- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28462
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
المدهش في ذكر المواعظ - الفصل من ( 1 - 10 )
السبت 15 أكتوبر 2011, 20:18
المدهش
الباب الخامس: في ذكر المواعظ
وهذا الباب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول يختص بذكر القصص، والقسم الثاني فيه المواعظ والإشارات مطلقاً.
القسم الأول في القصص
وهو المختص بذكر القصص، وفيه ست وعشرون قصة
الفصل الأول
في قصة آدم عليه السلام
اعلموا أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام آخر الخلق، لأنه مهد الدار قبل الساكن، وأقام عذره قبل الزلل، بقوله في " الأرض " فظنت الملائكة أن تفضيله بنفسه، فضنت بالفضل عليه، فقالوا " أتجعل فيها " فقوبلوا بلفظ " إني أعلم " فلما صوره، ألفاه كاللقا، فلما عاين إبليس تلك الصورة، بات من الهم في سورة، فلما نفخ فيه الروح، بات الحاسد ينوح، ثم نودي في نادي الملائكة " اسجدوا لآدم " فتطهروا من غدير " لا علم لنا " وغودر الغادر بخساً بكبرياء " أنا خير " ثم حام العدو حول حمى المحمي، فلولا سابق القدر، ما قدر عليه، فلما نزل إلى الأرض، خدخد الفرح، بدمع الترح، حتى أقلق الوجود فجاء جبريل، فقال: ما هذا الجهد؟ فصاح لسان الوجد: للخفاجي:
ما رحلت العيش عن أرضكم ... فرأت عيناي شيئاً حسنا
هل لنا نحوكم من عودة ... ومن التعليل قولي هل لنا
يا آدم لا تجزع من كأس خطإ كان سبب كيسك، فلقد استخرج منك داء العجب، وألبسك رداء النسك، لو لم تذنبوا: للمتنبي:
لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجسام بالعلل
لا تحزن لقولي لك " اهبط منها " فلك خاتمتها، ولكن اخرج منها إلى مزرعة المجاهدة، وسق من دمعك، ساقية لشجرة ندمك، فإذا عاد العود أخضر، فعد: للبحتري:
إن جرى بيننا وبينك عتب ... أو تنأت منا ومنك الديارُ
فالغليل الذي عهدت مقيم ... والدموعُ التي شهدت غزارُ
وهذا الباب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول يختص بذكر القصص، والقسم الثاني فيه المواعظ والإشارات مطلقاً.
القسم الأول في القصص
وهو المختص بذكر القصص، وفيه ست وعشرون قصة
الفصل الأول
في قصة آدم عليه السلام
اعلموا أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام آخر الخلق، لأنه مهد الدار قبل الساكن، وأقام عذره قبل الزلل، بقوله في " الأرض " فظنت الملائكة أن تفضيله بنفسه، فضنت بالفضل عليه، فقالوا " أتجعل فيها " فقوبلوا بلفظ " إني أعلم " فلما صوره، ألفاه كاللقا، فلما عاين إبليس تلك الصورة، بات من الهم في سورة، فلما نفخ فيه الروح، بات الحاسد ينوح، ثم نودي في نادي الملائكة " اسجدوا لآدم " فتطهروا من غدير " لا علم لنا " وغودر الغادر بخساً بكبرياء " أنا خير " ثم حام العدو حول حمى المحمي، فلولا سابق القدر، ما قدر عليه، فلما نزل إلى الأرض، خدخد الفرح، بدمع الترح، حتى أقلق الوجود فجاء جبريل، فقال: ما هذا الجهد؟ فصاح لسان الوجد: للخفاجي:
ما رحلت العيش عن أرضكم ... فرأت عيناي شيئاً حسنا
هل لنا نحوكم من عودة ... ومن التعليل قولي هل لنا
يا آدم لا تجزع من كأس خطإ كان سبب كيسك، فلقد استخرج منك داء العجب، وألبسك رداء النسك، لو لم تذنبوا: للمتنبي:
لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجسام بالعلل
لا تحزن لقولي لك " اهبط منها " فلك خاتمتها، ولكن اخرج منها إلى مزرعة المجاهدة، وسق من دمعك، ساقية لشجرة ندمك، فإذا عاد العود أخضر، فعد: للبحتري:
إن جرى بيننا وبينك عتب ... أو تنأت منا ومنك الديارُ
فالغليل الذي عهدت مقيم ... والدموعُ التي شهدت غزارُ
ما زالت زلة الآكلة تعاده، حتى استولى داؤه على أولاده، فنمت هينمة الملائكة، بعبارة نظر العاقبة، فنشروا مطوى " أتجعل " قرعوا بعصي الدعاوي، ظهور العصاة، فقيل لهم: لو كنتم بين أفاعي الهوى وعقارب اللذات لبات سليمكم سليماً، فأبوا للجرآة إلا جرجرير الدعاوي، وحدثوا أنفسهم بالتقى بالتقاوي، فقيل: نقبوا عن خيار نقبائكم، وانتقوا ملك الملكوت، فما رأوا فيما رأوه لمثلها مثل هاروت وماروت، فأبى لسفر البلاء بالبلية، فما نزلا حتى نزلا من مقام العصمة، فنزلا منزل الدعوى، فركبا مركب البشرية، فمرت على المرئيين امرأة يقال لها الزهرة، بيدها مزهر زهرة الشهوة، فغنت الغانية بغنة اغن، فرأت قيان الهوى، فهوى الصوت في صوت قلب قلبيهما، فقلبهما عن تقوى التقويم، فانهار بناء عزم هاروت، وما رهم حزم ماروت، فأراداها على الردى فراوداها، وما قتل الهوى نفساً فوداها، فبسطت نطع التنطع على تحت التخيير، إما أن تشركا وإما أن تقتلا، وإما أن تشربا، فظنا سهولة الأمر في الخمر، وما فطنا، فلما امتد ساعد الخلاف فسقى فسقاً، فدخلا سكك السكر، فزلا في مزالق الزنا، فرآهما مع الشخصية شخص، فشخصا إليه فقتلا، فكشت فتنتهما في فئة الملائكة، فاتخذوا لتلك الواردة، ورداً من تضرع " ويستغفرون لمن في الأرض " .
الفصل الثاني
في بناء الكعبة
لما علا كعب الكعبة على سائر البقاع بقاع العلم، أبرزتها كف الإيجاد كالكاعب، قبل وجود الأرض، وكان آدم أول من ساس الأساس، ثم بيّت للبيت البيات، طواف الطوفان، فحل ما حل أزرار حلل الحلل، فلما هاجر الخليل بهاجر وابنها، أوضع بهما فوضعهما هنالك، وتولى راضياً بمن تولاه، يوم حرقوه، فقالت هاجر: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فرجعت متوكئة على منسأة التوكل على من لا ينسى، فجعلت تشرب ما معها من ماء، وترضع لبنها ابنها، فلما نفدا جعل إسماعيل يتلوى على رمض رمضان الصوم، فانطلقت لتبذل الجهود في مأمور " فامشوا في مناكبها " فصعدت بأقدام الصفا على الصفا، فلما أطلت الطلة على الطلل، توكفت طل روح ينقع الغلة، ثم جدت فجدت الجدد بالجد هابطة، فلما طرف طرف سيرها طرف طرف الوادي، رفعت طرف ذراعها، ثم وسعت خطاها وسعت للجهد بجهد ذراعها، ثم أتت المرأة المروة، وعادت إلى الصفا سبعا، فلذلك أمر المكلف أن يسعى، لأنه أثر قدم مقدام، لتصيب الأقدام، نصيباً من مواطي " فبهداهم اقتده " فسمعت صوتاً من صوب، فنزل الملك ليزيل النازلة، فهيا نزل النزيه، فزمزم ماء زمزم، ونزا نزواً لانز نزاً، فحصحص الماء في صحصح الحصى، فامتدت كف الحرص، فلفقت كالحوض، فقيل لها ليس هذا الماء من كيس كسبك فما هذا المذاق من حرص فعلك، ولو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً، فمرت رفقة من جُرهم، جرَّهم سؤال " فاجعل أفئدة من الناس " فأقاموا.
واشتاق الخليل إلى ابنه، فاستاق راحلة الرحيل، فاشترط لسان غيرة سارة، أن لا تزال عن مكانة " وإبراهيم الذي وفَّى " فقدمت زوجة إسماعيل إليه المقام فقدت فيه قدمه وغابت رجل الرجل فحولته إلى يساره، فسرت إليه اليسرى، فهيت دليل الإرشاد بالقاصدين " واتخِذوا من مقام إبراهيم مُصلَّى " فلما أمرا ببناء البيت حار من لا يعلم مراد الآمر، فإذا سحابة تسحب ذيل الدليل، قد قدَّها المهندس القدري على قدر البيت، فوقفت فنادت يا إبراهيم: علِّم على ظلي، فلما علَّم كما علِم، هبت فذهبت فسُرَّ بما فُسِّر له من مشكل الشكل، فذلك سرُّ " وإذا بوَّأْنا " فجعلا مكان استراحة البناء المعنى " ربنا تقبَّل منا " فلما فرغا، فغرا فم السؤال، يرتشفان ضرع الضراعة " وأرنا مناسكنا " فلما شرفت الكعبة بإضافة " وطهِّرا بيتي " قصدها فوج الفيل، فقيل مرادهم، لما باتوا على ما بيتوا، أقبل الطير الذي رمى كالغمام، فكانت قطراته للحصاد، لا للبذر، فأصبح لزرع الأجساد كالمنجل الهاشم، ليكون معجزاً لظهور نبي بني هاشم، فأمسوا في بيدر الدِّيّاس " كعصفٍ مأكول " .
الفصل الثالث
في قصة نوح عليه السلام
الفصل الثاني
في بناء الكعبة
لما علا كعب الكعبة على سائر البقاع بقاع العلم، أبرزتها كف الإيجاد كالكاعب، قبل وجود الأرض، وكان آدم أول من ساس الأساس، ثم بيّت للبيت البيات، طواف الطوفان، فحل ما حل أزرار حلل الحلل، فلما هاجر الخليل بهاجر وابنها، أوضع بهما فوضعهما هنالك، وتولى راضياً بمن تولاه، يوم حرقوه، فقالت هاجر: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فرجعت متوكئة على منسأة التوكل على من لا ينسى، فجعلت تشرب ما معها من ماء، وترضع لبنها ابنها، فلما نفدا جعل إسماعيل يتلوى على رمض رمضان الصوم، فانطلقت لتبذل الجهود في مأمور " فامشوا في مناكبها " فصعدت بأقدام الصفا على الصفا، فلما أطلت الطلة على الطلل، توكفت طل روح ينقع الغلة، ثم جدت فجدت الجدد بالجد هابطة، فلما طرف طرف سيرها طرف طرف الوادي، رفعت طرف ذراعها، ثم وسعت خطاها وسعت للجهد بجهد ذراعها، ثم أتت المرأة المروة، وعادت إلى الصفا سبعا، فلذلك أمر المكلف أن يسعى، لأنه أثر قدم مقدام، لتصيب الأقدام، نصيباً من مواطي " فبهداهم اقتده " فسمعت صوتاً من صوب، فنزل الملك ليزيل النازلة، فهيا نزل النزيه، فزمزم ماء زمزم، ونزا نزواً لانز نزاً، فحصحص الماء في صحصح الحصى، فامتدت كف الحرص، فلفقت كالحوض، فقيل لها ليس هذا الماء من كيس كسبك فما هذا المذاق من حرص فعلك، ولو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً، فمرت رفقة من جُرهم، جرَّهم سؤال " فاجعل أفئدة من الناس " فأقاموا.
واشتاق الخليل إلى ابنه، فاستاق راحلة الرحيل، فاشترط لسان غيرة سارة، أن لا تزال عن مكانة " وإبراهيم الذي وفَّى " فقدمت زوجة إسماعيل إليه المقام فقدت فيه قدمه وغابت رجل الرجل فحولته إلى يساره، فسرت إليه اليسرى، فهيت دليل الإرشاد بالقاصدين " واتخِذوا من مقام إبراهيم مُصلَّى " فلما أمرا ببناء البيت حار من لا يعلم مراد الآمر، فإذا سحابة تسحب ذيل الدليل، قد قدَّها المهندس القدري على قدر البيت، فوقفت فنادت يا إبراهيم: علِّم على ظلي، فلما علَّم كما علِم، هبت فذهبت فسُرَّ بما فُسِّر له من مشكل الشكل، فذلك سرُّ " وإذا بوَّأْنا " فجعلا مكان استراحة البناء المعنى " ربنا تقبَّل منا " فلما فرغا، فغرا فم السؤال، يرتشفان ضرع الضراعة " وأرنا مناسكنا " فلما شرفت الكعبة بإضافة " وطهِّرا بيتي " قصدها فوج الفيل، فقيل مرادهم، لما باتوا على ما بيتوا، أقبل الطير الذي رمى كالغمام، فكانت قطراته للحصاد، لا للبذر، فأصبح لزرع الأجساد كالمنجل الهاشم، ليكون معجزاً لظهور نبي بني هاشم، فأمسوا في بيدر الدِّيّاس " كعصفٍ مأكول " .
الفصل الثالث
في قصة نوح عليه السلام
لما عم أهل الأرض العمى عما خلقوا له، بعث نوح بجلاء أبصار البصائر، فمكث يداويهم " ألف سنة إلا خمسين عاماً " فكلهم أبصر ولكن عن المحجة تعالى، فلاح لللاحي عدم فلاحهم، فولاهم الصلا يأساً من صلاحهم. وبعث شكاية الأذى، في مسطور " إنهم عصوني " فأذن مؤذن الطرد، على باب دار إهدار دمائهم " إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن " فقام نوح في محراب " لا تذر " فأتته رسالة " أن اصنع " ونادى بريد الإعلام بالغضب " ولا تخاطبني " فلما أن هال كئيب الإمهال، وانقطع سلك التأخير. غربت شمس الانتظار، فادلهمت عقاب العقاب فلما انسدلت الظلمة، وفات النور " فار التنور " فقيل يا نوح: قد حان حين الحين، فاحمل " فيها من كل زوجين اثنين " ، فتخلف خلف نوح خلف من ولده، فمد يد الحنو ليأخذ بيده " يا بني اركب معنا " فأجاب عن ضمير خايض في مساء المساوي " سآوي " فرد عليه لسان الوعيد " لا عاصم " فلما انتقم من العصاة بما يكفي، كفت كف النجاة كفة الأرض بقسر " ابلعي " وقلع جذع جزع السماء في وكف دمعها بظفر " أقلعي " ونوديت نجاة الجودي جودي، بإنجاء غرقى السير، وزود الهالكون في سفر الطرد زاد " وقيل بُعداً " .
الفصل الرابع
في قصة عاد
لما تجبر قوم عاد في ظل ظلل ضلالهم حين أملى الأمل، وطول البقاء وزوى ذكر زوالهم، ومروا في مشارع عذاب الملاهي، ناسين من عذابها، رافلين في حلل الغفلة بالأمنية عن المنية وآدابها، أقبل هود يهديهم، ويناديهم في ناديهم " اعبدوا الله " فبرزوا في عتو " من أشدُّ منّا قوة " فسحب سحاب العذاب، ذيل الأدبار، بإقباله إلى قبالتهم، فظنوه لما اعترض عارض مطر، فتهادوا تباشير البشارة، بتهادي بشارة " هذا عارض ممطرنا " فصاح بلبل البلبال فبلبل " بل هو ما استعجلتم به " فكان كلما دنا وترامى، ترى ما كان " كأن لم يكن " فحنظلت شجرات مشاجرتهم هوداً، فجنى من جنى، من جنا ما جنى في مغنى " فما أغنى عنهم سمعهم " فراحت ريح الدبور، لكي تسم الأدبار بكي الإدبار، فعجوا منها عجيج الأدبر، فلم تزل تكوي تكوينهم، بميسم العدم، وتلوي تلوينهم إلى حياض دم الندم، وتكفأ عليهم الرمال، فتكفي تكفينهم، وتبرزهم إلى البراز، عن صون حصون، كن يقيناً يقينهم فإذا أصبحت أخذت تنزع في قوس " تنزع الناس " وإذا أمست، أوقعت عريضهم في عرض " كأنهم أعجاز نخل " فما برحت بارحهم عن براحهم، حتى برّحت بهم، ولا أقلعت حتى قلعت قلوع قلاعهم، فدامت عليهم أفة وداء، لا تقبل فداء " سبع ليال وثمانية أيام حسوماً " فحسوا ما آذاقهم من سوء ما حسوا ما، ونسفوا في قفر " ألا بعداً " إلى يم " واتبعوا " فلو عبرتَ في معبر الاعتبار، لترى ما آل إليه مآلهم، لرأيت التوى، كيف التوى عليهم، وكف النوى كيف نوى الدنو إليهم، فانظر إلى عواقب الخلاف فإنه شاف كاف.
الفصل الخامس
في قصة ثمود
لما أعرضت ثمود عن كل فعل صالح، بعث إليهم للإصلاح، صالح، فتعنت عليه ناقة أهوائهم بطلب ناقة، فخرجت من صخرة صماء تقبقب ثم فصل عنها فصيلٌ يرغو، فأرتعت حول نهي نهيهم عنها في حمى حماية " ولا تمسوها " فاحتاجت إلى الماء، وهو قليل عندهم، فقال حاكم الوحي " لها شِرْب " فكانت يوم وردها، تقضي دين الماء، بماء درها، فاجتمعوا في حلة الحيلة، على شاطئ غدير الغدر، فدار قدار حول عطن " فتعاطى " فصاب عليهم صيّب صاب صاع صاعقة العذاب الهون، فحين دنا وديدن، دمغهم دمار فدمدم، فأصبحت المنازل، لهول ذلك النازل " كأن لم تغن بالأمس " .
الفصل السادس
في قصة الخليل عليه السلام
الفصل الرابع
في قصة عاد
لما تجبر قوم عاد في ظل ظلل ضلالهم حين أملى الأمل، وطول البقاء وزوى ذكر زوالهم، ومروا في مشارع عذاب الملاهي، ناسين من عذابها، رافلين في حلل الغفلة بالأمنية عن المنية وآدابها، أقبل هود يهديهم، ويناديهم في ناديهم " اعبدوا الله " فبرزوا في عتو " من أشدُّ منّا قوة " فسحب سحاب العذاب، ذيل الأدبار، بإقباله إلى قبالتهم، فظنوه لما اعترض عارض مطر، فتهادوا تباشير البشارة، بتهادي بشارة " هذا عارض ممطرنا " فصاح بلبل البلبال فبلبل " بل هو ما استعجلتم به " فكان كلما دنا وترامى، ترى ما كان " كأن لم يكن " فحنظلت شجرات مشاجرتهم هوداً، فجنى من جنى، من جنا ما جنى في مغنى " فما أغنى عنهم سمعهم " فراحت ريح الدبور، لكي تسم الأدبار بكي الإدبار، فعجوا منها عجيج الأدبر، فلم تزل تكوي تكوينهم، بميسم العدم، وتلوي تلوينهم إلى حياض دم الندم، وتكفأ عليهم الرمال، فتكفي تكفينهم، وتبرزهم إلى البراز، عن صون حصون، كن يقيناً يقينهم فإذا أصبحت أخذت تنزع في قوس " تنزع الناس " وإذا أمست، أوقعت عريضهم في عرض " كأنهم أعجاز نخل " فما برحت بارحهم عن براحهم، حتى برّحت بهم، ولا أقلعت حتى قلعت قلوع قلاعهم، فدامت عليهم أفة وداء، لا تقبل فداء " سبع ليال وثمانية أيام حسوماً " فحسوا ما آذاقهم من سوء ما حسوا ما، ونسفوا في قفر " ألا بعداً " إلى يم " واتبعوا " فلو عبرتَ في معبر الاعتبار، لترى ما آل إليه مآلهم، لرأيت التوى، كيف التوى عليهم، وكف النوى كيف نوى الدنو إليهم، فانظر إلى عواقب الخلاف فإنه شاف كاف.
الفصل الخامس
في قصة ثمود
لما أعرضت ثمود عن كل فعل صالح، بعث إليهم للإصلاح، صالح، فتعنت عليه ناقة أهوائهم بطلب ناقة، فخرجت من صخرة صماء تقبقب ثم فصل عنها فصيلٌ يرغو، فأرتعت حول نهي نهيهم عنها في حمى حماية " ولا تمسوها " فاحتاجت إلى الماء، وهو قليل عندهم، فقال حاكم الوحي " لها شِرْب " فكانت يوم وردها، تقضي دين الماء، بماء درها، فاجتمعوا في حلة الحيلة، على شاطئ غدير الغدر، فدار قدار حول عطن " فتعاطى " فصاب عليهم صيّب صاب صاع صاعقة العذاب الهون، فحين دنا وديدن، دمغهم دمار فدمدم، فأصبحت المنازل، لهول ذلك النازل " كأن لم تغن بالأمس " .
الفصل السادس
في قصة الخليل عليه السلام
كان الكهنة قد حذرت نمرود وجود محارب غالب، ففرق بين الرجال والنساء، فحمل به على رغم أنف اجتهاده، فلما خاض المخاض في خضم أم إبراهيم وجعلت بين خيف الخوف وحيز التحيز تهيم، فوضعته في نهر قد يبس، وسترته بالحلفاء ليلتبس، وكانت تختلف لرضاعه، وقد سبقها رضاع " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل " فلما بلغ سبع سنين، رأى قومه في هزل " وجدنا آباءنا " فجادلهم فجدّلهم فجدلهم وأبرز نور الهدى في حجة " ربي الذي يحيي ويميت " فقابله نمرود، بسهى السهو في ظلام " أنا أحيي " فألقاه كاللقا، على عجز العجز، بآفات " فأت بها، فبهت " ثم دخل دار الفراغ " فراغ عليهم " فجردوه من بُرد بَرد العدل، إلى حر " حرِّقوه " فبنوا لسفح دمه بنياناً إلى سفح جبل، فاحتطبوا له على عجل العجل، فوضعوه في كفة المنجنيق، فاعترضه جبريل، في عرض الطريق فناداه وهو يهوي في ذلك الفلا: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، فسبق بريد الوحي إلى النار، بلسان التفهيم " كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " .
الفصل السابع
في قصة الذبيح عليه السلام
لما ابتلي الخليل بالنمرود فسلم، وبالنار فسلم، امتد ساعد البلاء إلى الولد المساعد، فظهرت عند المشاورة نجابة " افعل ما تؤمر " وآب يوصي الأب: اشدد باطي ليمتنع ظاهري من التزلزل، كما سكن قلبي مسكن السكون، واكفف ثيابك عن دمي لئلا يصبغها عندمي فتحزن لرؤيته أمي، واقرأ السلام عليها مني، فقال: نعم العون أنت يا بني ثم أمر السكين على مريئي المرء فما مرت، غير أن حسرات الفراق للعيش أمرت، فطعن بها في الحلق مرات، فنبت، لكن حب حب الرضا في حبة القلب نبت، يا إبراهيم من عادة السكين أن تقطع، ومن عادة الصبي أن يجزع، فلما نسخ الذبيح نسخة الصبر، ومحا سطور الجزع، قلبنا عادة الحديد، فما مر ولا قطع، وليس المراد من الابتلاء أن نعذب، ولكن نبتلي لنهذب.
أين المعتبرون بقصتهما في غصتهما، لقد حصحص الأجر في حصتهما، لما جعلا الطاعة إلى الرضا سُلّماً، سل ما يؤذي فسلما، وكلما كلما حاجب كلم كل ما به تذبحان، فصد ما به صدما، بينا هما على تل " وتلَّه " جاء بشير " قد صدَّقتَ الرؤيا " فارتد أعمى الحزن بصيراً بقميص " وفديناه " . ليس العجيب أمر الخليل بذبح ولده، وإنما العجب مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور.
الفصل الثامن
في قصة ذي القرنين
قطع ذي القرنين الأرض وأقطعها فمر سالكاً مسلكاً ما فت سبسبه فتى " فأتْبع سبباً " فشمر مشمراً ما تلفت، حتى لفت شملة جمع شمله بالشمس في عين حمئه، فلما أفرغ غرب الغرب على غارب الغربة مشى نحو المشارق، ولم يزل يحوز الكنوز، ويجوز إلى قتل من يجوز، إلى أن طلعت طلايعه الطلعة على مطلع الشمس، فأبرز نير عدله المشرق في المَشرِق، ثم رأى باقي عرضه في دمه مقدار مقدرته كالدين، فسلك بين السدين، فلما حشى حشا الجبلين بالزبر، ولج المفسدون قسر قصراهم، على مضض " فما استطاعوا " عجباً له كم اقتنى من أصقع وأقنف، وكم أسعف بأغشى وأسعف وكم لطى له من لطيم وأخيف، وكم سعى به من أكسع، وقفز به من أقفز، ومشى به في محجة المشرق محجل، وطرق به طريق المغرب مغرب، كم صحبه من سايف ونابل وسالح، كم تبعه من في السلاح كافر، غير شاك في الصلاح ولا كافر، فما درأ عنه الأد المودى له مود، ولا دارى عن داره الدوائر دارع، ولا رد عنه ورد ولا كميت، إذ ورد عليه ما تركه كميّت، ولا فرّ به من منيته سابق، ولا سكيت، فكأنه إذ مات ما تحرك على حارك فرس، ولا شاك شاكلته بشولحة عقب، بل مر كأنه لم يكن، وذل للموت وقبلها لم يهن، فتلمح آخر الدنيا إن كنت تدري، وانظر في أي بحر إلى الهلاك تجري، وأصخ لخطاب الخطوب، وافهم ما يجري، وكن على أهبة فهذي الركاب تسري.
للشريف الرضي:
أو ما رأيت وقائع الدهر ... أفلا تسيء الظن بالعمرِ
بينا الفتى كالطودِ تمنعه ... هضباته والعصْب ذي الأثْرِ
يأبى الدنيةَ في عشيرته ... ويجاذبُ الأيدي على الفخرِ
وإذا أشار إلى قبائله ... حشدتْ عليه بأوجهٍ غُرِّ
زل الزمان بوطء أخمصه ... ومواطئ الأقدام للعثْرِ
نزع الإباءَ وكان شملته ... وأقرَّ إقراراً على صُغرِ
الفصل السابع
في قصة الذبيح عليه السلام
لما ابتلي الخليل بالنمرود فسلم، وبالنار فسلم، امتد ساعد البلاء إلى الولد المساعد، فظهرت عند المشاورة نجابة " افعل ما تؤمر " وآب يوصي الأب: اشدد باطي ليمتنع ظاهري من التزلزل، كما سكن قلبي مسكن السكون، واكفف ثيابك عن دمي لئلا يصبغها عندمي فتحزن لرؤيته أمي، واقرأ السلام عليها مني، فقال: نعم العون أنت يا بني ثم أمر السكين على مريئي المرء فما مرت، غير أن حسرات الفراق للعيش أمرت، فطعن بها في الحلق مرات، فنبت، لكن حب حب الرضا في حبة القلب نبت، يا إبراهيم من عادة السكين أن تقطع، ومن عادة الصبي أن يجزع، فلما نسخ الذبيح نسخة الصبر، ومحا سطور الجزع، قلبنا عادة الحديد، فما مر ولا قطع، وليس المراد من الابتلاء أن نعذب، ولكن نبتلي لنهذب.
أين المعتبرون بقصتهما في غصتهما، لقد حصحص الأجر في حصتهما، لما جعلا الطاعة إلى الرضا سُلّماً، سل ما يؤذي فسلما، وكلما كلما حاجب كلم كل ما به تذبحان، فصد ما به صدما، بينا هما على تل " وتلَّه " جاء بشير " قد صدَّقتَ الرؤيا " فارتد أعمى الحزن بصيراً بقميص " وفديناه " . ليس العجيب أمر الخليل بذبح ولده، وإنما العجب مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور.
الفصل الثامن
في قصة ذي القرنين
قطع ذي القرنين الأرض وأقطعها فمر سالكاً مسلكاً ما فت سبسبه فتى " فأتْبع سبباً " فشمر مشمراً ما تلفت، حتى لفت شملة جمع شمله بالشمس في عين حمئه، فلما أفرغ غرب الغرب على غارب الغربة مشى نحو المشارق، ولم يزل يحوز الكنوز، ويجوز إلى قتل من يجوز، إلى أن طلعت طلايعه الطلعة على مطلع الشمس، فأبرز نير عدله المشرق في المَشرِق، ثم رأى باقي عرضه في دمه مقدار مقدرته كالدين، فسلك بين السدين، فلما حشى حشا الجبلين بالزبر، ولج المفسدون قسر قصراهم، على مضض " فما استطاعوا " عجباً له كم اقتنى من أصقع وأقنف، وكم أسعف بأغشى وأسعف وكم لطى له من لطيم وأخيف، وكم سعى به من أكسع، وقفز به من أقفز، ومشى به في محجة المشرق محجل، وطرق به طريق المغرب مغرب، كم صحبه من سايف ونابل وسالح، كم تبعه من في السلاح كافر، غير شاك في الصلاح ولا كافر، فما درأ عنه الأد المودى له مود، ولا دارى عن داره الدوائر دارع، ولا رد عنه ورد ولا كميت، إذ ورد عليه ما تركه كميّت، ولا فرّ به من منيته سابق، ولا سكيت، فكأنه إذ مات ما تحرك على حارك فرس، ولا شاك شاكلته بشولحة عقب، بل مر كأنه لم يكن، وذل للموت وقبلها لم يهن، فتلمح آخر الدنيا إن كنت تدري، وانظر في أي بحر إلى الهلاك تجري، وأصخ لخطاب الخطوب، وافهم ما يجري، وكن على أهبة فهذي الركاب تسري.
للشريف الرضي:
أو ما رأيت وقائع الدهر ... أفلا تسيء الظن بالعمرِ
بينا الفتى كالطودِ تمنعه ... هضباته والعصْب ذي الأثْرِ
يأبى الدنيةَ في عشيرته ... ويجاذبُ الأيدي على الفخرِ
وإذا أشار إلى قبائله ... حشدتْ عليه بأوجهٍ غُرِّ
زل الزمان بوطء أخمصه ... ومواطئ الأقدام للعثْرِ
نزع الإباءَ وكان شملته ... وأقرَّ إقراراً على صُغرِ
صدْعُ الردى أعيى تلاحمه ... مَن ألحم الصدفين بالقِطرِ
جرّ الجياد على الوجى ومضى ... أمماً يدق السهل بالوعرِ
حتى التقى بالشمس مغمده ... في قعر منقطعٍ من البحرِ
ثم انثنت كفُ المنون به ... كالضغث بين الناب والظُفرِ
لم تشتجر عنه الرماح ولا ... رد القضاءَ بماله الدثرِ
جمع الجنود وراءه فكأنما ... لاقته وهو مُضيِّعُ الظهرِ
وبنى الحصون ممتعاً فكأنما ... أمسى بمضيعة ولا يدري
ويرى المعابل للعدى فكأنما ... لحمامه كان الذي يبري
أودى وما أودت مناقبه ... ومن الرجال مُعمّرُ الذكرِ
إن التوقي فضل معجزة ... فدعِ القضاء يقُدُّ أو يفري
تحمي المطاعم للبقاء وذي ... الآجال ملؤ فروجها تحزي
لو كان حُفظ النفس ينفعها ... كان الطبيب أحق بالعمرِ
الداء داء لا دواء له ... سيان ما يوبي وما يُمري
الفصل التاسع
في قصة قوم لوط
لما تهاوى قوم لوط في هوة أهوائهم وتنادوا في جهات جهلهم، " أخرِجوا آلَ لوط " بعثت الأملاك لانتزاع ملاك الحياة من أيديهم، فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل، وهم في أفسح بيت نبي من الكرم، غير أن حارس حِذْرِه ينادي " وضاق بهم ذرعاً " فخاف من قومه أذاهم " فإذا هم يهرعون " فأخذ يدافع، تارة بمشورة " هؤلاء بناتي " وتارة بتقاة " فاتقوا الله " وتارة بسؤال " ولا تُخْزون " وتارة بتوبيخ " أليسَ منكم " فلما كلَّ كلُّ سلاحه، وأعيته جهات جهاده، أن برمز " لو أن لي بكم قوة " فحجبهم جبريل بحجاب " فطمسنا " وانتاشه من أسر الغنم بلفظ " فأسرِ " فلما علم أن الملأ ملائكة، تشوق إلى تعجيل التعذيب، فنادت عواطف الحلم " أليس الصبح بقريب " فسار بأهله على أعجاز نجائب النجاة، إلا عجوز العجز عن عرفان المعجز فإنها لحقت بالعجزة، فلما لاح مصباح الصباح، احتمل جبريل قرى من جنى على قرى جناحه، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء، ولم يرق في صعود صعودهم ماء، فلما سمع أهل السماء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم في انقلابهم، فتفكروا بالقلب، كيف جوزوا على قلب الحكمة بالقلب، ثم بعث إليهم سحاب فشصا بالشصائص واحزال ثم ال إليهم، فاكفهرت بالغضب أرجاؤه، وأحومت بالسخط أرجاؤه، وابذعرت فعرت بوارقه، وارتتقت في جو الجوى جوبه، واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه، فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أن يهمي فهمهم، في دوى بأدواء في دو دورانه فأظلم، وركد كيده فلم تكد قلوعه تقلع حتى قلعهم حينه حين أثجم، فما أرك ولا دث ولا بغض. بل قطقط فأفرط، وعم عميمه حين أغمط، فتقاطر على قطرهم من قطرة قطر الحجارة، وبغتهم في غرة غرتهم بالغرور حين شن الغارة، تالله لقد ضكضك العذاب، فضعضعهم فتضعضعوا، وانقض بقضه وقضيضه، فقضقض عظام عظامهم، وقطعها فتقطعوا، وسار بهم على طرفسان عقاب العقاب، إلى عوطب العطب فاهرمعوا، وكانوا في كن صافي الصفاة، فمروا إلى مر الملق فانفرنقعوا، وهمس هميسعهم وهل لمثلهم إلا الوهل والوهى، ولات حين مناص فادرنقعوا، وبرقط المخرنشم بعد أن بهنس، وبلطط فبلطح وحزن المبرنشق بعد أن زهزق، فبلسم وكلح، فأجيل على ذلك الجيل، سجل السجيل، فما برح حتى برح، ودار هاتف العبرة، على دارس دارهم ينادي " ولقد تركنا منها آيةً " .
فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وعيد " وما هي مِنَ الظالمين ببعيد " قبل غصص الجرض، وألم الحرض، عند حلول المرض، حين يعتقل اللسان، ويتحير الإنسان، وتسيل الأجفان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، فيا عجباً. كيف ألفى لذة العيش الفاني الفان، وقد مر فأمر كل ما كان " كلُّ من عليها فان " .
الفصل العاشر
في قصة يوسف عليه السلام
جرّ الجياد على الوجى ومضى ... أمماً يدق السهل بالوعرِ
حتى التقى بالشمس مغمده ... في قعر منقطعٍ من البحرِ
ثم انثنت كفُ المنون به ... كالضغث بين الناب والظُفرِ
لم تشتجر عنه الرماح ولا ... رد القضاءَ بماله الدثرِ
جمع الجنود وراءه فكأنما ... لاقته وهو مُضيِّعُ الظهرِ
وبنى الحصون ممتعاً فكأنما ... أمسى بمضيعة ولا يدري
ويرى المعابل للعدى فكأنما ... لحمامه كان الذي يبري
أودى وما أودت مناقبه ... ومن الرجال مُعمّرُ الذكرِ
إن التوقي فضل معجزة ... فدعِ القضاء يقُدُّ أو يفري
تحمي المطاعم للبقاء وذي ... الآجال ملؤ فروجها تحزي
لو كان حُفظ النفس ينفعها ... كان الطبيب أحق بالعمرِ
الداء داء لا دواء له ... سيان ما يوبي وما يُمري
الفصل التاسع
في قصة قوم لوط
لما تهاوى قوم لوط في هوة أهوائهم وتنادوا في جهات جهلهم، " أخرِجوا آلَ لوط " بعثت الأملاك لانتزاع ملاك الحياة من أيديهم، فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل، وهم في أفسح بيت نبي من الكرم، غير أن حارس حِذْرِه ينادي " وضاق بهم ذرعاً " فخاف من قومه أذاهم " فإذا هم يهرعون " فأخذ يدافع، تارة بمشورة " هؤلاء بناتي " وتارة بتقاة " فاتقوا الله " وتارة بسؤال " ولا تُخْزون " وتارة بتوبيخ " أليسَ منكم " فلما كلَّ كلُّ سلاحه، وأعيته جهات جهاده، أن برمز " لو أن لي بكم قوة " فحجبهم جبريل بحجاب " فطمسنا " وانتاشه من أسر الغنم بلفظ " فأسرِ " فلما علم أن الملأ ملائكة، تشوق إلى تعجيل التعذيب، فنادت عواطف الحلم " أليس الصبح بقريب " فسار بأهله على أعجاز نجائب النجاة، إلا عجوز العجز عن عرفان المعجز فإنها لحقت بالعجزة، فلما لاح مصباح الصباح، احتمل جبريل قرى من جنى على قرى جناحه، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء، ولم يرق في صعود صعودهم ماء، فلما سمع أهل السماء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم في انقلابهم، فتفكروا بالقلب، كيف جوزوا على قلب الحكمة بالقلب، ثم بعث إليهم سحاب فشصا بالشصائص واحزال ثم ال إليهم، فاكفهرت بالغضب أرجاؤه، وأحومت بالسخط أرجاؤه، وابذعرت فعرت بوارقه، وارتتقت في جو الجوى جوبه، واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه، فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أن يهمي فهمهم، في دوى بأدواء في دو دورانه فأظلم، وركد كيده فلم تكد قلوعه تقلع حتى قلعهم حينه حين أثجم، فما أرك ولا دث ولا بغض. بل قطقط فأفرط، وعم عميمه حين أغمط، فتقاطر على قطرهم من قطرة قطر الحجارة، وبغتهم في غرة غرتهم بالغرور حين شن الغارة، تالله لقد ضكضك العذاب، فضعضعهم فتضعضعوا، وانقض بقضه وقضيضه، فقضقض عظام عظامهم، وقطعها فتقطعوا، وسار بهم على طرفسان عقاب العقاب، إلى عوطب العطب فاهرمعوا، وكانوا في كن صافي الصفاة، فمروا إلى مر الملق فانفرنقعوا، وهمس هميسعهم وهل لمثلهم إلا الوهل والوهى، ولات حين مناص فادرنقعوا، وبرقط المخرنشم بعد أن بهنس، وبلطط فبلطح وحزن المبرنشق بعد أن زهزق، فبلسم وكلح، فأجيل على ذلك الجيل، سجل السجيل، فما برح حتى برح، ودار هاتف العبرة، على دارس دارهم ينادي " ولقد تركنا منها آيةً " .
فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وعيد " وما هي مِنَ الظالمين ببعيد " قبل غصص الجرض، وألم الحرض، عند حلول المرض، حين يعتقل اللسان، ويتحير الإنسان، وتسيل الأجفان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، فيا عجباً. كيف ألفى لذة العيش الفاني الفان، وقد مر فأمر كل ما كان " كلُّ من عليها فان " .
الفصل العاشر
في قصة يوسف عليه السلام
لما تمكن الحسد من قلوب أخوة يوسف، أرى الظلوم مال الظالم في مرآة " إني رأيت أحد عشر كوكباً " فتلطفوا بخداع " ما لك لا تأمنّا " وشوقوا يوسف إلى رياض " نرتع ونلعب " فلما أصحروا أظهروا المقت له، ورموا بسهم العدوان مقتله، ففسخ نهار رفقهم به ليلَ انتهارهم له، فصاح يهودا، في بقايا شفق الشفقة وأغباش غيابة الجب " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابةِ الجُب " فلما ألقوه، وقالوا هلك، جاء ملك من عند ملك، يقول: ستبلغ أملك " لتنبئنَّهُم " فعادوا عمن عادوا كالأعشى " عِشاءً يبكون " ولطخوا قميصه الصحيح " بدمٍ كَذِب " فلاحت علامة سلامة القميص كي يظهر كيدهم، فقال حاكم الفراسة " بل سوَّلتْ " .
فلما ورد وارد السيارة، باعوا الصدفة ولم يتلمحوا الدرة، واعجبا لقمر قومر به، فلما وصل إلى مصر تفرس فيه العزيز، فأجلسه على أعزاز " أكرمي " فشغف قلب سيدته وفرى " فراودته " فسار بأقدام الطبع في فلاة غفلات " همَّت به وهمَّ بها " رد " لولا أن رأى " فأنقذ قوى الفرار وما استبقى " فاستبقا " فانبسطت يد العدوان وامتدت " وقدَّت " فلما بانت حجته في إبان " وشهد شاهد " أخذت تزكي مصراة الإصرار، بيمين يمين " ولئن لم يفعل " فاختارت درة فهمه، صدفة الحبس لجهل الناقد " ربِّ السجن أحبُّ إليَّ " فلما ضاق قفص الحصر، على بلبل الطبع ترنم بصوت " اذكرني " فعوقب بإيثاق باب " فلبث في السجن " فلما آن أوان الفرج، خرج إلى الملك.
هذا ويعقوب مفترض فراش الأسى على حزن الحزن، لا يستلذ نوماً ولا سِنة، ثمانين سنة، حتى نحل البدن، وذهب البصر:
لم يبق بعدكم رسم ولا طللُ ... إلا وللشوق في حافاته عملُ
إذا شممت نسيماً من بلادكم ... فقدت عقلي كأني شاربٌ ثملُ
فلما عمَّ عامُ القحط أرض كنعان، خرج أخوته لطلب الميرة، فدخلوا عليه في ظلام ظلمهم، فرآهم المظلوم بعين " لتنبئنَّهم " وخفي عليهم نعمة " اقتلوا يوسف " فأقبل عليهم سائلاً، وأقبل الدمع سايلاً وتقلقل تقلقُلَ الواجد، ليسمع أخبار الوالد:
إيه أحاديث نعمان وساكنه ... إن الحديث عن الأحباب أسمارُ
أفتش الريح عنكم كلما نفحت ... من نحو أرضكم نكباء معطارُ
فقالوا: جئنا من أرض كنعان، ولنا شيخ يقال له يعقوب، وهو يقرأ عليه السلام، فلما سمع رسالة أبيه، انتفض طائر الوجد لذكر الحبيب:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
فرد السلام قلبه قبل لسانه، وشغله وكف شانه عن شانه، وقال مقول إبدائه بعبارة صعدائه:
خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى ... فلاقى به ليلاً نسيم ربى نجدِ
فإن بذاك الجو حباً عهدته ... وبالرغم مني أن يطول به عهدي
ثم إنه طلب آخاه، فاحتالوا بحجة " مُنع منّا الكيل " فلما حملوا حال بينهم وبينه، بحيلة " جعل السقاية " فلما دخل وقت التهمة " أذَّن مؤذِّن " فعادوا إلى أبيهم بشجى على شجن، وقرحٍ على جرح، وعقر على عقر في عقر، فقام وقد تقوس، وعسى على باب " عسى " ثم بعثه لطف " لا تقنطوا " على أن بعثهم برسالة " فتحسَّسوا " فلما رجعوا دخلوا من قفر الفقر، فاستقلوا في ساحة الضر، ينادون على غليل عليل الذل " وتصدق علينا " تالله لقد جوزيت أيد، مدها تغشرم " وشَرَوْهُ " أن مدت في طريق ذل " وتصدّق علينا " فلما عرفوه اعترفوا، فمحى ما اقترفوا بكف " لا تثريب " فرفع من موائد تلك الفوائد نصيب الوالد " اذهبوا بقميصي " فهبت نسايم الفرح، فتوغلت في خياشيم مريض كالفرخ، من فُرَج الفرج، فخر ركام الزكام، عن منخر الضر، فنادى مدنف الوجد " إني لأجد " :
نشدتك الله يا نسيم ... ما فعلت بعدنا الرسومُ
هل استهلت بها الغوادي ... ونمقت روضها الغيومُ
وهل بها من عهدت فيها ... بعد على حاله مقيمُ
علل بروح الوصال صبا ... أنفاسه للجري سمومُ
وعد فسلم على أناس ... ما أنا من بعدهم سليمُ
واشرح لهم حال مستهام ... أنت بأشواقه عليمُ
وقل غريب ثوى بأرض ... في غيرها قلبه يهيمُ
يكابدُ الشوق حين يمسي ... وتعتري قلبه الهمومُ
أحبابنا تنقضي الليالي ... وما انقضت تلكم الكلومُ
فلما ورد وارد السيارة، باعوا الصدفة ولم يتلمحوا الدرة، واعجبا لقمر قومر به، فلما وصل إلى مصر تفرس فيه العزيز، فأجلسه على أعزاز " أكرمي " فشغف قلب سيدته وفرى " فراودته " فسار بأقدام الطبع في فلاة غفلات " همَّت به وهمَّ بها " رد " لولا أن رأى " فأنقذ قوى الفرار وما استبقى " فاستبقا " فانبسطت يد العدوان وامتدت " وقدَّت " فلما بانت حجته في إبان " وشهد شاهد " أخذت تزكي مصراة الإصرار، بيمين يمين " ولئن لم يفعل " فاختارت درة فهمه، صدفة الحبس لجهل الناقد " ربِّ السجن أحبُّ إليَّ " فلما ضاق قفص الحصر، على بلبل الطبع ترنم بصوت " اذكرني " فعوقب بإيثاق باب " فلبث في السجن " فلما آن أوان الفرج، خرج إلى الملك.
هذا ويعقوب مفترض فراش الأسى على حزن الحزن، لا يستلذ نوماً ولا سِنة، ثمانين سنة، حتى نحل البدن، وذهب البصر:
لم يبق بعدكم رسم ولا طللُ ... إلا وللشوق في حافاته عملُ
إذا شممت نسيماً من بلادكم ... فقدت عقلي كأني شاربٌ ثملُ
فلما عمَّ عامُ القحط أرض كنعان، خرج أخوته لطلب الميرة، فدخلوا عليه في ظلام ظلمهم، فرآهم المظلوم بعين " لتنبئنَّهم " وخفي عليهم نعمة " اقتلوا يوسف " فأقبل عليهم سائلاً، وأقبل الدمع سايلاً وتقلقل تقلقُلَ الواجد، ليسمع أخبار الوالد:
إيه أحاديث نعمان وساكنه ... إن الحديث عن الأحباب أسمارُ
أفتش الريح عنكم كلما نفحت ... من نحو أرضكم نكباء معطارُ
فقالوا: جئنا من أرض كنعان، ولنا شيخ يقال له يعقوب، وهو يقرأ عليه السلام، فلما سمع رسالة أبيه، انتفض طائر الوجد لذكر الحبيب:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
فرد السلام قلبه قبل لسانه، وشغله وكف شانه عن شانه، وقال مقول إبدائه بعبارة صعدائه:
خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى ... فلاقى به ليلاً نسيم ربى نجدِ
فإن بذاك الجو حباً عهدته ... وبالرغم مني أن يطول به عهدي
ثم إنه طلب آخاه، فاحتالوا بحجة " مُنع منّا الكيل " فلما حملوا حال بينهم وبينه، بحيلة " جعل السقاية " فلما دخل وقت التهمة " أذَّن مؤذِّن " فعادوا إلى أبيهم بشجى على شجن، وقرحٍ على جرح، وعقر على عقر في عقر، فقام وقد تقوس، وعسى على باب " عسى " ثم بعثه لطف " لا تقنطوا " على أن بعثهم برسالة " فتحسَّسوا " فلما رجعوا دخلوا من قفر الفقر، فاستقلوا في ساحة الضر، ينادون على غليل عليل الذل " وتصدق علينا " تالله لقد جوزيت أيد، مدها تغشرم " وشَرَوْهُ " أن مدت في طريق ذل " وتصدّق علينا " فلما عرفوه اعترفوا، فمحى ما اقترفوا بكف " لا تثريب " فرفع من موائد تلك الفوائد نصيب الوالد " اذهبوا بقميصي " فهبت نسايم الفرح، فتوغلت في خياشيم مريض كالفرخ، من فُرَج الفرج، فخر ركام الزكام، عن منخر الضر، فنادى مدنف الوجد " إني لأجد " :
نشدتك الله يا نسيم ... ما فعلت بعدنا الرسومُ
هل استهلت بها الغوادي ... ونمقت روضها الغيومُ
وهل بها من عهدت فيها ... بعد على حاله مقيمُ
علل بروح الوصال صبا ... أنفاسه للجري سمومُ
وعد فسلم على أناس ... ما أنا من بعدهم سليمُ
واشرح لهم حال مستهام ... أنت بأشواقه عليمُ
وقل غريب ثوى بأرض ... في غيرها قلبه يهيمُ
يكابدُ الشوق حين يمسي ... وتعتري قلبه الهمومُ
أحبابنا تنقضي الليالي ... وما انقضت تلكم الكلومُ
ذاك اللديغ الذي عهدتم ... بعد على حاله سقيمُ
أصبح من فقركم وحيداً ... فلا خليل ولا حميمُ
لم تجر ذكر الفراق إلا ... حن كما حنت الرزومُ
فلما كشف يعقوب فدام الوجد، بكف " إني لأجد " أحدقت به عواذل " تالله تفتؤ " ، تالله لو وجدوا ما وجد ما أنكروا ما عرف.
للمهيار:
هل لكما من علمِ ... بالطارق الملمِ
سرى على الدياجي ... سُرى أخيه النجمِ
يشقُّ نجداً عرضاً ... من شخصه بسهمِ
فنوّر الليلَ وليست ... من ليالي التَّمِّ
خذ يا نسيم عني ... تحيتي ولثمي
وهنهم بوجدهم ... من الكرى وعُدْمي
قالوا هجرتَ أرضَهم ... أهجرُها برغمي
قد وصلت إلى الحشا ... رسلكُمُ بالسقمِ
فلم تدع واسطةً ... بين دمي ولحمي
عج كي ترى رسوماً ... ثلاثة في رسمِ
سوَّى النحول بيننا ... تعرفنا بالوهمِ
خط هلال ليلة ... ودارهم وجسمي
أصبح من فقركم وحيداً ... فلا خليل ولا حميمُ
لم تجر ذكر الفراق إلا ... حن كما حنت الرزومُ
فلما كشف يعقوب فدام الوجد، بكف " إني لأجد " أحدقت به عواذل " تالله تفتؤ " ، تالله لو وجدوا ما وجد ما أنكروا ما عرف.
للمهيار:
هل لكما من علمِ ... بالطارق الملمِ
سرى على الدياجي ... سُرى أخيه النجمِ
يشقُّ نجداً عرضاً ... من شخصه بسهمِ
فنوّر الليلَ وليست ... من ليالي التَّمِّ
خذ يا نسيم عني ... تحيتي ولثمي
وهنهم بوجدهم ... من الكرى وعُدْمي
قالوا هجرتَ أرضَهم ... أهجرُها برغمي
قد وصلت إلى الحشا ... رسلكُمُ بالسقمِ
فلم تدع واسطةً ... بين دمي ولحمي
عج كي ترى رسوماً ... ثلاثة في رسمِ
سوَّى النحول بيننا ... تعرفنا بالوهمِ
خط هلال ليلة ... ودارهم وجسمي
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى