- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28468
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
زوجة الجسم ومطلقة الروح
الخميس 10 نوفمبر 2011, 14:11
زوجةُ الجسمِ ومُطلَّقةُ الرّوح |
لبنى شرف - الأردن |
كنت أتحدثُ مع إحدى الأخوات ذات يوم، فتكلمتُ عن الأخ الذي يسيءُ إلى أخته؛ كيف سيُحسِنُ إلى زوجتِه؟ فقالت لي: إن الرجل مع زوجته يختلفُ عن حالِه مع أختِه. قلتُ لها: كيف؟ (وذهبَ ظنّي إلى أنَّ طريقةَ التربية وجوَّ الأسرة ربما لا يساعدُ الأخَ على حسنِ معاملةِ أخواتِه، وربما يتغير إذا تزوج واستقلَّ بحياتِه، ولكنّ جوابَها خالفَ ظنّي). قالت: إنّ الرجلَ إذا تزوجَ، خافَ من أهل زوجته وذويها إن هو أساء إليها بشكل أو بآخر. قلت: عجيب! وماذا لو كانت هذه المرأة (الزوجة) ليس لها مَن تَلوذُ به مِن أبٍ أو أخٍ أو قريب؟ هل سيفعلُ بها الأفاعيل؟ سكتت ولم تُجِبْ. فقلتُ لها: إن الرجلَ الذي لا يُحسِنُ إلى زوجتِه ديناً ومروءةً ورجولةً؛ إنَّ مثلَ هذا الرجل لا ينبغي أن يُزَوَّجَ أصلاً؛ فهو ليسَ أميناً على الزوجة، ولا يُؤمَنُ شرُّه، ولن يردَعَه شيءٌ عن إيذائها أو غصْبِها حقوقِها. سبحان الله! كيف يُزوِّجُ الوليُّ المرأةَ من لا دين له ولا أمانة؟ أم تُراه المال الذي يزغللُ العيون؟! لقد تكلمَ سعيدُ بن المُسَيَّبِ في شرح حديث: "إذا أتاكم من تَرْضوْنَ دينَه وأمانتَه فزوِّجوه، إلّا تفْعلوا، تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير" فقال: "فقد اشترطَ الدينَ، على أن يكونَ مَرْضِيّاً لا أيَّ الدينِ كان، ثم اشترطَ الأمانةَ، وهي مَظهرُ الدينِ كُلَّه بجميعِ حَسَناتِه، وأيْسرها: أن يكون الرجلُ للمرأةِ أميناً، وعلى حقوقِها أميناً، وفي معاملتِها أميناً؛ فلا يبخسُها ولا يُعْنتُها، ولا يسيءُ إليها؛ لأن كلَّ ذلك ثَلْمٌ في أمانتِه؛ فإن ردَّت المرأةُ مَن هذه حالُه وصِفَتُه من أجل المهر ـ تقدمَ إليها بالمهرِ مَن ليست هذه حالَه وصِفتَه، فوقعت الفتنةُ، وفسدَت المرأةُ بالرجلِ، وفسدَ هو بها، وفسدَ النسْلُ بهما جميعاً، وأُهمِلَ مَن لا يملِك، وتعنَّسَتْ مَن لا تجد، ويرجعُ المهرُ الذي هو سببُ الزواجِ سبباً في منعِه". إن طريقةَ تفكيرِ هذه الأخت ـ وغيرها كثيرـ تجعل بعضَ الناس ـ وكما هو واقعٌ ومُشاهَد ـ يُغالون في المهور؛ ظنّاً منهم أنهم بهذا يحافظون على ابنتهم وعلى حياتِها الزوجية من الدمار؛ فلا يُفكر زوجُها في إيذائها أو تطليقها، ولكن الواقعَ يشهدُ بعكسِ هذا، فليسَ المالُ هو الذي يحفظُ للمرأة كرامتَها وحقَّها، بل إنَّ ضِعافَ النفوسِ وفقراءَ الأخلاقِ والفضائلِ الإنسانية من الأزواج يؤذون زوجاتهم ويُسيئون إليهنَّ بُغْيَةَ أن يتنازلْنَ لهم عن هذا المهر، فتخرج المرأةُ صِفْرَ اليديْنِ إلا مِن المَرارِ وسوءِ العِشْرَةِ والإيذاء؛ فهي إمّا أن تُطلَّق، وإمّا أن تكونَ زوجةَ الجسمِ ولكنَّها مُطلَّقةَ الرّوح، وما أتعسَها مِن حياة ـ إن صحَّ أن نُسميها حياة! إن الأولياءَ لو تفكَّروا، لعلِموا أنَّ المالَ كُلَّه لا يفي بحقِّ هذه المرأة لِما تَبْلو وتُجاهدُ في بيت زوجِها، ولَعلِموا أنَّ مهرَ بناتِهم إنَّما هو معاملة أزواجِهنَّ لهنَّ، فهذا هو مهرُهنَّ الحقيقي. مرة أخرى مع سعيدِ بن المُسيَّب، قال: "المرأة للرجل نفسٌ لنفس، لا مَتاعٌ لِشاريه؛ والمتاعُ يُقَوَّمُ بما بُذِلَ فيه إنْ غالياً وإن رخيصاً، ولكن الرجلَ يُقوَّمُ عند المرأةِ بما يكونُ فيه؛ فمهرُها الصحيحُ ليسَ هذا الذي تأخذُه قبلَ أن تُحمَلَ إلى دارِه، ولكنَّه الذي تجدُه منه بعدَ أن تُحمَلَ إلى دارِه؛ مهرُها مُعاملتُها، تأخذُ منه يوماً فيوماً، فلا تزالُ بذلك عروساً على نفسِ رجُلِها ما دامت في معاشرتِه. أما ذلك الصّداق من الذهب والفضة، فهو صداقُ العروسِ الداخلةِ على الجسمِ لا على النفس، أفلا تراه كالجسمِ يهلكُ ويبْلى، أفلا ترى هذه الغالية ـ إن لم تجد النفسَ في رجُلِها ـ قد تكونُ عروسَ اليومِ ومُطلَّقةُ الغد؟!". ومما وردَ في أمرِ تزْويجِ ابنِ المسيَّبِ ابنتِه من عبدِ اللهِ بنِ أبي وداعة، وكانَ يُجالِسُه ويأخذُ عنه العلمَ ويَلْزَمُ حَلقتَه، ورفْضِه تزويجِها مِن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وهو ابنُ أميرِ المؤمنين حينَها ووليُّ عهدِه، وكانَ أن تحدَّثَ الناسُ في هذا الأمرِ، وانتهى كلامُهم إلى ابنِ المُسيَّب فقال: "أما إني ـ علِمَ اللهُ ـ ما زوَّجتُ ابنتي رجلاً أعرفُه فقيراً أو غنيّاً، بل رجلاً أعرفُه بَطَلاً مِن أبطالِ الحياة، يملِكُ أقوى أسلحتِه مِن الدينِ والفضيلة. وقد أَيْقنتُ حين زوجتُها منه أنها ستعرفُ بفضيلةِ نفسِها فضيلَةَ نفسِه، فيتجانسُ الطَّبعُ والطبع، ولا مهْنأَ لرجلٍ وامرأةٍ إلا أن يُجانِسَ طبعُه طبعَها، وقد علِمتُ وعلِمَ الناسُ أنْ ليسَ في مالِ الدنيا ما يَشتري هذه المُجانَسَة، وأنَّها لا تكونُ إلا هديَّةَ قلبٍ لقلبٍ يأْتلِفان ويَتحابّان. أُفٍّ أفّ! أتُريدونَ أن أُزوجَ ابنتي مِن ابن أميرِ المؤمنينَ فيُخْزيَها الله على يديّ، وأدْفعُها إلى القصرِ وهو ذلك المكانُ الذي جَمَعَ كلَّ أقذارِ النفسِ ودَنَسَ الأيامِ والليالي؛ أَأُزوِّجُها رجلاً تعرفُ مِن فضيلةِ نفسِها سُقوطَ نفسِه، فتكونَ زوجةَ جسمِه ومُطلَّقةَ روحِه في وقتٍ معاً؟ ألا كم مِن قصرٍ هو في معناهُ مقبرةٌ، ليسَ فيها مِن هؤلاءِ الأغنياءِ رجالِهم ونسائهم إلا جِيَفٌ يُبْلي بعضُها بعضاً!". صدقتَ يا ابنَ المسَيَّب، ويا ليتهم يفقهون، ويا ليتهم يرتقون إلى هذه المعاني الإنسانية ويترفعون عن هذه الماديات، ويعلمون معنى الحياة الزوجية. ويا ليت الأولياء قبلَ أن يُزوجوا بناتِهم يتذكَّرون أنهم سيُسألون عنهنَّ يوم الحساب، فيستشعِرون عِظَمَ الأمانةِ والمسئوليةِ التي على عاتِقِهم في حسن الرعاية لهُنَّ. |
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى