- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3760
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
عدالة الإسلام
الإثنين 14 نوفمبر 2011, 19:53
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و شفيعنا محمد و على اله و صحبه اجمعين.
العدل من الأسس التي عليها عمار الكون، وصلاح العباد، لذا حث عليه الإسلام، وجعله أساسًا للحكم بين الناس: {لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25].
والله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل المقسط، فهو سبحانه لا يحكم إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق، ولا يقضي إلا بالحق: {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: ٢٠].
وقد نفى سبحانه الظلم عن نفسه، وحرمه على عباده، فقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد} [فصلت: 46]، وقال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا» [رواه مسلم، كتاب البر والصلة (2577)].
والله سبحانه وتعالى هو الحكم الملزم حكمه كونًا وشرعًا، وشرائعه سبحانه عدل كلها، فلا خير إلا فيها، ولا عدل إلا بها: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: ٤٠].
والإمام
العادل هو الذي يتبع أمر الله وحكمه، فيضع كل شيء في موضعه من غير إفراط
ولا تفريط، وكل ميل عن الشرع فهو ميلٌ عن العدل وإقرار للظلم الذي هو
ظلمات يوم القيامة.
ودستور المسلمين يحث على العدل والإحسان، وينهى عن المنكر والبغي: {إِنَّ
اهَإِ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
ويأمر الحكام بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل، ويحث الرعية على طاعة أولي الأمر: {إِنَّ
اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 58، 59].
ويحث على العدل في المقال - القول- والعدل في الفعل - العمل-: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا
تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا} [النساء: 135]، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152].
والتزام العدل واجب حتى في الفتن والاقتتال بين المسلمين: {وَإِن
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الحجرات: 9].
وواجب
على المسلمين أن يلزموا العدل حتى مع الأعداء، فلا تكون عداوتهم وبغضهم
سببًا في ظلمهم؛ لأن المسلمين هم حملة المنهج الرباني الذي أنزل على محمد
صلى الله عليه وسلم ليقيم العدل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ
اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
ولما رأى المسلمون ما حدث بقتلاهم يوم أحد من تمثيل قالوا: "لو أصبنا منهم يومًا من الدهر لنزيدين عليهم"، فأنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}
[النحل: 126] [رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني، وقال ابن حجر في الفتح:
وقد ذكر روايات ضعيفة في هذا الباب، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا (ج7 ص430)].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة العدل والإمام العادل في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل» [متفق عليه]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [مسلم 1827]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر» [الترمذي 1329، والبغوي في شرح السنة (ج10 ص65)، وقال: حسن غريب].
بعث
النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر يخرص عليهم
ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يقدموا إليه رشوة ليرفق بهم، فقال لهم: "والله
لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من
القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم"،
فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض [أبو داود وابن ماجه بسند حسن، ورواه
مالك في الموطأ مرسلاً].
وجاء جعدة بن هبيرة إلى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما
من أهله وماله، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك فتقضي لهذا على هذا؟ فقال
علي: إن هذا شيء لو كان لي فعلتُ، ولكن إنما ذا شيء لله [ذكره ابن كثير في
البداية والنهاية في ترجمة علي ج8 ص6].
وفي أول خطبة لعمر بن عبد
العزيز بعد توليه الخلافة حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فإنه ليس
بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله
حلال إلى يوم القيامة، وما حرم الله حرام إلى يوم القيامة، ألا إني لست
بقاضٍ ولكني منفذ، ألا إني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحدٍ أن
يُطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم ولكني رجلٌ منكم، غير أن الله
جعلني أثقلكم حملاً" ثم ذكر حاجته [ابن سعد في الطبقات ج5 ص250].
ففي هذه الخطبة التي تعتبر نموذجًا لالتزام العدل ودستورًا للحكم؛ بيَّن عمر الأسس التي سيقوم عليها حكمه:
1- اتباع شرع الله وتنفيذه على الكافة.
2- اتباع سنن الهدى ونبذ الابتداع.
3- لا طاعة لمخلوق في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
4- لا يتميز الوالي عن رعيته بشيء فهو منهم وليس بخيرهم، وقد يكون بينهم من هو خيرٌ منه.
5- إيمان الإمام بما عليه من أعباء جسام وهو مسئول عنها أمام ربه وأمام رعيته وكل ذلك سبيل لتحقيق العدل والرفق بالرعية.
وإعمالاً
لهذا المنهاج كان عمر يقول للناس: "الحقوا ببلادكم فإني أذكركم في بلادكم
وأنساكم عندي، ألا وإني قد استعملت عليكم رجالاً لا أقول هم خياركم،
ولكنهم خيرٌ ممن هو شرٌ منهم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له عليَّ،
والله لئن منعت هذا المال نفسي وأهلي ثم بخلت به عليكم، إني إذًا لضنين،
والله لولا أن أنعش سنة أو أسير بحق ما أحببت أن أعيش فواقًا" [1] [ابن
سعد (ج5 ص253)].
عدالة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز:
لقد
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يرى استصلاح ما فسد من حال الرعية
بالعدل، وبما دلت عليه الشريعة، وليس باللجوء إلى ألوان القهر والإذلال
والقوانين الاستثنائية.
ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء عن يحيى الغساني
قال: "لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد
سرقةً ونقبًا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله: آخذ الناس بالظنة،
وأضربهم على التهمة، أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟" فكتب إليَّ
عمر أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق، فلا
أصلحهم الله.
قال يحيى: "ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقة ونقبًا".
وكتب
الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: "إن أهل خراسان قومٌ ساءت
رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن
في ذلك.
فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان
قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم
العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام" [تاريخ الخلفاء وقد عزاه لابن
عساكر].
والعدالة التي نعنيها ليست فقط العدالة القانونية التي
يعبر عنها بالمساواة، وإنما هي العدالة الشاملة التي تعم الحاكم والمحكوم
على حد سواء، وتشمل العدالة الاجتماعية والاقتصادية وكفالة حقوق الأفراد
وحرياتهم.
هذه هي عدالة الإسلام تضمنها شريعة الإسلام، فهل من أوبة وهل من رجوع: {الَّذِينَ
إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ
وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، {وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
العدل من الأسس التي عليها عمار الكون، وصلاح العباد، لذا حث عليه الإسلام، وجعله أساسًا للحكم بين الناس: {لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25].
والله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل المقسط، فهو سبحانه لا يحكم إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق، ولا يقضي إلا بالحق: {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: ٢٠].
وقد نفى سبحانه الظلم عن نفسه، وحرمه على عباده، فقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد} [فصلت: 46]، وقال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا» [رواه مسلم، كتاب البر والصلة (2577)].
والله سبحانه وتعالى هو الحكم الملزم حكمه كونًا وشرعًا، وشرائعه سبحانه عدل كلها، فلا خير إلا فيها، ولا عدل إلا بها: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: ٤٠].
والإمام
العادل هو الذي يتبع أمر الله وحكمه، فيضع كل شيء في موضعه من غير إفراط
ولا تفريط، وكل ميل عن الشرع فهو ميلٌ عن العدل وإقرار للظلم الذي هو
ظلمات يوم القيامة.
ودستور المسلمين يحث على العدل والإحسان، وينهى عن المنكر والبغي: {إِنَّ
اهَإِ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
ويأمر الحكام بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل، ويحث الرعية على طاعة أولي الأمر: {إِنَّ
اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 58، 59].
ويحث على العدل في المقال - القول- والعدل في الفعل - العمل-: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا
تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا} [النساء: 135]، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152].
والتزام العدل واجب حتى في الفتن والاقتتال بين المسلمين: {وَإِن
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الحجرات: 9].
وواجب
على المسلمين أن يلزموا العدل حتى مع الأعداء، فلا تكون عداوتهم وبغضهم
سببًا في ظلمهم؛ لأن المسلمين هم حملة المنهج الرباني الذي أنزل على محمد
صلى الله عليه وسلم ليقيم العدل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ
اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
ولما رأى المسلمون ما حدث بقتلاهم يوم أحد من تمثيل قالوا: "لو أصبنا منهم يومًا من الدهر لنزيدين عليهم"، فأنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}
[النحل: 126] [رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني، وقال ابن حجر في الفتح:
وقد ذكر روايات ضعيفة في هذا الباب، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا (ج7 ص430)].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة العدل والإمام العادل في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل» [متفق عليه]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [مسلم 1827]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر» [الترمذي 1329، والبغوي في شرح السنة (ج10 ص65)، وقال: حسن غريب].
بعث
النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر يخرص عليهم
ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يقدموا إليه رشوة ليرفق بهم، فقال لهم: "والله
لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من
القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم"،
فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض [أبو داود وابن ماجه بسند حسن، ورواه
مالك في الموطأ مرسلاً].
وجاء جعدة بن هبيرة إلى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما
من أهله وماله، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك فتقضي لهذا على هذا؟ فقال
علي: إن هذا شيء لو كان لي فعلتُ، ولكن إنما ذا شيء لله [ذكره ابن كثير في
البداية والنهاية في ترجمة علي ج8 ص6].
وفي أول خطبة لعمر بن عبد
العزيز بعد توليه الخلافة حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فإنه ليس
بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله
حلال إلى يوم القيامة، وما حرم الله حرام إلى يوم القيامة، ألا إني لست
بقاضٍ ولكني منفذ، ألا إني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحدٍ أن
يُطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم ولكني رجلٌ منكم، غير أن الله
جعلني أثقلكم حملاً" ثم ذكر حاجته [ابن سعد في الطبقات ج5 ص250].
ففي هذه الخطبة التي تعتبر نموذجًا لالتزام العدل ودستورًا للحكم؛ بيَّن عمر الأسس التي سيقوم عليها حكمه:
1- اتباع شرع الله وتنفيذه على الكافة.
2- اتباع سنن الهدى ونبذ الابتداع.
3- لا طاعة لمخلوق في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
4- لا يتميز الوالي عن رعيته بشيء فهو منهم وليس بخيرهم، وقد يكون بينهم من هو خيرٌ منه.
5- إيمان الإمام بما عليه من أعباء جسام وهو مسئول عنها أمام ربه وأمام رعيته وكل ذلك سبيل لتحقيق العدل والرفق بالرعية.
وإعمالاً
لهذا المنهاج كان عمر يقول للناس: "الحقوا ببلادكم فإني أذكركم في بلادكم
وأنساكم عندي، ألا وإني قد استعملت عليكم رجالاً لا أقول هم خياركم،
ولكنهم خيرٌ ممن هو شرٌ منهم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له عليَّ،
والله لئن منعت هذا المال نفسي وأهلي ثم بخلت به عليكم، إني إذًا لضنين،
والله لولا أن أنعش سنة أو أسير بحق ما أحببت أن أعيش فواقًا" [1] [ابن
سعد (ج5 ص253)].
عدالة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز:
لقد
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يرى استصلاح ما فسد من حال الرعية
بالعدل، وبما دلت عليه الشريعة، وليس باللجوء إلى ألوان القهر والإذلال
والقوانين الاستثنائية.
ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء عن يحيى الغساني
قال: "لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد
سرقةً ونقبًا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله: آخذ الناس بالظنة،
وأضربهم على التهمة، أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟" فكتب إليَّ
عمر أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق، فلا
أصلحهم الله.
قال يحيى: "ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقة ونقبًا".
وكتب
الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: "إن أهل خراسان قومٌ ساءت
رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن
في ذلك.
فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان
قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم
العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام" [تاريخ الخلفاء وقد عزاه لابن
عساكر].
والعدالة التي نعنيها ليست فقط العدالة القانونية التي
يعبر عنها بالمساواة، وإنما هي العدالة الشاملة التي تعم الحاكم والمحكوم
على حد سواء، وتشمل العدالة الاجتماعية والاقتصادية وكفالة حقوق الأفراد
وحرياتهم.
هذه هي عدالة الإسلام تضمنها شريعة الإسلام، فهل من أوبة وهل من رجوع: {الَّذِينَ
إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ
وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، {وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى