- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28470
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
تلبيس إبليس على الصوفية في مطاعمهم ومشاربهم
الجمعة 30 سبتمبر 2011, 21:51
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في مطاعمهم ومشاربهم1
قال المصنف رحمه الله: قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم
ـــــــ
1 في الأصل وملابسهم وهو تحريف من الناسخ.
قال المصنف رحمه الله: قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم
ـــــــ
1 في الأصل وملابسهم وهو تحريف من الناسخ.
(1/184)
وخشونته ومنعهم شرب الماء البارد فلما بلغ إلى المتأخرين استراح من التعب واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم.
ذكر طرف مما فعله قدماؤهم
قال المصنف رحمه الله: كان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن فروي لنا عن سهل بن عبد الله أنه كان في بدايته يشتري بدرهم دبسا وبدرهمين سمنا وبدرهم دقيق الأرز فيخلطه ويجعله ثلاثمائة وستين كرة فيفطر كل ليلة على واحدة وحكى عنه أبو حامد الطوسي قال كان سهل يقتات ورق النبق مدة وأكل دقاق التبين مدة ثلاث سنين واقتات بثلاث دراهم في ثلاث سنين أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري نا أبو سعد بن أبي صادق نا أبو باكويه ثني أبو الفرج بن حمزة التكريتي ثني أبو عبد الله الحصري قال سمعت أبا جعفر الحداد يقول أشرف علي أبو تراب يوما وأنا على بكرة ماء ولي ستة عشر يوما ولم آكل شيئا ولم أشرب فيها ماء فقال ما جلوسك ههنا فقلت أنا بين العلم واليقين وأنا أنظر من يغلب فأكون معه فقال سيكون لك شأن أخبرنا أبو بكر ابن حبيب نا ابن أبي صادق ثنا ابن باكويه نا عبد العزيز بن الفضل ثنا علي بن عبد الله العمري ثنا محمد بن فليح ثني إبراهيم بن البنا البغدادي قال صحبت ذا النون من أخميم إلى الإسكندرية فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصا وملحا كان معي وقلت هلم فقال لي ملحك مدقوق قلت نعم قال لست تفلح فنظرت إلى مزوده فإذا فيه قليل سويق شعير يستف منه أخبرنا ابن ظفر نا ابن السراج نا عبد العزيز ابن علي الازجي نا ابن جهضم ثنا محمد بن عيسى بن هارون الدقاق ثنا أحمد بن أنس بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول الزبد بالعسل إسراف قال ابن جهضم وحدثنا محمد بن يوسف البصري قال سمعت أبا سعيد صاحب سهل يقول بلغ أبا عبد الله الزبيري وزكريا الساجي وابن ابي أوفى أن سهل بن عبد الله يقول انا حجة الله على الخلق فاجتمعوا عنده فأقبل عليه الزبيري فقال له بلغنا أنك قلت أنا حجة الله على الخلق فبماذا أنبي أنت أصديق أنت قال سهل لم أذهب حيث تظن ولكن إنما قلت هذا هذا لأخدي الحلال فتعالوا كلكم حتى نصحح الحلال قالوا فأنت قد صححته قال نعم قال وكيف قال سهل قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي علي سبعة أجزاء فاتركه حتى يذهب منها ستة أجزاء ويبقى جزء واحد فاذا خفت أن يذهب ذلك الجزء ويتلف معه نفسي خفت أن أكون قد أعنت عليها وقتلتها دفعت إليها من البلغة ما يرد الستة الأجزاء.
ذكر طرف مما فعله قدماؤهم
قال المصنف رحمه الله: كان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن فروي لنا عن سهل بن عبد الله أنه كان في بدايته يشتري بدرهم دبسا وبدرهمين سمنا وبدرهم دقيق الأرز فيخلطه ويجعله ثلاثمائة وستين كرة فيفطر كل ليلة على واحدة وحكى عنه أبو حامد الطوسي قال كان سهل يقتات ورق النبق مدة وأكل دقاق التبين مدة ثلاث سنين واقتات بثلاث دراهم في ثلاث سنين أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري نا أبو سعد بن أبي صادق نا أبو باكويه ثني أبو الفرج بن حمزة التكريتي ثني أبو عبد الله الحصري قال سمعت أبا جعفر الحداد يقول أشرف علي أبو تراب يوما وأنا على بكرة ماء ولي ستة عشر يوما ولم آكل شيئا ولم أشرب فيها ماء فقال ما جلوسك ههنا فقلت أنا بين العلم واليقين وأنا أنظر من يغلب فأكون معه فقال سيكون لك شأن أخبرنا أبو بكر ابن حبيب نا ابن أبي صادق ثنا ابن باكويه نا عبد العزيز بن الفضل ثنا علي بن عبد الله العمري ثنا محمد بن فليح ثني إبراهيم بن البنا البغدادي قال صحبت ذا النون من أخميم إلى الإسكندرية فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصا وملحا كان معي وقلت هلم فقال لي ملحك مدقوق قلت نعم قال لست تفلح فنظرت إلى مزوده فإذا فيه قليل سويق شعير يستف منه أخبرنا ابن ظفر نا ابن السراج نا عبد العزيز ابن علي الازجي نا ابن جهضم ثنا محمد بن عيسى بن هارون الدقاق ثنا أحمد بن أنس بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول الزبد بالعسل إسراف قال ابن جهضم وحدثنا محمد بن يوسف البصري قال سمعت أبا سعيد صاحب سهل يقول بلغ أبا عبد الله الزبيري وزكريا الساجي وابن ابي أوفى أن سهل بن عبد الله يقول انا حجة الله على الخلق فاجتمعوا عنده فأقبل عليه الزبيري فقال له بلغنا أنك قلت أنا حجة الله على الخلق فبماذا أنبي أنت أصديق أنت قال سهل لم أذهب حيث تظن ولكن إنما قلت هذا هذا لأخدي الحلال فتعالوا كلكم حتى نصحح الحلال قالوا فأنت قد صححته قال نعم قال وكيف قال سهل قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي علي سبعة أجزاء فاتركه حتى يذهب منها ستة أجزاء ويبقى جزء واحد فاذا خفت أن يذهب ذلك الجزء ويتلف معه نفسي خفت أن أكون قد أعنت عليها وقتلتها دفعت إليها من البلغة ما يرد الستة الأجزاء.
(1/185)
أخبرنا ابن حبيب نا ابن أبي صادق نا ابن باكويه قال أخبرني أبو عبد الله ابن مفلح قال خبرني أبي أخبرني أبو عبد الله بن زيد1 قال لي منذ أربعين سنة ما أطعمت نفسي طعاما إلا في وقت ما أحل الله لها الميتة أخبرنا ابن ناصر نا أبو الفضل محمد بن علي بن احمد السهلكي ثنى أبو الحسن علي بن محمد القوهي ثنا عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قال جاء رجل إلى أبي يزيد قال أريد أن أجلس في مسجدك الذي أنت فيه قال لا تطيق ذلك فقال ان رأيت ان توسع لي في ذلك فأذن له فجلس يوما لا يطعم فصبر فلما كان في اليوم الثاني قال له يا أستاذ لا بد مما لا بد منه فقال يا غلام لا بد من الله قال يا أستاذ نريد القوت قال يا غلام القوت عندنا إطاعة الله فقال يا أستاذ أريد شيئا يقيم جسدي في طاعته عز وجل فقال يا غلام ان الأجسام لا تقوم إلا بالله عز وجل.
أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي قالا نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ قال سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا عثمان الآدمي يقول سمعت ابراهيم الخواص يقول حدثني أخ لي كان يصحب أبا تراب نظر إلى صوفي مد يده إلى قشر البطيخ وكان قد طوى ثلاثة أيام فقال له تمد يدك إلى قشر البطيخ أنت لا يصلح لك التصوف إلزم السوق أخبرنا محمد بن أبي القاسم أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب نا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا القاسم القيرواني يقول سمعت بعض أصحابنا يقول أقام أبو الحسن النصيبي بالحرم أياما مع أصحاب لهم سبعة لم يأكلوا فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأى قشر بطيخ فأخذه فأكله فرآه انسان فاتبعه بشيء وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم فقال الشيخ من جنى منكم هذه الجناية فقال الرجل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته فقال كن مع جنايتك ومع هذا الرفق وخرج من الحرم ومعه أصحابه وتبعه الرجل فقال ألم أقل لك كن مع جنايتك فقال الرجل أنا تائب إلى الله تعالى مما جرى مني فقال الشيخ لا كلام بعد التوبة.
أخبرنا عمر بن ظفر نا ابن السراج نا أبو القاسم الأزجي نا أبو الحسن بن جهضم ثنا ابراهيم بن محمد الشنوزي قال سمعت بنان بن محمد يقول كنت بمكة مجاورا فرأيت بها ابراهيم الخواص وأتى علي أيام لم يفتح علي بشيء وكان بمكة مزين يحب الفقراء وكان من أخلاقه إذا
ـــــــ
1 في النسخة الثانية ابن وتد.
أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي قالا نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ قال سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا عثمان الآدمي يقول سمعت ابراهيم الخواص يقول حدثني أخ لي كان يصحب أبا تراب نظر إلى صوفي مد يده إلى قشر البطيخ وكان قد طوى ثلاثة أيام فقال له تمد يدك إلى قشر البطيخ أنت لا يصلح لك التصوف إلزم السوق أخبرنا محمد بن أبي القاسم أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب نا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا القاسم القيرواني يقول سمعت بعض أصحابنا يقول أقام أبو الحسن النصيبي بالحرم أياما مع أصحاب لهم سبعة لم يأكلوا فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأى قشر بطيخ فأخذه فأكله فرآه انسان فاتبعه بشيء وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم فقال الشيخ من جنى منكم هذه الجناية فقال الرجل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته فقال كن مع جنايتك ومع هذا الرفق وخرج من الحرم ومعه أصحابه وتبعه الرجل فقال ألم أقل لك كن مع جنايتك فقال الرجل أنا تائب إلى الله تعالى مما جرى مني فقال الشيخ لا كلام بعد التوبة.
أخبرنا عمر بن ظفر نا ابن السراج نا أبو القاسم الأزجي نا أبو الحسن بن جهضم ثنا ابراهيم بن محمد الشنوزي قال سمعت بنان بن محمد يقول كنت بمكة مجاورا فرأيت بها ابراهيم الخواص وأتى علي أيام لم يفتح علي بشيء وكان بمكة مزين يحب الفقراء وكان من أخلاقه إذا
ـــــــ
1 في النسخة الثانية ابن وتد.
(1/186)
جاءه الفقير يحتجم اشترى له لحما فطبخه فأطعمه فقصدته وقلت أريد أن أحتجم فأرسل من يشتري لحما وأمر بأصلاحه وجلست بين يديه فجعلت نفسي تقول ترى يكون فراغ القدر مع فراغ الحجامة؟ ثم استيقظت وقلت يا نفس إنما جئت تحتجمين لتطمعي عاهدت الله تعالى ألا ذقت من طعامه شيئا فلما فرغ انصرفت فقال سبحان الله أنت تعرف الشرط فقلت ثم عقد فسكت وجئت إلى المسجد الحرام ولم يقدر لي شيء آكله فلما كان من الغد بقيت إلى آخر النهار ولم يتفق أيضا فلما قمت لصلاة العصر سقطت وغشي علي واجتمع حولي ناس وحسبوا أني مجنون فقام ابراهيم وفرق الناس وجلس عندي يحدثني ثم قال تأكل شيئا قلت قرب الليل فقال أحسنتم يا مبتدئون اثبتوا على هذا تفلحوا ثم قام فلما صلينا العشاء الآخرة إذا هو قد جاءني ومعه قصعة فيها عدس ورغيفان ودورق ماء فوضعه بين يدي وقال كل ذلك فأكلت الرغيفين والعدس فقال فيك فضل تأكل شيئا آخر قلت نعم فمضى وجاء بقصعة عدس ورغيفين فأكلتهما وقلت قد اكتفيت فاضطجعت فما قمت ليلتي ونمت إلى الصباح ما صليت ولا طفت.
أنبأنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ثنا ابي قال سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول سمعت منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول سمعت أبا علي الروزباري يقول اذا قال الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق وأمروه بالكسب أنبأنا عبد المنعم ثنا أبي قال سمعت ابن باكويه يقول سمعت أبا احمد الصغير يقول أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لافطاره فأشفقت عليه ليلة فحملت اليه خمسة عشر حبة فنظر إلي وقال من أمرك بهذا وأكل عشر حبات وترك الباقي؟
أخبرنا أبو بكر بن حبيب نا علي بن أبي صادق نا ابن باكويه قال سمعت عبد الله بن خفيف يقول كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلاء فمضيت يوما فاقتصدت فخرج من عرقي شبه ماء اللحم وغشي علي فتحير الفصاد وقال ما رأيت جسدا لأدم فيه إلا هذا.
فصل: قال المصنف: وقد كان فيهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها ويحتج بما أخبرنا به علي بن عبد الواحد الدينوري نا أبو الحسن القزويني نا أبو حفص بن الزيات ثنا ابن ماجه ثنا أزهر بن جميل ثنا بزيغ عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحرموا
أنبأنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ثنا ابي قال سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول سمعت منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول سمعت أبا علي الروزباري يقول اذا قال الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق وأمروه بالكسب أنبأنا عبد المنعم ثنا أبي قال سمعت ابن باكويه يقول سمعت أبا احمد الصغير يقول أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لافطاره فأشفقت عليه ليلة فحملت اليه خمسة عشر حبة فنظر إلي وقال من أمرك بهذا وأكل عشر حبات وترك الباقي؟
أخبرنا أبو بكر بن حبيب نا علي بن أبي صادق نا ابن باكويه قال سمعت عبد الله بن خفيف يقول كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلاء فمضيت يوما فاقتصدت فخرج من عرقي شبه ماء اللحم وغشي علي فتحير الفصاد وقال ما رأيت جسدا لأدم فيه إلا هذا.
فصل: قال المصنف: وقد كان فيهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها ويحتج بما أخبرنا به علي بن عبد الواحد الدينوري نا أبو الحسن القزويني نا أبو حفص بن الزيات ثنا ابن ماجه ثنا أزهر بن جميل ثنا بزيغ عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحرموا
(1/187)
أنفسكم طيب الطعام فانما قوي الشيطان أن يجري في العروق بها" وفيهم من كان يمتنع من شرب الماء الصافي وفيهم من يمتنع من شرب الماء البارد فيشرب الحار ومنهم من كان يجعل ماءه في دن مدفون في الأرض فيصير حارا ومنهم من يعاقب نفسه بترك الماء مدة وأخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا أبو الفضل محمد بن علي السهلكي قال سمعت عبد الواحد بن بكر الورياني ثني محمد بن سعدان ثني عيسى بن موسى البسطامي قال سمعت أبي يقول قال سمعت عمي خادم أبي يزيد يقول ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة قال وأسهل ما لاقت نفسي مني أني سألتها أمرا من الأمور فأبت فعزمت أن لا أشرب الماء سنة فما شربت الماء سنة وحكى أبو حامد الغزالي عن أبي يزيد انه قال دعوت نفسي إلى الله عز وجل فجمحت فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك.
فصل: قال المصنف: وقد رتب أبو طالب المكي للقوم ترتيبات في المطاعم فقال استحب للمريد ألا يزيد على رغيفين في يوم وليلة قال ومن الناس من كان يعمل في الأقوات فيقلها وكان بعضهم يزن قوته بكربة من كرب النخل وهي تجف كل يوم قليلا فينقص من قوته بمقدار ذلك قال ومنهم من كان يعمل في الأوقات فيأكل كل يوم ثم يتدرج إلى يومين وثلاثة قال والجوع ينقص دم الفؤاد فيبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته وفي رقته مفتاح المكاشفة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتاباسماه رياضة النفوس قال فيه فينبغي للمبتدىء في هذا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين توبة من الله ثم يفطر فيطعم اليسير ويأكل كسرة كسرة ويقطع الأدام والفواكه واللذة ومجالسة الإخوان والنظر في الكتب وهذه كلها أفراح للنفس فيمنع النفس لذتها حتى تملىء غما.
قال المصنف وقد أخرج لهم بعض المتأخرين الأربعينية يبقى أحدهم أربعين يوما لا يأكل الخبز ولكنه يشرب الزيوتات ويأكل الفواكه الكثيرة اللذيذة فهذه نبذة من ذكر أفعالهم في مطاعمهم يدل مذكورها على مغفلها.
فصل : في بيان تلبيس إبليس عليهم في هذه الأفعال وإيضاح الخطأ فيها.
قال المصنف رحمه الله أما ما نقل عن سهل ففعل لا يجوز لأنه حمل على النفس ما لا تطيق ثم ان الله عز وجل أكرم الآدميين بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم فلا تصلح مزاحمة البهائم في
فصل: قال المصنف: وقد رتب أبو طالب المكي للقوم ترتيبات في المطاعم فقال استحب للمريد ألا يزيد على رغيفين في يوم وليلة قال ومن الناس من كان يعمل في الأقوات فيقلها وكان بعضهم يزن قوته بكربة من كرب النخل وهي تجف كل يوم قليلا فينقص من قوته بمقدار ذلك قال ومنهم من كان يعمل في الأوقات فيأكل كل يوم ثم يتدرج إلى يومين وثلاثة قال والجوع ينقص دم الفؤاد فيبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته وفي رقته مفتاح المكاشفة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتاباسماه رياضة النفوس قال فيه فينبغي للمبتدىء في هذا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين توبة من الله ثم يفطر فيطعم اليسير ويأكل كسرة كسرة ويقطع الأدام والفواكه واللذة ومجالسة الإخوان والنظر في الكتب وهذه كلها أفراح للنفس فيمنع النفس لذتها حتى تملىء غما.
قال المصنف وقد أخرج لهم بعض المتأخرين الأربعينية يبقى أحدهم أربعين يوما لا يأكل الخبز ولكنه يشرب الزيوتات ويأكل الفواكه الكثيرة اللذيذة فهذه نبذة من ذكر أفعالهم في مطاعمهم يدل مذكورها على مغفلها.
فصل : في بيان تلبيس إبليس عليهم في هذه الأفعال وإيضاح الخطأ فيها.
قال المصنف رحمه الله أما ما نقل عن سهل ففعل لا يجوز لأنه حمل على النفس ما لا تطيق ثم ان الله عز وجل أكرم الآدميين بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم فلا تصلح مزاحمة البهائم في
(1/188)
أكل التبن وأي غذاء في التبن ومثل هذه الأشياء أشهر من أن تحتاج إلى رد وقد حكى أبو حامد عن سهل أنه كان يرى أن صلاة الجائع الذي قد أضعفه الجوع قاعدا أفضل من صلاته قائما إذا قواه الأكل.
قال المصنف رحمه الله: وهذا خطأ بل إذا تقوى على القيام كان أكله عبادة لأنه يعين على العبادة وإذا تجوع إلى أن يصلي قاعدا فقد تسبب إلى ترك الفرائض فلم يجز له ولو كان التناول ميتة ما جاز هذا فكيف وهو حلال ثم أي قربة في هذا الجوع المعطل أدوات العبادة وأما قول الحداد وأنا أنظر أن يغلب العلم أم اليقين فانه جهل محض لأنه ليس بين العلم واليقين تضاد إنما اليقين أعلى مراتب العلم وأين من العلم واليقين ترك ما تحتاج إليه النفس من المطعم والمشرب وإنما أشار بالعلم إلى ما أمره الشرع وأشار باليقين إلى قوة الصبر وهذا تخليط قبيح وهؤلاء قوم شددوا فيما ابتدعوا وكانوا كقريش في تشددهم حتى سموا بالحمس فجحدوا الأصل وشددوا في الفرع وقول الآخر ملحك مدقوق لست تفلح من أقبح الأشياء وكيف يقال عمن استعمل ما أبيح له لست تفلح وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج وقول الآخر الزبد بالعسل إسراف قول مرذول لأن الإسراف ممنوع منه شرعا وهذا مأذون فيه وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يأكل القثاء بالرطب وكان يحب الحلوى والعسل وأما ما روينا عن سهل أنه قال قسمت قوتي وعقلي سبعة أجزاء ففعل يذم به ولا يمدح عليه إذ لم يأمر الشرع بمثله وهو إلى التحريم أقرب لأنه ظلم للنفس وترك لحقها وكذلك قول الذي قال ما أكلت إلى وقت أن يباح لي أكل الميتة فإنه فعل برأيه المرذول وحمل على النفس مع وجود الحلال وقول أبي يزيد القوت عندنا الله كلام ركيك فإن البدن قد بني على الحاجة إلى الطعام حتى إن أهل النار في النار يحتاجون إلى الطعام وأما التقبيح على من أخذ قشر البطيخ بعد الجوع الطويل فلا وجه له والذي طوى ثلاثا لم يسلم من لوم الشرع وكذلك الذي عاهد أن لا يأكل حين احتجم حتى وقع في الضعف فإنه فعل ما لا يحل له وقول إبراهيم له أحسنتم يا مبتدئون خطأ أيضا فإنه كان ينبغي أن يلزمه بالفطر ولو كان في رمضان إذ من له أيام لم يأكل وقد احتجم وغشي عليه لا يجوز له أن يصوم.
أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت ثني الأزهري ثنا علي بن عمر ثنا أبو حامد الحضرمي ثنا عبد الرحمن بن يونس السواح ثنا بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصابه جهد في رمضان فلم يفطر فمات دخل النار.
قال المصنف رحمه الله: وهذا خطأ بل إذا تقوى على القيام كان أكله عبادة لأنه يعين على العبادة وإذا تجوع إلى أن يصلي قاعدا فقد تسبب إلى ترك الفرائض فلم يجز له ولو كان التناول ميتة ما جاز هذا فكيف وهو حلال ثم أي قربة في هذا الجوع المعطل أدوات العبادة وأما قول الحداد وأنا أنظر أن يغلب العلم أم اليقين فانه جهل محض لأنه ليس بين العلم واليقين تضاد إنما اليقين أعلى مراتب العلم وأين من العلم واليقين ترك ما تحتاج إليه النفس من المطعم والمشرب وإنما أشار بالعلم إلى ما أمره الشرع وأشار باليقين إلى قوة الصبر وهذا تخليط قبيح وهؤلاء قوم شددوا فيما ابتدعوا وكانوا كقريش في تشددهم حتى سموا بالحمس فجحدوا الأصل وشددوا في الفرع وقول الآخر ملحك مدقوق لست تفلح من أقبح الأشياء وكيف يقال عمن استعمل ما أبيح له لست تفلح وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج وقول الآخر الزبد بالعسل إسراف قول مرذول لأن الإسراف ممنوع منه شرعا وهذا مأذون فيه وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يأكل القثاء بالرطب وكان يحب الحلوى والعسل وأما ما روينا عن سهل أنه قال قسمت قوتي وعقلي سبعة أجزاء ففعل يذم به ولا يمدح عليه إذ لم يأمر الشرع بمثله وهو إلى التحريم أقرب لأنه ظلم للنفس وترك لحقها وكذلك قول الذي قال ما أكلت إلى وقت أن يباح لي أكل الميتة فإنه فعل برأيه المرذول وحمل على النفس مع وجود الحلال وقول أبي يزيد القوت عندنا الله كلام ركيك فإن البدن قد بني على الحاجة إلى الطعام حتى إن أهل النار في النار يحتاجون إلى الطعام وأما التقبيح على من أخذ قشر البطيخ بعد الجوع الطويل فلا وجه له والذي طوى ثلاثا لم يسلم من لوم الشرع وكذلك الذي عاهد أن لا يأكل حين احتجم حتى وقع في الضعف فإنه فعل ما لا يحل له وقول إبراهيم له أحسنتم يا مبتدئون خطأ أيضا فإنه كان ينبغي أن يلزمه بالفطر ولو كان في رمضان إذ من له أيام لم يأكل وقد احتجم وغشي عليه لا يجوز له أن يصوم.
أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت ثني الأزهري ثنا علي بن عمر ثنا أبو حامد الحضرمي ثنا عبد الرحمن بن يونس السواح ثنا بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصابه جهد في رمضان فلم يفطر فمات دخل النار.
(1/189)
قال المصنف رحمه الله: قلت كل رجاله ثقات وقد أخبرنا به عاليا محمد ابن عبد الباقي نا أبو يعلى محمد بن الحسين نا علي بن عمر السكري ثنا احمد بن محمد الأسدي ثنا عبد الرحمن بن يونس فذكره وقال من أصابه جهد في رمضان فلم يفطر دخل النار.
قال المصنف رحمه الله: وأما تقليل ابن خفيف ففعل قبيح لا يستحسن وما يورد هذا الأخبار عنهم إيرادا مستحسنا لها إلا جاهل بأصول الشرع فأما العالم المتمكن فإنه لا يهوله قول معظم كيف بفعل جاهل مبرسم وأما كونهم لا يأكلون اللحم فهذا مذهب البراهمة الذين لا يرون ذبح الحيوان والله عز وجل أعلم بمصالح الأبدان فأباح اللحم لتقويتها فأكل اللحم يقوي القوة وتركه يضعفها ويسيء الخلق وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل اللحم ويحب الذارع من الشاة ودخليوما فقدم إليه طعام من طعام البيت فقال لم أر لكم برمة تفور وكان الحسن البصري يشتري كل يوم لحما وعلى هذا كان السلف الا أن يكون فيهم فقير فيبعد عهده باللحم لأجل الفقر وأما من منع نفسه الشهوات فان هذا على الأطلاق لا يصلح لأن الله عز وجل لما خلق بني آدم على الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وجعل صحته موقوفة على تعادل الإخلاط الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء فتارة يزيد بعض الاخلاط فتميل الطبيعة إلى ما ينقصه مثل أن تزيد الصفراء فيميل الطبع إلى الحموضة أو ينقص البلغم فتميل النفس إلى المرطبات فقد ركب في الطبع الميل إلى ما تميل إليه النفس وتوافقه فاذا مالت النفس إلى ما يصلحها فمنعت فقد قوبلت حكمة الباري سبحانه وتعالى يردها ثم يؤثر ذلك في البدن فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل ومعلوم أن البدن مطية الآدمي ومتى لم يرفق بالمطية لم تبلغ وإنما قلت علوم هؤلاء فتكلموا بآرائهم الفاسدة فان أسندوا فالى حديث ضعيف أو موضوع أو يكون فهمهم منه رديئا ولقد عجبت لأبي حامد الغزالي الفقيه كيف نزل مع القوم من رتبة الفقه إلى مذاهبهم حتى إنه قال لا ينبغي للمريد إذا تاقت نفسه الى الجماع أن يأكل ويجامع فيعطي نفسه شهوتين فتقوى عليه.
قال المصنف رحمه الله وهذا قبيح في الغاية فان الإدام شهوة فوق الطعام فينبغي أن لا يأكل إداما والماء شهوة أخرى أو ليس في الصحيح أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه بغسل واحد فهلا اقتصر على شهوة واحدة أو ليس في الصحيحين أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل القثاء بالرطب وهاتان شهوتان أو ما أكل عند أبي الهيتم بن التيهان خبزا وشواء وبسرا وشرب ماء باردا أو ما كان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم فيصلي أو ما تعلف الفرس.
قال المصنف رحمه الله: وأما تقليل ابن خفيف ففعل قبيح لا يستحسن وما يورد هذا الأخبار عنهم إيرادا مستحسنا لها إلا جاهل بأصول الشرع فأما العالم المتمكن فإنه لا يهوله قول معظم كيف بفعل جاهل مبرسم وأما كونهم لا يأكلون اللحم فهذا مذهب البراهمة الذين لا يرون ذبح الحيوان والله عز وجل أعلم بمصالح الأبدان فأباح اللحم لتقويتها فأكل اللحم يقوي القوة وتركه يضعفها ويسيء الخلق وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل اللحم ويحب الذارع من الشاة ودخليوما فقدم إليه طعام من طعام البيت فقال لم أر لكم برمة تفور وكان الحسن البصري يشتري كل يوم لحما وعلى هذا كان السلف الا أن يكون فيهم فقير فيبعد عهده باللحم لأجل الفقر وأما من منع نفسه الشهوات فان هذا على الأطلاق لا يصلح لأن الله عز وجل لما خلق بني آدم على الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وجعل صحته موقوفة على تعادل الإخلاط الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء فتارة يزيد بعض الاخلاط فتميل الطبيعة إلى ما ينقصه مثل أن تزيد الصفراء فيميل الطبع إلى الحموضة أو ينقص البلغم فتميل النفس إلى المرطبات فقد ركب في الطبع الميل إلى ما تميل إليه النفس وتوافقه فاذا مالت النفس إلى ما يصلحها فمنعت فقد قوبلت حكمة الباري سبحانه وتعالى يردها ثم يؤثر ذلك في البدن فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل ومعلوم أن البدن مطية الآدمي ومتى لم يرفق بالمطية لم تبلغ وإنما قلت علوم هؤلاء فتكلموا بآرائهم الفاسدة فان أسندوا فالى حديث ضعيف أو موضوع أو يكون فهمهم منه رديئا ولقد عجبت لأبي حامد الغزالي الفقيه كيف نزل مع القوم من رتبة الفقه إلى مذاهبهم حتى إنه قال لا ينبغي للمريد إذا تاقت نفسه الى الجماع أن يأكل ويجامع فيعطي نفسه شهوتين فتقوى عليه.
قال المصنف رحمه الله وهذا قبيح في الغاية فان الإدام شهوة فوق الطعام فينبغي أن لا يأكل إداما والماء شهوة أخرى أو ليس في الصحيح أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه بغسل واحد فهلا اقتصر على شهوة واحدة أو ليس في الصحيحين أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل القثاء بالرطب وهاتان شهوتان أو ما أكل عند أبي الهيتم بن التيهان خبزا وشواء وبسرا وشرب ماء باردا أو ما كان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم فيصلي أو ما تعلف الفرس.
(1/190)
الشعير والتبن والقت وتطعم الناقة الخبط والحمض وهل البدن الاناقة وإنما نهى بعض القدماء عن الجمع بين إدامين على الدوام لئلا يتخذ ذلك عادة فيحوج إلى كلفة وإنما تجتنب فضول الشهوات لئلا يكون سببا لكثرة الأكل وجلب النوم ولئلا تتعود فيقل الصبر عنها فيحتاج الانسان إلى تضييع العمر في كسبها وربما تناولها من غير وجهها وهذا طريق السلف في ترك فضول الشهوات والحديث الذي احتجوا به احرموا أنفسكم طيب الطعام حديث موضوع عملته يدا بزيغ الراوي وأما إذا أقتصر الإنسان على خبز الشعير والملح الجريش فانه ينحرف مزاجه لأن خبز الشعير يابس مجفف والملح يابس قابض يضر الدماغ والبصر وتقليل المطعم يوجب تنشيف المعدة وضيقها وقد حكى يوسف الهمداني عن شيخه عبد الله الحوفي أنه كان يأكل خبز البلوط بغير إدام وكان أصحابه يسألونه أن يأكل شيئا من الدهن والدسومات فلا يفعل.
قال المصنف رحمه الله: وهذا يورث القولنج الشديد واعلم أن المذموم من الأكل إنما هو فرط الشبع وأحسن الآداب في المطعم أدب الشارع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أبو بكر بن حمكان ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا سليمان بن سليم الكناني ثنا يحيى بن جابر الطائي قال سمعت المقدام بن معدي كرب يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فان كان لا بد فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه" .
قال المصنف رحمه الله: قلت فقد أمر الشرع بما يقيم النفس حفظا لها وسعيا في مصلحتها ولو سمع أبقراط هذه القسمة في قوله ثلث وثلث وثث لدهش من هذه الحكمة لأن الطعام والشراب يربوان في المعدة فيتقارب ملئها فيبقى للنفس من الثلث قريب فهذا أعدل الأمور فان نقص منه قليلا لم يضر وإن زاد النقصان أضعف القوة وضيق المجاري على الطعام.
فصل قال المصنف رحمه الله واعلم أن الصوفية إنما يأمرون بالتقلل شبانهم ومبتدئيهم ومن أضر الأشياء على الشاب الجوع فإن المشايخ يصبرون عليه والكهول أيضا فأما الشبان فلا صبر لهم على الجوع وسبب ذلك أن حرارة الشباب شديدة فلذلك يجود هضمه ويكثر تحلل بدنه فيحتاج إلى كثرة الطعام كما يحتاج السراج الجديد إلى كثرة الزيت فإذا صابر الشاب الجوع وتئبته في اول النشوء قمع نشوء نفسه فكان كمن يعرقب أصول الحيطان ثم تمتد يد المعدة لعدم الغذاء إلى أخذ
قال المصنف رحمه الله: وهذا يورث القولنج الشديد واعلم أن المذموم من الأكل إنما هو فرط الشبع وأحسن الآداب في المطعم أدب الشارع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أبو بكر بن حمكان ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا سليمان بن سليم الكناني ثنا يحيى بن جابر الطائي قال سمعت المقدام بن معدي كرب يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فان كان لا بد فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه" .
قال المصنف رحمه الله: قلت فقد أمر الشرع بما يقيم النفس حفظا لها وسعيا في مصلحتها ولو سمع أبقراط هذه القسمة في قوله ثلث وثلث وثث لدهش من هذه الحكمة لأن الطعام والشراب يربوان في المعدة فيتقارب ملئها فيبقى للنفس من الثلث قريب فهذا أعدل الأمور فان نقص منه قليلا لم يضر وإن زاد النقصان أضعف القوة وضيق المجاري على الطعام.
فصل قال المصنف رحمه الله واعلم أن الصوفية إنما يأمرون بالتقلل شبانهم ومبتدئيهم ومن أضر الأشياء على الشاب الجوع فإن المشايخ يصبرون عليه والكهول أيضا فأما الشبان فلا صبر لهم على الجوع وسبب ذلك أن حرارة الشباب شديدة فلذلك يجود هضمه ويكثر تحلل بدنه فيحتاج إلى كثرة الطعام كما يحتاج السراج الجديد إلى كثرة الزيت فإذا صابر الشاب الجوع وتئبته في اول النشوء قمع نشوء نفسه فكان كمن يعرقب أصول الحيطان ثم تمتد يد المعدة لعدم الغذاء إلى أخذ
(1/191)
الفضول المجتمعة في البدن فتغذيه بالاخلاط فيفسد الدهن والجسم وهذا أصل عظيم يحتاج إلى تأمل.
فصل: قال المصنف رحمه الله: وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ نا أبو الحسين بن عبد الجبار نا عبد العزيز بن علي الأزجي نا ابراهيم بن جعفر الساجي نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال نا عبد الله بن ابراهيم بن يعقوب الجيلي قال سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل قال له عقبة بن مكرم هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم فقال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هذا فقطعهم عن الفرض قال الخلال وأخبرني أبو بكر احمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ثنا اسحق بن داود بن صبيح قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية فقال لا تقرب هؤلاء فانا قد رأينا من هؤلاء قوما أخرجهم الأمر إلى الجنون وبعضهم أخرجهم إلى الزندقة ثم قال خرج سفيان الثوري في سفر فشيعته وكان معه سفرة فيها فالوذج وكان فيها حمل قال الخلال وأخبرني المروزي قال سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل وقال له رجل اني منذ خمس عشرة سنة قد ولع بي إبليس وربما وجدت وسوسة أتفكر في الله عز وجل فقال لعلك كنت تذمن الصوم افطر وكل دسما وجالس القصاص.
قال المصنف رحمه الله: وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع في معدته أخلاط فجة فتغذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه فاذا هضمت ما عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الاخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء وذلك الغذاء الردىء يخرج إلى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق وهؤلاء المتقللون يتناولون مع التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الاخلاط ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة فيمكنهم الصبر على الطعام أياما ويعينهم على هذا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عن الطعام كرامة وإنما السبب مع عرفتك وقد أنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم قال حدثني أبي قال كانت امرأة قد طعنت في السن فسئلت عن حالها فقالت كنت في حال الشباب أجد من نفسي أحوالا أظنها قوة الحال فلما كبرت زالت عني فعلمت أن ذلك كان قوة الشباب فتوهمتها أحوالا قال سمعت أبا علي الدقاق يقول ما سمع أحد هذه الحكاية من الشيوخ إلا رق لهذه العجوز وقال أنها كانت منصفة.
فصل: قال المصنف رحمه الله: وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ نا أبو الحسين بن عبد الجبار نا عبد العزيز بن علي الأزجي نا ابراهيم بن جعفر الساجي نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال نا عبد الله بن ابراهيم بن يعقوب الجيلي قال سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل قال له عقبة بن مكرم هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم فقال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هذا فقطعهم عن الفرض قال الخلال وأخبرني أبو بكر احمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ثنا اسحق بن داود بن صبيح قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية فقال لا تقرب هؤلاء فانا قد رأينا من هؤلاء قوما أخرجهم الأمر إلى الجنون وبعضهم أخرجهم إلى الزندقة ثم قال خرج سفيان الثوري في سفر فشيعته وكان معه سفرة فيها فالوذج وكان فيها حمل قال الخلال وأخبرني المروزي قال سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل وقال له رجل اني منذ خمس عشرة سنة قد ولع بي إبليس وربما وجدت وسوسة أتفكر في الله عز وجل فقال لعلك كنت تذمن الصوم افطر وكل دسما وجالس القصاص.
قال المصنف رحمه الله: وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع في معدته أخلاط فجة فتغذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه فاذا هضمت ما عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الاخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء وذلك الغذاء الردىء يخرج إلى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق وهؤلاء المتقللون يتناولون مع التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الاخلاط ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة فيمكنهم الصبر على الطعام أياما ويعينهم على هذا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عن الطعام كرامة وإنما السبب مع عرفتك وقد أنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم قال حدثني أبي قال كانت امرأة قد طعنت في السن فسئلت عن حالها فقالت كنت في حال الشباب أجد من نفسي أحوالا أظنها قوة الحال فلما كبرت زالت عني فعلمت أن ذلك كان قوة الشباب فتوهمتها أحوالا قال سمعت أبا علي الدقاق يقول ما سمع أحد هذه الحكاية من الشيوخ إلا رق لهذه العجوز وقال أنها كانت منصفة.
(1/192)
وقال المصنف: فان قيل كيف تمنعون من التقلل وقد رويتم أن عمر رضي الله عنه كان يأكل كل يوم إحدى عشر لقمة وإن ابن الزبير كان يبقى أسبوعا لا يأكل وإن إبراهيم التميمي بقي شهرين قلنا قد يجري للانسان من هذا الفن في بعض الأوقات غير أنه لا يدوم عليه ولا يقصد الترقي اليه وقد كان في السلف من يجوع عوزا وفيهم من كان الصبر له عادة لا يضر بدنه وفي العرب من يبقى أياما لا يزيد على شرب اللبن ونحن لا نأمر بالشبع إنما ننهي عن جوع يضعف القوة ويؤذي البدن وإذا ضعف البدن قلت العبادة فان حملت البدن قوة الشباب جاء الشيب فأقذع بالراكب وقد أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ نا عبد القادر بن يوسف نا أبو إسحق البرمكي ثنا أبو يعقوب بن سعد النسائي ثنا جدي الحسن بن سفيان ثنا حرملة بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب ثنا سفيان بن عيينة عن مالك بن أنس عن إسحق بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه قال كان يطرح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه وقد روينا عن ابراهيم بن أدهم انه اشترى زبدا وعسلا وخبزا حوارى فقيل له هذا كله تأكله فقال اذا وجدنا أكلنا أكل الرجال واذا عدمنا صبرنا صبر الرجال.
فصل قال المصنف رحمه الله: وأما الشرب من الماء الصافي فقد تخيره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا احمد بن جعفر ثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى قوما من الأنصار يعود مريضا فاستسقى وجدول قريب منه فقال ان عندكم ماء بات في شن وإلا كرعنا اخرجه البخاري وأخبرنا منصور القزاز نا أبو بكر الخطيب نا أبو عمر بن مهدي ثنا الحسين بن اسماعيل المحاملي ثنا محمد بن عمرو بن أبي مدعور ثنا عبد العزيز بن محمد نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستقي له الماء العذب من بئر السقيا.
قال المصنف: وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يولد الحصا في الكلى والسدد في الكبد وأما الماء البارد فانه اذا كانت برودته معتدلة فانه يشد المعدة ويقوي الشهوة ويحسن اللون ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إلى الدماغ ويحفظ الصحة واذا كان الماء حارا أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن وأدى إلى الاستسقاء والدق فان سخن بالشمس خيف منه البرص وقد كان بعض الزهاد يقول إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت وكذلك قال أبو
فصل قال المصنف رحمه الله: وأما الشرب من الماء الصافي فقد تخيره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا احمد بن جعفر ثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى قوما من الأنصار يعود مريضا فاستسقى وجدول قريب منه فقال ان عندكم ماء بات في شن وإلا كرعنا اخرجه البخاري وأخبرنا منصور القزاز نا أبو بكر الخطيب نا أبو عمر بن مهدي ثنا الحسين بن اسماعيل المحاملي ثنا محمد بن عمرو بن أبي مدعور ثنا عبد العزيز بن محمد نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستقي له الماء العذب من بئر السقيا.
قال المصنف: وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يولد الحصا في الكلى والسدد في الكبد وأما الماء البارد فانه اذا كانت برودته معتدلة فانه يشد المعدة ويقوي الشهوة ويحسن اللون ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إلى الدماغ ويحفظ الصحة واذا كان الماء حارا أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن وأدى إلى الاستسقاء والدق فان سخن بالشمس خيف منه البرص وقد كان بعض الزهاد يقول إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت وكذلك قال أبو
(1/194)
حامد الغزالي اذا أكل الانسان ما يستلذه قسا قلبه وكره الموت واذا منع نفسه شهواتها وحرمها لذاتها اشتهت نفسه الإفلات من الدنيا بالموت.
قال المصنف رحمه الله واعجبا كيف يصدر هذا الكلام من فقيه أترى لو تقلبت النفس في أي فن كان من التعذيب ما أحبت الموت ثم كيف يجوز لنا تعذيبها وقد قال عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ورضي منا بالإفطار في السفر رفقا بها وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أو ليست مطيتنا التي عليها وصولنا:
وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا
وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فانها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم ولا يحل للانسان أن يؤذي نفسه ولا أن يقعد في الشمس في الصيف بقدر ما يتأذى ولا في الثلج في الشتاء والماء يحفظ الرطوبات الأصلية في البدن وينفذ الأغذية وقوام النفس بالأغذية فاذا منعها أغذية الآدميين ومنعها الماء فقد أعان عليها وهذا من أفحش الخطأ وكذلك منعه إياها النوم قال ابن عقيل وليس للناس إقامة العقوبات ولا استيفاؤها من أنفسهم يدل عليه أن إقامة الإنسان الحد على نفسه لا يجزي فان فعله أعاده الإمام وهذه النفوس ودائع الله عز وجل حتى ان التصرف في الأموال لم يطلق لأربابها الا على وجوه مخصوصة.
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد روينا في حديث الهجرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزود طعاما وشرابا وأن أبا بكر فرش له في ظل صخرة وحلب له لبنا في قدح ثم صب ماء على القدح حتى برد أسفله وكل ذلك من الرفق بالنفس وأما ما رتبه أبو طالب المكي فحمل على النفس بما يضعفها وإنما يمدح الجوع إذا كان بمقدار وذكر المكاشفة من الحديث الفارغ وأما ما صنفه الترمذي فكأن ابتداء شرع برأيه الفاسد وما وجه صيام شهرين متتابعين عند التوبة وما فائدة قطع الفواكه المباحة واذا لم ينظر في الكتب فبأي سيرة يقتدي وأما الأربعينية فحديث فارغ رتبوه على حديث لا أصل له من أخلص لله أربعين صباحا لم يجب الاخلاص1 أبدا فما وجه تقديره بأربعين صباحا ثم لو قدرنا ذلك فالإخلاص عمل القلب فما بال المطعم ثم ما الذي حسن
ـــــــ
1 من جب الشيء إذا قطع.
قال المصنف رحمه الله واعجبا كيف يصدر هذا الكلام من فقيه أترى لو تقلبت النفس في أي فن كان من التعذيب ما أحبت الموت ثم كيف يجوز لنا تعذيبها وقد قال عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ورضي منا بالإفطار في السفر رفقا بها وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أو ليست مطيتنا التي عليها وصولنا:
وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا
وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فانها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم ولا يحل للانسان أن يؤذي نفسه ولا أن يقعد في الشمس في الصيف بقدر ما يتأذى ولا في الثلج في الشتاء والماء يحفظ الرطوبات الأصلية في البدن وينفذ الأغذية وقوام النفس بالأغذية فاذا منعها أغذية الآدميين ومنعها الماء فقد أعان عليها وهذا من أفحش الخطأ وكذلك منعه إياها النوم قال ابن عقيل وليس للناس إقامة العقوبات ولا استيفاؤها من أنفسهم يدل عليه أن إقامة الإنسان الحد على نفسه لا يجزي فان فعله أعاده الإمام وهذه النفوس ودائع الله عز وجل حتى ان التصرف في الأموال لم يطلق لأربابها الا على وجوه مخصوصة.
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد روينا في حديث الهجرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزود طعاما وشرابا وأن أبا بكر فرش له في ظل صخرة وحلب له لبنا في قدح ثم صب ماء على القدح حتى برد أسفله وكل ذلك من الرفق بالنفس وأما ما رتبه أبو طالب المكي فحمل على النفس بما يضعفها وإنما يمدح الجوع إذا كان بمقدار وذكر المكاشفة من الحديث الفارغ وأما ما صنفه الترمذي فكأن ابتداء شرع برأيه الفاسد وما وجه صيام شهرين متتابعين عند التوبة وما فائدة قطع الفواكه المباحة واذا لم ينظر في الكتب فبأي سيرة يقتدي وأما الأربعينية فحديث فارغ رتبوه على حديث لا أصل له من أخلص لله أربعين صباحا لم يجب الاخلاص1 أبدا فما وجه تقديره بأربعين صباحا ثم لو قدرنا ذلك فالإخلاص عمل القلب فما بال المطعم ثم ما الذي حسن
ـــــــ
1 من جب الشيء إذا قطع.
(1/195)
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى