- أم زينبالمديرة العامة
- عدد المساهمات : 15740
نقاط : 135554
تاريخ التسجيل : 08/01/2011
فضيلة الإمام الشيخ محمد مأمون الشناوي
الخميس 09 أكتوبر 2014, 13:01
فضيلة الإمام الشيخ محمد مأمون الشناوي
[rtl]الشيخ الثاني والثلاثون من مشايخ الأزهر الشريف[/rtl]
[rtl]نسبه وبيئته ومولده ونشأته وتوليته المشيخة[/rtl]
[rtl]هو الشيخ محمد مأمون السيد أحمد الشناوي، اختلفت الروايات في تاريخ مولده فقيل في 1880م وقيل 1885م، والصحيح أنه ولد في 10 أغسطس 1878م في بلدة (الزرقا) مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، والمطالع للتاريخ يجد أن بلدة (الزرقا) كانت على حدود محافظة دمياط، وأن مدينة دمياط والقرى التي تدور في فلكها موغلة في أعماق الزمن، فكم دارت على أرضها من معارك مع الاستعمار رفعت رأس مصر، ولقنت الأعداء دروسًا في حماية الأرض وصيانة العرض، لا تزال تروي حكاياتها حتى اليوم. وكان منها العلماء والأدباء وأصحاب القلم واللسان، والذين يرفعون كتاب الله بيد ويبنون صرح الحضارة باليد الأخرى، في هذه البيئة الخصبة بالعلم والشموخ ولد محمد الشناوي، وتحت ظلالها الوارفة عاش طفولته وصباه، فحفظ القرآن الكريم في قريته وأتم حفظه وهو في الثانية عشرة من عمره، واتجه إلى القاهرة حيث التحق بالأزهر، وعاش تحت رعاية أخيه الأكبر الشيخ سيد الشناوي الذي سبقه للدراسة بسنوات، وفي مستهل حياته الدراسية ضاق بأسلوب التعليم بالأزهر، وبما أثقله من المتون والشروح والحواشي والتقريرات، وكاد ينقطع عن الدراسة ويترك التعليم، ويعود لقريته ليعيش فلاحا، لولا أنَّ أخاه شجَّعه على مواصلة الدراسة، ولولا أنه كان ذا صلاح وتقى مع ذكاءٍ حادٍّ، وأن والده أيضا من الصالحين، حيث رأى رؤيا تدل على أنه سيكون له ولدان عالمان واستبشر بهذه الرؤيا فعاد الطالب للدراسة بالأزهر، وواصل دراسته بجدٍ واجتهادٍ ومثابرةٍ فأحبه شيوخه، وأثنوا عليه، وعلى تقواه وصلاحه، واتصل بالإمام محمد عبده فرأى فيه من النجابة والذكاء ما جعله موضع إعجابه واهتمامه، فشجعه ورعاه، كما كان موضع إعجاب الشيخ أبي الفضل الجيزاوي، وتقدَّم الطالب الشاب الشناوي إلى امتحان الشهادة العالمية، وكانت الوشايات قد سبقته إلى أساتذته في لجنة الامتحان تتهمه بأنه شاعر!، وهي تهمه شنيعة في ذاك الوقت في نظر العلماء المتشددين، كما اتهموه بأنه ينقد شيوخه وأساتذته ويتناولهم بالسخرية والتشهير، فلما جلس أمام لجنة الامتحان لنيل شهادة العالمية (الدكتوراة) أخذ أعضاؤها يتحدونه بالأسئلة الصعبة ويجيب عليها بكل شجاعة واطمئنان، وطالت المناقشة إلى أكثر من نصف اليوم، وكان رئيس اللجنة الإمام أبو الفضل الجيزاوي لا يعلم شيئًا عن تلك الوشايات فرأى في الطالب شابا ذكيا واسع العلم جديرا بلقب "عالم" فدافع عنه، وأخذ بيده حتى أدى الامتحان كاملا مكللا بالنجاح، ونال شهادة العالمية سنة 1906م، علما بأنه كان يعاني أثناء الامتحان من الحمى والإعياء الشديد، ولم تتردد اللجنة في منحه (العالمية) من الدرجة الأولى، وهي درجة لا يحصل عليها إلا الندرة من الشيوخ.[/rtl]
[rtl]المناصب التي وليها[/rtl]
[rtl]وقد فتحت الشهادة أمامه أبواب المستقبل على مصراعيها وتوالت عليه الوظائف المرموقة، وذلك قبل توليته مشيخة الأزهر، فبعد تخرجه مباشرة عين مدرسًا بمعهد الإسكندرية الديني وفي سنة 1917م اختير قاضيًا شرعيًا.
ولشهرته بالتقوى والصلاح، والعلم الغزير والخلق الحميد، وتحري العدالة وسعة الأفق، تم اختياره إماما "للسراى الملكية" وذلك بعد تحري وتدقيق كبير، ويلاحظ أن من يتولى هذه المناصب لابد أن يكون موضع ثقة وتقدير واحترام، إلى جانب العلم الغزير والشخصية القوية وحسن المظهر.
وفي عام 1930م صدر قانون تنظيم الأزهر والمعاهد الدينية في عهد الإمام (الظواهري)، وأنشئت الكليات الأزهرية، وروعي في اختيار شيوخها –عمدائها- العلم والثقافة الواسعة، والخلق والسمعة الطيبة والشخصية القوية، وهي صفات تجتمع في شيخنا محمد الشناوي، ولهذا اختير عميدًا لكلية الشريعة، وقادها وأسسها بحكمة واقتدار، وفي سنة 1934م نال عضوية جماعة كبار العلماء، وفي سنة 1944م عُيَّنَ وكيلا للأزهر، كما تولى منصب رئاسة لجنة الفتوى.[/rtl]
[rtl]توليه المشيخة[/rtl]
[rtl]لمَّا توفي الإمام مصطفى عبد الرازق فكر المسئولون فيمن يخلفه فرشحوا الشيخ الشناوي، وصدر القرار بتعيينه شيخًا للأزهر في مساء يوم الأحد الموافق الثاني من ربيع الأول سنة 1367هـ - 18 يناير 1948م، ولما علم رجال الأزهر وعلماؤه بهذا النبأ العظيم، قامت الاحتفالات واستقبلوه استقبالا حافلا رائعا؛ لما يعلمون عنه من الرغبة الشديدة في الإصلاح بجانب صلاحه وتقواه، واعتزازه بشخصيته، وتمسكه بالحق إلى حد التضحية بمصالحه الخاصة في سبيل ما يعتقده حقًّا واجب الأداء.[/rtl]
[rtl]جهوده المباركة[/rtl]
[rtl]ولقد نشط الإمام نشاطًا كبيرًا ظهرت آثاره في ارتفاع ميزانية الأزهر في عهده إلى أكثر من مليون جنيه، واستطاع بحكمته ولباقته أن يقضي على ما ظهر في الأزهر من عصبيات، وميولٍ حزبيةٍ عنيفةٍ فأحسَّ الجميع تحت قيادته الرشيدة أنهم جميعًا أبناء جامعة واحدة، وأنهم تربطهم صلاتٌ أقوى من صلات الدم، فأصبحوا كالجسد الواحد تحت راية (العلم رحمٌ بين أهله)، ثم عمل على تقوية ما بين الأزهر والعالم الإسلامي من صلاتٍ علميةٍ وروحيةٍ وثيقةٍ، فأوفد البعوث العلمية المختلفة إلى ربوع العالم الإسلامي، تنشر تعاليم الإسلام، وتبث علومه وحضارته، وتدعو إلى الله على بصيرة، وتقرب ما بين الطوائف الإسلامية، وتمحو أسباب الفرقة والخلاف، وقد حاول إعادة الأزهر إلى سالف عصره وأيامه التليدة، أيام علمائه الكبار أمثال الشيوخ العيني والعسقلاني والسخاوي والمقريزي وابن خلدون وغيرهم، ممن كانت تُشَدُّ إليهم الرحال، ويتوافد على حلقاتهم العلمية العلماء والطلاب.
ولقد قام فضيلة الشيخ الشناوي بإرسال بعثةٍ من نوابغ العلماء إلى إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية، وذلك تمهيدًا لإرسالهم وفودًا للبلاد الإسلامية العديدة التي لا تجيد التخاطب باللغة العربية، ولقد اعتنى بربط الأزهر بالمعاهد الإسلامية في الخارج، خاصة في دول باكستان والهند والملايو وإندونيسيا وإفريقيا الجنوبية وغيرها. وفتح أبواب الأزهر أمام الوافدين من الطلاب المسلمين حتى بلغت البعوث في عهده ما يزيد على ألفي طالبٍ أعدَّ لهم أماكن الدراسة ومساكن الإقامة، وعمل على زيادة المعاهد الدينية بداخل مصر فحرص على ألا تخلو محافظة من معهدٍ دينيٍّ كبيرٍ، كما تم في عهده إنشاء خمسة معاهد نظامية كبيرة هي: معاهد المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف وجرجا، كما عنى بكليات الأزهر كذلك. وكان هدفه من هذا كله نشر رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ودعوة العالم كله إلى الدخول في الإسلام والانقياد لتعاليمه ومبادئه السامية.[/rtl]
[rtl]آثاره العلمية وتأثيره[/rtl]
[rtl]ومهما تحدثنا عن فضائل الإمام الشيخ محمد الشناوي فلن نوفيه حقه، ونذكر أنه كانت له مواقف دينية ووطنية تدل على أنه قد وقف قلمه ولسانه على نصرة دينه ووطنه، ومنها موقفه في ثورة 1919م عندما ثار المصريون ضد الاحتلال الانجليزي مطالبين بجلائه عن أرض مصر فشارك في الكفاح، وكان مضرب المثل في الصلابة والجرأة، متأثرًا في ذلك بشيوخه وأساتذته الذين درس وتلقى العلم على أيديهم، أمثال الإمام أبو الفضل الجيزاوي والإمام محمد عبده الذي سار على نهجه في الإصلاح، أما تلاميذه فهم كثيرون جدًا على امتداد حياته منذ أن كان مدرسا ثم شغله وظائف كثيرة ومتنوعة، وتقلد مناصب مختلفة، وكان له في كل واحدة مريدون ينهجون نهجه، ويتبعون مسلكه، وينسجون على منواله، ولهذا كان تراثه العلمي ومصنفاته قليلة جدَّا لم يتعرض لها المؤرخون بالذكر، وكان فضيلة الإمام الشناوي كريم الخلق، يتمتع بالجلال والهيبة، وكان ذا شخصية قوية مع تقوى وورع فيمسك بالحق، ويضحي في سبيله بكل ما يملك، محبوبًا من الجميع، فكلهم يجلونه ويحترمونه، وكان -إلى جانب هذا كله- عالمًا كبيرًا واسع الثقافة غزير العلم، بمثابة مرجعٍ كبيرٍ يرجع إليه الجميع فيما أُشكِلَ عليهم من دقائق العلوم.
ولا يَخفَى على أحد موهبته الشعرية والأدبية الأصيلة، يتذوق الشعر وينظمه، ويقدر الشعراء، وقد ترك وراءه مكتبته الكبيرة بـ (الحلمية) فيها مجموعة من الدواوين لشعراء كبار وكتب الأدب، إلى جانب المصادر الأصيلة في التفسير والحديث والفقه وأصوله والتاريخ الإسلامي والبلاغة والفلسفة والتوحيد إلخ، يحب من الشعراء المتنبي وشوقي، فيه نزعةٌ صوفيةٌ عاليةٌ، لسانه دائما رطبا بذكر الله، واعتاد منذ شبابه المداومة على تلاوة القرآن وبعض الأدعية قبل كل صلاة وبعدها، وهو في الطريق بين البيت والعمل، وقد سجل كل ذلك في مذكراته.[/rtl]
[rtl]مؤلفاته ومصنفاته[/rtl]
[rtl]والظاهر أن الإمام الشيخ الشناوي كان من الذين يبنون الرجال، ويدعون علمهم صدور تلاميذهم، ويتركون لهم مهمة إذاعته وتدوينه، شأنه في هذا شأن الإمام أبي حنيفة، فإنه لم يترك في الفقه كتبا مكتوبة، وإنما ترك لتلاميذه هذه المهمة فأدُّوها على أحسن وجهٍ وأكملِ صورة.
ولاشك أن الأحداث الجسام ومهام المناصب التى تقلدها شغلته عن التأليف وإن كانت له العديد من المقالات والخطب والمحاضرات والتي جمعها تلميذه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي في كتابه (الإسلام ومبادئه الخالدة) ثم إنه كان إماما بـ(السراى الملكي)، ولاشك أيضا في أنه ألَّف كتابًا نال به عضوية "جماعة كبار العلماء"، لأن العضوية لا تنال إلا بمؤلَّفٍ قيِّمٍ يراه الأعضاء جديرًا بضمِّ صاحبه إلى جماعة كبار العلماء، وله مقالٌ نُشِرَ تحت عنوان (المصلح الأعظم).[/rtl]
[rtl]وفاته[/rtl]
[rtl]ظلَّ الإمام الجليل محمد مأمون الشناوي يواصل عمله، ويهب وقته كله حتى دهمه المرض الذي ألزمه الفراش، ولكن روحه المعنوية وإيمانه القوي وثقته بالله حفزته على مقاومة العلة وعاونه الأطباء في العلاج حتى برئ، ولكن قضاء الله نافذٌ، لا رادَّ لحكمه، فقد أصيب بعدها بنوبةٍ قلبيةٍ حادةٍ، تمكَّنَ الأطباء من مقاومتها، إلا أنه أصيب بعدها بالتهاب رئوي استعصى على الأطباء، فلقي ربه في الساعة العاشرة من صباح يوم 21 من ذي القعدة سنة 1369 هـ - 4 سبتمبر 1950م، وشيعت جنازته في اليوم التالي، بعد الصلاة عليه في الجامع الأزهر، في موكبٍ مهيبٍ حافلٍ يليق بمكانته في النفوس، ومحبته في القلوب.
وقد عرف الأزهر لهذا الإمام الجليل مواقفه الخالدة الدينية والوطنية وجهوده التي لا تجحد في سبيل رفعة الأزهر وعلمائه الكرم فمنحه أوسمة في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
إن أعماله الجليلة التي أداها للأزهر، وجهوده نحو خدمة دينه ووطنه، لا يوفيها الثناء وإن طال، ولا يكافئها الشكر، فالله وحده هو المجازي والمكافئ فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، مع من أحب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. [/rtl]
[rtl]الشيخ الثاني والثلاثون من مشايخ الأزهر الشريف[/rtl]
[rtl]نسبه وبيئته ومولده ونشأته وتوليته المشيخة[/rtl]
[rtl]هو الشيخ محمد مأمون السيد أحمد الشناوي، اختلفت الروايات في تاريخ مولده فقيل في 1880م وقيل 1885م، والصحيح أنه ولد في 10 أغسطس 1878م في بلدة (الزرقا) مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، والمطالع للتاريخ يجد أن بلدة (الزرقا) كانت على حدود محافظة دمياط، وأن مدينة دمياط والقرى التي تدور في فلكها موغلة في أعماق الزمن، فكم دارت على أرضها من معارك مع الاستعمار رفعت رأس مصر، ولقنت الأعداء دروسًا في حماية الأرض وصيانة العرض، لا تزال تروي حكاياتها حتى اليوم. وكان منها العلماء والأدباء وأصحاب القلم واللسان، والذين يرفعون كتاب الله بيد ويبنون صرح الحضارة باليد الأخرى، في هذه البيئة الخصبة بالعلم والشموخ ولد محمد الشناوي، وتحت ظلالها الوارفة عاش طفولته وصباه، فحفظ القرآن الكريم في قريته وأتم حفظه وهو في الثانية عشرة من عمره، واتجه إلى القاهرة حيث التحق بالأزهر، وعاش تحت رعاية أخيه الأكبر الشيخ سيد الشناوي الذي سبقه للدراسة بسنوات، وفي مستهل حياته الدراسية ضاق بأسلوب التعليم بالأزهر، وبما أثقله من المتون والشروح والحواشي والتقريرات، وكاد ينقطع عن الدراسة ويترك التعليم، ويعود لقريته ليعيش فلاحا، لولا أنَّ أخاه شجَّعه على مواصلة الدراسة، ولولا أنه كان ذا صلاح وتقى مع ذكاءٍ حادٍّ، وأن والده أيضا من الصالحين، حيث رأى رؤيا تدل على أنه سيكون له ولدان عالمان واستبشر بهذه الرؤيا فعاد الطالب للدراسة بالأزهر، وواصل دراسته بجدٍ واجتهادٍ ومثابرةٍ فأحبه شيوخه، وأثنوا عليه، وعلى تقواه وصلاحه، واتصل بالإمام محمد عبده فرأى فيه من النجابة والذكاء ما جعله موضع إعجابه واهتمامه، فشجعه ورعاه، كما كان موضع إعجاب الشيخ أبي الفضل الجيزاوي، وتقدَّم الطالب الشاب الشناوي إلى امتحان الشهادة العالمية، وكانت الوشايات قد سبقته إلى أساتذته في لجنة الامتحان تتهمه بأنه شاعر!، وهي تهمه شنيعة في ذاك الوقت في نظر العلماء المتشددين، كما اتهموه بأنه ينقد شيوخه وأساتذته ويتناولهم بالسخرية والتشهير، فلما جلس أمام لجنة الامتحان لنيل شهادة العالمية (الدكتوراة) أخذ أعضاؤها يتحدونه بالأسئلة الصعبة ويجيب عليها بكل شجاعة واطمئنان، وطالت المناقشة إلى أكثر من نصف اليوم، وكان رئيس اللجنة الإمام أبو الفضل الجيزاوي لا يعلم شيئًا عن تلك الوشايات فرأى في الطالب شابا ذكيا واسع العلم جديرا بلقب "عالم" فدافع عنه، وأخذ بيده حتى أدى الامتحان كاملا مكللا بالنجاح، ونال شهادة العالمية سنة 1906م، علما بأنه كان يعاني أثناء الامتحان من الحمى والإعياء الشديد، ولم تتردد اللجنة في منحه (العالمية) من الدرجة الأولى، وهي درجة لا يحصل عليها إلا الندرة من الشيوخ.[/rtl]
[rtl]المناصب التي وليها[/rtl]
[rtl]وقد فتحت الشهادة أمامه أبواب المستقبل على مصراعيها وتوالت عليه الوظائف المرموقة، وذلك قبل توليته مشيخة الأزهر، فبعد تخرجه مباشرة عين مدرسًا بمعهد الإسكندرية الديني وفي سنة 1917م اختير قاضيًا شرعيًا.
ولشهرته بالتقوى والصلاح، والعلم الغزير والخلق الحميد، وتحري العدالة وسعة الأفق، تم اختياره إماما "للسراى الملكية" وذلك بعد تحري وتدقيق كبير، ويلاحظ أن من يتولى هذه المناصب لابد أن يكون موضع ثقة وتقدير واحترام، إلى جانب العلم الغزير والشخصية القوية وحسن المظهر.
وفي عام 1930م صدر قانون تنظيم الأزهر والمعاهد الدينية في عهد الإمام (الظواهري)، وأنشئت الكليات الأزهرية، وروعي في اختيار شيوخها –عمدائها- العلم والثقافة الواسعة، والخلق والسمعة الطيبة والشخصية القوية، وهي صفات تجتمع في شيخنا محمد الشناوي، ولهذا اختير عميدًا لكلية الشريعة، وقادها وأسسها بحكمة واقتدار، وفي سنة 1934م نال عضوية جماعة كبار العلماء، وفي سنة 1944م عُيَّنَ وكيلا للأزهر، كما تولى منصب رئاسة لجنة الفتوى.[/rtl]
[rtl]توليه المشيخة[/rtl]
[rtl]لمَّا توفي الإمام مصطفى عبد الرازق فكر المسئولون فيمن يخلفه فرشحوا الشيخ الشناوي، وصدر القرار بتعيينه شيخًا للأزهر في مساء يوم الأحد الموافق الثاني من ربيع الأول سنة 1367هـ - 18 يناير 1948م، ولما علم رجال الأزهر وعلماؤه بهذا النبأ العظيم، قامت الاحتفالات واستقبلوه استقبالا حافلا رائعا؛ لما يعلمون عنه من الرغبة الشديدة في الإصلاح بجانب صلاحه وتقواه، واعتزازه بشخصيته، وتمسكه بالحق إلى حد التضحية بمصالحه الخاصة في سبيل ما يعتقده حقًّا واجب الأداء.[/rtl]
[rtl]جهوده المباركة[/rtl]
[rtl]ولقد نشط الإمام نشاطًا كبيرًا ظهرت آثاره في ارتفاع ميزانية الأزهر في عهده إلى أكثر من مليون جنيه، واستطاع بحكمته ولباقته أن يقضي على ما ظهر في الأزهر من عصبيات، وميولٍ حزبيةٍ عنيفةٍ فأحسَّ الجميع تحت قيادته الرشيدة أنهم جميعًا أبناء جامعة واحدة، وأنهم تربطهم صلاتٌ أقوى من صلات الدم، فأصبحوا كالجسد الواحد تحت راية (العلم رحمٌ بين أهله)، ثم عمل على تقوية ما بين الأزهر والعالم الإسلامي من صلاتٍ علميةٍ وروحيةٍ وثيقةٍ، فأوفد البعوث العلمية المختلفة إلى ربوع العالم الإسلامي، تنشر تعاليم الإسلام، وتبث علومه وحضارته، وتدعو إلى الله على بصيرة، وتقرب ما بين الطوائف الإسلامية، وتمحو أسباب الفرقة والخلاف، وقد حاول إعادة الأزهر إلى سالف عصره وأيامه التليدة، أيام علمائه الكبار أمثال الشيوخ العيني والعسقلاني والسخاوي والمقريزي وابن خلدون وغيرهم، ممن كانت تُشَدُّ إليهم الرحال، ويتوافد على حلقاتهم العلمية العلماء والطلاب.
ولقد قام فضيلة الشيخ الشناوي بإرسال بعثةٍ من نوابغ العلماء إلى إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية، وذلك تمهيدًا لإرسالهم وفودًا للبلاد الإسلامية العديدة التي لا تجيد التخاطب باللغة العربية، ولقد اعتنى بربط الأزهر بالمعاهد الإسلامية في الخارج، خاصة في دول باكستان والهند والملايو وإندونيسيا وإفريقيا الجنوبية وغيرها. وفتح أبواب الأزهر أمام الوافدين من الطلاب المسلمين حتى بلغت البعوث في عهده ما يزيد على ألفي طالبٍ أعدَّ لهم أماكن الدراسة ومساكن الإقامة، وعمل على زيادة المعاهد الدينية بداخل مصر فحرص على ألا تخلو محافظة من معهدٍ دينيٍّ كبيرٍ، كما تم في عهده إنشاء خمسة معاهد نظامية كبيرة هي: معاهد المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف وجرجا، كما عنى بكليات الأزهر كذلك. وكان هدفه من هذا كله نشر رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ودعوة العالم كله إلى الدخول في الإسلام والانقياد لتعاليمه ومبادئه السامية.[/rtl]
[rtl]آثاره العلمية وتأثيره[/rtl]
[rtl]ومهما تحدثنا عن فضائل الإمام الشيخ محمد الشناوي فلن نوفيه حقه، ونذكر أنه كانت له مواقف دينية ووطنية تدل على أنه قد وقف قلمه ولسانه على نصرة دينه ووطنه، ومنها موقفه في ثورة 1919م عندما ثار المصريون ضد الاحتلال الانجليزي مطالبين بجلائه عن أرض مصر فشارك في الكفاح، وكان مضرب المثل في الصلابة والجرأة، متأثرًا في ذلك بشيوخه وأساتذته الذين درس وتلقى العلم على أيديهم، أمثال الإمام أبو الفضل الجيزاوي والإمام محمد عبده الذي سار على نهجه في الإصلاح، أما تلاميذه فهم كثيرون جدًا على امتداد حياته منذ أن كان مدرسا ثم شغله وظائف كثيرة ومتنوعة، وتقلد مناصب مختلفة، وكان له في كل واحدة مريدون ينهجون نهجه، ويتبعون مسلكه، وينسجون على منواله، ولهذا كان تراثه العلمي ومصنفاته قليلة جدَّا لم يتعرض لها المؤرخون بالذكر، وكان فضيلة الإمام الشناوي كريم الخلق، يتمتع بالجلال والهيبة، وكان ذا شخصية قوية مع تقوى وورع فيمسك بالحق، ويضحي في سبيله بكل ما يملك، محبوبًا من الجميع، فكلهم يجلونه ويحترمونه، وكان -إلى جانب هذا كله- عالمًا كبيرًا واسع الثقافة غزير العلم، بمثابة مرجعٍ كبيرٍ يرجع إليه الجميع فيما أُشكِلَ عليهم من دقائق العلوم.
ولا يَخفَى على أحد موهبته الشعرية والأدبية الأصيلة، يتذوق الشعر وينظمه، ويقدر الشعراء، وقد ترك وراءه مكتبته الكبيرة بـ (الحلمية) فيها مجموعة من الدواوين لشعراء كبار وكتب الأدب، إلى جانب المصادر الأصيلة في التفسير والحديث والفقه وأصوله والتاريخ الإسلامي والبلاغة والفلسفة والتوحيد إلخ، يحب من الشعراء المتنبي وشوقي، فيه نزعةٌ صوفيةٌ عاليةٌ، لسانه دائما رطبا بذكر الله، واعتاد منذ شبابه المداومة على تلاوة القرآن وبعض الأدعية قبل كل صلاة وبعدها، وهو في الطريق بين البيت والعمل، وقد سجل كل ذلك في مذكراته.[/rtl]
[rtl]مؤلفاته ومصنفاته[/rtl]
[rtl]والظاهر أن الإمام الشيخ الشناوي كان من الذين يبنون الرجال، ويدعون علمهم صدور تلاميذهم، ويتركون لهم مهمة إذاعته وتدوينه، شأنه في هذا شأن الإمام أبي حنيفة، فإنه لم يترك في الفقه كتبا مكتوبة، وإنما ترك لتلاميذه هذه المهمة فأدُّوها على أحسن وجهٍ وأكملِ صورة.
ولاشك أن الأحداث الجسام ومهام المناصب التى تقلدها شغلته عن التأليف وإن كانت له العديد من المقالات والخطب والمحاضرات والتي جمعها تلميذه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي في كتابه (الإسلام ومبادئه الخالدة) ثم إنه كان إماما بـ(السراى الملكي)، ولاشك أيضا في أنه ألَّف كتابًا نال به عضوية "جماعة كبار العلماء"، لأن العضوية لا تنال إلا بمؤلَّفٍ قيِّمٍ يراه الأعضاء جديرًا بضمِّ صاحبه إلى جماعة كبار العلماء، وله مقالٌ نُشِرَ تحت عنوان (المصلح الأعظم).[/rtl]
[rtl]وفاته[/rtl]
[rtl]ظلَّ الإمام الجليل محمد مأمون الشناوي يواصل عمله، ويهب وقته كله حتى دهمه المرض الذي ألزمه الفراش، ولكن روحه المعنوية وإيمانه القوي وثقته بالله حفزته على مقاومة العلة وعاونه الأطباء في العلاج حتى برئ، ولكن قضاء الله نافذٌ، لا رادَّ لحكمه، فقد أصيب بعدها بنوبةٍ قلبيةٍ حادةٍ، تمكَّنَ الأطباء من مقاومتها، إلا أنه أصيب بعدها بالتهاب رئوي استعصى على الأطباء، فلقي ربه في الساعة العاشرة من صباح يوم 21 من ذي القعدة سنة 1369 هـ - 4 سبتمبر 1950م، وشيعت جنازته في اليوم التالي، بعد الصلاة عليه في الجامع الأزهر، في موكبٍ مهيبٍ حافلٍ يليق بمكانته في النفوس، ومحبته في القلوب.
وقد عرف الأزهر لهذا الإمام الجليل مواقفه الخالدة الدينية والوطنية وجهوده التي لا تجحد في سبيل رفعة الأزهر وعلمائه الكرم فمنحه أوسمة في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
إن أعماله الجليلة التي أداها للأزهر، وجهوده نحو خدمة دينه ووطنه، لا يوفيها الثناء وإن طال، ولا يكافئها الشكر، فالله وحده هو المجازي والمكافئ فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، مع من أحب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. [/rtl]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى