- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش القسم الثاني في ذكر المواعظ - الفصل من ( 51- 60)
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:43
الفصل الحادي والخمسون
أين اللاهون بالمزاح زاحوا؟ أين شاربوا الراح راحوا؟ وبك ويك يا صاح، لقد ندبوا في قبورهم على الونى وناحوا.
يا أيها الواقف بالقبور ... بين أناس غيب حضور
قد سكنوا في حديث معمور ... بين الثرى وجندل الصخور
ينتظرون صيحة النشور ... إنك عن حظك في غرور
أين أرباب المناصب؟ أبادهم الموت الناصب، أين المتجبر الغاصب؟ أذله عذاب واصب، لفت والله الأكفان كالعصائب، على تلك العصائب، وحلت بهم آفات المصائب إذ حل بلباتهم سهم صائب، فيا من يأمن يتقلب على فراش عيوبه، مزمار ومزهر ومسكر ومنكر، فجاءه الموت فجاءة فأنساه ولده ونساءه، وجلب مساؤه ما ساءه، فنقل إلى اللحد ذميما، ولقي من غب المعاصي أمراً عظيما.
بينا تراه غادياً رائحاً ... في نعم غادية رائحة
إذا بيوم طالح مخرج ... من خبئه آماله الصالحة
كم سالم صحته موته ... وقائل عهدي به البارحة
أمسى وأمست عنده قينة ... فأصبحت تندبه نائحة
فكن من الدنيا على صيحة ... واينا ليست به صائحة
أين اللاهون بالمزاح زاحوا؟ أين شاربوا الراح راحوا؟ وبك ويك يا صاح، لقد ندبوا في قبورهم على الونى وناحوا.
يا أيها الواقف بالقبور ... بين أناس غيب حضور
قد سكنوا في حديث معمور ... بين الثرى وجندل الصخور
ينتظرون صيحة النشور ... إنك عن حظك في غرور
أين أرباب المناصب؟ أبادهم الموت الناصب، أين المتجبر الغاصب؟ أذله عذاب واصب، لفت والله الأكفان كالعصائب، على تلك العصائب، وحلت بهم آفات المصائب إذ حل بلباتهم سهم صائب، فيا من يأمن يتقلب على فراش عيوبه، مزمار ومزهر ومسكر ومنكر، فجاءه الموت فجاءة فأنساه ولده ونساءه، وجلب مساؤه ما ساءه، فنقل إلى اللحد ذميما، ولقي من غب المعاصي أمراً عظيما.
بينا تراه غادياً رائحاً ... في نعم غادية رائحة
إذا بيوم طالح مخرج ... من خبئه آماله الصالحة
كم سالم صحته موته ... وقائل عهدي به البارحة
أمسى وأمست عنده قينة ... فأصبحت تندبه نائحة
فكن من الدنيا على صيحة ... واينا ليست به صائحة
من كانت الدنيا به برة ... فإنها يوماً له ذابحة
واعجباً، لمن رأى هلاك جنسه ولم يتأهب لنفسه قال البازي للديك: ليس على الأرض أقل فاءاً منك، أخذك أهلك بيضة فحضنوك فلما خرجت جعلوا مهدك حجورهم ومائدتك أكفهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت، وأنا أخذت مسناً من الجبال فعلموني ثم أرسلوني، فجئت بصيدي فقال له الديك: إنك لم تر بازياً مشوياً في سفود، وكم رأيت في سفود من ديك؟ أخواني الزهد في الدنيا زبد، مخض محض الفكر، حظ الحريص على الدنيا في الحضيض، والقنوع في أعلى الذرى، سائق الحرص يضرب ظهر الحريص بعصا التحريض، فلو قد عصى الهوى كفت العصا، كلما زاد على القوت فهو مستخدم الكاسب يا موغلاً في طلب الدنيا الحساب حبس، فإن صح لك الجواب تعوقت بمقدار التصحيح، وإن لم يصح فمطورة جهنم.
ويحك، طالع دستور عملك ترى كل فعلك عليك، من وقف على صراط التقوى وبيده ميزان المحاسبة ومحك الورع يستعرض أعمال النفس، وبرد البهرج إلى كير التوبة سلم من رد الناقد يوم التقبيض.
ويحك، سلطان الشباب قد تولى، وأمير الضعف قد تولى، ومعول الكبر يحصد حيطان دار الأجل، وحسبك داء أن تصح وتسلما، قف على ثنية الوداع نادباً قبل الرحيل على ديار الإلفة.
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلى
والعشق أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته، فيقول: يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يقول في بكائه: يا يزيد من يبكي بعدك عنك؟ من يترضى ربك لك؟
أحبكم ما دمت حياً وإن أمت ... فواكبدي من ذا يحبكم من بعدي
لما علم المحبون أن الموت يقطع التعبدات كرهوه لتدوم الخدمة، جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ليقبضه فلطم عينه، فإذا قامت القيامة باد إلى العرش طالت غيبته فاستعجل استعجال مشوق كانوا يحبون أماكن الذكر ومواطن الخلوة، والمؤمن ألوف للمعاهد عهد عند المحب لا ينساه، اسكن حراء.
احبسا الركب بوادي سلم ... فبذاك المنحنى طل دمي
وانشدا قلبي في سكانه ... فمن السكان أشكو ألمي
أخذوا قلبي وأبقوا جسدي ... فوجودي بعده كالعدم
صل محباً جفنه لم ينم ... وابلائي أن خصمي حكمي
واعجباً للمحب يستر ذكر الحبيب، بذكر المنازل، وما يخفى مقصوده على السامع " أحد جبل يحبنا ونحبه " .
ألا اسقني كاسات دمعي وغنني ... بذكر سليمى والرباب وتنعم
وإياك واسم العامرية إنني ... أغار عليها من فم المتكلم
رياح الأسحار تحمل الرسائل وترد الجواب.
للخفاجي:
أفي نجد تحاورك القبول ... أظن الريح تفهم ما نقول
تغنت في رحال الركب حتى ... تشابهت الذوائب والذيول
صحبنا في ديارهم صباها ... يناوبها التنفس والنحول
وأمطرنا سحاب الدمع حتى ... حسبنا أنها مهج تسيل
وعجنا ذاهلين فما علمنا ... أنحن السائلون أم الطلول
ديار الأحباب درياق هموم المحبين على أنني منها استفدت غرامي، كان قيس إذا رحلت ليلى تعلل بالآثار واستشفى بالدمن واستنشق الصبا وشام برق بني عامر.
أقتل أدواء الرجال الوجد ... وق نجداً فالغرام مجد
حيث الرياض والنسيم أنف ... ودنف ما يستفيق بعد
إن الصبا إذا جرت قادحة ... نار الغرام ففؤادي الزند
تعدى المحبين الصبا كأنما ... لها على أهل الغرام حقد
لا تتلق نفحة نجدية ... هزلا فهزل النفحات جد
دع الصبا فعل الهواء كالهوى ... سيان منه قصره والمد
ما كبدي بعدك إلا جذوة ... لها بترجيع الحنين وقد
يسترها الجلد ولولا أدمعي ... ما كان قط ستر نار جلد
كيف ببرئي والطبيب ممرضي ... يصد والداء العضال الصد
واعجباً، لمن رأى هلاك جنسه ولم يتأهب لنفسه قال البازي للديك: ليس على الأرض أقل فاءاً منك، أخذك أهلك بيضة فحضنوك فلما خرجت جعلوا مهدك حجورهم ومائدتك أكفهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت، وأنا أخذت مسناً من الجبال فعلموني ثم أرسلوني، فجئت بصيدي فقال له الديك: إنك لم تر بازياً مشوياً في سفود، وكم رأيت في سفود من ديك؟ أخواني الزهد في الدنيا زبد، مخض محض الفكر، حظ الحريص على الدنيا في الحضيض، والقنوع في أعلى الذرى، سائق الحرص يضرب ظهر الحريص بعصا التحريض، فلو قد عصى الهوى كفت العصا، كلما زاد على القوت فهو مستخدم الكاسب يا موغلاً في طلب الدنيا الحساب حبس، فإن صح لك الجواب تعوقت بمقدار التصحيح، وإن لم يصح فمطورة جهنم.
ويحك، طالع دستور عملك ترى كل فعلك عليك، من وقف على صراط التقوى وبيده ميزان المحاسبة ومحك الورع يستعرض أعمال النفس، وبرد البهرج إلى كير التوبة سلم من رد الناقد يوم التقبيض.
ويحك، سلطان الشباب قد تولى، وأمير الضعف قد تولى، ومعول الكبر يحصد حيطان دار الأجل، وحسبك داء أن تصح وتسلما، قف على ثنية الوداع نادباً قبل الرحيل على ديار الإلفة.
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلى
والعشق أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته، فيقول: يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يقول في بكائه: يا يزيد من يبكي بعدك عنك؟ من يترضى ربك لك؟
أحبكم ما دمت حياً وإن أمت ... فواكبدي من ذا يحبكم من بعدي
لما علم المحبون أن الموت يقطع التعبدات كرهوه لتدوم الخدمة، جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ليقبضه فلطم عينه، فإذا قامت القيامة باد إلى العرش طالت غيبته فاستعجل استعجال مشوق كانوا يحبون أماكن الذكر ومواطن الخلوة، والمؤمن ألوف للمعاهد عهد عند المحب لا ينساه، اسكن حراء.
احبسا الركب بوادي سلم ... فبذاك المنحنى طل دمي
وانشدا قلبي في سكانه ... فمن السكان أشكو ألمي
أخذوا قلبي وأبقوا جسدي ... فوجودي بعده كالعدم
صل محباً جفنه لم ينم ... وابلائي أن خصمي حكمي
واعجباً للمحب يستر ذكر الحبيب، بذكر المنازل، وما يخفى مقصوده على السامع " أحد جبل يحبنا ونحبه " .
ألا اسقني كاسات دمعي وغنني ... بذكر سليمى والرباب وتنعم
وإياك واسم العامرية إنني ... أغار عليها من فم المتكلم
رياح الأسحار تحمل الرسائل وترد الجواب.
للخفاجي:
أفي نجد تحاورك القبول ... أظن الريح تفهم ما نقول
تغنت في رحال الركب حتى ... تشابهت الذوائب والذيول
صحبنا في ديارهم صباها ... يناوبها التنفس والنحول
وأمطرنا سحاب الدمع حتى ... حسبنا أنها مهج تسيل
وعجنا ذاهلين فما علمنا ... أنحن السائلون أم الطلول
ديار الأحباب درياق هموم المحبين على أنني منها استفدت غرامي، كان قيس إذا رحلت ليلى تعلل بالآثار واستشفى بالدمن واستنشق الصبا وشام برق بني عامر.
أقتل أدواء الرجال الوجد ... وق نجداً فالغرام مجد
حيث الرياض والنسيم أنف ... ودنف ما يستفيق بعد
إن الصبا إذا جرت قادحة ... نار الغرام ففؤادي الزند
تعدى المحبين الصبا كأنما ... لها على أهل الغرام حقد
لا تتلق نفحة نجدية ... هزلا فهزل النفحات جد
دع الصبا فعل الهواء كالهوى ... سيان منه قصره والمد
ما كبدي بعدك إلا جذوة ... لها بترجيع الحنين وقد
يسترها الجلد ولولا أدمعي ... ما كان قط ستر نار جلد
كيف ببرئي والطبيب ممرضي ... يصد والداء العضال الصد
النار قلبي والسموم نفسي ... والماء طرفي والتراب الخد
قد كنت أخفى عن عيون عذلي ... كذا وجود العاشقين فقد
؟؟الفصل الثاني والخمسون
العزلة حمية البدن والمناجاة قوت القلب، ومن أنس بمولاه استوحش من سواه.
يا منتهى وحشتي وأنسي ... كن لي إن لم أكن لنفسي
أوهمني في غد نجاتي ... حلمك عن سيئات أمسي
خلق القلب طاهراً في الأصل، فلما خالطته شهوات الحسن تكدر، وفي العزلة يرسب الكدر، الحيوان المميز على ثلاثة أقسام: فالملائكة خلقت من صفاء لا كدر فيه، والشياطين من كدر لا صفاء فيه، والبشري مركب من الضدين، فالعجب أن تقوى عنده التقوى، تقديس الملائكة يدور على ألسنة لا تشتاق بالطبع إلى الفضول سبح تسبيحهم عقود ما نظمتها كلف التكليف، تمرات زروعهم، نشأت لا عن تعب، سقاها سيح العصمة، فكثر في زكوات تعبدهم قدر الواجب " ويستغفرون لمن في الأرض " .
كانت أقدم تعبدهم سليمة فاستبطئوا سير زمني الهوى، فقيل: " إذا رأيتم أهل البلاء، فسلوا الله العافية " واعجباً من منحدر في سفن التعبد يستبطئ مصاعداً في الشمال، سمعوا بيوسف الهوى وما رأوه، فأخذوا يلومون زليخا الطبع من حبس عتب " تُراوِد فتاها " فلما قالت الدنيا يوم هاروت وماروت " اخرُج عليهنّ " قطعوا أكف الصبر وصاح في تلك المواقف مواقف " أتجعل فيها " إن للحرب رجالاً خُلقوا، ألهم أنين المذنبين؟ أو خلوف الصائمين، أو حرقة المحبين، أما عب بحر الأمانة يوم " إنَّا عرضنا الأمانة " توقفت الملائكة على الساحل، ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، بلى لأقدام المحب أقدام.
يغلبني شوقي فأطوي السرى ... ولم يزل ذو الشوق مغلوبا
لا نحتاج أن نناظر الملائكة بالأنبياء، بل نقول: هاتوا لنا مثل عمر، كل الصحابة هاجروا سراً وعمر هاجر جهراً، وقال للمشركين قبل خروجه ها أنا. على عزم الهجرة فمن أراد أن يلقاني فليلقني في بطن هذا الوادي، فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي، مذ عزم عمر على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة الدنيا.
وعزمة بعثتها همة زحل ... من تحتها بمكان الترب من زحل
لما ولي عمر بن عبد العزيز خيَّر النساء، فقال: من شاءت فلتقم ومن شاءت فلتذهب، فإنه قد جاء أمر شغلني عنكن.
لمهيار:
أقسَم بالعفة: لا تيَّمهُ ... ظبيٌ رنا أو غصنٌ تأوَّدا
وكلما قيل له: قف تسترحْ ... جزتَ المدى قال: وهل نلتُ المدى
للعزائم رجال ليسوا في ثيابنا، وطنوا على الموت فحصلت الحياة.
إذا ما جررت الرمح لم يثنني أب ... ملح ولا أم تصيح ورائي
وشيعني قلب إذ ما أمرته ... أطاع بعزم لا يروغ ورائي
يا مختار القدر اعرف قدرك، فإنما خلقت الأكوان كلها لأجلك، يا خزانة الودائع يا وعاء البدائع، يا من غذي بلبان البر وقلب بأيدي الأيادي، يا زرعاً تهمى عليه سحب الألطاف، كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة، وصور وأنت المعنى، وصدف وأنت الدر، ومخضة وأنت الزبد، مكتوب اختيارنا لك، واضح لخلط، غير أن استخراجك ضعيف، متى رمت طلبي فاطلبني عندك.
ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فاذكره
غاب عن سمعي وعن بصري ... فسويدا القلب تبصره
ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي، إنما أبعدنا إبليس لأجلك لأنه لم يسجد لك، فالعجب منك كيف صالحته وهجرتنا؟
رعى الله من نهوى وإن كان ما رعى ... حفظنا له الود القديم فضيعا
وواصلت قوماً كنت أنهاك عنهم ... وحقك ما أبقيت للصلح موضعا
يا جوهرة بمضيعة، يا لقطة تداس، كم في السماوات من ملك يسبح؟ ما لهم مرتبة " تتجافى " لا يعرفون طعم طعام، وما لهم مقام " ولخلوف " أنين المذنبين عندنا، أو في من تسبيحهم، سبحان من اختارك، على الكل وجادل عنك الملائكة قبل وجودك " إني أعلم " خلق سبعة أبحر واستقرض منك دمعة، له ملك السماوات والأرض واستقرض منك حبة.
الماء عندك مبذول لوارده ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي
قد كنت أخفى عن عيون عذلي ... كذا وجود العاشقين فقد
؟؟الفصل الثاني والخمسون
العزلة حمية البدن والمناجاة قوت القلب، ومن أنس بمولاه استوحش من سواه.
يا منتهى وحشتي وأنسي ... كن لي إن لم أكن لنفسي
أوهمني في غد نجاتي ... حلمك عن سيئات أمسي
خلق القلب طاهراً في الأصل، فلما خالطته شهوات الحسن تكدر، وفي العزلة يرسب الكدر، الحيوان المميز على ثلاثة أقسام: فالملائكة خلقت من صفاء لا كدر فيه، والشياطين من كدر لا صفاء فيه، والبشري مركب من الضدين، فالعجب أن تقوى عنده التقوى، تقديس الملائكة يدور على ألسنة لا تشتاق بالطبع إلى الفضول سبح تسبيحهم عقود ما نظمتها كلف التكليف، تمرات زروعهم، نشأت لا عن تعب، سقاها سيح العصمة، فكثر في زكوات تعبدهم قدر الواجب " ويستغفرون لمن في الأرض " .
كانت أقدم تعبدهم سليمة فاستبطئوا سير زمني الهوى، فقيل: " إذا رأيتم أهل البلاء، فسلوا الله العافية " واعجباً من منحدر في سفن التعبد يستبطئ مصاعداً في الشمال، سمعوا بيوسف الهوى وما رأوه، فأخذوا يلومون زليخا الطبع من حبس عتب " تُراوِد فتاها " فلما قالت الدنيا يوم هاروت وماروت " اخرُج عليهنّ " قطعوا أكف الصبر وصاح في تلك المواقف مواقف " أتجعل فيها " إن للحرب رجالاً خُلقوا، ألهم أنين المذنبين؟ أو خلوف الصائمين، أو حرقة المحبين، أما عب بحر الأمانة يوم " إنَّا عرضنا الأمانة " توقفت الملائكة على الساحل، ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، بلى لأقدام المحب أقدام.
يغلبني شوقي فأطوي السرى ... ولم يزل ذو الشوق مغلوبا
لا نحتاج أن نناظر الملائكة بالأنبياء، بل نقول: هاتوا لنا مثل عمر، كل الصحابة هاجروا سراً وعمر هاجر جهراً، وقال للمشركين قبل خروجه ها أنا. على عزم الهجرة فمن أراد أن يلقاني فليلقني في بطن هذا الوادي، فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي، مذ عزم عمر على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة الدنيا.
وعزمة بعثتها همة زحل ... من تحتها بمكان الترب من زحل
لما ولي عمر بن عبد العزيز خيَّر النساء، فقال: من شاءت فلتقم ومن شاءت فلتذهب، فإنه قد جاء أمر شغلني عنكن.
لمهيار:
أقسَم بالعفة: لا تيَّمهُ ... ظبيٌ رنا أو غصنٌ تأوَّدا
وكلما قيل له: قف تسترحْ ... جزتَ المدى قال: وهل نلتُ المدى
للعزائم رجال ليسوا في ثيابنا، وطنوا على الموت فحصلت الحياة.
إذا ما جررت الرمح لم يثنني أب ... ملح ولا أم تصيح ورائي
وشيعني قلب إذ ما أمرته ... أطاع بعزم لا يروغ ورائي
يا مختار القدر اعرف قدرك، فإنما خلقت الأكوان كلها لأجلك، يا خزانة الودائع يا وعاء البدائع، يا من غذي بلبان البر وقلب بأيدي الأيادي، يا زرعاً تهمى عليه سحب الألطاف، كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة، وصور وأنت المعنى، وصدف وأنت الدر، ومخضة وأنت الزبد، مكتوب اختيارنا لك، واضح لخلط، غير أن استخراجك ضعيف، متى رمت طلبي فاطلبني عندك.
ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فاذكره
غاب عن سمعي وعن بصري ... فسويدا القلب تبصره
ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي، إنما أبعدنا إبليس لأجلك لأنه لم يسجد لك، فالعجب منك كيف صالحته وهجرتنا؟
رعى الله من نهوى وإن كان ما رعى ... حفظنا له الود القديم فضيعا
وواصلت قوماً كنت أنهاك عنهم ... وحقك ما أبقيت للصلح موضعا
يا جوهرة بمضيعة، يا لقطة تداس، كم في السماوات من ملك يسبح؟ ما لهم مرتبة " تتجافى " لا يعرفون طعم طعام، وما لهم مقام " ولخلوف " أنين المذنبين عندنا، أو في من تسبيحهم، سبحان من اختارك، على الكل وجادل عنك الملائكة قبل وجودك " إني أعلم " خلق سبعة أبحر واستقرض منك دمعة، له ملك السماوات والأرض واستقرض منك حبة.
الماء عندك مبذول لوارده ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي
كانت الأمتعة المثمنة واللآلئ النفيسة تباع بمصر فلا ينظر إليها يوسف فإذا جاءت أجمال صوف من كنعان لم تحل إلا بين يديه " لا تسئل عن عبادي غيري " .
للخفاجي:
لاح وعقد الليل مسلوب ... برق بنار الشرق مشبوب
أسأله عنكم وفي طيه ... سطر من الأحباب مكتوب
لو كان في قلبك محبة، لبان أثرها على جسدك، عجب ربنا من رجل ثار عن وطائه ولحافه إلى صلاته، تلمح معنى ثار، ولم يقل قام، لأن القيام قد يقع بفتور، فأما الثوران فلا يكون إلا بالإسراع حذراً من فائت.
إذا هزنا الشوق اضطربنا لهزه ... على شعب الرحل اضطراد الأراقم
فمن صبوات تستقيم بمائل ... ومن أريحيات تهب بنائم
أخواني من ناقره الوجد ناقره النوم، قال سفيان الثوري: بت عند الحجاج ابن الفرافصة إحدى عشرة ليلة، فما أكل وما شرب ولا نام.
اسأل عيني كيف طعم الكرى ... علالة وهو سؤال محال
وكيف بالنوم على الهجر لي ... والنوم من شرط ليالي الوصال
؟؟الفصل الثالث والخمسون
يا طويل الأمل في قصير الأجل، يا كثير الزلل في يسير العمل، خلا لك الزمان وما سددت الخلل، أفما عندك وجل من هجوم الأجل؟
تجهز إلى الأجداث ويحك والرمس ... جهازاً من التقوى لا طول ما حبس
فإنك ما تدري إذا كنت مصبحاً ... بأحسن ما ترجو لعلك لا تمسى
سأتعب نفسي أو أصادف راحة ... فإن هوان النفس أكرم للنفس
وازهد في الدنيا فإن مقيمها ... كظاعنها ما أشبه اليوم بالأمس
يا معاشر الأصحاء اغتنموا نعمتي السلامة والإمهال، واحذروا خديعتي المنى الآمال، قد جربتم على النفس تبذيرها في بضاعة العمر، فانتبهوا لانتهاب الباقي " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " الدنيا حلم يقظة، ويوم الحساب تفسير الأضغاث، أيام معدودة وسيفنى العدد وطريق صعبة على قلة العدد، وقد سار الركب ولاح الجدد، أترى تظن أن تبقى إلى الأبد؟ أما يعتبر بالوالد الولد، أين المتحرك في الهواء همد، أين اضطرام تلك النار؟ خمد، أين ماء الأعراض الجاري؟ جمد، تساوى في الممات الثعلب والأسد، وشارك الوهى بين الحديد والمسد، وجمع التلف عنقاء مغرب والصرد، واستقام قياس النقض للكل وأطرد، أفلا ينتبه من رقدته من قد رقد؟ يا شاربين من منهل أبوى شرب الهيم، يا جاعلين نهار الهدى كالليل البهيم، مقيمين على الدنس وليس فيهم مقيم، سالمين من أمراض البدن وكلهم سليم، أتعمرون ربوع النقم برتوع النعم؟ وتستبدلون بالقرآن، محرمات النغم، وقد توطنتم ناسين تروح النزوح فلم تذكروا الممات. تروح الروح، تالله ليعودن المستوطن في أهله غريباً، والمغتبط بفرحه مغيظاً كئيباً " إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً " .
أين أرباب البيض والسمر؟ والمراكب الصفر والحمر، والقباب والقب الضمر، ما زالوا يفعلون فعل الغمر إلى أن تفضي جميع العمر، يا من عمره قد رحل وولى، كأنك بك تندم وتتقلى، والسمع والبصر للموت قد كلا، ويد التناول للتوبة شلا، والعين تجري وابلاً لا طلا، وعصافير الندم قد أنضجها القلا، وأنت تستغيث " ربِّ ارجعونِ " فيقال " كلا " ألا كان هذا قبل هذا.
ألا يا ثقيل النوم، يا بطيء اليقظة، يا عديم الفهم، أما ينبهك الأذان؟ أما تزعجك الحداة؟ أترى نخاطب عجماً؟ أو نكلم صماً، كم نريك عيب الدنيا؟ ولكن عين الهوى عوراء، كم تكشف للبصر قصر العمر؟ ولكن حدقة الأمل حولاء.
ليس في الدنيا سرور ... إنما الدنيا غرور
ومآتيم إذا فكر ... ت فيها وقبور
يا من شاب وما تاب ولا أصلح، يا معرضاً إلى ما يؤذي عن الأصلح، ليت شعري بعد الشباب بماذا تفرح؟ ما أشنع الخطايا في الصبا وهي في الشيب أقبح، إذ نزل الشيب ولم يزل العيب فبعيد أن يبرح.
للبحتري:
وإذا تكامل للفتى من عمره ... خمسون وهو إلى التقى لا يجنح
عكفت عليه المخزيات فماله ... متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حيى وقال فدَيْتُ من لا يفلح
للخفاجي:
لاح وعقد الليل مسلوب ... برق بنار الشرق مشبوب
أسأله عنكم وفي طيه ... سطر من الأحباب مكتوب
لو كان في قلبك محبة، لبان أثرها على جسدك، عجب ربنا من رجل ثار عن وطائه ولحافه إلى صلاته، تلمح معنى ثار، ولم يقل قام، لأن القيام قد يقع بفتور، فأما الثوران فلا يكون إلا بالإسراع حذراً من فائت.
إذا هزنا الشوق اضطربنا لهزه ... على شعب الرحل اضطراد الأراقم
فمن صبوات تستقيم بمائل ... ومن أريحيات تهب بنائم
أخواني من ناقره الوجد ناقره النوم، قال سفيان الثوري: بت عند الحجاج ابن الفرافصة إحدى عشرة ليلة، فما أكل وما شرب ولا نام.
اسأل عيني كيف طعم الكرى ... علالة وهو سؤال محال
وكيف بالنوم على الهجر لي ... والنوم من شرط ليالي الوصال
؟؟الفصل الثالث والخمسون
يا طويل الأمل في قصير الأجل، يا كثير الزلل في يسير العمل، خلا لك الزمان وما سددت الخلل، أفما عندك وجل من هجوم الأجل؟
تجهز إلى الأجداث ويحك والرمس ... جهازاً من التقوى لا طول ما حبس
فإنك ما تدري إذا كنت مصبحاً ... بأحسن ما ترجو لعلك لا تمسى
سأتعب نفسي أو أصادف راحة ... فإن هوان النفس أكرم للنفس
وازهد في الدنيا فإن مقيمها ... كظاعنها ما أشبه اليوم بالأمس
يا معاشر الأصحاء اغتنموا نعمتي السلامة والإمهال، واحذروا خديعتي المنى الآمال، قد جربتم على النفس تبذيرها في بضاعة العمر، فانتبهوا لانتهاب الباقي " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " الدنيا حلم يقظة، ويوم الحساب تفسير الأضغاث، أيام معدودة وسيفنى العدد وطريق صعبة على قلة العدد، وقد سار الركب ولاح الجدد، أترى تظن أن تبقى إلى الأبد؟ أما يعتبر بالوالد الولد، أين المتحرك في الهواء همد، أين اضطرام تلك النار؟ خمد، أين ماء الأعراض الجاري؟ جمد، تساوى في الممات الثعلب والأسد، وشارك الوهى بين الحديد والمسد، وجمع التلف عنقاء مغرب والصرد، واستقام قياس النقض للكل وأطرد، أفلا ينتبه من رقدته من قد رقد؟ يا شاربين من منهل أبوى شرب الهيم، يا جاعلين نهار الهدى كالليل البهيم، مقيمين على الدنس وليس فيهم مقيم، سالمين من أمراض البدن وكلهم سليم، أتعمرون ربوع النقم برتوع النعم؟ وتستبدلون بالقرآن، محرمات النغم، وقد توطنتم ناسين تروح النزوح فلم تذكروا الممات. تروح الروح، تالله ليعودن المستوطن في أهله غريباً، والمغتبط بفرحه مغيظاً كئيباً " إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً " .
أين أرباب البيض والسمر؟ والمراكب الصفر والحمر، والقباب والقب الضمر، ما زالوا يفعلون فعل الغمر إلى أن تفضي جميع العمر، يا من عمره قد رحل وولى، كأنك بك تندم وتتقلى، والسمع والبصر للموت قد كلا، ويد التناول للتوبة شلا، والعين تجري وابلاً لا طلا، وعصافير الندم قد أنضجها القلا، وأنت تستغيث " ربِّ ارجعونِ " فيقال " كلا " ألا كان هذا قبل هذا.
ألا يا ثقيل النوم، يا بطيء اليقظة، يا عديم الفهم، أما ينبهك الأذان؟ أما تزعجك الحداة؟ أترى نخاطب عجماً؟ أو نكلم صماً، كم نريك عيب الدنيا؟ ولكن عين الهوى عوراء، كم تكشف للبصر قصر العمر؟ ولكن حدقة الأمل حولاء.
ليس في الدنيا سرور ... إنما الدنيا غرور
ومآتيم إذا فكر ... ت فيها وقبور
يا من شاب وما تاب ولا أصلح، يا معرضاً إلى ما يؤذي عن الأصلح، ليت شعري بعد الشباب بماذا تفرح؟ ما أشنع الخطايا في الصبا وهي في الشيب أقبح، إذ نزل الشيب ولم يزل العيب فبعيد أن يبرح.
للبحتري:
وإذا تكامل للفتى من عمره ... خمسون وهو إلى التقى لا يجنح
عكفت عليه المخزيات فماله ... متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حيى وقال فدَيْتُ من لا يفلح
أخواني، فتشوا أحمال الأعمال، قبل الرحيل " ولتنظُر نفسٌ ما قدَّمتْ لغد " يا مطلقي النواظر، في محرم المنظور " لتَرَوُنَّ الجحيم " لا يغرنكم إمهال العصاة " إنَّ إلينا إيابَهم " يا من عاهدناه من يوم " ألستُ " لا تحلن عقد العهد بأنامل الزلل فما يليق بشرف قدرك خيانة.
بحرمة الود الذي بيننا ... لا تفسد الأول بالآخر
اذكر ملازمة المطالبة بالوفاء في أضيق خناق، يا منكر ويا نكير انزلا إلى الخارج من بساتين الأرواح فانظرا، هل استصحب وردة من اليقين أو شوكة من الشك؟
قفوا سائلوا بأن العقيق هل الهوى ... على ما عهدنا فيه أم حال حاله
استنكها فمه، الذي قال به " بلى " يوم " ألستُ " هل غير طيبه طول رقاد الغفلة؟ هل انجاس زلله؟ مما يدخل قليلها تحت العفو، هل معرفته في قليب قلبه يبلغ قلتين، أنا مقيم له على الوفاء في كل حال، فانظر إلى حاله هل حال؟ لقيس المجنون:
ألا حبذا نجد وطيب ترابه ... وأرواحه إن كان نجد على العهد
ألا ليت شعري عن عويرضتي قبا ... بطول الليالي هل تغيرتا بعدي
وعن علويات الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهب على نجد
المعرفة غرس في القلب والتذكار ماء، ومتى جفت المياه عن الغروس جفت شجرات " ألستُ " تسقي من مياه " هل من سائل " .
إذا مرضنا أتيناكم نزوركم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
العقل ما ينسى إنما الحس مغفل، سبب النسيان أمراض من التخليط في مطاعم الهوى عقدت بخاراً في هام الفهم، فإذا عالجها طبيب الرياضة تحللت فذكر ما نسي من عهد " ألست " .
قيل لذي النون: أين أنت من يوم " ألست " ؟ قال: كأنه الآن في أذني.
للمهيار:
سل أبرق الحنان واحبس به ... أين ليالينا على الأبرقِ؟
وكيف باناتُ بسقط اللوى ... ما لم يُجدها الدمع لم تورقِ؟
هل حملتْ لا حملتْ بعدنا ... عنك الصَّبا عَرْفا لمستنشقِ؟
يا سائق الأظعان رفقاً وإن ... لم يُغن قولي للعسوفِ: ارفقِ
لولا زفيري خلف أجمالهم ... وحر أنفاسي لم تنشقِ
سميتَ لي نجداً على بعدها ... يا وله المشئم بالمعرقِ
الفصل الرابع والخمسون
أيها القائم على سوق الشهوات، في سوق الشبهات، ناسياً سوق الملمات إلى ساقي الممات، إلى كم مع الخطأ بالخطوات إلى الخطيئات، كم عاينت حياً فارق حيا؟ وكفا كفت بالكفات.
للشريف الرضي:
ما أقل اعتبارنا بالزمان ... وأشدَّ اغترارنا بالأماني
وقفاتٌ على غرورٍ وأقدا ... مٌ على مَزلقٍ من الحِدْثانِ
في حروبٍ من الردى وكأنا ... اليومَ في هدنة مع الأزمانِ
وكفانا مُذكِّراً بالمنايا ... عِلْمُنا أننا من الحيوان
كل يوم رزيةٌ في فلان ... ووقوعٌ من الردى بفلان
قل لهذي الهواملِ استوثقي ... للسير واستبدلي عن الأغطان
واستقيمي قد ضمكِ اللقَّم النهجُ ... وغنى وراءكَ الحاديان
كم محيدٍ عن الطريق وقد صرّح ... خَلْجُ البُرى وجَذْبُ العنان
هل مجيرٌ بذابلٍ أو حسامٍ ... أو معينٌ بساعدٍ أو بنان
قد مررنا على الديار خشوعا ... ورأينا البِنا فأين البانِ
أين رب السدير والحيرة البيضاء ... أم أين صاحب الإيوان
والسيوف الحدادُ من آل بدرٍ ... والقنا الصُّمُّ من بني الديانِ
ليس يبقى على الزمان جريء ... في إباء وعاجزٌ في هوان
بحرمة الود الذي بيننا ... لا تفسد الأول بالآخر
اذكر ملازمة المطالبة بالوفاء في أضيق خناق، يا منكر ويا نكير انزلا إلى الخارج من بساتين الأرواح فانظرا، هل استصحب وردة من اليقين أو شوكة من الشك؟
قفوا سائلوا بأن العقيق هل الهوى ... على ما عهدنا فيه أم حال حاله
استنكها فمه، الذي قال به " بلى " يوم " ألستُ " هل غير طيبه طول رقاد الغفلة؟ هل انجاس زلله؟ مما يدخل قليلها تحت العفو، هل معرفته في قليب قلبه يبلغ قلتين، أنا مقيم له على الوفاء في كل حال، فانظر إلى حاله هل حال؟ لقيس المجنون:
ألا حبذا نجد وطيب ترابه ... وأرواحه إن كان نجد على العهد
ألا ليت شعري عن عويرضتي قبا ... بطول الليالي هل تغيرتا بعدي
وعن علويات الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهب على نجد
المعرفة غرس في القلب والتذكار ماء، ومتى جفت المياه عن الغروس جفت شجرات " ألستُ " تسقي من مياه " هل من سائل " .
إذا مرضنا أتيناكم نزوركم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
العقل ما ينسى إنما الحس مغفل، سبب النسيان أمراض من التخليط في مطاعم الهوى عقدت بخاراً في هام الفهم، فإذا عالجها طبيب الرياضة تحللت فذكر ما نسي من عهد " ألست " .
قيل لذي النون: أين أنت من يوم " ألست " ؟ قال: كأنه الآن في أذني.
للمهيار:
سل أبرق الحنان واحبس به ... أين ليالينا على الأبرقِ؟
وكيف باناتُ بسقط اللوى ... ما لم يُجدها الدمع لم تورقِ؟
هل حملتْ لا حملتْ بعدنا ... عنك الصَّبا عَرْفا لمستنشقِ؟
يا سائق الأظعان رفقاً وإن ... لم يُغن قولي للعسوفِ: ارفقِ
لولا زفيري خلف أجمالهم ... وحر أنفاسي لم تنشقِ
سميتَ لي نجداً على بعدها ... يا وله المشئم بالمعرقِ
الفصل الرابع والخمسون
أيها القائم على سوق الشهوات، في سوق الشبهات، ناسياً سوق الملمات إلى ساقي الممات، إلى كم مع الخطأ بالخطوات إلى الخطيئات، كم عاينت حياً فارق حيا؟ وكفا كفت بالكفات.
للشريف الرضي:
ما أقل اعتبارنا بالزمان ... وأشدَّ اغترارنا بالأماني
وقفاتٌ على غرورٍ وأقدا ... مٌ على مَزلقٍ من الحِدْثانِ
في حروبٍ من الردى وكأنا ... اليومَ في هدنة مع الأزمانِ
وكفانا مُذكِّراً بالمنايا ... عِلْمُنا أننا من الحيوان
كل يوم رزيةٌ في فلان ... ووقوعٌ من الردى بفلان
قل لهذي الهواملِ استوثقي ... للسير واستبدلي عن الأغطان
واستقيمي قد ضمكِ اللقَّم النهجُ ... وغنى وراءكَ الحاديان
كم محيدٍ عن الطريق وقد صرّح ... خَلْجُ البُرى وجَذْبُ العنان
هل مجيرٌ بذابلٍ أو حسامٍ ... أو معينٌ بساعدٍ أو بنان
قد مررنا على الديار خشوعا ... ورأينا البِنا فأين البانِ
أين رب السدير والحيرة البيضاء ... أم أين صاحب الإيوان
والسيوف الحدادُ من آل بدرٍ ... والقنا الصُّمُّ من بني الديانِ
ليس يبقى على الزمان جريء ... في إباء وعاجزٌ في هوان
يا عاصياً بالأمس أين الالتذاذ؟ يا مطالباً بالجرم أين المعاذ؟ يا متمسكاً بالدنيا حبلها جذاذ، ما راعت من المحبين ولا الشذاذ، بل ساوت في الهلاك بين الفقير وكسرى بن قباذ، تخلص من أسرها قبل أن يعز الإنقاذ، وقبل أن تجري دموع الأسى بين ويل ورذاذ، إذا نبذوك في القبر انتبذوا أي نبذ وأي انتباذ، فتذكر ضمة، ما نجا منها سعد بن معاذ، ألا يلين القلب؟ أصخر أم فولاذ، تدعي العجز عن الطاعة وفي المعاصي أستاذ، وتؤثر ما يفنى على ما يبقى وأنت ابن بغداد، يا مستلباً عن أهله وماله يا خالياً في القبر بأعماله ليته خلاك ما منه تخليت، ليته ولى عنك أثم ما عنه توليت، وأسفاً من حالة حيلتها ليت.
وكل إن يتيه غناه ... فمرتجع بموت أو زوال
وهب جدي زوى لي الأرض طياً ... أليس الموت يطوي ما زوى لي
إذا اخضر الربيع ناح الهزار وندب القمري وأنت تعتقده غناء، إنما هو بكاء على انتظار التكدير، لا يغرنك صفو العيش فالرسوب في أسفل الكاس، من يسمع كلام الصامت ولم يسمع عبارة الجامد فليس بفطن.
قال أحمد ابن أبي الحواري: رأيت شاباً قد انحدر عن مقبرة، فقلت من أين؟ فقال: من هذه القافلة النازلة، قلت: وإلى أين؟ قال: أتزود لألحقها. قلت: فأي شيء قالوا لك؟ وأي شيء قلت لهم؟ قلت: متى ترحلون؟ فقالوا: حتى تقدرون.
وكم من عبرة أصبحت فيها ... يلين لها الحديد وأنت قاس
إلى كم والمعاد إلى قريب ... تذكر بالمعاد وأنت ناس
ويحك تلمح عاقبتك بعين عقلك فإنها سليمة من رمد، العقل محتسب إذا وقع بميزان الهوى كسر العلاقة يا صبيان التوبة، قد عرفتم شرور أعطان الهوى فرحلتم طالبين ريف التقى فحثوا مطايا الجد " ولا يلتفتْ منكم أحدٌ وامضوا حيث تؤمرون " كلما شرف المطلوب طالت طريقه، الهرة تحمل خمسين يوماً، والخنزيرة أربعة أشهر، والخف والحافر سنة، فأما الفيل فسبع سنين، عموم الشجر يحمل في عامه، والصنوبر بعد ثلاثين سنة، شرف النمل يوجب القلة، الشاة تلد واحداً أو اثنين، والخنزيرة تلد عشرين، وأم الصقر مقلات نزور، يا هذا ينبغي أن تكون همتك على قدرك ولك قدر عظيم لو عرفته.
إنما خلقت الداران لأجلك، أما الدنيا فلتتزود، وأما الأخرى فلتتوطن، أفتراك تعرف مكانة " أذكركم " أو قيمة " يحبهم " أو مرتبة: وإنا إلى لقائهم أشد شوقاً، تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا، إذا صعدت الملائكة عن مجلس الذكر، قال الحق: أين كنتم، فيقولون: عند عباد لك يسبحونك ويمجدونك، فيقول: ما الذي طلبوا ومما استعاذوا:
يا من يسائل عني القادمين إذا ... ما كنت بي هكذا صبا فكيف أنا
يا من كان في رفقة " تتجافى " فصار اليوم في حزب أهل النوم.
للشريف الرضي:
يا ديار الأحباب كيف تغيرتِ ... ويا عهدُ ما الذي أبلاكا
هل تولى الذين عهدي بهم فيك ... على عهدهم وأين أولاكا
الذّميلَ الذميلَ يا ركبُ إني ... لضمينٌ أن لا تخيب سُراكا
يا هذا لا تجزع من ذنب جرى فرب زلة أورثت تقويماً، " لو لم تُذنبوا " .
من لم يلق مرارة الفراق ... لم يدر ما حلاوة التلاقي
وكل إن يتيه غناه ... فمرتجع بموت أو زوال
وهب جدي زوى لي الأرض طياً ... أليس الموت يطوي ما زوى لي
إذا اخضر الربيع ناح الهزار وندب القمري وأنت تعتقده غناء، إنما هو بكاء على انتظار التكدير، لا يغرنك صفو العيش فالرسوب في أسفل الكاس، من يسمع كلام الصامت ولم يسمع عبارة الجامد فليس بفطن.
قال أحمد ابن أبي الحواري: رأيت شاباً قد انحدر عن مقبرة، فقلت من أين؟ فقال: من هذه القافلة النازلة، قلت: وإلى أين؟ قال: أتزود لألحقها. قلت: فأي شيء قالوا لك؟ وأي شيء قلت لهم؟ قلت: متى ترحلون؟ فقالوا: حتى تقدرون.
وكم من عبرة أصبحت فيها ... يلين لها الحديد وأنت قاس
إلى كم والمعاد إلى قريب ... تذكر بالمعاد وأنت ناس
ويحك تلمح عاقبتك بعين عقلك فإنها سليمة من رمد، العقل محتسب إذا وقع بميزان الهوى كسر العلاقة يا صبيان التوبة، قد عرفتم شرور أعطان الهوى فرحلتم طالبين ريف التقى فحثوا مطايا الجد " ولا يلتفتْ منكم أحدٌ وامضوا حيث تؤمرون " كلما شرف المطلوب طالت طريقه، الهرة تحمل خمسين يوماً، والخنزيرة أربعة أشهر، والخف والحافر سنة، فأما الفيل فسبع سنين، عموم الشجر يحمل في عامه، والصنوبر بعد ثلاثين سنة، شرف النمل يوجب القلة، الشاة تلد واحداً أو اثنين، والخنزيرة تلد عشرين، وأم الصقر مقلات نزور، يا هذا ينبغي أن تكون همتك على قدرك ولك قدر عظيم لو عرفته.
إنما خلقت الداران لأجلك، أما الدنيا فلتتزود، وأما الأخرى فلتتوطن، أفتراك تعرف مكانة " أذكركم " أو قيمة " يحبهم " أو مرتبة: وإنا إلى لقائهم أشد شوقاً، تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا، إذا صعدت الملائكة عن مجلس الذكر، قال الحق: أين كنتم، فيقولون: عند عباد لك يسبحونك ويمجدونك، فيقول: ما الذي طلبوا ومما استعاذوا:
يا من يسائل عني القادمين إذا ... ما كنت بي هكذا صبا فكيف أنا
يا من كان في رفقة " تتجافى " فصار اليوم في حزب أهل النوم.
للشريف الرضي:
يا ديار الأحباب كيف تغيرتِ ... ويا عهدُ ما الذي أبلاكا
هل تولى الذين عهدي بهم فيك ... على عهدهم وأين أولاكا
الذّميلَ الذميلَ يا ركبُ إني ... لضمينٌ أن لا تخيب سُراكا
يا هذا لا تجزع من ذنب جرى فرب زلة أورثت تقويماً، " لو لم تُذنبوا " .
من لم يلق مرارة الفراق ... لم يدر ما حلاوة التلاقي
ما لم يقع سهم في مقتل فالعلاج سهل، انحناء القوس ركوع لا اعوجاج، كانت صحبة آدم للحق أصلية وتعبد إبليس تكلفاً والعرق نزاع " كان من الجنِّ " وإنما يعالج الرمد لا الأكمة، تأملوا خسة همة إبليس إذ رضي بعد القرب من السدة بالتقاط القمامة " إلا من استرق السمع " إنه ليهجم على ساحة الصدر فيأخذ في حديث الوسوسة فيصيح به حراس الإيمان من شرفات قصر " ويسعني " فيرجع بقلب الخناس، فضائل بني آدم خفيت على الملائكة يوم " أنبئهم " فكيف يعرفها إبليس؟ صعد إلى السماء منا، إدريس وعيسى، وجال في مجالهم محمد، ونزل منهم هاروت وماروت وتدير عندنا إبليس، لو علم المتدير ما قد خبي له من البلايا؟ ما سأل الأنظار، كلما غاب صاحب معصية وجلس يقسم في تقواه صدرت عن التائب نشابة ندم، فوقعت في صدر إبليس، أطم ما على إبليس مجلسي، ما من مجلس أعقده إلا ويقلق لما يرى من النفع، واليوم يغشى عليه ويله، ما علم أن الجنة إقطاعنا وإنما أخرجنا عنها مسافرين، كتب ديارنا تصل إلينا، ورسائلنا تصل إليهم ويا قرب اللقا، كان فتح بن شخرف، يقول: قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك.
للمهيار:
تُمدُّ بالآذان والمناخرِ ... لحاجر أنى لها بحاجر؟
أرضٌ بها السائغ من ربيعها ... وشوقُها المكنونُ في الضمائرِ
سارت يميناً والغرامُ شامةٌ ... ياسِرْ بها يا ابن الحداة ياسِرِ
الفصل الخامس والخمسون
يا من شاب وما تاب، أموقن أنت أم مرتاب؟ من آمن بالسؤال أعد الجواب.
فخذ للسير إهبته وبادر ... وجود جمع رحلك للذهاب
فقد جد الرحيل وأنت ممن ... يسير على مقدمة الركاب
أما أنذرك بياض الشمط؟ أما يبكيك قبح ما منك فرط؟ إلى متى تجري في الهوى على نمط؟ إلى متى تضيع وقتاً مثله يلتقط؟ لقد أحاط بك المنون وها أنت في الوسط، واستل التلف سيفه عليك سريعاً واخترط، يا من يهفو وينسى والملك قد ضبط، يا منفقاً نعم المولى على العصيان هذا الشطط، امح باعترافك قبح اقترافك وقد انكشط، وقم في الدجى والليل قد سجى فرب عفو هبط، قد نصحتك بما أسمعتك وقد أوقعتك على النقط.
يا مغموراً بالنعم معدوم الشكر، كلما لطفنا بك قابلتنا بالمخالفة، إنه لا عجب من ترك الشكر إنفاق النعم في مخالفة المنعم، هذا عود العنب يكون يابساً طول السنة فإذا جاء الربيع دب فيه الماء فاخضر وخرج الحصرم، فإذا اعتصر الناس منه ما يحتاجون إليه طول السنة قلب في ليلة خلاً، فبانقلابه يوجب للعقل الدهش، من صنع صانعه، وقدرة خالقه فينبغي أن يفرغ العقل للتفكر فيأخذ الجاهل العنب فيجعله خمراً، فيغطي به العقل، الذي ينبغي أن يحسر عن رأسه قناع الغفلة " ومن يُضللِ اللهُ فما له مِن هاد " ويحك، قد أطعمتك إياه حصرماً وعنباً وزبيباً وخلاً، فدع الخامس لي، فقد سمعت في كلامي " فإنَّ للهِ خُمُسَهُ " .
أيها الضال في بادية الهوى، احذر من بئر بوار، وليس في كل وقت، تتفق سيارة، ليل الصبا مرخى السدفة، وبخار الأماني يعقد دواخن الكسل، فانهض عن حفش الكسل واستنطق ألسن الحكم من موضوعات المصنوعات يمل عليك كلما في دستوره يا مقتولاً ماله طالب ثأر يريد الموت، مطلق الأعنة في طلبك وما يخفيك حصن، ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك، والأنفاس تسلب، ذرات ذاتك وحركات الزمان، قوية في النسج الضعيف، فيا سرعة التمزيق آن الرحيل وما في مزادتك قطرة ماء، ولا في مزود عملك قبضة زاد، وقد أحلت ناقتك على ما تلقى من العشب والجدب عام في العام، ويحك عش ولا تغتر. يا رابطاً مناه بخيط الأمل إنه ضيف القتل، صياد التلف قد بث الصقور، وأرسل العقبان ونصب الأشراك، وقطع الجواد فكيف السلامة؟ تهيأ لصرعة الموت وأشد منها فلت القلب، فليت شعري إلى ماذا يؤول الأمر؟ للحارثي:
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
آه من تأوه حينئذٍ لا ينفع، ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع.
للمهيار:
ولما خلا التوديع مما حذرته ... ولم يبق إلا نظرةٌ تُتُغنَّمُ
بكيتُ على الوادي فحُرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم
للمهيار:
تُمدُّ بالآذان والمناخرِ ... لحاجر أنى لها بحاجر؟
أرضٌ بها السائغ من ربيعها ... وشوقُها المكنونُ في الضمائرِ
سارت يميناً والغرامُ شامةٌ ... ياسِرْ بها يا ابن الحداة ياسِرِ
الفصل الخامس والخمسون
يا من شاب وما تاب، أموقن أنت أم مرتاب؟ من آمن بالسؤال أعد الجواب.
فخذ للسير إهبته وبادر ... وجود جمع رحلك للذهاب
فقد جد الرحيل وأنت ممن ... يسير على مقدمة الركاب
أما أنذرك بياض الشمط؟ أما يبكيك قبح ما منك فرط؟ إلى متى تجري في الهوى على نمط؟ إلى متى تضيع وقتاً مثله يلتقط؟ لقد أحاط بك المنون وها أنت في الوسط، واستل التلف سيفه عليك سريعاً واخترط، يا من يهفو وينسى والملك قد ضبط، يا منفقاً نعم المولى على العصيان هذا الشطط، امح باعترافك قبح اقترافك وقد انكشط، وقم في الدجى والليل قد سجى فرب عفو هبط، قد نصحتك بما أسمعتك وقد أوقعتك على النقط.
يا مغموراً بالنعم معدوم الشكر، كلما لطفنا بك قابلتنا بالمخالفة، إنه لا عجب من ترك الشكر إنفاق النعم في مخالفة المنعم، هذا عود العنب يكون يابساً طول السنة فإذا جاء الربيع دب فيه الماء فاخضر وخرج الحصرم، فإذا اعتصر الناس منه ما يحتاجون إليه طول السنة قلب في ليلة خلاً، فبانقلابه يوجب للعقل الدهش، من صنع صانعه، وقدرة خالقه فينبغي أن يفرغ العقل للتفكر فيأخذ الجاهل العنب فيجعله خمراً، فيغطي به العقل، الذي ينبغي أن يحسر عن رأسه قناع الغفلة " ومن يُضللِ اللهُ فما له مِن هاد " ويحك، قد أطعمتك إياه حصرماً وعنباً وزبيباً وخلاً، فدع الخامس لي، فقد سمعت في كلامي " فإنَّ للهِ خُمُسَهُ " .
أيها الضال في بادية الهوى، احذر من بئر بوار، وليس في كل وقت، تتفق سيارة، ليل الصبا مرخى السدفة، وبخار الأماني يعقد دواخن الكسل، فانهض عن حفش الكسل واستنطق ألسن الحكم من موضوعات المصنوعات يمل عليك كلما في دستوره يا مقتولاً ماله طالب ثأر يريد الموت، مطلق الأعنة في طلبك وما يخفيك حصن، ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك، والأنفاس تسلب، ذرات ذاتك وحركات الزمان، قوية في النسج الضعيف، فيا سرعة التمزيق آن الرحيل وما في مزادتك قطرة ماء، ولا في مزود عملك قبضة زاد، وقد أحلت ناقتك على ما تلقى من العشب والجدب عام في العام، ويحك عش ولا تغتر. يا رابطاً مناه بخيط الأمل إنه ضيف القتل، صياد التلف قد بث الصقور، وأرسل العقبان ونصب الأشراك، وقطع الجواد فكيف السلامة؟ تهيأ لصرعة الموت وأشد منها فلت القلب، فليت شعري إلى ماذا يؤول الأمر؟ للحارثي:
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
آه من تأوه حينئذٍ لا ينفع، ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع.
للمهيار:
ولما خلا التوديع مما حذرته ... ولم يبق إلا نظرةٌ تُتُغنَّمُ
بكيتُ على الوادي فحُرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم
نقلة إلى غير مسكن، وسفر من غير تزود، وقدوم إلى بلد ربح بلا بضاعة.
ولما تيقنا النوع لم يدع لنا ... مسيل غروب الدمع جفناً ولا خدا
فلا صفوة إلا وقد بدلت قذي ... ولا راحة إلا وقد قلبت كدا
فوالله ما أدري وقد كنت دارياً ... أغورت الأظعان أم طلبت نجدا
يا لساعة الموت ما أشدها، تتمنى أن لو لم تكن عندها، وأعظم المحن ما يكون بعدها،
ولم أنس موقفنا للوداع ... وقد حان ممن أحب الرحيل
ولم يبق لي دمعة في الشؤون ... إلا غدت فوق خدي تسيل
فقال نصيح من القوم لي ... وقد كاد يأتي على الغليل
تأن بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل
تقسم الصالحون عند الموت، فمنهم من صابر هجير الخوف، حتى قضى نحبه، كعمر كان يقول عند الرحيل: الويل لعمر إن لم يغفر له. ومنهم من أقلقه عطش الحذر فيبرده بماء الرجاء كبلال. كانت زوجته تقول: واحرباه، وهو يصيح: واطرباه، غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه. علم بلال أن الإمام لا ينسى المؤذن، فمزج كرب الموت براحة الرجاء في اللقاء.
بشرها دليلها وقالا ... غداً ترين الطلح والجبالا
قال سليمان التيمي لابنه عند الموت: اقرأ علي أحاديث الرخص لألقى الله وأنا حسن الظن به. إلى متى تتعب الرواحل؟ لا بد من مناخ.
رفقاً بها يا أيها الزاجر ... قد لاح سلع ودنا حاجر
فخلها تخلع أرسانها ... على الربى لأراعها ذاعر
واذكر أحاديث ليالي منى ... لا عدم المذكور والذاكر
كان أبو عبيدة الحواص يستغيث في الأسواق وينادي: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه.
جاء بها قالصة عن ساق ... تحن والحنة للمشتاق
ما أولع الحنين بالنياق ... تذكري رمل النقى واشتاقي
الفصل السادس والخمسون
يا من أيام عمره في حياته معدودة، وجسمه بعد مماته مع دودة.
رأيتك في النقصان مذ أنت في المهد ... تقربك الساعات من ساعة اللحد
ستضحك سن بعد عين تعصرت ... عليك وإن قالت بكيت من الوجد
أتطمح أن يشجى لفقدك فاقد ... لعل سرور الفاقدين مع الفقد
يا من عمره يقضي بالساعة والساعة، يا كثير التفريط. في قليل البضاعة، يا شديد الإسراف يا قوي الإضاعة، كأني بك عن قلي ترمى في جوف قاعة، مسلوباً لباس القدرة وبأس الاستطاعة، وجاء منكر ونكير في أفظع الفظاعة، كأنهما أخوان في الفظاظة من لبان الرضاعة، وأمسيت تجني ثمار هذي الزراعة، وتمنيت لو قدرت على لحظة الطاعة وقلت " ربِّ ارجعوني " ومالك كلمة مطاعة، يا متخلفاً عن أقرانه قد آن أن تلحق الجماعة.
يا ساهياً لاهياً عما يراد به ... آن الرحيل وما قدمت من زاد
ترجو البقاء صحيحاً سالماً أبداً ... هيهات أنت غداً فيمن غدا غاد
مركب الحياة تجري في بحر البدن برخاء الأنفاس، ولا بد من عاصف قاصف تفككه وتغرق الركاب.
حكم المنية في البرية جار ... ما هذه الدنيا بدار قرار
جبلت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذار والأكدار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفر من الأسفار
يا لقم الآجال يا أشباه الدجال، أما تسمعون صريف أنياب الصروف؟ كم غافل وأكفانه عند القصار؟ ولبن قدره قد ضرب، يا سخنة عين قرت بالغرور، يا خراب قلب عمر بالمنى، العمر زاد في بادية، يوخد منه ولا يطرح فيه، يا من عمره يذوب ذوبان الثلج توانيك أبرد، كان بعض من يبيع الثلج ينادي عليه: ارحموا من يذوب رأس ماله يا مؤخراً توبته حتى شاب وقت الاختيار، يا ابن السبعين لقد أمهل المتقاضي، البدار البدار فنقاض البدن قد عرقب الأساس.
ولم يبق من أيام جمع إلى منى ... إلى موقف التجمير غير أماني
بادر التوبة من هفواتك قبل فواتك، فالمنايا بالنفوس فواتك، أعجب خلائقَ الخلائق، محسن في شبابه، فلما لاح الفجر فجر، آه لموسم فاتك، لقد ملأ الأكياس الأكياس، رجلت الرباحة فألحقهم في المنزل.
ولما تيقنا النوع لم يدع لنا ... مسيل غروب الدمع جفناً ولا خدا
فلا صفوة إلا وقد بدلت قذي ... ولا راحة إلا وقد قلبت كدا
فوالله ما أدري وقد كنت دارياً ... أغورت الأظعان أم طلبت نجدا
يا لساعة الموت ما أشدها، تتمنى أن لو لم تكن عندها، وأعظم المحن ما يكون بعدها،
ولم أنس موقفنا للوداع ... وقد حان ممن أحب الرحيل
ولم يبق لي دمعة في الشؤون ... إلا غدت فوق خدي تسيل
فقال نصيح من القوم لي ... وقد كاد يأتي على الغليل
تأن بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل
تقسم الصالحون عند الموت، فمنهم من صابر هجير الخوف، حتى قضى نحبه، كعمر كان يقول عند الرحيل: الويل لعمر إن لم يغفر له. ومنهم من أقلقه عطش الحذر فيبرده بماء الرجاء كبلال. كانت زوجته تقول: واحرباه، وهو يصيح: واطرباه، غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه. علم بلال أن الإمام لا ينسى المؤذن، فمزج كرب الموت براحة الرجاء في اللقاء.
بشرها دليلها وقالا ... غداً ترين الطلح والجبالا
قال سليمان التيمي لابنه عند الموت: اقرأ علي أحاديث الرخص لألقى الله وأنا حسن الظن به. إلى متى تتعب الرواحل؟ لا بد من مناخ.
رفقاً بها يا أيها الزاجر ... قد لاح سلع ودنا حاجر
فخلها تخلع أرسانها ... على الربى لأراعها ذاعر
واذكر أحاديث ليالي منى ... لا عدم المذكور والذاكر
كان أبو عبيدة الحواص يستغيث في الأسواق وينادي: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه.
جاء بها قالصة عن ساق ... تحن والحنة للمشتاق
ما أولع الحنين بالنياق ... تذكري رمل النقى واشتاقي
الفصل السادس والخمسون
يا من أيام عمره في حياته معدودة، وجسمه بعد مماته مع دودة.
رأيتك في النقصان مذ أنت في المهد ... تقربك الساعات من ساعة اللحد
ستضحك سن بعد عين تعصرت ... عليك وإن قالت بكيت من الوجد
أتطمح أن يشجى لفقدك فاقد ... لعل سرور الفاقدين مع الفقد
يا من عمره يقضي بالساعة والساعة، يا كثير التفريط. في قليل البضاعة، يا شديد الإسراف يا قوي الإضاعة، كأني بك عن قلي ترمى في جوف قاعة، مسلوباً لباس القدرة وبأس الاستطاعة، وجاء منكر ونكير في أفظع الفظاعة، كأنهما أخوان في الفظاظة من لبان الرضاعة، وأمسيت تجني ثمار هذي الزراعة، وتمنيت لو قدرت على لحظة الطاعة وقلت " ربِّ ارجعوني " ومالك كلمة مطاعة، يا متخلفاً عن أقرانه قد آن أن تلحق الجماعة.
يا ساهياً لاهياً عما يراد به ... آن الرحيل وما قدمت من زاد
ترجو البقاء صحيحاً سالماً أبداً ... هيهات أنت غداً فيمن غدا غاد
مركب الحياة تجري في بحر البدن برخاء الأنفاس، ولا بد من عاصف قاصف تفككه وتغرق الركاب.
حكم المنية في البرية جار ... ما هذه الدنيا بدار قرار
جبلت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذار والأكدار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفر من الأسفار
يا لقم الآجال يا أشباه الدجال، أما تسمعون صريف أنياب الصروف؟ كم غافل وأكفانه عند القصار؟ ولبن قدره قد ضرب، يا سخنة عين قرت بالغرور، يا خراب قلب عمر بالمنى، العمر زاد في بادية، يوخد منه ولا يطرح فيه، يا من عمره يذوب ذوبان الثلج توانيك أبرد، كان بعض من يبيع الثلج ينادي عليه: ارحموا من يذوب رأس ماله يا مؤخراً توبته حتى شاب وقت الاختيار، يا ابن السبعين لقد أمهل المتقاضي، البدار البدار فنقاض البدن قد عرقب الأساس.
ولم يبق من أيام جمع إلى منى ... إلى موقف التجمير غير أماني
بادر التوبة من هفواتك قبل فواتك، فالمنايا بالنفوس فواتك، أعجب خلائقَ الخلائق، محسن في شبابه، فلما لاح الفجر فجر، آه لموسم فاتك، لقد ملأ الأكياس الأكياس، رجلت الرباحة فألحقهم في المنزل.
وكم وقفت وأصحابي بمنزلة ... يبيت يقظانها ولهان وهلانا
فهاجنا حين حيانا النسيم بما ... سقناه يوم التقى بالجزع أحيانا
تبكي وتسعدنا كوم المطي فهل ... نحن المشوقون فيها أم مطايانا
فلا ومن فطر الأشياء ما وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا
يا هذا عقلك يحثك على التوبة وهواك يمنع والحرب بينهما، فلو جهزت جيش عزم فر العدو، تنوي قيام الليل فتنام، وتحضر المجلس فلا تبكي، ثم تقول ما السبب؟ " قل هو مِن عند أنفسكم " عصيت النهار فنمت بالليل، أكلت الحرام فأظلم قلبك، فلما فتح باب الوصول للمقبولين طردت، ويحك فكر القلب في المباحات يحدث له ظلمة، فكيف في تدبير الحرام؟ إذا غير المسك الماء منع التوضوء فكيف بالنجاسة، متى تفيق من خمار الهوى؟ متى تنته من رقاد الغفلة؟ للشريف الرضي:
يا قلبِ ما أطولَ هذا الغرام ... يوم نوى الحيِّ ويوم المُقام
متى تُفيق اليومَ من لوعةٍ ... وأنت نشوانُ بغير المُدام
أين أنت من أقوام كشفت عن أبصار بصائرهم أغطية الجهل؟ فلاحت لهم الجادة فجدوا في السلوك، كان مسروق يصلي حتى تتورم قدماه، فتقعد امرأته تبكي مما تراه يصنع بنفسه.
أمسى وأصبح من تذكاركم قلقاً ... يرثي لها المشفقان الأهل والولد
قد خدد الدمع خدي من تذكركم ... واعتادني المضنيان الشوق والكمد
وغاب عن مقلتي نومي فنافرها ... وخانني المسعدان الصبر والجلد
لا غرو للدمع أن تجري غواربه ... وتحته والخافقان القلب والكبد
كأنما مهجتي نضو ببلقعة ... يعتاده الضاريان الذئب والأسد
لم يبق إلا خفى الروح من جسدي ... فداؤك الباقيان الروح والجسد
يا هذا، أول الطريق سهل ثم يأتي الحزن، في البداءة إنفاق البدن وفي التوسط إنفاق النفس، فإذا نزل ضيف المحبة تناول القلب فأملق المنفق قلق القوم بلا سكون، انزعاجهم بلا ثبات، خلقت جفونهم على جفاء النوم، فلو سمعت ضجيجهم في دياجي الليل.
من لقلب يألف الفكرا ... ولعين لا تذوق كرى
ولصب بالغرام قضى ... ما قضى من حبكم وطرا
أحصر القوم في سبيل المحبة، فأقعدتهم عن كل مطلوب " لا يستطيعون ضرباً في الأرض " .
رأيت الحب نيراناً تلظى ... قلوب العاشقين لها وقود
فلو كانت إذا احترقت تفانت ... ولكن كلما نضجت تعود
لاحت نار ليلى ليلاً فنهض المجنون، فخبت فضل فضج.
ردوا الفؤاد كما عهدت إلى الحشى ... والمقلتين إلى الكرى ثم اهجروا
الفصل السابع والخمسون
إخواني، قد كفت الكفات في العبر، ووعظ من عبر من غبر، وقد فهم الفطن الأمر وخبر، وما عند الغافل من هذا خبر.
يا أيها الناس أين أولكم ... أما أتاكم للذاهبين خبر
اعتبروا فالمقدمون خلوا ... وكلهم للمؤخرين عبر
تعبر بالمصر عابراً فإذا ... سألت عمن تود قيل عبر
اصبر على العسر في الزمان فكم ... عسر ويسر أتاك ثمت مر
والصبر أولى بكل من صحب ... العيش ومن جرب الزمان صبر
يرفع شأن الكرام فعلهم ... والفعل إن خالف الجميل حذر
كادت شخوص في الأرض بالية ... تنطق حقاً إذا المقال غدر
بالأمس كنا من الأنام فأما ... اليوم في تربنا فنحن مدر
ابك على نفسك قبل أن يبكى عليك، وتفكر في سهم قد صوب إليك، وإذا رأيت جنازة فاحسبها أنت. وإذا عاينت قبراً فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحاً.
لمتمم بن نويرة:
لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبرٍ رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك
فهاجنا حين حيانا النسيم بما ... سقناه يوم التقى بالجزع أحيانا
تبكي وتسعدنا كوم المطي فهل ... نحن المشوقون فيها أم مطايانا
فلا ومن فطر الأشياء ما وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا
يا هذا عقلك يحثك على التوبة وهواك يمنع والحرب بينهما، فلو جهزت جيش عزم فر العدو، تنوي قيام الليل فتنام، وتحضر المجلس فلا تبكي، ثم تقول ما السبب؟ " قل هو مِن عند أنفسكم " عصيت النهار فنمت بالليل، أكلت الحرام فأظلم قلبك، فلما فتح باب الوصول للمقبولين طردت، ويحك فكر القلب في المباحات يحدث له ظلمة، فكيف في تدبير الحرام؟ إذا غير المسك الماء منع التوضوء فكيف بالنجاسة، متى تفيق من خمار الهوى؟ متى تنته من رقاد الغفلة؟ للشريف الرضي:
يا قلبِ ما أطولَ هذا الغرام ... يوم نوى الحيِّ ويوم المُقام
متى تُفيق اليومَ من لوعةٍ ... وأنت نشوانُ بغير المُدام
أين أنت من أقوام كشفت عن أبصار بصائرهم أغطية الجهل؟ فلاحت لهم الجادة فجدوا في السلوك، كان مسروق يصلي حتى تتورم قدماه، فتقعد امرأته تبكي مما تراه يصنع بنفسه.
أمسى وأصبح من تذكاركم قلقاً ... يرثي لها المشفقان الأهل والولد
قد خدد الدمع خدي من تذكركم ... واعتادني المضنيان الشوق والكمد
وغاب عن مقلتي نومي فنافرها ... وخانني المسعدان الصبر والجلد
لا غرو للدمع أن تجري غواربه ... وتحته والخافقان القلب والكبد
كأنما مهجتي نضو ببلقعة ... يعتاده الضاريان الذئب والأسد
لم يبق إلا خفى الروح من جسدي ... فداؤك الباقيان الروح والجسد
يا هذا، أول الطريق سهل ثم يأتي الحزن، في البداءة إنفاق البدن وفي التوسط إنفاق النفس، فإذا نزل ضيف المحبة تناول القلب فأملق المنفق قلق القوم بلا سكون، انزعاجهم بلا ثبات، خلقت جفونهم على جفاء النوم، فلو سمعت ضجيجهم في دياجي الليل.
من لقلب يألف الفكرا ... ولعين لا تذوق كرى
ولصب بالغرام قضى ... ما قضى من حبكم وطرا
أحصر القوم في سبيل المحبة، فأقعدتهم عن كل مطلوب " لا يستطيعون ضرباً في الأرض " .
رأيت الحب نيراناً تلظى ... قلوب العاشقين لها وقود
فلو كانت إذا احترقت تفانت ... ولكن كلما نضجت تعود
لاحت نار ليلى ليلاً فنهض المجنون، فخبت فضل فضج.
ردوا الفؤاد كما عهدت إلى الحشى ... والمقلتين إلى الكرى ثم اهجروا
الفصل السابع والخمسون
إخواني، قد كفت الكفات في العبر، ووعظ من عبر من غبر، وقد فهم الفطن الأمر وخبر، وما عند الغافل من هذا خبر.
يا أيها الناس أين أولكم ... أما أتاكم للذاهبين خبر
اعتبروا فالمقدمون خلوا ... وكلهم للمؤخرين عبر
تعبر بالمصر عابراً فإذا ... سألت عمن تود قيل عبر
اصبر على العسر في الزمان فكم ... عسر ويسر أتاك ثمت مر
والصبر أولى بكل من صحب ... العيش ومن جرب الزمان صبر
يرفع شأن الكرام فعلهم ... والفعل إن خالف الجميل حذر
كادت شخوص في الأرض بالية ... تنطق حقاً إذا المقال غدر
بالأمس كنا من الأنام فأما ... اليوم في تربنا فنحن مدر
ابك على نفسك قبل أن يبكى عليك، وتفكر في سهم قد صوب إليك، وإذا رأيت جنازة فاحسبها أنت. وإذا عاينت قبراً فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحاً.
لمتمم بن نويرة:
لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبرٍ رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك
غريب، يا راكباً عجز الهوى وفي يده جنيب، يا ماراً على وجهه قل لي متى تنيب؟ ألا تأخذ قبل الفوت بعض النصيب؟ ألا تتزود ليوم شره شر عصيب؟، ألا تخرج عن وادي الجدب إلى الربع الخصيب؟ أحاضر أنت قل لي، ما أكثر ما تغيب، ألا مريض لبيب يقبل رأي الطبيب، إن الرحيل بلا عدة فج، فكيف به على بعد الفج؟ أحرم عن الحرام وقدر أنه حج، واسكب دموع الأسى واحسبه ثج، واستغث من الزلل ومثله العج، وبادر، فقد تفوت الوقفة أهل وج، اقبل نصحي فمثل نصحي لا يمج. كم فهم وعظي ذو فطنة فهج، يا من يقول إذا شئت تبت.
اليوم عهدكم فأين الموعد ... هيهات ليس ليوم عهدكم غد
إن خرجت اليوم ولم تتب، خرجت من أولي الفهم.
لأيّ مرمى تزجر إلا يانقاً ... إن جاوزت نجداً فلست عاشقاً
وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب، إن لم تعجل غسله وإلا انبسط " وإنْ منكُمْ لَيُبْطِئَنَّ " .
يدي في قائم العضب ... فما الإبطاء بالضرب
ما دامت نفسك عند التوبيخ تنكسر، وعينك وقت العتاب تدمع، ففي قلبك بعد حياة، إنما المعاصي أوجبت سكتة، فانشق هواك حراق التخويف وقد عطس، يا من قد أبعدته الذنوب عن ديار الأنس، ابك وطر الوطن عساك ترد.
قال بعض السلف: رأيت شاباً في سفح جبل عليه آثار القلق ودموعه تتحادر، فقلت: من أين؟، فقال: آبق من مولاه، قلت: فتعود فتعتذر؟ فقال: العذر يحتاج إلى حجة ولا حجة للمفرط، قلت فتتعلق بشفيع؟ قال: كل الشفعاء يخافون منه، قلت: من هو؟ قال: مولى رباني صغيراً فعصيته كبيراً، فوا حيائي من حسن صنعه وقبح فعلي، ثم صاح فمات، فخرجت عجوز فقالت: من أعان على قتل البائس الحيران؟ فقلت: أقيم عندك أعينك عليه، فقالت: خلّه ذليلاً بين يدي قاتله عساه يراه بغير معين فيرحمه.
بالله عليك يا فتى الأعراب ... إن جزت على مواطن الأحباب
فاشرح سقمي وقل لهم عما بي ... ذاك المضني يموت بالأوصاب
أيها التائبون بألسنتهم ولا يدرون ما تحت نطقهم؟، لا يحكم بإقراركم " حتَّى تعلَموا ما تقولونَ " ، متى صدقت توبة التائب بنى بيت التعبد بصخور العزائم ولم ينته في أساسه دون الماء، ما ضرب بسيف العزيمة قط إلا قط، التوبة الصادقة تقلع آثار الذنوب، إذا قرئ على التائب عهد " ألَسْتُ " ذكر الإقرار وعرف الشهود، فخجل من الخيانة فجرت العين وأطرق الرأس، إن التائبين كاتبوا الله بدموعهم وهم ينتظرون الجواب.
يا حادي الأظعان عج متوقفاً ... وانظر دموع العاشقين تراق
صبروا على ألم التهاجر والقلى ... وتجرعوا مر الفراق وذاقوا
يا معاشر التائبين من أقامكم وأقعدنا؟ " إنْ نحنُ إلاّ بشرٌ مثلُكُمْ ولكنَّ اللهَ يمُنُّ على مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ " قفوا لأجل زمن ، ارحموا من قد عطب.
ردّوا المطايا وإلاّ ردها نفسي ... وأدمعي فهما سيلٌ ونيران
يا سائق الظعن قلبي في رحالهم ... أمانة رعيها والحفظ إيمان
يخيّل لي أن الحيطان تبكي معنا، إن النسيم قد رقّ لحزننا.
فلا ومن فطر الأشياء ما وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا
ما أحسن هؤلاء التوّاب، ما أذل وقوفهم على الباب فاعتبروا " يا أُولي الأَلْبابِ " .
بما بيننا من حرمة هل رأيتما ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر
وأفضح من عين المحب لسرّه ... ولا سيّما إن أطلقت عبرة تجري
وجوههم أضوأ من البدر، جباههم أنور من الشمس، نوحهم أفضل من التسبيح، سكوتهم أبلغ من فصيح، لو علمت الأرض قدر خوفهم تزلزلت، لو سمعت الجبال ضجيجهم تقلقلت.
لابن المعتز:
اقني فالبوم نشوان ... والربى صاد وريّان
وندامى كالنجوم سطوا ... بالمنى والدهر جذلان
خطروا والسكر ينفضهم ... وذيول القوم أردان
كلما رأيت تقلقلهم، تقلقل قلبي، وإلاّ لمحت اصفرارهم تبلبل لبي، وإذا شاهدت دموعهم زاد كربي، وإذا سمعت حنينهم تبدد ماء عيني.
ما ناح في البان الحمام ... إلاّ ورنَّحني الغرام
فكأنني ثملٌ تمشت ... في مفاصله المدام
اليوم عهدكم فأين الموعد ... هيهات ليس ليوم عهدكم غد
إن خرجت اليوم ولم تتب، خرجت من أولي الفهم.
لأيّ مرمى تزجر إلا يانقاً ... إن جاوزت نجداً فلست عاشقاً
وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب، إن لم تعجل غسله وإلا انبسط " وإنْ منكُمْ لَيُبْطِئَنَّ " .
يدي في قائم العضب ... فما الإبطاء بالضرب
ما دامت نفسك عند التوبيخ تنكسر، وعينك وقت العتاب تدمع، ففي قلبك بعد حياة، إنما المعاصي أوجبت سكتة، فانشق هواك حراق التخويف وقد عطس، يا من قد أبعدته الذنوب عن ديار الأنس، ابك وطر الوطن عساك ترد.
قال بعض السلف: رأيت شاباً في سفح جبل عليه آثار القلق ودموعه تتحادر، فقلت: من أين؟، فقال: آبق من مولاه، قلت: فتعود فتعتذر؟ فقال: العذر يحتاج إلى حجة ولا حجة للمفرط، قلت فتتعلق بشفيع؟ قال: كل الشفعاء يخافون منه، قلت: من هو؟ قال: مولى رباني صغيراً فعصيته كبيراً، فوا حيائي من حسن صنعه وقبح فعلي، ثم صاح فمات، فخرجت عجوز فقالت: من أعان على قتل البائس الحيران؟ فقلت: أقيم عندك أعينك عليه، فقالت: خلّه ذليلاً بين يدي قاتله عساه يراه بغير معين فيرحمه.
بالله عليك يا فتى الأعراب ... إن جزت على مواطن الأحباب
فاشرح سقمي وقل لهم عما بي ... ذاك المضني يموت بالأوصاب
أيها التائبون بألسنتهم ولا يدرون ما تحت نطقهم؟، لا يحكم بإقراركم " حتَّى تعلَموا ما تقولونَ " ، متى صدقت توبة التائب بنى بيت التعبد بصخور العزائم ولم ينته في أساسه دون الماء، ما ضرب بسيف العزيمة قط إلا قط، التوبة الصادقة تقلع آثار الذنوب، إذا قرئ على التائب عهد " ألَسْتُ " ذكر الإقرار وعرف الشهود، فخجل من الخيانة فجرت العين وأطرق الرأس، إن التائبين كاتبوا الله بدموعهم وهم ينتظرون الجواب.
يا حادي الأظعان عج متوقفاً ... وانظر دموع العاشقين تراق
صبروا على ألم التهاجر والقلى ... وتجرعوا مر الفراق وذاقوا
يا معاشر التائبين من أقامكم وأقعدنا؟ " إنْ نحنُ إلاّ بشرٌ مثلُكُمْ ولكنَّ اللهَ يمُنُّ على مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ " قفوا لأجل زمن ، ارحموا من قد عطب.
ردّوا المطايا وإلاّ ردها نفسي ... وأدمعي فهما سيلٌ ونيران
يا سائق الظعن قلبي في رحالهم ... أمانة رعيها والحفظ إيمان
يخيّل لي أن الحيطان تبكي معنا، إن النسيم قد رقّ لحزننا.
فلا ومن فطر الأشياء ما وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا
ما أحسن هؤلاء التوّاب، ما أذل وقوفهم على الباب فاعتبروا " يا أُولي الأَلْبابِ " .
بما بيننا من حرمة هل رأيتما ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر
وأفضح من عين المحب لسرّه ... ولا سيّما إن أطلقت عبرة تجري
وجوههم أضوأ من البدر، جباههم أنور من الشمس، نوحهم أفضل من التسبيح، سكوتهم أبلغ من فصيح، لو علمت الأرض قدر خوفهم تزلزلت، لو سمعت الجبال ضجيجهم تقلقلت.
لابن المعتز:
اقني فالبوم نشوان ... والربى صاد وريّان
وندامى كالنجوم سطوا ... بالمنى والدهر جذلان
خطروا والسكر ينفضهم ... وذيول القوم أردان
كلما رأيت تقلقلهم، تقلقل قلبي، وإلاّ لمحت اصفرارهم تبلبل لبي، وإذا شاهدت دموعهم زاد كربي، وإذا سمعت حنينهم تبدد ماء عيني.
ما ناح في البان الحمام ... إلاّ ورنَّحني الغرام
فكأنني ثملٌ تمشت ... في مفاصله المدام
ما لي وبانات اللوى ... لولا الصبابة والهيام
الفصل الثامن والخمسون
ما زالت المنون ترمي عن أقواس حتى طاحت الجسوم والأنفس، وتبدلت النعم بكثرة الأبؤس، واستوى في القبور الأذناب والأرؤس، وصار الرئيس كأنه قط لم يرؤس.
قل للمفرط يستعد ... ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب ... وما مضى لا يسترد
فإلى مَ يشتغل الفتى ... في لهوه والأمر جد
والعمر يقصر كل يوم ... بي وآمالي تمد
لقد وعظت الدنيا فأبلغت وقالت، ولقد أخبرت برحيلها قبل أن يقال زالت، وما سقطت جدرانها حتى أنذرت ومالت، قرب الاغتراب في التراب، ودنا سل السيف من القراب، كم غنت رباب برباب، ثم نادت على الباب بتباب يا من زمانه الذي يمضي عليه: عليه، يا طويل الأمل وهو يرى الموتى بعينيه، يا من ذنبه أوجب أن لا يلتفت إليه، قد مزجت لك كأس كربة ولا بد والله من تلك الشربة، يا منقولاً بعد الأنس إلى دار غربة، يا طين تربة، وهو يطلب في الدنيا رتبة، هذا مجلس ابن زيد فأين عتبة؟، أتلهو برند الصبا وبأنه؟ ويروقك برق الهوى بلمعانه، وتغتر بعيش في عنفوانه، فتمد يد الغفلة إلى جني أغصانه، وتنسى أنك في حريم خطره وامتحانه، أما لقمة أبيك أخرجته من مكانه؟ أما نودي عليه بالفطر في رمضانه؟ أما شأنه شانه لولا وكف شانه؟ أما يستدل على نار العقاب بدخانه؟ نزل آدم عن مقام المراقبة درجة فنزل فكان يبكي بقية عمره ديار الوفا، برد النفس بالهوى لحظة أثمر حرارة القلق ألف سنة، فاعتبروا، سالت من عينيه عيون، استحالت من الدماء دموع شغلته عن لذات الدنيا هموم.
للمهيار:
هل بعد مفترق الأظعان مجتمعُ ... أم أهل زمانٍ بهم قد فات مرتجعُ
تحملوا تسعُ البيداءُ ركبَهُمُ ... ويحمل القلب منهم فوق ما يسعُ
الليلُ بعدهمُ كالهجر متصلٌ ... ما شاء والنومُ مثلُ الوصل منقطعُ
اشتاق نعمان لا أرضى بروضته ... داراً وإن طاب مصطافٌ ومرتبَعُ
كان آدم كلما عاين الملائكة تنزل تذكر المرتبع في الربع فتأخذ العين أعلى في إعانة الحزين.
رأى بارقاً من نحو نجدٍ فراعه ... فبات يسح الدمع وجداً على نجد
هل الأعصر اللاتي مضين يعدن لي ... كما كن لي أم لا سبيل إلى الرد
ما أمر البعد بعد القرب، ما أشد الهجر بعد الوصل، يا مطروداً بعد التقريب أبلغ الشافعين لك البكاء.
للمتنبئ:
وكيف التذاذي بالأصائل والضحى ... إذا لم بعد ذاك النسيمَ الذي هبّا
ذكرت به وصلاً كأن لم أفُزْ به ... وعيشاً كأني كنت اقطعه وثبا
كان لقوم جارية، فأخرجوها إلى النخاس فأقامت أياماً تبكي، ثم بعثت إلى ساداتها تقول: بحرمة الصحبة ردّوني فقد ألفتكم. يا هذا قف في الدياجي وامدد يد الذلّ، وقل قد كانت لي خدمة، فعرض تفريط أوجب البعد، فبحرمة قديم الوصل ردوني فقد ألفتكم.
علِّلونا بوصالٍ نافعٍ ... إننا للبعد كالشيء اللقا
أو خذوا أرواحنا خالصة ... أو ذروا في كل جسمٍ رمقا
وارحموا من تنقضي أيامه ... غمرات والليالي أرقا
ويح قلبي ما لقلبي كلما ... خفق البرق اليماني خفقا
يا هذا لا تبرح من الباب ولو طردت، ولا تزل عن الجناب ولو أبعدت، وقل بلسان التملق إلى من اذهب؟
يا ربع إن وصلوا وإن صرموا ... فهم الأولى ملكوا الفؤاد همُ
شغلوا بحسنهم نواظرنا ... وعلى القلوب بحبهم ختموا
أتبعتهم نظراً فعاد جوى ... ومن الشفاء لذي الهوى سقم
تمحو دموعي وسم إبلهم ... وزفير أنفاسي لها يسم
كان الحسن شديد الحزن، طويل البكاء سئل عن حاله، فقال: أخاف أن يطرحني في النار ، ولا يبالي.
يعزُّ عليَّ فراقي لكمُ ... وإن كان سهلاً عليكم يسيرا
الفصل الثامن والخمسون
ما زالت المنون ترمي عن أقواس حتى طاحت الجسوم والأنفس، وتبدلت النعم بكثرة الأبؤس، واستوى في القبور الأذناب والأرؤس، وصار الرئيس كأنه قط لم يرؤس.
قل للمفرط يستعد ... ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب ... وما مضى لا يسترد
فإلى مَ يشتغل الفتى ... في لهوه والأمر جد
والعمر يقصر كل يوم ... بي وآمالي تمد
لقد وعظت الدنيا فأبلغت وقالت، ولقد أخبرت برحيلها قبل أن يقال زالت، وما سقطت جدرانها حتى أنذرت ومالت، قرب الاغتراب في التراب، ودنا سل السيف من القراب، كم غنت رباب برباب، ثم نادت على الباب بتباب يا من زمانه الذي يمضي عليه: عليه، يا طويل الأمل وهو يرى الموتى بعينيه، يا من ذنبه أوجب أن لا يلتفت إليه، قد مزجت لك كأس كربة ولا بد والله من تلك الشربة، يا منقولاً بعد الأنس إلى دار غربة، يا طين تربة، وهو يطلب في الدنيا رتبة، هذا مجلس ابن زيد فأين عتبة؟، أتلهو برند الصبا وبأنه؟ ويروقك برق الهوى بلمعانه، وتغتر بعيش في عنفوانه، فتمد يد الغفلة إلى جني أغصانه، وتنسى أنك في حريم خطره وامتحانه، أما لقمة أبيك أخرجته من مكانه؟ أما نودي عليه بالفطر في رمضانه؟ أما شأنه شانه لولا وكف شانه؟ أما يستدل على نار العقاب بدخانه؟ نزل آدم عن مقام المراقبة درجة فنزل فكان يبكي بقية عمره ديار الوفا، برد النفس بالهوى لحظة أثمر حرارة القلق ألف سنة، فاعتبروا، سالت من عينيه عيون، استحالت من الدماء دموع شغلته عن لذات الدنيا هموم.
للمهيار:
هل بعد مفترق الأظعان مجتمعُ ... أم أهل زمانٍ بهم قد فات مرتجعُ
تحملوا تسعُ البيداءُ ركبَهُمُ ... ويحمل القلب منهم فوق ما يسعُ
الليلُ بعدهمُ كالهجر متصلٌ ... ما شاء والنومُ مثلُ الوصل منقطعُ
اشتاق نعمان لا أرضى بروضته ... داراً وإن طاب مصطافٌ ومرتبَعُ
كان آدم كلما عاين الملائكة تنزل تذكر المرتبع في الربع فتأخذ العين أعلى في إعانة الحزين.
رأى بارقاً من نحو نجدٍ فراعه ... فبات يسح الدمع وجداً على نجد
هل الأعصر اللاتي مضين يعدن لي ... كما كن لي أم لا سبيل إلى الرد
ما أمر البعد بعد القرب، ما أشد الهجر بعد الوصل، يا مطروداً بعد التقريب أبلغ الشافعين لك البكاء.
للمتنبئ:
وكيف التذاذي بالأصائل والضحى ... إذا لم بعد ذاك النسيمَ الذي هبّا
ذكرت به وصلاً كأن لم أفُزْ به ... وعيشاً كأني كنت اقطعه وثبا
كان لقوم جارية، فأخرجوها إلى النخاس فأقامت أياماً تبكي، ثم بعثت إلى ساداتها تقول: بحرمة الصحبة ردّوني فقد ألفتكم. يا هذا قف في الدياجي وامدد يد الذلّ، وقل قد كانت لي خدمة، فعرض تفريط أوجب البعد، فبحرمة قديم الوصل ردوني فقد ألفتكم.
علِّلونا بوصالٍ نافعٍ ... إننا للبعد كالشيء اللقا
أو خذوا أرواحنا خالصة ... أو ذروا في كل جسمٍ رمقا
وارحموا من تنقضي أيامه ... غمرات والليالي أرقا
ويح قلبي ما لقلبي كلما ... خفق البرق اليماني خفقا
يا هذا لا تبرح من الباب ولو طردت، ولا تزل عن الجناب ولو أبعدت، وقل بلسان التملق إلى من اذهب؟
يا ربع إن وصلوا وإن صرموا ... فهم الأولى ملكوا الفؤاد همُ
شغلوا بحسنهم نواظرنا ... وعلى القلوب بحبهم ختموا
أتبعتهم نظراً فعاد جوى ... ومن الشفاء لذي الهوى سقم
تمحو دموعي وسم إبلهم ... وزفير أنفاسي لها يسم
كان الحسن شديد الحزن، طويل البكاء سئل عن حاله، فقال: أخاف أن يطرحني في النار ، ولا يبالي.
يعزُّ عليَّ فراقي لكمُ ... وإن كان سهلاً عليكم يسيرا
يا من كان له قلب فمات، يا من كان له وقت ففات، استغث في بوادي القلق ردّوا عليَّ لياليَّ التي سلفتن أحضر في السحر فإنه وقت الإذن العام، واستصحب رفيق البكاء فإنه مساعد صبور، وابعث سائل الصعداء فقد أقيم لها من يتناول.
للمصنف:
عبرت بريحكم الصبا سحراً ... فارتاح قلبي المدنف الحرض
ما لي أراك سقيمة بهم ... يا ريح عندي لا بك المرض
أتبعتها نفساً أشيّعها ... فإذا جروح القلب تنتقض
قف صاحبي إن كنت تسعدني ... عند الكثيب فثمَّ لي غرض
وانشد فؤادي عند كاظمة ... في كل ركب راح يعترض
أشكو ومني مبتدى ألمي ... عيني رمت وفؤادي الغرض
فرضوا على الأجفان إذ هجروا ... لا تلتقي فاصبر لما فرضوا
كيف اصطباري بعد فرقتهم ... يا جيرة ما عنهم عوض
الفصل التاسع والخمسون
يا من سيب قلبه في مراعي الهوى، وألقى حبله على الغارب، سلم من يطول نشدانه للضلال؟.
للمهيار:
دع ملامي بالحمى أو رح ودعني ... واقفاً أطلب قلباً ضاع مني
ما سألت الدارَ أبغي رجعها ... ربَّ مسئول سواها لم يجبني
أنا يا دار أخو وحشِ الفلا ... فيكِ من خان فعزمي لم يخني
ولئن غال مغانيك البلى ... عادة الدهر فشخصُ منك يُغني
إن خَبَتْ نارٌ فهذي كبدي ... أو جفا الغيثُ فهذا لك جفني
أكثر فساد القلب من تخليط العين، مادام باب العين موثقاً بالغض فالقلب سليم من آفة، فإذا فتح الباب طار طائر وربما لم يعد، يا متصرفين في إطلاق الأبصار جاء توقيع العزل " قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا من أبصارِهِم " إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور والقلب كعبة " ويسعني " وما يرضي المعبود بمزاحمة الأصنام.
عيناي أعاننا على سفك دمي ... يا لذة لحظة أطالت ألمي
كم أندم حين ليس يغني ندمي ... ويلي ثبت الهوى وزلت قدمي
يا مطلقاً طرفه لقد عقلك، يا مرسلاً سبع فمه لقد أكلك، يا مشغولاً بالهوى مهلاً قتلك، بادر رمقك فقد رمقك، بالرحمة من عذلك.
للمهيار:
عثرتَ يومَ العذيب فاستقلِ ... ما كلُّ ساعٍ يُحسُّ بالزلل
ما سلمتْ قبلك القلوب على ... الحسن ولا الراجمونَ بالمقلِ
سافر طرفي يوم الظعائن بالسَّفْ ... حِ وآبَ الفؤادُ بالخبلِ
نظرة غرٍّ جنت مقارعة ... يفتك فيها الجبان بالبطل
حصلت منها على جراحتها ... واستأثر الظاعنون بالنفل
إذا لاحت للتائب نظرة لا تحل، فامتدت عين الهوى، فزلزلت أرض التقى ونهض معمار الإيمان " وأَلْقَى في الأرضِ رواسيَ أنْ تميدَ بكُمْ " لاحت نظرة لبعض التائبين، فصاح:
حلفت بدين الحب لا خنت عهدكم ... وتلك يمين لو علمت غموس
إذا خيم سلطان المعرفة بقاع القلب، بث جنده في بقاع البدن، فصارت السباخ رياضاً لرياضة ساكن في القلب يعمره إذا نزل الحبيب ديار القلب لم يبق فيه نزالة.
وكان فؤادي خالياً قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن فنائك يبرح
رميت ببعد منك إن كنت كاذباً ... وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
أول منازل القوم، عزفت نفسي عن الدنيا، وأوسطها لو كشف الغطاء، ونهايتها ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه.
وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا وجدتك بين الجفن والحدق
وهل ينام حزينٌ موجعٌ قلقٌ ... أجفانه وكلت بالسهد والأرق
شغلت نفسي عن الدنيا ولذتها ... فأنت والروح شيء غير مفترق
فلم تعذبها بالصد يا أملي ... ارحم بقية ما فيها من الرمق
للمصنف:
عبرت بريحكم الصبا سحراً ... فارتاح قلبي المدنف الحرض
ما لي أراك سقيمة بهم ... يا ريح عندي لا بك المرض
أتبعتها نفساً أشيّعها ... فإذا جروح القلب تنتقض
قف صاحبي إن كنت تسعدني ... عند الكثيب فثمَّ لي غرض
وانشد فؤادي عند كاظمة ... في كل ركب راح يعترض
أشكو ومني مبتدى ألمي ... عيني رمت وفؤادي الغرض
فرضوا على الأجفان إذ هجروا ... لا تلتقي فاصبر لما فرضوا
كيف اصطباري بعد فرقتهم ... يا جيرة ما عنهم عوض
الفصل التاسع والخمسون
يا من سيب قلبه في مراعي الهوى، وألقى حبله على الغارب، سلم من يطول نشدانه للضلال؟.
للمهيار:
دع ملامي بالحمى أو رح ودعني ... واقفاً أطلب قلباً ضاع مني
ما سألت الدارَ أبغي رجعها ... ربَّ مسئول سواها لم يجبني
أنا يا دار أخو وحشِ الفلا ... فيكِ من خان فعزمي لم يخني
ولئن غال مغانيك البلى ... عادة الدهر فشخصُ منك يُغني
إن خَبَتْ نارٌ فهذي كبدي ... أو جفا الغيثُ فهذا لك جفني
أكثر فساد القلب من تخليط العين، مادام باب العين موثقاً بالغض فالقلب سليم من آفة، فإذا فتح الباب طار طائر وربما لم يعد، يا متصرفين في إطلاق الأبصار جاء توقيع العزل " قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا من أبصارِهِم " إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور والقلب كعبة " ويسعني " وما يرضي المعبود بمزاحمة الأصنام.
عيناي أعاننا على سفك دمي ... يا لذة لحظة أطالت ألمي
كم أندم حين ليس يغني ندمي ... ويلي ثبت الهوى وزلت قدمي
يا مطلقاً طرفه لقد عقلك، يا مرسلاً سبع فمه لقد أكلك، يا مشغولاً بالهوى مهلاً قتلك، بادر رمقك فقد رمقك، بالرحمة من عذلك.
للمهيار:
عثرتَ يومَ العذيب فاستقلِ ... ما كلُّ ساعٍ يُحسُّ بالزلل
ما سلمتْ قبلك القلوب على ... الحسن ولا الراجمونَ بالمقلِ
سافر طرفي يوم الظعائن بالسَّفْ ... حِ وآبَ الفؤادُ بالخبلِ
نظرة غرٍّ جنت مقارعة ... يفتك فيها الجبان بالبطل
حصلت منها على جراحتها ... واستأثر الظاعنون بالنفل
إذا لاحت للتائب نظرة لا تحل، فامتدت عين الهوى، فزلزلت أرض التقى ونهض معمار الإيمان " وأَلْقَى في الأرضِ رواسيَ أنْ تميدَ بكُمْ " لاحت نظرة لبعض التائبين، فصاح:
حلفت بدين الحب لا خنت عهدكم ... وتلك يمين لو علمت غموس
إذا خيم سلطان المعرفة بقاع القلب، بث جنده في بقاع البدن، فصارت السباخ رياضاً لرياضة ساكن في القلب يعمره إذا نزل الحبيب ديار القلب لم يبق فيه نزالة.
وكان فؤادي خالياً قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن فنائك يبرح
رميت ببعد منك إن كنت كاذباً ... وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
أول منازل القوم، عزفت نفسي عن الدنيا، وأوسطها لو كشف الغطاء، ونهايتها ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه.
وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا وجدتك بين الجفن والحدق
وهل ينام حزينٌ موجعٌ قلقٌ ... أجفانه وكلت بالسهد والأرق
شغلت نفسي عن الدنيا ولذتها ... فأنت والروح شيء غير مفترق
فلم تعذبها بالصد يا أملي ... ارحم بقية ما فيها من الرمق
أرواح المحبين خرجت بالرياضة من أبدانها العادات، وهي في حواصل طير الشوق ترفرف على أطلال الوجد، وتسرح في رياض الأنس عند المحبين شغل عن الجنة فكيف يلتفتون إلى الدنيا؟، ما ترى عين المحبين إلا المحبوب، فبي يسمع وبي يبصر.
أنت عين العين إن نظرت ... ولسان الذكر إن ذكرا
أنت سمعي إن سمعت به ... أنت سر السر إن خطرا
ما بقي لي فيك جارحة ... كلها يا قاتلي أسرا
باتت قلوبهم يقلقها الوجد، فأصبحت دموعهم يسترها الجفن، فإذا سمعوا ناطقاً يهتف بذكر الحبيب، أخذ جزر الدمع في المد، من أقلقه الخوف، كيف يسكن؟ من أنطقه الحب، كيف يسكت؟، من آلمه البعد، كيف يصبر؟ سل عنهم الليل فعنده الخبر، أتدري كيف مر عليهم؟ أبلغك ما جرى لهم؟ أيعلم سال كيف بات المتيم؟، افترشوا بساط قيس، وباتوا بليل النابغة، إن ناحوا فأشجى من متيم، وإن ندبوا فأفصح من خنساء، اجتمعت أحزاب الأحزان، على قلب الخائف، فرمت كبداء الخوف الكبد فوصل نصل القلق ففلق حبة القلب فانقلب فصاح الوجد من شاء اقتطع، فلو رأيت فعل النهاية لرحمت المتمزق.
للمهيار:
أيها الرامي وما أجرى دماً ... لا تجنب قد أصبتُ الغرضا
اطلبوا للعين في أثنائه ... نظرةً تكحِلُها أو غُمُضا
طال حبس المحبين في الدنيا عن الحبيب، فضجت ألسن الشوق فلو تيقظت في الدجى سمعت أصوات أهل الحبوس.
للمصنف:
طال ليلي وداما ... ومنعت المناما
وجد الوجد عندي ... منذ بانوا مقاما
ليتهم حين راحوا ... ودعوا مستهاما
سار قلبي وجسمي ... لم يسر بل أقاما
لست أدري فؤادي ... إذ غذوا أين هاما
حبهم قرت قلبي ... منذ كنت غلاما
حملوا ضعف قلبي ... يذبلا وشماما
كم رموني برشقٍ ... وأحدوا سهاما
ما لعيني تبكي ... إن سمعت حمانا
كلما ناح رشت ... فظننت الغماما
هل نسيم لكربي ... أين ريح الخزامى
هجركم يا حبيبي ... كان موتاً زؤاما
أكل اللحم مني ... ثُم أبلى العظاما
صار ليلي نهاراً ... ونهاري ظلاما
إنما بتُّ أشكو ... لوعتي والغراما
فاعذروا أو فلوموا ... ما أبالي الملاما
إفرجوا عن طريقي ... قد خلعت اللجاما
ورميت سلاحي ... وكشفت اللثاما
أسعدوني فإني ... قد فنيت سقاما
الفصل الستون
إخواني، تفكروا في الذين رحلوا، أين نزلوا، وتذكروا أن القوم نوقشوا وسئلوا، واعلموا أنكم كما تعذلون، عذلوا ولقد ردوا بعد الفوات لو قبلوا.
لأبي العتاهية:
سألت الدار تخبرني ... عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي أناخ القوم ... أياماً وقد رحلوا
فقلت فأين أطلبهم؟ ... وأيّ منازلٍ نزلوا
فقالت بالقبور وقد ... لقوا والله ما فعلوا
أناسٌ غرّهم أملٌ ... فبادرهم به الأجل
فنوا وبقي على الأيام ... ما قالوا وما عملوا
وأثبت في صحائفهم ... قبيح الفعل والزلل
فلا يستعتبون ولا ... لهم ملجأ ولا حيل
ندامى في قبورهم ... وما يغني وقد حصلوا
أنت عين العين إن نظرت ... ولسان الذكر إن ذكرا
أنت سمعي إن سمعت به ... أنت سر السر إن خطرا
ما بقي لي فيك جارحة ... كلها يا قاتلي أسرا
باتت قلوبهم يقلقها الوجد، فأصبحت دموعهم يسترها الجفن، فإذا سمعوا ناطقاً يهتف بذكر الحبيب، أخذ جزر الدمع في المد، من أقلقه الخوف، كيف يسكن؟ من أنطقه الحب، كيف يسكت؟، من آلمه البعد، كيف يصبر؟ سل عنهم الليل فعنده الخبر، أتدري كيف مر عليهم؟ أبلغك ما جرى لهم؟ أيعلم سال كيف بات المتيم؟، افترشوا بساط قيس، وباتوا بليل النابغة، إن ناحوا فأشجى من متيم، وإن ندبوا فأفصح من خنساء، اجتمعت أحزاب الأحزان، على قلب الخائف، فرمت كبداء الخوف الكبد فوصل نصل القلق ففلق حبة القلب فانقلب فصاح الوجد من شاء اقتطع، فلو رأيت فعل النهاية لرحمت المتمزق.
للمهيار:
أيها الرامي وما أجرى دماً ... لا تجنب قد أصبتُ الغرضا
اطلبوا للعين في أثنائه ... نظرةً تكحِلُها أو غُمُضا
طال حبس المحبين في الدنيا عن الحبيب، فضجت ألسن الشوق فلو تيقظت في الدجى سمعت أصوات أهل الحبوس.
للمصنف:
طال ليلي وداما ... ومنعت المناما
وجد الوجد عندي ... منذ بانوا مقاما
ليتهم حين راحوا ... ودعوا مستهاما
سار قلبي وجسمي ... لم يسر بل أقاما
لست أدري فؤادي ... إذ غذوا أين هاما
حبهم قرت قلبي ... منذ كنت غلاما
حملوا ضعف قلبي ... يذبلا وشماما
كم رموني برشقٍ ... وأحدوا سهاما
ما لعيني تبكي ... إن سمعت حمانا
كلما ناح رشت ... فظننت الغماما
هل نسيم لكربي ... أين ريح الخزامى
هجركم يا حبيبي ... كان موتاً زؤاما
أكل اللحم مني ... ثُم أبلى العظاما
صار ليلي نهاراً ... ونهاري ظلاما
إنما بتُّ أشكو ... لوعتي والغراما
فاعذروا أو فلوموا ... ما أبالي الملاما
إفرجوا عن طريقي ... قد خلعت اللجاما
ورميت سلاحي ... وكشفت اللثاما
أسعدوني فإني ... قد فنيت سقاما
الفصل الستون
إخواني، تفكروا في الذين رحلوا، أين نزلوا، وتذكروا أن القوم نوقشوا وسئلوا، واعلموا أنكم كما تعذلون، عذلوا ولقد ردوا بعد الفوات لو قبلوا.
لأبي العتاهية:
سألت الدار تخبرني ... عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي أناخ القوم ... أياماً وقد رحلوا
فقلت فأين أطلبهم؟ ... وأيّ منازلٍ نزلوا
فقالت بالقبور وقد ... لقوا والله ما فعلوا
أناسٌ غرّهم أملٌ ... فبادرهم به الأجل
فنوا وبقي على الأيام ... ما قالوا وما عملوا
وأثبت في صحائفهم ... قبيح الفعل والزلل
فلا يستعتبون ولا ... لهم ملجأ ولا حيل
ندامى في قبورهم ... وما يغني وقد حصلوا
أين من كانت الألسن تهذي بهم لتهذيبهم، وأصبحت فلك الاختبار تجري بهم لتجريبهم، أقامت قيامتهم منادي الرحيل لتغري بهم لتغرييهم، فباتوا في القبور وحدانا لا أنيس لغريبهم، أين أهل الوداد الصافي في التصافي، أين الفصيح الذي إن شاء أنشأ في القول الصافي، أين قصورهم التي تضمنتها مدايح الشعراء صار ذكر القوى في القوافي، لقد نادى الموت أهل العوالي والقصور العوالي الطوافي، تأهبوا لقدومي فكم غرثان طوى في طوافي، رحل ذو المال وما أوصى في تفريق كدر أو صافي ، ولقي في مره أمراً مراً لا تبلغه أوصافي، ذاقوا طعام الآمال فانتزع من أفواههم يوم المآل، وعاد الخوى ف
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى