- حمدي عبد الجليلالمشرف العام
- عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28461
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
بحر الدموع - الفصل الرابع والعشرون
السبت 17 سبتمبر 2011, 14:54
ص -106- بحر الدموع - الفصل الرابع والعشرون
يا راحلا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد. من ألوى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد. ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك إلا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.
يروى عن رجل من أصحاب داود الطائي أنه قال: دخلت على داود، فقال لي:
ص -107- ما حاجتك؟ قلت: زيارتك، فقال: أما أنت، فقد عملت خيرا حين زرتنا، ولكن أنظر ما ينزل بي إذا قيل لي: من أنت فتزار، أمن العبّاد أنت؟ لا والله. أمن الزهاد أنت؟ لا والله، ثم أقبل يوبّخ نفسه ويقول: كنت في الشباب فاسقا، وفي الكهولة مداهنا، فلما شخت صرت مرائيا. لا والله، إلا المرائي أشد من الفاسق، وجعل يقول: يا إله السموات والأرض، هب لي رحمة من عندك تصلح شبابي وتقيني من كل سوء، وتعلى في أعلى مقامات الصالحين مكاني.
اسمع يا أخي مقامات الرجال، وكرامات ذوي الأحوال، الذين اختصهم مولاهم وحباهم بالإفضال.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي، فعرض لهم أسد في بعض الطرق، فقال له سفيان: أم ترى كيف قطع علينا الطريق، وأخاف الناس. قال شيبان: لا تخف، فلما سمع الأسد كلام شيبان، بصبص إليه، وأخذ شيبان بأذنه وفركها، فبصبص وحرك ذنبه وولى هاربا، فقال سفيان: ما هذه الشهرة يا شيبان؟ قال: أو هذه شهرة يا سفيان؟ لولا مكان الشهرة لوضعت زادي على ظهره حتى أتيت مكة.
يروى عن عبد الرحمن بن أبي عباد المكّي أنه قال: قدم علينا شيخ يكنى بأبي عبد الله. قال: أقبلت في السحر إلى بئر زمزم، وإذا بشيخ قد سدل ثوبه على وجهه، وأتى البئر واستسقى، قال: فقمت إلى فضلته، فشربت منها. فإذا هو ماء مضروب بعسل لم أذق ماء أطيب منه. فالتفتّ فإذا بالشيخ قد ذهب، فلما كان في السحر في الليلة الثانية أتيت البئر وإذا بالشيخ دخل من باب المسجد قد سدل ثوبه على وجهه، فأتى البئر واستسقى، فشرب وخرج، فقمت إلى فضلته، فإذا هو سويق ألذ ما يكون، فلما كان في الليلة الثالثة، أتى البئر أيضا، واستسقى. فأخذت طرف ملحفته، ولففته على يدي، ثم شربت فضلته، فإذا هو لبن مضروب بسكر لم أذق قط أطيب منه، فقلت يا شيخ، بحق هذا البيت عليك، من أنت؟ قال:
ص -108- تكتم عليّ. قلت: نعم. قال: سفيان الثوري.
لله درّ أقوام أفناهم شهوده عن وجودهم، فحالهم لشوقه مستديم، أقطعهم إقليم الكرى ما أبعده من إقليم، حماهم عن الأغيار غيرة عليهم، وخلع عليهم حلل الرضا والتسليم، سقاهم مدام الإلهام، فيا له من مدام، ويا له من نديم، أسبل على المعاصي ستره، ليعود إلى بابه الكريم، تقرّب برحمته للمذنبين، ليسكن روع المفلس من الطاعة العديم، أرسل إليه رسائل اللطف على يدي رسول كريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر 53.
وأنشدوا:
ويروى عن أبي ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فكان يخيط في السفينة، فسقطت إبرته، فقال: أعزم عليك يا ربّ إلا رددت عليّ إبرتي، فظهرت له حتى أخذها بيده.
قال: واشتد عليهم البحر، فقال له: اسكن، إنما أنت عبد حبشيّ، فسكن حتى صار مثل الزيت، رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته.
***
يا راحلا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد. من ألوى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد. ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك إلا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.
لأمر ما تغيرا الليالي وأنت على البطالة لا تبالي
تبيت منعّما في خفض عيش وتصبح في هواك رخيّ بال
ألم تر إن أثقال الخطايا على كتفيك أمثال الجبال
أتكسب ما اكتسبت ولا تبالي فهل هو من حرام أو من حلال
إذا ما كنت في الدنيا بصيرا كففت النفس عن طرق الضلال
ألا بأبي خليل بات يحيى طويل الليل بالسبع الطوال
بقلب لا يفيق عن اضطراب وجفن لا يكف عن انهمال
أرى الأيام تنقلنا وشيكا إلى الأجداث حالا بعد حال
سأقنع ما حييت يشطر بر أشيّعه بريّ من زلال
إذا كان المصير إلى هلاك فما لي والتنعّم ثم ما لي
أما لي عبرة فيمن تفانى على الأيام من عم وخال
كأن بنسوتي قد قمن خلفي ونعشي فوق أعناق الرجال
يعجلن المسير ولست أدري لدار الفوز أم دار النكال
يبيد الكل منا دون شك ويبقى الله بري ذو الجلال
يروى عن رجل من أصحاب داود الطائي أنه قال: دخلت على داود، فقال لي:
ص -107- ما حاجتك؟ قلت: زيارتك، فقال: أما أنت، فقد عملت خيرا حين زرتنا، ولكن أنظر ما ينزل بي إذا قيل لي: من أنت فتزار، أمن العبّاد أنت؟ لا والله. أمن الزهاد أنت؟ لا والله، ثم أقبل يوبّخ نفسه ويقول: كنت في الشباب فاسقا، وفي الكهولة مداهنا، فلما شخت صرت مرائيا. لا والله، إلا المرائي أشد من الفاسق، وجعل يقول: يا إله السموات والأرض، هب لي رحمة من عندك تصلح شبابي وتقيني من كل سوء، وتعلى في أعلى مقامات الصالحين مكاني.
اسمع يا أخي مقامات الرجال، وكرامات ذوي الأحوال، الذين اختصهم مولاهم وحباهم بالإفضال.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي، فعرض لهم أسد في بعض الطرق، فقال له سفيان: أم ترى كيف قطع علينا الطريق، وأخاف الناس. قال شيبان: لا تخف، فلما سمع الأسد كلام شيبان، بصبص إليه، وأخذ شيبان بأذنه وفركها، فبصبص وحرك ذنبه وولى هاربا، فقال سفيان: ما هذه الشهرة يا شيبان؟ قال: أو هذه شهرة يا سفيان؟ لولا مكان الشهرة لوضعت زادي على ظهره حتى أتيت مكة.
يروى عن عبد الرحمن بن أبي عباد المكّي أنه قال: قدم علينا شيخ يكنى بأبي عبد الله. قال: أقبلت في السحر إلى بئر زمزم، وإذا بشيخ قد سدل ثوبه على وجهه، وأتى البئر واستسقى، قال: فقمت إلى فضلته، فشربت منها. فإذا هو ماء مضروب بعسل لم أذق ماء أطيب منه. فالتفتّ فإذا بالشيخ قد ذهب، فلما كان في السحر في الليلة الثانية أتيت البئر وإذا بالشيخ دخل من باب المسجد قد سدل ثوبه على وجهه، فأتى البئر واستسقى، فشرب وخرج، فقمت إلى فضلته، فإذا هو سويق ألذ ما يكون، فلما كان في الليلة الثالثة، أتى البئر أيضا، واستسقى. فأخذت طرف ملحفته، ولففته على يدي، ثم شربت فضلته، فإذا هو لبن مضروب بسكر لم أذق قط أطيب منه، فقلت يا شيخ، بحق هذا البيت عليك، من أنت؟ قال:
ص -108- تكتم عليّ. قلت: نعم. قال: سفيان الثوري.
لله درّ أقوام أفناهم شهوده عن وجودهم، فحالهم لشوقه مستديم، أقطعهم إقليم الكرى ما أبعده من إقليم، حماهم عن الأغيار غيرة عليهم، وخلع عليهم حلل الرضا والتسليم، سقاهم مدام الإلهام، فيا له من مدام، ويا له من نديم، أسبل على المعاصي ستره، ليعود إلى بابه الكريم، تقرّب برحمته للمذنبين، ليسكن روع المفلس من الطاعة العديم، أرسل إليه رسائل اللطف على يدي رسول كريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر 53.
وأنشدوا:
ألا قف بباب الجود واقرعه نادما تجده متى جئته غير مرتج
وقل عبد سوء خوّفته ذنوبه فمدّ إليكم ضارعا كف مرتجي
ويروى عن أبي ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فكان يخيط في السفينة، فسقطت إبرته، فقال: أعزم عليك يا ربّ إلا رددت عليّ إبرتي، فظهرت له حتى أخذها بيده.
قال: واشتد عليهم البحر، فقال له: اسكن، إنما أنت عبد حبشيّ، فسكن حتى صار مثل الزيت، رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته.
***
________________________________________________
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى