منطق – بناء العلم واختراع التكنولوجيا للصف الثالث الثانوى 2016

دور الاستدلال الاستقرائي في بناء العلم واختراع التكنولوجيا

يقدم ( الاستقراء التمثيلي ) استبصارات مهمة سواء للأفراد العاديين أو للعلماء عند بحثهم عن حلول لمشكلاتهم .

وأمثلة فكرة ( المماثلة ) التي استعان بها العلماء للوصول إلى حلول لمشكلاتهم .

مثال (1)

روى أن الملك ( سيراكوس ) شك في أن الصائغ صنع له تاجا من الذهب الخالص قد غشه وأدخل فيه الفضة وطلب من (أرخميدس ) أن يبحث له هذا الموضوع دون إتلاف التاج وبعد تفكير طويل وأثناء اغتساله في حمام يشبه البانيو مليء عن آخره بالماء لاحظ أن (منسوب الماء ارتفع عندما انغمس في الماء) فخرج مسرعا يصيح (يوريكا .. يوريكا ) لأنه تحقق من أن هذا الاكتشاف سيحل مشكلة التاج (فقد تحقق أرخميدس من أن:-

- جسده أصبح أخف وزنا عندما نزل في الماء .

- الانخفاض في وزنه يساوي وزن الماء الذي أزاحه .

- تحقق من أن حجم الماء المزاح = حجم الجسم المغمور .

وعندئذ تحقق من أنه يمكن معرفة مكونات التاج دون إتلافه ، وذلك بغمره في الماء.

فإن حجم الماء المزاح ( بعد ) بغمر التاج فيه لا بد أن يساوي نفس حجم الماء المزاح بغمر وزن ذهب خالص مساو لوزن التاج .

وبذلك تمكن من الوصول إلى الحل عن طريق :

إدراك وجه الشبه بين :

أ- انغماس جسمه في الماء . وبين

ب- انغماس التاج وإزاحة الماء .. وعلاقة الماء المزاح بالحجم .

علينا أن نلاحظ أن الاستدلال الاستقرائي التمثيلي ينطوي على شيئين ليس من السهل اكتشافهما دائما ، وما يميز العالم المبدع أنه قد يتناول خبرتين أو حقيقتين منفصلتين ومتباعدتين، ويكتشف ما بينهما من تماثل لم يلاحظه أحد غيره من قبل ، ثم يتوصل من خلال هذه المماثلة إلى مفهوم جديد أو حل أصيل لمشكلة قائمة

مثال (2)

من الأمثلة الحديثة محاولة العلماء فهم ترتيب وضع الشحنة السالبة والشحنة الموجبة في الذرة ، وكيف أن هذا الترتيب لا يؤدي إلى تناثر الذرة وتحطمها .

اقترح الفيزيائي ( رذفورد ) ومن بعده الفيزيائي (نيلز بور) فرضًا مؤداه أن الذرة تماثل النظام الشمسي ، أي تعمل كما لو كانت نظاما شمسيا مصغرا ، فكما أن الشمس تقع في مركز النظام الشمسي فالشحنات الموجبة تقع أيضًا في مركز الذرة ، وكما أن كل الكواكب تدور حول الشمس فإن الإلكترونات تدور حول مركز الذرة حاملة معها الشحنات السالبة .

مثال (3)

اكتشف (بنجامين فرانكلين) بعض أوجه التشابه بين الومضات الكهربائية وبين ظاهرة البرق ، وهنا تساءل هل هذا التشابه يعني أن البرق هو أحد أشكال الكهرباء ، غير أنه لم يقف عند مجرد التساؤل ، واعتبر أن هذا الاستبصار فرضا علميا وبدأ يتحقق منه حتى انتهى إلى أن البرق بالفعل هو شكل من أشكال الكهرباء .

مثال (4)

تعد مواد ونصوص القوانين التشريعية من المجالات التي يتضح فيها أهمية الاستدلال التمثيلي . فالحالات المماثلة يجب أن تعالج أمام القانون بصورة متماثلة . فإننا نتوقع من القاضي أن يعامل الأشخاص المختلفين بنفس الطريقة عند ارتكابهم مخالفة أو جريمة معينة إذا تشابهت الظروف والملابسات . غير أن المشكلة تكمن أحيانا في معرفة ما إذا كانت الظروف والملابسات كلها متماثلة أم لا ؟ فإذا كانت القيادة داخل طرق حديقة يجب ألا تزيد على ثلاثين كيلو متر في الساعة ومن يخالف ذلك يتعرض لغرامة مقدارها مائة جنيه . وحدث أن خالد قاد سيارته بسرعة خمسين كيلومتر وقام القاضي بتغريمه مائة جنيه . فماذا عن ماهر الذي كان يقود درجاته بذات السرعة؟ كثيرا ما يواجه القاضي قضايا يصعب فيها تبيان التماثل التام أو لنقل التطابق التام. فمثل هذه الموافق قد تتماثل في بعض الجوانب وتختلف في جوانب أخرى مما يستدعي من القاضي تقييما دقيقا لكل تلك الجوانب .

وإذا كانت المماثلة الاستقرائية لها أهميتها بالنسبة للعلوم المختلفة ، فإن أهميتها بالنسبة لنا في حياتنا اليومية أكثر وضوحا .

مثال (5)

افترض أنك ذهبت إلى المكتبة لقراءة بعض الروايات أو قصائد الشعر ، وهب أنك صادفت هناك ديوانا للشاعر ( أحمد شوقي ) وكان قد سبق لك أن استمتعت بقراءة بعض القصائد لهذا الشاعر من قبل . قد تبادر في هذه الحالة إلى استعارة الديوان ممنيا  نفسك بالاستمتاع به . هنا يمكن لنا صياغة الحجة بهذه الصورة :

لقد سبق لي أن قرأت عدة قصائد للشاعر (أحمد شوقي) واستمتعت بها جميعا

هذا الديوان للشاعر (أحمد شوقي)

قصائد هذا الديوان ستكون ممتعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذن يجب أن أستعير هذا الديوان

وهكذا فإن هذا اللون من الحجج لا يكاد يخلو منه موقف من مواقف حياتنا اليومية، وليس المقصود أن نصل من خلال هذا اللون من الحجج إلى نتائج يقينية أو صحيحة بصورة قاطعة . فهذا اللون من الحجج لا

يصنف بأنها حجج (صحيحة أو باطلة) شأن الحجج الاستنباطية ، وإنما فقط (حجج محتملة أي قوية مرجحة أو ضعيفة منخفضة الاحتمال) .