- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28455
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
كتاب - اللطائف - للإمام ابن الجوزي -الفصل من ( 11 - 20 )
الجمعة 14 أكتوبر 2011, 21:39
كتاب اللطائف
الفصل الحادي عشر
الخوف من الله تعالى
خوف السابقة وحذر الخاتمة قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا (يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ) ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سك السكون أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف.
أَروحُ بِشجوٍ ثُمّ أَغدو بِمِثلِهِ ... وَتحسَبُ أَني في الثيابِ صَحيحُ
أعمار الأغمار وانتبهوا فانتبهبوا الليل والنهار، وأخرجوا أقوى العزائم إلى الأفعال، فلما قضوا ديون الجد، قضت علومهم بالحذر من الرد، حنوا فأنوا، وانزعجوا فما اطمأنوا، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفأ، لون المحب غمار، دمع الشمون نمّام، من ضرورة دوران الدولاب أنينه.
أُخفي كَمَدَ الهَوى وَدَمعي ... في الخَدِ عَلى هواكَ شاهِدُ
فالجَفنُ مُقرٌ بِلوعَتي ... لِلعاذِلِ وَاللِسانُ جاحِدُ
تصادما في قلب العارف جبل الرجاء وجبل الخوف فلما وصل " اسكندر " الفكر، ألقى زبر الهموم حتى (ساوى بَينَ الصَدَفين) ثم صاح بجند الفهوم: (اِنفُخوا) فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أَيا جَبَلَي نُعمانَ بِالله خَلِيا ... نَسيمَ الصِبا يُخلِص إِلى " نَسيمُها "
لا راحة للمحب في الدنيا، إن أحس بالحجاب بكى على البعد، وإن فتح له باب الوصل خاف الطر.
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ ... وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
من لم يذق لم يعرف:
مَن لَم يَبُت وَالحُبُّ حَشوُ فُؤَادِهِ ... لِم يَدرِ كَيفَ تَفَتُّتُ الأَكبادِ
الفراق أظلم من الليل، الوجد احر من الجمر.
فَفي فُؤادِ المُحِبِ نارُ جَوىً ... أَحرُّ نارِ الجَحيمِ أَبرَدُها
فقد اشتد قلق الخوف " بابراهيم بن أدهم " فصاح: إلهي إن كنت أعطيت أحدا من المحبين ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بي القلق.
لَو شِئتَ داويتَ قَلباً أَنتَ مُسقِمُهُ ... وَفي يَديكِ مِنَ البَلوى سَلامَتُهُ
عَلامَةٌ كُتِبَتن في خَدِّ عارِفِكُم ... مَن كانَ مِثلي فَقَد قامَت قِيامَتُهُ
فرأى الحق جل جلاله في منامه وهو يقول: يا إبراهيم: ما استحييت مني؟؟ تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك؟ وهل يسكن قلب المشوق إلى غير حبيبه؟؟.
يا سائِقَ العَيسِ قَد بَراها ... حَملُ هُمُومٍ بِها عِظامُ
أشواقُها خَلفَها وَشَوقي ... خِلافَ أَشواقِها أَمامي
الفصل الثاني عشر
ذو البجادين
اللهم نور ظلمة دنيانا بضوء من توفيقك، واقطع أيامنا في طلب الإتصال بك، فإنك إذا أقبلت سلّمت، وإذا أعرضت أسلمت.
إخواني: إذا سبقت سابقة السعادة لشخص دلته على الدليل قبل الطلب (وَلَقَد اِختَرناهُم عَلى عِلمٍ عَلى العالمين).
إِنّ المَقاديرَ إِذا ساعَدَت ... أَلحَقَت العاجِزَ بالحازِم
كان " ذو البجادين " يتيما في الصغر، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته نفسه في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمب النهوض، فإذا بقية المرض مانعة، فقال لسان التسويف للنفس: قفي حتى يتقدم العم، فلما تكملت الصحة نفد حبر المشتاق، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك، وما أرى زمن زمنك ينشط، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك!! فصاح لسان عزمته: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
هذا مذهب المحبين إجماعا من غير خلاف.
وَلَو قيلَ لِلمجَنونِ لَيلى وَوَصلِها ... تُريدُ أَم الدُنيا وَما في طواياها
لَقالَ غُبارٌ مِن تُرابِ دِيارِها ... أَحبُّ إِلى نَفسي وَأَشفى لِرؤياها
فعاد العم في هبته حتى جرده من الثياب، فناولته الأم بجادا لها، فقطعه نصفين، فاتزر بواحدة وارتدى بآخر، وخرج في حلة " دب أشعث أغبر " .
سُنَنَّة الأَحبابِ واحِدَةٌ ... فَإِذا أَحبَبتَ فاستَنِنِ
الفصل الحادي عشر
الخوف من الله تعالى
خوف السابقة وحذر الخاتمة قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا (يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ) ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سك السكون أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف.
أَروحُ بِشجوٍ ثُمّ أَغدو بِمِثلِهِ ... وَتحسَبُ أَني في الثيابِ صَحيحُ
أعمار الأغمار وانتبهوا فانتبهبوا الليل والنهار، وأخرجوا أقوى العزائم إلى الأفعال، فلما قضوا ديون الجد، قضت علومهم بالحذر من الرد، حنوا فأنوا، وانزعجوا فما اطمأنوا، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفأ، لون المحب غمار، دمع الشمون نمّام، من ضرورة دوران الدولاب أنينه.
أُخفي كَمَدَ الهَوى وَدَمعي ... في الخَدِ عَلى هواكَ شاهِدُ
فالجَفنُ مُقرٌ بِلوعَتي ... لِلعاذِلِ وَاللِسانُ جاحِدُ
تصادما في قلب العارف جبل الرجاء وجبل الخوف فلما وصل " اسكندر " الفكر، ألقى زبر الهموم حتى (ساوى بَينَ الصَدَفين) ثم صاح بجند الفهوم: (اِنفُخوا) فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أَيا جَبَلَي نُعمانَ بِالله خَلِيا ... نَسيمَ الصِبا يُخلِص إِلى " نَسيمُها "
لا راحة للمحب في الدنيا، إن أحس بالحجاب بكى على البعد، وإن فتح له باب الوصل خاف الطر.
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ ... وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
من لم يذق لم يعرف:
مَن لَم يَبُت وَالحُبُّ حَشوُ فُؤَادِهِ ... لِم يَدرِ كَيفَ تَفَتُّتُ الأَكبادِ
الفراق أظلم من الليل، الوجد احر من الجمر.
فَفي فُؤادِ المُحِبِ نارُ جَوىً ... أَحرُّ نارِ الجَحيمِ أَبرَدُها
فقد اشتد قلق الخوف " بابراهيم بن أدهم " فصاح: إلهي إن كنت أعطيت أحدا من المحبين ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بي القلق.
لَو شِئتَ داويتَ قَلباً أَنتَ مُسقِمُهُ ... وَفي يَديكِ مِنَ البَلوى سَلامَتُهُ
عَلامَةٌ كُتِبَتن في خَدِّ عارِفِكُم ... مَن كانَ مِثلي فَقَد قامَت قِيامَتُهُ
فرأى الحق جل جلاله في منامه وهو يقول: يا إبراهيم: ما استحييت مني؟؟ تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك؟ وهل يسكن قلب المشوق إلى غير حبيبه؟؟.
يا سائِقَ العَيسِ قَد بَراها ... حَملُ هُمُومٍ بِها عِظامُ
أشواقُها خَلفَها وَشَوقي ... خِلافَ أَشواقِها أَمامي
الفصل الثاني عشر
ذو البجادين
اللهم نور ظلمة دنيانا بضوء من توفيقك، واقطع أيامنا في طلب الإتصال بك، فإنك إذا أقبلت سلّمت، وإذا أعرضت أسلمت.
إخواني: إذا سبقت سابقة السعادة لشخص دلته على الدليل قبل الطلب (وَلَقَد اِختَرناهُم عَلى عِلمٍ عَلى العالمين).
إِنّ المَقاديرَ إِذا ساعَدَت ... أَلحَقَت العاجِزَ بالحازِم
كان " ذو البجادين " يتيما في الصغر، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته نفسه في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمب النهوض، فإذا بقية المرض مانعة، فقال لسان التسويف للنفس: قفي حتى يتقدم العم، فلما تكملت الصحة نفد حبر المشتاق، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك، وما أرى زمن زمنك ينشط، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك!! فصاح لسان عزمته: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
هذا مذهب المحبين إجماعا من غير خلاف.
وَلَو قيلَ لِلمجَنونِ لَيلى وَوَصلِها ... تُريدُ أَم الدُنيا وَما في طواياها
لَقالَ غُبارٌ مِن تُرابِ دِيارِها ... أَحبُّ إِلى نَفسي وَأَشفى لِرؤياها
فعاد العم في هبته حتى جرده من الثياب، فناولته الأم بجادا لها، فقطعه نصفين، فاتزر بواحدة وارتدى بآخر، وخرج في حلة " دب أشعث أغبر " .
سُنَنَّة الأَحبابِ واحِدَةٌ ... فَإِذا أَحبَبتَ فاستَنِنِ
فنادى صائح الجهاد في جيش العسرة، فتتبع ساقة الأحباب، راكبا عجز العزم مع الضجر، والمحب لا يرى طول الطريق، إنما يتلمح المقصد.
ألا بَلَّغَ اللَهُ الحِمى مِن يُريدُهُ ... وَبلّغ أَكنافَ الحِمى مِن يُريدُها
خَلَيلي لَيسَ الشَيبُ عَيباً لَو أَنَنا ... وَجَدنا لأَيامِ الصِبا مَن يُعيدُها
فنزل إليه ملك الموت بتوقيع: ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي، فنزل ارسول يمهد له اللحد لمأمور: إذا رأيت لي طالبا، فكن له خادما. وصاح بأبي بكر وعمر: أدنيا إلي أَخاكما، وأنتدب لمرتبة لفظها: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، فقال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب هذا اللحد.
الفصل الثالث عشر
الغفلة عن الآخرة
يا هذا حب الدنيا أقتل من السم، وشرورها أكثر من النمل، وعين حرصك عليها أبصر من الهدهد، وبطن أملك أعطش من الرمل، وفم شرهك أشرب من الهيم، وإن خضت في حديثها فأنطق من " سحبان " وإن انتقدت دنانيرها فأنسب من " دغفل " حليتك في تحصيلها أدق من الشعر، وأنت في تدبيرها أصنع من النحل، تجمع فيها الدر جمع الذر.
يا رفيقا في البله لدود القز،، واعجبا! ما انتفعت بموهبة العقل؟؟!.
فَأَنتَ كَدَودِ القَزّ يَنسِجُ دائِماً ... وَيَهلِكُ غَماً وَسطَ ما هوَ ناسِجُهُ
حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر يا أبرد من الثلج؟ والدنيا في قلبك أعز من الروح، وستصير عند الموت أهون من الأرض.
أنت في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، معاصيك أشهر من الشمس، وتوبتك أخفى من السها، الزكاة عندك أثقل من " أحد " والصلاة عليك كثقل صخر على صدر طريق المسجد في حسبان كسلك، كفرسخي " دير كعب " صدرك عند حديث الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من عقد التسعين.
يا من هو عن نجاته أنوم من فهد، ضيعت وقتا أنفس من الدر، وإن عرضت خطيئة وثبت وثوب النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، فإذا عاملت الناس استعملت غدر الذئب، تقدم على الظلم إقدام الأسد، وتختطف الأمانة اختطاف الحدأة.
يا أظلم من " الجلندي " : ما تأتمنك غزلان الحرم، يا عذري الهوى في حب الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، واعجبا لقلب أضعف من البعوضة، كيف صار أقوى من الجندل؟ ما يعجبه سجع " فس " ولا يؤثر فيه وعظ " الحسن " ولا يرق لغزل " جرير " فليته فسر منام الأمل على " ابن سيرين " اليقظة قفل قلبك رومي ما يقع عليه فش.
الفصل الرابع عشر
مداواة النفس
العقل رفيق القلب، والطبع قرين النفس، فلا تقارب بين النفس والقلب، فرب جار جار، سرادق القلب على أطناب العقل، وخيمة النفس على أوتار الهوى، اكسر حدة خمر الطبع بمزاج ماء الرياضة، اشددن أزر العقل بجبال التقى، ماء طبعك أجاج، وماء شرعك عذب، وقد مزج الإبتلاء بينهما، نور العقل يضيء في ليل الطبع، فتتبين جادة الصواب للسالك، وزناد الفكر حين يوري يرى عواقب الأهوال.
" يوسف " العقل ينظر إلى العواقب و " زليخا " الهوى تتلمح العاجيل، والعزائم منازل الأبطال، والصبر دأب الرجال، وإنما رد " يوسف عقله وحمل " زليخا " طبعها، ولا أقول لك: اقلع شجر الطبع من أرض الوضع، كيف يمكن وقد قال (زُينَ لِلِناسِ حُبُّ الشَهوات) وإنما أقول لك: دم على المجاهدة في الجسم، وكلما نبعت عروق الهوى فاقطع، وكلما كل ما به تقطع فاشحذ، واقنع بساحة الذل، فعند المسجون شغل من " الرياض " ويحك، اترك وأنت تهوى.
وَفي القَلبِ ما في القَلبِ مِن لَوعَةِ الهَوى ... وَلَكِنَني أُبدي الصُدودَ مُبَهرَجاً
إخواني: من أفسد حسابه بالخيانة استحيا من عرض الدستور، من توسخت ثياب معاملته بالمعاصي لم يقرب من المقربين، من سودت الذنوب وجه جاهه ذل بين الأكرمين، من ركب ظهر التفريط نزل به دار الندامة.
أما سمعتم أن " داود " أعطي نعمة نغمة كان يقف لها الماء فلا يسير، والطير مع ذلك وقوف الأسير، فعمل مرض (لا تَقفُ) في حجاب (يَغضوا) فامتدت به يد البصر، فقدمت قميص " يوسف " العصمة، فآثر زلله حتى في تلاوته، وقد كان معمار الوصال يتفقد قديما آلات صوته، فلما أقبل على الذنب أعرض المعمار عن المراعاة، فتشعث منزل الصفاء، وانقطعت جامكية العسكر، فتفرقت جنود أوبي.
ألا بَلَّغَ اللَهُ الحِمى مِن يُريدُهُ ... وَبلّغ أَكنافَ الحِمى مِن يُريدُها
خَلَيلي لَيسَ الشَيبُ عَيباً لَو أَنَنا ... وَجَدنا لأَيامِ الصِبا مَن يُعيدُها
فنزل إليه ملك الموت بتوقيع: ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي، فنزل ارسول يمهد له اللحد لمأمور: إذا رأيت لي طالبا، فكن له خادما. وصاح بأبي بكر وعمر: أدنيا إلي أَخاكما، وأنتدب لمرتبة لفظها: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، فقال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب هذا اللحد.
الفصل الثالث عشر
الغفلة عن الآخرة
يا هذا حب الدنيا أقتل من السم، وشرورها أكثر من النمل، وعين حرصك عليها أبصر من الهدهد، وبطن أملك أعطش من الرمل، وفم شرهك أشرب من الهيم، وإن خضت في حديثها فأنطق من " سحبان " وإن انتقدت دنانيرها فأنسب من " دغفل " حليتك في تحصيلها أدق من الشعر، وأنت في تدبيرها أصنع من النحل، تجمع فيها الدر جمع الذر.
يا رفيقا في البله لدود القز،، واعجبا! ما انتفعت بموهبة العقل؟؟!.
فَأَنتَ كَدَودِ القَزّ يَنسِجُ دائِماً ... وَيَهلِكُ غَماً وَسطَ ما هوَ ناسِجُهُ
حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر يا أبرد من الثلج؟ والدنيا في قلبك أعز من الروح، وستصير عند الموت أهون من الأرض.
أنت في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، معاصيك أشهر من الشمس، وتوبتك أخفى من السها، الزكاة عندك أثقل من " أحد " والصلاة عليك كثقل صخر على صدر طريق المسجد في حسبان كسلك، كفرسخي " دير كعب " صدرك عند حديث الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من عقد التسعين.
يا من هو عن نجاته أنوم من فهد، ضيعت وقتا أنفس من الدر، وإن عرضت خطيئة وثبت وثوب النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، فإذا عاملت الناس استعملت غدر الذئب، تقدم على الظلم إقدام الأسد، وتختطف الأمانة اختطاف الحدأة.
يا أظلم من " الجلندي " : ما تأتمنك غزلان الحرم، يا عذري الهوى في حب الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، واعجبا لقلب أضعف من البعوضة، كيف صار أقوى من الجندل؟ ما يعجبه سجع " فس " ولا يؤثر فيه وعظ " الحسن " ولا يرق لغزل " جرير " فليته فسر منام الأمل على " ابن سيرين " اليقظة قفل قلبك رومي ما يقع عليه فش.
الفصل الرابع عشر
مداواة النفس
العقل رفيق القلب، والطبع قرين النفس، فلا تقارب بين النفس والقلب، فرب جار جار، سرادق القلب على أطناب العقل، وخيمة النفس على أوتار الهوى، اكسر حدة خمر الطبع بمزاج ماء الرياضة، اشددن أزر العقل بجبال التقى، ماء طبعك أجاج، وماء شرعك عذب، وقد مزج الإبتلاء بينهما، نور العقل يضيء في ليل الطبع، فتتبين جادة الصواب للسالك، وزناد الفكر حين يوري يرى عواقب الأهوال.
" يوسف " العقل ينظر إلى العواقب و " زليخا " الهوى تتلمح العاجيل، والعزائم منازل الأبطال، والصبر دأب الرجال، وإنما رد " يوسف عقله وحمل " زليخا " طبعها، ولا أقول لك: اقلع شجر الطبع من أرض الوضع، كيف يمكن وقد قال (زُينَ لِلِناسِ حُبُّ الشَهوات) وإنما أقول لك: دم على المجاهدة في الجسم، وكلما نبعت عروق الهوى فاقطع، وكلما كل ما به تقطع فاشحذ، واقنع بساحة الذل، فعند المسجون شغل من " الرياض " ويحك، اترك وأنت تهوى.
وَفي القَلبِ ما في القَلبِ مِن لَوعَةِ الهَوى ... وَلَكِنَني أُبدي الصُدودَ مُبَهرَجاً
إخواني: من أفسد حسابه بالخيانة استحيا من عرض الدستور، من توسخت ثياب معاملته بالمعاصي لم يقرب من المقربين، من سودت الذنوب وجه جاهه ذل بين الأكرمين، من ركب ظهر التفريط نزل به دار الندامة.
أما سمعتم أن " داود " أعطي نعمة نغمة كان يقف لها الماء فلا يسير، والطير مع ذلك وقوف الأسير، فعمل مرض (لا تَقفُ) في حجاب (يَغضوا) فامتدت به يد البصر، فقدمت قميص " يوسف " العصمة، فآثر زلله حتى في تلاوته، وقد كان معمار الوصال يتفقد قديما آلات صوته، فلما أقبل على الذنب أعرض المعمار عن المراعاة، فتشعث منزل الصفاء، وانقطعت جامكية العسكر، فتفرقت جنود أوبي.
فيالك من جرح تعز مراهمه.
كان عيش عشبة خضرا فأحالت الحال سنة، فكأن أيام الوصال كانت سنة، فكاد يقطع باليأس، حتى التقى الخضر بإلياس.
أَرقى قَد رَقّ لي مِن أَرقى ... وَرثي لي قَلقَي من قَلَقي
وَبُكائي مِن بُكائي قَد بَكى ... وَتَشَكَّت حُرقي مِن حِرقي
كان إذا أراد النياحة نادى مناديه: ألا من أراد أن يسمع نوح داود فليخرج، فتجتمع عليه أهل الأحزان في مأتم الندب، فتزداد الحرق بالتعاون.
يا بَعيدَ الدارِ عَن وَطَنِهِ ... مُغَرداً يَبكي عَلى شَجنِهِ
كُلُما جَد النَحيبُ بِهِ ... زادَت الأَسقامَ في بَدَنِهِ
وَلَقَد زادَ الفُؤادَ شَجىِّ ... طائِرٌ يَبكي عَلى فَنَنِهِ
شاقَهُ ما شاقَنَي فَبَكى ... كُلَّنا يَبكي عَلى سَكَنِهِ
الفصل الخامس عشر
الإخلاص
الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، ينبه ريحه على حامله، العمل صورة، والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل لم تكن حاجا إلا بشهود الموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات، فإن خصم الإخلاص إذا جاء عند حاكم الجزاء ألزم الحبس عن القبول. سوق الإخلاص رائجة رابحة ليس فيها كساد، المخلص يعد طاعاته لاحتقارها عرضا، وقلم القبول قد أثبتها في حيز الجوهر، المخلص مبهرج على الحق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد.
لما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة جمال الخمول من حلة حلية " أويس " عمل معول الشوق في قلب " عمر " فكان في كل عام ينشد بلفظ الطالب، ويسأل عن أهل اليمن.
ألا أيها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَجوا ... عَلَينا فَقَد أَمسى هوانا يَمانيا
نِسائِلُكُم هَل سالَ نِعمانُ بَعدَنا ... وَحُبَّ إلينا بَطنُ نِعمانَ وادِيا
فلما لقيه " عمر " قال: من أنت؟ قال: راعي غنم، وأجير قوم، وستر ذكر " أويس " .
الأولياء تحت ستر الخمول ما يعلمهم إلا قليل، فإن عرفتهم بسيماهم فتلمح نقاء الأسرار، لا دنس الثياب (وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم).
كان في " أيوب السختياني " بعض الطول لستر الحال، وكان إذا تحث فرق قلبه وجاء الدمع قال: ما أشد الزكام؟؟!.
أَفدي ظِباءَ فُلاةٍ ما عَرَفنَ بِها ... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجِبِ
كان " إبراهيم بن أدهم " إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء كيلا يتشبه بالشاكين. هذه والله بهرجة أصح من نقدك.
قَد سَحَبَ الناسُ أّذيالَ الظُنونِ بِنا ... وَفَرَّقَ الناسُ فينا قَولَهُم فِرقا
فَكاذِبٌ قَد رَمى بِالظَنِ غَيرَكُمُ ... وَصادِقٌ لَيس يَدري أَنّهُ صَدَقا
للمؤمن في إخلاصه أحوال، يتصدق بيمنيه فيخفيها عن شماله. كان " النخعي " إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان " ابن أبي ليلى " يصلي، فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال " الحسن " كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
باحَ مَجنونُ عامِرٍ بِهواهُ ... وَكَتَمتُ الهَوى فَمَتَّ بِوجدي
سحقت نافجة مسك المحبة فبثت في محاريب المتعبدين، وليس كل ثوب يعلق به الطيب " رب قائم حظه السهر " .
كما من مراء يتعب في تهجده، فتفض ريجح الرياء أوراق تعبده، فتبقى أغصان العمل كالسلا، وليس للشوك نسيم (فَلَو صَدَقوا اللَهَ لَكانَ خَيرا لَهُم).
إذا بهرج المنافق على عمل المخلص، فماجت أراييج النفاق، القلوب لجيفته، فذهب عمله جفاء.
واعجبا من أهل الرياء! على من يبهرجون؟ (وَرَبُكَ يَعلَمُ ما تَكِنُ صُدورُهُم) غلب على المخلصين الخشوع، فجاء المرائي يبهرج، فقيل: مهلا، فالناقد بصير، لما أخذ دود القز ينسج جاء العنكبوت يتشبه، فنادى لسان الحال الفاروق:
إِذا اِشتَبهت دُموعُ في خُدودٍ ... تَبينَّ مَن بَكى مِمَّن تَباكى).
الفصل السادس عشر
الإقبال على الله تعالى
يا مختار القدر، اعرف قدر قدرك، خلقت الأكوان لأجلك، أقبل علي، فإني مقبل، متى رمت طلبي فاطلبني عندك بدليل " وسعني " .
ساكِنٌ في القَلبِ يَعمُرُهُ ... لَستُ أَنساهُ فأَذكُرُهُ
كان عيش عشبة خضرا فأحالت الحال سنة، فكأن أيام الوصال كانت سنة، فكاد يقطع باليأس، حتى التقى الخضر بإلياس.
أَرقى قَد رَقّ لي مِن أَرقى ... وَرثي لي قَلقَي من قَلَقي
وَبُكائي مِن بُكائي قَد بَكى ... وَتَشَكَّت حُرقي مِن حِرقي
كان إذا أراد النياحة نادى مناديه: ألا من أراد أن يسمع نوح داود فليخرج، فتجتمع عليه أهل الأحزان في مأتم الندب، فتزداد الحرق بالتعاون.
يا بَعيدَ الدارِ عَن وَطَنِهِ ... مُغَرداً يَبكي عَلى شَجنِهِ
كُلُما جَد النَحيبُ بِهِ ... زادَت الأَسقامَ في بَدَنِهِ
وَلَقَد زادَ الفُؤادَ شَجىِّ ... طائِرٌ يَبكي عَلى فَنَنِهِ
شاقَهُ ما شاقَنَي فَبَكى ... كُلَّنا يَبكي عَلى سَكَنِهِ
الفصل الخامس عشر
الإخلاص
الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، ينبه ريحه على حامله، العمل صورة، والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل لم تكن حاجا إلا بشهود الموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات، فإن خصم الإخلاص إذا جاء عند حاكم الجزاء ألزم الحبس عن القبول. سوق الإخلاص رائجة رابحة ليس فيها كساد، المخلص يعد طاعاته لاحتقارها عرضا، وقلم القبول قد أثبتها في حيز الجوهر، المخلص مبهرج على الحق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد.
لما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة جمال الخمول من حلة حلية " أويس " عمل معول الشوق في قلب " عمر " فكان في كل عام ينشد بلفظ الطالب، ويسأل عن أهل اليمن.
ألا أيها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَجوا ... عَلَينا فَقَد أَمسى هوانا يَمانيا
نِسائِلُكُم هَل سالَ نِعمانُ بَعدَنا ... وَحُبَّ إلينا بَطنُ نِعمانَ وادِيا
فلما لقيه " عمر " قال: من أنت؟ قال: راعي غنم، وأجير قوم، وستر ذكر " أويس " .
الأولياء تحت ستر الخمول ما يعلمهم إلا قليل، فإن عرفتهم بسيماهم فتلمح نقاء الأسرار، لا دنس الثياب (وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم).
كان في " أيوب السختياني " بعض الطول لستر الحال، وكان إذا تحث فرق قلبه وجاء الدمع قال: ما أشد الزكام؟؟!.
أَفدي ظِباءَ فُلاةٍ ما عَرَفنَ بِها ... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجِبِ
كان " إبراهيم بن أدهم " إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء كيلا يتشبه بالشاكين. هذه والله بهرجة أصح من نقدك.
قَد سَحَبَ الناسُ أّذيالَ الظُنونِ بِنا ... وَفَرَّقَ الناسُ فينا قَولَهُم فِرقا
فَكاذِبٌ قَد رَمى بِالظَنِ غَيرَكُمُ ... وَصادِقٌ لَيس يَدري أَنّهُ صَدَقا
للمؤمن في إخلاصه أحوال، يتصدق بيمنيه فيخفيها عن شماله. كان " النخعي " إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان " ابن أبي ليلى " يصلي، فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال " الحسن " كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
باحَ مَجنونُ عامِرٍ بِهواهُ ... وَكَتَمتُ الهَوى فَمَتَّ بِوجدي
سحقت نافجة مسك المحبة فبثت في محاريب المتعبدين، وليس كل ثوب يعلق به الطيب " رب قائم حظه السهر " .
كما من مراء يتعب في تهجده، فتفض ريجح الرياء أوراق تعبده، فتبقى أغصان العمل كالسلا، وليس للشوك نسيم (فَلَو صَدَقوا اللَهَ لَكانَ خَيرا لَهُم).
إذا بهرج المنافق على عمل المخلص، فماجت أراييج النفاق، القلوب لجيفته، فذهب عمله جفاء.
واعجبا من أهل الرياء! على من يبهرجون؟ (وَرَبُكَ يَعلَمُ ما تَكِنُ صُدورُهُم) غلب على المخلصين الخشوع، فجاء المرائي يبهرج، فقيل: مهلا، فالناقد بصير، لما أخذ دود القز ينسج جاء العنكبوت يتشبه، فنادى لسان الحال الفاروق:
إِذا اِشتَبهت دُموعُ في خُدودٍ ... تَبينَّ مَن بَكى مِمَّن تَباكى).
الفصل السادس عشر
الإقبال على الله تعالى
يا مختار القدر، اعرف قدر قدرك، خلقت الأكوان لأجلك، أقبل علي، فإني مقبل، متى رمت طلبي فاطلبني عندك بدليل " وسعني " .
ساكِنٌ في القَلبِ يَعمُرُهُ ... لَستُ أَنساهُ فأَذكُرُهُ
غابَ عَن سَمعي وَعَن بَصَري ... وَسُويدَ القَلبِ يُبصِرُهُ
بيننا عهد (أَلستَ) شجراته تسقى بمياه " هل من سائل " .
إِذا مَرِضنا أَتيناكُم نَعُودُكُمُ ... وَتُذنِبونَ فَنَأتيكُم فَنَعتَذِرُ
أودعت إقرارك الحجر الأسود، وأمرتك بالحج لتستحي بالتذكر من نقض العهد.
تَشاغَلتُم عَنا بِصُحبَةِ غَيرِنا ... وَأَظهَرتُم الهِجرانَ ما هَكَذا كُنا
وَأَقسَمتُم أَن لا تُحَوِلوا عِنِ الهَوى ... فَقَد وَحَياةِ الحُبِ حُلتُم وَما حُلُنا
الحجر الأسود صندوق أسرار المواثيق، مستمل لما أملى، المعاهد مشتمل على حفظ العهود، فاستلم المشتمل المستملي، ليعلم أن إقرارك لا عن إكراه، إن كنت نسيتني فما نسيتك.
فَلا تَحسَبوا أَني وِدادُكُم ... فَإِني وَإِن طالَ المَدى لَستُ أَنساكُم
حَفِظنا وَضَيَعتُم عُهودَ وِدادِنا ... فَلا كانَ مَن بالهَجرِ وَاللومِ أَغراكُمُ
يا محدثا في عهد (بَلى) ما ليس فيه تطهر من أدران الزلل، فلا بد للمحدث من طهارة: خلقتك يوم الفطرة طاهرا، ووفرت نصيبك من رش نوري عليك، فأينعت " أغصان " الإقرار، وهدجأت حمائم الوفقا، وتدلت ثمار الوفاء، فلما تدنست بالذنب عطشت أرض الوصال، فمالت أغصان المحبة، وقحلت روضة المعاملة، فطاف على جنة العزم طائف المصارمة (فَأَصبَحَت كالصَرَيم) فنكس الآن رأس الذل طول شتاء الهجر، وابعث بريد الأسى ليبعث مزن الحزن لعلها تبكي على قاع الإفلاس، ومسكن المسكنة، فتدب المياه في عروق أغصان اللب، فتهتز العيدان في ربيع الإستدراك، فما ارتوى زرع توبة قط إلا من داودل الحدق.
لَعلَ أَيامَنا التَي سَلَفَت ... تَعودُ بَيضا كَما عَهِدناها
يا هذا: لا ضرر يلحقنا في معاصيك، إنما المراد صيانتك، ولا نفع لنا في طاعتك، إنما المقصود ربحك، فتدبر أمرك.
يا قوم من غيرتنا عليكم حرمنا عليكم الفواحش.
كم ندعوك وتأبى إلا الهجر، فلا العهد رعيت، ولا للتقويم استويت.
يا مَن يَعزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم ... وَجِدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
وَبَينَنا لَو رُعيتُم ذاك مَعرِفةٌ ... إنّ المَعارِفَ في أَهلِ الهَوى ذِمَمُ
الفصل السابع عشر
في إغتنام العمر إخواني: من رأى تصرف الدهر انتبه، أما في الغير عبر، مهد الطفل عنوان اللحد، ريح نقع الأجل يقشع غيم الأمل، الشباب باكورة الحياة، والشيب رداء الردى، لو أن أيام الشباب تباع لبذلنا فيها أنفس الأنفس، متى أسفر صبح المشيب هوى نجم الهوى، إذا قرع المرء بباب الكهولة فقد استأذن على البلى، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية.
يا من انطوى برد شبابه، وجيئت خلع قلعه، وبلغت سفينة سفره الساحل، قف على ثنية الوداع.
فَلَم يَبقَ إِلا نَظرَةٌ تَتَغَنَمُ قطع الشيب سلك العمر، فالتقط الخرز، ورث سفاء الأمل، قاشدد بالعمل بعض الخرز. عمرك يذوب ذوبابن الثلج، وتوانيك أبرد منه.
وَلَم يَبقَ مِن أَيامِ جَمعِ إِلى مِنى ... إِلى مَوقِفِ التَجميرِِ غَيرُ أَماني
أنت تحب الإقامة، ولكن ما تحمل المفازة، في نفس الجمل غير ما في نفس السائق، ولو ترك القطا لنام.
العاقل من استعد لما يجوز وقوعه كيف يغفل عما لا بد من كونه؟؟ زمن التررد قصير لا يحتمل التسويف.
واعجبا لعمر لو ملىء بالزاد خيف عليه العوز، فكيف إذا تناهبته أيدي البطالة.
واعجباب لمن ينشد وقد أضل نفسه، ولمن يشفق أن ينفق دراهمه وقد ضيع عمره.
كان " ثلاج " لا معاش له سوى بيع الثلج، فبقي عنده منه شيء، لم ينفق، فجعل يقول في مناداته: ارحموا من يذوب رأسه ماله.
بيننا عهد (أَلستَ) شجراته تسقى بمياه " هل من سائل " .
إِذا مَرِضنا أَتيناكُم نَعُودُكُمُ ... وَتُذنِبونَ فَنَأتيكُم فَنَعتَذِرُ
أودعت إقرارك الحجر الأسود، وأمرتك بالحج لتستحي بالتذكر من نقض العهد.
تَشاغَلتُم عَنا بِصُحبَةِ غَيرِنا ... وَأَظهَرتُم الهِجرانَ ما هَكَذا كُنا
وَأَقسَمتُم أَن لا تُحَوِلوا عِنِ الهَوى ... فَقَد وَحَياةِ الحُبِ حُلتُم وَما حُلُنا
الحجر الأسود صندوق أسرار المواثيق، مستمل لما أملى، المعاهد مشتمل على حفظ العهود، فاستلم المشتمل المستملي، ليعلم أن إقرارك لا عن إكراه، إن كنت نسيتني فما نسيتك.
فَلا تَحسَبوا أَني وِدادُكُم ... فَإِني وَإِن طالَ المَدى لَستُ أَنساكُم
حَفِظنا وَضَيَعتُم عُهودَ وِدادِنا ... فَلا كانَ مَن بالهَجرِ وَاللومِ أَغراكُمُ
يا محدثا في عهد (بَلى) ما ليس فيه تطهر من أدران الزلل، فلا بد للمحدث من طهارة: خلقتك يوم الفطرة طاهرا، ووفرت نصيبك من رش نوري عليك، فأينعت " أغصان " الإقرار، وهدجأت حمائم الوفقا، وتدلت ثمار الوفاء، فلما تدنست بالذنب عطشت أرض الوصال، فمالت أغصان المحبة، وقحلت روضة المعاملة، فطاف على جنة العزم طائف المصارمة (فَأَصبَحَت كالصَرَيم) فنكس الآن رأس الذل طول شتاء الهجر، وابعث بريد الأسى ليبعث مزن الحزن لعلها تبكي على قاع الإفلاس، ومسكن المسكنة، فتدب المياه في عروق أغصان اللب، فتهتز العيدان في ربيع الإستدراك، فما ارتوى زرع توبة قط إلا من داودل الحدق.
لَعلَ أَيامَنا التَي سَلَفَت ... تَعودُ بَيضا كَما عَهِدناها
يا هذا: لا ضرر يلحقنا في معاصيك، إنما المراد صيانتك، ولا نفع لنا في طاعتك، إنما المقصود ربحك، فتدبر أمرك.
يا قوم من غيرتنا عليكم حرمنا عليكم الفواحش.
كم ندعوك وتأبى إلا الهجر، فلا العهد رعيت، ولا للتقويم استويت.
يا مَن يَعزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم ... وَجِدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
وَبَينَنا لَو رُعيتُم ذاك مَعرِفةٌ ... إنّ المَعارِفَ في أَهلِ الهَوى ذِمَمُ
الفصل السابع عشر
في إغتنام العمر إخواني: من رأى تصرف الدهر انتبه، أما في الغير عبر، مهد الطفل عنوان اللحد، ريح نقع الأجل يقشع غيم الأمل، الشباب باكورة الحياة، والشيب رداء الردى، لو أن أيام الشباب تباع لبذلنا فيها أنفس الأنفس، متى أسفر صبح المشيب هوى نجم الهوى، إذا قرع المرء بباب الكهولة فقد استأذن على البلى، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية.
يا من انطوى برد شبابه، وجيئت خلع قلعه، وبلغت سفينة سفره الساحل، قف على ثنية الوداع.
فَلَم يَبقَ إِلا نَظرَةٌ تَتَغَنَمُ قطع الشيب سلك العمر، فالتقط الخرز، ورث سفاء الأمل، قاشدد بالعمل بعض الخرز. عمرك يذوب ذوبابن الثلج، وتوانيك أبرد منه.
وَلَم يَبقَ مِن أَيامِ جَمعِ إِلى مِنى ... إِلى مَوقِفِ التَجميرِِ غَيرُ أَماني
أنت تحب الإقامة، ولكن ما تحمل المفازة، في نفس الجمل غير ما في نفس السائق، ولو ترك القطا لنام.
العاقل من استعد لما يجوز وقوعه كيف يغفل عما لا بد من كونه؟؟ زمن التررد قصير لا يحتمل التسويف.
واعجبا لعمر لو ملىء بالزاد خيف عليه العوز، فكيف إذا تناهبته أيدي البطالة.
واعجباب لمن ينشد وقد أضل نفسه، ولمن يشفق أن ينفق دراهمه وقد ضيع عمره.
كان " ثلاج " لا معاش له سوى بيع الثلج، فبقي عنده منه شيء، لم ينفق، فجعل يقول في مناداته: ارحموا من يذوب رأسه ماله.
فقرك من الخير مشوب بالكسل، ومتى كان الفقير كسلان فلا وجه للغنى، لو كانت لك أنفة من التواني لخرجت من ربقة الذل، بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتتك رفقة (تَتَجافَى جُنُوبُهُم) امتلأت طعاما فإذا غريم الفراش يتقاضاك بدين النوم، فضرب على أذنك لا في موافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى أنم وأرقم، فجعل حدك الحبس عن قيام الليل، فخرج على توقيع قصتك وقت الفجر (رَضوا بِأَن يَكونُوا مَعَ الخوالِف).
والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بتعمير " نوح " في ملك " قارون " لغبنت، لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت، ومن ذاق عرف.
الفصل الثامن عشر
أعمال الملائكة
خلقت الملائكة من نور لا ظلمة فيه، وخلقت الشياطين من ظلمة لا نور فيها، وركب البشر من الضدين، فظلام نفسه مقترن بنور عقله، بينهما حاجز لطيف، لا تعلمه إلا بالمجاهدة، كما أن بين الشمس والظل خط لا يراه إلا المهندس، فالملل يسبح لأنه صاف، والشيطان يعصي لأنه كدر، وإنما العجب تقوى من تقوى في حقه الأضداد.
الآدمي عقل وهوى غير أن بين الهوى والهدى برزخ من التوفيق، لولا لطائف الإعانة قلع سكر التماسك، ولم تطق البشرية المدافعة، لولا لاحقة (لَنَهدِيَنّهُم) لسابقة (سَبَقَت لَهُم).
فالصبر الصبر أيها المحارب، ولا تخف من كمين (وَاستَفزِز) ما دام لك مدد (يُثَبِتُ اللَهُ الَّذَينَ آَمَنوا) هبت عواصف التكليف البشري فلم يتماسك " هاروت " و " ماروت " فرمى بهما رمي " عاد " وقال موافق (أَتَجعَلُ فيها) إن للحرب رجالا خلقوا، كانت الملائكة تدعو على العصاة قبل " هاروت " و " ماروت " فلما جرت قصتهم صاروا يسبحون لمن في الأرض، كما كان " داود " يقول: لا تغفر للخطائين، فلما زل عرف.
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مِن لا يَعشَقُ
وَعَرَفتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبي أَنَني ... عَيَّرتُهُم فَلَقَيتُ فيهِم ما لَقوا
خب بحر الأمانة فوقفت الملائكة على الساحل ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، والمحب لا يرى العواقب، ولسكران الوجد إقدام.
يَغلِبُني شَوقي فَأَطوين السُّرى ... وَلَم يَزَل ذو الشَوقِ مَغلوباً
أين مجاهدة الآدمي من تعبد الملائكة، حال الآدمي أعجب، تسبيح الملائكة يدور على ألسنتهم بالطبع، تعبدهم لا عن تعب، ورد شجرهم خال من شوك الحب، الأغلب على أوصافهم أنوثية السلامة، لا ذكورية الجهاد، سبح تسبيحهم عقود ما نظمها التكليف، ثمرات زرعهم نشأت لا عن كلف، ساقها سيح العصمة، فكثر في زكوات تبعدهم قدر الواجب (وَيَستَغفِرونَ لِمَ، في الأرض) ظنت الملائكة أن أيدي العصمة أصنع من نظم التسبيح، ونسوا أن يبس الأشجار أيام الشتاء سبب لزهر النور في الربيع.
الفصل التاسع عشر
عزيمة الرجال
العزائم في قلوب أربابها كالنار تشتعل، إنها لتستعمل البدن ولا تحس بالتعب.
يغلبني شوقي فأطوي السرى للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم، وطنوا النفوس على الموت فحصلت الحياة.
لَو رَأَيتَ ذا العَزمِ قَد بَرَزَ في بُرازِ الجَدِيَمُدُ عِناناً لَم تُخنِةَ الشَكائِمُ
فلما عاين هولا يلين له قلب الجبان، حن إلى عوده المعجوم من الإصابة، فهو في صف الجهاد أثبت قلبا من القطب في الفلك، إن جن الليل لم تتصافح أجفانه، لا تنتظر لقيامه وقت السحر، وكيف وغلة الصادي تأبى له.
انتظارا لوراد، فما مضى إلا قَليلٌ فَإِذا بِهِ ... عَلى قِمَةِ المَجدِ المُؤَثًلِ جالِسُ
من لم يقم في طلاب المجد ... لم ينم في ظلال الشرف
تَقولُ سُلَيمى لَو أَقَمتَ بِأَرضِنا ... وَلَم تَدر أَني لِلمُقامِ أَطوفُ
كل الصحابة هاجروا سرا، و " عمر " خرج ظاهرا وقال للمشركين: ها أنا اخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي مذ عزم " عمر " على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة الدنيا، فكان بيته - وهو أمير المؤمنين - كبيت فقير من المسلمين.
تَجَمَعت في فُؤادِهِ هَمَمُ ... مِثلُ فُؤادِ الزَمانِ إِحداها
والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بتعمير " نوح " في ملك " قارون " لغبنت، لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت، ومن ذاق عرف.
الفصل الثامن عشر
أعمال الملائكة
خلقت الملائكة من نور لا ظلمة فيه، وخلقت الشياطين من ظلمة لا نور فيها، وركب البشر من الضدين، فظلام نفسه مقترن بنور عقله، بينهما حاجز لطيف، لا تعلمه إلا بالمجاهدة، كما أن بين الشمس والظل خط لا يراه إلا المهندس، فالملل يسبح لأنه صاف، والشيطان يعصي لأنه كدر، وإنما العجب تقوى من تقوى في حقه الأضداد.
الآدمي عقل وهوى غير أن بين الهوى والهدى برزخ من التوفيق، لولا لطائف الإعانة قلع سكر التماسك، ولم تطق البشرية المدافعة، لولا لاحقة (لَنَهدِيَنّهُم) لسابقة (سَبَقَت لَهُم).
فالصبر الصبر أيها المحارب، ولا تخف من كمين (وَاستَفزِز) ما دام لك مدد (يُثَبِتُ اللَهُ الَّذَينَ آَمَنوا) هبت عواصف التكليف البشري فلم يتماسك " هاروت " و " ماروت " فرمى بهما رمي " عاد " وقال موافق (أَتَجعَلُ فيها) إن للحرب رجالا خلقوا، كانت الملائكة تدعو على العصاة قبل " هاروت " و " ماروت " فلما جرت قصتهم صاروا يسبحون لمن في الأرض، كما كان " داود " يقول: لا تغفر للخطائين، فلما زل عرف.
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مِن لا يَعشَقُ
وَعَرَفتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبي أَنَني ... عَيَّرتُهُم فَلَقَيتُ فيهِم ما لَقوا
خب بحر الأمانة فوقفت الملائكة على الساحل ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، والمحب لا يرى العواقب، ولسكران الوجد إقدام.
يَغلِبُني شَوقي فَأَطوين السُّرى ... وَلَم يَزَل ذو الشَوقِ مَغلوباً
أين مجاهدة الآدمي من تعبد الملائكة، حال الآدمي أعجب، تسبيح الملائكة يدور على ألسنتهم بالطبع، تعبدهم لا عن تعب، ورد شجرهم خال من شوك الحب، الأغلب على أوصافهم أنوثية السلامة، لا ذكورية الجهاد، سبح تسبيحهم عقود ما نظمها التكليف، ثمرات زرعهم نشأت لا عن كلف، ساقها سيح العصمة، فكثر في زكوات تبعدهم قدر الواجب (وَيَستَغفِرونَ لِمَ، في الأرض) ظنت الملائكة أن أيدي العصمة أصنع من نظم التسبيح، ونسوا أن يبس الأشجار أيام الشتاء سبب لزهر النور في الربيع.
الفصل التاسع عشر
عزيمة الرجال
العزائم في قلوب أربابها كالنار تشتعل، إنها لتستعمل البدن ولا تحس بالتعب.
يغلبني شوقي فأطوي السرى للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم، وطنوا النفوس على الموت فحصلت الحياة.
لَو رَأَيتَ ذا العَزمِ قَد بَرَزَ في بُرازِ الجَدِيَمُدُ عِناناً لَم تُخنِةَ الشَكائِمُ
فلما عاين هولا يلين له قلب الجبان، حن إلى عوده المعجوم من الإصابة، فهو في صف الجهاد أثبت قلبا من القطب في الفلك، إن جن الليل لم تتصافح أجفانه، لا تنتظر لقيامه وقت السحر، وكيف وغلة الصادي تأبى له.
انتظارا لوراد، فما مضى إلا قَليلٌ فَإِذا بِهِ ... عَلى قِمَةِ المَجدِ المُؤَثًلِ جالِسُ
من لم يقم في طلاب المجد ... لم ينم في ظلال الشرف
تَقولُ سُلَيمى لَو أَقَمتَ بِأَرضِنا ... وَلَم تَدر أَني لِلمُقامِ أَطوفُ
كل الصحابة هاجروا سرا، و " عمر " خرج ظاهرا وقال للمشركين: ها أنا اخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي مذ عزم " عمر " على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة الدنيا، فكان بيته - وهو أمير المؤمنين - كبيت فقير من المسلمين.
تَجَمَعت في فُؤادِهِ هَمَمُ ... مِثلُ فُؤادِ الزَمانِ إِحداها
كان رضي الله عنه يقول: لئن عشت لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي.
وَهِمَّةٌ بَعَثتُها هِمِةُ زُحَلُ ... مِن تَحتِها بِمَكانِ التُّربِ مِن زُحَلِ
لما ولي " عمر بن عبد العزيز " سمع البكاء في داره، فقيل: ما لهم؟ قيل: إنه خير النساء والجواري قال: من شاءت فلتقم، ومن شاءت فلتذهب، فإنه قد جاء أمر شغلني عنكن.
أَقسَمُ بِالعِفَةِ لأتيِّمَهُ ... ظَبيٌ رَنا أَو غُصنُ تَأَوَّدا
وَكُلَما قيلَ لَه تَهِنَّ قَد ... حَزَتِ المِنى فَقَد جَزَت المَدى
واعجبا! أين العزائم؟ إن العجز لشريك الحرمان، وإيثار الراحة يورث التعب.
وَالهُونَ في ظلِ الهُوينا كامِنٌ ... وَجَلالَةُ الأَخطارِ في الأخطارِ
اغسل وجه الجد من غبار الكسل، وأنفق كيس الصبقر في طريق الفضائل، إن كانت لك عزيمة فليس في لغة أولي العزم ربما وعسى.
لَيسَ عَزماً ما مَرِض القَلبُ فيه ... لَيس هَماً ما عاقَ عَنهُ الظَلامُ
الفصل العشرون
الظلام والتيه
يا تائها في ظلمة ظلمه، ياموغلا في مفازة تيهه، يا باحثا عن مدية حتفه، يا حافرا زبية هلاكه، يا معمقا مهواة مصرعه، بئسما اخترت لأحب الأنفس إليك.
ويحك! تلمح الجادة فأنت في ظلال عين أملك ترى المحبوب وتعمى عن المكاره، إذا كان عمرك في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى، كيف يبقى على حالته من يعمل الدهر في إحالته؟ كيف تطيب الدنيا لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتمل له سرور يوم؟ كم قرع الزمان بوعظه فما سمعت (لِيُنذِرَ مَن كانَ حَياً) صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر فما تيقظت، فتنبه إذا نعق غراب البين بين البين.
وَمَشَتِتِ العَزَماتِ يُنِفقُ عُمرَهُ ... حَيرانَ لا ظَفَرٌ وَلا إِخفاقُ
يا مؤثرا ما يفني على ما يبقى، هذا رأي طبعك، هلا استشرت عقلك لتسمع أنصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب.
ويحك! شهوات الدنيا أحلام يزخر منها نوم الغفلة، ونظر الجاهل لا يتعدى سور الهوى، ولا يخرق حجاب الغفلة، فأما ذو الفهم فيرى ما وراء الستر، لاحت الشهوات لأعين الطباع فغمض عنها (الَّذَينَ يُؤمِنونَ بالغَيب) فوقع أكثر الخلق في التيه، والقوم (عَلى هُدى مِن رَبِهِم).
رحل الصالحون وفي القوم تثبط، تالله لقد علموا شرف المقصد، ولكن بعدت عليهم الشقة، واأسفا! لو عرفوا عمن انقطعوا لتقطعوا، يصبحون في جمع الحكام، ويبيتون على فراش الآثام، وينفقون في الهوى بضائع الأيام (أَُولَئِكَ الَّذَينَ اِشتَروا الضَلالَةَ بِالهُدى) سلمت إليهم أموال الأعمار فأنفقوها في ديار البطالة (فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم) هذا والعبر تصيح (فَهَل يَنتَظِرونَ إِلا مِثلُ أَيامِ الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم) غير أن المسامع قد تملكها الصمم، ويحهم!! هلا تدبروا فساد رأي أمل (وَأَن عَسى أَن يكونَ قَد اِقترَبَ أَجَلُهُم) إن في الماضي للمقيم عبرة، وليس المرء من غده على ثقة، ولا العمر إذا مر يعود، وغواري الليالي في ضمان الإرتجاع، والدهر يسير بالمقيم، فاشتر نفسك والسوق قائمة والثمن موجود، ولا تسمعن حديث التسويف.
فَما لِغَدٍ مِ، حادِثٍ بِكَفيلِ
وَهِمَّةٌ بَعَثتُها هِمِةُ زُحَلُ ... مِن تَحتِها بِمَكانِ التُّربِ مِن زُحَلِ
لما ولي " عمر بن عبد العزيز " سمع البكاء في داره، فقيل: ما لهم؟ قيل: إنه خير النساء والجواري قال: من شاءت فلتقم، ومن شاءت فلتذهب، فإنه قد جاء أمر شغلني عنكن.
أَقسَمُ بِالعِفَةِ لأتيِّمَهُ ... ظَبيٌ رَنا أَو غُصنُ تَأَوَّدا
وَكُلَما قيلَ لَه تَهِنَّ قَد ... حَزَتِ المِنى فَقَد جَزَت المَدى
واعجبا! أين العزائم؟ إن العجز لشريك الحرمان، وإيثار الراحة يورث التعب.
وَالهُونَ في ظلِ الهُوينا كامِنٌ ... وَجَلالَةُ الأَخطارِ في الأخطارِ
اغسل وجه الجد من غبار الكسل، وأنفق كيس الصبقر في طريق الفضائل، إن كانت لك عزيمة فليس في لغة أولي العزم ربما وعسى.
لَيسَ عَزماً ما مَرِض القَلبُ فيه ... لَيس هَماً ما عاقَ عَنهُ الظَلامُ
الفصل العشرون
الظلام والتيه
يا تائها في ظلمة ظلمه، ياموغلا في مفازة تيهه، يا باحثا عن مدية حتفه، يا حافرا زبية هلاكه، يا معمقا مهواة مصرعه، بئسما اخترت لأحب الأنفس إليك.
ويحك! تلمح الجادة فأنت في ظلال عين أملك ترى المحبوب وتعمى عن المكاره، إذا كان عمرك في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى، كيف يبقى على حالته من يعمل الدهر في إحالته؟ كيف تطيب الدنيا لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتمل له سرور يوم؟ كم قرع الزمان بوعظه فما سمعت (لِيُنذِرَ مَن كانَ حَياً) صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر فما تيقظت، فتنبه إذا نعق غراب البين بين البين.
وَمَشَتِتِ العَزَماتِ يُنِفقُ عُمرَهُ ... حَيرانَ لا ظَفَرٌ وَلا إِخفاقُ
يا مؤثرا ما يفني على ما يبقى، هذا رأي طبعك، هلا استشرت عقلك لتسمع أنصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب.
ويحك! شهوات الدنيا أحلام يزخر منها نوم الغفلة، ونظر الجاهل لا يتعدى سور الهوى، ولا يخرق حجاب الغفلة، فأما ذو الفهم فيرى ما وراء الستر، لاحت الشهوات لأعين الطباع فغمض عنها (الَّذَينَ يُؤمِنونَ بالغَيب) فوقع أكثر الخلق في التيه، والقوم (عَلى هُدى مِن رَبِهِم).
رحل الصالحون وفي القوم تثبط، تالله لقد علموا شرف المقصد، ولكن بعدت عليهم الشقة، واأسفا! لو عرفوا عمن انقطعوا لتقطعوا، يصبحون في جمع الحكام، ويبيتون على فراش الآثام، وينفقون في الهوى بضائع الأيام (أَُولَئِكَ الَّذَينَ اِشتَروا الضَلالَةَ بِالهُدى) سلمت إليهم أموال الأعمار فأنفقوها في ديار البطالة (فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم) هذا والعبر تصيح (فَهَل يَنتَظِرونَ إِلا مِثلُ أَيامِ الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم) غير أن المسامع قد تملكها الصمم، ويحهم!! هلا تدبروا فساد رأي أمل (وَأَن عَسى أَن يكونَ قَد اِقترَبَ أَجَلُهُم) إن في الماضي للمقيم عبرة، وليس المرء من غده على ثقة، ولا العمر إذا مر يعود، وغواري الليالي في ضمان الإرتجاع، والدهر يسير بالمقيم، فاشتر نفسك والسوق قائمة والثمن موجود، ولا تسمعن حديث التسويف.
فَما لِغَدٍ مِ، حادِثٍ بِكَفيلِ
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى