- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28468
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
كتاب أخبار النساء ( باب ما في وفاء النساء )
الجمعة 12 أغسطس 2011, 23:48
أخبار النساء
باب ما جاء في وفاء النّساء
تعاهدا ألا يتزوّجا
حكى الأصمعي، عن رجلٍ من بني ضبّة قال: ضلّت لي إبلٌ فخرجت في طلبها حتّى أتيت بلاد بني سليم، فلمّا كنت في بعض تخومها، إذا جاريةٌ غشى بصري إشراق وجهها، فقالت: ما بغيتك فإنّي أراك مهموماً؟ قلت: إبلٌ ضلّت لي، فأنا في طلبها. قالت: فتحب أن أرشدك إلى من هي عنده؟ قلت: نعم. قالت: الذي أعطاكهنّ هو الذي أخذهنّ فإن شاء ردّهنّ، فاسأله من طريق اليقين لا من طريق الإختيار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن منطقها، فقلت لها: هل لك من بعلٍ؟ قالت: كان والله فدعي فأجاب إلى ما منه خلق، ونعم البعل كان. قلت لها: فهل لك في بعلٍ لا تذمّ خلائقه، ولا تخشى بوائقه؟ فأطرقت ساعةً ثمّ رفعت رأسها وعيناها تذرفان دموعاً فأنشأت تقول:
تعاهدا ألا يتزوّجا
حكى الأصمعي، عن رجلٍ من بني ضبّة قال: ضلّت لي إبلٌ فخرجت في طلبها حتّى أتيت بلاد بني سليم، فلمّا كنت في بعض تخومها، إذا جاريةٌ غشى بصري إشراق وجهها، فقالت: ما بغيتك فإنّي أراك مهموماً؟ قلت: إبلٌ ضلّت لي، فأنا في طلبها. قالت: فتحب أن أرشدك إلى من هي عنده؟ قلت: نعم. قالت: الذي أعطاكهنّ هو الذي أخذهنّ فإن شاء ردّهنّ، فاسأله من طريق اليقين لا من طريق الإختيار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن منطقها، فقلت لها: هل لك من بعلٍ؟ قالت: كان والله فدعي فأجاب إلى ما منه خلق، ونعم البعل كان. قلت لها: فهل لك في بعلٍ لا تذمّ خلائقه، ولا تخشى بوائقه؟ فأطرقت ساعةً ثمّ رفعت رأسها وعيناها تذرفان دموعاً فأنشأت تقول:
كنّا كغصنين من بانٍ غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنّات
فاجتثّ صاحبها من جنب صاحبه ... دهرٌ يكرّ بفرحاتٍ وترحات
وكان عاهدني إن خانني زمنٌ ... أن لا يضاجع أنثى بعد موتات
وكنت عاهدته أيضاً، فعاجله ... ريب المنون قريباً مذ سنينات
فاصرف عتابك عمّن ليس يصرفه ... عن الوفاء له خلب التّحيّات
قال: فانصرفت وتركتها.
على العهد باقيةٌ
قال الأصمعي: قال لي الرّشيد: امض إلى بادية البصرة فخذ من تحف كلامهم وطرف حديثهم. فانحدرت، فنزلت على صديقٍ لي بالبصرة، ثمّ بكّرت أنا وهو على المقابر، فلمّا صرت إليها إذا بجاريةٍ نادى إلينا ريح عطرها قبل الدّنوّ منها، عليها ثيابٌ مصبغاتٌ وحلى، وهي تبكي أحرّ بكاء. فقلت: يا جارية ما شأنك؟ فأنشأت تقول:
فإن تسألاني فيم حزني؟ فإنّني ... رهينة هذا القبر يا فتيان.
أهابك إجلالاً، وإن كنت في الثّرى، ... مخافة يومٍ أن يسؤك مكاني
وإنّي لأستحييك، والتّرب بيننا، ... كما كنت أستحييك حين تراني.
فقلنا لهاك ما رأينا أكثر من التّفاوت بين زيّك وحزنك فأخبري بشأنك؟ فأنشأت تقول:
يا صحب القبر، يا من كان يؤنسني ... حيّاً، ويكثر في الدّنيا مواساتي،
أزور قبرك في حليٍّ وفي حللٍ، ... كأنّني لست من أهل المصيبات؛
فمن رآني، رأى عبرىً مفجعةً ... مشهورة الزّيّ تبكي بين أمواتي.
فقلنا لها وما الرّجل منك: قالت: بعلي، وكان يجب أن يراني في مثل هذا الزّيّ، فآليت على نفسي أن لا أغشى قبره إلاّّ في مثل هذا الزّيّ لأنّه كان يحبّه أيّام حياته، وأنكرتماه أنتما عليّ.
قال الأصمعي: فسألتها عن خبرها ومنزلها. وأتيت الرّشيد فحدّثته بما سمعت ورأيت، حتّى حدّثته حديث الجّارية. فقال: لا بدّ أن ترجع حتّى تخطبها إليّ من وليّها، وتحملها إليّ، ولا يكون من ذلك بد. ووجّه معي خادماً ومالاً كثيراً. فرجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فأجابوا وزوّجوها من أمير المؤمنين وحملوها معنا وهي لا تعلم. فلمّا صرنا إلى المدائن نما إليها الخبر، فشهقت شهقةً فماتت، فدفنّاها هنالك. وسرت إلى الرّشيد فأخبرته الخبر، فما ذكرها وقتاً من الأوقات إلاّّ بكى أسفاً عليها.
كان يحسبها راعيةً للعهد
توفّي رجلٌ وبقيت امرأته شابّةً جميلةً، فما زال بها النّساء حتّى تزوّجت. فلمّا كانت ليلة زفافها رأت في المنام زوجها الأوّل آخذاً بعارضتيّ الباب وقد فتح يديه وهو يقول:
حيّيت ساكن هذا البيت كلّهم ... إلاّّ الرّباب فإنّي لا أحييها
أمست عروساً وأمسى مسكني جدثٌ ... بين القبور وإنّي لا ألاقيها
واستبدلت بدلاً غيري، فقد علمت ... أنّ القبور تواري من ثوى فيها
قد كنت أحسبها للعهد راعيةً ... حتّى تموت وما جفّت مآقيها
ففزعت من نومها فزعاً شديداً، وأصبحت فاركاً وآلت أن لا يصل إليها رجلٌ بعده أبداً.
أذات عروسٍ ترى؟!
ولمّا قتل عثمان، رضي الله عنه، وقفت يوماً على قبره نائلة بنت الفرافصة الكلبي، فترحّمت عليه ثمّ انصرفت إلى منزلها، ثمّ قالت: إنّي رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثّوب، وقد خفت أن يبلى حزن عثمان في قلبي. فدعت بفهرٍ فهتفت فاها، وقالت: والله لا يقعد رجلٌ منّي مقعد عثمان أبداً. وخطها معاوية فبعثت إليه أسنانها، وقالت: أذات عروسٍ ترى؟ وقالوا: لم يكن في النّساء أحسن منها مضحكاً.
لا تنكحي أغمّ القفا
كان هدبة بن خشرم العذري قتل ابن عمرٍ يقال له زياد بن زيد فطلبه سعيد بن العاص، وهو يلي المدينة لمعاوية فحبسه، فقال في السّجن قصيدته التي يقول فيها:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريب
وفي سجنه يقول أيضاً:
ولمّا دخلت السّجن يا أمّ مالك ... ذكرتك والأطراف في حلق سمر
وعند سعيد غير أنّي لم أبح ... بذكرك إلاّّ من يذكّر بالأمر
فاجتثّ صاحبها من جنب صاحبه ... دهرٌ يكرّ بفرحاتٍ وترحات
وكان عاهدني إن خانني زمنٌ ... أن لا يضاجع أنثى بعد موتات
وكنت عاهدته أيضاً، فعاجله ... ريب المنون قريباً مذ سنينات
فاصرف عتابك عمّن ليس يصرفه ... عن الوفاء له خلب التّحيّات
قال: فانصرفت وتركتها.
على العهد باقيةٌ
قال الأصمعي: قال لي الرّشيد: امض إلى بادية البصرة فخذ من تحف كلامهم وطرف حديثهم. فانحدرت، فنزلت على صديقٍ لي بالبصرة، ثمّ بكّرت أنا وهو على المقابر، فلمّا صرت إليها إذا بجاريةٍ نادى إلينا ريح عطرها قبل الدّنوّ منها، عليها ثيابٌ مصبغاتٌ وحلى، وهي تبكي أحرّ بكاء. فقلت: يا جارية ما شأنك؟ فأنشأت تقول:
فإن تسألاني فيم حزني؟ فإنّني ... رهينة هذا القبر يا فتيان.
أهابك إجلالاً، وإن كنت في الثّرى، ... مخافة يومٍ أن يسؤك مكاني
وإنّي لأستحييك، والتّرب بيننا، ... كما كنت أستحييك حين تراني.
فقلنا لهاك ما رأينا أكثر من التّفاوت بين زيّك وحزنك فأخبري بشأنك؟ فأنشأت تقول:
يا صحب القبر، يا من كان يؤنسني ... حيّاً، ويكثر في الدّنيا مواساتي،
أزور قبرك في حليٍّ وفي حللٍ، ... كأنّني لست من أهل المصيبات؛
فمن رآني، رأى عبرىً مفجعةً ... مشهورة الزّيّ تبكي بين أمواتي.
فقلنا لها وما الرّجل منك: قالت: بعلي، وكان يجب أن يراني في مثل هذا الزّيّ، فآليت على نفسي أن لا أغشى قبره إلاّّ في مثل هذا الزّيّ لأنّه كان يحبّه أيّام حياته، وأنكرتماه أنتما عليّ.
قال الأصمعي: فسألتها عن خبرها ومنزلها. وأتيت الرّشيد فحدّثته بما سمعت ورأيت، حتّى حدّثته حديث الجّارية. فقال: لا بدّ أن ترجع حتّى تخطبها إليّ من وليّها، وتحملها إليّ، ولا يكون من ذلك بد. ووجّه معي خادماً ومالاً كثيراً. فرجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فأجابوا وزوّجوها من أمير المؤمنين وحملوها معنا وهي لا تعلم. فلمّا صرنا إلى المدائن نما إليها الخبر، فشهقت شهقةً فماتت، فدفنّاها هنالك. وسرت إلى الرّشيد فأخبرته الخبر، فما ذكرها وقتاً من الأوقات إلاّّ بكى أسفاً عليها.
كان يحسبها راعيةً للعهد
توفّي رجلٌ وبقيت امرأته شابّةً جميلةً، فما زال بها النّساء حتّى تزوّجت. فلمّا كانت ليلة زفافها رأت في المنام زوجها الأوّل آخذاً بعارضتيّ الباب وقد فتح يديه وهو يقول:
حيّيت ساكن هذا البيت كلّهم ... إلاّّ الرّباب فإنّي لا أحييها
أمست عروساً وأمسى مسكني جدثٌ ... بين القبور وإنّي لا ألاقيها
واستبدلت بدلاً غيري، فقد علمت ... أنّ القبور تواري من ثوى فيها
قد كنت أحسبها للعهد راعيةً ... حتّى تموت وما جفّت مآقيها
ففزعت من نومها فزعاً شديداً، وأصبحت فاركاً وآلت أن لا يصل إليها رجلٌ بعده أبداً.
أذات عروسٍ ترى؟!
ولمّا قتل عثمان، رضي الله عنه، وقفت يوماً على قبره نائلة بنت الفرافصة الكلبي، فترحّمت عليه ثمّ انصرفت إلى منزلها، ثمّ قالت: إنّي رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثّوب، وقد خفت أن يبلى حزن عثمان في قلبي. فدعت بفهرٍ فهتفت فاها، وقالت: والله لا يقعد رجلٌ منّي مقعد عثمان أبداً. وخطها معاوية فبعثت إليه أسنانها، وقالت: أذات عروسٍ ترى؟ وقالوا: لم يكن في النّساء أحسن منها مضحكاً.
لا تنكحي أغمّ القفا
كان هدبة بن خشرم العذري قتل ابن عمرٍ يقال له زياد بن زيد فطلبه سعيد بن العاص، وهو يلي المدينة لمعاوية فحبسه، فقال في السّجن قصيدته التي يقول فيها:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريب
وفي سجنه يقول أيضاً:
ولمّا دخلت السّجن يا أمّ مالك ... ذكرتك والأطراف في حلق سمر
وعند سعيد غير أنّي لم أبح ... بذكرك إلاّّ من يذكّر بالأمر
وسئل عن هذا، فقال: لمّا رأيت ثغر سعيدٍ شبّهت به ثغرها، وكان سعيد حسن الثّغر. فحبس هدبة سبع سنينٍ ينتظر به احتلام المستورد بن زيادة، فلمّا احتلم، أخرج صبح تلك الليلة إلى عامل المدينة فرغّبه في العفو، وعرض عليه عشر ديّاتٍ، فأبى إلاّّ القود. وكان ممّن عرض الدّيّات عليه الحسن بن علي، عليهما السّلام، وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم. فلمّا أبى، بعث هؤلاء وغيرهم من إخوانه بالحنوط والأكفان فدخل عليه رسولهم السّجن فوجدوه يلعب بالنّرد. فجلسوا ولم يقولوا له شيئاً، فلمّا لحظهم إذا بطرف بردٍ خرج من بعض الأكفان فأمسك، ثمّ قال: كأنّه قد فرغ من أمرنا؟ فقالوا: أجل. فقام فاغتسل ثمّ رجع إليهم فأخذ من كلّ واحدٍ ثوباً وردّ ما بقي. وأخرج ليقاد منه، فجعل ينشد الأشعار. فقالت له حيا المدينة: ما رأيت أقسى قلباً منك، تنشد الأشعار، وقد دعي بك لتقتل، وهذه خلفك كأنّها غزالٌ عطشانٌ تولول؟ يعني امرأته. فوقف، ووقف النّاس معه، فأقبل على حيا فقال:
وجدت بها ما لم تجد أمّ واجدٍ ... ولا وجد حبّي بابنٍ أم كلاب
وإنّي طويل السّاعدين شمرطلٌ ... على ما اشتهيت من قوّةٍ وشباب.
فأغلقت الباب في وجهه. وعرض له عبد الرّحمن بن حسّان فقال: أنشدني! فقال له: على هذه الحال؟ قال: نعم. فابتدأ ينشده:
ولست بمفراحٍ إذا الدّهر سرّني ... ولا جازعٍ من صرفه المتقلّب
ولا أتمنّى الشّرّ، والشّرّ تاركي، ... ولكن متى ما أحمل الشّرّ أركب
قال:ونظر رجلٌ إلى امرأته فدخلته غيرةٌ، وقد كان زيادة جدع أنفع بسيفه:
فإن يك أنفي بأن عنّي جماله ... فما حسبي في الصّالحين بأجدعا
فلا تنكحي إنّ فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
خنت يا فلانة عهدي
وعن أبي حمزة الكناني قال: كنت في حرس خالد بن عبد الله القسري، فقال خالد: من يحدّثني بحديثٍ عسى يستريح إليه قلبي؟ فقلت: أنا. فقال: هات. فقلت: إنّه بلغني أنّه كان فتىً من بني عذرة، وكانت له امرأةٌ منهم، وكان شديد الحبّ لها، وكانت له مثل ذلك، فبينا هو ذات يومٍ ينظر وجهها إذ بكى، فنظرت إلى وجهه وبكت، فقالت له: ما الذي أبكاك؟ قال: والله، أتصدقيني إن صدقتك؟ قالت: نعم. قال لها: ذكرت حسنك وجمالك وشدّة حبّي، فقلت أموت فتتزوّج غيري. فقالت: والله والله، أنّ ذاك الذي أبكاك؟ قال: نعم. قالت: وأنا ذكرت حسنك وجمالك وشدّة حبّي لك فقلت أموت فيتزوّج امرأةً غيري. قال الرّجل: فإنّ النّساء حرامٌ عليّ بعدك. فلبثا ما شاء الله.
ثمّ إنّ الرّجل توفّي فجزعت عليه جزعاً شديداً فخاف أهلها على عقلها أن يذهل، فأجمع رأيهم على أن يزوّجوها، وهي كارهةٌ، لعلّها تتسلّى عنه. فلمّا كان في الليلة التي تهدى فيها إلى بيت زوجها، وقد نام أهل البيت، والماشطة تهيّء من شعرها، إذ ناكت نومةً يسيرةً فرأت زوجها الأوّل داخلاً عليها من الباب وهو يقول: خنت يا فلانة عهدي، والله لا هنيت العيش بعدي فانتبهت مرعوبةً، وخرجت هاربةً على وجهها، وطلبها أخلها فلم يقعوا لها على خبر.
ماتا ودفنا معاً
قال إسحق خرجت امرأةٌ من قريش من بني زهرة إلى المدينة تقضي حقّاً لبعض القرشيّين. وكانت ظريفةً جميلةً، فرآها من بني أميّة رجلٌ فأعجبته، وتأمّلها فأخذت بقلبه، وسأل عنها فقيل له: هذه حميدة بنت عمر بن عبد الله بن حمزة. ووصفت له بما زاد فيها كلفه، فخطبها إلى أهلها فزوّجوه إيّاها على كرهٍ منها، وأهديت إليه فرأت من كرمه وأدبه وحسن عشرته ما وجدت به، فلم تقم عنده إلاّّ قليلاً حتّى أخرج أهل المدينة بني أميّة إلى الشّام، فنزل بها أمرٌ ما ابتليت بمثله، فاشتدّ بكاؤها على زوجها وبكاؤه عليها، وخيّرت بين أن تجمع معه مفارقة الأهل والولد والأقارب والوطن أو تتخلّف عنه مع ما تجد به، فلم تجد أخفّ عندها من الخروج معه مختارةً له على الدّنيا وما فيها. فلمّا صارت بالشّام صارت تبكي ليلها ونهارها ولا تتهنّأ طعاماً ولا شراباً شوقاً إلى أهلها ووطنها، فخرجت يوماً بدمشق مع نسوةٍ تقضي حقّاً لبعض القرشيّين فمرّت بفتىً جالسٍ على باب منزله، وهو يتمثّل بهذه الأبيات:
وجدت بها ما لم تجد أمّ واجدٍ ... ولا وجد حبّي بابنٍ أم كلاب
وإنّي طويل السّاعدين شمرطلٌ ... على ما اشتهيت من قوّةٍ وشباب.
فأغلقت الباب في وجهه. وعرض له عبد الرّحمن بن حسّان فقال: أنشدني! فقال له: على هذه الحال؟ قال: نعم. فابتدأ ينشده:
ولست بمفراحٍ إذا الدّهر سرّني ... ولا جازعٍ من صرفه المتقلّب
ولا أتمنّى الشّرّ، والشّرّ تاركي، ... ولكن متى ما أحمل الشّرّ أركب
قال:ونظر رجلٌ إلى امرأته فدخلته غيرةٌ، وقد كان زيادة جدع أنفع بسيفه:
فإن يك أنفي بأن عنّي جماله ... فما حسبي في الصّالحين بأجدعا
فلا تنكحي إنّ فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
خنت يا فلانة عهدي
وعن أبي حمزة الكناني قال: كنت في حرس خالد بن عبد الله القسري، فقال خالد: من يحدّثني بحديثٍ عسى يستريح إليه قلبي؟ فقلت: أنا. فقال: هات. فقلت: إنّه بلغني أنّه كان فتىً من بني عذرة، وكانت له امرأةٌ منهم، وكان شديد الحبّ لها، وكانت له مثل ذلك، فبينا هو ذات يومٍ ينظر وجهها إذ بكى، فنظرت إلى وجهه وبكت، فقالت له: ما الذي أبكاك؟ قال: والله، أتصدقيني إن صدقتك؟ قالت: نعم. قال لها: ذكرت حسنك وجمالك وشدّة حبّي، فقلت أموت فتتزوّج غيري. فقالت: والله والله، أنّ ذاك الذي أبكاك؟ قال: نعم. قالت: وأنا ذكرت حسنك وجمالك وشدّة حبّي لك فقلت أموت فيتزوّج امرأةً غيري. قال الرّجل: فإنّ النّساء حرامٌ عليّ بعدك. فلبثا ما شاء الله.
ثمّ إنّ الرّجل توفّي فجزعت عليه جزعاً شديداً فخاف أهلها على عقلها أن يذهل، فأجمع رأيهم على أن يزوّجوها، وهي كارهةٌ، لعلّها تتسلّى عنه. فلمّا كان في الليلة التي تهدى فيها إلى بيت زوجها، وقد نام أهل البيت، والماشطة تهيّء من شعرها، إذ ناكت نومةً يسيرةً فرأت زوجها الأوّل داخلاً عليها من الباب وهو يقول: خنت يا فلانة عهدي، والله لا هنيت العيش بعدي فانتبهت مرعوبةً، وخرجت هاربةً على وجهها، وطلبها أخلها فلم يقعوا لها على خبر.
ماتا ودفنا معاً
قال إسحق خرجت امرأةٌ من قريش من بني زهرة إلى المدينة تقضي حقّاً لبعض القرشيّين. وكانت ظريفةً جميلةً، فرآها من بني أميّة رجلٌ فأعجبته، وتأمّلها فأخذت بقلبه، وسأل عنها فقيل له: هذه حميدة بنت عمر بن عبد الله بن حمزة. ووصفت له بما زاد فيها كلفه، فخطبها إلى أهلها فزوّجوه إيّاها على كرهٍ منها، وأهديت إليه فرأت من كرمه وأدبه وحسن عشرته ما وجدت به، فلم تقم عنده إلاّّ قليلاً حتّى أخرج أهل المدينة بني أميّة إلى الشّام، فنزل بها أمرٌ ما ابتليت بمثله، فاشتدّ بكاؤها على زوجها وبكاؤه عليها، وخيّرت بين أن تجمع معه مفارقة الأهل والولد والأقارب والوطن أو تتخلّف عنه مع ما تجد به، فلم تجد أخفّ عندها من الخروج معه مختارةً له على الدّنيا وما فيها. فلمّا صارت بالشّام صارت تبكي ليلها ونهارها ولا تتهنّأ طعاماً ولا شراباً شوقاً إلى أهلها ووطنها، فخرجت يوماً بدمشق مع نسوةٍ تقضي حقّاً لبعض القرشيّين فمرّت بفتىً جالسٍ على باب منزله، وهو يتمثّل بهذه الأبيات:
ألا ليت شعري، هل تغيّر بعدنا ... صحون المصلّى، أم كعهدي القرائن؟
وهل أدور حول البلاط عوامرٌ ... من الحيّ، أم هل بالمدينة ساكن؟
إذا لمعت نحو الحجاز سحابةٌ، ... دعا الشّوق منّي برقها المتيامن
وما أشخصتنا رغبة عن بلادنا، ... ولكنّه ما قدّر الله كائن.
فلمّا سمعت المرأة ذكر بلدها وعرفت المواضع، تنفّست نفساً صدّع فؤادها فوقعت ميتةً. فحملت إلى أهلها وجاء زوجها، وقد عرف الخبر، فانكبّ عليها فوقع عنها ميّتاً. فغسّلا جميعاً وكفًنا ودفنا في قبرٍ واحدٍ.
أرادها لحسن ثغرها فقط
وكانت خولة بنت منظور بن زياد الفزاري عند الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وكانت أختها عند عبد الله بن الزّبير، وهي أحسن النّاس ثغراً، وأتمّهم جمالاً. فلمّا رأى ذلك عبد الملك بن مروان قتل عبد الله بن الزّبير زوجها، ثمّ خطبها، فكرهت أن تتزوّجه وهو قاتل زوجها، فأخذت فهراً وكسّرت به أسنانها. وجاء رسول عبد الملك فخطبها، فأذنت له ليراها، فأدّى إليها رسالته ورأى ما بها، فقالت: ما لي عن أمير المؤمنين رغبة، ولكنّي كما ترى، فإن أحبّني فأنا بين يديه، فأتاه الرّسول فأعلمه بذلك، فقال: أنا، والله، إنّما أردتها على حسن ثغرها الذي بلغني، وأمّا الآن فلا حاجة لي فيها.
لا حرّ بوادي عوفٍ
وممّن يضرب به المثل في الوفاء جماعة بنت عوف بن محلم الشّيباني وذلك أنّ عمرو بن عبد الملك طلب مروان القرط وهو مروان بن زنباع العبسيّ فخرج هارباً حتّى هجم على أبيات بني شيبان، فنظر إلى أعظمها بيتاً ببصره فإذا هو بيت جماعة بنت عوف فألقى نفسه بين يديها فاستجارها فأجارته. ولحقته خيل عمرو فبعثت إلى أبيها فعرّفته أنّها أجارته فمنعهم عوف عنه وأنصرف أصحاب عمرو. فأرسل عمرو إلى عوف قد آليت ألا أقطع طلبي إلاّّ أن يضع يده في يدي. فقال عوف: والله ما يكون ذلك أبداً لكنّ يدي بين يديك ويده. قال، فرضي عمرو بذلك. فوضع مروان يده في يد عوف ووضع عوف يده في يد عمرو. فقال عمرو: لا حرّ بوادي عوف. فذهبت مثلاً.
من أحاديث المحبّين
وحكى عصام المرّي، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في سريّةٍ قبل نجد، وقال: إن سمعتم مؤذّناً، أو رأيتم مسجداً فلا تقتلنّ أحداً. فبينا نحن نسير إذ لحقنا رجلٌ معه ظعائن يسوقها أمامه، فأخذناه، فقلنا له: أسلم. قال: وما الإسلام؟ فعزمنا عليه، قال: أرأيتم إن لم أسلم ما أنتم صانعون بي؟ قلنا: نقتلك. قال: فهل أنتم تاركي حتّى أوصي من في هذا الهودج بكلماتٍ. قلنا: نعم. فدنا من الهودج وفيه ظعينة فقال: أسلمي جبيش قبل انقطاع العيش. فقالت: أسلم عشراً أو تسعاً وتراً، أو ثانياً تترا. قال، ثمّ جاء فمدّ عنقه. قال: شأنكم اصنعوا ما أنتم صانعون. فضربنا عنقه ولقد رأيت تلك الظّعينة نزلت من هودجها وألقت نفسها عليه فما زالت تقبّله وتبكي حتّى هدأت فحرّكناها فإذا هي ميّتة.
خانته وبموتها وفت له
العتبيّ قال: كان خالد بن عبد الله القسريّ ذات ليلةٍ مع فقهاء من أهل الكوفة فقال بعضهم: حدّثونا حديثاّ لبعض العشّاق. قال أحدهم: أصلح الله الأمير، ذكر هشام بن عبد الملك غدر النّساء وسرعة رجوعهنّ. فقال له بعض جلسائه: أنا أحدّثك، يا أمير المؤمنين: بلغني عن امرأةٍ من يشكر يقال لها أمّ عقبة بنت عمرو بن الأعران، وإنّها كانت عند ابن عمٍّ لها يقال له غسّان، وكان شديد المحبّة لها، والوجد بها، وكانت له كذلك. فأقام بها على هذا الحال ما شاء الله، لا يزيد كلّ واحدٍ منهما بصاحبه إلاّّ اعتباطاً.
فلمّا حضرت غسّان الوفاة قال لها: يا أمّ عقبة اسمعي ما أقول، وأجيبي عن نفسك بحقٍّ. فقالت له: والله لا أجبتك بكذبٍ، ولا أجعله آخر حظّك معي. فقال: إنّي رجوت أن تحفظي العهد، وأن تكوني لي إن متّ عند الرّجاء. أنا والله واثقٌ بك، غير إنّي بسوء الظّنّ أخاف غدر النّساء. ثمّ اعتقل لسانه فلم ينطق حتّى مات. فلم تمكث معه إلاّّ قليلاً حتّى خطبت من كلّ مكانٍ، ورغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها من العقل والجمال والمال والعفاف والحسب. فقالت مجيبةً له:
سأحفط غسّاناً، على بعد داره، ... وأرعاه حتّى نلتقي يوم نحشر.
وهل أدور حول البلاط عوامرٌ ... من الحيّ، أم هل بالمدينة ساكن؟
إذا لمعت نحو الحجاز سحابةٌ، ... دعا الشّوق منّي برقها المتيامن
وما أشخصتنا رغبة عن بلادنا، ... ولكنّه ما قدّر الله كائن.
فلمّا سمعت المرأة ذكر بلدها وعرفت المواضع، تنفّست نفساً صدّع فؤادها فوقعت ميتةً. فحملت إلى أهلها وجاء زوجها، وقد عرف الخبر، فانكبّ عليها فوقع عنها ميّتاً. فغسّلا جميعاً وكفًنا ودفنا في قبرٍ واحدٍ.
أرادها لحسن ثغرها فقط
وكانت خولة بنت منظور بن زياد الفزاري عند الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وكانت أختها عند عبد الله بن الزّبير، وهي أحسن النّاس ثغراً، وأتمّهم جمالاً. فلمّا رأى ذلك عبد الملك بن مروان قتل عبد الله بن الزّبير زوجها، ثمّ خطبها، فكرهت أن تتزوّجه وهو قاتل زوجها، فأخذت فهراً وكسّرت به أسنانها. وجاء رسول عبد الملك فخطبها، فأذنت له ليراها، فأدّى إليها رسالته ورأى ما بها، فقالت: ما لي عن أمير المؤمنين رغبة، ولكنّي كما ترى، فإن أحبّني فأنا بين يديه، فأتاه الرّسول فأعلمه بذلك، فقال: أنا، والله، إنّما أردتها على حسن ثغرها الذي بلغني، وأمّا الآن فلا حاجة لي فيها.
لا حرّ بوادي عوفٍ
وممّن يضرب به المثل في الوفاء جماعة بنت عوف بن محلم الشّيباني وذلك أنّ عمرو بن عبد الملك طلب مروان القرط وهو مروان بن زنباع العبسيّ فخرج هارباً حتّى هجم على أبيات بني شيبان، فنظر إلى أعظمها بيتاً ببصره فإذا هو بيت جماعة بنت عوف فألقى نفسه بين يديها فاستجارها فأجارته. ولحقته خيل عمرو فبعثت إلى أبيها فعرّفته أنّها أجارته فمنعهم عوف عنه وأنصرف أصحاب عمرو. فأرسل عمرو إلى عوف قد آليت ألا أقطع طلبي إلاّّ أن يضع يده في يدي. فقال عوف: والله ما يكون ذلك أبداً لكنّ يدي بين يديك ويده. قال، فرضي عمرو بذلك. فوضع مروان يده في يد عوف ووضع عوف يده في يد عمرو. فقال عمرو: لا حرّ بوادي عوف. فذهبت مثلاً.
من أحاديث المحبّين
وحكى عصام المرّي، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في سريّةٍ قبل نجد، وقال: إن سمعتم مؤذّناً، أو رأيتم مسجداً فلا تقتلنّ أحداً. فبينا نحن نسير إذ لحقنا رجلٌ معه ظعائن يسوقها أمامه، فأخذناه، فقلنا له: أسلم. قال: وما الإسلام؟ فعزمنا عليه، قال: أرأيتم إن لم أسلم ما أنتم صانعون بي؟ قلنا: نقتلك. قال: فهل أنتم تاركي حتّى أوصي من في هذا الهودج بكلماتٍ. قلنا: نعم. فدنا من الهودج وفيه ظعينة فقال: أسلمي جبيش قبل انقطاع العيش. فقالت: أسلم عشراً أو تسعاً وتراً، أو ثانياً تترا. قال، ثمّ جاء فمدّ عنقه. قال: شأنكم اصنعوا ما أنتم صانعون. فضربنا عنقه ولقد رأيت تلك الظّعينة نزلت من هودجها وألقت نفسها عليه فما زالت تقبّله وتبكي حتّى هدأت فحرّكناها فإذا هي ميّتة.
خانته وبموتها وفت له
العتبيّ قال: كان خالد بن عبد الله القسريّ ذات ليلةٍ مع فقهاء من أهل الكوفة فقال بعضهم: حدّثونا حديثاّ لبعض العشّاق. قال أحدهم: أصلح الله الأمير، ذكر هشام بن عبد الملك غدر النّساء وسرعة رجوعهنّ. فقال له بعض جلسائه: أنا أحدّثك، يا أمير المؤمنين: بلغني عن امرأةٍ من يشكر يقال لها أمّ عقبة بنت عمرو بن الأعران، وإنّها كانت عند ابن عمٍّ لها يقال له غسّان، وكان شديد المحبّة لها، والوجد بها، وكانت له كذلك. فأقام بها على هذا الحال ما شاء الله، لا يزيد كلّ واحدٍ منهما بصاحبه إلاّّ اعتباطاً.
فلمّا حضرت غسّان الوفاة قال لها: يا أمّ عقبة اسمعي ما أقول، وأجيبي عن نفسك بحقٍّ. فقالت له: والله لا أجبتك بكذبٍ، ولا أجعله آخر حظّك معي. فقال: إنّي رجوت أن تحفظي العهد، وأن تكوني لي إن متّ عند الرّجاء. أنا والله واثقٌ بك، غير إنّي بسوء الظّنّ أخاف غدر النّساء. ثمّ اعتقل لسانه فلم ينطق حتّى مات. فلم تمكث معه إلاّّ قليلاً حتّى خطبت من كلّ مكانٍ، ورغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها من العقل والجمال والمال والعفاف والحسب. فقالت مجيبةً له:
سأحفط غسّاناً، على بعد داره، ... وأرعاه حتّى نلتقي يوم نحشر.
وإنّي لفي شغلٍ عن النّاس كلّهم، ... فكفّوا، فما مثلي من النّاس يغدر.
سأبكي عليه، ما حييت، بدمعةٍ ... تحول على الخدّين منّي فتكثر
فيئس النّاس منها حيناً. فلمّا طالت بها الأيّام نسيت عهده، وقالت: من قد مات فقد فات. وأجابت بعض خطّابها فتزوّجها المقدام بن حابس، وقد كان بها معجباً. فلمّا كانت الليلة التي أراد بها الدّخول، أتاها في منامها زوجها الأوّل فقال لها:
غدرت، ولم ترعي لبعلك حرمةً، ... ولم تعرفي حقّاً، ولم ترعي لي عهدا
غدرت به لمّا ثوى في ضريحه، ... كذلك ينسى كلّ من سكن اللحدا
فانتبهت مرتاعةً مستحييةً منه كأنّه يراها أو تراه كأنّه في جانب البيت. فأنكر حالها من حضرها، وقلن لها: ما لك؟ وما بالك؟ قالت: ما ترك لي غسّانٌ في الحياة إرباً، أتاني السّاعة فأنشدني هذه الأبيات. ثمّ أنشدتها بدمعٍ غزيرٍ، وانتحابٍ شديدٍ من قلبٍ جريحٍ موجعٍ. فلمّا سمعن ذلك منها أخذن بها في حديثٍ آخر لتنسى ما هي فيه، فتغفّلتهنّ ثمّ قامت كأنّها تقضي حاجةً فأبطأت عليهنّ. فقمن في طلبها، فوجدنها قد جعلت السّوط في حلقها وربطته إلى عمود البيت وجبذت نفسها حتّى ماتت. فلمّا بلغ ذلك زوجها المقدام، حسن عزاؤه عنها، وقال: هكذا فليكن النّساء في الوفاء، قلّ من يحفظ ميتاً، إنّما هي قلائلٌ حتّى ينسى وعنه يتسلّى
لم يلتفت إليهنّ
استعدى آل بثينة مروان بن الحكم على جميل بن معمر، فهرب حتّى أتى رجلاً شريفاً من بني عذرة في أقصى بلادهم وله بناتٌ سبعٌ كأنّهنّ البدور جمالاً. فقال الشّيخ لبناته: تحلّين بأجود حليّكنّ، والبسن فاخر ثيابكنّ، ثمّ تعرضن لجميلٍ. فمن اختار منكنّ زوّجته إيّاها. ففعلن ذلك مراراً وجعلن يعارضنه: فلم يلتفت إليهنّ. وأنشأ يقول:
حلفت لكي تعلمن أنّي صادقٌ، وللصّدق في خير الأمور وأنجح
لتكليم يومٍ من بثينة واحد ... ورؤيتها عندي، ألذّ وأملح،
من الدّهر أن أخلو بكنّ فإنّما، ... أعالج قلباً طامحاً حيث يطمح
قال أبوهنّ: دعن هذا، فوالله لا أفلح أبداً.
نساء قريشٍ خير النّساء
كانت أمّ هاني بنت أبي طالب تحت زوجها هبيرة بن أبي ليث المخزومي، فهرب يوم فتح مكّة إلى اليمن فمات كافراً. فخطب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أمّ هاني فقالت: والله لقد كنت أحبّك في الجاهليّة فكيف في الإسلام؟ ولكنّني امرأةٌ مصيبةٌ وأكره أن يؤذك. فقال النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: " نساء قريشٍ خير نساءٍ ركبن المطايا، أحناهنّ على ولدٍ صغيرٍ، وأرغاهنّ، على زوجٍ ذي يدٍ. "
ماتت في الطّريق
أبو بكر الأنباري، عن أبي اليسر قال: دخلت منزل نخّاسٍ لشراء جاريةٍ، فسمعت في بيت بازاء البيت جاريةً تقول:
وكنّا كزوجٍ من قطا في مفازةٍ ... لدى خفض عيشٍ معجبٍ مونقٍ رغد
أصابهما ريب الزّمان فأفردا ... ولم أر شيئاً قطّ أوحش من فرد
فقلت للنّخّاس: أعرض عليّ هذه المنشدة. فقال إنّها حزينةٌ. قلت: ولم ذلك؟ قال: اشتريتها من ميراثٍ، فهي باكيةٌ على مولاها. ثمّ لم ألبث أن أنشدت:
وكنّا كغصني بانةٍ وسط دوحةٍ ... نشم جنا الجنّات في عيشةٍ رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطعٌ ... فيا فردةٌ باتت تحنّ إلى فرد
قال أبو السّمراء: فكتبت إلى عبد الله بن طاهر بخبرها. فكتب إليّ: أن ألق عليها هذا البيت، فإن أجازته فاشتراها ولو كانت بخراج خراسان. والبيت:
قريبٌ صدّ، بعيدٌ وصل، ... جعلت منه لي ملاذا
فقالت:
فعاتبوه، فزاد شوقاً ... فمات عشقاً، فكان ماذا؟
قال أبو السّمراء: فاشتريتها بألف دينارٍ وحملتها إليه. فماتت في الطّريق، فكانت إحدى الحسرات.
تستحييه في الحياة والممات
قال الأصمعي: خرج سليمان بن عبد الملك ومعه سليمان بن المهلّب بن أبي صفرة من دمشق متنزّهين، فمرّا بالجبانة، وإذا امرأةٌ جالسةٌ على قبرٍ تبكي، فهبّت الرّيح، فرفعت البرقع عن وجهها، فكأنّها غمامةٌ جلت شمساً، فوقفنا متعجّبين ننظر إليها، فقال لها ابن المهلّب: يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين بعلاً؟ فنظرت إليهما، ثمّ نظرت إلى القبر، وقالت:
سأبكي عليه، ما حييت، بدمعةٍ ... تحول على الخدّين منّي فتكثر
فيئس النّاس منها حيناً. فلمّا طالت بها الأيّام نسيت عهده، وقالت: من قد مات فقد فات. وأجابت بعض خطّابها فتزوّجها المقدام بن حابس، وقد كان بها معجباً. فلمّا كانت الليلة التي أراد بها الدّخول، أتاها في منامها زوجها الأوّل فقال لها:
غدرت، ولم ترعي لبعلك حرمةً، ... ولم تعرفي حقّاً، ولم ترعي لي عهدا
غدرت به لمّا ثوى في ضريحه، ... كذلك ينسى كلّ من سكن اللحدا
فانتبهت مرتاعةً مستحييةً منه كأنّه يراها أو تراه كأنّه في جانب البيت. فأنكر حالها من حضرها، وقلن لها: ما لك؟ وما بالك؟ قالت: ما ترك لي غسّانٌ في الحياة إرباً، أتاني السّاعة فأنشدني هذه الأبيات. ثمّ أنشدتها بدمعٍ غزيرٍ، وانتحابٍ شديدٍ من قلبٍ جريحٍ موجعٍ. فلمّا سمعن ذلك منها أخذن بها في حديثٍ آخر لتنسى ما هي فيه، فتغفّلتهنّ ثمّ قامت كأنّها تقضي حاجةً فأبطأت عليهنّ. فقمن في طلبها، فوجدنها قد جعلت السّوط في حلقها وربطته إلى عمود البيت وجبذت نفسها حتّى ماتت. فلمّا بلغ ذلك زوجها المقدام، حسن عزاؤه عنها، وقال: هكذا فليكن النّساء في الوفاء، قلّ من يحفظ ميتاً، إنّما هي قلائلٌ حتّى ينسى وعنه يتسلّى
لم يلتفت إليهنّ
استعدى آل بثينة مروان بن الحكم على جميل بن معمر، فهرب حتّى أتى رجلاً شريفاً من بني عذرة في أقصى بلادهم وله بناتٌ سبعٌ كأنّهنّ البدور جمالاً. فقال الشّيخ لبناته: تحلّين بأجود حليّكنّ، والبسن فاخر ثيابكنّ، ثمّ تعرضن لجميلٍ. فمن اختار منكنّ زوّجته إيّاها. ففعلن ذلك مراراً وجعلن يعارضنه: فلم يلتفت إليهنّ. وأنشأ يقول:
حلفت لكي تعلمن أنّي صادقٌ، وللصّدق في خير الأمور وأنجح
لتكليم يومٍ من بثينة واحد ... ورؤيتها عندي، ألذّ وأملح،
من الدّهر أن أخلو بكنّ فإنّما، ... أعالج قلباً طامحاً حيث يطمح
قال أبوهنّ: دعن هذا، فوالله لا أفلح أبداً.
نساء قريشٍ خير النّساء
كانت أمّ هاني بنت أبي طالب تحت زوجها هبيرة بن أبي ليث المخزومي، فهرب يوم فتح مكّة إلى اليمن فمات كافراً. فخطب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أمّ هاني فقالت: والله لقد كنت أحبّك في الجاهليّة فكيف في الإسلام؟ ولكنّني امرأةٌ مصيبةٌ وأكره أن يؤذك. فقال النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: " نساء قريشٍ خير نساءٍ ركبن المطايا، أحناهنّ على ولدٍ صغيرٍ، وأرغاهنّ، على زوجٍ ذي يدٍ. "
ماتت في الطّريق
أبو بكر الأنباري، عن أبي اليسر قال: دخلت منزل نخّاسٍ لشراء جاريةٍ، فسمعت في بيت بازاء البيت جاريةً تقول:
وكنّا كزوجٍ من قطا في مفازةٍ ... لدى خفض عيشٍ معجبٍ مونقٍ رغد
أصابهما ريب الزّمان فأفردا ... ولم أر شيئاً قطّ أوحش من فرد
فقلت للنّخّاس: أعرض عليّ هذه المنشدة. فقال إنّها حزينةٌ. قلت: ولم ذلك؟ قال: اشتريتها من ميراثٍ، فهي باكيةٌ على مولاها. ثمّ لم ألبث أن أنشدت:
وكنّا كغصني بانةٍ وسط دوحةٍ ... نشم جنا الجنّات في عيشةٍ رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطعٌ ... فيا فردةٌ باتت تحنّ إلى فرد
قال أبو السّمراء: فكتبت إلى عبد الله بن طاهر بخبرها. فكتب إليّ: أن ألق عليها هذا البيت، فإن أجازته فاشتراها ولو كانت بخراج خراسان. والبيت:
قريبٌ صدّ، بعيدٌ وصل، ... جعلت منه لي ملاذا
فقالت:
فعاتبوه، فزاد شوقاً ... فمات عشقاً، فكان ماذا؟
قال أبو السّمراء: فاشتريتها بألف دينارٍ وحملتها إليه. فماتت في الطّريق، فكانت إحدى الحسرات.
تستحييه في الحياة والممات
قال الأصمعي: خرج سليمان بن عبد الملك ومعه سليمان بن المهلّب بن أبي صفرة من دمشق متنزّهين، فمرّا بالجبانة، وإذا امرأةٌ جالسةٌ على قبرٍ تبكي، فهبّت الرّيح، فرفعت البرقع عن وجهها، فكأنّها غمامةٌ جلت شمساً، فوقفنا متعجّبين ننظر إليها، فقال لها ابن المهلّب: يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين بعلاً؟ فنظرت إليهما، ثمّ نظرت إلى القبر، وقالت:
فإن تسألاني عن هواي، فإنّه ... بملحود هذا القبر، يا فتيان
وإنّي لأتسحييه والتّرب بيننا، ... كما كنت أستحييه وهو يراني
فانصرفنا ونحن متعجّبون.
قال الأصمعي: رأيت بالبادية أعرابيّةً لا تتكلّم، فقلت: أخرساء هي؟ فقيل لي: لا، ولكنّها كان زوجها معجباً بنغمتها فتوفّي، فآلت أن لا تتكلّم بعده أبداً.
المبكّرة إلى القبر
قال الفرزدق أبقي لرجلٍ من بني نهشل، يقال له حصن، غلام. فخرجت في طلبه أريد اليمامة. فلمّا صرت في ماءٍ لبني حنيفة ارتفعت لي سحابةٌ، فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم وسألت القرا. فأجابوا، ودخلت الدّار، وأنخت ناقتي، وجلست. فإذا جاريةٌ كأنّها طلعة قمر، فقالت: ممّن الرّجل؟ قلت من بني حنظلة. قالت: من أيّ حنظلة؟ قلت: من بني نهشل. قالت: فأنت من الذين يقول فيهم الفرزدق:
إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعزّ وأطول
بيتا زرارةٍ محتبٍ بفنائه ... ومجاشعٌ وأبو الفوارس نهشل
فقلت: نعم. فتبسّمت، ثمّ قالت: فإنّ جريراً هدم قوله، حيث يقول:
أخزي الذي سمك السّماء مجاشعاً ... وأحلّ بيتك بالحضيض الأسفل
قال: فأعجبني ما رأيت من جمالها وفصاحتها، ثمّ قالت لي: أين تؤم؟ قلت: اليمامة. فتنفّست نفساً وصل إليّ حرّة، فقلت: أذات خدرٍ، أم ذات بعلٍ؟ فبكت. فقلت: ما أجبتني عمّا سألتك. قال فلمّا فهمت قولي ولم تكن أوّلاً فهمته من شدّة استغراقها، فلمّا كان بعد ساعةٍ أنشأت تقول:
يخيّل لي، أبا عمرو بن كعب، ... بأنّك قد حملت على سرير
فإن يك هكذا، يا عمرو، إنّي ... مبكّرةً عليك إلى القبور
ثمّ شهقت شهقةً فماتت. فقلت لهم: من هذه؟ قالوا: عقيلة بنت الضّحّاك بن النّعمان بن المنذر. قلت: فمن عمرو؟ قالوا: ابن عمّها، خطبها ولم يدخل بها. فارتحلت من عندهم فدخلت اليمامة، فسألت عن عمرو فإذا به قد دفن في ذلك الوقت من اليوم.
الوفاء في الجاهليّة يختلف عنه غي الإسلام
يروى عن سماك بن حرب: أن زيد بن حارثة قال: يا رسول الله، انطلق بنا إلى فلانة نخطبها عليك أو عليّ إن لم تعجبك: فأتيناها فذكر لها زيد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له: يا رسول الله، إنّي عاهدت زوجي ألاّ أتزوّج بعده أبداً، وأعطاني مثل ذلك. فقال لها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: " إن كان ذلك في الإسلام ففي له، وإن كان ذلك في الجاهلية فليس بشيءٍ " .
الوفاء والذّكاء
قال الأصمعي خرجت إلى مقابر البصرة، فإذا أنا بامرأةً على قبرٍ، من أجمل النّساء، وهي تندب صاحبه وتقول:
هل أخبر القبر سائليه ... أم قرّ عيناً بزائريه
أم هل تراه أحاط علماً ... بالجسد المستكين فيه
يا جبلاً كان ذا امتناعٍ ... وطوداً عد لآمليه
يا نخلةً طلعها نضيد ... يقرب من كفّ مجتنيه
يا موت ماذا أردت منّي ... حقّقت ما كنت أتّقيه
دهرٌ رماني بفقد إلفي ... أذمّ دهري وأشتكيه
أمّنك الله كلّ خوفٍ ... وكلّ ما كنت تتّقيه
أسكنك الله في جنانٍ ... تكون أمناً لساكنيه
قال، فقلت لها: يا أمة الله، ما هذا منك؟ قالت: لو أعلمك مكانك ما أنشدت حرفاً، هذا زوجي وسروري وأنسي، والله لا زلت هكذا أبداً أو ألحق به. قلت لها: أعيدي عليّ الشّعر. فقالت: هذا من ذاك. فقلت خذي إليك. وأنشدتها الأبيات، فقالت فإن يكن في الدّنيا الأصمعي فأنت هو.
قصّة عاشقين
قال: كان لأشجع بن عمرو السّلمي جاريةً، يقال لها ريم، وكان يجدها وجداً شديداً، وكانت تحلف له أنّها إن بقيت بعده لم يحكم عليها رجلٌ أبداً. فقال يخاطبها:
إذا غمضت فوقي جفون حفيرةٍ ... من الأرض فابكيني بما كنت أصنع
تعزيك عنّي بعد ذلك سلوةٌ ... وإن ليس فيمن وارت الأرض مطمع
فأجابته ريم تقول:
ذكرت فراقاً والفراق يصدّع، ... وأيّ حياةٍ بعد موتك تنفع.
إذا الزّمن الغدّار فرّق بيننا، ... فمالي في طيّبٍ من العيش مطمع.
وإنّي لأتسحييه والتّرب بيننا، ... كما كنت أستحييه وهو يراني
فانصرفنا ونحن متعجّبون.
قال الأصمعي: رأيت بالبادية أعرابيّةً لا تتكلّم، فقلت: أخرساء هي؟ فقيل لي: لا، ولكنّها كان زوجها معجباً بنغمتها فتوفّي، فآلت أن لا تتكلّم بعده أبداً.
المبكّرة إلى القبر
قال الفرزدق أبقي لرجلٍ من بني نهشل، يقال له حصن، غلام. فخرجت في طلبه أريد اليمامة. فلمّا صرت في ماءٍ لبني حنيفة ارتفعت لي سحابةٌ، فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم وسألت القرا. فأجابوا، ودخلت الدّار، وأنخت ناقتي، وجلست. فإذا جاريةٌ كأنّها طلعة قمر، فقالت: ممّن الرّجل؟ قلت من بني حنظلة. قالت: من أيّ حنظلة؟ قلت: من بني نهشل. قالت: فأنت من الذين يقول فيهم الفرزدق:
إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعزّ وأطول
بيتا زرارةٍ محتبٍ بفنائه ... ومجاشعٌ وأبو الفوارس نهشل
فقلت: نعم. فتبسّمت، ثمّ قالت: فإنّ جريراً هدم قوله، حيث يقول:
أخزي الذي سمك السّماء مجاشعاً ... وأحلّ بيتك بالحضيض الأسفل
قال: فأعجبني ما رأيت من جمالها وفصاحتها، ثمّ قالت لي: أين تؤم؟ قلت: اليمامة. فتنفّست نفساً وصل إليّ حرّة، فقلت: أذات خدرٍ، أم ذات بعلٍ؟ فبكت. فقلت: ما أجبتني عمّا سألتك. قال فلمّا فهمت قولي ولم تكن أوّلاً فهمته من شدّة استغراقها، فلمّا كان بعد ساعةٍ أنشأت تقول:
يخيّل لي، أبا عمرو بن كعب، ... بأنّك قد حملت على سرير
فإن يك هكذا، يا عمرو، إنّي ... مبكّرةً عليك إلى القبور
ثمّ شهقت شهقةً فماتت. فقلت لهم: من هذه؟ قالوا: عقيلة بنت الضّحّاك بن النّعمان بن المنذر. قلت: فمن عمرو؟ قالوا: ابن عمّها، خطبها ولم يدخل بها. فارتحلت من عندهم فدخلت اليمامة، فسألت عن عمرو فإذا به قد دفن في ذلك الوقت من اليوم.
الوفاء في الجاهليّة يختلف عنه غي الإسلام
يروى عن سماك بن حرب: أن زيد بن حارثة قال: يا رسول الله، انطلق بنا إلى فلانة نخطبها عليك أو عليّ إن لم تعجبك: فأتيناها فذكر لها زيد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له: يا رسول الله، إنّي عاهدت زوجي ألاّ أتزوّج بعده أبداً، وأعطاني مثل ذلك. فقال لها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: " إن كان ذلك في الإسلام ففي له، وإن كان ذلك في الجاهلية فليس بشيءٍ " .
الوفاء والذّكاء
قال الأصمعي خرجت إلى مقابر البصرة، فإذا أنا بامرأةً على قبرٍ، من أجمل النّساء، وهي تندب صاحبه وتقول:
هل أخبر القبر سائليه ... أم قرّ عيناً بزائريه
أم هل تراه أحاط علماً ... بالجسد المستكين فيه
يا جبلاً كان ذا امتناعٍ ... وطوداً عد لآمليه
يا نخلةً طلعها نضيد ... يقرب من كفّ مجتنيه
يا موت ماذا أردت منّي ... حقّقت ما كنت أتّقيه
دهرٌ رماني بفقد إلفي ... أذمّ دهري وأشتكيه
أمّنك الله كلّ خوفٍ ... وكلّ ما كنت تتّقيه
أسكنك الله في جنانٍ ... تكون أمناً لساكنيه
قال، فقلت لها: يا أمة الله، ما هذا منك؟ قالت: لو أعلمك مكانك ما أنشدت حرفاً، هذا زوجي وسروري وأنسي، والله لا زلت هكذا أبداً أو ألحق به. قلت لها: أعيدي عليّ الشّعر. فقالت: هذا من ذاك. فقلت خذي إليك. وأنشدتها الأبيات، فقالت فإن يكن في الدّنيا الأصمعي فأنت هو.
قصّة عاشقين
قال: كان لأشجع بن عمرو السّلمي جاريةً، يقال لها ريم، وكان يجدها وجداً شديداً، وكانت تحلف له أنّها إن بقيت بعده لم يحكم عليها رجلٌ أبداً. فقال يخاطبها:
إذا غمضت فوقي جفون حفيرةٍ ... من الأرض فابكيني بما كنت أصنع
تعزيك عنّي بعد ذلك سلوةٌ ... وإن ليس فيمن وارت الأرض مطمع
فأجابته ريم تقول:
ذكرت فراقاً والفراق يصدّع، ... وأيّ حياةٍ بعد موتك تنفع.
إذا الزّمن الغدّار فرّق بيننا، ... فمالي في طيّبٍ من العيش مطمع.
فلو أبصرت عيناك عينيّ أبصرت، ... شآبيب جدرٍ غيثها ليس تقشع
وقالت فيها أيضاً:
وليس لإخوان النّساء تطاول، ... ولكنّ إخوان الرّجال يطول.
فلا تبخلي بالدّمع عنّي فإنّ من، ... يضنّ بدمعٍ، عن هوىً، لبخيل.
فما لي إلى ردّ الشّبيبة حيلةً، ... ولا لي إلى دفع المنون سبيل.
وإنّ لداتي قد مضوا لسبيلهم، ... وإنّ بقائي بعدهم لقليل.
فأجابته ريم:
بكى من صروفٍ خطبهنّ جليل ... ومن ذا به عمر الحياة يطول؟
ومن ذا الذي ينعى على حدث الرّدى، ... وللموت في أثر النّفوس رسول.
وكلّ جليلٍ سوف يلقى حمامه، ... وكلّ نعيمٍ دائمٍ سيزول.
لي الويل، إن عمّرت بعدك ساعةً، ... وإنّ كثير الويل لي لقليل.
وتزعم أنّي لا أجود بعبرةٍ، ... إذا نجمه قد حان منه أفول.
ومن ذا الذي أبكي له، إن فقدته، ... سواك، ومن دمعي عليه يسيل.
فلا وقيت ريمٌ، إذاً، ما تخافه ... إذا ناب للزّمان جليل.
ولا لقيت يوم القيامة ربّها ... وميزانها بالصّالحات ثقيل
إذا ماسخا قلب امرىءٍ بمودّةٍ، فقلبي بودٍّ عن سواك بخيل.
ولمّا مات أشجع، آلت على نفسها أن لا تأكل طعاماً، ولا تذوق شراباً. فعاشت بعده أيّاماً، ثمّ توفّيت، فدفنت إلى جانبه.
وقالت فيها أيضاً:
وليس لإخوان النّساء تطاول، ... ولكنّ إخوان الرّجال يطول.
فلا تبخلي بالدّمع عنّي فإنّ من، ... يضنّ بدمعٍ، عن هوىً، لبخيل.
فما لي إلى ردّ الشّبيبة حيلةً، ... ولا لي إلى دفع المنون سبيل.
وإنّ لداتي قد مضوا لسبيلهم، ... وإنّ بقائي بعدهم لقليل.
فأجابته ريم:
بكى من صروفٍ خطبهنّ جليل ... ومن ذا به عمر الحياة يطول؟
ومن ذا الذي ينعى على حدث الرّدى، ... وللموت في أثر النّفوس رسول.
وكلّ جليلٍ سوف يلقى حمامه، ... وكلّ نعيمٍ دائمٍ سيزول.
لي الويل، إن عمّرت بعدك ساعةً، ... وإنّ كثير الويل لي لقليل.
وتزعم أنّي لا أجود بعبرةٍ، ... إذا نجمه قد حان منه أفول.
ومن ذا الذي أبكي له، إن فقدته، ... سواك، ومن دمعي عليه يسيل.
فلا وقيت ريمٌ، إذاً، ما تخافه ... إذا ناب للزّمان جليل.
ولا لقيت يوم القيامة ربّها ... وميزانها بالصّالحات ثقيل
إذا ماسخا قلب امرىءٍ بمودّةٍ، فقلبي بودٍّ عن سواك بخيل.
ولمّا مات أشجع، آلت على نفسها أن لا تأكل طعاماً، ولا تذوق شراباً. فعاشت بعده أيّاماً، ثمّ توفّيت، فدفنت إلى جانبه.
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى