- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3909
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
في رحاب بر الوالدين(1)
السبت 03 سبتمبر 2011, 01:57
ما هي الأمور التي تعينك على بر الوالدين…؟
بر الوالدين نعمة، وعطاء
فهو نعمة من الله عز وجل إذ يوفقك إلى البر بهما والإحسان إليهما، فتحظى بثواب الله جل جلاله، وهو عطاء، حيث يهيىء الله لك السبل لتعطى وتمنح فيصبح عطاءك لهما في كل لحظة فيسعدان بك وبلمساتك الرقيقة وحنانك عليهما فتكسب رضاهما، وبذلك تنال رضا الله وتصبح من الفائزين بمكان في الجنة.
والعطاء في حد ذاته هو نعمة ومنّة من الله سبحانه وتعالى، ولا يعطى إلا من يتصف فيه صفات الحب والمودة والرحمة والرأفة، وهذه صفات لا تنبع إلا من الإيمان وحب الله، أما الإنسان الذي يتصف بالشدة والغلظة فهو قلب لا يعرف الرحمة، ومن لا يرحم لا يُرحم.
والعمر رحلة إيمانية غامرة بالعطاء حافلة بألوان الخير والرحمة والمنح والبر التي يقدمها الإنسان للآخرين فيسعد ويحقق السعادة لغيره، وهناك قلوب منحها الله من الرحمة والحنان مما يصعب وصفه فتحيا لإسعاد الآخرين.
والإنسان الذي يعطى هو الإنسان الفائز؛ لأنه ينال ثواب الله، وشكر الناس… ويحظى بحب الله، ومحبة الناس… ويفوز بمكان في الجنة، ومكانة عند الناس…
ومن أجمل عطاء الإنسان في الحياة بره بوالديه، وإحسانه إليهما حباً لله عزوجل، وتقرباً إليه سبحانه وتعالى.
وبر الوالدين رسالة نابعة من حب الله تحمل أجمل ألوان البر والعطاء والخير… ولا تتطلب مواصفات خاصة، ولا تشترط الغنى أو المركز أو الجاه، فهي رسالة يشترك فيها الجميع الغنى والفقير، ولا تحتاج إلا لمشاعرك من الحب والحنان والرحمة والرفق والمودة والبر والإحسان والعطاء إلى من أعطوك ومنحوك الكثير، فأنت مدين بحياتك وعمرك كله لهما، ومهما قدمت وأعطيت فلن تستطيع أن توفي حقهما وتؤدى شكرهما، ومع ذلك تجدهم يسعدان ويرضيان بلمسات الحب الرقيقة والمودة الحانية التي تضفي على حياتهما البهجة في وقت يشعرون فيه بالضعف وقرب النهاية.
فحبك ورحمتك بهما وإحسانك إليهما ولمسات حنانك تبدد هذا الشعور إلى إحساس بالرضا والأمان والسلام يملأهم وهذا في نظرهم وأعماق مشاعرهم قيمة وكنز لا يقدّر بثمن، فلا تبخل عليهم بأن تمنحهم السعادة في مشاعر رقيقة تطمئنهم من قلق الأيام، وفزع الليالي
ولنتعرف سوياً بين ثنايا السطور القليلة القادمة على الأمور التي تعين الإنسان على بر الوالدين مما يساعدك ويدفعك ويحفزك إلى سبيل العطاء والبر والإحسان إليهما.
أولاً:إقامة التوحيد لله جل جلاله:
إن توحيد الله يجعل المؤمن يسعى لطاعة أوامر الله عز وجل والانتهاء عما نهي عنه سبحانه، فإذا أمر الله ببر الوالدين فإن أهل الإيمان والساعون إلى حب الله يتسابقون إلى بر الوالدين من أجل طاعة الله جل جلاله.
وتوحيد الله في كل يوم بل وفي كل لحظة يذكرك بالعبودية لله عز وجل فتسعى إلى رضاه في كل عمل تقوم به، وفي كل سلوك تسلكه وتجد نفسك تنظر إلى كل أمر وكل سلوك تفعله بعين الحب لله ومنها بر الوالدين فتحسن إليهما حباً لله، وهنا يصبح عملك متوجاً بالإخلاص والصدق فيظهر هذا العمل في أجمل صورة، حتى تصبح نموذجاً للهداية ومثلاً يحتذى به في بر الوالدين.
ثانياً: الاستعانة بالله عز وجل:
إذا كان بر الوالدين مظهراً من مظاهر العبودية لله عز وجل، فما على الإنسان المحب لله إلا أن يستعين بالله في أن يعينه على تلك العبادة ألا وهي (بر الوالدين).
قال صلى الله عليه وسلم الله لمعاذ بن جبل رضى الله عنه:
(أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
ثالثاً: الشهادة للإسلام شهادة عملية:
فكما شهدت للإسلام شهادة قولية، تشهد له أيضاً بالعمل والسلوك، وذلك بأن تعمل كل ما تعلم .. فيراك الناس وإذا بهم يرون الإسلام من خلالك في أخلاقك ومعاملاتك وبرك بوالديك فيعلمون أن الإسلام دين يدعو إلى كل الفضائل فيرغبون في الدخول في دين الله وبذلك أصبحت نموذجاً ببرك لوالديك وسبباً في هداية الناس ونشر تلك الفضائل (وعلى رأسها بر الوالدين).
رابعاً: قراءة القرآن الكريم والعمل بما فيه:
إن المحافظة على قراءة القرآن الكريم تمنح البركة وتكون سبباً لثباتك على طريق الطاعة والبر، وتجعلك محباً لله، ومن يحب الله يسعى إلى طاعته في كل أمر به، بذلك تطيع أمر الله في الإحسان إلى الوالدين والبر بهما، وتكريمهما والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة.
خامساً: أن تعرف أنه كما تدين تدان:
كما تدين تدان ولا بد أن تذوق من نفس الكأس الذي سقيت به والديك، والجزاء من جنس العمل.
[ وذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، فتأفف من خدمته ومن القيام بأمره، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل إلى صخره أنزله هناك. فقال: يا بنى ماذا تريد أن تفعل بى؟ قال: أريد أن أذبحك، قال يا بنى هل هذا جزاء الإحسان؟ .. قال الابن: لا بد من ذبحك فقد أسأمتني وأمللتني
فقال الأب: يا بنى إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية ولا تذبحني عند تلك الصخرة.. فتعجب الولد وقال: ما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك؟ قال: يا بنى إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند الصخرة التالية فلقد ذبحت أبى هناك… ولك يا ابني مثلها] .
حقاً... فكما تدين تدان وما تفعله لا بد وأن يرد لك، فهذا هو عدل الله.
سادساً: التزام شرع الله وكثرة العمل الصالح:
مداومة العمل الصالح (ومنها بر الوالدين) تكون سبباً في الفوز بمحبة الله تعالى مما يحفظ العبد ويعينه على بر والديه.
قال الله تعالى في حديث قدسي:
( لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألته لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه).
والطاعة دائماً تؤدى إلى طاعة مثلها، والمعصية تؤدى إلى معصية مثلها.
قال الله تعالى:
{فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب الحسنى * فسنيسره للعسرى}
(الليل: 5-10)
ودائما يثبت الله المؤمن بالخير والعمل الصالح في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
سابعاً: البعد عن موافقة الناس فيما يفعلونه:
إن موافقة البشر فيما يصنعون سبب من أسباب عقوق الوالدين؛ لأن أحوال الناس (إلا من رحم الله) وصفها الله بقوله تعالى:
{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يبتغون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام: 116)
وقد يفعل الناس أشياءً فيها من العقوق ما لا يعلمه إلا الله ولكنهم لا يلقون لها بالاً – مثل رفع أصواتهم على الوالدين وتقصيرهم في الإنفاق عليهما.
ولذلك خير من تجعله قدوتك فمن أمرك الله أن تقتدي بهم ألا وهم أنبياء الله عليهم السلام.
ثامناً: الاقتداء بالأنبياء والمرسلين:
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاقتداء برسله الكرام، فأنبياء الله هم رسل الحب و السلام فهم القدوة الطيبة… والمثل الأعلى .. والأسوة الحسنة، وهم الصفوة المختارة من البشر.
قال تعالى:
{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده...} (الأنعام: 90)
ونتعلم دائماً من قصصهم أن نستمد القوة والصبر والقيم والأخلاق والمبادىء من حب الله.
وأخبر الحق تعالى عن أحوالهم مع بر الوالدين:
* قال عن نبيه نوح عليه السلام:
{رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراً} (نوح: 28)
* وقال عن نبيه إبراهيم عليه السلام أنه قال:
{ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}(إبراهيم: 41)
ولنتأمل سوياً الآيات الكريمة التي يحكى الله فيها نصح الخليل إبراهيم عليه السلام لأبيه بأسلوب عذب رقيق تبدأ كل جملة فيه بكلمة ((يا أبت)) المشعرة بالتلطف والرقة وغاية الاحترام حتى إذا أخذت أباه عزة الكفر وحميته وهدد إبراهيم بالرجم إن عاد إلى النصيحة مرة أخرى وطلب منه أن يهجره، ما كان من الخليل العظيم إلا أن رد رداً جميلاً غاية في العذوبة والرقة والرحمة ((سأستغفر لك ربى))! هكذا الأدب الذي لا يسمو إليه غير المخلصين.
{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} (مريم: 41-47)
آيات كريمة تعبر عن قمة من قمم رحمة سيدنا إبراهيم عليه السلام بأبيه.
* وأخبرنا الله عز وجل عن قصة بلغت الغاية في بر الوالدين وهي قصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم عليهما السلام لما أمر بذبح ولده .. فما كان من إسماعيل إلا الاستسلام لأمر الله والسمع والطاعة لوالده.
إنها قصة تعبر عن آية من آيات الحب الإلهي، وكيف كان حب سيدنا إسماعيل عليه السلام وطاعته لوالده نابعة من حب الله وطاعة لله واستسلاماً لأمر الله برضا وسلام.
وتُظهر القصة أيضاً بر إسماعيل ورحمته بأبيه، حيث يطمئنه بأنه سيجده إن شاء الله من الصابرين.
كما توضح القصة أدب إسماعيل ومودته لأبيه، حيث يقول له: ((يا أبت افعل ما تؤمر… )) فهو يحس ما شعر به أبيه وعرف أن الرؤيا إشارة، والإشارة أمر وأنها تكفي لكى يلبى وينفذ بغير لجلجة ولا تمهل ولا ارتياب.
وهكذا يضرب لنا نبى الله إسماعيل عليه السلام المثل في الأدب العالى مع ربه ومع أبيه.
كما يضرب لنا المثل والقدوة في عون الابن على طاعة أمر الله فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال:
قال الابن: يا أبت اشدد رباطى كيلا اضطرب والقف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى شيء فينقص أجرى، وتراه أمى فتحزن، واستحد شفرتك وأسرع بها على حلقى ليكون أهون علىَّ.
وإذا أتيت أمى فاقرأ عليها السلام منى، وإن رأيت أن ترد عليها قميصى فإنه عسى أن يكون أسلى لها عنى.
فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بنى على أمر الله.
لقد كان سيدنا إسماعيل عليه السلام في هذه القصة مثلاً ونموذجاً لطاعة أمر الله والبر بالوالدين والرحمة الحانية بهما.
* وقال تعالى عن نبيه يحيى عليه السلام:
{وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً} (مريم: 14)
ولقد ذكر الله عز وجل في الآية الكريمة بر سيدنا يحيى عليه السلام بوالديه وطاعته لهما أمراً ونهياً، وترك عقوقهما قولاً وفعلاً.
وقال الإمام القرطبى – رحمه الله تعالى: البر بمعنى البار وهو كثير البر.
* وقال سبحانه عن نبيه عيسى عليه السلام:
{وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} (مريم: 32)
وقال بعض العلماء: لا تجد العاق إلا جباراً شقياً.
* أما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد توفي والداه حال صغره فكان يقول عن حاضنته أم أيمن(هي أمي) بل كان يكرم مرضعته حليمة السعدية وإذا رآها قام لها وأكرمها وأجزل لها العطاء.
هذه نماذج من بعض أنبياء الله .. رسل الرحمة تعبر عن برهم بالوالدين أرشدنا الله عز وجل لها لنقتدي بهم ونتعلم منهم الرحمة والرأفة والإحسان إلى الوالدين.
تاسعاً: الاقتداء بالسلف الصالح:
عندما نقرأ ونسمع عن أعمال السلف الصالح في بر الوالدين نخجل من أنفسنا في هذا الزمان، حيث نجد أن أعمالنا لا تساوى شيئاً بجوار أعمالهم .. نذكر بعض منها عسى أن نقتدى بهم ونحذو حذوهم.
* عن بعض آل سيرين قال: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.
* عن ابن عوف قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فوجده يبكى فقال: ما شأن محمد أيشتكى شيئاً؟
قالوا:… لا، ولكن هذا يكون إذا كان عند أمه
* وهذا أبو الحسن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم، وهو المسمى زين العابدين كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدى إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
* وهذا عبد الله بن عوف نادته أمها فأجابها، فعلا صوته على صوتها فأعتق رقبتين
بر الوالدين نعمة، وعطاء
فهو نعمة من الله عز وجل إذ يوفقك إلى البر بهما والإحسان إليهما، فتحظى بثواب الله جل جلاله، وهو عطاء، حيث يهيىء الله لك السبل لتعطى وتمنح فيصبح عطاءك لهما في كل لحظة فيسعدان بك وبلمساتك الرقيقة وحنانك عليهما فتكسب رضاهما، وبذلك تنال رضا الله وتصبح من الفائزين بمكان في الجنة.
والعطاء في حد ذاته هو نعمة ومنّة من الله سبحانه وتعالى، ولا يعطى إلا من يتصف فيه صفات الحب والمودة والرحمة والرأفة، وهذه صفات لا تنبع إلا من الإيمان وحب الله، أما الإنسان الذي يتصف بالشدة والغلظة فهو قلب لا يعرف الرحمة، ومن لا يرحم لا يُرحم.
والعمر رحلة إيمانية غامرة بالعطاء حافلة بألوان الخير والرحمة والمنح والبر التي يقدمها الإنسان للآخرين فيسعد ويحقق السعادة لغيره، وهناك قلوب منحها الله من الرحمة والحنان مما يصعب وصفه فتحيا لإسعاد الآخرين.
والإنسان الذي يعطى هو الإنسان الفائز؛ لأنه ينال ثواب الله، وشكر الناس… ويحظى بحب الله، ومحبة الناس… ويفوز بمكان في الجنة، ومكانة عند الناس…
ومن أجمل عطاء الإنسان في الحياة بره بوالديه، وإحسانه إليهما حباً لله عزوجل، وتقرباً إليه سبحانه وتعالى.
وبر الوالدين رسالة نابعة من حب الله تحمل أجمل ألوان البر والعطاء والخير… ولا تتطلب مواصفات خاصة، ولا تشترط الغنى أو المركز أو الجاه، فهي رسالة يشترك فيها الجميع الغنى والفقير، ولا تحتاج إلا لمشاعرك من الحب والحنان والرحمة والرفق والمودة والبر والإحسان والعطاء إلى من أعطوك ومنحوك الكثير، فأنت مدين بحياتك وعمرك كله لهما، ومهما قدمت وأعطيت فلن تستطيع أن توفي حقهما وتؤدى شكرهما، ومع ذلك تجدهم يسعدان ويرضيان بلمسات الحب الرقيقة والمودة الحانية التي تضفي على حياتهما البهجة في وقت يشعرون فيه بالضعف وقرب النهاية.
فحبك ورحمتك بهما وإحسانك إليهما ولمسات حنانك تبدد هذا الشعور إلى إحساس بالرضا والأمان والسلام يملأهم وهذا في نظرهم وأعماق مشاعرهم قيمة وكنز لا يقدّر بثمن، فلا تبخل عليهم بأن تمنحهم السعادة في مشاعر رقيقة تطمئنهم من قلق الأيام، وفزع الليالي
ولنتعرف سوياً بين ثنايا السطور القليلة القادمة على الأمور التي تعين الإنسان على بر الوالدين مما يساعدك ويدفعك ويحفزك إلى سبيل العطاء والبر والإحسان إليهما.
أولاً:إقامة التوحيد لله جل جلاله:
إن توحيد الله يجعل المؤمن يسعى لطاعة أوامر الله عز وجل والانتهاء عما نهي عنه سبحانه، فإذا أمر الله ببر الوالدين فإن أهل الإيمان والساعون إلى حب الله يتسابقون إلى بر الوالدين من أجل طاعة الله جل جلاله.
وتوحيد الله في كل يوم بل وفي كل لحظة يذكرك بالعبودية لله عز وجل فتسعى إلى رضاه في كل عمل تقوم به، وفي كل سلوك تسلكه وتجد نفسك تنظر إلى كل أمر وكل سلوك تفعله بعين الحب لله ومنها بر الوالدين فتحسن إليهما حباً لله، وهنا يصبح عملك متوجاً بالإخلاص والصدق فيظهر هذا العمل في أجمل صورة، حتى تصبح نموذجاً للهداية ومثلاً يحتذى به في بر الوالدين.
ثانياً: الاستعانة بالله عز وجل:
إذا كان بر الوالدين مظهراً من مظاهر العبودية لله عز وجل، فما على الإنسان المحب لله إلا أن يستعين بالله في أن يعينه على تلك العبادة ألا وهي (بر الوالدين).
قال صلى الله عليه وسلم الله لمعاذ بن جبل رضى الله عنه:
(أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
ثالثاً: الشهادة للإسلام شهادة عملية:
فكما شهدت للإسلام شهادة قولية، تشهد له أيضاً بالعمل والسلوك، وذلك بأن تعمل كل ما تعلم .. فيراك الناس وإذا بهم يرون الإسلام من خلالك في أخلاقك ومعاملاتك وبرك بوالديك فيعلمون أن الإسلام دين يدعو إلى كل الفضائل فيرغبون في الدخول في دين الله وبذلك أصبحت نموذجاً ببرك لوالديك وسبباً في هداية الناس ونشر تلك الفضائل (وعلى رأسها بر الوالدين).
رابعاً: قراءة القرآن الكريم والعمل بما فيه:
إن المحافظة على قراءة القرآن الكريم تمنح البركة وتكون سبباً لثباتك على طريق الطاعة والبر، وتجعلك محباً لله، ومن يحب الله يسعى إلى طاعته في كل أمر به، بذلك تطيع أمر الله في الإحسان إلى الوالدين والبر بهما، وتكريمهما والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة.
خامساً: أن تعرف أنه كما تدين تدان:
كما تدين تدان ولا بد أن تذوق من نفس الكأس الذي سقيت به والديك، والجزاء من جنس العمل.
[ وذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، فتأفف من خدمته ومن القيام بأمره، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل إلى صخره أنزله هناك. فقال: يا بنى ماذا تريد أن تفعل بى؟ قال: أريد أن أذبحك، قال يا بنى هل هذا جزاء الإحسان؟ .. قال الابن: لا بد من ذبحك فقد أسأمتني وأمللتني
فقال الأب: يا بنى إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية ولا تذبحني عند تلك الصخرة.. فتعجب الولد وقال: ما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك؟ قال: يا بنى إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند الصخرة التالية فلقد ذبحت أبى هناك… ولك يا ابني مثلها] .
حقاً... فكما تدين تدان وما تفعله لا بد وأن يرد لك، فهذا هو عدل الله.
سادساً: التزام شرع الله وكثرة العمل الصالح:
مداومة العمل الصالح (ومنها بر الوالدين) تكون سبباً في الفوز بمحبة الله تعالى مما يحفظ العبد ويعينه على بر والديه.
قال الله تعالى في حديث قدسي:
( لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألته لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه).
والطاعة دائماً تؤدى إلى طاعة مثلها، والمعصية تؤدى إلى معصية مثلها.
قال الله تعالى:
{فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب الحسنى * فسنيسره للعسرى}
(الليل: 5-10)
ودائما يثبت الله المؤمن بالخير والعمل الصالح في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
سابعاً: البعد عن موافقة الناس فيما يفعلونه:
إن موافقة البشر فيما يصنعون سبب من أسباب عقوق الوالدين؛ لأن أحوال الناس (إلا من رحم الله) وصفها الله بقوله تعالى:
{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يبتغون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام: 116)
وقد يفعل الناس أشياءً فيها من العقوق ما لا يعلمه إلا الله ولكنهم لا يلقون لها بالاً – مثل رفع أصواتهم على الوالدين وتقصيرهم في الإنفاق عليهما.
ولذلك خير من تجعله قدوتك فمن أمرك الله أن تقتدي بهم ألا وهم أنبياء الله عليهم السلام.
ثامناً: الاقتداء بالأنبياء والمرسلين:
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاقتداء برسله الكرام، فأنبياء الله هم رسل الحب و السلام فهم القدوة الطيبة… والمثل الأعلى .. والأسوة الحسنة، وهم الصفوة المختارة من البشر.
قال تعالى:
{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده...} (الأنعام: 90)
ونتعلم دائماً من قصصهم أن نستمد القوة والصبر والقيم والأخلاق والمبادىء من حب الله.
وأخبر الحق تعالى عن أحوالهم مع بر الوالدين:
* قال عن نبيه نوح عليه السلام:
{رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراً} (نوح: 28)
* وقال عن نبيه إبراهيم عليه السلام أنه قال:
{ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}(إبراهيم: 41)
ولنتأمل سوياً الآيات الكريمة التي يحكى الله فيها نصح الخليل إبراهيم عليه السلام لأبيه بأسلوب عذب رقيق تبدأ كل جملة فيه بكلمة ((يا أبت)) المشعرة بالتلطف والرقة وغاية الاحترام حتى إذا أخذت أباه عزة الكفر وحميته وهدد إبراهيم بالرجم إن عاد إلى النصيحة مرة أخرى وطلب منه أن يهجره، ما كان من الخليل العظيم إلا أن رد رداً جميلاً غاية في العذوبة والرقة والرحمة ((سأستغفر لك ربى))! هكذا الأدب الذي لا يسمو إليه غير المخلصين.
{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} (مريم: 41-47)
آيات كريمة تعبر عن قمة من قمم رحمة سيدنا إبراهيم عليه السلام بأبيه.
* وأخبرنا الله عز وجل عن قصة بلغت الغاية في بر الوالدين وهي قصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم عليهما السلام لما أمر بذبح ولده .. فما كان من إسماعيل إلا الاستسلام لأمر الله والسمع والطاعة لوالده.
إنها قصة تعبر عن آية من آيات الحب الإلهي، وكيف كان حب سيدنا إسماعيل عليه السلام وطاعته لوالده نابعة من حب الله وطاعة لله واستسلاماً لأمر الله برضا وسلام.
وتُظهر القصة أيضاً بر إسماعيل ورحمته بأبيه، حيث يطمئنه بأنه سيجده إن شاء الله من الصابرين.
كما توضح القصة أدب إسماعيل ومودته لأبيه، حيث يقول له: ((يا أبت افعل ما تؤمر… )) فهو يحس ما شعر به أبيه وعرف أن الرؤيا إشارة، والإشارة أمر وأنها تكفي لكى يلبى وينفذ بغير لجلجة ولا تمهل ولا ارتياب.
وهكذا يضرب لنا نبى الله إسماعيل عليه السلام المثل في الأدب العالى مع ربه ومع أبيه.
كما يضرب لنا المثل والقدوة في عون الابن على طاعة أمر الله فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال:
قال الابن: يا أبت اشدد رباطى كيلا اضطرب والقف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى شيء فينقص أجرى، وتراه أمى فتحزن، واستحد شفرتك وأسرع بها على حلقى ليكون أهون علىَّ.
وإذا أتيت أمى فاقرأ عليها السلام منى، وإن رأيت أن ترد عليها قميصى فإنه عسى أن يكون أسلى لها عنى.
فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بنى على أمر الله.
لقد كان سيدنا إسماعيل عليه السلام في هذه القصة مثلاً ونموذجاً لطاعة أمر الله والبر بالوالدين والرحمة الحانية بهما.
* وقال تعالى عن نبيه يحيى عليه السلام:
{وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً} (مريم: 14)
ولقد ذكر الله عز وجل في الآية الكريمة بر سيدنا يحيى عليه السلام بوالديه وطاعته لهما أمراً ونهياً، وترك عقوقهما قولاً وفعلاً.
وقال الإمام القرطبى – رحمه الله تعالى: البر بمعنى البار وهو كثير البر.
* وقال سبحانه عن نبيه عيسى عليه السلام:
{وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} (مريم: 32)
وقال بعض العلماء: لا تجد العاق إلا جباراً شقياً.
* أما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد توفي والداه حال صغره فكان يقول عن حاضنته أم أيمن(هي أمي) بل كان يكرم مرضعته حليمة السعدية وإذا رآها قام لها وأكرمها وأجزل لها العطاء.
هذه نماذج من بعض أنبياء الله .. رسل الرحمة تعبر عن برهم بالوالدين أرشدنا الله عز وجل لها لنقتدي بهم ونتعلم منهم الرحمة والرأفة والإحسان إلى الوالدين.
تاسعاً: الاقتداء بالسلف الصالح:
عندما نقرأ ونسمع عن أعمال السلف الصالح في بر الوالدين نخجل من أنفسنا في هذا الزمان، حيث نجد أن أعمالنا لا تساوى شيئاً بجوار أعمالهم .. نذكر بعض منها عسى أن نقتدى بهم ونحذو حذوهم.
* عن بعض آل سيرين قال: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.
* عن ابن عوف قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فوجده يبكى فقال: ما شأن محمد أيشتكى شيئاً؟
قالوا:… لا، ولكن هذا يكون إذا كان عند أمه
* وهذا أبو الحسن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم، وهو المسمى زين العابدين كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدى إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
* وهذا عبد الله بن عوف نادته أمها فأجابها، فعلا صوته على صوتها فأعتق رقبتين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى