- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28468
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
مسائل في الأضحية - وأمور يغفل عنها الناس
السبت 22 أكتوبر 2011, 20:34
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي اهتدى بهديه المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق المأمون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد جمعت ما سُئلت عنه سابقًا في مشروعية الأضحية عن الحي والميت، وفي صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة، وفي بيان استحباب دعاء ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح، وسميته «مسائل في الأضحية وصلاة التراويح ودعاء عند ختم القرآن».
أسأل الله تعالى أن يجعله خالصًا لوجهه متبعًا فيه هدي سيد المرسلين إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه/ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي
في 16/12/1418هـ
مسألة
في مشروعية الأضحية عن الحي والميت وأن
الذبح لله في أي وقت من أفضل القربات
الأضحية سنة مؤكدة على كل من قدر عليها، من المسلمين، والمسلمات، وذلك لقوله تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة فليُعد» [متفق عليه].
وقول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته». ولا يعني هذا أنه لا يُزاد على شاة وإنما هذا هو المتأكد، وهو الذي لا ينبغي أن يترك، وأما من رغب في الزيادة وهو غني مستطيع، وأراد أن يخص والديه أو غيرهما بأضحية أو أكثر سواء كانا حيين أم ميتين فله ذلك؛ لأنه عمل صالح وعبادة لله تعالى من أجلِّ العبادات.
ويشهد لما لسنية الأضحية من الفضل العظيم، قول
الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدماء، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وأن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع في الأرض، فطيبوا بها نفسًا» [رواه الترمذي].
وقوله صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له ما هذه الأضاحي، قال: «سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: ما لنا منها. قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف. قال: بكل شعرة من الصوف حسنة» [رواه ابن ماجه والترمذي].
ومن الحكم في مشروعية الأضحية والله تعالى أعلم:
أولاً: التقرب إلى الله تعالى بها، إذ قال سبحانه: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ {. والنسك هنا هو الذبح تقربًا إلى الله تعالى.
الثانية: إحياءً لسنة الخليل عليه الصلاة والسلام، إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه، كما قال تعالى: } وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {.
الثالثة: التوسعة على العيال يوم العيد، والبذل والإحسان على الفقراء والمساكين، كما قال سبحانه وتعالى } فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {.
الرابعة: شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال الله تعالى: } فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ {.
والذبح: إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص، ويقع على وجوه:
الأول: أن يقع عبادة لله تعالى، وذلك بأن يقصد الذابح بنحره تعظيم المذبوح له وهو الله جل وعلا، والتذلل له والتقرب إليه، وذلك بذبح القرابين لله تعالى، من الضحايا والهدايا وغيرها، عن حي أو عن ميت من المسلمين، فهذا الذبح عبادة لله تعالى من أفضل العبادات وأفضل القربات إلى الله تعالى لقوله تعالى: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي { أي: ذبحي: } وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي { أي: ما أحيا عليه من الصالح وما أموات عليه } للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ{ فجمعه تعالى بين هاتين العبادتين «أي الصلاة والذبح» مما يدل على فضل الذبح لله تعالى، وأنه من أفضل العبادات وأفضل القربات لله تعالى. كما جمع بينهما في الآية الثانية بقوله: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { أي: أخلص لربك الصلاة ونحر البُدْن ونحوها على اسمه وحده جل وعلا، فالصلاة أفضل العبادات البدنية، والذبح أفضل العبادات المالية، سواء أُهدي الثواب لحي أو ميت، وإنما كان الذبح أفضلها لأنه يجتمع فيه أمران.
الأمر الأول: أنه طاعة لله تعالى.
الأمر الثاني: أنه بذل ماله وطابت به نفسه، والبذل مشترك في جنس المال كالصدقة بالدارهم عن حي أو ميت، لكن زاد الذبح على غيره في الفضل؛ لما يجتمع للذابح لله تعالى عند النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين وحسن الظن بالله ما يكون به أفضل من جنس الصدقة؛ فلذا كانت التضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما: «التضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها»، ولا يعتبر الإكثار من الذبح لله من الإسراف، سواء كان الذبح لله في وقت الأضحية أو في غيره من أيام السنة، والذبح وإراقة الدماء عبادة مشتملة على تعظيم الله تعالى وإظهار شعائر دينه كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة، ولا يكون أضحية إلا ما ذُبح في يوم النحر وأيام التشريق، وما ذُبح في غير هذا وقُصد به التقرب إلى الله فهو عبادة، ولا يسمى أضحية؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير النحر كثير الصلاة وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما غِرْت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرْت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، وربما قلتُ له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؛ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد».
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد من الهدايا والأضاحي، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {، وقال: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {، ففي كل مِلَّة صلاة ونَسِيكة لا يقوم غيرهما مقامهما؛ ولذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية». انتهى كلامه رحمه الله.
فللمسلم أن يضحي عن أبيه وعن أمه أو عن غيرهما من المسلمين والمسلمات - سواء الأحياء والأموات- ويخص من يشاء منهم بأضحية، والدليل على ذلك هو أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص أهل التوحيد من أمته بأضحية، وليس في الحديث أنه خصص بها الأحياء دون الأموات، بل هو مطلق يدل بمفهومه على جواز التضحية عن الغير من الأحياء أو الأموات، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين، أملحين أقرنين موجوأين، فذبح أحدهما عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، والآخر عن محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد» [رواه الإمام أحمد]، فهذا مما يدل دلالة واضحة على مشروعية التضحية عن الغير وتخصيصه بها.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم ما ضحى عن عمه حمزة ولا عن غيره، فهذا لا يدل على عدم مشروعية التضحية عن الغير؛
أولاً: لأنه قد شُرعت التضحية عن الغير في الحديث المتقدم.
ثانيًا: أن هناك كثيرًا من الأعمال لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم عن عمه كالصدقة والحج والعمرة والوقف وغير ذلك، فلو كان هذا دليلاً لعدم التضحية عن الغير مع وجود الدليل لمُنِع من كثير من أعمال البر والإحسان.
ولكن ليس هذا بدليل عند أهل العلم؛ لأنه قد دلَّ دليل على المشروعية المطلقة، ولأن التضحية عن الغير نوع من الصدقة تصح عن الميت كما دلت على ذلك النصوص، والميت المسلم بحاجة شديدة إلى إهداء الثوب من الأحياء، وإهداء الثواب من المسلم إلى الأحياء والأموات سواء كان بأضحية أو بحج أو بعمرة أو بصدقة بمال أو إطعام طعام في شهر رمضان أو غيره، كل ذلك جائز ويثاب عليه المُهدِي والمُهْدَى له من الأحياء أو الأموات عند أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في ذلك إلا من كان من أهل البدع، كما قرره ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: «أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بدعاء الخلق له، وبما يعمل عنه من البر، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، فمن خالف ذلك كان من أهل البدع».
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «من صام أو صلى أو تصدق، وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة». وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: «الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ذَكَرَهُ المَجْدُ وَغَيْرُه». وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى: «الذي عليه الجمهور والمحققون، وصول الثواب إلى الميت.. والنصوص دالة على أن الحي ينفع الميت لا العكس». وقال في الروض المربع: «فأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك، فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك، وأما إذا أوصى الميت بأضحية أو أضاحي في ثلث ماله، فإنه يجب على الوصي تنفيذ ذلك ولا يجوز له التصدق بثمن الأضحية؛ لأنه خلاف السنة وتغيير للوصية المشروعة.
وأما أحكام الأضحية والهدي:
فالأول السن: فلا يجزئ من الإبل إلا ما تم له خمس سنين، ومن البقر إلا ما تم له سنتان، ومن المعز سنة، ومن الضأن ستة أشهر.
الثاني سلامتها من العيوب: لحديث «أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقى». وروى أبو داود والنسائي عن عبيد بن فيروز رحمه الله قال: سألنا البراء عما لا يجوز في الأضاحي فقال: قام قينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: «أربع وأشار بأربع أصابعه، لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، قال قلت: فإني أكره في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد». وقد يكون في البهيمة عيوب لا تمنع الإجزاء، ولكن توجب الكراهة فتكون السليمة أولى.
وأما وقت ذبح الأضحية فهو بعد صلاة العيد فلا تجزئ قبله، وأما الوِكَالة في ذبحها فجائزة إلا أنه يستحب أن يباشر المسلم أضحيته بنفسه وكذلك المرأة، فقد كان أبو موسى يأمر بناته أن يضحين بأيديهن، وإن أناب المضحي غيره في ذبحها جاز ذلك بلا حرج.
ويستحب أن يوجه الأضحية عند الذبح إلى القبلة، ويقول: } إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {، } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {، وإذا باشر الذبح وجب أن يقول: (بسم الله)، وسُن له أن يزيد (والله أكبر اللهم منك ولك).
فاتقوا الله تعالى، وعظموا شعائره، وانتقوا ضحاياكم، واستسمنوها، وتحروا بصدقاتكم منها فقراءكم، وبهداياكم من ضحاياكم أرحامكم وجيرانكم، قال الله تعالى: } وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مسألة
في صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة
س: المكرم الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد: فإني إمام مسجد وأطلب منكم أن تبينوا لي الأفضل في صلاة التراويح والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الجواب: الحمد لله ... الذي أَسْتحبه في عدد صلاة التراويح هو ما كان يُفعل في عهد عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا ثلاثًا وعشرين ركعة، وأما صلاة الليل فهي عند كثير من أهل العلم لم تقيد بعدد، بل يرجع ذلك إلى تطويل الصلاة وتخفيفها، لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت». وحديث عائشة رضي الله عنها: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة». لا يدل على عدم فضيلة الزيادة على ذلك.
أولاً: لأنه فعل من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عمر الأول الذي ليس فيه تحديد «قول» و«القول» أقوى من الفعل عند الأصوليين، ولقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من السنن وأفعال الخير بقوله، وقد يكون فعلها مرة أو مرات، فمن ذلك الصيام، ومعلوم صيامه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «صم أفضل الصيام عند الله: صوم داود u كان يصوم يومًا ويفطر يومًا» [رواه مسلم].
ومن ذلك الحج والعمرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة، واعتمر أربع عمر، مع أنه رغب في الإكثار من الحج والعمرة فقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»، وهكذا الإكثار من صلاة الليل والنهار بغير أوقات النهي رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لربيعة بن كعب الأسلمي لما قال له أسألك مرافقتك في الجنة قال: «أو غير ذلك. قال: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» [رواه مسلم].
وكما قال في الحديث المتقدم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أرادت أن تنصرف فراكع ركعة توتر لك ما صليت» [متفق عليه].
ثانيًا: إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد على إحدى عشرة، فصلى ثلاث عشرة ركعة.
ثالثًا: الذي يدل دلالة واضحة على أن حديث عائشة رضي الله عنها «ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة» لا يدل على عدم فضيلة الزيادة هو ما جاء في الصحيح عن عائشة نفسه رضي الله عنها حيث قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيكتب عليهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها»، ولذا اختلف أهل العلم هل الأفضل في صلاة الليل طول القيام والركوع والسجود، أم الأفضل تكثير عدد القيام والركوع والسجود مع التخفيف، وممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، ولو كان لا يزاد على إحدى عشرة ركعة ما حصل اختلاف في ذلك.
فالذي أنصح به إمام المسجد أن لا يفوِّت على المأمومين أجر الزيادة من الركوع والسجود في شهر تضاعف فيه الحسنات، وأن يصلي بهم ثلاثًا وعشرين ركعة كما استمر عليه عمل المسلمين منذ زمان طويل من عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يومنا هذا في الحرمين الشريفين وغيرهما.
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
مسألة
استحباب دعاء ختم القرآن الكريم
في صلاة التراويح
س:- الأخ المكرم الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد: فقد سمعت من بعض الناس أن دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح بدعة، فهل ذلك صحيح أم لا، وما هو الصحيح أفتونا بارك الله فيكم؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الجواب: دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح مستحب؛ لأن كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة؛ فإنه يؤتى به كما جاء في حديث حذيفة الذي رواه مسلم، وحديث عثمان بن أبي العاص قال: «قلت يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خنزب؛ فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل عن يسارك ثلاثًا» [رواه مسلم]، وحديث سهل بن سعد أن أبا بكر رضي الله عنه: «رفع يديه إلى السماء فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ثم استأخر»، والحديث في الصحيح، وكذا القنوت في النوازل وفي الوتر.
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ويقول في الصلاة كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة وما فيه دعاء يحصل للتالي والمستمع». انتهى. وقال إمام أهل السنة وقامع البدعة والثابت في المحنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لما سُئل عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة: أيدعو قائمًا في الصلاة أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام، فقال: لا بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمة، قيل له: فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن قال: نعم». انتهى.
وحسبك بإمام أهل السنة الذي رزقه الله الدراية والرواية أن يقول ختم القرآن في صلاة التراويح، وليس بمستحب فضلاً أن يكون بدعة أعاذه الله من ذلك.
وقال ابن قاسم رحمه الله تعالى في حاشية الروض المربع: ويتحرى أن يختم آخر التراويح قبل ركوعه، ويستحب أن يدعو، نص عليه، واحتج بأنه رأى أهل الشام وسفيان بن عيينة يفعلونه، ونُقل عن أهل البصرة، ونُقل فعله عن عثمان وغيره من الصحابة، ولا بأس برفع الأيدي فيه واستحبه كثير من العلماء، ولشيخ الإسلام دعاء عند ختم القرآن جامع شامل، قال: «وروي أن عند كل ختمة دعوة مستجابة، فإذا دعا عقب الختمة لنفسه ولوالديه ولمشائخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان مشروعًا»، وقال: «وينبغي لمن يؤخر بعض التروايح في العشر الأخير إلى آخر الليل، ويحضرها من لا يحضر أوله أن يبتدئ ختمة أخرى ليسمعه من يحضر آخره دون أوله». انتهى من الحاشية. وبهذا تعلم استحباب دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح.
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، أسأله جل وعلا أن يرزقنا علمًا نافعًا وعملاً صالحًا متقبلاً، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل.
قال ذلك/ عبد الله بن إبراهيم بن عثمان القرعاوي.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الفهرس
مقدمة المؤلف.. 5
مسألة في مشروعية الأضحية عن الحي والميت وأن الذبح لله
في أي وقت من أفضل القربات.. 6
مسألة: في صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة 13
مسألة: استحباب دعاء ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح. 16
الفهرس.. 19
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي اهتدى بهديه المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق المأمون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد جمعت ما سُئلت عنه سابقًا في مشروعية الأضحية عن الحي والميت، وفي صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة، وفي بيان استحباب دعاء ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح، وسميته «مسائل في الأضحية وصلاة التراويح ودعاء عند ختم القرآن».
أسأل الله تعالى أن يجعله خالصًا لوجهه متبعًا فيه هدي سيد المرسلين إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه/ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي
في 16/12/1418هـ
مسألة
في مشروعية الأضحية عن الحي والميت وأن
الذبح لله في أي وقت من أفضل القربات
الأضحية سنة مؤكدة على كل من قدر عليها، من المسلمين، والمسلمات، وذلك لقوله تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة فليُعد» [متفق عليه].
وقول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته». ولا يعني هذا أنه لا يُزاد على شاة وإنما هذا هو المتأكد، وهو الذي لا ينبغي أن يترك، وأما من رغب في الزيادة وهو غني مستطيع، وأراد أن يخص والديه أو غيرهما بأضحية أو أكثر سواء كانا حيين أم ميتين فله ذلك؛ لأنه عمل صالح وعبادة لله تعالى من أجلِّ العبادات.
ويشهد لما لسنية الأضحية من الفضل العظيم، قول
الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدماء، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وأن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع في الأرض، فطيبوا بها نفسًا» [رواه الترمذي].
وقوله صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له ما هذه الأضاحي، قال: «سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: ما لنا منها. قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف. قال: بكل شعرة من الصوف حسنة» [رواه ابن ماجه والترمذي].
ومن الحكم في مشروعية الأضحية والله تعالى أعلم:
أولاً: التقرب إلى الله تعالى بها، إذ قال سبحانه: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ {. والنسك هنا هو الذبح تقربًا إلى الله تعالى.
الثانية: إحياءً لسنة الخليل عليه الصلاة والسلام، إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه، كما قال تعالى: } وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {.
الثالثة: التوسعة على العيال يوم العيد، والبذل والإحسان على الفقراء والمساكين، كما قال سبحانه وتعالى } فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {.
الرابعة: شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال الله تعالى: } فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ {.
والذبح: إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص، ويقع على وجوه:
الأول: أن يقع عبادة لله تعالى، وذلك بأن يقصد الذابح بنحره تعظيم المذبوح له وهو الله جل وعلا، والتذلل له والتقرب إليه، وذلك بذبح القرابين لله تعالى، من الضحايا والهدايا وغيرها، عن حي أو عن ميت من المسلمين، فهذا الذبح عبادة لله تعالى من أفضل العبادات وأفضل القربات إلى الله تعالى لقوله تعالى: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي { أي: ذبحي: } وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي { أي: ما أحيا عليه من الصالح وما أموات عليه } للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ{ فجمعه تعالى بين هاتين العبادتين «أي الصلاة والذبح» مما يدل على فضل الذبح لله تعالى، وأنه من أفضل العبادات وأفضل القربات لله تعالى. كما جمع بينهما في الآية الثانية بقوله: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { أي: أخلص لربك الصلاة ونحر البُدْن ونحوها على اسمه وحده جل وعلا، فالصلاة أفضل العبادات البدنية، والذبح أفضل العبادات المالية، سواء أُهدي الثواب لحي أو ميت، وإنما كان الذبح أفضلها لأنه يجتمع فيه أمران.
الأمر الأول: أنه طاعة لله تعالى.
الأمر الثاني: أنه بذل ماله وطابت به نفسه، والبذل مشترك في جنس المال كالصدقة بالدارهم عن حي أو ميت، لكن زاد الذبح على غيره في الفضل؛ لما يجتمع للذابح لله تعالى عند النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين وحسن الظن بالله ما يكون به أفضل من جنس الصدقة؛ فلذا كانت التضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما: «التضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها»، ولا يعتبر الإكثار من الذبح لله من الإسراف، سواء كان الذبح لله في وقت الأضحية أو في غيره من أيام السنة، والذبح وإراقة الدماء عبادة مشتملة على تعظيم الله تعالى وإظهار شعائر دينه كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة، ولا يكون أضحية إلا ما ذُبح في يوم النحر وأيام التشريق، وما ذُبح في غير هذا وقُصد به التقرب إلى الله فهو عبادة، ولا يسمى أضحية؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير النحر كثير الصلاة وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما غِرْت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرْت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، وربما قلتُ له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؛ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد».
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد من الهدايا والأضاحي، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {، وقال: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {، ففي كل مِلَّة صلاة ونَسِيكة لا يقوم غيرهما مقامهما؛ ولذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية». انتهى كلامه رحمه الله.
فللمسلم أن يضحي عن أبيه وعن أمه أو عن غيرهما من المسلمين والمسلمات - سواء الأحياء والأموات- ويخص من يشاء منهم بأضحية، والدليل على ذلك هو أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص أهل التوحيد من أمته بأضحية، وليس في الحديث أنه خصص بها الأحياء دون الأموات، بل هو مطلق يدل بمفهومه على جواز التضحية عن الغير من الأحياء أو الأموات، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين، أملحين أقرنين موجوأين، فذبح أحدهما عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، والآخر عن محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد» [رواه الإمام أحمد]، فهذا مما يدل دلالة واضحة على مشروعية التضحية عن الغير وتخصيصه بها.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم ما ضحى عن عمه حمزة ولا عن غيره، فهذا لا يدل على عدم مشروعية التضحية عن الغير؛
أولاً: لأنه قد شُرعت التضحية عن الغير في الحديث المتقدم.
ثانيًا: أن هناك كثيرًا من الأعمال لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم عن عمه كالصدقة والحج والعمرة والوقف وغير ذلك، فلو كان هذا دليلاً لعدم التضحية عن الغير مع وجود الدليل لمُنِع من كثير من أعمال البر والإحسان.
ولكن ليس هذا بدليل عند أهل العلم؛ لأنه قد دلَّ دليل على المشروعية المطلقة، ولأن التضحية عن الغير نوع من الصدقة تصح عن الميت كما دلت على ذلك النصوص، والميت المسلم بحاجة شديدة إلى إهداء الثوب من الأحياء، وإهداء الثواب من المسلم إلى الأحياء والأموات سواء كان بأضحية أو بحج أو بعمرة أو بصدقة بمال أو إطعام طعام في شهر رمضان أو غيره، كل ذلك جائز ويثاب عليه المُهدِي والمُهْدَى له من الأحياء أو الأموات عند أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في ذلك إلا من كان من أهل البدع، كما قرره ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: «أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بدعاء الخلق له، وبما يعمل عنه من البر، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، فمن خالف ذلك كان من أهل البدع».
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «من صام أو صلى أو تصدق، وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة». وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: «الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ذَكَرَهُ المَجْدُ وَغَيْرُه». وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى: «الذي عليه الجمهور والمحققون، وصول الثواب إلى الميت.. والنصوص دالة على أن الحي ينفع الميت لا العكس». وقال في الروض المربع: «فأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك، فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك، وأما إذا أوصى الميت بأضحية أو أضاحي في ثلث ماله، فإنه يجب على الوصي تنفيذ ذلك ولا يجوز له التصدق بثمن الأضحية؛ لأنه خلاف السنة وتغيير للوصية المشروعة.
وأما أحكام الأضحية والهدي:
فالأول السن: فلا يجزئ من الإبل إلا ما تم له خمس سنين، ومن البقر إلا ما تم له سنتان، ومن المعز سنة، ومن الضأن ستة أشهر.
الثاني سلامتها من العيوب: لحديث «أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقى». وروى أبو داود والنسائي عن عبيد بن فيروز رحمه الله قال: سألنا البراء عما لا يجوز في الأضاحي فقال: قام قينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: «أربع وأشار بأربع أصابعه، لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، قال قلت: فإني أكره في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد». وقد يكون في البهيمة عيوب لا تمنع الإجزاء، ولكن توجب الكراهة فتكون السليمة أولى.
وأما وقت ذبح الأضحية فهو بعد صلاة العيد فلا تجزئ قبله، وأما الوِكَالة في ذبحها فجائزة إلا أنه يستحب أن يباشر المسلم أضحيته بنفسه وكذلك المرأة، فقد كان أبو موسى يأمر بناته أن يضحين بأيديهن، وإن أناب المضحي غيره في ذبحها جاز ذلك بلا حرج.
ويستحب أن يوجه الأضحية عند الذبح إلى القبلة، ويقول: } إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {، } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {، وإذا باشر الذبح وجب أن يقول: (بسم الله)، وسُن له أن يزيد (والله أكبر اللهم منك ولك).
فاتقوا الله تعالى، وعظموا شعائره، وانتقوا ضحاياكم، واستسمنوها، وتحروا بصدقاتكم منها فقراءكم، وبهداياكم من ضحاياكم أرحامكم وجيرانكم، قال الله تعالى: } وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مسألة
في صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة
س: المكرم الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد: فإني إمام مسجد وأطلب منكم أن تبينوا لي الأفضل في صلاة التراويح والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الجواب: الحمد لله ... الذي أَسْتحبه في عدد صلاة التراويح هو ما كان يُفعل في عهد عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا ثلاثًا وعشرين ركعة، وأما صلاة الليل فهي عند كثير من أهل العلم لم تقيد بعدد، بل يرجع ذلك إلى تطويل الصلاة وتخفيفها، لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت». وحديث عائشة رضي الله عنها: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة». لا يدل على عدم فضيلة الزيادة على ذلك.
أولاً: لأنه فعل من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عمر الأول الذي ليس فيه تحديد «قول» و«القول» أقوى من الفعل عند الأصوليين، ولقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من السنن وأفعال الخير بقوله، وقد يكون فعلها مرة أو مرات، فمن ذلك الصيام، ومعلوم صيامه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «صم أفضل الصيام عند الله: صوم داود u كان يصوم يومًا ويفطر يومًا» [رواه مسلم].
ومن ذلك الحج والعمرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة، واعتمر أربع عمر، مع أنه رغب في الإكثار من الحج والعمرة فقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»، وهكذا الإكثار من صلاة الليل والنهار بغير أوقات النهي رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لربيعة بن كعب الأسلمي لما قال له أسألك مرافقتك في الجنة قال: «أو غير ذلك. قال: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» [رواه مسلم].
وكما قال في الحديث المتقدم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أرادت أن تنصرف فراكع ركعة توتر لك ما صليت» [متفق عليه].
ثانيًا: إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد على إحدى عشرة، فصلى ثلاث عشرة ركعة.
ثالثًا: الذي يدل دلالة واضحة على أن حديث عائشة رضي الله عنها «ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة» لا يدل على عدم فضيلة الزيادة هو ما جاء في الصحيح عن عائشة نفسه رضي الله عنها حيث قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيكتب عليهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها»، ولذا اختلف أهل العلم هل الأفضل في صلاة الليل طول القيام والركوع والسجود، أم الأفضل تكثير عدد القيام والركوع والسجود مع التخفيف، وممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، ولو كان لا يزاد على إحدى عشرة ركعة ما حصل اختلاف في ذلك.
فالذي أنصح به إمام المسجد أن لا يفوِّت على المأمومين أجر الزيادة من الركوع والسجود في شهر تضاعف فيه الحسنات، وأن يصلي بهم ثلاثًا وعشرين ركعة كما استمر عليه عمل المسلمين منذ زمان طويل من عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يومنا هذا في الحرمين الشريفين وغيرهما.
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
مسألة
استحباب دعاء ختم القرآن الكريم
في صلاة التراويح
س:- الأخ المكرم الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد: فقد سمعت من بعض الناس أن دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح بدعة، فهل ذلك صحيح أم لا، وما هو الصحيح أفتونا بارك الله فيكم؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الجواب: دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح مستحب؛ لأن كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة؛ فإنه يؤتى به كما جاء في حديث حذيفة الذي رواه مسلم، وحديث عثمان بن أبي العاص قال: «قلت يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خنزب؛ فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل عن يسارك ثلاثًا» [رواه مسلم]، وحديث سهل بن سعد أن أبا بكر رضي الله عنه: «رفع يديه إلى السماء فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ثم استأخر»، والحديث في الصحيح، وكذا القنوت في النوازل وفي الوتر.
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ويقول في الصلاة كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة وما فيه دعاء يحصل للتالي والمستمع». انتهى. وقال إمام أهل السنة وقامع البدعة والثابت في المحنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لما سُئل عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة: أيدعو قائمًا في الصلاة أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام، فقال: لا بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمة، قيل له: فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن قال: نعم». انتهى.
وحسبك بإمام أهل السنة الذي رزقه الله الدراية والرواية أن يقول ختم القرآن في صلاة التراويح، وليس بمستحب فضلاً أن يكون بدعة أعاذه الله من ذلك.
وقال ابن قاسم رحمه الله تعالى في حاشية الروض المربع: ويتحرى أن يختم آخر التراويح قبل ركوعه، ويستحب أن يدعو، نص عليه، واحتج بأنه رأى أهل الشام وسفيان بن عيينة يفعلونه، ونُقل عن أهل البصرة، ونُقل فعله عن عثمان وغيره من الصحابة، ولا بأس برفع الأيدي فيه واستحبه كثير من العلماء، ولشيخ الإسلام دعاء عند ختم القرآن جامع شامل، قال: «وروي أن عند كل ختمة دعوة مستجابة، فإذا دعا عقب الختمة لنفسه ولوالديه ولمشائخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان مشروعًا»، وقال: «وينبغي لمن يؤخر بعض التروايح في العشر الأخير إلى آخر الليل، ويحضرها من لا يحضر أوله أن يبتدئ ختمة أخرى ليسمعه من يحضر آخره دون أوله». انتهى من الحاشية. وبهذا تعلم استحباب دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح.
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، أسأله جل وعلا أن يرزقنا علمًا نافعًا وعملاً صالحًا متقبلاً، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل.
قال ذلك/ عبد الله بن إبراهيم بن عثمان القرعاوي.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الفهرس
مقدمة المؤلف.. 5
مسألة في مشروعية الأضحية عن الحي والميت وأن الذبح لله
في أي وقت من أفضل القربات.. 6
مسألة: في صلاة التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة 13
مسألة: استحباب دعاء ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح. 16
الفهرس.. 19
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى