- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28469
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - فتح الأندلس
الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:44
فتح الأندلس
في
عام 86 هـ وفي زمن الوليد بن عبد الملك الأموي تولى موسى بن نصير المغرب ،
فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه الربوع ، واستطاع أن يفتح طنجة
فترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، وعهد إليه بالعمل على نشر
الإسلام في المنطقة ، وعسكر طارق بمن معه من المسلمين على سواحل بحر الزقاق
، وبدأت أنظارهم تتجه نحو أسبانيا .
وعاد موسى
إلى القيروان ، وعلم طارق أن ميناء سبتة على مقربة منه فبدأ يتحرك نحوه ،
وكان حاكم سبتة يليان قد تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم
المستقل في سبتة وماحولها ، واحتك يليان بالمسلمين وأحس بقوتهم وضغطهم عليه
، فعمل على كسب ود طارق بن زياد ، وكان طارق يتطلع لفتح أسبانيا ، فراسل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه .
وأما
الأندلس ( أسبانيا ) فقد حكمها القوط منذ عام 507 م ، غير أن أمرهم بدأ
يضعف ، وقسمت أسبانيا إلى دوقيات ، يحكم كل منها دوق ، يرجـع في سلطنته إلى
الملك في طليطلة ، وقسم المجتمع إلى طبقات : أعلاها طبقة الأشراف أصحاب
الأموال والمناصب وحكام الولايات والمدن والإقطاعيون ، ثم طبقة رجال الدين
الذين ملكوا الضياع وعاملوا عبيدهم بالعسف ، ثم طبقة المستخدمين وهم حاشية
الملك وموظفو الدولة ، ثم الطبقة الوسـطى وهم الزراع والتجار والحرفيين وقد
أثقلوا بالضرائب ، وأخيراً الطبقة الدنيا وهم الفلاحين والمحاربين
والعاملين في المنازل ، وبلغ البؤس بأهل أسبانيا أن حل بهم الوباء في
السنوات : 88 ، 89 ، 90 هـ حتى مات أكثر من نصـف سكانها .
وفي
عام 709 م تولى العرش وتيكا الذي يسميه العرب غيطشة ، ولكنه عزل في نهاية
السنة نفسها ثم قتل ، واستلم الحكم بعده أخيلا ، وفي العام التالي710 م وصل
ردريك - ويسميه العرب لذريق – إلى الحكم بعد عزل أخيلا ، وغرق لذريق في
الشهوات حتى نفرت منه القلوب ، وانقسمت البلاد في عهده ، فظهـر حزب قوي بزعامة أخيلا الذي حاول استرداد عرشه وحزب آخر ناصر الملك .
ولما كان يليان حليفاً لغيطشة فقد حـاول مد يد العون إلى حليفه ، ولكن أنصار لذريق ردوه عن الأندلس إلى العدوة الإفريقية ، فتحصن في سبتة ، وأخذ يرقب الأحداث .
وتذكر
الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى لغزو الأندلس ، وذلك أن يليان كان قد
أرسل ابنته إلى قصر لذريق لتتأدب ، وتنشأ فيه أسوة بغيرها من بنات القوط في
ذلك الزمان ، وأن لذريق بصر بالفتاة وطمع فيها ونال منها ، فكتبت إلى
أبيها بخبرها ، فدفعه ذلك إلى التفكير في الانتقام من لذريق ، فاتصل بطارق
وزين له فتح الأندلس ، وجعل نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمـأن إليهم ، وزار يليان موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح ، وطبيعي أن يشك موسى في صحة المعلومات فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة ، ففعل وعاد محملاً بالغنائم .
وليس هذا هو السبب الحقيقي للفتح ، ولكنه عجل به وساعد عليه ، وإلا فأعين طارق بن زياد على الأندلس منذ أن وصل طنجة ، ثم إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان ، كما أن المسلمين منذ أيام عثمان بن عـفان رضي الله عنه يفكرون بفتح القسطنطينية من جهة أوروبا بعد فتح الأندلس ، وقال عثمان حينها : ( إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر ، وأنتم إذا فتحتـم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان ) .
وكتب
موسى يستأذن الخليفة بدمشق ، فجاء رد الخليفة الوليد : ( أن خضها بالسرايا
حتى تختبرها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ) ، فكتب إليه موسى
: ( إنه ليس ببحر وإنما هو خليج يكاد الناظر أن يرى ماخلفه ) ، فكتب إليه
الخليفة : ( وإن كان ، فاختبره بالسرايا ) ، فأرسل موسى مولاه طريف ، وكان
في مائة فارس وأربعين راجلاً ، في مهمة استطلاعية ، وجاز البحر في أربعة
مراكب أعانهم بها يليان ، وذلك في شهر رمضان ، ونزل المسلمون في جزيرة
صغيرة على مقربة من الموضع الذي قامت فيه بلدة حملت اسم طريف ، وخفّت قوة
من أنصار يليان وأبناء غيطشة لعونهم وقامت بحراسة المعبر حتى تم نزولهم ،
ومن ذلك الموضع قام طريف وأصحابه بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل
غنموا فيها كثيراً ، وشجع هذا موسى على عبور الأندلس .
واختار موسى للفتح طارق
بن زياد ، وركب طارق السفن في سبعة آلاف من المسلمين ، جلّهم من البربر ،
وبينما هو في عرض المضيق على رأس سفينته إذ أخذته سنة من النوم ، فرأى
النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار ، قد تقلدوا السيوف ،
وتنكبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا طارق تقدم
لشأنك ) ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فيهب طارق
مستبشراً .
وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء عند
جبل سمي فيما بعد جبل طارق ، وكان لذريق مشغولاً بثورة أخيلا في الشمال ،
ولما علم بنزول المسلمين في أرض أسبانيا جمع جيشاً جراراً بلغ سبعين ألفاً ،
وفي رواية : مائة ألف .
وجاءت امرأة عجوز من أهل الجزيرة الخضراء
إلى طارق ، وقالت له : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان [ أخبار الزمان ] ،
فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم
الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك
فأنت هو ، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت ، فاستبشر ومن معه .
وسار
طارق باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة حرّف فيما بعد إلى وادي لكة ، وهنا
عرف طارق بأن لذريق وصل لقرطبة ، ثم تقدم واستعد للموقعة في سهل البرباط ،
وأرسل طارق يطلب المدد من موسى بن نصير ، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من
خيرة الجنود يقودهم طريف ، وفيهم عدد عظيم من العرب ، فأدركوا طارقاً قبيل
المعركة ، فأصبح عددهم اثني عشر ألفاً ، وقام طارق في أصحابه خطيباً فشجعهم
على الجهاد ، واستعد لذريق للقاء ، وقد ولى ولدي غيطشة على ميمنته وميسرته
.
وقبيل الالتحام أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق ، وأرسلوا إلى
طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعاً وخادماً لأبيهم ، فغلبهم على سلطانه بعد
مهلكه ، ويسألونه الأمان ، على أن يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم ،
وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها ، فأجابهم طارق إلى ذلك
وعاقدهم عليه ، وأرسل لذريق رجلاً من أصحابه ليعاين له جيش المسلمين ، فلما
عاد قال له : خذ على نفسك ، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت ، أو
إصابة ماتحت قدميك .
وقدم طارق نفراً من السودان بين يدي جيشه
ليتلقوا بما عرف عنهم من الصبر والثبات صدمة الجيش الأولى ، وبدأ القتال
يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ ، فأظهر فرسان القوط مقدرة
عظيمة أول المعركة ، وثبتوا لضغط المسلمين ، وأخذ يليان ورجاله يخذلون
الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه ، قائلين لهم : إن العرب جاؤوا للقضاء على
لذريق فقط ، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك .
وأثر
هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق ، فخرج فرسانه
من المعركة وتركوه لمصيره ، فاضطرب نظام جيشه وفر الكثير منهم ، وخارت قوى
لذريق ولم تغنه شجاعته شيئاً ، ويئس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون
للمسلمين . وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ورمى
بنفسه في وادي لكة فغرق ، وحمل النهر جثته إلى المحيط .
وبعد مصرعه احتل المسلمون المعسكر وغنموه ، واتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس ففتح شذونة
ومدوّرة وقرمونة وإشبيلية واستجة ، وكانت فيها قوة تجمعت من فلول عسكر
لذريق فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أظهر الله المسلمين عليهم ، ولم يلق
المسلمون فيما بعد ذلك حرباً مثلها ، وأقاموا على الامتناع أولاً إلى أن
ظفر طارق بأمير المدينة على النهر وحده ، فوثب عليه طارق في الماء فأخذه
وجاء به إلى المعسكر ، ثم صالحه طارق وخلى سبيله ، واستمر طارق في زحفه ،
وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة وتمكن من فتحها .
وجاءته
الرسائل من موسى تأمره بالتوقف ، وعبر موسى إلى الأندلس بناء على استغاثة
وجهها إليه طارق ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ، بجيش عدده ثمانية
عشر ألفاً ، ففتح بعض المدن كشذونة وقرمونة وإشبيلية وماردة ، وهي مدن لم يفتحها
طارق ، ثم التقى بطارق ووبخه على أنهم توغلوا أكثر مما ينبغي ، وأن خطوط
مواصلاتهم في الأندلس الواسعة في خطر ، فقد بقيت مناطق واسعة في شرق
الأندلس وغربها لم تفتح .
وأخيراً لقد قررت معركة وادي لكة مصير الأندلس لمدة ثمانية قرون ، وظل الأثر العربي الإسلامي في أسبانيا ليوم الناس هذا .
فتح الأندلس معركة وادي لكة ، للدكتور شوقي أبو خليل باختصار
في
عام 86 هـ وفي زمن الوليد بن عبد الملك الأموي تولى موسى بن نصير المغرب ،
فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه الربوع ، واستطاع أن يفتح طنجة
فترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، وعهد إليه بالعمل على نشر
الإسلام في المنطقة ، وعسكر طارق بمن معه من المسلمين على سواحل بحر الزقاق
، وبدأت أنظارهم تتجه نحو أسبانيا .
وعاد موسى
إلى القيروان ، وعلم طارق أن ميناء سبتة على مقربة منه فبدأ يتحرك نحوه ،
وكان حاكم سبتة يليان قد تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم
المستقل في سبتة وماحولها ، واحتك يليان بالمسلمين وأحس بقوتهم وضغطهم عليه
، فعمل على كسب ود طارق بن زياد ، وكان طارق يتطلع لفتح أسبانيا ، فراسل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه .
وأما
الأندلس ( أسبانيا ) فقد حكمها القوط منذ عام 507 م ، غير أن أمرهم بدأ
يضعف ، وقسمت أسبانيا إلى دوقيات ، يحكم كل منها دوق ، يرجـع في سلطنته إلى
الملك في طليطلة ، وقسم المجتمع إلى طبقات : أعلاها طبقة الأشراف أصحاب
الأموال والمناصب وحكام الولايات والمدن والإقطاعيون ، ثم طبقة رجال الدين
الذين ملكوا الضياع وعاملوا عبيدهم بالعسف ، ثم طبقة المستخدمين وهم حاشية
الملك وموظفو الدولة ، ثم الطبقة الوسـطى وهم الزراع والتجار والحرفيين وقد
أثقلوا بالضرائب ، وأخيراً الطبقة الدنيا وهم الفلاحين والمحاربين
والعاملين في المنازل ، وبلغ البؤس بأهل أسبانيا أن حل بهم الوباء في
السنوات : 88 ، 89 ، 90 هـ حتى مات أكثر من نصـف سكانها .
وفي
عام 709 م تولى العرش وتيكا الذي يسميه العرب غيطشة ، ولكنه عزل في نهاية
السنة نفسها ثم قتل ، واستلم الحكم بعده أخيلا ، وفي العام التالي710 م وصل
ردريك - ويسميه العرب لذريق – إلى الحكم بعد عزل أخيلا ، وغرق لذريق في
الشهوات حتى نفرت منه القلوب ، وانقسمت البلاد في عهده ، فظهـر حزب قوي بزعامة أخيلا الذي حاول استرداد عرشه وحزب آخر ناصر الملك .
ولما كان يليان حليفاً لغيطشة فقد حـاول مد يد العون إلى حليفه ، ولكن أنصار لذريق ردوه عن الأندلس إلى العدوة الإفريقية ، فتحصن في سبتة ، وأخذ يرقب الأحداث .
وتذكر
الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى لغزو الأندلس ، وذلك أن يليان كان قد
أرسل ابنته إلى قصر لذريق لتتأدب ، وتنشأ فيه أسوة بغيرها من بنات القوط في
ذلك الزمان ، وأن لذريق بصر بالفتاة وطمع فيها ونال منها ، فكتبت إلى
أبيها بخبرها ، فدفعه ذلك إلى التفكير في الانتقام من لذريق ، فاتصل بطارق
وزين له فتح الأندلس ، وجعل نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمـأن إليهم ، وزار يليان موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح ، وطبيعي أن يشك موسى في صحة المعلومات فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة ، ففعل وعاد محملاً بالغنائم .
وليس هذا هو السبب الحقيقي للفتح ، ولكنه عجل به وساعد عليه ، وإلا فأعين طارق بن زياد على الأندلس منذ أن وصل طنجة ، ثم إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان ، كما أن المسلمين منذ أيام عثمان بن عـفان رضي الله عنه يفكرون بفتح القسطنطينية من جهة أوروبا بعد فتح الأندلس ، وقال عثمان حينها : ( إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر ، وأنتم إذا فتحتـم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان ) .
وكتب
موسى يستأذن الخليفة بدمشق ، فجاء رد الخليفة الوليد : ( أن خضها بالسرايا
حتى تختبرها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ) ، فكتب إليه موسى
: ( إنه ليس ببحر وإنما هو خليج يكاد الناظر أن يرى ماخلفه ) ، فكتب إليه
الخليفة : ( وإن كان ، فاختبره بالسرايا ) ، فأرسل موسى مولاه طريف ، وكان
في مائة فارس وأربعين راجلاً ، في مهمة استطلاعية ، وجاز البحر في أربعة
مراكب أعانهم بها يليان ، وذلك في شهر رمضان ، ونزل المسلمون في جزيرة
صغيرة على مقربة من الموضع الذي قامت فيه بلدة حملت اسم طريف ، وخفّت قوة
من أنصار يليان وأبناء غيطشة لعونهم وقامت بحراسة المعبر حتى تم نزولهم ،
ومن ذلك الموضع قام طريف وأصحابه بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل
غنموا فيها كثيراً ، وشجع هذا موسى على عبور الأندلس .
واختار موسى للفتح طارق
بن زياد ، وركب طارق السفن في سبعة آلاف من المسلمين ، جلّهم من البربر ،
وبينما هو في عرض المضيق على رأس سفينته إذ أخذته سنة من النوم ، فرأى
النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار ، قد تقلدوا السيوف ،
وتنكبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا طارق تقدم
لشأنك ) ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فيهب طارق
مستبشراً .
وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء عند
جبل سمي فيما بعد جبل طارق ، وكان لذريق مشغولاً بثورة أخيلا في الشمال ،
ولما علم بنزول المسلمين في أرض أسبانيا جمع جيشاً جراراً بلغ سبعين ألفاً ،
وفي رواية : مائة ألف .
وجاءت امرأة عجوز من أهل الجزيرة الخضراء
إلى طارق ، وقالت له : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان [ أخبار الزمان ] ،
فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم
الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك
فأنت هو ، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت ، فاستبشر ومن معه .
وسار
طارق باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة حرّف فيما بعد إلى وادي لكة ، وهنا
عرف طارق بأن لذريق وصل لقرطبة ، ثم تقدم واستعد للموقعة في سهل البرباط ،
وأرسل طارق يطلب المدد من موسى بن نصير ، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من
خيرة الجنود يقودهم طريف ، وفيهم عدد عظيم من العرب ، فأدركوا طارقاً قبيل
المعركة ، فأصبح عددهم اثني عشر ألفاً ، وقام طارق في أصحابه خطيباً فشجعهم
على الجهاد ، واستعد لذريق للقاء ، وقد ولى ولدي غيطشة على ميمنته وميسرته
.
وقبيل الالتحام أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق ، وأرسلوا إلى
طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعاً وخادماً لأبيهم ، فغلبهم على سلطانه بعد
مهلكه ، ويسألونه الأمان ، على أن يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم ،
وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها ، فأجابهم طارق إلى ذلك
وعاقدهم عليه ، وأرسل لذريق رجلاً من أصحابه ليعاين له جيش المسلمين ، فلما
عاد قال له : خذ على نفسك ، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت ، أو
إصابة ماتحت قدميك .
وقدم طارق نفراً من السودان بين يدي جيشه
ليتلقوا بما عرف عنهم من الصبر والثبات صدمة الجيش الأولى ، وبدأ القتال
يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ ، فأظهر فرسان القوط مقدرة
عظيمة أول المعركة ، وثبتوا لضغط المسلمين ، وأخذ يليان ورجاله يخذلون
الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه ، قائلين لهم : إن العرب جاؤوا للقضاء على
لذريق فقط ، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك .
وأثر
هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق ، فخرج فرسانه
من المعركة وتركوه لمصيره ، فاضطرب نظام جيشه وفر الكثير منهم ، وخارت قوى
لذريق ولم تغنه شجاعته شيئاً ، ويئس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون
للمسلمين . وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ورمى
بنفسه في وادي لكة فغرق ، وحمل النهر جثته إلى المحيط .
وبعد مصرعه احتل المسلمون المعسكر وغنموه ، واتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس ففتح شذونة
ومدوّرة وقرمونة وإشبيلية واستجة ، وكانت فيها قوة تجمعت من فلول عسكر
لذريق فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أظهر الله المسلمين عليهم ، ولم يلق
المسلمون فيما بعد ذلك حرباً مثلها ، وأقاموا على الامتناع أولاً إلى أن
ظفر طارق بأمير المدينة على النهر وحده ، فوثب عليه طارق في الماء فأخذه
وجاء به إلى المعسكر ، ثم صالحه طارق وخلى سبيله ، واستمر طارق في زحفه ،
وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة وتمكن من فتحها .
وجاءته
الرسائل من موسى تأمره بالتوقف ، وعبر موسى إلى الأندلس بناء على استغاثة
وجهها إليه طارق ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ، بجيش عدده ثمانية
عشر ألفاً ، ففتح بعض المدن كشذونة وقرمونة وإشبيلية وماردة ، وهي مدن لم يفتحها
طارق ، ثم التقى بطارق ووبخه على أنهم توغلوا أكثر مما ينبغي ، وأن خطوط
مواصلاتهم في الأندلس الواسعة في خطر ، فقد بقيت مناطق واسعة في شرق
الأندلس وغربها لم تفتح .
وأخيراً لقد قررت معركة وادي لكة مصير الأندلس لمدة ثمانية قرون ، وظل الأثر العربي الإسلامي في أسبانيا ليوم الناس هذا .
فتح الأندلس معركة وادي لكة ، للدكتور شوقي أبو خليل باختصار
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى