
فإن لم يكن لك نظر يعجبك منها فيعجب من عدم تعجبك، فإن أعجب أفعال القدر " وأَضَلَّهُ اللهُ على علمٍ " القلب جوهر في معدن البدن، فاكشف عنه بمعول المجاهدة ولا تطينه بتراب الغفلة، رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة، فاحتبس الماء، انقب تحتها إن لم تطق رفعها لعل الجرف ينهار.
في قربنا نيل المنى ... فتنبهوا يا غافلينا
عجباً لقومٍ أعرضوا ... عنا وقوم واصَلونا
نقضوا العهود وبارزونا ... بالصدود كاشفونا
واستعذبوا طعم القطيعة ... والجفا حتى نسونا
يا ويحهم لو قد دروا ... ما فاتهم لاستعطفونا
إلهي، ما أكثر المعرض عنك والمعترض عليك، وما أقل المتعرضين لك يا روح القلوب أين طلابك؟ يا نور السموات أين أحبابك؟ يا رب الأرباب أين عبادك؟ يا مسبب الأسباب أين قصادك؟ من الذي عاملك بلبه فلم يربح؟ من الذي جاءك بكربه فلم يفرح؟ أي صدر صدر عن بابك ولم يشرح؟ من ذا الذي لاذ بحبلك فاشتهى أن يبرح؟ يا معرضاً عنه إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت؟
مت على من غبت عنه أسفاً ... لست عنه بمصيب خلفا
لن ترى قرة عين أبداً ... أو ترى نحوهم منصرفا
بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتك الرفقة، ضرب على أذنك لا في مرافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد، فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى قم وانم، فجعل حدك الحبس عن لحاق المتهجدين، والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بعمر نوح في ملك
وكل شيء زاجر محدث ... يفهم ما قال الحصيف العاقل
أخواني، بادروا قبل العوائق واستدركوا فما كل طالب لاحق، واشكروا نعمة من ستركم عن الذنوب، واعرفوا فضله فقد أعطاكم كل مطلوب، ما أعم وجوده لجميع خلقه وما أكثر تقصيرهم في حقه، عم إحسانه الآدمي والبهائم والمستيقظ والنائم والجاهل، والعالم والمتقي والظالم من تأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش، خلق الجنين في بطن الأم فجعل وجهه إلى ظهرها لئلا يجري الطعام عليه، وجعل انفه بين ركبتيه ليتنفس في فراغ وسيق قوته في مصران السرة وليس العجب تغذيه لأنه متصل بحي، إنما العجب، خلق الفرخ في البيضة المنفصلة فإنه من البياض يخلق ومن المح يتغذى، فقد هيأ له زاد الطريق قبل سير الإيجاد، إذا تفقأت بيضة الغراب خرج الفرخ أبيض فتنفر عنه الأم لمباينته إياها، فيبقى مفتوح الفم لطلب الرزق فيسوق القدر إلى فيه الذباب، فلا يزال يغتذي به حتى يسود، فتعود أمه إليه، خلق الطير ذا جؤجؤ مخدد لتجري سفينة طيرانه في بحر الهوى، وجعل في جناحه وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران ولما كان يختلس قوته خوفاً من اصطياده، جعل منقاره صلباً لئلا ينسحج ولم يخلق له أسنان لأن زمان الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعلت له حوصلة كالمخلاة، فينقل إليها ما يستلب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له فراخ أسهمهم قبل النقل كلما طالت ساق الحيوان طال عنقه ليمكنه تناول طعمه من الأرض، هذا طائر الماء لا يقف إلا في ضحضاح، فيتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى ما يريد خطا خطوات على مهل فيتناول ولو كان قصير القوائم، كان حين يخطو يضرب الماء ببطنه فيهرب الصيد، هذه العنكبوت تبني بيتها بصناعة يعجز عنها المهندس إنها تطلب زاوية فجعلت فيها خيطاً، ووصلت بين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الجانبين فإذا أحكمت المعاقد ورتبت القسط كالسدى أخذت في اللحمة فيظن الظان أن نسجها عبث، كلا، إنها تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذباب والبق فإذا أتمت النسج انزوت إلى زاوية ترصد رصد الصائد، فإذا وقع صيد قامت تجني ثمار كسبها فتغتذي به فإذا أعجزها الصيد طلبت زاوية ووصلت بين طرفيها بخيط ثم علقت بنفسها بخيط آخر، وتنكست في الهواء تنتظر ذبابة تمر بها فإذا دنت منها دبت إليها واستعانت على قتلها بلف الخيط على رجلها، أفتراها علمت هذه الصنعة بنفسها؟ أو قرأتها على بعض جنسها أفلا ينظر إلى حكمة من علمها؟ وتثقيف من ألهمها.
فإن لم يكن لك نظر يعجبك منها فيعجب من عدم تعجبك، فإن أعجب أفعال القدر " وأَضَلَّهُ اللهُ على علمٍ " القلب جوهر في معدن البدن، فاكشف عنه بمعول المجاهدة ولا تطينه بتراب الغفلة، رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة، فاحتبس الماء، انقب تحتها إن لم تطق رفعها لعل الجرف ينهار.
في قربنا نيل المنى ... فتنبهوا يا غافلينا
عجباً لقومٍ أعرضوا ... عنا وقوم واصَلونا
نقضوا العهود وبارزونا ... بالصدود كاشفونا
واستعذبوا طعم القطيعة ... والجفا حتى نسونا
يا ويحهم لو قد دروا ... ما فاتهم لاستعطفونا
إلهي، ما أكثر المعرض عنك والمعترض عليك، وما أقل المتعرضين لك يا روح القلوب أين طلابك؟ يا نور السموات أين أحبابك؟ يا رب الأرباب أين عبادك؟ يا مسبب الأسباب أين قصادك؟ من الذي عاملك بلبه فلم يربح؟ من الذي جاءك بكربه فلم يفرح؟ أي صدر صدر عن بابك ولم يشرح؟ من ذا الذي لاذ بحبلك فاشتهى أن يبرح؟ يا معرضاً عنه إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت؟
مت على من غبت عنه أسفاً ... لست عنه بمصيب خلفا
لن ترى قرة عين أبداً ... أو ترى نحوهم منصرفا
بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتك الرفقة، ضرب على أذنك لا في مرافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد، فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى قم وانم، فجعل حدك الحبس عن لحاق المتهجدين، والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بعمر نوح في ملك
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى