- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28471
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
بحر الدموع - الفصل السابع والعشرون
السبت 17 سبتمبر 2011, 14:58
ص -118- بحر الدموع - الفصل السابع والعشرون
اعلم أن الزنى من أكبر الكبائر، وهو شؤم على صاحبه في الدنيا والآخرة، ووبال على صاحبه.
وقد نهى الله تعالى عنه في مواضع من كتابه، فقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} الإسراء 32. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} المؤمنون 5، 7.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"1.، أراد بذلك أن الزاني مبعد عن الله تعالى، مستوجب المقت من الله عز وجل.
وفي الخبر أن شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنى، فصاح الناس به، فقال: "اتركوه، أدن مني"، فقال: "أتحبه لأمك؟" قال: لا، جعلني الله فداك. قال: "كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم"، ثم قال له: "أتحبه لأبنتك؟" قال: لا. قال: "كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم". حتى ذكر الأخت، والخالات والعمات وهو يقول: لا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كذلك الناس لا يحبونه"، ثم وضع يده الكريمة على صدره، وقال: "اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض إليه من الزنى2.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلقت المرأة، قال لها إبليس: أنت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ" فتحفظ رحمك الله نت سهام الشيطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم 57، ابن ماجة 3936.
2 رواه أحمد وإسناده صحيح.
ص -119- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزنى من أكبر الكبائر، والزاني عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم القيامة، فان تاب، تاب الله عليه"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من علامة المؤمن أن يجعل الله شهوته في الصلاة والصيام، وعلامة المنافق أن يجعل الله شهوته في بطنه وفرجه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الزنى يورث الفقر، ويذهب بهاء الوجه" يقول الله تعالى: "آليت على نفسي أن أفقر الزاني ولو بعد حين". والزنى يذهب بالمال، وبنور الوجه، ويخلد صاحبه في النار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "ما لقي الله العبد بذنب بعد الشرك بالله، أعظم من الزنى، ومن امرئ يضع نطفته في رحم حرام، وإن الزاني يسيل من فرجه يوم القيامة صديد لو وضعت منه قطرة على وجه الأرض، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم نتنا". وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والزنى فإنه ذهاب البهاء، وطول الفقر، وقصار العمر، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله، وسوء الحساب، والخلود في النار"2.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد أغير من الله تعالى أن يرى عبده أو أمته يزني، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ألا وإن في النار لتوابيت من نار، فيها أقوام محبوسون في تلك التوابيت، فإذا سألوا الراحة، فتحت لهم تلك التوابيت فإذا فتحت بلغ شررها أهل جهنم، فيستغيث أهل جهنم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو داود 4690.
2 انظر الموضوعات لابن الجوزي.
ص -120- بصوت واحد، ويقولون: اللهم العن أهل التوابيت، وهم الذين يغتصبون فروج النساء حراما".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما خلق الجنة، قال لها: تكلمي. قالت: سعد من دخلني، فقال الجبار جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس، مدمن خمر، ولا مصرّ على الزنى، ولا نمّام، ولا ديّوث، ولا شرطيّ، ولا مخنّث، ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول: عليّ عهد الله أن أفعل كذا وكذا ولا يفعله".
فليس المصر على الزنى هو المداوم عليه، ولا مدمن الخمر هو الملازم لشربه، ولكنه هو إذا وجد الخمر شربها، ولم يمنعه منها خوف الله تعالى، ومتى تهيأ له الزنى، ولم يتب من ذلك، ومن لم ينه النفس عن الهوى فان الجحيم هي المأوى.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لغلمانه: إن أردتم النكاح نكحتم، أي تزوّجتم، فان العبد إذا زنى، خرج الإيمان من قلبه فلا يبقى للعبد إيمان.
وقال لقمان لابنه: إياك والزنى، فإن أوله مخافة آخره ندامة، ومن بعد تلقى آثامه.
وأنشدوا:
واعلم إن من غلبه هواه افتضح، فما نال الكرامات من نالها إلا بغلبة الهوى.
كما روي أنه في بني إسرائيل رجل تزوج امرأة من بلد آخر، فأرسل بثقته إليها ليسوقها إليه، فراودته نفسه، وطالبته بها، فزجرها، واستعصم بالله، قال: فنبأه الله تعالى بترك هواه، وكان نبيا من بني إسرائيل.
وأنشدوا:
ص -122- أصابعه، ثم أكلت يده، فصاحت الجارية صيحة عظيمة، فارقت الدنيا، فسترها بثوبها.
فلما أصبح صرخ إبليس لعنه الله: أيها الناس إن العابد قد زنى بفلانة بنت فلان، وقتلها.
فركب الملك في جنده وأهل مملكته، فلما انتهى إلى الصومعة، صاح، فأجابه العابد، فقال له: أين فلانة بنت فلان؟ قال له: عندي ها هنا. قال له: قل لها أن تنزل. قال له: إنها قد ماتت.
قال له الملك: ما رضيت بالزنى حتى قتلت النفس التي حرّم الله؟ فهدم الصومعة، وجعل في عنق العابد سلسلة، فجرّه بها، وحملت المرأة، وجيء بالعابد ملفوفة في كمه وهو لا يعلمهم بقصته.
فوضع المنشار على رأسه، وقيل لأصحاب العذاب: جرّوا، فجرّوا.
فلما بلغ المنشار إلى دماغه، تأوّه، فأوحى الله تعالى إلى جبريل عليه السلام: قل له: لا ينطق بشيء، وها أنا أنظر إليك، وقد أبكى حملة عرشي، وسكان سماواتي، فوعزتي وجلالي لئن تأوّه الثانية، لأهدمنّ السموات على الأرض، فما تأوه ولا تكلم حتى مات رحمه الله.
فلما مات، ردّ الله الروح على المرأة، وقالت: مات والله مظلوما، ما زنى وما أنا إلا بخاتمي بكر.
ثم قصت عليهم القصة، فأخرجوا يده، فإذا هي محروقة كما قالت الجارية. فقالوا: لو علمنا ما نشرناه، وخرّ العابد نصفين على الأرض، وعادت الجارية كما كانت، فحفروا لهما قبرا واحدا، فوجدوا في القبر مسكا وعنبرا وكافورا. ثم أتوا بهما ليصلوا عليهما، فناداهم مناد من السماء: اصبروا حتى تصلي عليهما
ص -123- الملائكة، ثم صلى عليهما الناس ودفنوهما، فأنبت الله على قبرهما الياسمين، ووجدوا على قبرهما رق مكتوب فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الله عز وجل إلى عبدي ووليي، إني نصبت المنبر تحت عرشي، وجمعت ملائكتي، وخطب جبريل عليه السلام، وأشهدت الملائكة أني زوّجتك خمسين ألف عروس من الفردوس، وهكذا أفعل بأهل طاعتي وأهل مراقبتي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس، فمن غضّ بصره، أذاقه الله تعالى عبادة يجد حلاوة تلك العبادة في قلبه"1.
وفي المناجاة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: يا موسى، حرمت على النار ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين بكت من خشيتي، ولكل شيء جزاء، إلا الدمعة، فلا جزاء لها إلا الرحمة والمغفرة ودخول الجنة. والله تعالى أعلم.
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم من حديث حذيفة بن اليمان.
اعلم أن الزنى من أكبر الكبائر، وهو شؤم على صاحبه في الدنيا والآخرة، ووبال على صاحبه.
وقد نهى الله تعالى عنه في مواضع من كتابه، فقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} الإسراء 32. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} المؤمنون 5، 7.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"1.، أراد بذلك أن الزاني مبعد عن الله تعالى، مستوجب المقت من الله عز وجل.
وفي الخبر أن شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنى، فصاح الناس به، فقال: "اتركوه، أدن مني"، فقال: "أتحبه لأمك؟" قال: لا، جعلني الله فداك. قال: "كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم"، ثم قال له: "أتحبه لأبنتك؟" قال: لا. قال: "كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم". حتى ذكر الأخت، والخالات والعمات وهو يقول: لا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كذلك الناس لا يحبونه"، ثم وضع يده الكريمة على صدره، وقال: "اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض إليه من الزنى2.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلقت المرأة، قال لها إبليس: أنت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ" فتحفظ رحمك الله نت سهام الشيطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم 57، ابن ماجة 3936.
2 رواه أحمد وإسناده صحيح.
ص -119- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزنى من أكبر الكبائر، والزاني عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم القيامة، فان تاب، تاب الله عليه"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من علامة المؤمن أن يجعل الله شهوته في الصلاة والصيام، وعلامة المنافق أن يجعل الله شهوته في بطنه وفرجه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الزنى يورث الفقر، ويذهب بهاء الوجه" يقول الله تعالى: "آليت على نفسي أن أفقر الزاني ولو بعد حين". والزنى يذهب بالمال، وبنور الوجه، ويخلد صاحبه في النار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "ما لقي الله العبد بذنب بعد الشرك بالله، أعظم من الزنى، ومن امرئ يضع نطفته في رحم حرام، وإن الزاني يسيل من فرجه يوم القيامة صديد لو وضعت منه قطرة على وجه الأرض، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم نتنا". وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والزنى فإنه ذهاب البهاء، وطول الفقر، وقصار العمر، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله، وسوء الحساب، والخلود في النار"2.
يا من عصى الله في الشباب وقد أدركه الشيب راقب الله
صحفك بالسيئات قد ملئت بأي وجه تراك تقراها
أعدد جوابا إذا سئلت غدا وقرّب النار منك مولاها
يا معشر المسلمين كم رجل تلومه النار حين يصلاها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد أغير من الله تعالى أن يرى عبده أو أمته يزني، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ألا وإن في النار لتوابيت من نار، فيها أقوام محبوسون في تلك التوابيت، فإذا سألوا الراحة، فتحت لهم تلك التوابيت فإذا فتحت بلغ شررها أهل جهنم، فيستغيث أهل جهنم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو داود 4690.
2 انظر الموضوعات لابن الجوزي.
ص -120- بصوت واحد، ويقولون: اللهم العن أهل التوابيت، وهم الذين يغتصبون فروج النساء حراما".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما خلق الجنة، قال لها: تكلمي. قالت: سعد من دخلني، فقال الجبار جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس، مدمن خمر، ولا مصرّ على الزنى، ولا نمّام، ولا ديّوث، ولا شرطيّ، ولا مخنّث، ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول: عليّ عهد الله أن أفعل كذا وكذا ولا يفعله".
فليس المصر على الزنى هو المداوم عليه، ولا مدمن الخمر هو الملازم لشربه، ولكنه هو إذا وجد الخمر شربها، ولم يمنعه منها خوف الله تعالى، ومتى تهيأ له الزنى، ولم يتب من ذلك، ومن لم ينه النفس عن الهوى فان الجحيم هي المأوى.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لغلمانه: إن أردتم النكاح نكحتم، أي تزوّجتم، فان العبد إذا زنى، خرج الإيمان من قلبه فلا يبقى للعبد إيمان.
وقال لقمان لابنه: إياك والزنى، فإن أوله مخافة آخره ندامة، ومن بعد تلقى آثامه.
وأنشدوا:
يا من خلا بمعاصي الله في الظلم في اللوح يكتب فعل السوء بالقلم
بها خلوت وعين الله ناظرة وأنت بالإثم منه غير مكتتم
فهل أمنت المولى من عقوبته يا من عصى الله بعد الشيب والهرم
واعلم إن من غلبه هواه افتضح، فما نال الكرامات من نالها إلا بغلبة الهوى.
كما روي أنه في بني إسرائيل رجل تزوج امرأة من بلد آخر، فأرسل بثقته إليها ليسوقها إليه، فراودته نفسه، وطالبته بها، فزجرها، واستعصم بالله، قال: فنبأه الله تعالى بترك هواه، وكان نبيا من بني إسرائيل.
وأنشدوا:
ص -121- توق نفسك لا تأمن غوائلها فالنفس أخبث من سبعين شيطانا
وحكى ابن عباس عن كعب الأحبار رضي الله عنهما أنه قال: كان في بني إسرائيل صدّيق منفرد للعبادة، فأقام في صومعته دهرا طويلا، وكان يأتيه ملك في كل غدوّة وعشيّة، فيقول له الملك: ألك حاجة؟ فيقول: الله أعلم بحاجتي.
وأنبت الله له فوق الصومعة كرمة، تحمل في كل يوم بالعنب، وكان إذا عطش مد يده، فينبع منها الماء، فيشرب منه.
فلما كان بعد مدة مرت به امرأة لها حسن وجمال، عند المغرب، فنادته: يا عبد الله. فقال لها: لبيك. فقالت له: أيراك ربك؟ قال لها: هو الله الواحد القهار، الحيّ القيّوم، العالم بما في الصدور وباعث من في القبور. قالت له: البلد مني بعيد. قال لها: اصعدي.
فلما صارت في صومعته، رمت بثيابها، وقامت عريانة، تجلو نفسها عليه، فغضّ بصره عنها. وقال لها: ويلك، استري نفسك. قالت له: ما يضرّك إذا تمتعت بي في هذه الليلة؟.
فقال لنفسه: يا نفس، وما تقولين؟ قالت: والله إني أتمتع بها.
قال لها: ويحك: أتريدين سرابيل القطران، مقطعات وتذهبين بعبادتي هذه المدة، وليس كل من زنى عفي عنه، وإن الزاني يكبّ على وجهه في النار، وهي نار لا تطفأ، وعذابها لا يفنى، وأخاف إن يغضب الله عليك، ولا يرضى أبدا عنك.
فراودته نفسه على ذلك، فقال: أعرض عليك نارا صغيرة، فإن صبرت عليها، متعتك بهذه الجارية الليلة.
قال: فملأ السراج دهنا، وأغلظ الفتيلة، والمرأة تسمع وتبصر، ثم ألقى يده إلى الفتيلة، وهي تتقد، فصاح بالفتيلة: ما لك؟ أحرقي، فأكلت إبهامه، ثم أكلت
وأنبت الله له فوق الصومعة كرمة، تحمل في كل يوم بالعنب، وكان إذا عطش مد يده، فينبع منها الماء، فيشرب منه.
فلما كان بعد مدة مرت به امرأة لها حسن وجمال، عند المغرب، فنادته: يا عبد الله. فقال لها: لبيك. فقالت له: أيراك ربك؟ قال لها: هو الله الواحد القهار، الحيّ القيّوم، العالم بما في الصدور وباعث من في القبور. قالت له: البلد مني بعيد. قال لها: اصعدي.
فلما صارت في صومعته، رمت بثيابها، وقامت عريانة، تجلو نفسها عليه، فغضّ بصره عنها. وقال لها: ويلك، استري نفسك. قالت له: ما يضرّك إذا تمتعت بي في هذه الليلة؟.
فقال لنفسه: يا نفس، وما تقولين؟ قالت: والله إني أتمتع بها.
قال لها: ويحك: أتريدين سرابيل القطران، مقطعات وتذهبين بعبادتي هذه المدة، وليس كل من زنى عفي عنه، وإن الزاني يكبّ على وجهه في النار، وهي نار لا تطفأ، وعذابها لا يفنى، وأخاف إن يغضب الله عليك، ولا يرضى أبدا عنك.
فراودته نفسه على ذلك، فقال: أعرض عليك نارا صغيرة، فإن صبرت عليها، متعتك بهذه الجارية الليلة.
قال: فملأ السراج دهنا، وأغلظ الفتيلة، والمرأة تسمع وتبصر، ثم ألقى يده إلى الفتيلة، وهي تتقد، فصاح بالفتيلة: ما لك؟ أحرقي، فأكلت إبهامه، ثم أكلت
ص -122- أصابعه، ثم أكلت يده، فصاحت الجارية صيحة عظيمة، فارقت الدنيا، فسترها بثوبها.
فلما أصبح صرخ إبليس لعنه الله: أيها الناس إن العابد قد زنى بفلانة بنت فلان، وقتلها.
فركب الملك في جنده وأهل مملكته، فلما انتهى إلى الصومعة، صاح، فأجابه العابد، فقال له: أين فلانة بنت فلان؟ قال له: عندي ها هنا. قال له: قل لها أن تنزل. قال له: إنها قد ماتت.
قال له الملك: ما رضيت بالزنى حتى قتلت النفس التي حرّم الله؟ فهدم الصومعة، وجعل في عنق العابد سلسلة، فجرّه بها، وحملت المرأة، وجيء بالعابد ملفوفة في كمه وهو لا يعلمهم بقصته.
فوضع المنشار على رأسه، وقيل لأصحاب العذاب: جرّوا، فجرّوا.
فلما بلغ المنشار إلى دماغه، تأوّه، فأوحى الله تعالى إلى جبريل عليه السلام: قل له: لا ينطق بشيء، وها أنا أنظر إليك، وقد أبكى حملة عرشي، وسكان سماواتي، فوعزتي وجلالي لئن تأوّه الثانية، لأهدمنّ السموات على الأرض، فما تأوه ولا تكلم حتى مات رحمه الله.
فلما مات، ردّ الله الروح على المرأة، وقالت: مات والله مظلوما، ما زنى وما أنا إلا بخاتمي بكر.
ثم قصت عليهم القصة، فأخرجوا يده، فإذا هي محروقة كما قالت الجارية. فقالوا: لو علمنا ما نشرناه، وخرّ العابد نصفين على الأرض، وعادت الجارية كما كانت، فحفروا لهما قبرا واحدا، فوجدوا في القبر مسكا وعنبرا وكافورا. ثم أتوا بهما ليصلوا عليهما، فناداهم مناد من السماء: اصبروا حتى تصلي عليهما
ص -123- الملائكة، ثم صلى عليهما الناس ودفنوهما، فأنبت الله على قبرهما الياسمين، ووجدوا على قبرهما رق مكتوب فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الله عز وجل إلى عبدي ووليي، إني نصبت المنبر تحت عرشي، وجمعت ملائكتي، وخطب جبريل عليه السلام، وأشهدت الملائكة أني زوّجتك خمسين ألف عروس من الفردوس، وهكذا أفعل بأهل طاعتي وأهل مراقبتي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس، فمن غضّ بصره، أذاقه الله تعالى عبادة يجد حلاوة تلك العبادة في قلبه"1.
وفي المناجاة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: يا موسى، حرمت على النار ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين بكت من خشيتي، ولكل شيء جزاء، إلا الدمعة، فلا جزاء لها إلا الرحمة والمغفرة ودخول الجنة. والله تعالى أعلم.
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم من حديث حذيفة بن اليمان.
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى