منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28462
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - موقعة نهاوند 1393418480781

التاريخ الإسلامي - موقعة نهاوند 140

التاريخ الإسلامي - موقعة نهاوند Empty التاريخ الإسلامي - موقعة نهاوند

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:26
موقعة نهاوند

د. راغب السرجاني
مقدمة

نبدأ
في هذا المقال الحديث عن موقعة نَهاوَنْد، وكما ذكرنا من قبل كان النعمان
بن مُقَرِّن على رأس الجيوش الإسلامية متوجهًا إلى نَهاوَنْد بعد أن تجمعت
الجيوش الفارسية في مدينة (ماه) على بُعد مائة وثلاثين كيلو مترًا منها،
وعندما وصلت الجيوش وجد المسلمون أن الجيش الفارسي عسكر خارج مدينة
نَهاوَنْد وعلى رأسه الفيرزان؛ فحَفَّز سيدنا النعمان الجيش وبدأ في
التكبيرات، وكان التكبير شعار المسلمين في الحروب الفارسية، ولما كبر
المسلمون تزلزلت الأعاجم وخُلِعَت قلوبهم، وكان تعداد الجيش الفارسي كما
ذكرنا من قبل مائة وخمسين ألف فارسي، وتعداد الجيش الإسلامي ثلاثون ألف
مسلم، ونشب القتال وكان قتالاً عنيفًا وشديدًا، يشبهه المؤرخون بقتال
القادسية وجَلُولاء وكانا من أشد قتال مرَّ بالمسلمين، ويمضي يوم على
القتال بين المسلمين والفرس وما زالت الحرب سجالاً بين الطرفين، ولم يحقق
أيُّ الفريقين انتصارًا، وبقدوم الليل توقف القتال لتعاد الكَرَّة في
الصباح، وانتهى اليوم الثاني وما زالت المعركة سجالاً بين الجيشين، على
الرغم من كثرة تعداد الفرس وأنهم خمسة أضعاف الجيش الإسلامي، فكان جهدًا
عظيمًا بُذِلَ من قبل المسلمين، وأدرك الفرس أن المعركة إن استمرت على تلك
الحالة ستكون الغلبة للمسلمين.
انسحاب الفرس

بعد
أن انتهى اليوم الثاني، أدرك الفرس أنه لا مناص من الهزيمة التي حتمًا
ستلحق بهم، فانسحب الجيش الفارسي ليتحصن بداخل مدينة نَهاوَنْد، وصبحهم
المسلمون في اليوم الثالث فلم يجدوا جيش الفرس كما عهدوا في أول يومين في
المعركة، فقد انسحب بداخل نَهاوَنْد وأغلق على نفسه الحصون العالية، ومنطقة
نَهاوَنْد كما ذكرنا منطقة جبلية، وحصن نَهاوَنْد فوق جبل عالٍ، ومكان
الحصن كان يعطي قوة كبيرة للفرس، فبينما هم بالداخل كان المسلمون أسفل
الحصن، وبإمكان الفرس أن يصلوا إلى المسلمين بسهامهم، ومن الصعوبة أن يصل
المسلمون إلى الفرس بسهامهم، فكان الحصار فيه مشقة كبيرة على المسلمين، لكن
صَبَرَ المسلمون -كعادتهم- في القتال واستمروا في حصار الحصن فترة تقترب
من الشهر، وكانت من أشد الفترات على المسلمين، وكان الحصار أصعب من حصار
"تُسْتَر" بالرغم من أن حصار تستر استمر
عامًا ونصفًا، إلا أن هذا الشهر كان في غاية الصعوبة فقد تزامن مع فصل
الشتاء، وكان الجو شديد البرودة خاصة في المرتفعات، ولم يتعود المسلمون من
قبل على مثل هذا الجو من البرد، فقد نشأ غالبيتهم في مكة والمدينة حيث شدة
الحر، ولم يكن مع المسلمين سوى الخيام القليلة وقليل من الملابس تحميهم من
البرد، ورابط المسلمون وتحملوا المشقة والمجهود منتظرين نصر الله تعالى
القريب.
حركة القعقاع بن عمرو التميمي

لما
طال على المسلمين هذا الحال واستمر، جمع النعمان بن مقرن أهل الرأي من
الجيش، وتشاوروا في ذلك، وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في
صعيد واحد، فتكلم النعمان فقال: "قد ترون المشركين واعتصامهم بخنادقهم
ومدنهم، وأنهم لا يخرجون إلينا إلا إذا شاءوا، ولا يقدر المسلمون على
إخراجهم، وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق، فما الرأي الذي به
نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل؟".

فتكلم
عمرو بن ثُبَيٍّ أولاً -وهو أَسَنُّ من كان هناك- فقال: التحصن عليهم أشد
من المطاولة عليكم، فدعهم ولا تحرجهم وطاولهم وقاتل من أتاك منهم.

فرد الجميع عليه وقالوا: إنا لعلى يقين من إظهار ديننا، وإنجاز موعود الله لنا.
وتكلم عمرو بن معديكرب فقال: ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم.
فردوا
جميعًا عليه وقالوا: إنما تناطح بنا الجدران، والجدران أعوان لهم علينا.
فكان من الحكمة عدم التسرع حتى لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، بل لا بد من
الأخذ بالأسباب، بوضع خطة ناجحة لا تؤدي إلى هلكة المسلمين ويكون بها
النصر.

وقام طليحة الأسدي رضى الله عنه-ومنذ
دخوله في حروب فارس كان له الأثر الواضح البين في المعركة، وكأنه يريد أن
يكفر عن الذنب العظيم القديم- فقال: إنهما لم يصيبا، وإني أرى أن ينسحب
الجيش الإسلامي من أمامهم بكامله، ثم تبعث سرية فتحدق
بهم ويناوشوهم بالقتال ويحمشوهم، فإذا برزوا إليهم فليفروا إلينا هرابًا،
فإذا استطردوا وراءهم وأرّزوا (تجمعوا) إلينا عزمنا أيضًا على الفرار كلنا،
فإنهم حينئذ لا يشكُّون في الهزيمة، فيخرجون من حصونهم على بكرة أبيهم،
فإذا تكامل خروجهم رجعنا إليهم فجالدناهم حتى يقضي الله بيننا. واستجاد
الناس هذا الرأي، وفكر سيدنا النعمان في القيام بهذه المهمة الصعبة، ومن
يختار لها، ووقع اختياره على فارس من فرسان المسلمين قال عنه الصديق: إنه
بألف رجل. فأمر النعمان القعقاع بن عمرو، وكان على المجردة، فتحرك
في الظلام ناحية مدينة نَهاوَنْد، وفي الوقت نفسه ينسحب الجيش الإسلامي
ويختفي وراء جبل من الجبال البعيدة، ولم يظهر أمام نَهاوَنْد إلا القوات
التي مع القعقاع بن عمرو التميمي. وفي بداية الصباح يبدأ المسلمون برشق
السهام الكثيرة، وكانوا فرقة من الرماة المهرة استطاعت أن تصل سهامهم إلى
داخل حصون نَهاوَنْد، ووجد الفرس أن هذه الفرقة تسبب لهم الأذى رغم أنها
قليلة العدد؛ فَغَرَّهم ذلك وخرجوا للقتال، ونشب القتال وكانت معركة من أشد
المعارك حتى على القعقاع نفسه كما يقول هو، وكان الجيش يقاتل ولا يريد
النصر، فبعقليته العسكرية لا يريد أن يحقق نصرًا صغيرًا بل أراد أن يظهر
أمامهم الهزيمة حتى يخرجهم من حصونهم، وبدأ القعقاع في تنفيذ الخطة التي
اتفق عليها المسلمون، فأظهر الهزيمة حتى أخرجهم من خنادقهم كأنهم جبال حديد
قد تواثقوا أن لا يفروا، وقد قرن بعضهم بعضًا كل سبعة في قِرَان، وألقوا
حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا. فلما خرجوا نكص ثم نكص، واغتنمها الأعاجم
ففعلوا كما ظن طليحة، وقالوا: هي هي. فلم يبقَ أحدٌ إلا من يقوم على
الأبواب، ولحق القعقاع بالناس، وانقطع الفرس عن حصنهم بعض الانقطاع،
والمسلمون على تعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار، وكان الجيش الإسلامي يقف
خلف جبل يراقب الموقف من بعيد، وأصبح القتال من الشدة بمكان على الفرقة
الإسلامية التي يقودها سيدنا القعقاع بن عمرو؛ فقد أنشب القتال بينه وبين
الفرس من الفجر إلى قبل الظهر بقليل، وقد عهد النعمان إلى الناس عهده،
وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم، لئلا ينسحب الفرس، فما
زالت بقية الجيوش الفارسية داخل حصونهم، ففعل المسلمون واستتروا بالحجف من
الرمي، وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح.

وشكا
بعض الناس وقالوا للنعمان: ألا ترى ما نحن فيه، فما تنتظر بهم؟ ائذن للناس
في قتالهم. فقال: رويدًا رويدًا. فكان النعمان رابط الجأش حليمًا على شدته
وضراوته في القتال؛ فقد قال فيه سيدنا
عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لأولين عليهم رجلاً أسبقَ من الأسنة. فهو يقاتل بحكمة وغير متسرع في القتال، وظل على موقفه حتى جاءه المغيرة بن شعبة
وقال: إن القتال قد اشتد على القعقاع ومن معه، ولا أرى ذلك رأيًا، ولو كنت
مكانك لناهدتهم. فقال سيدنا النعمان: رويدًا رويدًا ترى أمرك، نحن نرجو في
المكث ما ترجو أنت في الخروج. فيتألم المغيرة لما يحدث بالمسلمين، وانتظر
النعمان بالقتال أحب الساعات كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال، وصلَّى الجيش صلاة الظهر، ووقف النعمان
يخطب في المسلمين، وكانت هذه الخطبة من الخطب التاريخية المشهورة (ومنها
خطبة سيدنا
سعد بن أبي وقاص في القادسية، وخطبة سيدنا عتبة بن غزوان في فتح الأبلة، ومنها خطبة سيدنا النعمان بن مُقَرِّن في فتح نَهاوَنْد)،
فقام النعمان فيهم خطيبًا وقال: "قد علمت ما أعزكم الله به من هذا الدين
وما وعدكم من الظهور، وقد أنجز لكم أوله وسيلحق بكم آخره، واذكروا ما مضى
إذ كنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة، فأنتم اليوم عباد
الله حقًّا وأولياؤه، وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم، وما اخترتم وما
اختاروا لكم، فأما ما اختاروا لكم فهذه الرِّثَّة وما ترون من هذا السواد،
وأما ما اخترتم لهم فدينكم، ولا سواء ما اخترتم وما اختاروا، فلا يكونُنَّ
على دنياهم أحمى منكم على دينكم، وأتقى عبادِ الله رجلٌ صَدَقَ الله، وأبلى
بنفسه فأحسن البلاء، وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين: من بين شهيد حيٍّ
مرزوقٍ أو فتح قريب،
فليكفِ كل رجل ما يليه، ولا يكلْ أحدكم قرنه إلى أخيه، وقد يقاتل الكلب عن
صاحبه، فعلى المسلم أن يكفي نفسه ويحاول أن يكفي غيره، فكل رجل منكم
مُسلَّط على ما يليه".

فلما
كان قريبًا من تلك الساعة التي كان يقاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم
ركب فرسَه وسار في الناس، ووقف على كل راية يذكرهم ويحرِّضهم ويمنِّيهم
الظفر، وقال: إذا قضيت أمري فإني مكبرٌ ثلاثًا، فإذا كبرت الأولى شد الرجل
شعثه، وأصلح من شأنه، وليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية شدَّ
الرجل إزاره، وليشد عليه سلاحه وليتأهب للنهوض وليتهيأ لوجه حملته، فإذا
كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا. وقال: اللهم إني أسألك أن تُقِرَّ عيني
اليوم بفتح يكون فيه عِزُّ الإسلام، واقبضني شهيدًا، واجعلني أول شهيد؛ أَمِّنوا يرحمكم الله. فأَمَّن المسلمون، وبكى الناس جميعًا.

وبدأ القعقاع بالتراجع مُظهِرًا الهزيمة أمام الفرس، متجلدًا لقتالهم حتى وصل إلى مقدمة الجيوش الإسلامية المختبئة خلف الجبال.
وقد
اختار الجيش الإسلامي مكانًا فسيحًا للقتال، ويقع بين الجبل الذي يختبئ
وراءه المسلمون والناحية الأخرى هاوية سحيقة، وأراد المسلمون حصار الفرس في
هذه المنطقة، فكان ظهر المسلمين الجبل وكانت هذه الهاوية السحيقة في ظهر
الفرس، فإذا ضغط المسلمون على الفرس ضغطًا شديدًا، فسيكون السقوط في
الهاوية أحد عوامل الهزيمة غير سيوف المسلمين، فكان اختيار الأرض موفقًا.

ويكبر
سيدنا النعمان التكبيرات الثلاث التي اتفق عليها المسلمون، ويحمل راية
المسلمين النعمان بن مقرن، ورأى المسلمون الراية تتجه نحو الفُرْسِ بسرعة
الصقر، فقد كان سيدنا النعمان من أسرع المقاتلين في الحرب كما وصفه سيدنا
عمر بن الخطاب؛ ولما رأى المسلمون الراية تتجه ناحية الفرس هجموا هجومًا
عنيفًا على الفرس، وتلتقي السيوف في لقاء شديد؛ يقول سيدنا جبير: والله ما
علمت من المسلمين أحدًا يريد أن يرجع إلى أهله حتى يُقتلَ أو يَظفَر. والله
تعالى يقول في سورة النساء: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].
فليس هناك خيار ثالث بالنسبة للمسلم، فهو أمام خيارين: إما النصر وإما
الشهادة؛ يقول جبير: فحملنا حملة واحدة وثبتوا لنا، فما كنا نسمع إلا صوت
الحديد على الحديد حتى أصيب المسلمون بمصائب عظيمة من شدة ثبات الفرس
للقتال. ويقول جبير: فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح القتال انهزموا. وتذكرنا
هذه المقالة بمقالة سيدنا خالد بن الوليد في الرسالة التي بعثها إلى ملوك
فارس قائلاً لهم: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.

ويبدأ
القتال الشديد العنيف، ويروي من حضر هذه المعركة من المسلمين أنهم لم يروا
مثل شدته قطُّ، فكل معركة مع الفرس كانت أشد من سابقتها، فكانت القادسية
من أشد المعارك على المسلمين، ثم كانت جلولاء أشد من القادسية، ثم كانت
تُسْتَر، ثم نَهاوَنْد فكانت أشدها.

ولما
اشتد القتال وحمي وطيس الحرب، وفي وسط المعركة يأتي سهم من الفرس ليستقر
في قلب سيدنا النعمان بن مقرن قائد المسلمين، وقد استجاب الله دعاءه واتخذه
الله شهيدًا كما قال تعالى في كتابه: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140]،
فسقط شهيدًا في ميدان القتال، وكان أول شهيد من شهداء المسلمين في معركة
نَهاوَنْد، وقبل أن يلفظ النعمان أنفاسه الأخيرة اقترب منه مَعْقِل بن يسار
مطمئنًّا على حاله؛ فيقول له النعمان: ماذا فعل المسلمون؟ فقال معقل: أبشر
بنصر من الله. فيقول سيدنا النعمان بن مقرن: "بشروا عُمر؛ فيحمد الله
تعالى على ما أجزله الله من نصر المسلمين"، ويتلفظ بالشهادة لتكون آخر
كلماته في الدنيا ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ليخلد في النعيم المقيم مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، وأول من أتاه بعد سقوطه أخوه سيدنا نعيم بن
مقرن قائد المقدمة، فيعتصر قلبه من الألم لما رأى من حال أخيه وسقوطه في
بداية المعركة، وخشي على المسلمين من المصيبة فسجاه بثوبه، وأخذ الراية قبل
أن تسقط، وذهب بها إلى سيدنا
حذيفة بن اليمان
وأخبره باستشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، فقال له سيدنا حذيفة: اكتم مصاب
أميرنا عن المسلمين. فيحمل سيدنا حذيفة بن اليمان الراية ويستمر القتال إلى
الظلام، ولم يكن القتال في الظلام دَيْدنًا في حروب المسلمين بل كان في
أوقات معدودة، كما كان في ليلة الهرير في القادسية، وفي ليلة جلولاء، وهذه
هي الليلة الثالثة في
فتوح فارس، واستمر القتال في الظلام حتى أصبحت الهلكة شديدة في الفرس وكثرت الدماء، حتى انزلقت الأقدام في الدماء من كثرتها، وكثر انزلاق الخيول في هذه المعركة، حتى إن بعض المؤرخين لهذه المعركة يذكرون أن استشهاد النعمان بن مقرن كان إثر انزلاق جواده في الدماء، والأقرب للصحة أن استشهاده كان على إثر سهم من سهام الفرس استقر في قلبه ليستقر في جنات الخلد.
وما يعلم جنود ربك إلا هو

بعد
قتال استمر من الزوال إلى الظلام كتب الله النصر لجنده المؤمنين ولعباده
المخلصين، وقُتِلَ عددٌ كبير من الفرس يحصى بمائة وعشرة آلاف فارس من مجموع
مائة وخمسين ألفًا، منهم ثمانون ألفًا لم يقتلوا بسيوف المسلمين، وإنما
قتلوا سقوطًا في الهاوية السحيقة، وذلك يرجع إلى توفيق الله ثم حُسْنِ
اختيار المسلمين لأرض المعركة، وهذا من أكبر الأدلة على أن الأخذ بالأسباب
له أهمية قصوى في القتال، وقُتل بأيدي المسلمين ثلاثون ألفًا، وفَرَّ
أربعون ألفًا من أمام المسلمين شمالاً إلى مدينة همذان التي تبعد عن
نَهاوَنْد مائة كيلو مترٍ تقريبًا شمالاً، وممن فرَّ إلى الشمال الفيرزان
قائد الجيوش الفارسية، وأراد أن يلحق بهمذان لوجود فرقة فارسية متحصنة
فيها، وكعادة المسلمين أرسلوا فرقة تطارد فلول الهاربين على رأسها القعقاع
بن عمرو التميمي، وكان الطريق صعب السير فيه فقد كانت منطقة جبلية، وليس
للفرس هروب يمين أو يسار فكان الأمر معتمدًا على السرعة، ولاح للمسلمين جيش
الفرس الفارّ من أرض المعركة، ويتنزل النصر من عند الله عز وجل بجند من
جنوده {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]،
وكان الأمر غير متوقع في ذلك الوقت، يقابل جيش الفيرزان بغالاً وحميرًا
تحمل عسلاً، قطعت الطريق على جيش الفيرزان، والبغال والحمير تسير ببطء،
فنزل الفيرزان من على فرسه وكذلك فعل بقية الجيش الفارسي، وفروا في الجبال
على أقدامهم، فينزل المسلمون عن خيولهم ويتتبعون الجيش الفارسي، ويلمح
سيدنا القعقاع الفيرزان من على بُعْدٍ فيعرفه من هيئته فيتتبعه القعقاع بن
عمرو فيقاتله ويقتله القعقاع، وكانت هذه المنطقة ثنية في الجبل وهو الطريق
الواسع في الجبل، فسميت هذه المنطقة بثنية العسل، وظلت معروفة بهذا الاسم
إلى زمان الإمام
الطبري، وكان المسلمون يتفكهون ويقولون: إن لله جنودًا من عسل. وبعد تتبع الفارين وقتل الفيرزان، عادت الفرقة التي كان على رأسها القعقاع بن عمرو إلى نَهاوَنْد.
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنهقد ولَّى السائب بن الأقرع
وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على جمع الغنائم، فرغم قلة عدد
المسلمين وكثرة عدد الفرس إلا أن سيدنا عمر بن الخطاب كان واثقًا في النصر،
فولَّى من يجمع الغنائم ويقسمه.

بعد
انتهاء المعركة دخل سيدنا السائب بن الأقرع إلى مدينة نَهاوَنْد التي
خَلَتْ من المقاتلين الفرس ليجمع الغنائم، ولما دخل المسلمون المدينة أتاهم
"الهربذ" صاحب بيت النار على أمان، فأبلغ حذيفة، فقال: أتؤمنني ومن شئتُ
على دمي وعيالي، على أن أخرج لك ذخيرةً لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان؟
فأمَّنه السائب بن الأقرع، فأحضر جوهرًا نفيسًا في سفطين (وعاءين)، من
جواهر يزدجرد كسرى فارس، قسَّم السائب بن الأقرع الغنائم على المسلمين بعد
جمعها، وقسم كل الغنائم ما عدا السفطين، فكان نصيب الفارس ستة آلاف درهم،
ونصيب الراجل ألفا درهم، فالفارس يأخذ من الغنائم ثلاثة أضعاف الراجل
لإنفاقه على فرسه، وبقي السفطان، فقال سيدنا حذيفة: ماذا نفعل بهم؟ فقال
السائب: والله لا أرى إلا أن نرسلهما إلى عمر في المدينة. فوافقه المسلمون
على ذلك، فحمل السائب بن الأقرع السفطين مع خُمس الغنائم إلى سيدنا عمر بن
الخطاب، وليست معه قوة تحميه.

وكعادة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقف منتظرًا ليعرف أخبار المسلمين بنفسه رضى الله عنه كما كان يفعل في معركة القادسية والمدائن، فكان يخرج كل يوم ليطمئن على أخبار الجيش ويدعو لهم.
فرأى السائب بن الأقرع قادمًا عليه فقال: ما وراءك؟ فقلت: خيرًا يا أمير المؤمنين، فتح الله عليك وأعظم الفتح. وسمي هذا الفتح في التاريخ فتحَ الفتوح، ورغم المعارك التي سبقت هذا الفتح إلا
أن كسر شوكة الفرس في هذه المعركة كان شديدًا، وكان القتال في عمق بلاد
فارس مما هَزَّ الدولة الفارسية، فتبسَّم سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وسَعِدَ
سعادة كبيرة، ثم قال: وما فعل النعمان؟ فقال السائب: لقي ربه شهيدًا. فقال
عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم بكى فنشج حتى بانت فروع كتفيه فوق كتده
(والكَتِدُ: مُجْتَمَعُ الكَتِفَيْنِ من الإِنسان والفرس، وقيل: هو
الكاهِل. وقيل: هو ما بين الكاهل إِلى الظهر)، ثم قال عمر: وما فعل بقية
المسلمين؟ فقال: لقد استشهد منهم كثير لا نعرف أنسابهم. فقال سيدنا عمر بن
الخطاب: وما ضرَّهم ألا يعرفَهم عُمَرُ ابن أم عمر، إن الله الذي لاقَوْه
يعرف وجوههم وأنسابهم. ويستمر في البكاء رضى الله عنه فترة،
وكان الوقت ليلاً فقال سيدنا عمر بن الخطاب للسائب بن الأقرع: ضَعِ
الغنائمَ في المسجد في بيت المال. ويذهب وينادي سيدنا علي بن أبي طالب وعبد
الله بن الأرقم ليحرسا الغنائم حتى الصباح، وبعد أن أدَّى سيدنا السائب بن
الأقرع المهمة التي كلف بها، وبعد أن ترك الغنائم في بيت المال، يرجع في
الليلة نفسها إلى بلاد فارس حتى يلحق بالجيوش للقتال، فهو لا يريد أن يترك
لحظة واحدة من لحظات الجهاد في سبيل الله، وعاد السائب بن الأقرع إلى أرض
الجهاد رغم المسافة البعيدة بين المدينة وأرض فارس، وكانت المسافة من
المدينة إلى الكوفة ألف كيلو متر.

وينام سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليأتي اليوم الثاني ليقوم بتوزيع الغنائم، فيرى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه رؤيا
رهيبة، فيقوم على أَثَرِها من النوم فزعًا ولا يعلم تأويل هذه الرؤيا،
ويستيقظ لصلاة الفجر ثم يذهب إلى بيت المال، وما إن رأى الغنائم حتى عرف
تفسير الرؤيا التي
رآها

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - موقعة نهاوند 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى