- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28469
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - فتح كاشغر
الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:37
فتح كاشغر
كاشغر:
مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمتها في بعض فترات
التاريخ ، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة , والصين من جهة
ثانية , وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية
الجميلة.
وكانت
تعد قديماً من بلاد ما وراء النهر، وتضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من
سمرقند , وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون...
وتركستان
الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند
(كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية،
ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.
وقد
اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها،
فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة
الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون , وبعض المصادر العربية الحدينة،
إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم:
تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.
وقد
لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان
طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين ـ أبعد
بلاد العالم القديم ـ والدولة البيزنطية.
وبدأ
الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين
الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين
وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام
البلاد كافة.
ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.
التمهيد للفتح..
قطع
قتيبة بن مسلم الباهلي نهر جيحون في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م)
متوجهاً إلى فرغانة...واصطدمت قواته بقوات أهلها في مدينة خجندة إحدى مدن
إقليم فرغانة، فقاومه أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من
مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة مما اضطره إلى الاشتباك بهم
مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وانتهت أخيراً مقاومة أهل
فرغانة وحلفائهم الباسلة بفتح المسلمين الإقليم كافة. ..
الفتح :
كان
الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر
التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي
سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين
وأقربها إلى فرغانة.
وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.
وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.
ومضى
جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها
بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً
سريعاً موفقاً.
وفي
فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شِعب عصام)
الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة
مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.
والفعلة
هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم
الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية،
ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.
ويبدو
أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، كان عارضا من العوارض الطبيعية الوعرة،
يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية
القديمة...
تقدم
قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة
فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على
الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية ,
وبعث مقدمة أمام جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت
المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.
وأوغل
قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على
حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي
التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.
ولكن
المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة , ولا تقدم
التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.
المفاوضات :
بات
الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب
ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، بعد أن أوغل حتى
قارب الصين , واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه (ملك الصين) : «ابعث إلي
رجلاً شريفاً يخبرني عنكم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.
واختار
قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل
وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة , ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك , ..
وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي ـ مفوّهاً سليط اللسان ـ وقال لهم:
«إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم،
وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..
سار
وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا
الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا
الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في
مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده. ..
ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء». ..
وفي
غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من
خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.
وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.
وفي
اليوم الثالث أرسل إليهم,فشدوا عليهم سلاحهم , ولبسوا البيض
والمغافر,وتقلدوا السيوف , وأخذوا الرماح , وتنكبوا القسي , وركبوا خيولهم ,
وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين , فرأى أمثال الجبال مقبلة , فلما دنوا
ركزوا رماحهم , ثم أقبلوا نحوهم مشمرين , فقيل لهم قبل أن يدخلوا:ارجعوا
لما دخل قلوبهم من خوفهم ...
فركبوا
خيولهم , واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم , كأنهم يتطاردون بها,فقال
الملك لأصحابه :كيف ترونهم ؟ قالوا : ما رأينا مثل هؤلاء قط...
وانصرف
الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم , واستعادوا سلاحهم,
وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً ـ وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها -
كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل
هؤلاء!...
وفي
مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه
هبيرة، فقال له الملك حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي , وإنه ليس أحد
يمنعكم مني , وأنتم في بلادي , وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي, وأنا
سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم.
وما
كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم
التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً ... فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم
يصدق.
وسأل
الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي
الثالث؟ وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا
عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.
فقال
الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف،
فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.
وإذا
كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة
قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك
رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف
يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف
يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟ !..
وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.
وبهت
الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن
رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف
ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية...
فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..
ودعا
الملك بصحاف من ذهب , فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة
غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد , فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة
الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.
وقد
لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن
معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.
حقيقة الفتح :
المؤرخون
العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب
يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت
تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة
اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان
الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية , فتضم إليها
أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ
البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية،
فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج
حدودها تارة أخرى.
وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.
ومن
مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق
التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك)
التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في
تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية
التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع
بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر
على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.
ويذكر
لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية
سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات
واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.
ولكن
الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية
الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية
في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا
الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.
يتضح
من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى , جرى في تركستان
الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية
ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من
اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين،
وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.
الشهيد..
والسبب
الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر
التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان
بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية وكان الوليد
مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان
سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه
سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد , ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن
عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج
الآخرون.
وعاد
قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية،
وهو في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: يا معشر العرب، قتلتم
قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به
ونستفتح به إذا غزونا!
وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! ...
وقد أكثر الشعرء في رثائه والثناء عليه ، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.
يكفي
أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي
وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان
المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد
السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن
الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت
شديد ومحن وعناء.
ولا
أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في
المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة
في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة.
وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت
على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية
تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي
إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي
عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.
ويومها
تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون..
وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض – في الطائرة - وترحّمتُ على
شهداء المسلمين.
كاشغر:
مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمتها في بعض فترات
التاريخ ، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة , والصين من جهة
ثانية , وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية
الجميلة.
وكانت
تعد قديماً من بلاد ما وراء النهر، وتضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من
سمرقند , وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون...
وتركستان
الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند
(كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية،
ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.
وقد
اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها،
فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة
الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون , وبعض المصادر العربية الحدينة،
إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم:
تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.
وقد
لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان
طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين ـ أبعد
بلاد العالم القديم ـ والدولة البيزنطية.
وبدأ
الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين
الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين
وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام
البلاد كافة.
ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.
التمهيد للفتح..
قطع
قتيبة بن مسلم الباهلي نهر جيحون في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م)
متوجهاً إلى فرغانة...واصطدمت قواته بقوات أهلها في مدينة خجندة إحدى مدن
إقليم فرغانة، فقاومه أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من
مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة مما اضطره إلى الاشتباك بهم
مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وانتهت أخيراً مقاومة أهل
فرغانة وحلفائهم الباسلة بفتح المسلمين الإقليم كافة. ..
الفتح :
كان
الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر
التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي
سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين
وأقربها إلى فرغانة.
وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.
وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.
ومضى
جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها
بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً
سريعاً موفقاً.
وفي
فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شِعب عصام)
الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة
مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.
والفعلة
هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم
الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية،
ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.
ويبدو
أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، كان عارضا من العوارض الطبيعية الوعرة،
يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية
القديمة...
تقدم
قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة
فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على
الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية ,
وبعث مقدمة أمام جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت
المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.
وأوغل
قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على
حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي
التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.
ولكن
المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة , ولا تقدم
التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.
المفاوضات :
بات
الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب
ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، بعد أن أوغل حتى
قارب الصين , واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه (ملك الصين) : «ابعث إلي
رجلاً شريفاً يخبرني عنكم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.
واختار
قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل
وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة , ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك , ..
وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي ـ مفوّهاً سليط اللسان ـ وقال لهم:
«إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم،
وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..
سار
وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا
الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا
الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في
مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده. ..
ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء». ..
وفي
غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من
خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.
وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.
وفي
اليوم الثالث أرسل إليهم,فشدوا عليهم سلاحهم , ولبسوا البيض
والمغافر,وتقلدوا السيوف , وأخذوا الرماح , وتنكبوا القسي , وركبوا خيولهم ,
وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين , فرأى أمثال الجبال مقبلة , فلما دنوا
ركزوا رماحهم , ثم أقبلوا نحوهم مشمرين , فقيل لهم قبل أن يدخلوا:ارجعوا
لما دخل قلوبهم من خوفهم ...
فركبوا
خيولهم , واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم , كأنهم يتطاردون بها,فقال
الملك لأصحابه :كيف ترونهم ؟ قالوا : ما رأينا مثل هؤلاء قط...
وانصرف
الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم , واستعادوا سلاحهم,
وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً ـ وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها -
كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل
هؤلاء!...
وفي
مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه
هبيرة، فقال له الملك حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي , وإنه ليس أحد
يمنعكم مني , وأنتم في بلادي , وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي, وأنا
سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم.
وما
كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم
التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً ... فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم
يصدق.
وسأل
الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي
الثالث؟ وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا
عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.
فقال
الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف،
فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.
وإذا
كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة
قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك
رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف
يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف
يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟ !..
وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.
وبهت
الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن
رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف
ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية...
فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..
ودعا
الملك بصحاف من ذهب , فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة
غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد , فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة
الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.
وقد
لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن
معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.
حقيقة الفتح :
المؤرخون
العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب
يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت
تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة
اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان
الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية , فتضم إليها
أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ
البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية،
فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج
حدودها تارة أخرى.
وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.
ومن
مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق
التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك)
التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في
تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية
التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع
بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر
على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.
ويذكر
لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية
سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات
واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.
ولكن
الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية
الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية
في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا
الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.
يتضح
من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى , جرى في تركستان
الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية
ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من
اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين،
وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.
الشهيد..
والسبب
الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر
التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان
بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية وكان الوليد
مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان
سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه
سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد , ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن
عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج
الآخرون.
وعاد
قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية،
وهو في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: يا معشر العرب، قتلتم
قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به
ونستفتح به إذا غزونا!
وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! ...
وقد أكثر الشعرء في رثائه والثناء عليه ، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.
يكفي
أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي
وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان
المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد
السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن
الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت
شديد ومحن وعناء.
ولا
أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في
المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة
في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة.
وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت
على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية
تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي
إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي
عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.
ويومها
تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون..
وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض – في الطائرة - وترحّمتُ على
شهداء المسلمين.
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى