لا وطنية في الإسلام

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراَ، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً،
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
أيها المسلمون، يقول سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))، الأرض أرض الله.. والوطن وطن الله.. والماء ماء الله.. وليس لأحد عهد من الله أن يرث الأرض إلا بطاعة الله.. وتمييز بعض الأرض على بعضها إنما هو بتمييز الله لها.
والله عز وجل أخذ على نفسه عهداً أن من والاه وأحبه وأطاعه وقدم محبته على معصيته أن يمكن له في الأرض.. يقول سبحانه وتعالى: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ)) إذاً! من الذي يمكن إلا الله؟
ومن الذي يخلع إلا الله؟
ومن الذي يولي إلا الله؟
ومن الذي يعزل إلا الله؟

حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجلعظمة في الأرض من قدرته فكم فلّ من جيش وأفنى من دول

((وَلا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))، ((قُلِ اللهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، ((وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)).
إذاَ فالولاية من الله.. وليس للمسلم وطن خاص يقاتل من أجله لأنا كنا بالأمس نحكم ثلاثة أرباع الدنيا.
فلسنا كما يقول أحمد شوقي :

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي!!

فهذه عقيدة فاسدة كاذبة خاطئة.. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم جنة عرضها السموات والأرض.
الوطنية أصبحت مبدأً هداماً يدعو إلى أن تعبد الوطن.. وأن تسجد للوطن.
رأيت شباباً ممن ينتسب إلى حاكم العراق في دولة من دول الخارج يحملون صورته في جيوبهم ثم يسجدون ويقولون: (من أجل عيونك يا فلان!!).
ويأخذون في قراطيس من ورق تراباً من وطنهم يقبلونه.
القروي شاعر لبناني مجرم ملحد يقول:

بلادك قدّمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم!

يقول: هذه الحجارة، هذا التراب قدِّمها على كل ملّة.. على الإسلام والنصرانية .. واليهودية .. ومن أجلها أفطر وصم، ومن أجلها سبّح ومن أجلها اركع.. ومن أجلها اسجد.
لكن الشاعر المسلم يقول:

وأين ما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطانيبالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني

يقول: هذه البلاد حكمها أجدادنا هلَّلوا فيها وكبروا.. فـصنعاءاليمن كان فيها عبد الرزاق بن همام الصنعاني عالم الدنيا وصاحب المصنف.. والشوكاني عالم المعمورة. وهكذا كل بلاد المسلمين.
ويقول آخر:

بلادي كل أرض شع فيها نداء الحق صداحاً مبينا

فليس الوطن معتقداً.. إنما هو تراب كغيره من الأتربة، وتضاريس كغيرها من التضاريس.
صحيح أن بعض البلاد تُحب لما فيها من طاعة كـمكة .. فيها بيت الله، وفيها زمزم، وفيها الطواف والمسعى، وفيها المشاعر المقدسة.. لذلك نحبها ليس لسبب آخر وليس لوطنية.
يقول صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه أهل مكة من مكة : (والذي نفسي بيده، إنك من أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) ⁽¹⁾ .
ونظر صلى الله عليه وسلم إلى أحد وهو جبل في المدينة عظيم فرآه جميلاً مشرقاً.. فقال: (أحد جبل يحبنا ونحبه) ⁽¹⁾ .
لماذا؟
لأن أحد دفن حوله حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، و مصعب بن عمير ، وشهداء الإسلام، ودماء التوحيد وراية لا إله إلا الله رفعت هناك، فأحبه صلى الله عليه وسلم من أجل هذا.. لا من أجل الوطنية.
إن بعض وسائل الإعلام تغرس في الأفهام عقيدة الوطنية..
وتقول: نحن نقاتل من أجل الوطن.
لا... نحن نقاتل من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله.
نقاتل من أجل أن تبقى مقدساتنا.
والقتال من أجل الوطن جاهلية حديثة.. صنعها معظّمو التراب.
جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله.. الرجل يقاتل شجاعة وحمية.. أي ذلك في سبيل الله؟
قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) ⁽¹⁾ .
والله أعلم. وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.