- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3910
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
الاسلام ورعاية الطفولة
الجمعة 02 سبتمبر 2011, 01:19
عُني القرآن الكريم والسنة المطهرة بالطفل والطفولة عناية بالغة لا تخفى على كل من قرأ القرآن والحديث. وكذلك عُني الفقه الإسلامي بذلك، كما يظهر في كتب وأبواب شتى من مصنفات الفقهاء.
ولا غرو أن يأخذ الطفل هذا الاهتمام وأن تقام من أجله المؤتمرات وتعقد لتربيته ورعايته الندوات والحلقات، وتقدم التقارير والدراسات. إن الطفل هو (المستقبل) وإهمال الطفل من أمه يعني أنها أهملت غدها وفرطت في أعظم ثروة تملكها، وهي الثروة البشرية، التي هي أغلى من الذهب الأسود والأبيض والأصفر. وقد قال الأصمعي لصبي، تبدو عليه مخايل الذكاء: أيسرك لو أن لك مائة ألف درهم وأنت أحمق؟ قال: لا. قال الأصمعي: ولم؟ قال الصبي: لأني لا آمن أن يجني علي حمقي جناية أضيع فيها هذا المال. ويبقى علي حمقي.
من هنا كانت عناية الإسلام بالطفل عناية بالغة، لا أقول منذ ولادته، بل قبل أن يولد.
فالإسلام قد حرم السفاح، وشرع النكاح، ودعا إلى تكوين الأسرة، من أجل الطفل، حتى ينشأ في ظل محضن سليم، وفي رحاب أبوة راعية، وأمومة حانية، وينال حقه من حسن التربية.
المرأة الصالحة:
ومنذ أن يفكر المسلم في الزواج والبحث عن شريكة الحياة، يذكره الإسلام بأنه يبحث عن أم لأولاده، فلا ينبغي أن تغره خضراء الدمن (المرأة الحسناء في المنبت السوء) بل يجتهد في أن يبحث عن المرأة الصالحة التي تورث أولاده نزعات الخير والفضيلة، وحب الدين والمكارم،
وفي هذا جاء الحديث الشريف: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس".
ويهتم الإسلام بحياة الجنين في بطن أمه، فيمنع الاعتداء عليه، ولو من جهة أمه، التي حملته، حتى إنه يؤخر القصاص منها إذا ارتكبت ما يوجبه وهي حبلى، رعاية لحملها، حتى تضع، فإن كان للشرع سبيل عليها، فليس له سبيل على ما في بطنها {ولا تزر وازرة وزر أخرى} بل إنه يجيز لها الفطر في الصيام المفروض، بل قد يوجبه عليها إذا كانت حاملاً، وخافت على حملها، فتفطر، ثم تقضي أو تفدى.
فإذا ولدت الأم رأينا الشريعة السمحة تضع جملة من الأحكام تتعلق بالمولود، وتتابعه في رضاعه وتنشئته ونمائه، من حسن تسميته، وإظهار الفرح به، ذكراً كان أم أنثى، شكراً لله تعالى، وإشراك الأقارب والجيران الفقراء في هذه الفرحة.
وقد ألف الإمام ابن القيم كتاباً قيماً سماه "تحفة المودود في أحكام المولود" ضمنه ما يحتاج إليه الأب والأم من الأحكام الشرعية التي ينبغي معرفتها في هذه المناسبة السعيدة.
ومما لفت القرآن الكريم الانتباه إليه، أن البنت هبة من الله كالابن
في قوله تعالى:{ يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى49).
فلا يجوز لأب أن يضيق بها كما كان يفعل أهل الجاهلية.
وقد أنكر عليهم القرآن الكريم ذلك أشد الإنكار، فقال:
{ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون} (النحل 58-59)
وحسب الإسلام فخراً أنه أنقذ البشرية من جريمة الجاهلية النكراء في حق الطفولة، وهي جريمة قتل الأولاد عامة، والبنات خاصة، بطريقة "الوأد" وهي جريمة شديدة البشاعة بكل المقاييس، تتمثل في قتل طفل بريء على يد من يفترض فيه أنه يحميه ويفديه بنفسه ولدافع خسيس، وهو خشية أن يزاحمه في طعامه، وبأبشع طريقة وهي أن يدسه في التراب.
يقول القرآن:{ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151).
{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً} (الإسراء 31)
فلم يجز قتلهم من أجل إملاق "فقر" واقع، ولا إملاق متوقع.
ويقول تعالى:{ وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} (التكوير 8-9)
وصايا وأحكام:
الإسلام يرعى الطفل بتشريعاته وتوجيهاته، ويحمل مسئولية رعايته وكفالته وتربيته على كاهل الأسرة والمجتمع والدولة جميعاً.
وفي الفقه الإسلامي أبواب كاملة مخصصة للطفولة مثل أبواب الحضانة والعقيقة والرضاع واللقيط، وأحكام كثيرة متناثرة أخرى في أبواب الفقه المختلفة من العبادات والمعاملات، ولا يكاد باب من أبواب الفقه إلا وللطفل فيه نصيب، من باب الطهارة إلى باب الجهاد، ومن باب النكاح والعقيقة إلى باب الميراث.
وقد تعرض القرآن الكريم للطفولة والأولاد ق\في مواضع شتى، كما في قوله تعالى:
{ يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم واللذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم}(النور 58).
وذلك لتعليمهم منذ نعومة أظفارهم أدب التعامل مع الآخرين واحترام خصوصياتهم، ولو كانوا آباءهم وأمهاتهم.
وتحدث القرآن عن أطفال متميزين، مثل إسماعيل بن إبراهيم الذي أسلم عنقه للسكين طاعة لله، وبراً بأبيه، ويوسف بن يعقوب، ومحنته مع اخوته، ويحيى بن زكريا، الذي آتاه الله الحكم صبياً، ومريم ابنة عمران، التي تقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً
وحذر القرآن المجتمع من إهمال اليتامى أو القسوة عليهم أو الطمع في أموالهم
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} (النساء 9).
وأكدت ذلك السنة:
فاعتبرت كافل اليتيم بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة كما اعتبرت أكل مال اليتيم من الموبقات السبع.
التعلم في الصغر كالنقش على الحجر:
وقد حفلت السيرة النبوية والسنة المحمدية بمواقف ووصايا وأحكام جمة تتعلق بالطفولة، والعمل على إسعادها وحسن نموها على أكمل وجه ممكن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على الصبيان سلم عليهم، وكان يداعبهم بما يدخل السرور عليهم. حتى إنه يخاطبهم بالكنية كما يخاطب الكبار، إيناساً لهم، وتنمية لشخصيتهم.
كان لأبي طلحة ابن صغير، وكان له طائر يلعب به اسمه "النفير" فكان يضاحكه ويقول له: (يا أبا عمير، ما فعل النفير؟). وكان من أرفق الناس بالأطفال وأحنهم عليهم، حتى إن الحسن أو الحسين قعد على ظهره وهو ساجد في صلاة جماعة، فأطال السجود وأطال، حتى ظن الصحابة أن قد أصابه شيء، ثم نهض من سجوده وأكمل الصلاة، فلما سلم سألوه: ما الذي حدث؟ فقال: إن ابني، يعني حفيدي ارتحلني، يعني ركب ظهري وجعلني راحلة له، فكرهت أن أعجله، يريد أنه تركه فوق ظهره حتى شبع وسئم ونزل باختياره دون أن يعكر عليه لذة لهوه ولعبه.
ودخل عليه بعض الصحابة وقد وجده وطأ ظهره لهما، ومشى بهما في الدار فقال الصحابي: نعم المركب ركبتما، وقال صلى الله عليه وسلم:
"ونعم الفارسان هما" ونزل من فوق المنبر حين رأى أحدهما يتعثر في ثوبه، ليأخذ بيديه ويحمله.
ودخل عليه أحد زعماء البادية، فوجده يقبل صبياً، فدهش لهذا المشهد، وقال: أتقبلون أولادكم؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم. فقال عليه الصلاة والسلام: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟" يعني : لا أملك لك من الله شيئاً إن كنت لا ترحم "من لا يرحم لا يرحم". ومع فرط حنوه عليه الصلاة والسلام وشفقته على الأطفال، ورحمته لهم ورفقه بهم، لم يمنعه ذلك من حسن تعليمهم وتأديبهم، وتربيتهم منذ نعومة أظفارهم، على مكارم الأخلاق، ومحامد الآداب والعادات.
رأى حفيده الحسن يأخذ تمرة من الصدقة ليأكلها، فبادر إليه، وقال له: كخ، كخ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟
ورأى ربيبه عمر ابن أبي سلمة، ابن زوجه أم سلمه، يأكل معه فتطيش يده في الصحفة يميناً وشمالاً ، فيلقنه أدب المائدة في رفق قائلاً: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".
ويوجه الرسول الكريم أمته لتربية أولادهم على قيم الإسلام، ومبادئه منذ الصغر، فإن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، كما قيل. ومن ذلك تعليم الصلاة. يقول "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر".
وليس الضرب مقصوداً لذاته، إنما هو إشعار بجدية الطلب. إن الإسلام لا يريد تنشئة عبيد يساقون بالعصا، بل ينشد تربية أحرار يقادون بالإقناع.
ولا غرو أن يأخذ الطفل هذا الاهتمام وأن تقام من أجله المؤتمرات وتعقد لتربيته ورعايته الندوات والحلقات، وتقدم التقارير والدراسات. إن الطفل هو (المستقبل) وإهمال الطفل من أمه يعني أنها أهملت غدها وفرطت في أعظم ثروة تملكها، وهي الثروة البشرية، التي هي أغلى من الذهب الأسود والأبيض والأصفر. وقد قال الأصمعي لصبي، تبدو عليه مخايل الذكاء: أيسرك لو أن لك مائة ألف درهم وأنت أحمق؟ قال: لا. قال الأصمعي: ولم؟ قال الصبي: لأني لا آمن أن يجني علي حمقي جناية أضيع فيها هذا المال. ويبقى علي حمقي.
من هنا كانت عناية الإسلام بالطفل عناية بالغة، لا أقول منذ ولادته، بل قبل أن يولد.
فالإسلام قد حرم السفاح، وشرع النكاح، ودعا إلى تكوين الأسرة، من أجل الطفل، حتى ينشأ في ظل محضن سليم، وفي رحاب أبوة راعية، وأمومة حانية، وينال حقه من حسن التربية.
المرأة الصالحة:
ومنذ أن يفكر المسلم في الزواج والبحث عن شريكة الحياة، يذكره الإسلام بأنه يبحث عن أم لأولاده، فلا ينبغي أن تغره خضراء الدمن (المرأة الحسناء في المنبت السوء) بل يجتهد في أن يبحث عن المرأة الصالحة التي تورث أولاده نزعات الخير والفضيلة، وحب الدين والمكارم،
وفي هذا جاء الحديث الشريف: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس".
ويهتم الإسلام بحياة الجنين في بطن أمه، فيمنع الاعتداء عليه، ولو من جهة أمه، التي حملته، حتى إنه يؤخر القصاص منها إذا ارتكبت ما يوجبه وهي حبلى، رعاية لحملها، حتى تضع، فإن كان للشرع سبيل عليها، فليس له سبيل على ما في بطنها {ولا تزر وازرة وزر أخرى} بل إنه يجيز لها الفطر في الصيام المفروض، بل قد يوجبه عليها إذا كانت حاملاً، وخافت على حملها، فتفطر، ثم تقضي أو تفدى.
فإذا ولدت الأم رأينا الشريعة السمحة تضع جملة من الأحكام تتعلق بالمولود، وتتابعه في رضاعه وتنشئته ونمائه، من حسن تسميته، وإظهار الفرح به، ذكراً كان أم أنثى، شكراً لله تعالى، وإشراك الأقارب والجيران الفقراء في هذه الفرحة.
وقد ألف الإمام ابن القيم كتاباً قيماً سماه "تحفة المودود في أحكام المولود" ضمنه ما يحتاج إليه الأب والأم من الأحكام الشرعية التي ينبغي معرفتها في هذه المناسبة السعيدة.
ومما لفت القرآن الكريم الانتباه إليه، أن البنت هبة من الله كالابن
في قوله تعالى:{ يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى49).
فلا يجوز لأب أن يضيق بها كما كان يفعل أهل الجاهلية.
وقد أنكر عليهم القرآن الكريم ذلك أشد الإنكار، فقال:
{ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون} (النحل 58-59)
وحسب الإسلام فخراً أنه أنقذ البشرية من جريمة الجاهلية النكراء في حق الطفولة، وهي جريمة قتل الأولاد عامة، والبنات خاصة، بطريقة "الوأد" وهي جريمة شديدة البشاعة بكل المقاييس، تتمثل في قتل طفل بريء على يد من يفترض فيه أنه يحميه ويفديه بنفسه ولدافع خسيس، وهو خشية أن يزاحمه في طعامه، وبأبشع طريقة وهي أن يدسه في التراب.
يقول القرآن:{ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151).
{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً} (الإسراء 31)
فلم يجز قتلهم من أجل إملاق "فقر" واقع، ولا إملاق متوقع.
ويقول تعالى:{ وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} (التكوير 8-9)
وصايا وأحكام:
الإسلام يرعى الطفل بتشريعاته وتوجيهاته، ويحمل مسئولية رعايته وكفالته وتربيته على كاهل الأسرة والمجتمع والدولة جميعاً.
وفي الفقه الإسلامي أبواب كاملة مخصصة للطفولة مثل أبواب الحضانة والعقيقة والرضاع واللقيط، وأحكام كثيرة متناثرة أخرى في أبواب الفقه المختلفة من العبادات والمعاملات، ولا يكاد باب من أبواب الفقه إلا وللطفل فيه نصيب، من باب الطهارة إلى باب الجهاد، ومن باب النكاح والعقيقة إلى باب الميراث.
وقد تعرض القرآن الكريم للطفولة والأولاد ق\في مواضع شتى، كما في قوله تعالى:
{ يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم واللذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم}(النور 58).
وذلك لتعليمهم منذ نعومة أظفارهم أدب التعامل مع الآخرين واحترام خصوصياتهم، ولو كانوا آباءهم وأمهاتهم.
وتحدث القرآن عن أطفال متميزين، مثل إسماعيل بن إبراهيم الذي أسلم عنقه للسكين طاعة لله، وبراً بأبيه، ويوسف بن يعقوب، ومحنته مع اخوته، ويحيى بن زكريا، الذي آتاه الله الحكم صبياً، ومريم ابنة عمران، التي تقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً
وحذر القرآن المجتمع من إهمال اليتامى أو القسوة عليهم أو الطمع في أموالهم
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} (النساء 9).
وأكدت ذلك السنة:
فاعتبرت كافل اليتيم بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة كما اعتبرت أكل مال اليتيم من الموبقات السبع.
التعلم في الصغر كالنقش على الحجر:
وقد حفلت السيرة النبوية والسنة المحمدية بمواقف ووصايا وأحكام جمة تتعلق بالطفولة، والعمل على إسعادها وحسن نموها على أكمل وجه ممكن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على الصبيان سلم عليهم، وكان يداعبهم بما يدخل السرور عليهم. حتى إنه يخاطبهم بالكنية كما يخاطب الكبار، إيناساً لهم، وتنمية لشخصيتهم.
كان لأبي طلحة ابن صغير، وكان له طائر يلعب به اسمه "النفير" فكان يضاحكه ويقول له: (يا أبا عمير، ما فعل النفير؟). وكان من أرفق الناس بالأطفال وأحنهم عليهم، حتى إن الحسن أو الحسين قعد على ظهره وهو ساجد في صلاة جماعة، فأطال السجود وأطال، حتى ظن الصحابة أن قد أصابه شيء، ثم نهض من سجوده وأكمل الصلاة، فلما سلم سألوه: ما الذي حدث؟ فقال: إن ابني، يعني حفيدي ارتحلني، يعني ركب ظهري وجعلني راحلة له، فكرهت أن أعجله، يريد أنه تركه فوق ظهره حتى شبع وسئم ونزل باختياره دون أن يعكر عليه لذة لهوه ولعبه.
ودخل عليه بعض الصحابة وقد وجده وطأ ظهره لهما، ومشى بهما في الدار فقال الصحابي: نعم المركب ركبتما، وقال صلى الله عليه وسلم:
"ونعم الفارسان هما" ونزل من فوق المنبر حين رأى أحدهما يتعثر في ثوبه، ليأخذ بيديه ويحمله.
ودخل عليه أحد زعماء البادية، فوجده يقبل صبياً، فدهش لهذا المشهد، وقال: أتقبلون أولادكم؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم. فقال عليه الصلاة والسلام: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟" يعني : لا أملك لك من الله شيئاً إن كنت لا ترحم "من لا يرحم لا يرحم". ومع فرط حنوه عليه الصلاة والسلام وشفقته على الأطفال، ورحمته لهم ورفقه بهم، لم يمنعه ذلك من حسن تعليمهم وتأديبهم، وتربيتهم منذ نعومة أظفارهم، على مكارم الأخلاق، ومحامد الآداب والعادات.
رأى حفيده الحسن يأخذ تمرة من الصدقة ليأكلها، فبادر إليه، وقال له: كخ، كخ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟
ورأى ربيبه عمر ابن أبي سلمة، ابن زوجه أم سلمه، يأكل معه فتطيش يده في الصحفة يميناً وشمالاً ، فيلقنه أدب المائدة في رفق قائلاً: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".
ويوجه الرسول الكريم أمته لتربية أولادهم على قيم الإسلام، ومبادئه منذ الصغر، فإن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، كما قيل. ومن ذلك تعليم الصلاة. يقول "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر".
وليس الضرب مقصوداً لذاته، إنما هو إشعار بجدية الطلب. إن الإسلام لا يريد تنشئة عبيد يساقون بالعصا، بل ينشد تربية أحرار يقادون بالإقناع.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى