- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28461
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
بحر الدموع - الفصل الثاني والعشرون
السبت 17 سبتمبر 2011, 14:51
ص -97- بحر الدموع - الفصل الثاني والعشرون
يا أخي لا تغسل أدناس الذنوب إلا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية إلا من يسارع، أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع.
لكن يوم المعصية ما أنحسه من طالع، ويوم الطاعة مختار وكل سعد فيه طالع، أطلب، ويحك، رفاق التائبين، وجدد رسائلك للحبيب وطالع، مصباح التقوى يدل على الجادة، وكم في ظلمة الغفلة من قاطع، ابك، ويحك، على موت قلبك وعمى بصيرتك، وكثرة الموانع. إذا لم يعظك الدهر والشيب والضعف، فما أنت صانع، فبالله يا إخواني بادروا بالمتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب.
قال علي بن يحيى في كتاب لوامع أنوار القلوب: صحبت شيخا من عسقلان سريع الدمعة، حسن الخدمة، كامل الأدب، متهجدا بالليل متنسكا في النهار، وكنت أسمع أكثر دعائه الاعتذار والاستغفار، فدخل يوما في بعض كهوف جبل اللكام وغيرانه، فلما أمسى رأيت أهل الجبل وأصحاب الصوامع يهرولون إليه، ويتبركون بدعائه، فلما أصبح وعزم على الخروج، قام أحدهم، وقال: عظني، قال: عليك بالاعتذار، فإنه إن قبل عذرك وفزت بالمغفرة، سلك بك إلى درجات المقامات، فوجدتها أمانيك، ثم بكى وشهق وخرج من الموضع، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات.
ص -98- قال: فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: حبيبي أكرم من إن يعتذر إليه مذنب، فيخيب ظنه ولم يقبل عذره. قبل الله عذري وغفر ذنبي، وشفّعني في أصحاب اللكام.
ويروى عن يوسف بن عاصم أنه ذكر له عن حاتم الأصم أنه كلن يتكلم على الناس في الزهد، والإخلاص، فقال يوسف لأصحابه: اذهبوا بنا إليه نسأله عن صلاته إن كان يكملها، وإن لم يكن يكملها، نهيناه عن ذلك.
قال: فأتوه وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أي شيء تسألني عافاك الله؟ عن معرفتها أو عن تأديتها؟
فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال لهم: زادنا حاتم ما لم نحسن إن نسأله عنه. ثم قال لحاتم: نبدأ بتأديتها.
فقال لهم: تقوم بالأمر. وتقف بالاحتساب وتدخل بالسنة، وتكبّر بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالخضوع، وترفع بالسكينة، وتتشهد بالإخلاص، وتسلم بالرحمة.
قال يوسف: هذا التأديب فما المعرفة؟.
قال: إذا قمت إليها فاعلم أن الله مقبل عليك، فأقبل على من هو مقبل عليك، واعلم أن جهة التصديق لقلبك، أنه قريب منك، قادر عليك، فإذا ركعت: فلا تؤمّل أن تقوم. ومثل الجنة عن يمينك، والنار عن يسارك، والصراط تحت قدميك، فإذا فعلت فأنت مصل. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال: قوموا نعيد الصلاة التي مضت من أعمارنا.
يا من مات قلبه، أي شيء تنفع حياة البدن إذا لم تفرّق بين القبيح والحسن.
ص -99- سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟ إذا كان القلب خرابا من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن. يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى يزول الحون.
وقال عاصم بن محمد في كتاب لوامع أنوار القلوب: كان لي معامل يهودي، فرأيته بمكة متضرعا مبتهلا فأعجبني حسن إسلامه. فسألته عن سبب إسلامه.
فقال: تقدّمت إلى أبي إسحاق إبراهيم الآجري النيسابوري، وهو يوقد في تنّور الآجر، أطلب دينا كان لي عليه، فقال لي: أسلم، واحذر نارا وقودها الناس والحجارة، فقلت: لا بأس عليك يا أبا إسحاق، فأنت أيضا فيها. قال: فعسى تعني قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} مريم: 71، الآية، فقلت: نعم. فقال لي: أعطني ثوبك، فأعطيته ثوبي، ثم لف ثوبي في ثوبه، ثم رمى بهما في التنور، وصبر ساعة طويلة ثم قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل في الأتون، يعني مستوقد النار وهي تتأجج لهيبا وزفيرا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على الباب الآخر، فهالني ذلك من فعله، فهرولت إليه متعجبا، وإذا بالرزمة صحيحة كما كانت، فحلها، وإذا بثيابي قد احترقت كأنها فحمة في وسط ثيابه، وثيابه صحيحة لم تمسها النار.
ثم قال: يا مسكين، هكذا يكون {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} مريم 71.
فأسلمت على يديه في الحال، وهذا ما رأيت من احوال الرجال.
لله درّ قوم ملأ قلوبهم بأنوار الحكمة والرشاد، حرّك ساكنا وجدهم، فتمايلهم كالغصن الميّاد، صفت زجاجة أرواحهم ورقّ لهم شراب وجدهم، وطاب لهم سماع الإنشاد.
أدرا عليهم حميا الحماية، فألفت عيونهم السهاد، فمنهم سكران ونشوان، وكل أيامكمهم بمحبوبهم أعياد.
ص -100- مدّ عليهم أطناب ليل الخلوة غيرة من رقيب الرقاد، فهم يتشاكون الشواق بنفس تلف في محبة أو كاد.
والمحروم نهاره في الشقا وليله في النوم، وعمره في نفاد ركب مركب القضاء للمحنة، ففي أصل تركيبة فساد. ضيّع أيامه في الغفلة، وفي الكبر يبكي على فائت لا يعاد.
فيا معشر المذنبين جدّوا قبل الرحيل عن الأجساد.
قال يوسف بن الحسن: كنت أسير في طريق الشام، إذ عرض لي عارض، فعدلت عن الطريق فهالتني المفازة1، فبدت لي صومعة، فدنوت منها، وإذا براهب فيها قد أخرج رأسه منها، فأنست به، فلما دنوت منه، قال لي: يا هذا، أتريد موضع صاحبكم؟.
قال: رجل في هذا الوادي على دينكم، متخل عن فتنة الأقران، منفرد بنفسه في ذلك المكان، واشوقاه إلى حديثه!.
فقلت له: وما الذي يمنعك عنه، وأنت على قرب منه؟.
فقال: أصحابي أقعدوني في هذا الموضع، وأنا أخشى على نفسي القتل منهم، ولكن إذا مضيت إليه فأقرئه مني السلام، وأساله لي في الدعاء.
قال: فمضيت إليه، وإذا برجل قد اجتمعت إليه الوحوش، فلما رآني قرب مني وكنت أسمع جلبة عظيمة للقوم، ولا أرى أحدا منهم، فسمعت قائلا يقول: من هذا البطال الذي وطئ محل العاملين؟.
فرأيت رجلا منكّسا رأسه مسترسلا في كلامه، تعلوه هيبة ووقار شديد. فسمعته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مفازة: صحراء.
ص -101- يقول: لك الحمد على ما وهبت من معرفتك، وخصصتني به من محبتك، لك الحمد على آلائك، وعلى جميع بلائك. اللهم ارفع درجتي إلى درجات الأبرار للرضا بحكمك، وانقلني إلى درجة الأخيار.
ثم صاح صيحة عظيمة، ثم قال: آه من لي بهم، وخرّ مغشيا عليه، فلم يتحرّك لساني هيبة له، فلما أفاق من غشيته، قال لي: سر زودّك الله التقوى، وسار عني وتركني.
نفعنا الله به، وبأمثاله.... آمين.
**
يا أخي لا تغسل أدناس الذنوب إلا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية إلا من يسارع، أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع.
لكن يوم المعصية ما أنحسه من طالع، ويوم الطاعة مختار وكل سعد فيه طالع، أطلب، ويحك، رفاق التائبين، وجدد رسائلك للحبيب وطالع، مصباح التقوى يدل على الجادة، وكم في ظلمة الغفلة من قاطع، ابك، ويحك، على موت قلبك وعمى بصيرتك، وكثرة الموانع. إذا لم يعظك الدهر والشيب والضعف، فما أنت صانع، فبالله يا إخواني بادروا بالمتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب.
ما اعتذاري وأمر ربي عصيت حين تبدي صحائفي ما أتيت
ما اعتذاري إذا وقفت ذليلا قد نهاني ما أراني انتهيت
يا غنيا عن العباد جميعا وعليما بكل ما قد سعيت
ليس لي حجة ولا لي عذر فاعف عن زلتي وما قد جنيت
قال علي بن يحيى في كتاب لوامع أنوار القلوب: صحبت شيخا من عسقلان سريع الدمعة، حسن الخدمة، كامل الأدب، متهجدا بالليل متنسكا في النهار، وكنت أسمع أكثر دعائه الاعتذار والاستغفار، فدخل يوما في بعض كهوف جبل اللكام وغيرانه، فلما أمسى رأيت أهل الجبل وأصحاب الصوامع يهرولون إليه، ويتبركون بدعائه، فلما أصبح وعزم على الخروج، قام أحدهم، وقال: عظني، قال: عليك بالاعتذار، فإنه إن قبل عذرك وفزت بالمغفرة، سلك بك إلى درجات المقامات، فوجدتها أمانيك، ثم بكى وشهق وخرج من الموضع، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات.
ص -98- قال: فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: حبيبي أكرم من إن يعتذر إليه مذنب، فيخيب ظنه ولم يقبل عذره. قبل الله عذري وغفر ذنبي، وشفّعني في أصحاب اللكام.
لا شيء أعظم من ذنبي سوى أملي في حسن عفوك عن جرمي وعن عملي
فإن يكن ذا وذا فالذنب قد عظما فأنت أعظم من ذنبي ومن زللي
ويروى عن يوسف بن عاصم أنه ذكر له عن حاتم الأصم أنه كلن يتكلم على الناس في الزهد، والإخلاص، فقال يوسف لأصحابه: اذهبوا بنا إليه نسأله عن صلاته إن كان يكملها، وإن لم يكن يكملها، نهيناه عن ذلك.
قال: فأتوه وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أي شيء تسألني عافاك الله؟ عن معرفتها أو عن تأديتها؟
فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال لهم: زادنا حاتم ما لم نحسن إن نسأله عنه. ثم قال لحاتم: نبدأ بتأديتها.
فقال لهم: تقوم بالأمر. وتقف بالاحتساب وتدخل بالسنة، وتكبّر بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالخضوع، وترفع بالسكينة، وتتشهد بالإخلاص، وتسلم بالرحمة.
قال يوسف: هذا التأديب فما المعرفة؟.
قال: إذا قمت إليها فاعلم أن الله مقبل عليك، فأقبل على من هو مقبل عليك، واعلم أن جهة التصديق لقلبك، أنه قريب منك، قادر عليك، فإذا ركعت: فلا تؤمّل أن تقوم. ومثل الجنة عن يمينك، والنار عن يسارك، والصراط تحت قدميك، فإذا فعلت فأنت مصل. فالتفت يوسف إلى أصحابه، وقال: قوموا نعيد الصلاة التي مضت من أعمارنا.
يا من مات قلبه، أي شيء تنفع حياة البدن إذا لم تفرّق بين القبيح والحسن.
ص -99- سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟ إذا كان القلب خرابا من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن. يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى يزول الحون.
وقال عاصم بن محمد في كتاب لوامع أنوار القلوب: كان لي معامل يهودي، فرأيته بمكة متضرعا مبتهلا فأعجبني حسن إسلامه. فسألته عن سبب إسلامه.
فقال: تقدّمت إلى أبي إسحاق إبراهيم الآجري النيسابوري، وهو يوقد في تنّور الآجر، أطلب دينا كان لي عليه، فقال لي: أسلم، واحذر نارا وقودها الناس والحجارة، فقلت: لا بأس عليك يا أبا إسحاق، فأنت أيضا فيها. قال: فعسى تعني قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} مريم: 71، الآية، فقلت: نعم. فقال لي: أعطني ثوبك، فأعطيته ثوبي، ثم لف ثوبي في ثوبه، ثم رمى بهما في التنور، وصبر ساعة طويلة ثم قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل في الأتون، يعني مستوقد النار وهي تتأجج لهيبا وزفيرا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على الباب الآخر، فهالني ذلك من فعله، فهرولت إليه متعجبا، وإذا بالرزمة صحيحة كما كانت، فحلها، وإذا بثيابي قد احترقت كأنها فحمة في وسط ثيابه، وثيابه صحيحة لم تمسها النار.
ثم قال: يا مسكين، هكذا يكون {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} مريم 71.
فأسلمت على يديه في الحال، وهذا ما رأيت من احوال الرجال.
لله درّ قوم ملأ قلوبهم بأنوار الحكمة والرشاد، حرّك ساكنا وجدهم، فتمايلهم كالغصن الميّاد، صفت زجاجة أرواحهم ورقّ لهم شراب وجدهم، وطاب لهم سماع الإنشاد.
أدرا عليهم حميا الحماية، فألفت عيونهم السهاد، فمنهم سكران ونشوان، وكل أيامكمهم بمحبوبهم أعياد.
ص -100- مدّ عليهم أطناب ليل الخلوة غيرة من رقيب الرقاد، فهم يتشاكون الشواق بنفس تلف في محبة أو كاد.
والمحروم نهاره في الشقا وليله في النوم، وعمره في نفاد ركب مركب القضاء للمحنة، ففي أصل تركيبة فساد. ضيّع أيامه في الغفلة، وفي الكبر يبكي على فائت لا يعاد.
فيا معشر المذنبين جدّوا قبل الرحيل عن الأجساد.
قال يوسف بن الحسن: كنت أسير في طريق الشام، إذ عرض لي عارض، فعدلت عن الطريق فهالتني المفازة1، فبدت لي صومعة، فدنوت منها، وإذا براهب فيها قد أخرج رأسه منها، فأنست به، فلما دنوت منه، قال لي: يا هذا، أتريد موضع صاحبكم؟.
قال: رجل في هذا الوادي على دينكم، متخل عن فتنة الأقران، منفرد بنفسه في ذلك المكان، واشوقاه إلى حديثه!.
فقلت له: وما الذي يمنعك عنه، وأنت على قرب منه؟.
فقال: أصحابي أقعدوني في هذا الموضع، وأنا أخشى على نفسي القتل منهم، ولكن إذا مضيت إليه فأقرئه مني السلام، وأساله لي في الدعاء.
قال: فمضيت إليه، وإذا برجل قد اجتمعت إليه الوحوش، فلما رآني قرب مني وكنت أسمع جلبة عظيمة للقوم، ولا أرى أحدا منهم، فسمعت قائلا يقول: من هذا البطال الذي وطئ محل العاملين؟.
فرأيت رجلا منكّسا رأسه مسترسلا في كلامه، تعلوه هيبة ووقار شديد. فسمعته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مفازة: صحراء.
ص -101- يقول: لك الحمد على ما وهبت من معرفتك، وخصصتني به من محبتك، لك الحمد على آلائك، وعلى جميع بلائك. اللهم ارفع درجتي إلى درجات الأبرار للرضا بحكمك، وانقلني إلى درجة الأخيار.
ثم صاح صيحة عظيمة، ثم قال: آه من لي بهم، وخرّ مغشيا عليه، فلم يتحرّك لساني هيبة له، فلما أفاق من غشيته، قال لي: سر زودّك الله التقوى، وسار عني وتركني.
نفعنا الله به، وبأمثاله.... آمين.
**
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى