- أم زينبالمديرة العامة
- عدد المساهمات : 15740
نقاط : 135572
تاريخ التسجيل : 08/01/2011
فضيلة الإمام الشيخ عبدالرحمن تاج
الخميس 09 أكتوبر 2014, 13:19
فضيلة الإمام الشيخ عبدالرحمن تاج
[rtl]الشيخ السادس والثلاثون من مشايخ الأزهر الشريف[/rtl]
[rtl]نسبه وبيئته ونشأته وتوليه للمشيخة[/rtl]
[rtl]إنَّ حياة الإمام الجليل الشيخ عبدالرحمن تاج، قد تناولها المؤرِّخون والكُتَّاب، وسجَّلوا أغلب أعماله الصالحات، خاصَّة أنَّه تولَّى المشيخة في عهد الثورة المصريَّة في 23 يوليو 1952م، وحيث النهضة العلمية، وانتشار أجهزة الإعلام صوتًا وصورة، سجلت له أعماله، بشمولٍ ودقَّة، وسأحاول بسط صورة لحياته وأعماله وفقًا للمنهج الذي اتَّبعته في الترجمة للأئمة السابقين.
لقد وُلِد الشيخ عبدالرحمن تاج بمدينة أسيوط 1896م ونشأ بهذه المدينة، فحفظ القُرآن الكريم، وهو في سنِّ العاشرة من عمره حفظًا وتجويدًا، وتلقَّى بعض الروايات في قراءته على يد كبار القُرَّاء، بالإضافة إلى أنَّه كان ذا صوتٍ رخيم، وتلقَّى بعض مبادئ العلوم الدينية والعربية، وحفظ عددًا من المتون كـ"الآجرومية"، و"متن أبي شجاع"، و"ألفية ابن مالك".
وانتقلت أسرته إلى الإسكندرية وهو معها، والتحق بالسنة الثانية الابتدائية بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1910م، وكان هذا المعهد يمتاز عن بقيَّة المعاهد؛ بما تم فيه من إصلاح كبير خلاف المعاهد الأخرى، وأساتذته الأجلاء المرموقين من العلماء، والذين أحسن اختيارهم فأجادوا وسائل الشرح والتوضيح والتوجيه السلوكي لطلابه، وكان هذا المعهد الكبير يضمُّ جميع مراحل التعليم.
وظلَّ الشيخ تاج يُواصل الدراسة في هذا المعهد، واتَّبع منهجًا جيدًا في دراسته ومذاكرته، فقد كان يقرأ الدروس قبل شرحها من أساتذته، ويُناقشهم فيها أثناء الدرس، مناقشة الفاهم الواعي؛ ولهذا كان أساتذته يَثِقون فيه، حتى أنهم طالبوه أنْ يلقي حصيلة الدروس في آخِر كلِّ أسبوع على الطلبة أمام أساتذته، وذلك نيابةً عنهم، وهذا له أثر بالغ في تثبيت العلوم، والإلمام بها في فكره وذهنه، ويقول ابنه الأستاذ حسن عبدالرحمن: إنَّ الجميع شهدوا له بالذكاء والنبوغ، من المشاهير من شيوخه؛ لما انطبع فيه من نفس ذكية، وذهن مصقول... إضافة لحفظه وفهمه للعلوم، وفهم الحواشي والتعليقات التي كتبها نخبةٌ من العلماء، وكان ترتيبه الأول دائمًا في مراحل دراسته، وبعد أنِ استوعب هذه العلوم حفظًا وفهمًا تقدَّم لنيل شهادة العالمية "الدكتوراه"؛ فحصل عليها سنة 1923م مع درجة الشرف، في تلك الآونة كانت حركة الإصلاح في الأزهر قائمة على قدم وساق، وكان من نتائج هذه الحركة إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وإقامة قسمٍ للتخصُّص في القضاء الشرعي، فالتحق به الشيخ تاج، ونال منه شهادة التخصُّص في القضاء الشرعي سنة 1926م بعدها ذهب للحج، وعقب تخرُّجه عُيِّنَ مدرسًا بمعهد أسيوط الديني، ثم مدرسًا بمعهد الزقازيق الديني ومعهد الإسكندرية، ثم نقل للقضاء الشرعي في كلية الشريعة، وفي سنة 1935م عُيِّنَ عضوًا بلجنة الفتوى ممثلاً للمذهب الحنفي، مع قيامه بعمله في كلية الشريعة، وفي سنة 1936م وقع الاختيار عليه ليكون عضوًا في بعثة الأزهر إلى جامعة السوربون بفرنسا، فصحب أسرته معه؛ زوجة وثلاثة أطفال، وأجاد اللغة الفرنسية.
ثم واصل دراسته الجامعيَّة، وقامت الحرب العالميَّة الثانية واشتعل أوارها، فلم تمنعه أهوالها من مواصلة دراسته والتعمُّق فيها، حتى نال الدكتوراه في الفلسفة وتاريخ الأديان عن بحثه القيِّم "البابية والإسلام"، والبابية أساس البهائية.
وعاد من باريس سنة 1943م إلى القاهرة، فعُيِّنَ مدرسًا بكليَّة الشريعة في قسم تخصُّص القضاء الشرعي، ثم عُيِّنَ عضوًا بلجنة الفتوى، ثم سكرتيرًا فنيًّا لها، ثم مفتشًا للعلوم الدينية والعربية بالمعاهد الدينية، ثم قائمًا بإدارة كلية الشريعة، ثم عُيِّنَ شيخًا للقسم العام والبعوث الإسلامية بالأزهر، ثم مشرفًا على البعثات المرسَلة للدول الإسلاميَّة، ونال عضوية "جماعة كبار العلماء" ببحثٍ قيِّم تحت عنوان "السياسة الشرعية" سنة 1951م، وأصبح أستاذًا بحقوق عين شمس، مع بقائه عضوًا في جماعة كبار العلماء ولجنة الفتوى، واختير ليكون عضوًا في لجنة الدستور سنة 1953م، هذه نبذة موجزة عن حياة إمامنا الراحل الشيخ تاج.[/rtl]
[rtl]تولِّيه المشيخة[/rtl]
[rtl]وبعد سلسلةٍ من الشهادات العلمية والمناصب المرموقة التي ارتقاها وأدَّاها بجدارة فائقة وحياة ناصعة في سبيل العلم وتأدية الواجب - صدَر قرارٌ جمهوري سنة 1954م بتعيين الشيخ عبدالرحمن تاج شيخًا للأزهر، وظلَّ في منصبه حتى عُيِّنَ وزيرًا في الاتحاد العربي بين اليمن ومصر وسوريا سنة 1958م وذلك أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، واختِيرَ بعدها ليكون عضوًا في مجمع اللغة العربيَّة المصري سنة 1963م مع تبحُّره في العلوم النقلية والعقلية، وجمع بين الثقافتين الشرقية والغربية، وتعلم اللغات، وقام بإدخال إصلاحات عظيمة بالأزهر؛ منها: أنه قرَّر تدريس اللغات الأجنبية في جميع مراحل التعليم بدءًا من المعاهد والكليات والدراسات العُليا، واتَّفق على إنشاء مدينة البعوث الإسلامية لسكن الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر من شتَّى أقطار الأمم، وتضم 41 عمارة ومسجدًا ومكتبة وعيادة طبية ومطابخ ومرافق وساحات رياضية... إلخ.
وأدخل نظام "التربية العسكرية" بالأزهر، وله مواقف عظيمة تدلُّ على اعتزازه بنفسه وكرامة علماء الأزهر وشموخهم وكبريائهم وحِفظ حقهم؛ ففي سنة 1955م تلقَّى الشيخ تاج دعوة رسميَّة من الرئيس سوكارنو رئيس جمهورية إندونيسيا لزيارتها والمشاركة في احتفالها بعيد استقلالها، بوصفه شيخًا للأزهر، مع مَن يختاره من علماء الأزهر لصُحبته، وفي الوقت نفسه تلقَّى مجلس قيادة الثورة بمصر دعوةً بإرسال وفد للمشاركة في هذا الاحتفال، فتألَّف وفد بقيادة جمال سالم، وكان مشهورًا بالحدَّة والعنف، وعضوًا بارزًا في مجلس قيادة الثورة، ونائبًا لرئيس الجمهورية جمال عبدالناصر، ولظروفٍ ما سافر في طيارةٍ واحدة وفد الأزهر برئاسة شيخه عبدالرحمن تاج، ووفد مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال سالم، وهبطت الطائرة بالوفدين في مطار "كراتشي" الباكستانية، وكانت المفاجأة المذهلة؛ حيث خرجت مدينة كراتشي عن بكرة أبيها لاستقبال وفد الأزهر استقبالاً منقطع النظير، وإقام جماعة علماء باكستان سرادقًا كبيرًا للحفاوة بهذا الوفد، وأعدُّوا للإمام سيارة مزيَّنة بالزهور والورود، وأحاطوا أعناق وفد الأزهر بعقودٍ من الورود، وعملات النقود، وغمروا الوفد بمظاهر الحفاوة والتكريم، ولم يهتمَّ الشعب الباكستاني باستقبال الوفد الآخَر، وتكرَّر هذا الموقف في كلِّ بلدٍ نزل به الوفدان، حتى وصل إلى "جاكرتا" عاصمة إندونيسيا فاستقبل الشعب الإندونيسي وزعماؤه وفد الأزهر أروعَ استقبال، ولم يطقْ جمال سالم صبرًا؛ فتحدَّث إلى الشيخ الإمام قائلاً: أنا رئيس الوفدين أم أنت؟ فقال الإمام: كلٌّ منَّا رئيس فيما جاء من أجله! فقال جمال سالم: لا بُدَّ من عودة تلك الحفنة من الفقهاء الذين حضروا معك وإرجاعهم إلى القاهرة، فقال له الإمام: هؤلاء علماء أفاضل، حضروا لنشر الثقافة الإسلامية، فإمَّا أعود أنا وهم، وإمَّا أن نبقى جميعًا، وأصرَّ الشيخ على بقائه مع وفده، وهنا انفصل كلُّ وفدٍ عن الآخر.
إنَّه موقف شهم جميل يدلُّ على لباقة وحكمة، بعيدًا عن الرعونة والأنانية، ويدلُّ على أنَّ كرامة الأزهر مرتبطة بعزَّته، ولا كرامة لمصر دون الأزهر، والعالم لا يعرف مصر إلا من خلال الأزهر؛ لأنَّه مهد الإسلام، وإلا فجميع الدول أمام بعضها سواء، ولمَّا عاد الوفدان إلى القاهرة علم الرئيس جمال عبدالناصر بما حدث، فاعتذر للإمام وطيَّب خاطره.
وأيضًا هناك موقف أشد خطورةً؛ ففي سنة 1957م حاول علي صبري بإعياذٍ من الشيوعيين التدخُّل في شؤون الأزهر؛ اعتمادًا على نفوذه وسلطاته الواسعة التي منحها إيَّاه رئيس الجمهورية وقتها من رئاسة وزراء، فأبى الشيخ الخضوعَ لهذا التدخُّل، وقاوَمَه في إباء، وظلَّ يُقاومه، والمعروف أنَّ علي صبري كانت ميوله شيوعيَّةً، ويريد القضاء على الأزهر، كما حاول كثيرون غيره ولكن للأزهر رجاله!
وظلَّ الشيخ الإمام عبدالرحمن تاج يُواصل عمله في صبرٍ وأناة، وهو وزيرٌ في اتحاد الدول العربيَّة، في سبتمبر 1958، وترك الأزهر وهو وزير ليس مستقيلاً ولا مقالاً، حتى تَمَّ إلغاء الاتحاد عقب انفصال سوريا عن مصر سنة 1961م، وظلَّ في مجمع اللغة والبحوث الإسلامية، وكتب أبحاثًا قيِّمة ودراسات عميقة، وصحَّح كثيرًا من الأخطاء الشائعة.[/rtl]
[rtl]آثاره العلمية... وتأثيره[/rtl]
[rtl]لقد عرفت أنَّ الشيخ عبدالرحمن تاج جمَع بين الثقافتين: الشرقية والغربية، وأجاد اللغتين: العربية والفرنسية، وجمع بين عضويَّة المجمعين: الخالدين اللغوي والبحوث الأزهري، وهذا الشيخ يعدُّ من طليعة العلماء الذين لا حدَّ لتراثهم العلمي، ولا غاية ينتهون إليها، وللشيخ رسائل ومصنَّفات كثيرة وقيِّمة؛ في الفقه المقارن، وتاريخ التشريع... إلخ، وسنُشير لذلك.
ثم إنَّك تراه باحثًا ودارسًا في ألوانٍ عديدة من الثقافات المتنوِّعة، كما تراه في مَراجعه ومُؤلَّفاته، والدارس لآثاره العلمية العديدة يرى ذلك واضحًا جليًّا في كلِّ بحثٍ تناوله معتمدًا فيه على المصادر الأصليَّة القيِّمة، ثم على ذهنه المتوقِّد، أو بصيرته الملهَمة، وعقله المستوعب، متحريًا الوصول للحقيقة، ويقبل المراجعة، ويعدل عن رأيه إذا رأى رأيًا مصيبًا أو أقرب إلى الصواب من رأيه، وهذه أمانة علميَّة وشجاعة أدبيَّة، نفتقدُها في كثيرٍ من العلماء! ولقد كتب عنه الأستاذ علي عبدالرازق في حفل استقبال الإمام الشيخ تاج بمجمع اللغة العربية، ونشر في مجلة المجمع جـ19 ص113 وما بعدها... قال فيه: "إنَّ فضيلة الإمام نال من الرُّتب العلمية والدرجات ما رفعَه إلى مستوى لا يضطلع لكثيرٍ من الناس أنْ يصلوا إليه، ولكنَّه هو نفسه استطاع أنْ يبلغه، ويبلغ من الفضل تمامًا فوق ذلك مظهرًا، وأرفع قدرًا، تتهاوى دونه درجات العلماء، ومقامات الخبراء".
وقال: "ذلك هو مقام العلم الناصع؛ إذ ما عضده الخلق الصالح، والعلم النافع، إذا خالط قلبًا سليمًا، وطبعًا طاهرًا، ونفسًا طيبة"، ولقد كتب عنه الشيخ علي الخفيف مشيدًا بعلمه وسموِّ خلقه، وسعة اطِّلاعه وثقافته، وأنَّه إمام عظيم، ولقد رثاه العلماء والكُتَّاب، وإنَّ الخطْب فيه كان جللاً، وخسارة الأزهر فيه فادحة.
ومن أرائه العظيمة عندما أصدر مجمع البحوث الإسلاميَّة الجزء الأول من تفسير "الوسيط" راجعَه فضيلته دون تكليفٍ من أحد، ولاحظ عليه بعض ملاحظات تدلُّ على علم غزير، وفكر راجح، وبصيرة ملهمة، وضمن ملاحظاته في تفسير قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29].
فذكر أنَّ ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ الله سبحانه خلقَ الأرض، ثم خلق بعدها السماوات، لكن ما ورد عن خلق الكون في سورة "النازعات" يدلُّ على أنَّه خلق السماوات وبعدها خلق الأرض، وفي سورة فصلت والأنبياء وغيرها إشاراتٌ تذكر بعض التفصيلات، فاقترح فضيلته أنْ تجمع لجنة التفسير جميعَ الآيات المتعلِّقة بخلق الكائنات، وتستخرج منها الحقيقة؛ لأنَّ الباحث الموقعه لا يجد تعارضًا بين الآيات الكريمة.[/rtl]
[rtl]تأليفه ومصنَّفاته[/rtl]
[rtl]لقد ترك الإمام الشيخ عبدالرحمن تاج ثروةً عظيمة من العلم والكتب بالعربية والفرنسية، بعضها مطبوع وبعضها منسوخ في مجمع البحوث الإسلاميَّة، أو منشور في مجلة "مجمع اللغة العربية" ونشيرُ إلى بعض مؤلفاته:
1- البابية وعلاقتها بالإسلام باللغة الفرنسية، وهي رسالته التي نال بها درجة "الدكتوراه" من جامعة السوربون، ولم يعرف هذا البحث حتى الآن.
2- السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي، نال بها عضوية جمعية كبار العلماء.
3- الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
4- مذكرة في الفقه المقارن.
5- تاريخ التشريع الإسلامي.
6- حكم الربا في الشريعة الإسلامية.
7- شركات التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وله مؤلفات في اللغة العربية، والحروف التي يُقال عنها: إنها زائدة في القرآن الكريم، ومن هذه الأبحاث بحث في:
• "لا" التي قيل: إنها زائدة في القرآن الكريم، وليست كذلك.
• "الواو" التي قِيلَ: إنها زائدة، بحث في التفسير، استعرض فيه أقوال المفسرين وعلماء اللغة.
• "الفاء" و"ثم" ودعوى زيادتهما في القرآن الكريم، وهو بحث ممتع.
• حروف الزيادة وجواز وقوعها في القرآن الكريم، وغير ذلك من المؤلَّفات والمحاضرات التي كُتبت في الصحف والمجلات وأُذيعت في الإذاعات، ما يزيدُ عن الأربعين، خلاف ما تركه المؤلفون والمؤرِّخون.[/rtl]
[rtl]وفاته[/rtl]
[rtl]وبعد، فإنَّ حياة الشيخ "تاج" أوسع وأكبر من أنْ تُلخَّص في هذا السرد، وإنما في حاجةٍ إلى مجلدات كبيرة، تجمعُ أطراف هذه الحياة وتُعطَى حقَّها من الشرح والتفصيل، ولكنَّنا نكتفي بذِكر القليل، سائلين اللهَ سبحانه جزيلَ العطاء، وعظيمَ الأجر والثواب للفقيد العظيم.
وكان - رحمه الله - يتمتَّع بخلُقٍ كريم، بجانب علم غزير، وقد صقلته التجارب العديدة التي خاضَ غمارها مع عقيدةٍ راسخة، مع تواضعٍ جمٍّ، معتزًّا بكرامته كلَّ الاعتزاز، خاصَّة مع كبار المسؤولين، ولم تُقعده الشيخوخة ولا الأمراض، ولا أعباء الحياة، عن مُواصلة دراساته وأبحاثه، حتى لقي ربَّه راضيًا مرضيًّا في يوم السبت 30 ربيع أول سنة 1395هـ الموافق 12 أبريل 1975م عقب فراغه من صلاة المغرب وهو يستغفرُ ربه، مسبحًا مكبرًا بعد أنْ قضى حياته مجاهدًا بقلمه ولسانه في سبيل الله، ولقي ربه وهو في ختام الصلاة، وفي يوم الأربعاء 10 جمادى الأولى 1395هـ الموافق 21 مايو 1975م أقامت جميع المجامعات والمؤسَّسات اجتماعًا كبيرًا لتأبين الإمام الراحل، تحدَّث وخطب فيه الخطباء، ذاكرين شمائل الإمام العظيم، تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.[/rtl]
[rtl]الشيخ السادس والثلاثون من مشايخ الأزهر الشريف[/rtl]
[rtl]نسبه وبيئته ونشأته وتوليه للمشيخة[/rtl]
[rtl]إنَّ حياة الإمام الجليل الشيخ عبدالرحمن تاج، قد تناولها المؤرِّخون والكُتَّاب، وسجَّلوا أغلب أعماله الصالحات، خاصَّة أنَّه تولَّى المشيخة في عهد الثورة المصريَّة في 23 يوليو 1952م، وحيث النهضة العلمية، وانتشار أجهزة الإعلام صوتًا وصورة، سجلت له أعماله، بشمولٍ ودقَّة، وسأحاول بسط صورة لحياته وأعماله وفقًا للمنهج الذي اتَّبعته في الترجمة للأئمة السابقين.
لقد وُلِد الشيخ عبدالرحمن تاج بمدينة أسيوط 1896م ونشأ بهذه المدينة، فحفظ القُرآن الكريم، وهو في سنِّ العاشرة من عمره حفظًا وتجويدًا، وتلقَّى بعض الروايات في قراءته على يد كبار القُرَّاء، بالإضافة إلى أنَّه كان ذا صوتٍ رخيم، وتلقَّى بعض مبادئ العلوم الدينية والعربية، وحفظ عددًا من المتون كـ"الآجرومية"، و"متن أبي شجاع"، و"ألفية ابن مالك".
وانتقلت أسرته إلى الإسكندرية وهو معها، والتحق بالسنة الثانية الابتدائية بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1910م، وكان هذا المعهد يمتاز عن بقيَّة المعاهد؛ بما تم فيه من إصلاح كبير خلاف المعاهد الأخرى، وأساتذته الأجلاء المرموقين من العلماء، والذين أحسن اختيارهم فأجادوا وسائل الشرح والتوضيح والتوجيه السلوكي لطلابه، وكان هذا المعهد الكبير يضمُّ جميع مراحل التعليم.
وظلَّ الشيخ تاج يُواصل الدراسة في هذا المعهد، واتَّبع منهجًا جيدًا في دراسته ومذاكرته، فقد كان يقرأ الدروس قبل شرحها من أساتذته، ويُناقشهم فيها أثناء الدرس، مناقشة الفاهم الواعي؛ ولهذا كان أساتذته يَثِقون فيه، حتى أنهم طالبوه أنْ يلقي حصيلة الدروس في آخِر كلِّ أسبوع على الطلبة أمام أساتذته، وذلك نيابةً عنهم، وهذا له أثر بالغ في تثبيت العلوم، والإلمام بها في فكره وذهنه، ويقول ابنه الأستاذ حسن عبدالرحمن: إنَّ الجميع شهدوا له بالذكاء والنبوغ، من المشاهير من شيوخه؛ لما انطبع فيه من نفس ذكية، وذهن مصقول... إضافة لحفظه وفهمه للعلوم، وفهم الحواشي والتعليقات التي كتبها نخبةٌ من العلماء، وكان ترتيبه الأول دائمًا في مراحل دراسته، وبعد أنِ استوعب هذه العلوم حفظًا وفهمًا تقدَّم لنيل شهادة العالمية "الدكتوراه"؛ فحصل عليها سنة 1923م مع درجة الشرف، في تلك الآونة كانت حركة الإصلاح في الأزهر قائمة على قدم وساق، وكان من نتائج هذه الحركة إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وإقامة قسمٍ للتخصُّص في القضاء الشرعي، فالتحق به الشيخ تاج، ونال منه شهادة التخصُّص في القضاء الشرعي سنة 1926م بعدها ذهب للحج، وعقب تخرُّجه عُيِّنَ مدرسًا بمعهد أسيوط الديني، ثم مدرسًا بمعهد الزقازيق الديني ومعهد الإسكندرية، ثم نقل للقضاء الشرعي في كلية الشريعة، وفي سنة 1935م عُيِّنَ عضوًا بلجنة الفتوى ممثلاً للمذهب الحنفي، مع قيامه بعمله في كلية الشريعة، وفي سنة 1936م وقع الاختيار عليه ليكون عضوًا في بعثة الأزهر إلى جامعة السوربون بفرنسا، فصحب أسرته معه؛ زوجة وثلاثة أطفال، وأجاد اللغة الفرنسية.
ثم واصل دراسته الجامعيَّة، وقامت الحرب العالميَّة الثانية واشتعل أوارها، فلم تمنعه أهوالها من مواصلة دراسته والتعمُّق فيها، حتى نال الدكتوراه في الفلسفة وتاريخ الأديان عن بحثه القيِّم "البابية والإسلام"، والبابية أساس البهائية.
وعاد من باريس سنة 1943م إلى القاهرة، فعُيِّنَ مدرسًا بكليَّة الشريعة في قسم تخصُّص القضاء الشرعي، ثم عُيِّنَ عضوًا بلجنة الفتوى، ثم سكرتيرًا فنيًّا لها، ثم مفتشًا للعلوم الدينية والعربية بالمعاهد الدينية، ثم قائمًا بإدارة كلية الشريعة، ثم عُيِّنَ شيخًا للقسم العام والبعوث الإسلامية بالأزهر، ثم مشرفًا على البعثات المرسَلة للدول الإسلاميَّة، ونال عضوية "جماعة كبار العلماء" ببحثٍ قيِّم تحت عنوان "السياسة الشرعية" سنة 1951م، وأصبح أستاذًا بحقوق عين شمس، مع بقائه عضوًا في جماعة كبار العلماء ولجنة الفتوى، واختير ليكون عضوًا في لجنة الدستور سنة 1953م، هذه نبذة موجزة عن حياة إمامنا الراحل الشيخ تاج.[/rtl]
[rtl]تولِّيه المشيخة[/rtl]
[rtl]وبعد سلسلةٍ من الشهادات العلمية والمناصب المرموقة التي ارتقاها وأدَّاها بجدارة فائقة وحياة ناصعة في سبيل العلم وتأدية الواجب - صدَر قرارٌ جمهوري سنة 1954م بتعيين الشيخ عبدالرحمن تاج شيخًا للأزهر، وظلَّ في منصبه حتى عُيِّنَ وزيرًا في الاتحاد العربي بين اليمن ومصر وسوريا سنة 1958م وذلك أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، واختِيرَ بعدها ليكون عضوًا في مجمع اللغة العربيَّة المصري سنة 1963م مع تبحُّره في العلوم النقلية والعقلية، وجمع بين الثقافتين الشرقية والغربية، وتعلم اللغات، وقام بإدخال إصلاحات عظيمة بالأزهر؛ منها: أنه قرَّر تدريس اللغات الأجنبية في جميع مراحل التعليم بدءًا من المعاهد والكليات والدراسات العُليا، واتَّفق على إنشاء مدينة البعوث الإسلامية لسكن الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر من شتَّى أقطار الأمم، وتضم 41 عمارة ومسجدًا ومكتبة وعيادة طبية ومطابخ ومرافق وساحات رياضية... إلخ.
وأدخل نظام "التربية العسكرية" بالأزهر، وله مواقف عظيمة تدلُّ على اعتزازه بنفسه وكرامة علماء الأزهر وشموخهم وكبريائهم وحِفظ حقهم؛ ففي سنة 1955م تلقَّى الشيخ تاج دعوة رسميَّة من الرئيس سوكارنو رئيس جمهورية إندونيسيا لزيارتها والمشاركة في احتفالها بعيد استقلالها، بوصفه شيخًا للأزهر، مع مَن يختاره من علماء الأزهر لصُحبته، وفي الوقت نفسه تلقَّى مجلس قيادة الثورة بمصر دعوةً بإرسال وفد للمشاركة في هذا الاحتفال، فتألَّف وفد بقيادة جمال سالم، وكان مشهورًا بالحدَّة والعنف، وعضوًا بارزًا في مجلس قيادة الثورة، ونائبًا لرئيس الجمهورية جمال عبدالناصر، ولظروفٍ ما سافر في طيارةٍ واحدة وفد الأزهر برئاسة شيخه عبدالرحمن تاج، ووفد مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال سالم، وهبطت الطائرة بالوفدين في مطار "كراتشي" الباكستانية، وكانت المفاجأة المذهلة؛ حيث خرجت مدينة كراتشي عن بكرة أبيها لاستقبال وفد الأزهر استقبالاً منقطع النظير، وإقام جماعة علماء باكستان سرادقًا كبيرًا للحفاوة بهذا الوفد، وأعدُّوا للإمام سيارة مزيَّنة بالزهور والورود، وأحاطوا أعناق وفد الأزهر بعقودٍ من الورود، وعملات النقود، وغمروا الوفد بمظاهر الحفاوة والتكريم، ولم يهتمَّ الشعب الباكستاني باستقبال الوفد الآخَر، وتكرَّر هذا الموقف في كلِّ بلدٍ نزل به الوفدان، حتى وصل إلى "جاكرتا" عاصمة إندونيسيا فاستقبل الشعب الإندونيسي وزعماؤه وفد الأزهر أروعَ استقبال، ولم يطقْ جمال سالم صبرًا؛ فتحدَّث إلى الشيخ الإمام قائلاً: أنا رئيس الوفدين أم أنت؟ فقال الإمام: كلٌّ منَّا رئيس فيما جاء من أجله! فقال جمال سالم: لا بُدَّ من عودة تلك الحفنة من الفقهاء الذين حضروا معك وإرجاعهم إلى القاهرة، فقال له الإمام: هؤلاء علماء أفاضل، حضروا لنشر الثقافة الإسلامية، فإمَّا أعود أنا وهم، وإمَّا أن نبقى جميعًا، وأصرَّ الشيخ على بقائه مع وفده، وهنا انفصل كلُّ وفدٍ عن الآخر.
إنَّه موقف شهم جميل يدلُّ على لباقة وحكمة، بعيدًا عن الرعونة والأنانية، ويدلُّ على أنَّ كرامة الأزهر مرتبطة بعزَّته، ولا كرامة لمصر دون الأزهر، والعالم لا يعرف مصر إلا من خلال الأزهر؛ لأنَّه مهد الإسلام، وإلا فجميع الدول أمام بعضها سواء، ولمَّا عاد الوفدان إلى القاهرة علم الرئيس جمال عبدالناصر بما حدث، فاعتذر للإمام وطيَّب خاطره.
وأيضًا هناك موقف أشد خطورةً؛ ففي سنة 1957م حاول علي صبري بإعياذٍ من الشيوعيين التدخُّل في شؤون الأزهر؛ اعتمادًا على نفوذه وسلطاته الواسعة التي منحها إيَّاه رئيس الجمهورية وقتها من رئاسة وزراء، فأبى الشيخ الخضوعَ لهذا التدخُّل، وقاوَمَه في إباء، وظلَّ يُقاومه، والمعروف أنَّ علي صبري كانت ميوله شيوعيَّةً، ويريد القضاء على الأزهر، كما حاول كثيرون غيره ولكن للأزهر رجاله!
وظلَّ الشيخ الإمام عبدالرحمن تاج يُواصل عمله في صبرٍ وأناة، وهو وزيرٌ في اتحاد الدول العربيَّة، في سبتمبر 1958، وترك الأزهر وهو وزير ليس مستقيلاً ولا مقالاً، حتى تَمَّ إلغاء الاتحاد عقب انفصال سوريا عن مصر سنة 1961م، وظلَّ في مجمع اللغة والبحوث الإسلامية، وكتب أبحاثًا قيِّمة ودراسات عميقة، وصحَّح كثيرًا من الأخطاء الشائعة.[/rtl]
[rtl]آثاره العلمية... وتأثيره[/rtl]
[rtl]لقد عرفت أنَّ الشيخ عبدالرحمن تاج جمَع بين الثقافتين: الشرقية والغربية، وأجاد اللغتين: العربية والفرنسية، وجمع بين عضويَّة المجمعين: الخالدين اللغوي والبحوث الأزهري، وهذا الشيخ يعدُّ من طليعة العلماء الذين لا حدَّ لتراثهم العلمي، ولا غاية ينتهون إليها، وللشيخ رسائل ومصنَّفات كثيرة وقيِّمة؛ في الفقه المقارن، وتاريخ التشريع... إلخ، وسنُشير لذلك.
ثم إنَّك تراه باحثًا ودارسًا في ألوانٍ عديدة من الثقافات المتنوِّعة، كما تراه في مَراجعه ومُؤلَّفاته، والدارس لآثاره العلمية العديدة يرى ذلك واضحًا جليًّا في كلِّ بحثٍ تناوله معتمدًا فيه على المصادر الأصليَّة القيِّمة، ثم على ذهنه المتوقِّد، أو بصيرته الملهَمة، وعقله المستوعب، متحريًا الوصول للحقيقة، ويقبل المراجعة، ويعدل عن رأيه إذا رأى رأيًا مصيبًا أو أقرب إلى الصواب من رأيه، وهذه أمانة علميَّة وشجاعة أدبيَّة، نفتقدُها في كثيرٍ من العلماء! ولقد كتب عنه الأستاذ علي عبدالرازق في حفل استقبال الإمام الشيخ تاج بمجمع اللغة العربية، ونشر في مجلة المجمع جـ19 ص113 وما بعدها... قال فيه: "إنَّ فضيلة الإمام نال من الرُّتب العلمية والدرجات ما رفعَه إلى مستوى لا يضطلع لكثيرٍ من الناس أنْ يصلوا إليه، ولكنَّه هو نفسه استطاع أنْ يبلغه، ويبلغ من الفضل تمامًا فوق ذلك مظهرًا، وأرفع قدرًا، تتهاوى دونه درجات العلماء، ومقامات الخبراء".
وقال: "ذلك هو مقام العلم الناصع؛ إذ ما عضده الخلق الصالح، والعلم النافع، إذا خالط قلبًا سليمًا، وطبعًا طاهرًا، ونفسًا طيبة"، ولقد كتب عنه الشيخ علي الخفيف مشيدًا بعلمه وسموِّ خلقه، وسعة اطِّلاعه وثقافته، وأنَّه إمام عظيم، ولقد رثاه العلماء والكُتَّاب، وإنَّ الخطْب فيه كان جللاً، وخسارة الأزهر فيه فادحة.
ومن أرائه العظيمة عندما أصدر مجمع البحوث الإسلاميَّة الجزء الأول من تفسير "الوسيط" راجعَه فضيلته دون تكليفٍ من أحد، ولاحظ عليه بعض ملاحظات تدلُّ على علم غزير، وفكر راجح، وبصيرة ملهمة، وضمن ملاحظاته في تفسير قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29].
فذكر أنَّ ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ الله سبحانه خلقَ الأرض، ثم خلق بعدها السماوات، لكن ما ورد عن خلق الكون في سورة "النازعات" يدلُّ على أنَّه خلق السماوات وبعدها خلق الأرض، وفي سورة فصلت والأنبياء وغيرها إشاراتٌ تذكر بعض التفصيلات، فاقترح فضيلته أنْ تجمع لجنة التفسير جميعَ الآيات المتعلِّقة بخلق الكائنات، وتستخرج منها الحقيقة؛ لأنَّ الباحث الموقعه لا يجد تعارضًا بين الآيات الكريمة.[/rtl]
[rtl]تأليفه ومصنَّفاته[/rtl]
[rtl]لقد ترك الإمام الشيخ عبدالرحمن تاج ثروةً عظيمة من العلم والكتب بالعربية والفرنسية، بعضها مطبوع وبعضها منسوخ في مجمع البحوث الإسلاميَّة، أو منشور في مجلة "مجمع اللغة العربية" ونشيرُ إلى بعض مؤلفاته:
1- البابية وعلاقتها بالإسلام باللغة الفرنسية، وهي رسالته التي نال بها درجة "الدكتوراه" من جامعة السوربون، ولم يعرف هذا البحث حتى الآن.
2- السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي، نال بها عضوية جمعية كبار العلماء.
3- الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
4- مذكرة في الفقه المقارن.
5- تاريخ التشريع الإسلامي.
6- حكم الربا في الشريعة الإسلامية.
7- شركات التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وله مؤلفات في اللغة العربية، والحروف التي يُقال عنها: إنها زائدة في القرآن الكريم، ومن هذه الأبحاث بحث في:
• "لا" التي قيل: إنها زائدة في القرآن الكريم، وليست كذلك.
• "الواو" التي قِيلَ: إنها زائدة، بحث في التفسير، استعرض فيه أقوال المفسرين وعلماء اللغة.
• "الفاء" و"ثم" ودعوى زيادتهما في القرآن الكريم، وهو بحث ممتع.
• حروف الزيادة وجواز وقوعها في القرآن الكريم، وغير ذلك من المؤلَّفات والمحاضرات التي كُتبت في الصحف والمجلات وأُذيعت في الإذاعات، ما يزيدُ عن الأربعين، خلاف ما تركه المؤلفون والمؤرِّخون.[/rtl]
[rtl]وفاته[/rtl]
[rtl]وبعد، فإنَّ حياة الشيخ "تاج" أوسع وأكبر من أنْ تُلخَّص في هذا السرد، وإنما في حاجةٍ إلى مجلدات كبيرة، تجمعُ أطراف هذه الحياة وتُعطَى حقَّها من الشرح والتفصيل، ولكنَّنا نكتفي بذِكر القليل، سائلين اللهَ سبحانه جزيلَ العطاء، وعظيمَ الأجر والثواب للفقيد العظيم.
وكان - رحمه الله - يتمتَّع بخلُقٍ كريم، بجانب علم غزير، وقد صقلته التجارب العديدة التي خاضَ غمارها مع عقيدةٍ راسخة، مع تواضعٍ جمٍّ، معتزًّا بكرامته كلَّ الاعتزاز، خاصَّة مع كبار المسؤولين، ولم تُقعده الشيخوخة ولا الأمراض، ولا أعباء الحياة، عن مُواصلة دراساته وأبحاثه، حتى لقي ربَّه راضيًا مرضيًّا في يوم السبت 30 ربيع أول سنة 1395هـ الموافق 12 أبريل 1975م عقب فراغه من صلاة المغرب وهو يستغفرُ ربه، مسبحًا مكبرًا بعد أنْ قضى حياته مجاهدًا بقلمه ولسانه في سبيل الله، ولقي ربه وهو في ختام الصلاة، وفي يوم الأربعاء 10 جمادى الأولى 1395هـ الموافق 21 مايو 1975م أقامت جميع المجامعات والمؤسَّسات اجتماعًا كبيرًا لتأبين الإمام الراحل، تحدَّث وخطب فيه الخطباء، ذاكرين شمائل الإمام العظيم، تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.[/rtl]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى