- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28468
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
كتاب أخبار النساء ( باب ما جاء في الزنا والتحذير منه ) (3)
الأحد 14 أغسطس 2011, 22:53
باب ما في الزنا والتحذير من عواقبه ( 3 )
وحدّث الزّبير: إنّه كان فتىً من بني عذرة يقال له عمرو بن عود، وكان عاشقاً لجاريةٍ من قومه تسمّى ريّا بنت الرّكين. فتزوّجها رجلٌ منهم يقال له دهيم. فأبت ريّا إلاّ حبّ عمرو بن عود، وأبى إلاّ حبّها وقول الشّعر فيها، والوجد بها حتّى أتى اليمن فنزل في بني الحارث بن كعب فطلبها عمرو، فخفي عليه أمرها ولم يعلم لها خبراً ولا موضعاً. فمكث حيناً لما به، يبكي له من عرفه، لولهه وشدّة ما أصابه. فخرج به أهله إلى مكّة لعلّه يتعلّق بأستار الكعبة عسى أن يرحمه ربّه ويذهب ما في قلبه من حبّها.
فلمّا كان بمنىً نظر إليه فتىً من بني الحرث بن كعب فتعجّب ممّا به، وجلس يتحدّث معه، وسأله عن حاله فشكا إليه عمرو وجده بها، وأنشد ما قال فيها، فرقّ له الفتى ورحمه. وسأله عن صفتها وصفة زوجها. فوصفها له. فقال له الفتى: عندي خبر هذه المرأة وهذا الرّجل منذ سنسن قليلة فخرّ عمرو ساجداً ثمّ سأله عن حالها، فأخبره أنّها سالمةٌ وأنّها باكيةٌ لا يهينها شيءٌ من العيش. قال عمرو: فهل لك في صنيعةٍ عندي؟ فقال له الفتى: إذن افعل ما بدا لك. قال: تتخلّف عن أصحابك، وأتخلّف عن أصحابي حتّى لا يكون عند أحدٍ منهم علم. ثمّ أمضي معك متنكّراً حتّى تخفيني في موضعٍ؛ ثمّ تعلمها بمكاني. فقال الفتى: لك ذلك في عنقي.
فلمّا كان السّفر، تخلّف كلّ واحدٍ منهما عن أصحابه. فجهد أصحاب عمرو أن لا يتخلّف وأن يمضوا به فأبى عليهم فودّعوه ومضوا. ثمّ مضيا حتّى وصل به الفتى فأدخله مع أخته وامرأته في سترهما. ومضى إلى ريّا فأخبرها. فكانت تجيء إليه كلّ يومٍ فيشكوان ما كانا فيه من البلاء، ويتحدّثان. فاستراب زوجها غشيانها ذلك البيت. ولم تكن تغشاه ولا تعرف أهله، واستراب أيضاً تطبيب نفسها وأنّها ليست كما كانت.
وخرجت رفقةً له إلى حرّان فأخبرها أنّه خارجٌ معها. فخرج وأقام ليلتين مختفياً في موضع. وأقبل راجعاً في الليلة الثّالثة، وقد أمنّاه وظنّاً أنّه قد خرج، فأتى عمرو إلى ريّا فبسطت له بساطاً قدام البيت وتحدّثا حتّى غلبهما النّوم، وهي مضطجعةٌ إلى جانب البساط وعمرو إلى الجانب الآخر. وأقبل الرّجل حتّى وجدهما على تلك الحال. فنظر في وجه عمرو، فانتبه فزعاً. فقال له: ويلك يا عمرو، وما ينجيني منك برٌ ولا بحرٌ! فقال: يا ابن عمّي، ما أنا والله على ريبةٍ، ولا يسألني الله عن أهلك عن قبيحٍ؛ ولكن نشأت أنا وهي وألفتها ونحن صبيان، ولست أستطيع عنها صبراً، وما بيننا أكثر من هذا الحديث الذي ترى. قال: أمّا أنا فلم أهرب إلى هذا البلد إلاّّ منك.
فانصرفنا راجعين وهي معهما حتّى قدما على وطنهما، فأقاما بعده بيسير.
مواعيد بثينة وجميل
حكى سنة بن عقال، عن الشّعبي قال: حدّثني رجلٌ من بني أسدٍ، قال: إنّي لذات يومٍ في الحيّ إذ أقبل فتىً نظيف الثّوب، حسن الوجه، حتّى وقف بي، فقال: يا فتىً، هل نزا بك حيٌّ من بني عذرة؟ قال، قلت: نعم، وتيك بيوتهم. قال: وهل أحسست لي بكرةً صفتها كذا وكذا؟ قال، قلت: لا. فنزل ثمّ قال: أأنت منشدها لي في أبات الحي؟ قال فخرجت وأنا أنشدها حتّى مررت بالبيوت وأنا أنشد. فقالت لي جاريةٌ: عند الأكمة. فأشرفت على الأكمة فلم أر شيئاً فأخبرته، فأخرج سفرةً معه ودعاني فأكلنا، ثمّ نام. وجعلت أراعيه حتّى ظنّ أنّي قد نمت. فأخرج من رحله فلبسها، ثمّ اشتمل على سيفه وخرج حتّى أتى الأكمة وأنا أتبعه من حيث لا يراني. فإذا بها قاعدةٌ كأنّها مهرةٌ عربيّةٌ. فسلّم عليها وسلّمت عليه ثمّ قال لها: يا بثينة قلت فيك كذا. ولقيت فيك كذا.
ولك يزل يحدّثها وينشدها، وتحدّثه حتّى إذا كان في السّحر وضع رأسه في حجرها فنام ساعةً. فلم يشعر إلاّّ بالفجر قد برق. فقالت: قم يا جميل، لا يفضحنا الصّبح.
قال: فرجعت مبادراً حتّى رميت بنفسي في الرّحل. وجاء فأيقظني، ثمّ عمل إلى ثوبٍ من ثيابه فكسانيه، فلم يزل جميل يغشاني في كلّ نهارٍ وليلٍ، فأطير إلى الحيّ وآتيه فآخذ ميعاد بثينة إلى موضعٍ يجتمعان فيه ويتحدّثان إلى أن فطن بعض الحيّ بأمري. فقالت لي بثينة. أنج بنفسك، فإنّ الحيّ قد شعروا بك، وقل لجميل موعدك وسكن البطن. وأتيته فأخبرته، فمضى وانقطع عنّي خبره
دخل وأجبر على تركها
فلمّا كان بمنىً نظر إليه فتىً من بني الحرث بن كعب فتعجّب ممّا به، وجلس يتحدّث معه، وسأله عن حاله فشكا إليه عمرو وجده بها، وأنشد ما قال فيها، فرقّ له الفتى ورحمه. وسأله عن صفتها وصفة زوجها. فوصفها له. فقال له الفتى: عندي خبر هذه المرأة وهذا الرّجل منذ سنسن قليلة فخرّ عمرو ساجداً ثمّ سأله عن حالها، فأخبره أنّها سالمةٌ وأنّها باكيةٌ لا يهينها شيءٌ من العيش. قال عمرو: فهل لك في صنيعةٍ عندي؟ فقال له الفتى: إذن افعل ما بدا لك. قال: تتخلّف عن أصحابك، وأتخلّف عن أصحابي حتّى لا يكون عند أحدٍ منهم علم. ثمّ أمضي معك متنكّراً حتّى تخفيني في موضعٍ؛ ثمّ تعلمها بمكاني. فقال الفتى: لك ذلك في عنقي.
فلمّا كان السّفر، تخلّف كلّ واحدٍ منهما عن أصحابه. فجهد أصحاب عمرو أن لا يتخلّف وأن يمضوا به فأبى عليهم فودّعوه ومضوا. ثمّ مضيا حتّى وصل به الفتى فأدخله مع أخته وامرأته في سترهما. ومضى إلى ريّا فأخبرها. فكانت تجيء إليه كلّ يومٍ فيشكوان ما كانا فيه من البلاء، ويتحدّثان. فاستراب زوجها غشيانها ذلك البيت. ولم تكن تغشاه ولا تعرف أهله، واستراب أيضاً تطبيب نفسها وأنّها ليست كما كانت.
وخرجت رفقةً له إلى حرّان فأخبرها أنّه خارجٌ معها. فخرج وأقام ليلتين مختفياً في موضع. وأقبل راجعاً في الليلة الثّالثة، وقد أمنّاه وظنّاً أنّه قد خرج، فأتى عمرو إلى ريّا فبسطت له بساطاً قدام البيت وتحدّثا حتّى غلبهما النّوم، وهي مضطجعةٌ إلى جانب البساط وعمرو إلى الجانب الآخر. وأقبل الرّجل حتّى وجدهما على تلك الحال. فنظر في وجه عمرو، فانتبه فزعاً. فقال له: ويلك يا عمرو، وما ينجيني منك برٌ ولا بحرٌ! فقال: يا ابن عمّي، ما أنا والله على ريبةٍ، ولا يسألني الله عن أهلك عن قبيحٍ؛ ولكن نشأت أنا وهي وألفتها ونحن صبيان، ولست أستطيع عنها صبراً، وما بيننا أكثر من هذا الحديث الذي ترى. قال: أمّا أنا فلم أهرب إلى هذا البلد إلاّّ منك.
فانصرفنا راجعين وهي معهما حتّى قدما على وطنهما، فأقاما بعده بيسير.
مواعيد بثينة وجميل
حكى سنة بن عقال، عن الشّعبي قال: حدّثني رجلٌ من بني أسدٍ، قال: إنّي لذات يومٍ في الحيّ إذ أقبل فتىً نظيف الثّوب، حسن الوجه، حتّى وقف بي، فقال: يا فتىً، هل نزا بك حيٌّ من بني عذرة؟ قال، قلت: نعم، وتيك بيوتهم. قال: وهل أحسست لي بكرةً صفتها كذا وكذا؟ قال، قلت: لا. فنزل ثمّ قال: أأنت منشدها لي في أبات الحي؟ قال فخرجت وأنا أنشدها حتّى مررت بالبيوت وأنا أنشد. فقالت لي جاريةٌ: عند الأكمة. فأشرفت على الأكمة فلم أر شيئاً فأخبرته، فأخرج سفرةً معه ودعاني فأكلنا، ثمّ نام. وجعلت أراعيه حتّى ظنّ أنّي قد نمت. فأخرج من رحله فلبسها، ثمّ اشتمل على سيفه وخرج حتّى أتى الأكمة وأنا أتبعه من حيث لا يراني. فإذا بها قاعدةٌ كأنّها مهرةٌ عربيّةٌ. فسلّم عليها وسلّمت عليه ثمّ قال لها: يا بثينة قلت فيك كذا. ولقيت فيك كذا.
ولك يزل يحدّثها وينشدها، وتحدّثه حتّى إذا كان في السّحر وضع رأسه في حجرها فنام ساعةً. فلم يشعر إلاّّ بالفجر قد برق. فقالت: قم يا جميل، لا يفضحنا الصّبح.
قال: فرجعت مبادراً حتّى رميت بنفسي في الرّحل. وجاء فأيقظني، ثمّ عمل إلى ثوبٍ من ثيابه فكسانيه، فلم يزل جميل يغشاني في كلّ نهارٍ وليلٍ، فأطير إلى الحيّ وآتيه فآخذ ميعاد بثينة إلى موضعٍ يجتمعان فيه ويتحدّثان إلى أن فطن بعض الحيّ بأمري. فقالت لي بثينة. أنج بنفسك، فإنّ الحيّ قد شعروا بك، وقل لجميل موعدك وسكن البطن. وأتيته فأخبرته، فمضى وانقطع عنّي خبره
دخل وأجبر على تركها
وروي عن يحيى بن خالد بن برمك قال: كنت أهوى جاريتي دنانير، وهي لمولاتها زهراء، فلمّا وضع المهدي الرّشيد في حجري اشتريتها؛ فلم أسرّ بشيءٍ من الدّنيا مثل سروري بها وبملكها، فما لبثت إلاّّ يسيراً حتّى وجّه المهدي ابنه الرّشيد غازياً إلى بلد الرّوم، فخرجت معه، فعظم على فراقها، فأقبلت لا أتهنّأ بطعانٍ ولا شرابٍ صبابةً بها وذكراً لها. فأنا ليلةً في مضربي، وقد أصابني بردٌ شديدٌ وثلجٌ كثيرٌ، وأنا أتقلّب على فراشي أذكر الجّارية، إذ سمعت غناءً خفيّاً وصوت عودٍ بالقرب منّي. فأنكرت ذلك وجلست على فراشي فأشجاني الصّوت من غير أن أفهم حتّى أبكاني. فقمت، ولم أوقظ أحداً من العسكر، حتّى انتهيت إلى خيمةٍ صغيرةٍ من خيام الجند، فإذا فيها سراجٌ، فدنوت منها، فإذا فتىً جالسٌ، وإذا بين يديه ركوةٌ فيها شرابٌ وفي حجره عودٌ يضرب عليه ويتغنّى بهذا الصّوت:
ألا يا لقومي أطلقوا غلّ مرتهن ... ومنّوا على مستشعر الهمّ والحزن.
ألم ترها بيضاء، روداً شبابها ... لطيفةٌ طيّ البطن كالشّادن الأغن
قال: فكلّما غنّى بيتاً بكى وتناول قدحاً فصبّ فبه من ذلك الشّراب، وشرب، ثمّ يعود إلى مثل ذلك.
قال: فأقمت طويلاً أرى ما يفعل وأبكي لبكائه، ثمّ سلّمت فردّ السّلام، واستأذنت فأذن لي فدخلت، فلمّا رآني أجلّني وأوسع لي. فقلت: يا فتى خبّرني بخبرك، وما أنت فيه، وما سبب هذا البكاء؟ قال: أنا فتىً من الأبناء، لي ابنة عمٍّ قد نشأنا جميعاً فعلقتها وعلقتني، ثمّ بلغنا فحجبت عنّي، فسألت عمّي ليزوّجنيها فأجاب، فمكثت حيناً أحتال لمهرها حتّى تهيّأ فأدّيته، فدخلت بها، فلمّا أن كان يوم سابعها ضرب عليّ البعث وخرجت وبي من الشّوق إليها ما لا أجده، فحملت معي هذا العود، فإذا أصبت شراباً في بعض هذا القرى أخذت منه شيئاً، ثمّ أفعل ما ترى تذكاراً إليها.
فقلت: فهل تعرفني؟ فأنكرني، فما أدري أتعمّداً أم حقيقةً.
قال، فقلت له: أنا يحيى بن خالد، فلمّا قلت له ذلك نهض قائماً. فقلت: اجلس، فإذا كان غداً فألقني، فهذا مضربي بالقرب منك، فإنّي أصير منك إلى ما تحب.
قال: ووافق ذلك رسولاً قد هيّأناه إلى المدينة، فما كان أسرع شيءٍ حتّى دنا الصّبح وتهيّأ النّاس للرّحيل، فأوّل من لقيني ذلك الفتى، فأثبت وجهه وقلت له: من أنت، وفي قيادة من أنت؟ فخبّرني، فمضيت حتّى دخلت على الرّشيد ومعي المؤتمرات، فكنت آمرها على سمعة من عنوانٍ يكون له فيها، فقلت وفتىً من الأنباء فلان بن فلان يطلق سراحه ويعطى عشرة آلاف درهمٍ معونةً له ويصحب فلاناً الرّسول. ففعل ذلك وانصرف إلى أهله.
الزّنا بالجملة
وحكى إبراهيم بن إسحاق الموصلي، عن أبي السّائب المخزومي قال: تعشّق العرجي امرأةً من قريش فجعلني رسولاً إليها، فأتيتها برسالةٍ وأخذت موعدها لزيارته إلى موضعٍ سمّاه، ثمّ بكرت أنا فأتت على أتانٍ ومعها جاريتها، وجاء على حمارٍ ومعه غلامٌ. فتحدّثنا ساعةً ثمّ قمت عنهما، فوثب عليها، ووثب الغلام على الجّارية، والحمار على الأتان، وقعدت أسمع النّخير من كلّ ناحية.
قال، فقال لي العرجي: يا أبا السّائب، هذا يومٌ غابت عواذله، قال أبو السّائب: فما لي حسبةً أرجو ثوابها رجائي لذلك اليوم وثوابه.
حلف ألاّ يجتمع بها ثانيةً
وقال: كان عمر بن أبي ربيعة يتعشّق امرأةً يقال لها أسماء، فوعدته أن يزورها، فتهيّأ لذلك يوماً فأبطأت عليه، فنام، فلم يلبث أن جاءت ومعها جاريةٌ، فضربت الباب فلم يستيقظ، فانصرفت وحلفت أن لا تأتيه حولاً. فقال عمر قصيدته التي أوّلها:
طال ليلي وتعنّاني الطّرب ... واعتراني طول همٍّ ونصب
أشهد الرّحمان لا يجمعنا ... سقف بيتٍ رجباً على رجب
فبعثنا طبّةً عالمةً ... تخلط الجدّ مراراً باللعب
ترفع الصّوت إذا لانت لها ... وتراخي عند سورات الغضب
فأجابت يا فتى وابتسمت ... عن منيف اللون صافٍ كالثّغب
فلمّا سمع ابن أبي عتيقٍ هذه الأبيات قال له النّاس في طلب إمامٍ مثل قيادتك هذه مذ قتل علي، فما يقدرون عليه.
ألا يا لقومي أطلقوا غلّ مرتهن ... ومنّوا على مستشعر الهمّ والحزن.
ألم ترها بيضاء، روداً شبابها ... لطيفةٌ طيّ البطن كالشّادن الأغن
قال: فكلّما غنّى بيتاً بكى وتناول قدحاً فصبّ فبه من ذلك الشّراب، وشرب، ثمّ يعود إلى مثل ذلك.
قال: فأقمت طويلاً أرى ما يفعل وأبكي لبكائه، ثمّ سلّمت فردّ السّلام، واستأذنت فأذن لي فدخلت، فلمّا رآني أجلّني وأوسع لي. فقلت: يا فتى خبّرني بخبرك، وما أنت فيه، وما سبب هذا البكاء؟ قال: أنا فتىً من الأبناء، لي ابنة عمٍّ قد نشأنا جميعاً فعلقتها وعلقتني، ثمّ بلغنا فحجبت عنّي، فسألت عمّي ليزوّجنيها فأجاب، فمكثت حيناً أحتال لمهرها حتّى تهيّأ فأدّيته، فدخلت بها، فلمّا أن كان يوم سابعها ضرب عليّ البعث وخرجت وبي من الشّوق إليها ما لا أجده، فحملت معي هذا العود، فإذا أصبت شراباً في بعض هذا القرى أخذت منه شيئاً، ثمّ أفعل ما ترى تذكاراً إليها.
فقلت: فهل تعرفني؟ فأنكرني، فما أدري أتعمّداً أم حقيقةً.
قال، فقلت له: أنا يحيى بن خالد، فلمّا قلت له ذلك نهض قائماً. فقلت: اجلس، فإذا كان غداً فألقني، فهذا مضربي بالقرب منك، فإنّي أصير منك إلى ما تحب.
قال: ووافق ذلك رسولاً قد هيّأناه إلى المدينة، فما كان أسرع شيءٍ حتّى دنا الصّبح وتهيّأ النّاس للرّحيل، فأوّل من لقيني ذلك الفتى، فأثبت وجهه وقلت له: من أنت، وفي قيادة من أنت؟ فخبّرني، فمضيت حتّى دخلت على الرّشيد ومعي المؤتمرات، فكنت آمرها على سمعة من عنوانٍ يكون له فيها، فقلت وفتىً من الأنباء فلان بن فلان يطلق سراحه ويعطى عشرة آلاف درهمٍ معونةً له ويصحب فلاناً الرّسول. ففعل ذلك وانصرف إلى أهله.
الزّنا بالجملة
وحكى إبراهيم بن إسحاق الموصلي، عن أبي السّائب المخزومي قال: تعشّق العرجي امرأةً من قريش فجعلني رسولاً إليها، فأتيتها برسالةٍ وأخذت موعدها لزيارته إلى موضعٍ سمّاه، ثمّ بكرت أنا فأتت على أتانٍ ومعها جاريتها، وجاء على حمارٍ ومعه غلامٌ. فتحدّثنا ساعةً ثمّ قمت عنهما، فوثب عليها، ووثب الغلام على الجّارية، والحمار على الأتان، وقعدت أسمع النّخير من كلّ ناحية.
قال، فقال لي العرجي: يا أبا السّائب، هذا يومٌ غابت عواذله، قال أبو السّائب: فما لي حسبةً أرجو ثوابها رجائي لذلك اليوم وثوابه.
حلف ألاّ يجتمع بها ثانيةً
وقال: كان عمر بن أبي ربيعة يتعشّق امرأةً يقال لها أسماء، فوعدته أن يزورها، فتهيّأ لذلك يوماً فأبطأت عليه، فنام، فلم يلبث أن جاءت ومعها جاريةٌ، فضربت الباب فلم يستيقظ، فانصرفت وحلفت أن لا تأتيه حولاً. فقال عمر قصيدته التي أوّلها:
طال ليلي وتعنّاني الطّرب ... واعتراني طول همٍّ ونصب
أشهد الرّحمان لا يجمعنا ... سقف بيتٍ رجباً على رجب
فبعثنا طبّةً عالمةً ... تخلط الجدّ مراراً باللعب
ترفع الصّوت إذا لانت لها ... وتراخي عند سورات الغضب
فأجابت يا فتى وابتسمت ... عن منيف اللون صافٍ كالثّغب
فلمّا سمع ابن أبي عتيقٍ هذه الأبيات قال له النّاس في طلب إمامٍ مثل قيادتك هذه مذ قتل علي، فما يقدرون عليه.
قال حمّاد الرّاوية: استنشدني الوليد بن يزيد شعراً كثيراً فما استعادني إلاّّ هذه الأبيات. وقال لي: يا حمّاد اطلب لي مثل هذه وأرسلها إلى سلمى.
كفى أخاه العذري ما أصابه
ويروى عن حمّاد قال: أتيت مكّة فجلست إلى جماعةٍ في حلقةٍ فيها عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وإذا هم يتذكّرون العذريين وعشقهم وصيانتهم، قال عمر: أحدّثكم عن بعض، وذلك: أنّه كان لي خليلٌ من بني عذرة، وكان مشتهراً بحديث النّساء فيتشبب بهنّ وينشد فيهنّ، على أنّه لا عاهر الخلوة ولا سريع السّلوة وكان يوافي الموسم في كلّ سنةٍ، فإذا أبطأ ترجمت له الأخبار وألّفت له الأشعار حتّى يقدم فيتحدّث حديث محزونٍ كئيبٍ. وإنّه راث ذات سنةٍ، حتّى قدم وفد عذرة، فأتيت القوم وأنا أنشد عن صاحبي وإذا غلامٌ قد تنفّس الصّعداء ثمّ قال: عن أبو المسهر تسل؟ قلت نعم عنه سألت قال هيهات هيهات أصبح والله أبو المسهر لا ميؤوساً فيهمل ولا مرجوّاً فيعلل؛لا أصبح والله كما قال الشّاعر:
لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... صحيحاً ولا أقضي به فأموت
قلت له: وما الذي به؟ قال لي: هو ميتٌ مولّهٌ! قلت: ومن أنت يا ابن أخي؟ قال: أنا أخوه. قلت وما يمنعك أن تركبلا طريق اخيك الذي ركبه، وتسلك مسلكه. ألا إنّك وأخاك كالوشي والنّجّار لا ترفعه ولا يرفعك. ثمّ انصرف وأنا أقول:
أرائحةٍ حجاج عذرة روحةً ... ولمّا يرح في القوم جعد بن مهجع
خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع، وإن قال يسمع
فلا يبعدنك الله خلاً، فإنّني ... سألقى كما لاقيت في الحبّ مصرعي
فلمّا كان في العام الآتي وقفت في الموضع الذي كنّا نقف فيه بعرفات، فإذا شابٌ قد أقبل وقد تغيّر لونه، وساءت هيئته فما عرفته إلاّّ بناقته، فأقبل حتّى اعتنقني وجعل يبكي. قلت: ما هذا وما دهاك وما غالك؟ قال برّح الغرام وطول السّقام. وأخذ يشكو إليّ فقلت: يا أبا مسهر، إنّها ساعةٌ عظيمةٌ، فلو دعوت الله كنت تظفر بحاجتك. فجهل يدعو حتّى إذا بدت الشّمس للغروب وهمّ النّاس أن يفيضوا، سمعته يهمهم بشيءٍ، فأصغيت إليه مستمعاً فجعل يقول:
يا ربّ عذوة وروحة
من محرمٍ بعد الضّحى واللواحة
أنت حسيب الخطب يوم الدّوحة.
قلت: يا أخي، وما الدّوحة؟ قال سأخبرك إن شاء الله. فلمّا قضينا حجّنا وأحللنا قلت له: حدّثني بخبرك! قال: نعم، أعلمك أنّي امرؤٌ ذو مالٍ كثيرٍ من نعمٍ وشاءٍ، وإنّي خشيت على مالي التّلف فأتيت أخوالي فأوسعوا لي عن صدر المجلس فكنت في عزّ أخوالي، فخرجت يوماً إلى مالي وهو ببعض مياههم، وركبت فرسي، وعلّقت معي شراباً أهدي إلي. فانطلقت حتّى إذا كنت بين الحيّ ومرعى النعّم رفعت لي دوحةٌ عظيمةٌ فقلت: لو نزلت تحت الشّجرة وتروّحت مبرّداً! فنزلت وشددت فرسي بغصنٍ من أغصانها، ثمّ جلست وقدّمت شرابي، فإذا بغبارٍ قد سطع من ناحية الحيّ فبدت لي ثلاثة شخوصٍ، وإذا فارسٌ يطرد عنزاً وأتاناً، فلمّا قرب منّي إذا عليه درعٌ أصفرٌ وعمامة خز سوداء، وإذا فروع شعره تنال كعبه. فقلت في نفسي: غلامٌ حديث السّنّ راكبٌ على فرسٍ أعجلته لذّة الصّيد، فأخذ ثوب امرأته ونسي ثوبه. فما لبث أن لحق بالعنز فطعنه ثمّ عطف على الأتان فقتلها، ثمّ قال:
نطعنهم سلكاً ومخلوجةً ... كركّ الأمين على نائل.
فقلت له: إنّك قد تعبت وأتعبت فرسك، فلو نزلت. فثنى رحله، وشدّ فرسه بغصنٍ من أغصان الشّجرة، ثمّ أقبل حتّى جلس قريباً منّي فجعل يحدّثني حديثاً كأنّه الدّرّ، ذكرت به قول الشّاعر:
وإنّ حديثاً منك لو تبذلينه ... جنى النّحل في ألبان عودٍ مطافل
قال، فبينما هو كذلك إذ نقر بالسّوط على ثنيته، فرأيت والله خلل السّوط بينهما فما ملكت نفسي إن قبضت على السّوط وقلت: أخاف أن تكسرهما فإنّهما رقيقان. وقال: وهما مع ذلك عذبتان. قال، ثمّ رفع عقيرته وجعل يغنّي:
إذا قبّل الإنسان ممّن يحبّه ... ثناياه لم يأثم وكان له أجرا
فإن زاد زاد الله في حسناته ... مثاقيل يمحو الله عنه بها وزرا
كفى أخاه العذري ما أصابه
ويروى عن حمّاد قال: أتيت مكّة فجلست إلى جماعةٍ في حلقةٍ فيها عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وإذا هم يتذكّرون العذريين وعشقهم وصيانتهم، قال عمر: أحدّثكم عن بعض، وذلك: أنّه كان لي خليلٌ من بني عذرة، وكان مشتهراً بحديث النّساء فيتشبب بهنّ وينشد فيهنّ، على أنّه لا عاهر الخلوة ولا سريع السّلوة وكان يوافي الموسم في كلّ سنةٍ، فإذا أبطأ ترجمت له الأخبار وألّفت له الأشعار حتّى يقدم فيتحدّث حديث محزونٍ كئيبٍ. وإنّه راث ذات سنةٍ، حتّى قدم وفد عذرة، فأتيت القوم وأنا أنشد عن صاحبي وإذا غلامٌ قد تنفّس الصّعداء ثمّ قال: عن أبو المسهر تسل؟ قلت نعم عنه سألت قال هيهات هيهات أصبح والله أبو المسهر لا ميؤوساً فيهمل ولا مرجوّاً فيعلل؛لا أصبح والله كما قال الشّاعر:
لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... صحيحاً ولا أقضي به فأموت
قلت له: وما الذي به؟ قال لي: هو ميتٌ مولّهٌ! قلت: ومن أنت يا ابن أخي؟ قال: أنا أخوه. قلت وما يمنعك أن تركبلا طريق اخيك الذي ركبه، وتسلك مسلكه. ألا إنّك وأخاك كالوشي والنّجّار لا ترفعه ولا يرفعك. ثمّ انصرف وأنا أقول:
أرائحةٍ حجاج عذرة روحةً ... ولمّا يرح في القوم جعد بن مهجع
خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع، وإن قال يسمع
فلا يبعدنك الله خلاً، فإنّني ... سألقى كما لاقيت في الحبّ مصرعي
فلمّا كان في العام الآتي وقفت في الموضع الذي كنّا نقف فيه بعرفات، فإذا شابٌ قد أقبل وقد تغيّر لونه، وساءت هيئته فما عرفته إلاّّ بناقته، فأقبل حتّى اعتنقني وجعل يبكي. قلت: ما هذا وما دهاك وما غالك؟ قال برّح الغرام وطول السّقام. وأخذ يشكو إليّ فقلت: يا أبا مسهر، إنّها ساعةٌ عظيمةٌ، فلو دعوت الله كنت تظفر بحاجتك. فجهل يدعو حتّى إذا بدت الشّمس للغروب وهمّ النّاس أن يفيضوا، سمعته يهمهم بشيءٍ، فأصغيت إليه مستمعاً فجعل يقول:
يا ربّ عذوة وروحة
من محرمٍ بعد الضّحى واللواحة
أنت حسيب الخطب يوم الدّوحة.
قلت: يا أخي، وما الدّوحة؟ قال سأخبرك إن شاء الله. فلمّا قضينا حجّنا وأحللنا قلت له: حدّثني بخبرك! قال: نعم، أعلمك أنّي امرؤٌ ذو مالٍ كثيرٍ من نعمٍ وشاءٍ، وإنّي خشيت على مالي التّلف فأتيت أخوالي فأوسعوا لي عن صدر المجلس فكنت في عزّ أخوالي، فخرجت يوماً إلى مالي وهو ببعض مياههم، وركبت فرسي، وعلّقت معي شراباً أهدي إلي. فانطلقت حتّى إذا كنت بين الحيّ ومرعى النعّم رفعت لي دوحةٌ عظيمةٌ فقلت: لو نزلت تحت الشّجرة وتروّحت مبرّداً! فنزلت وشددت فرسي بغصنٍ من أغصانها، ثمّ جلست وقدّمت شرابي، فإذا بغبارٍ قد سطع من ناحية الحيّ فبدت لي ثلاثة شخوصٍ، وإذا فارسٌ يطرد عنزاً وأتاناً، فلمّا قرب منّي إذا عليه درعٌ أصفرٌ وعمامة خز سوداء، وإذا فروع شعره تنال كعبه. فقلت في نفسي: غلامٌ حديث السّنّ راكبٌ على فرسٍ أعجلته لذّة الصّيد، فأخذ ثوب امرأته ونسي ثوبه. فما لبث أن لحق بالعنز فطعنه ثمّ عطف على الأتان فقتلها، ثمّ قال:
نطعنهم سلكاً ومخلوجةً ... كركّ الأمين على نائل.
فقلت له: إنّك قد تعبت وأتعبت فرسك، فلو نزلت. فثنى رحله، وشدّ فرسه بغصنٍ من أغصان الشّجرة، ثمّ أقبل حتّى جلس قريباً منّي فجعل يحدّثني حديثاً كأنّه الدّرّ، ذكرت به قول الشّاعر:
وإنّ حديثاً منك لو تبذلينه ... جنى النّحل في ألبان عودٍ مطافل
قال، فبينما هو كذلك إذ نقر بالسّوط على ثنيته، فرأيت والله خلل السّوط بينهما فما ملكت نفسي إن قبضت على السّوط وقلت: أخاف أن تكسرهما فإنّهما رقيقان. وقال: وهما مع ذلك عذبتان. قال، ثمّ رفع عقيرته وجعل يغنّي:
إذا قبّل الإنسان ممّن يحبّه ... ثناياه لم يأثم وكان له أجرا
فإن زاد زاد الله في حسناته ... مثاقيل يمحو الله عنه بها وزرا
ثمّ قال لي: ما هذا الذي علّقت على سراجك؟ قلت: شرابٌ أهداه إليّ بعض أهلي، فهل لك فيه؟ قال: وما أكره منه؟ فأتيت به فوضعته بين يديه. فلمّا شرب منه نظرت إلى عينيه كأنّهما عينا مهاةٍ قد أضلّت ولداً فأذعرهما قانص. فعلم نظري فرفع عقيرته وجعل يغنّي:
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللبّ حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله إنسانا.
فقلت له: من أين لك هذا الشّعر؟ قال: وقع رجلٌ منّا باليمامة فأنشدنيه.
قال: ثمّ قمت لأصلح شيئاً من أمر فرسي، فرجعت وقد حسر العمامة عن رأسه، فإذا غلامٌ كأنّما وجهه الشّمس حسناً، فقلت: سبحانك اللهمّ ما أعظم قدرتك، وأجلّ صنعك. قال: فكيف؟ قلت له: ممّا راعني من نورك وبهرني من جمالك. قال: وما الذي يروّعك من رهن ترابٍ ورزق دوابٍ ثمّ لا تدري أينعم بعد ذلك أم لا؟ قلت: بل يصنع الله بك خيراً إن شاء الله.
ثمّ أقبل على فرسه؛ فلمّا أقبل برقت له بارقة من الدّرع، فإذا ثديٌ كأنّه حقّ، فقلت: نشدتك الله امرأةً؟ قالت: أي والله امرأةٌ تكره العهر وتحبّ الغزل. فقلت: وأنا والله كذلك. فجلست والله تحدّثني ما أفقد من أنسها شيئاً حتّى مالت على الدّوحة سكرى، فاستحسنت، والله يا ابن ربيعةٍ، الغدر، وزيّن في عيني، ثمّ إنّ الله عصمني. فما لبثت أن انتبهت مرعوبةً، فلاثت عمامتها برأسها وأخذت رمحها وجالت في متن فرسها، فقلت: زوّديني منك زاداً. فأعطتني ثوباً من ثيابها، فشممت منه كالرّوض الممطور. ثمّ إنّي قلت: أين الموعد؟ فقالت: إنّ لي أخوةً شوساً وأباً غيوراً؛ والله لأن أسرّك أحبّ إليّ من أن أضرّك.
قال، ثمّ مضت فكان والله آخر العهد بها إلى يومي هذا. فهي التي بلغت بي هذا المبلغ، وأحلّتني هذا المحل. قلت له: والله يا أبا المسهر، والله ما كان يحسن بك الغدر إلاّّ بك. فإذا به قد اخضلّت لحيته بدموعه باكياً. فقلت: والله ما قلت هذا إلاّّ مازحاً. ودخلتني له رقّة. فلمّا انقضى الموسم شددت على ناقتي وشدّ وحملت غلاماً لي على بعيرٍ وحملت عليه قبه أدمٍ حمراء كانت لأبي ربيعة، وأخذت معي ألف دينارٍ ومطرفاً ثمّ خرجنا حتّى أتينا كلباً فسألناه عن الشّيخ فإذا هو في نادي قومه، فسلّمت فقال: وعليك السّلام، من أنت؟ قلت عمر بن ابي ربيعة المخزومي. قال: المعرف غير المنكر؛ فما الذي جاء بك؟ قلت: خاطباً. قال: أنت الكفء الذي لا يرغب عن حسبه، والرّجل الذي لا يردّ عن حاجته. قلت له: إنّي لم آتك عن نفسي، وإن كنت موضع الرّغبة، ولكن أتيتكم في ابن أخيكم العذري. وقال: والله إنّه لكفء الحسب، غير إنّ بناتي لا يقعن إلاّّ في هذا الحيّ من قريش. فعرف الجزع في نفسي وتبيّن له في وجهي، وقال: أنا أصنع لك شيئاً لا أصنعه لغيرك. قلت: ما هو؟ قال: أخبرها لأنّك أنت تختار لغيرك.
فأومأ إليّ صاحبي أن أمره أن يخبرها. فقلت: افعل. ثمّ مضى الشّيخ. وقد أتى وقال لي إنّها قالت: إنّ الأمر أمرك والرّأي للقرشي يختار لي ما رأى. فحمدت الله عزّ وجلّ وصلّيت على نبيّه، صلّى الله عليه وسلّم وقلت: قد زوّجت الجّارية بجعد بن مهجع وأصدقتها ألف دينارٍ، وهي هذه، وجعلت كرامتها الغلام والبعير والقبّة وكسوت الشّيخ المطرف فقبله، وسألته أن يبني بها من ليلته، فأجابني إلى ذلك. وضربت القبّة في وسط الحيّ وأهديت إليه ليلاً. وبتّ عند الشّيخ خير مبيتٍ.
فلمّا أصبحت غدوت فقمت بباب القبّة، فخرج إليّ، فقلت له: كيف كنت بعدي؟ وكيف هي؟ فقال: أبديت لي كثراً ممّ أخفت يوم رأيتها. فقلت: عليك أهلك، بارك الله فيهم. وانطلقت إلى أهلي وأنا أقول:
كفيت أخي العذريّ ما قد أصابه ... ومثلي لأثقال النّوائب أحمل
أما استحسنت منّي المكارم إنّها ... إذا عرضت إنّي أقول وأفعل
نساؤهم شرّ النّساء والفرع يجري على الأصل
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللبّ حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله إنسانا.
فقلت له: من أين لك هذا الشّعر؟ قال: وقع رجلٌ منّا باليمامة فأنشدنيه.
قال: ثمّ قمت لأصلح شيئاً من أمر فرسي، فرجعت وقد حسر العمامة عن رأسه، فإذا غلامٌ كأنّما وجهه الشّمس حسناً، فقلت: سبحانك اللهمّ ما أعظم قدرتك، وأجلّ صنعك. قال: فكيف؟ قلت له: ممّا راعني من نورك وبهرني من جمالك. قال: وما الذي يروّعك من رهن ترابٍ ورزق دوابٍ ثمّ لا تدري أينعم بعد ذلك أم لا؟ قلت: بل يصنع الله بك خيراً إن شاء الله.
ثمّ أقبل على فرسه؛ فلمّا أقبل برقت له بارقة من الدّرع، فإذا ثديٌ كأنّه حقّ، فقلت: نشدتك الله امرأةً؟ قالت: أي والله امرأةٌ تكره العهر وتحبّ الغزل. فقلت: وأنا والله كذلك. فجلست والله تحدّثني ما أفقد من أنسها شيئاً حتّى مالت على الدّوحة سكرى، فاستحسنت، والله يا ابن ربيعةٍ، الغدر، وزيّن في عيني، ثمّ إنّ الله عصمني. فما لبثت أن انتبهت مرعوبةً، فلاثت عمامتها برأسها وأخذت رمحها وجالت في متن فرسها، فقلت: زوّديني منك زاداً. فأعطتني ثوباً من ثيابها، فشممت منه كالرّوض الممطور. ثمّ إنّي قلت: أين الموعد؟ فقالت: إنّ لي أخوةً شوساً وأباً غيوراً؛ والله لأن أسرّك أحبّ إليّ من أن أضرّك.
قال، ثمّ مضت فكان والله آخر العهد بها إلى يومي هذا. فهي التي بلغت بي هذا المبلغ، وأحلّتني هذا المحل. قلت له: والله يا أبا المسهر، والله ما كان يحسن بك الغدر إلاّّ بك. فإذا به قد اخضلّت لحيته بدموعه باكياً. فقلت: والله ما قلت هذا إلاّّ مازحاً. ودخلتني له رقّة. فلمّا انقضى الموسم شددت على ناقتي وشدّ وحملت غلاماً لي على بعيرٍ وحملت عليه قبه أدمٍ حمراء كانت لأبي ربيعة، وأخذت معي ألف دينارٍ ومطرفاً ثمّ خرجنا حتّى أتينا كلباً فسألناه عن الشّيخ فإذا هو في نادي قومه، فسلّمت فقال: وعليك السّلام، من أنت؟ قلت عمر بن ابي ربيعة المخزومي. قال: المعرف غير المنكر؛ فما الذي جاء بك؟ قلت: خاطباً. قال: أنت الكفء الذي لا يرغب عن حسبه، والرّجل الذي لا يردّ عن حاجته. قلت له: إنّي لم آتك عن نفسي، وإن كنت موضع الرّغبة، ولكن أتيتكم في ابن أخيكم العذري. وقال: والله إنّه لكفء الحسب، غير إنّ بناتي لا يقعن إلاّّ في هذا الحيّ من قريش. فعرف الجزع في نفسي وتبيّن له في وجهي، وقال: أنا أصنع لك شيئاً لا أصنعه لغيرك. قلت: ما هو؟ قال: أخبرها لأنّك أنت تختار لغيرك.
فأومأ إليّ صاحبي أن أمره أن يخبرها. فقلت: افعل. ثمّ مضى الشّيخ. وقد أتى وقال لي إنّها قالت: إنّ الأمر أمرك والرّأي للقرشي يختار لي ما رأى. فحمدت الله عزّ وجلّ وصلّيت على نبيّه، صلّى الله عليه وسلّم وقلت: قد زوّجت الجّارية بجعد بن مهجع وأصدقتها ألف دينارٍ، وهي هذه، وجعلت كرامتها الغلام والبعير والقبّة وكسوت الشّيخ المطرف فقبله، وسألته أن يبني بها من ليلته، فأجابني إلى ذلك. وضربت القبّة في وسط الحيّ وأهديت إليه ليلاً. وبتّ عند الشّيخ خير مبيتٍ.
فلمّا أصبحت غدوت فقمت بباب القبّة، فخرج إليّ، فقلت له: كيف كنت بعدي؟ وكيف هي؟ فقال: أبديت لي كثراً ممّ أخفت يوم رأيتها. فقلت: عليك أهلك، بارك الله فيهم. وانطلقت إلى أهلي وأنا أقول:
كفيت أخي العذريّ ما قد أصابه ... ومثلي لأثقال النّوائب أحمل
أما استحسنت منّي المكارم إنّها ... إذا عرضت إنّي أقول وأفعل
نساؤهم شرّ النّساء والفرع يجري على الأصل
________________________________________________
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3760
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: كتاب أخبار النساء ( باب ما جاء في الزنا والتحذير منه ) (3)
الإثنين 15 أغسطس 2011, 00:57
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى