- أم زينبالمديرة العامة
- عدد المساهمات : 15740
نقاط : 135570
تاريخ التسجيل : 08/01/2011
فقه المضمضة والاستنشاق للصائم
الأحد 17 يوليو 2011, 23:46
المضمضة والاستنشاق للصائم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
المضمضة والاستنشاق في الوضوء، إما سنتان من سننه كما هو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي، وإما فرضان من فروضه كما هو مذهب الإمام أحمد الذي اعتبرهما جزءًا من غسل الوجه المأمور به . وسواء كانتا من السنن أم الفرائض، فلا ينبغي تركهما في الوضوء في صيام أو فطر. كل ما على المسلم في حالة الصيام ألا يبالغ فيهما . كما يبالغ في حالة الإفطار فقد جاء في الحديث: " إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائمًا " (أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي) . فإذا تمضمض الصائم أو استنشق وهو يتوضأ، فسبق الماء إلى حلقه من غير تعمد ولا إسراف، فصيامه صحيح، كما لو دخل غبار الطريق، أو غربلة دقيق، أو طارت ذبابة إلى حلقه، لأن كل هذا من الخطأ المرفوع عن هذه الأمة . وإن خالف في ذلك بعض الأئمة. على أن المضمضة لغير الوضوء أيضًا لا يؤثر على صحة الصيام . ما لم يصل الماء إلى الجوف . والله أعلم. ترجيح التضييق في المفطرات لقد توسع الفقهاء - رضي الله عنهم - في أمر المفطرات توسعًا ما أظنه خطر ببال أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين شاهدوا التنزيل، وفهموا عن الله ورسوله فأحسنوا الفهم، والتزموا فأحسنوا الالتزام. وروى البخاري بسنده عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان - أي وهو جنب - من غير حلم، فيغتسل ويصوم (انظر: فتح الباري -153/4). ذكر في (باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا):. وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك (ذكر في (الفتح) هذا الأثر موصولاً عن عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه! قال: لا بأس بذلك. قال: وقاله عمر عن قتادة). - أي لم يملك دفع الماء - فإن ملك دفعه فلم يفعل حتى دخل حلقه أفطر. وقال الحسن: إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه (فتح الباري -155/4). وكذلك ذكر البخاري: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء" ولم يميز بين الصائم وغيره. وقال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم، إن لم يصل إلى حلقه، ويكتحل. وقال عطاء: إن تمضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضره، إن لم يزدرد ريقه (هذا الأثر عند سعيد بن منصور عن ابن جريج: قلت لعطاء: الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم! قال: لا يضره، وماذا بقي في فيه؟! -الفتح 160/4). وماذا بقي في فيه؟ ولا يمضغ العلك - اللبان ونحوه - فإن ازدرد ريق العلك، لا أقول: إنه يفطر ولكن ينهى عنه، فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس لم يملك - أي لم يملك دفع الماء -) (فتح الباري -159/4). وفي (باب الحجامة والقيء للصائم) روي عن أبي هريرة قوله: (إذا قاء فلا يفطر، إنما يخرج ولا يولج، ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر، والأول أصح، وقال ابن عباس وعكرمة: الصوم مما دخل وليس مما خرج، وكان ابن عمر يحتجم وهو صائم، ثم تركه، فكان يحتجم من الليل - أي احتياطًا منه، وكان كثير الاحتياط -) (المصدر السابق -173/4،174). قال الحافظ (إيراده - أي البخاري - للآثار المذكورة يشعر بأنه يرى عدم الإفطار بها) (المصدر السابق -174/4). وقال الإمام ابن قدامة: (أجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به. فأما ما لا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحمل به، وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب، وحكى عن أبي طلحة الأنصاري: أنه كان يأكل البرد في الصوم، ويقول: ليس بطعام ولا شراب). تقرأ في كتب الحنفية فتجد ما يقرب من ستين مفطرًا من المفطرات، ومثل ذلك أو قريب منه في المذاهب الأخرى، وملأوا مساحات واسعة من كتب الفقه، وشغلوا مثلها من تفكير المسلمين واهتماماتهم، وأصبحت معرفة هذه المفطرات الكثيرة الغزيرة الشغل الشاغل للصائمين ولأهل الفتوى، في كل رمضان، ازدحمت المجلات والصحف والإذاعات والمساجد بالأسئلة والأجوبة حول هذه المفطرات. وبها بعد الدين عن يسره وفطرته، وأصبح شيئًا معقدًا يحتاج إلى دراسة مطولة لكل عبادة من العبادات، حتى يعرف مداخلها ومخارجها، وأركانها وشروطها. والواقع أن جُلَّ ما يقال في هذا المجال مما لم يدل عليه محكم قرآن ولا صحيح سنة، ولا إجماع أمة، إنما هي اجتهادات يؤخذ منها ويترك، وآراء بشر، يجب أن تحاكم وترد إلى النصوص الأصلية، والقواعد المرعية، والمقاصد الكلية. والذي أميل إليه هنا: ألا يُفطِّر الصائم إلا ما أجمع الفقهاء على التفطير به، وذلك ما دل عليه محكم القرآن وصحيح السنة، واتفق مع حكمة الشارع من الصيام، وهو الحرمان من الشهوات، وفطام النفس عن المألوفات. اتجاه البخاري وهو الذي يميل إليه الإمام البخاري، كما يبدو مما ذكره في صحيحه. فقد قال في (باب اغتسال الصائم): (وبل ابن عمر رضي الله عنهما ثوبًا، فألقاه عليه، وهو صائم. ودخل الشعبي الحمام وهو صائم. وقال ابن عباس: لا بأس أن يتطعم القِدْر أو الشيء - أي يتذوقه -. وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم. وقال ابن مسعود: إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينًا مترجلاً - يعني يدهن شعره ويرجله -. وقال أنس: إن لي "أبزن" أتقحم فيه وأنا صائم - والأبزن: كلمة فارسية، وهي حجر منقور شبه الحوض-. وقال ابن عمر: ويستاك أول النهار وآخره، ولا يبلع ريقه. وقال عطاء: إن ازدرد ريقه، لا أقول: يفطر. وقال ابن سيرين: لا بأس بالسواك الرطب. قيل: له طعم! قال: والماء له طعم، وأنت تمضمض به. ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسًا) فتح الباري -153/4 ط. دار الفكر). قال ابن قدامة: (ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة). قال: (ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم، فيدخل فيه محل النزاع، ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة، فلا يعد خلافًا) (المغني مع الشرح الكبير -36/3). أ.هـ. أما تحريم الكتاب للأكل والشرب، فمسلم، ولكن من الذي يقول: إن من ابتلع حصاة، أو حبة خردل، أو ما بين أسنانه، أو نخامة أو بلغمًا، أو اكتحل فأحس طعم الكحل في حلقه أو استعمل الحقنة في دبره.. إلخ.. أن هذا يدخل في عموم الأكل أو الشرب المحرم على الصائم، وهذا ما لا دليل عليه. مذهب ابن حزم وهذا هو الذي رجَّحه الإمام الظاهري أبو محمد بن حزم، الذي لم يجد في ظواهر نصوص الشرع ما يؤيد التوسع الذي ذهب إليه جمع من الفقهاء، فقال في (المُحلى):. (ولا ينقض الصوم حجامة، ولا احتلام.. ولا قيء غالب، ولا قلس خارج من الحلق ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه، ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف، ما لم يتعمد بلعه، ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ولا كحل - أو إن بلغ إلى الحلق نهارًا أو ليلاً - بعقاقير أو بغيرها، ولا غبار طحن، أو غربلة دقيق، أو حناء، أو غير ذلك أو عطر، أو حنظل، أو أي شئ كان، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة، ولا من رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه، ولا مضغ زفت أو مصطكي أو علك، ولا سواك برطب أو يابس، ومضغ طعام أو ذوقه، ما لم يتعمد بلعه، ولا مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الأسنان: أي وقت من النهار وجد، إذا رمي، ولا دخول حمام، ولا تغطيس في ماء، ولا دهن شارب) (المحلى لابن حزم -300/6،301). قال أبو محمد: (إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل، والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي، وما علمنا أكلا، ولا شربًا، يكون على دبر، أو إحليل أو أذن أو عين، أو أنف، أو من جرح في البطن، أو الرأس!! وما نهينا قط عن أن توصل إلى الجوف - بغير الأكل، والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله) (المصدر السابق -318/6).!!. ترجيح ابن تيمية وهذا الاتجاه هو الذي أيده - وتوسع في تأييده بعدد من الحجج القوية - شيخ الإسلام ابن تيمية، في رسالة له، نُشرت منفردة، وضمن مجموع فتاواه. ونظرًا لأهمية الموضوع، وحاجة عموم الناس إليه، لصلته بعبادة تتعلق بجميع المسلمين، ويتكرر السؤال عنها كل عام، وتختلف الأجوبة فيها إلى حد يحير المسلم العادي. أرى أن أنقل هنا أهم ما استدل به شيخ الإسلام لهذا الاتجاه الذي يضيق فيما يُفطر الصائم. فقد تكلم عن الكحل والحقنة، وما يُقطر في الإحليل، ومداواة الآمة (جرح الدماغ) والجائفة (جرح الجوف) وغيرها مما تنازع فيه أهل العلم، هل يفطر به الصائم أو لا؟. قال: والأظهر أنه لا يفطر شيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلاً، علم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك. والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة، لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه. ثم قال رضي الله عنه:. وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقل الأمة ذلك: فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره. فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجسامًا، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادّهانه، وكذلك اكتحاله. وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم، إما في الجهاد وإما في غيره، مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطرًا. ثم بين شيخ الإسلام: أن إثبات التفطير بالقياس يحتاج إلى أن يكون القياس صحيحًا، وذلك إما قياس علة بإثبات الجامع، وإما بإلغاء الفارق. فإما أن يدل دليل على العلة في الأصل فيعدى بها إلى الفرع، وإما أن يعلم أن لا فارق بينهما من الأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا القياس هنا منتف. وذلك أنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطرًا هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ما كان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى الجوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله، ويقولون: إن الله ورسوله إنما جعل الطعام والشراب مفطرًا، لهذا المعنى المشترك من الطعام والشراب، ومما يصل إلى الدماغ والجوف من دواء المأمومة والجائفة، وما يصل إلى الجوف من الكحل ومن الحقنة والتقطير في الإحليل ونحو ذلك. وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل، كان قول القائل: "إن الله ورسوله إنما جعلاً هذا مفطرًا لهذا" قولاً بلا علم، وكان قوله: "إن الله حرم على الصائم أن يفعل هذا" قولاً بأن هذا حلال وهذا حرام بلا علم، وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم، وهذا لا يجوز. ومن اعتقد من العلماء أن هذا المشترك مناط الحكم فهو منزلة من اعتقد صحة مذهب لم يكن صحيحًا، أو دلالة لفظ على معنى لم يرده الرسول، وهذا اجتهاد يثابون عليه، ولا يلزم أن يكون قولاً بحجة شرعية يجب على المسلم اتباعها. ثم ذكر شيخ الإسلام أن القياس إنما يصح إذا لم يدل كلام الشارع على علة الحكم. ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيضة، وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة. فإن الكحل لا يغذى البتة، ولا يدخل أحد كحلاً إلى جوفه لا من أنفه ولا فمه، وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئًا من المسهلات أو فزع فزعًا أوجب استطلاق جوفه وهي لا تصل إلى المعدة. والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه والله سبحانه قال: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقال صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة" وقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والصوم". فالصائم نهي عن الأكل والشرب لأن ذلك سبب التقوي... (انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية -234/25 - 245). أ.هـ. |
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3760
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: فقه المضمضة والاستنشاق للصائم
الإثنين 18 يوليو 2011, 00:02
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى