- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3902
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
السبيل إلى صلاح الدنيا والآخرة
الأربعاء 24 أغسطس 2011, 20:26
السبيل إلى صلاح الدنيا والآخرة
قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» النساء
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال كان رَسُولَ اللهِ يَقُولُ «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي» المجتمع
قال الإمام القرطبى رحمه الله هذا دعاء عظيم، جمع خير الدنيا والآخرة، والدين والدنيا، فحقٌّ على كل سامع له أن يحفظه، ويدعو به آناء الليل وآناء النهار، لعل الإنسان يوافق ساعة إجابة، فيحصل على خيري الدنيا والآخرة المفهم
وهذه الآية الكريمة يرشدنا الله تعالى فيها إلى وسائل تحقيق صلاح الدين والدنيا والآخرة، وما أحوجنا إليها فى هذا الزمان الذي فيه «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» الروم
وما أحوجنا إلى هذه الآية نتدبّرها ونفقهها ونعمل بها، عسى الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التى فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا
استفتحت الآية بنداء العباد بلقب الإيمان «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» تذكيراً لهم بما يقتضيه الإيمان من السمع والطاعة وفورية الاستجابة لما يأمر الله به أو ينهى عنه، كما قال تعالى «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب
وبعد النداء يأتى الأمر «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»، وقد تكرر هذا الأمر فى القرآن كثيراً، ومنه «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» النور ، «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» آل عمران ، ونحو ذلك كثير
وطاعة الله ورسوله من موجبات الفلاح، قال تعالى «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» النور
وطاعة الله ورسوله من موجبات الفوز، قال تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ» النور
وطاعة الله ورسوله من موجبات الرحمة، قال تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» آل عمران
وطاعة الله ورسوله من موجبات الدخول فى الصالحين، قال تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» النساء
وكما أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فقد حذّر من معصيته ومعصية رسوله، فقال تعالى «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب ، وقال تعالى «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» النساء
وأخبر سبحانه أن العصاة سيندمون أشد الندم فى وقت لا ينفعهم فيه الندم، فقال تعالى «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا» النساء ، وقال تعالى «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً» الفرقان
وقـال تعالى «يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ» الأحزاب
فعلينا أن نطيع الله ورسوله، فبهذه الطاعة يُصلِحُ اللهُ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ويصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، فلا فلاح ولا نجاح، ولا سعادة ولا فوز إلا بطاعة الله ورسوله،«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب ، «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» النساء فوطن نفسك أيها المؤمن على السمع والطاعة لله ورسوله، مهما كلفك ذلك، ومهما ظهر الأمر ثقيلاً، والتكليف شاقاً، فإن الخير كل الخير فى السمع والطاعة، قال تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا» النساء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ» البقرة الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ، فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والجهاد، والصيام والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» البقرة فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى فى إثرها «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» البقرة فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، وأنزل الله عز وجل «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» البقرة قال نعم «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا» البقرة قال نعم «رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» البقرة قال نعم «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» البقرة قال نعم» المجتمع و
ثم قال تعالى «وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ»، أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما لم يكرر فعل «أَطِيعُوا» مع أولي الأمر، وكرره مع الرسول ، لأن الرسول يجب أن يطاع مطلقاً، لأنه لا يأمر إلا بالخير، ولا ينهى إلا عن الشر، لا يأمر إلا بالمعروف، ولا ينهى إلا عن المنكر، وأما أولو الأمر فربما أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف، لذلك لم يكرر الفعل «أَطِيعُوا» مع أولي الأمر، ليعلم المؤمنون أن طاعة أولي الأمر داخلة فى طاعة الله ورسوله، فإذا أمروا بغير ذلك فلا سمع وطاعة
وأولو الأمر هم الأمراء بلا خلاف، وإنما الخلاف في العلماء هل يشملهم اللفظ أو لا ؟ والراجح أن لفظ «وَأُولِي الأَمْرِ» يشمل الأمراء والعلماء معاً، لأن الأمراء تولوا أمر الدنيا، والعلماء تولوا أمر الدين، وقد أمر الله تعالى بطاعة العلماء فى قوله «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» النحل ، فما أمر بسؤالهم إلا ليطاعوا فى جوابهم، وفي طاعة أولي الأمر صلاح الدنيا، ومن هنا كثرت الأحاديث في الأمر بطاعتهم والنهي عن معصيتهم والخروج عليهم، حتى يصلح الله لنا دنيانا التي فيها معاشنا
عن أنس بن مالك أن رسول الله قال «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة» خ
والمعنى اسمعوا وأطيعوا لمن ولي أمركم وإن لم يكن أهلاً للولاية، فإن من شروط الإمامة أن يكون الإمام حراً، لأن العبد مملوك، فلا يملك، وأن يكون قرشياً، لقوله «الأئمة من قريش» صحيح الإراء ك ومع ذلك ينصح النبى الأمة بالسمع والطاعة لمن غلبها على الإمامة وليس أهلاً لها، حقناً للدماء، وصيانة للأعراض، وحتى يستقر الأمر ويستتب الأمن
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «عليك السمع والطاعة فى عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» المجتمع ، ن
وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ» متفق عليه خ ، المجتمع ، ت بنحوه
وعن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله يقول «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ» والمراد بالصلاة هنا معناها اللغوي وهو الدعاء، أي تدعون لهم ويدعون لكم، «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» قال قلنا يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ أي أفلا نخرج عليهم ونقوم بثورة ضدهم قَالَ «لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ»، أى ما داموا يبنون المساجد ويعمرونها ويسمحون لكم بإقامة دينكم وإظهار شعائركم فلا تخرجوا عليهم، «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتى شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله ولا ينزعنّ يداً من طاعة» المجتمع
الله أكبر تأمل يا أخي هذا الكلام الذي يشع منه النور والهدى والرشاد واعلم أن المشاكل لا تأتي إلا من الجهل بالقرآن والسنة، ومخالفة علماء الأمة
إذا فعل الحاكم المعصية فما واجبنا؟ نكره ما يأتي من المعصية، ولا ننزعن يداً من طاعة فعصيانه أمر الله لا يبيح الخروج عليه، بل ولا مجرد معصيته هو فى الطاعة
بل إن النبي يدعو المسلمين إلى إجلال السلطان وإكرامه، ويَعُّد ذلك إجلالاً لله عز وجل، فيقول «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط» حسن ص د د
ويقول «من أجلَ سلطان الله أجلهَّ الله يوم القيامة» حسن س ص ابن أبي عاصم في السنة
يعني إن الذي يحترم السلطان ويقدّره، ويكرمه ويعزّره، يكرمه الله على رءوس الأشهاد يوم القيامة، وفى المقابل يقول «من أهان السلطان أهانه الله» العقيدة الطحاوية، تعليق الألباني ص و ، لأن في إهانة المسلمين سلطانهم فتح ثغرة للعدو يدخل لهم منها، ولا يزال ينفخ في الرماد حتى يؤجج نار الفتنة، فتقوم الثورات التي تثير القلاقل والفوضى، وتقضي على أمن وسلامة البلاد، فتزهق الأرواح، وتراق الدماء، وتسلب الأموال، وتنتهك الأعراض، وتغتصب الأراضي، وتضيع المقدسات، وتكون فتنة يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً
لذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية
وقد نص على ذلك كل من كتب في عقيدة السلف أصحاب الحديث
ومتى عرف المسلمون هذا وفقهوه أصلح الله لهم دنياهم التي فيها معاشهم
ولما كان الاختلاف لابد أن يقع بين الرعية والراعي، أو بين الرعية نفسها، أرشد الله تعالى إلى المبادرة بالقضاء على هذا الخلاف قبل أن يستفحل، فقال تعالى «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» أي إلى كتاب الله وسنة رسوله حتى تعرفوا الحق فيما اختلفتم فيه فتذعنوا له وتسلموا تسليماً، حتى تظلوا أمة واحدة كما أراد الله
ولكن ها هنا أمر لابد من التنبيه عليه وهو لو أن رجلين اختلفا فى أمر ما، ثم ردّاه إلى الكتاب والسنة فقد لا يتفقان إذا فسَّر كلٌّ منهما النصَّ وفْقَ فهمه هو، ومثالٌ على ذلك اختلف اثنان فى الحاكم بغير ما أنزل الله، فقال أحدهما هو كافر وذلك لصريح قوله تعالى «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» المائدة ، وقال الثانى ليس المراد بالكفر هنا الكفر المخرج من الملة، وإنما هو كفر عملي، أو كفر أصغر، مادام الحاكم المسلم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، فاختلفا، فلابد من مرجح يرجح أحد القولين، وهو فهم السلف لهذه الآية وغيرها من النصوص التي سمت بعض المعاصي كفرًا، فرأينا ابن عباس رضي الله عنهما، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، قال فيها كفر دون كفر، وتبعه على ذلك الإمام البخاري رحمه الله فترجم في كتاب الإيمان من صحيحه باب كفران العشير، وكفر دون كفر ، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يُكفَّر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك ، باب«وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» الحجرات ، فسماهم المؤمنين ، باب ظلم دون ظلم فدل فهم السلف على تعين المراد من ظاهر هذه النصوص وهكذا
فإذا اختلف اثنان فلابد من أن يكون هناك ضابط يحسم هذا الخلاف، وهذا الضابط هو فهم السلف الصالح، لذلك لابد أن نقول الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ففهم الصحابة هو الحجة لأن القرآن نزل بلغتهم، وقد تلقوا الوحي عن رسول الله غضًا طريًا، وما أشكل عليهم سألوا عنه رسول الله ، فلا يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم في فهمهم، ومن فعل فقد ضل سواء السبيل، كما قال رب العالمين سبحانه «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» النساء ، ومن تمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فقد هدي إلى صراط مستقيم، ولذلك قال تعالى «فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» النساء ، ذلك أن الردَّ إلى الله ورسوله الذي يقضي على الخلاف والنزاع خير لكم من الاستمرار في الخلاف والنزاع الذي يوهن قوتكم ويفرق جمعكم، فيتسلط به عليكم عدُّوكم، كما قال الله تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» الأنفال
وهكذا جمعت هذه الآية الواحدة خيري الدنيا والآخرة، فمن تحقق بها أصلح الله له دينه الذى هو عصمة أمره، ودنياه التي فيها معاشه، وآخرته التي إليها معاده، قال الله تعالى «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» آل عمران ، وقال الرسول الكريم «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» صحيح ص ج ، ك
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» النساء
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال كان رَسُولَ اللهِ يَقُولُ «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي» المجتمع
قال الإمام القرطبى رحمه الله هذا دعاء عظيم، جمع خير الدنيا والآخرة، والدين والدنيا، فحقٌّ على كل سامع له أن يحفظه، ويدعو به آناء الليل وآناء النهار، لعل الإنسان يوافق ساعة إجابة، فيحصل على خيري الدنيا والآخرة المفهم
وهذه الآية الكريمة يرشدنا الله تعالى فيها إلى وسائل تحقيق صلاح الدين والدنيا والآخرة، وما أحوجنا إليها فى هذا الزمان الذي فيه «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» الروم
وما أحوجنا إلى هذه الآية نتدبّرها ونفقهها ونعمل بها، عسى الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التى فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا
استفتحت الآية بنداء العباد بلقب الإيمان «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» تذكيراً لهم بما يقتضيه الإيمان من السمع والطاعة وفورية الاستجابة لما يأمر الله به أو ينهى عنه، كما قال تعالى «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب
وبعد النداء يأتى الأمر «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»، وقد تكرر هذا الأمر فى القرآن كثيراً، ومنه «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» النور ، «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» آل عمران ، ونحو ذلك كثير
وطاعة الله ورسوله من موجبات الفلاح، قال تعالى «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» النور
وطاعة الله ورسوله من موجبات الفوز، قال تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ» النور
وطاعة الله ورسوله من موجبات الرحمة، قال تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» آل عمران
وطاعة الله ورسوله من موجبات الدخول فى الصالحين، قال تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» النساء
وكما أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فقد حذّر من معصيته ومعصية رسوله، فقال تعالى «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب ، وقال تعالى «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» النساء
وأخبر سبحانه أن العصاة سيندمون أشد الندم فى وقت لا ينفعهم فيه الندم، فقال تعالى «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا» النساء ، وقال تعالى «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً» الفرقان
وقـال تعالى «يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ» الأحزاب
فعلينا أن نطيع الله ورسوله، فبهذه الطاعة يُصلِحُ اللهُ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ويصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، فلا فلاح ولا نجاح، ولا سعادة ولا فوز إلا بطاعة الله ورسوله،«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا» الأحزاب ، «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» النساء فوطن نفسك أيها المؤمن على السمع والطاعة لله ورسوله، مهما كلفك ذلك، ومهما ظهر الأمر ثقيلاً، والتكليف شاقاً، فإن الخير كل الخير فى السمع والطاعة، قال تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا» النساء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ» البقرة الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ، فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والجهاد، والصيام والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» البقرة فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى فى إثرها «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» البقرة فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، وأنزل الله عز وجل «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» البقرة قال نعم «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا» البقرة قال نعم «رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» البقرة قال نعم «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» البقرة قال نعم» المجتمع و
ثم قال تعالى «وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ»، أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما لم يكرر فعل «أَطِيعُوا» مع أولي الأمر، وكرره مع الرسول ، لأن الرسول يجب أن يطاع مطلقاً، لأنه لا يأمر إلا بالخير، ولا ينهى إلا عن الشر، لا يأمر إلا بالمعروف، ولا ينهى إلا عن المنكر، وأما أولو الأمر فربما أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف، لذلك لم يكرر الفعل «أَطِيعُوا» مع أولي الأمر، ليعلم المؤمنون أن طاعة أولي الأمر داخلة فى طاعة الله ورسوله، فإذا أمروا بغير ذلك فلا سمع وطاعة
وأولو الأمر هم الأمراء بلا خلاف، وإنما الخلاف في العلماء هل يشملهم اللفظ أو لا ؟ والراجح أن لفظ «وَأُولِي الأَمْرِ» يشمل الأمراء والعلماء معاً، لأن الأمراء تولوا أمر الدنيا، والعلماء تولوا أمر الدين، وقد أمر الله تعالى بطاعة العلماء فى قوله «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» النحل ، فما أمر بسؤالهم إلا ليطاعوا فى جوابهم، وفي طاعة أولي الأمر صلاح الدنيا، ومن هنا كثرت الأحاديث في الأمر بطاعتهم والنهي عن معصيتهم والخروج عليهم، حتى يصلح الله لنا دنيانا التي فيها معاشنا
عن أنس بن مالك أن رسول الله قال «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة» خ
والمعنى اسمعوا وأطيعوا لمن ولي أمركم وإن لم يكن أهلاً للولاية، فإن من شروط الإمامة أن يكون الإمام حراً، لأن العبد مملوك، فلا يملك، وأن يكون قرشياً، لقوله «الأئمة من قريش» صحيح الإراء ك ومع ذلك ينصح النبى الأمة بالسمع والطاعة لمن غلبها على الإمامة وليس أهلاً لها، حقناً للدماء، وصيانة للأعراض، وحتى يستقر الأمر ويستتب الأمن
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «عليك السمع والطاعة فى عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» المجتمع ، ن
وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ» متفق عليه خ ، المجتمع ، ت بنحوه
وعن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله يقول «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ» والمراد بالصلاة هنا معناها اللغوي وهو الدعاء، أي تدعون لهم ويدعون لكم، «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» قال قلنا يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ أي أفلا نخرج عليهم ونقوم بثورة ضدهم قَالَ «لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ»، أى ما داموا يبنون المساجد ويعمرونها ويسمحون لكم بإقامة دينكم وإظهار شعائركم فلا تخرجوا عليهم، «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتى شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله ولا ينزعنّ يداً من طاعة» المجتمع
الله أكبر تأمل يا أخي هذا الكلام الذي يشع منه النور والهدى والرشاد واعلم أن المشاكل لا تأتي إلا من الجهل بالقرآن والسنة، ومخالفة علماء الأمة
إذا فعل الحاكم المعصية فما واجبنا؟ نكره ما يأتي من المعصية، ولا ننزعن يداً من طاعة فعصيانه أمر الله لا يبيح الخروج عليه، بل ولا مجرد معصيته هو فى الطاعة
بل إن النبي يدعو المسلمين إلى إجلال السلطان وإكرامه، ويَعُّد ذلك إجلالاً لله عز وجل، فيقول «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط» حسن ص د د
ويقول «من أجلَ سلطان الله أجلهَّ الله يوم القيامة» حسن س ص ابن أبي عاصم في السنة
يعني إن الذي يحترم السلطان ويقدّره، ويكرمه ويعزّره، يكرمه الله على رءوس الأشهاد يوم القيامة، وفى المقابل يقول «من أهان السلطان أهانه الله» العقيدة الطحاوية، تعليق الألباني ص و ، لأن في إهانة المسلمين سلطانهم فتح ثغرة للعدو يدخل لهم منها، ولا يزال ينفخ في الرماد حتى يؤجج نار الفتنة، فتقوم الثورات التي تثير القلاقل والفوضى، وتقضي على أمن وسلامة البلاد، فتزهق الأرواح، وتراق الدماء، وتسلب الأموال، وتنتهك الأعراض، وتغتصب الأراضي، وتضيع المقدسات، وتكون فتنة يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً
لذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية
وقد نص على ذلك كل من كتب في عقيدة السلف أصحاب الحديث
ومتى عرف المسلمون هذا وفقهوه أصلح الله لهم دنياهم التي فيها معاشهم
ولما كان الاختلاف لابد أن يقع بين الرعية والراعي، أو بين الرعية نفسها، أرشد الله تعالى إلى المبادرة بالقضاء على هذا الخلاف قبل أن يستفحل، فقال تعالى «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» أي إلى كتاب الله وسنة رسوله حتى تعرفوا الحق فيما اختلفتم فيه فتذعنوا له وتسلموا تسليماً، حتى تظلوا أمة واحدة كما أراد الله
ولكن ها هنا أمر لابد من التنبيه عليه وهو لو أن رجلين اختلفا فى أمر ما، ثم ردّاه إلى الكتاب والسنة فقد لا يتفقان إذا فسَّر كلٌّ منهما النصَّ وفْقَ فهمه هو، ومثالٌ على ذلك اختلف اثنان فى الحاكم بغير ما أنزل الله، فقال أحدهما هو كافر وذلك لصريح قوله تعالى «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» المائدة ، وقال الثانى ليس المراد بالكفر هنا الكفر المخرج من الملة، وإنما هو كفر عملي، أو كفر أصغر، مادام الحاكم المسلم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، فاختلفا، فلابد من مرجح يرجح أحد القولين، وهو فهم السلف لهذه الآية وغيرها من النصوص التي سمت بعض المعاصي كفرًا، فرأينا ابن عباس رضي الله عنهما، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، قال فيها كفر دون كفر، وتبعه على ذلك الإمام البخاري رحمه الله فترجم في كتاب الإيمان من صحيحه باب كفران العشير، وكفر دون كفر ، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يُكفَّر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك ، باب«وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» الحجرات ، فسماهم المؤمنين ، باب ظلم دون ظلم فدل فهم السلف على تعين المراد من ظاهر هذه النصوص وهكذا
فإذا اختلف اثنان فلابد من أن يكون هناك ضابط يحسم هذا الخلاف، وهذا الضابط هو فهم السلف الصالح، لذلك لابد أن نقول الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ففهم الصحابة هو الحجة لأن القرآن نزل بلغتهم، وقد تلقوا الوحي عن رسول الله غضًا طريًا، وما أشكل عليهم سألوا عنه رسول الله ، فلا يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم في فهمهم، ومن فعل فقد ضل سواء السبيل، كما قال رب العالمين سبحانه «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» النساء ، ومن تمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فقد هدي إلى صراط مستقيم، ولذلك قال تعالى «فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» النساء ، ذلك أن الردَّ إلى الله ورسوله الذي يقضي على الخلاف والنزاع خير لكم من الاستمرار في الخلاف والنزاع الذي يوهن قوتكم ويفرق جمعكم، فيتسلط به عليكم عدُّوكم، كما قال الله تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» الأنفال
وهكذا جمعت هذه الآية الواحدة خيري الدنيا والآخرة، فمن تحقق بها أصلح الله له دينه الذى هو عصمة أمره، ودنياه التي فيها معاشه، وآخرته التي إليها معاده، قال الله تعالى «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» آل عمران ، وقال الرسول الكريم «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» صحيح ص ج ، ك
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى