أراد أبو طالب ، أن يخرج إلى الشام في تجارةله ، فلما استعد للرحيل ، ونوى على المسير ، مال إليه رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم ، وتعلق بأثوابه ، يريد الذهاب معه ، فرق عليه أبو طالب وعطف عليه وقال: واللهلأخرجن به معي ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا وخرج رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم ، مع عمه أبي طالب ، وهو في التاسعة من عمره فلما وصل المركب إلى مدينة بصرىمن أرض الشام ، نزلوا قرب راهب هناك يقيم في صومعته ، يدعى بحيرى وكانوا كثيرا مايمرون به ، أثناء ذهابهم أو أيابهم ، لكنه في هذا العام احتفى بهم ، واستقبلهماستقبالا حافلا ، وقد كان لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، ثم صنع لهم طعاما كثيرا ونزل منصومعته وقال للقوم: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وإني أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم ، فقال له رجل منهم: شأنك اليوم ؟ فقال بحيرى : صدقت ، ولكني أحببت اليوم أن أكرمكم ، فأنتم ضيوفي فاجتمع القوم إليه ، وتخلف رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم ، لصغر سنه وكان بحيرى الراهب قد رأي غمامة تظل رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا سار سارت معه ، ورأى أغصان الشجرة التي أوىتحتها ، قد مالت وتدلت ، على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر بحيرى فيالقوم ، لم ير ذلك الفتى ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطلب من القوم أنيحضروه ، فلما حضر ، صلى الله عليه وآله وسلم ، جعل بحيرى يتفحصه وينظر إلى أشياءمن جسده ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى وقال له: يا غلامأسألك بحق اللات والعزى ، فوا لله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ثم جعل بحيرى يسأله عنأشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخبره ،فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيهثم أقبل بحيرى على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك ؟ قال أبو طالب: إنهابني فقال له بحيرى: ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا فقالأبو طالب: إنه ابن أخي ، قال بحيرى: فما فعل أبوه ؟ قال أبو طالب: مات وأمه حبلى بهفقال بحيرى: صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فوا لله لئن رأوهوعرفوا منه ما عرفت ، لأضمروا له شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرعبه إلى بلاده وكان أهل الكتاب من يهود ونصارى ، يعرفون صفته ، صلى الله عليه وآلهوسلم ، وزمان مبعثه يقول الله سبحانه وتعالى
وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيلإني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمهأحمد 1
وعندما سمع أبو طالب ما سمع ، خف راجعا بابنأخيه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مكة فشب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،في مكة وعناية الله تعالى تحمية وتحفظه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامتهورسالته ، إلى أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ،وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم عن الفحشوالأخلاق التي تدنس الرجال ، حتى عرف في قومه بالصادق الأمين ، فإذا ما أراد أحدهمسفرا ، وخشي سرقة أمواله ، أئتمن بها رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم
رعيه للغنم
***
رعى رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم الغنمكغيره من الأنبياء الذين سبقوه ، لما في رعاية الغنم ، من تعويد على الصبر والمجلدة، ولما فيها من بعد الناس ، وخلو إلى النفس ، وزرع للرحمة والمودة في قلب الراعي ،حيث هو حريص على أغنامه ، حريص على أن يعيدها على أحسن حال ، حريص على أن يقودهاويسوسها إلى حيث الخصب والمرعى والماء ، وهو أثناء هذا كله يجلس متفكرا متأملا فيملكوت الله تعالى ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من نبي إلا قدرعى الغنم قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال وأنارعيتها لأهل مكة بالقراريط