- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28469
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
كتاب - اللطائف - للإمام ابن الجوزي -الفصل من الخامس إلى العاشر
الجمعة 14 أكتوبر 2011, 21:36
كتاب اللطائف
الفصل الخامس
يذكر فيه إشارة من حال سلمان الفارسي
سابقة الأزل قضت لقوم بدليل (سَبَقَت) وعلى قوم بدليل (غَلَبَت عَلَينا شِقوَتُنا) فواأسفا، أين المفر؟ توفيق (سَبَقَت) نور قلوب الجن (فَقالوا إِنّا سَمِعنا قُرآناً عَجَبا) وخذلان (غَلَبَت) أعمى بصائر قريش فقالوا (أَساطيرُ الأَولين) أهل الشمال في جانب جنون البعد، وأهل اليمين في مهب شمال القرب، ما نفعت عبادة " إبليس " و " بلعام " ولا ضر عناد السحرة.
وحد " قس " وما رأى الرسول، وكفر " ابن أبي " وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه ولا ماء، والسمكة غائصة في الماء ولا ري.
دخل الرسول عليه الصلاة إلى بيت يهودي يعوده فقال له: أسلم تسلم، فنظر المريض إلى ابيه، فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم كان في ذلك البيت غريبا مثل " سلمان منا " فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ ولسان الحال يقول: مريضنا عندكم! كيف انصرافي ولي في داركم شغل المناسبة تؤلف بين الأشخاص. ما احتمل " موسى " مرارة الغربة في دار " فرعون " وإن كان في " آسية " ما يسلين غير أن حق الأم أحق، فضرب على فيه فدام (وَحَرَمنا) إلى أنه أمته الأم، فصوت عود العود عند اجتماع الشمل.
سَلامي عَليكُم كَيفَ حالُكُم ... وَهَل عِندَكُم مِن وَحشَةِ البَينِ ما عندي
سبق العلم بنبوة " موسى " و " إيمان " آسية " فسيق تابوته إلى بيتها، فيه طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن زوج.
قرينان مرتعنا واحد
لما قضيت في القدم سلامة " سلمان " حملته صبا الصبا نحو الدين، كان أبوه على اعتقاد المجوس، فعرج به دليل التوفيق إلى دير النصارى، فأقبل يناظر أباه فلم يكن لأبيه جواب القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم (أَنا أُحيي وَأُميت)، (ثُمّ نُكِسوا) (قالوا حَرِقوهُ) فنزل في البداية ضيف (وَلَنَبلونَكُم) ولولا مكابدة البلاء ما نيلت مرتبة (رب أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره) فسمع أن ركبا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه ولا قطع، فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب الغنى، وغاص في مقر بحر البعث ليقع على بدرة الوجود، فصاح به الهوى: إلى أين؟ فقال (إِنى ذاهبِبٌ إِلى رَبي) وقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء.
فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم، زوده سفره إلى طلب علم الأعلام على علامات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وقالوا: قد آن زمانه وأظل، فاحذر أن تضل، فإنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيته قد فلى الفلاة، والدليل شوقه، والحنين يزعجه، والتلهف يقلقه
وَأَبغَضتُ فيكَ النَخلَ وَالنَخلُ يانعٌ ... وَأَعجَبَني مِن حُبِكَ الطَلحُ وَالضالُ
وَأَهوى لِجَرّالُ السَّمَاوَةَ وَالفَضى ... وَلو أَنّ صَنفِيَةَ وَشاةٍ وعُذالُ
رحل مع رفقة لم يرفقوا به (فَشَروهُ بِثَمَنٍ بَخس) فاشتراه يهودي بالمدينة، فانجبر انكسار رقه بإنعام " سلمان منا " وتوقد شوقه برؤية الحرتين، وما علم المنزل بوجد النازل.
أَيَدري الرَبعُ أَيَ دَمٍ أَراقا ... وَأَيَّ قُلوبٍ هَذا الرَكبُ ساقا؟
لَنا وَلأَهلِهِ أَبداً قُلوبُ ... تَلاقى في جُسومِ ما تَلاقى!!
فبينما هو يكابد ساعات الانتظار جاء البشير بقدوم الرسول، و " سلمان " في رأس نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم (إِن كادَت لَتُبدي بِهِ) ثم عجل النزول ليلقي ركب البشارة، وأي ثبات بقي ليعقوب في حال (إِني لأجد).
خَليليَّ مِ، نَجدٍ قَفاني عَلى الرُّبافَقَد هَبَ مِ، تِلكَ الرُسومِ نَسيمُ طف صالح به المالك: مالك وهذا؟ انصرف إلى شغلك.
كيف انصرافي ولي في داركم شغل ثم أخذ يضربه، فأخذ لسان حال المشوق يترنم، لو سمع الأطروش؟
خَليليَّ لا وَاللَهِ ما أَنا مِنكُما ... إذا عَلَمٌ مِن آَلِ لَيلى بَدا لِيا
الفصل السادس
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
سفر الليل لا يطيقه إلى مضمر المجاعة، تجتمع جنود الكسل فتتشبث بذيل التواني، فتزين حب النوم، وتزخرف طيب الفراش، وتخوف برد الماء، فإذا ثارت شعلة من نار الحزم، أضاءت بها طريق القصد، فسمعت أذن اليقين هاتف: هل من سائل؟
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ ... ذُلاً وَأَسحَبُ أَجفاني عَلى الأَثَرِ
نفس المحب في الليل على آخر نفس، وفي " المتعبدين قوة " وهم يستغفرونن صراخ الأطفال غير بكاء الرجال، سهر الليل هودج الأحباب، يوقظ نسيم الأسحار أعين ذوق الأخطار، فلو رأيتهم
وَقَد لاحَت الجوزاءُ وَأنحَدَرَ النَّسرُ
قد افترشوا بساط " قيس " وباتوا بليل " النابغة " إن ناموا توسدوا أذرع الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق، كأن النوم حلف على جفاء أجفانهم
هَذا رِضاكَ نَفى نَومي فأَرَقَني ... فَكَيفَ يا أَمَلي إِن كُنتَ غَضبانا
مازالوا على مطايا الأقدام إلى أن نم النسيم بالسحر، وقام الصارخ ينعي الظلام، فلما تمخض الدجى بحمل السحر، تساندوا إلى رواحل الإستغفار.
شَكونا إِلى أَحبابِنا طَولَ لَيلَنا ... فَقالوا لَنا ما أَقصَرَ اللَيلَ عِندَنا
رياح الأسحار أقوات الأرواح، رقت، فراقت، فبردت حر الوجد، وبلغت رسائل الحب.
أَلا يا صِبا نَجِدُ مَتى هُجتَ مِن نَجدٍ ... لَقَد زادَني مَسراكَ وَجداً عَلى وَجدِ
مكروب الوجدن يرتاح إلى النسيم، وإن قلقل الواجد.
سبق العلم بنبوة " موسى " و " إيمان " آسية " فسيق تابوته إلى بيتها، فيه طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن زوج.
قرينان مرتعنا واحد
لما قضيت في القدم سلامة " سلمان " حملته صبا الصبا نحو الدين، كان أبوه على اعتقاد المجوس، فعرج به دليل التوفيق إلى دير النصارى، فأقبل يناظر أباه فلم يكن لأبيه جواب القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم (أَنا أُحيي وَأُميت)، (ثُمّ نُكِسوا) (قالوا حَرِقوهُ) فنزل في البداية ضيف (وَلَنَبلونَكُم) ولولا مكابدة البلاء ما نيلت مرتبة (رب أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره) فسمع أن ركبا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه ولا قطع، فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب الغنى، وغاص في مقر بحر البعث ليقع على بدرة الوجود، فصاح به الهوى: إلى أين؟ فقال (إِنى ذاهبِبٌ إِلى رَبي) وقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء.
فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم، زوده سفره إلى طلب علم الأعلام على علامات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وقالوا: قد آن زمانه وأظل، فاحذر أن تضل، فإنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيته قد فلى الفلاة، والدليل شوقه، والحنين يزعجه، والتلهف يقلقه
وَأَبغَضتُ فيكَ النَخلَ وَالنَخلُ يانعٌ ... وَأَعجَبَني مِن حُبِكَ الطَلحُ وَالضالُ
وَأَهوى لِجَرّالُ السَّمَاوَةَ وَالفَضى ... وَلو أَنّ صَنفِيَةَ وَشاةٍ وعُذالُ
رحل مع رفقة لم يرفقوا به (فَشَروهُ بِثَمَنٍ بَخس) فاشتراه يهودي بالمدينة، فانجبر انكسار رقه بإنعام " سلمان منا " وتوقد شوقه برؤية الحرتين، وما علم المنزل بوجد النازل.
أَيَدري الرَبعُ أَيَ دَمٍ أَراقا ... وَأَيَّ قُلوبٍ هَذا الرَكبُ ساقا؟
لَنا وَلأَهلِهِ أَبداً قُلوبُ ... تَلاقى في جُسومِ ما تَلاقى!!
فبينما هو يكابد ساعات الانتظار جاء البشير بقدوم الرسول، و " سلمان " في رأس نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم (إِن كادَت لَتُبدي بِهِ) ثم عجل النزول ليلقي ركب البشارة، وأي ثبات بقي ليعقوب في حال (إِني لأجد).
خَليليَّ مِ، نَجدٍ قَفاني عَلى الرُّبافَقَد هَبَ مِ، تِلكَ الرُسومِ نَسيمُ طف صالح به المالك: مالك وهذا؟ انصرف إلى شغلك.
كيف انصرافي ولي في داركم شغل ثم أخذ يضربه، فأخذ لسان حال المشوق يترنم، لو سمع الأطروش؟
خَليليَّ لا وَاللَهِ ما أَنا مِنكُما ... إذا عَلَمٌ مِن آَلِ لَيلى بَدا لِيا
الفصل السادس
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
سفر الليل لا يطيقه إلى مضمر المجاعة، تجتمع جنود الكسل فتتشبث بذيل التواني، فتزين حب النوم، وتزخرف طيب الفراش، وتخوف برد الماء، فإذا ثارت شعلة من نار الحزم، أضاءت بها طريق القصد، فسمعت أذن اليقين هاتف: هل من سائل؟
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ ... ذُلاً وَأَسحَبُ أَجفاني عَلى الأَثَرِ
نفس المحب في الليل على آخر نفس، وفي " المتعبدين قوة " وهم يستغفرونن صراخ الأطفال غير بكاء الرجال، سهر الليل هودج الأحباب، يوقظ نسيم الأسحار أعين ذوق الأخطار، فلو رأيتهم
وَقَد لاحَت الجوزاءُ وَأنحَدَرَ النَّسرُ
قد افترشوا بساط " قيس " وباتوا بليل " النابغة " إن ناموا توسدوا أذرع الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق، كأن النوم حلف على جفاء أجفانهم
هَذا رِضاكَ نَفى نَومي فأَرَقَني ... فَكَيفَ يا أَمَلي إِن كُنتَ غَضبانا
مازالوا على مطايا الأقدام إلى أن نم النسيم بالسحر، وقام الصارخ ينعي الظلام، فلما تمخض الدجى بحمل السحر، تساندوا إلى رواحل الإستغفار.
شَكونا إِلى أَحبابِنا طَولَ لَيلَنا ... فَقالوا لَنا ما أَقصَرَ اللَيلَ عِندَنا
رياح الأسحار أقوات الأرواح، رقت، فراقت، فبردت حر الوجد، وبلغت رسائل الحب.
أَلا يا صِبا نَجِدُ مَتى هُجتَ مِن نَجدٍ ... لَقَد زادَني مَسراكَ وَجداً عَلى وَجدِ
مكروب الوجدن يرتاح إلى النسيم، وإن قلقل الواجد.
بَينَ شَمالَ وَصِبا ... حَنَّ مَشوقٌ وَصَبا
فَلَم تَزِدهُ نَغَمات الشَوقِ إِلا وَصَبا
عبارة النسيم لا يفهمها إلا المشتاق، وحديث البروق لا يروق إلا للعشاق.
وَمُرنَّحِ فِطَنَ النَسيمُ بِوَجدِهِ ... فَروى لَهُ خَبَر العُذَييبِ مَعرِّضا
خلوا بالحبيب في دار المناجاة فكساهم ثياب الموصلة، وضمخهم بطيب المعاملة، وغالية السحر غالية، يصبحون وعليهم سيما القرب.
تفوح أرواح نجد من ثيابهم فتأسف يا جيفة النوم، وابك يا عريان الغفلة، أتدري كيف مر عليهم الليل، ألك علم بما جرى للقوم.
أيعلم خال ما جرى للمتيم رحلت رفقة (تَتَجافى) قبل السحر، ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان القيد حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار على باب الكوفة، والقوم قد شرعوا في الإحرام.
مَن يَطَّلَع شَرَفاً فَيُعَلِمُني ... هَل رَوَّضَ الرَعيانُ بالإِبِلِ
أَم قَعقَعت عُمُدُ الخِيامِ أَم ... اِرتَفَعَت قِبابُهُم عَلى النُزل
أَم غَرَّدَ الحادي بِقافِيةٍ ... مِنها غُرابُ البَين " يَستَملي "
كان " حسان بن أبي سنان " يخادع امرأته حتى تنام، ثم يخرج من الفراش إلى الصلاة.
جَرى حُبُّهُ مَجرى دَمي في مَفاصِلي ... فَأَصبَحَ لي عَن كُلُّ شُغلٍ شُغلُ
كَأَنّ سَوادِ اللَيلِ يَعشَقُ مُقلَتي ... فَبَينَهُما في كُلِ هَجرٍ لَنا وَصلُ
كانت " أم الربيعبن خيثم " إذا رأت تقلقله بالليل تقول: يا بني لعلك قتلت قتيلا، فيقول: نعم قتلت نفسي.
وقالت " أم عمر بن المنكدر " : أشتهي أن أراك نائما، فقال: يا أماه، من جن عليه الليل وهو يخاف البيات، حق له أن لا ينام، يا أماه إن الليل ليرد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي.
ذق الهوى وإن استطعت الملام لم قيل لبعض الزهاد: إرفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب.
كان " أمية الشامي " يبكي في المسجد وينتحب حتى يعلو صوته، فأرسل إليه الأمير: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلا، فبكى وقال: إن حزن القيامة أورثني دموعا غزارا، فأنا أستريح إلى ذريها أحياناً.
اللَوَّمُ فيكَ يَنصَحوني ... وَالنُصحُ خِيانَةَ اللَوائِم
المُقعِد،ُ وَالمُقيمُ عِندي ... ما دُمتَ عَلى الصُدودِ دائِم
مالي أَجِدُ الحَمامَ أَنَّى ... ناحَت بِآراكِها الحَمائم
كَم صَحَّ عَلى السَّلو عَزمي ... وَالحُبُّ يُحَلِّلُ العَزائِم
وَكَم مِن حَديثٍ قَد خَبأناهُ لِلقَسا ... فَلَما اِلتَقينا صِرتُ أَخرسَ أَلكنا
الفصل السابع
التوبة
يا مؤخر توبته بمطل التسويف (لأَي يَومٍ اُجِلَت) كنت تقول: إذا شبت تبت.
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت لو كان لسيف عن عزيمتك جوهرية لقيك موت الهوى تحت ظبته. كل يوم تضع قاعدة الإنابة ولكن على شفا جرف، كلما صدقت لك في التوبة رغبة، حملت عليها جنود الهوى حملة فانهزمت، إذبح حنجرة بالهوى بسكين العزيمة، فما دام الهوى حيا فلا تأمن من قلب قلبك.
اجعل بكاءك في الدجى شفيعا في الزلل، فزند الشفيع توري نار النجاح. اكتب بمداد الدمع حسن الظن إلى من يحققه، ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن " يعقوب " أو بصبر " يوسف " عن الهوى، فإن لم تطق فبذل إخوته يوم (وَتَصَدق عَلَينا).
يا معشر الأقوام، هذه مشاعل القبول. يا فارغ البيت من القوت، هذه أيام اللقاط. يا مهجور " كنعان " متى تجد ريح " يوسف " يا سجن " مصر " متى يرى الملك سبع بقرات، يا " ابن يا مين " الفراق متى تسمع نغمات (إِني أَنا أَخوكَ) يا دائم الزلل متى تضع جبهة (وَإِن كُنا لَخاطِئِين).
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ ... هَيهاتَ لَيسَ لِيومِ عَهدِكُمُ غَدُ
إذا وقعت عزيمة الصدق في قلب العبد التائب رضي الملك، فأنسى الملك، ما كتب، وأوحى إلى الأرض: اكتمي على عبدي.
فَلَم تَزِدهُ نَغَمات الشَوقِ إِلا وَصَبا
عبارة النسيم لا يفهمها إلا المشتاق، وحديث البروق لا يروق إلا للعشاق.
وَمُرنَّحِ فِطَنَ النَسيمُ بِوَجدِهِ ... فَروى لَهُ خَبَر العُذَييبِ مَعرِّضا
خلوا بالحبيب في دار المناجاة فكساهم ثياب الموصلة، وضمخهم بطيب المعاملة، وغالية السحر غالية، يصبحون وعليهم سيما القرب.
تفوح أرواح نجد من ثيابهم فتأسف يا جيفة النوم، وابك يا عريان الغفلة، أتدري كيف مر عليهم الليل، ألك علم بما جرى للقوم.
أيعلم خال ما جرى للمتيم رحلت رفقة (تَتَجافى) قبل السحر، ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان القيد حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار على باب الكوفة، والقوم قد شرعوا في الإحرام.
مَن يَطَّلَع شَرَفاً فَيُعَلِمُني ... هَل رَوَّضَ الرَعيانُ بالإِبِلِ
أَم قَعقَعت عُمُدُ الخِيامِ أَم ... اِرتَفَعَت قِبابُهُم عَلى النُزل
أَم غَرَّدَ الحادي بِقافِيةٍ ... مِنها غُرابُ البَين " يَستَملي "
كان " حسان بن أبي سنان " يخادع امرأته حتى تنام، ثم يخرج من الفراش إلى الصلاة.
جَرى حُبُّهُ مَجرى دَمي في مَفاصِلي ... فَأَصبَحَ لي عَن كُلُّ شُغلٍ شُغلُ
كَأَنّ سَوادِ اللَيلِ يَعشَقُ مُقلَتي ... فَبَينَهُما في كُلِ هَجرٍ لَنا وَصلُ
كانت " أم الربيعبن خيثم " إذا رأت تقلقله بالليل تقول: يا بني لعلك قتلت قتيلا، فيقول: نعم قتلت نفسي.
وقالت " أم عمر بن المنكدر " : أشتهي أن أراك نائما، فقال: يا أماه، من جن عليه الليل وهو يخاف البيات، حق له أن لا ينام، يا أماه إن الليل ليرد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي.
ذق الهوى وإن استطعت الملام لم قيل لبعض الزهاد: إرفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب.
كان " أمية الشامي " يبكي في المسجد وينتحب حتى يعلو صوته، فأرسل إليه الأمير: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلا، فبكى وقال: إن حزن القيامة أورثني دموعا غزارا، فأنا أستريح إلى ذريها أحياناً.
اللَوَّمُ فيكَ يَنصَحوني ... وَالنُصحُ خِيانَةَ اللَوائِم
المُقعِد،ُ وَالمُقيمُ عِندي ... ما دُمتَ عَلى الصُدودِ دائِم
مالي أَجِدُ الحَمامَ أَنَّى ... ناحَت بِآراكِها الحَمائم
كَم صَحَّ عَلى السَّلو عَزمي ... وَالحُبُّ يُحَلِّلُ العَزائِم
وَكَم مِن حَديثٍ قَد خَبأناهُ لِلقَسا ... فَلَما اِلتَقينا صِرتُ أَخرسَ أَلكنا
الفصل السابع
التوبة
يا مؤخر توبته بمطل التسويف (لأَي يَومٍ اُجِلَت) كنت تقول: إذا شبت تبت.
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت لو كان لسيف عن عزيمتك جوهرية لقيك موت الهوى تحت ظبته. كل يوم تضع قاعدة الإنابة ولكن على شفا جرف، كلما صدقت لك في التوبة رغبة، حملت عليها جنود الهوى حملة فانهزمت، إذبح حنجرة بالهوى بسكين العزيمة، فما دام الهوى حيا فلا تأمن من قلب قلبك.
اجعل بكاءك في الدجى شفيعا في الزلل، فزند الشفيع توري نار النجاح. اكتب بمداد الدمع حسن الظن إلى من يحققه، ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن " يعقوب " أو بصبر " يوسف " عن الهوى، فإن لم تطق فبذل إخوته يوم (وَتَصَدق عَلَينا).
يا معشر الأقوام، هذه مشاعل القبول. يا فارغ البيت من القوت، هذه أيام اللقاط. يا مهجور " كنعان " متى تجد ريح " يوسف " يا سجن " مصر " متى يرى الملك سبع بقرات، يا " ابن يا مين " الفراق متى تسمع نغمات (إِني أَنا أَخوكَ) يا دائم الزلل متى تضع جبهة (وَإِن كُنا لَخاطِئِين).
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ ... هَيهاتَ لَيسَ لِيومِ عَهدِكُمُ غَدُ
إذا وقعت عزيمة الصدق في قلب العبد التائب رضي الملك، فأنسى الملك، ما كتب، وأوحى إلى الأرض: اكتمي على عبدي.
قتل رجل قبلكم مائة نفس، ثم خرج تائبا فأدركه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فبعث الله ملكا يحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين القريتين، وأوحى إلى هذه أن تباعدي، وغلى هذه أن تقربي، فوجد أقرب إلى قرية الخير بشبر، فغفر له.
والحاكم والخصوم لا يعرفون سر (كَذِلِكَ كِدنا لِيوسُفَ).
إذ صدق التائب أجبناه وأحييناه (وَجَعَلنا لَهُ نوراً يَمشي بِهِ في الناس) يا معاشر التائبين (أَوفوا بِالعُقُود) انظروا لمن عاهدتم (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) فإن زللتم من بعد التقويم، فارجعوا إلى دار المداراة (فإنّ الله لا يمل حتى تملوا).
عودوا إلى الوَصلِ عودوا ... فالهَجرُ صَعبٌ شَديدُ
تَذكّرونا فَما ... عَهدي لَديكُم بَعيدُ
كُنا وَكُنتُم قَريباً ... فَأَينَ تِلكَ العُهودُ
هَل يَرجَعُ البانُ يَوماً ... أَم هَل تَعودُ زَرودُ
الفصل الثامن
مجاهدة النفس
يا مقهورا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك اِستأسرت لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الإصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على ترك المباح (فَإِما مناً بَعدُ وَإِما فِداء) الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتِلوا الَّذَينَ يَلونَكُم) إِن مالَت إٍلى الشَهوات فاكبِحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضت عن الطاعات فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصح عليها بصوت العزم. فإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، وقد إجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة. فيا حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب.
النفس مثل كلب السوء، متى شبع نام، وإن جاع بصبص. الحر يلحى والعصا للعبد.
كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوته أقبل يهتز الرامي إذا قرطس. إذا قوي عزم المجاهدة لأن له الأعداء بلا حرب.
لما قويت مجاهدة نبينا صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم شيطانه، اللهم دلنا على قهر نفوسها التي هي أقرب أعدائنا إلينا، وأكثرهم نكاية فينا، يا هذا: بدل اهتمامك بك،واسرق منك لك، فالعمر قليل، تظلم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد، وأنت على الضدّ. تفر إلى الزحف ولكن لا إلى فئة.
تطلب نيل العلى وما ارتقيت درج المجاهدة، أتروم الحصاد ولم تبذر؟؟؟ لولا إيثار " يوسف " (السِجنُ أَحبُ إِليّ) ماخرج إلى راحة (وَكَذلِكَ مَكَنَّا) رب خفض تحت السرى، وغنى من عنا، ونضرة من شحوب.
لما قوم المؤمنون أنفسهم بالرياضة وقع عقد (إِنّ اللَهَ اِشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنّ لَهُم الجَنَة) النفس لم ترض إذا لم ترض، لأنها كلب عقور، وإنما يراد الصيود لا العضوض.
ويحك، الأعضاء كالسواقي، والمياه النجسة في الثمرة، أنت تستفتح النهار بإطلاق الجوارح في صيد اللهو، فإذا حان حين الصلاة نعقت بها وليست معلمة فلا تجيب. هيهات ان يخشع طرف ما قومه محتسب (يَغُضوا) وأن يحضر قلب ما أزعجه تخويف (يَعلَمُ السِرَ وَأَخفى).
الناسُ مِنَ الهَوى عَلى أَصنافِ ... هَذا ناقِضُ العَهدِ وَهَذا وافي
هَيهَات مِنً الكُدورِ تَبغي الصافي ... ما يَصلُحُ لِلحَضرَةِ قَلبٌ جافي
الفصل التاسع
ذم الدنيا
أَنت في حديث الدنيا أفصح من " سحبان " وفي ذكر الآخرة أعيى من " باقل " تقدم على الفاني، ولا إقدام " بن معد يكرب " وتجبن عن الباقي ولا جبن " حسان " ويحك إنما تعجب الدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم، لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فلا يغتر.
كم أتلفت الدنيا بيد حبها في بيداء طلبها، وكم عاقبت عن وصول بلد الوصل، كم ساع سعى إليها سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين يا أرباب الدنيا: إنها مذمومة في كل شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، متى نبت جسمك عن الحرام فمكاسبه كزيت بها يوقد.
هذا " عمر " مع كماله يقول: يا " حذيفة " هل أنا منهم؟؟ وأنت تأمن مع ذنوبك.
والحاكم والخصوم لا يعرفون سر (كَذِلِكَ كِدنا لِيوسُفَ).
إذ صدق التائب أجبناه وأحييناه (وَجَعَلنا لَهُ نوراً يَمشي بِهِ في الناس) يا معاشر التائبين (أَوفوا بِالعُقُود) انظروا لمن عاهدتم (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) فإن زللتم من بعد التقويم، فارجعوا إلى دار المداراة (فإنّ الله لا يمل حتى تملوا).
عودوا إلى الوَصلِ عودوا ... فالهَجرُ صَعبٌ شَديدُ
تَذكّرونا فَما ... عَهدي لَديكُم بَعيدُ
كُنا وَكُنتُم قَريباً ... فَأَينَ تِلكَ العُهودُ
هَل يَرجَعُ البانُ يَوماً ... أَم هَل تَعودُ زَرودُ
الفصل الثامن
مجاهدة النفس
يا مقهورا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك اِستأسرت لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الإصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على ترك المباح (فَإِما مناً بَعدُ وَإِما فِداء) الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتِلوا الَّذَينَ يَلونَكُم) إِن مالَت إٍلى الشَهوات فاكبِحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضت عن الطاعات فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصح عليها بصوت العزم. فإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، وقد إجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة. فيا حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب.
النفس مثل كلب السوء، متى شبع نام، وإن جاع بصبص. الحر يلحى والعصا للعبد.
كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوته أقبل يهتز الرامي إذا قرطس. إذا قوي عزم المجاهدة لأن له الأعداء بلا حرب.
لما قويت مجاهدة نبينا صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم شيطانه، اللهم دلنا على قهر نفوسها التي هي أقرب أعدائنا إلينا، وأكثرهم نكاية فينا، يا هذا: بدل اهتمامك بك،واسرق منك لك، فالعمر قليل، تظلم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد، وأنت على الضدّ. تفر إلى الزحف ولكن لا إلى فئة.
تطلب نيل العلى وما ارتقيت درج المجاهدة، أتروم الحصاد ولم تبذر؟؟؟ لولا إيثار " يوسف " (السِجنُ أَحبُ إِليّ) ماخرج إلى راحة (وَكَذلِكَ مَكَنَّا) رب خفض تحت السرى، وغنى من عنا، ونضرة من شحوب.
لما قوم المؤمنون أنفسهم بالرياضة وقع عقد (إِنّ اللَهَ اِشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنّ لَهُم الجَنَة) النفس لم ترض إذا لم ترض، لأنها كلب عقور، وإنما يراد الصيود لا العضوض.
ويحك، الأعضاء كالسواقي، والمياه النجسة في الثمرة، أنت تستفتح النهار بإطلاق الجوارح في صيد اللهو، فإذا حان حين الصلاة نعقت بها وليست معلمة فلا تجيب. هيهات ان يخشع طرف ما قومه محتسب (يَغُضوا) وأن يحضر قلب ما أزعجه تخويف (يَعلَمُ السِرَ وَأَخفى).
الناسُ مِنَ الهَوى عَلى أَصنافِ ... هَذا ناقِضُ العَهدِ وَهَذا وافي
هَيهَات مِنً الكُدورِ تَبغي الصافي ... ما يَصلُحُ لِلحَضرَةِ قَلبٌ جافي
الفصل التاسع
ذم الدنيا
أَنت في حديث الدنيا أفصح من " سحبان " وفي ذكر الآخرة أعيى من " باقل " تقدم على الفاني، ولا إقدام " بن معد يكرب " وتجبن عن الباقي ولا جبن " حسان " ويحك إنما تعجب الدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم، لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فلا يغتر.
كم أتلفت الدنيا بيد حبها في بيداء طلبها، وكم عاقبت عن وصول بلد الوصل، كم ساع سعى إليها سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين يا أرباب الدنيا: إنها مذمومة في كل شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، متى نبت جسمك عن الحرام فمكاسبه كزيت بها يوقد.
هذا " عمر " مع كماله يقول: يا " حذيفة " هل أنا منهم؟؟ وأنت تأمن مع ذنوبك.
إذا كان " بنيامين " نسب إلى السرقة، فأي وجه لخلاص يرجى.
رؤي " عمر " بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي واعجبا أقيم للحساب أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟.
يا متلطخا بأقذار الظلم، بادر الغسل من مد العوافي قبل أن يجزرك، لا يغرنك عيش أحلى من العسل، فالمحاسبة أمر من العلقم، ستعلم أيها الغريم قدر عزيمك.
إذ يلتقي كل ذي دين وماطله الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، ليت الحلال سلم، فكيف الحرام؟ كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
ولسان الجزاء يناديه " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم؟ (وَلَتَعلُمَنّ نَبَأَهُ بَعدَ حين) واعجبا من الظلمة كيف ينسون طي الأيام سالف الجبابرة، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، أما شاهدوا مآلهم؟ (فَكُلاً أَخَذنا بِذَنبِهِ) أما رحلوا عن أكوار الندم؟ (فَما بَكَت عَلَيهِم السَماءُ والأرض) أما صاح هاتف الإنذار؟ (كَما تَرَكوا مِن جَناتٍ وَعُيون) واعجبا للمغترين (وَقَد خَلَت مِن قَبلِهِم المَثُلات) أما يكفيهم من الزواجر (وَتَبَينَ لَكُم كَيف فَعَلنا بِهِم) من لهم إذا طلبوا وقت العود؟ (فَحِيلَ بَينَهُم وَبَينَ ما يَشتَهون) كم دار بنعم النعم دارت عليها دوائر النقم؟ (فَجَعلناها حَصيدا)؟ يا معاشر الظلمة: " سليمان " الحكم قد حبس " آصف " العقوبة في سجن (فَلا تَعجَل عَلَيهِم) وأجرى الرجاء (لِئَلا يَكونَ لِلناسِ عَلى اللَهِ حُجة) فلو ذهبت سموم الجزاء من مهب (وَلَئِن مَسَتهُم نَفحَةٌ) لقلعت سكر (إِنّما نُملي لَهُم) (فَلا يَستَطيعونَ تَوصية).
فالحذر الحذر (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى) (وَلاتَ حينَ مَناص) أبقي في قوس الزجر منزع (أَفَنضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً).
سفينة التقى تحتاج إلى إحكام تام، ولليم منافذ صغار في الدسر، فاحكم تلك البقاع بقار الورع، هيهات قد خرقتها بالكبائر، وما تتنبه لما صنعت حتى يصيح " نوح " الأسى (لا عاصِمَ) يا هؤلاء: فتعاش العدل إذا لم ينتزع شوك الظلم أثر ما لم يؤمن تعديه إلى القلب، لا تعربوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصا.
ويحكم، لا تحتقروا دعاء المظلوم، فشرار نار قلبه محمول بريح دعائه إلى سقف بيت الظالم، نباله تصيب، نبله غريب، قوسه حرقه، وتره قلهه، مرماته هدف، (لأَنصُرَنّكَ وَلَو بَعدَ حين) سهم سهمه الإصابة.
وقد رأيت وفي الأيام تجريب
الفصل العاشر
العمل للآخرة
إخواني ارفضوا الدنيا فقد رفضت من كان أشغف بها منكم، اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، الدنيا خمر ساعدها تغريد طائر الطبع فاشتد سكر الشاربن ففات موسم الريح، ثم بعد الإفاقة يقام الحد، فيقيم قائم الحزن، ويكفي في الضرب فوت الخير فإذا ماتوا انتبهوا.
ويحك، إن الموت سحاب، والشيب وبله، ومن بلغ السبعين اشتكى من غير علة، والعاقل من أصبح على وجل من قرب الأجل، يا هذا: الدنيا وراءك، والأخرى أمامك، والطلب لما وراء هزيمة، وإنما العزيمة في الإقدام، جاء طوفان الموت فاركب سفن التقى، ولا ترافق " كنعان " الأمل، ويحك، انتبه لإغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان حيران؟.
الأسقام تزعج الأبدان فلا بد من النحول ضرورة، كأنك بك في لحدك على فراش الندم، وإنه والله لأخشن من الجندل، فازرع في ربيع حياتك قبل جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك قبل زمان عجزك، وأعتد رحلك قبل رحيلك مخافة الفقر في القفر إلى الأزم، الحذار الحذار (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى).
الحازم يتزود لما به، قبل أن يصير لمآبه، شجرة الحزم أصلها إحكام النظر، وفروعها المشاورة في المشكل، وثمرتها انتهاز الفرص، وكفى بذهاب الفرصة ندما.
وَكَم فُرصَةٍ فاتَت فَأَصبَحَ رَبُّها ... يَعُضُ عَلَيها الكَفَّ أَو يَقرَع السَّنا
واعجبا؟ لمضيع العمر في التواني، فإذا جاء متقاضي الروح قال (إِنّي تُبتُ الآن) (وَأَنَى لَهُم التَناوُش مِن مَكانٍ بَعيد).
رؤي " عمر " بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي واعجبا أقيم للحساب أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟.
يا متلطخا بأقذار الظلم، بادر الغسل من مد العوافي قبل أن يجزرك، لا يغرنك عيش أحلى من العسل، فالمحاسبة أمر من العلقم، ستعلم أيها الغريم قدر عزيمك.
إذ يلتقي كل ذي دين وماطله الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، ليت الحلال سلم، فكيف الحرام؟ كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
ولسان الجزاء يناديه " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم؟ (وَلَتَعلُمَنّ نَبَأَهُ بَعدَ حين) واعجبا من الظلمة كيف ينسون طي الأيام سالف الجبابرة، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، أما شاهدوا مآلهم؟ (فَكُلاً أَخَذنا بِذَنبِهِ) أما رحلوا عن أكوار الندم؟ (فَما بَكَت عَلَيهِم السَماءُ والأرض) أما صاح هاتف الإنذار؟ (كَما تَرَكوا مِن جَناتٍ وَعُيون) واعجبا للمغترين (وَقَد خَلَت مِن قَبلِهِم المَثُلات) أما يكفيهم من الزواجر (وَتَبَينَ لَكُم كَيف فَعَلنا بِهِم) من لهم إذا طلبوا وقت العود؟ (فَحِيلَ بَينَهُم وَبَينَ ما يَشتَهون) كم دار بنعم النعم دارت عليها دوائر النقم؟ (فَجَعلناها حَصيدا)؟ يا معاشر الظلمة: " سليمان " الحكم قد حبس " آصف " العقوبة في سجن (فَلا تَعجَل عَلَيهِم) وأجرى الرجاء (لِئَلا يَكونَ لِلناسِ عَلى اللَهِ حُجة) فلو ذهبت سموم الجزاء من مهب (وَلَئِن مَسَتهُم نَفحَةٌ) لقلعت سكر (إِنّما نُملي لَهُم) (فَلا يَستَطيعونَ تَوصية).
فالحذر الحذر (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى) (وَلاتَ حينَ مَناص) أبقي في قوس الزجر منزع (أَفَنضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً).
سفينة التقى تحتاج إلى إحكام تام، ولليم منافذ صغار في الدسر، فاحكم تلك البقاع بقار الورع، هيهات قد خرقتها بالكبائر، وما تتنبه لما صنعت حتى يصيح " نوح " الأسى (لا عاصِمَ) يا هؤلاء: فتعاش العدل إذا لم ينتزع شوك الظلم أثر ما لم يؤمن تعديه إلى القلب، لا تعربوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصا.
ويحكم، لا تحتقروا دعاء المظلوم، فشرار نار قلبه محمول بريح دعائه إلى سقف بيت الظالم، نباله تصيب، نبله غريب، قوسه حرقه، وتره قلهه، مرماته هدف، (لأَنصُرَنّكَ وَلَو بَعدَ حين) سهم سهمه الإصابة.
وقد رأيت وفي الأيام تجريب
الفصل العاشر
العمل للآخرة
إخواني ارفضوا الدنيا فقد رفضت من كان أشغف بها منكم، اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، الدنيا خمر ساعدها تغريد طائر الطبع فاشتد سكر الشاربن ففات موسم الريح، ثم بعد الإفاقة يقام الحد، فيقيم قائم الحزن، ويكفي في الضرب فوت الخير فإذا ماتوا انتبهوا.
ويحك، إن الموت سحاب، والشيب وبله، ومن بلغ السبعين اشتكى من غير علة، والعاقل من أصبح على وجل من قرب الأجل، يا هذا: الدنيا وراءك، والأخرى أمامك، والطلب لما وراء هزيمة، وإنما العزيمة في الإقدام، جاء طوفان الموت فاركب سفن التقى، ولا ترافق " كنعان " الأمل، ويحك، انتبه لإغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان حيران؟.
الأسقام تزعج الأبدان فلا بد من النحول ضرورة، كأنك بك في لحدك على فراش الندم، وإنه والله لأخشن من الجندل، فازرع في ربيع حياتك قبل جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك قبل زمان عجزك، وأعتد رحلك قبل رحيلك مخافة الفقر في القفر إلى الأزم، الحذار الحذار (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى).
الحازم يتزود لما به، قبل أن يصير لمآبه، شجرة الحزم أصلها إحكام النظر، وفروعها المشاورة في المشكل، وثمرتها انتهاز الفرص، وكفى بذهاب الفرصة ندما.
وَكَم فُرصَةٍ فاتَت فَأَصبَحَ رَبُّها ... يَعُضُ عَلَيها الكَفَّ أَو يَقرَع السَّنا
واعجبا؟ لمضيع العمر في التواني، فإذا جاء متقاضي الروح قال (إِنّي تُبتُ الآن) (وَأَنَى لَهُم التَناوُش مِن مَكانٍ بَعيد).
يا رابطا مناه بخيط الأمل، إنه ضعيف الفتل، لو فتحت عين التيقظ لرأيت حيطان العمر قد تهدمت، فبكيت على خراب دار الأمل، جسمك عندنا وقلبك على فراسخ، لا بالتسويف ترعوي، ولا بالتخويف تستوي، ضاعت مفاتيحي معك
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى