- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3903
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
الشــــــعراوي.. الإمــــام الثائـــــر
الثلاثاء 23 أغسطس 2011, 19:19
عاما مرت علي وفاته
الشــــــعراوي.. الإمــــام الثائـــــر
قليلون من يأتون إلي هذه الدنيا وتزدهر بهم الحياة, يملئونها عطاء بفضلهم وعلمهم وبما يقدمونه للناس من خير كثير.. وقليلون أيضا من يستمر عطاء علمهم بعد رحيلهم..
أولئك الذين لا تغيب شمس وجودهم ولا يغيب حضورهم عن الدنيا رغم غيابهم عنا منذ سنوات وهذه الأيام تواكب الذكري الثالثة عشرة لرحيل العالم الجليل إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي... رحيل لم يمنعه أن يكون موجودا بروحه وبكلماته.. ومعاصرا لثورة25 يناير بحديث عن الثائر الحق... وبعد غياب بسبب أو لآخر لخواطره وإطلالاته المتميزة.. عاد الناس ليطلبون أن يسمعوا الإمام الراحل من جديد ولهذا كانت سطور صفحتنا قراءة في حياة هذا العالم المجدد والمفسر والمفتي والأهم انه كان ولا يزال مؤثرا في عقل ووجدان الشعوب الإسلامية وتلك محاولة نعيد من خلالها قراءة حياته... ونستعيد خواطره.. ونستعيد فتاواه نتلمس في ضوئها الخطي.
بداية يتبادر إلي ذهان الكثيرين سؤال مهم لماذا لم يخفت نجم الشعراوي برغم وفاته؟!
ولماذا لم يظهر عالم إسلامي جديد يحتل ذات المكانة التي كان عليها الشعراوي؟! والمتابع لسيرة الشيخ الشعراوي يجد أن الإجابة أكثر صعوبة, فالرجل الذي نتحدث عنه كان البوتقة التي انصهر فيها الدين والعلم واللغة والسياسة والثقافة والتاريخ ليصنع مزيجا فريدا له مذاق خاص يصل إلي لب القلوب ومن رحم هذا التكوين خرجت خواطره الإيمانية وتفسيراته للقرآن الكريم لتكشف أشياء ربما لم يسبقه أليها أحد, وكانت درايته بعلوم اللغة تتيح له أن يظل تفسيره بمثابة الإبحار المبدع في أعماق القرآن, كما أن اجتهاده كان يستبعد كل ما هو مفتقد للمنطق بعد أن يستعرض ما يقال أمامه..
وقد بدأ الشعراوي تفسيره للقرآن بطريقة غير مقصودة وبلا ترتيب فبعد أن تخرج وبدأ يعطي الدروس في المساجد كان مجرد عالم دين يدعو بالحسنى, وظل خمسة عشر عاما يشرح الأحاديث والآيات ويقدم خواطره بكل تواضع حتى أصبح له جمهور عريض ومريدون له ولعلمه, ومع بداية السبعينيات لمع نجم الشيخ في التليفزيون بعد ظهوره في بضع حلقات مع الراحل أحمد فراج في برنامج نور علي نور وكان يعمل في ذلك الوقت في المملكة العربية السعودية ولم تظهر خواطره الإيمانية بل كان يتحدث حول بعض الموضوعات مثل القضاء والقدر والغيب والإسراء والمعراج, وأعطاه التليفزيون شهرة واسعة ـ لم ينكرها رحمه الله ـ بل كان حريصا علي التليفزيون من أجل توصيل رسالته إلي عدد أكبر من الناس, ولم يكن يتقاضي مليما واحدا طوال عمره, بل جاء له عرض كما يقول ابنه الحاج عبد الرحيم بشيك علي بياض وكان بإمكانه أن يضع فيه مائة مليون جنيه مقابل تسجيل خواطره الإيمانية ورفض كذلك عرضا آخر للشيخ صالح كامل مصحوبا بكل وسائل الراحة والإقامة في قصر مع الأسرة لكنه رفض وقال: التليفزيون المصري هو الأولي وله حق التوزيع والبيع والنشر.. وظل الشيخ لسنوات طويلة يظهر من خلال التليفزيون المصري مفسرا لكتاب الله.
ولأننا نتحدث عن الخواطر والتفسير القرآني فلا يمكن أن نغفل ما ظهر له في الأيام الماضية عندما كشفت احدي الفضائيات عن تسجيل نادر له أثناء تفسيره للآية(28) من سورة هود قال فيه: إن الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد. وإن آفة الثائر من البشر, انه يظل ثائرا, وليعلم الناس أن الثائر ما جاء ضد طائفة, وإنما جاء ضد ظلم طائفة, فإذا أخذ الثائر من الظالم وأعطي المظلوم, فعليه أن يجعل الاثنين سواء ومن هنا يأتي الهدوء بهذه الكلمات أصاب الشعراوي كبد الحقيقة منذ سنوات بعيدة وكأنه يتحدث إلي شباب الثورة من قلب ميدان التحرير.
كان الشيخ الشعراوي لا يعتبر نفسه مفتيا إنما يقول لمن يسأله عن شيء ما اقعد وأنت ورزقك فالحديث أرزاق وفتوح.. ربنا يفتح.. ولم يكن راضيا عن فكر وفتاوي الكثيرين من علماء الأزهر بل اختلف مع رموز كبيرة ومنهم الدكتور سيد طنطاوي عندما كان مفتيا للديار المصرية وذلك في فتواه بإجازة فوائد البنوك ونقل الأعضاء وكان الشعراوي صاحب فكر ميسر علي الناس ففي فتوى البنوك أجاز لمن لا يجد قوت يومه أن يلجأ للقروض البنكية كما أباح لمن لا يجد عملا أن يعمل في أماكن تقديم الخمور حتى يجد بديلا بشرط إلا يرتكن إلي هذه الفتوي ورغم أن البعض وصفوه بالشيخ المتناقض وأنه لم يكن يجد حرجا في العدول عن رأي ما قاله طالما فيه مصلحة الناس بما يتوافق مع ثوابت الفقه.
وعلي سبيل المثال لم يرفض التعامل مع البنوك بشكل عام وكان صاحب الفضل في إنشاء البنوك الإسلامية وجعل الفائدة صفرا.
مقعد الوزارة ربما لا يعرف الكثيرون أن الشعراوي كان مدخنا شرها مما أصابه بأمراض الالتهاب الرئوي لكن الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق, وصديقه المقرب نجح في إقناعه بالتنازل عن عادة التدخين لكن قدره أن تليف الرئة قد أصابه وهو المرض الذي اشتد عليه قبل وفاته.
ولأن الدكتور بدران كان أيضا زميلة في وزارة ممدوح سالم منذ عام1976 عندما أدي الشعراوي اليمين وزيرا للأوقاف فقد سألته حول ذكريات هذه الأيام ولماذا قبل الشعراوي هذا المنصب فأجابني د. بدران: من حسن حظي أنني زاملت الشيخ منذ حلف اليمين وكنت اجلس بجواره في مقعد مجلس الوزراء لمدة عامين وكانت تجمعني به صداقة سابقة بفضل صديقنا المشترك المرحوم سيد جلال, ورغم أن الشيخ قبل الوزارة فإنه كان ينتظر يوم الخروج منها بفارغ الصبر ويقول دائما اعتقوني لوجه الله وأتذكر انه في آخر جلسة له في مجلس الوزراء أكتوبر1978 قال مخاطبا رئيس الوزراء: يا سيد ممدوح الحمد لله الذي أذاقنا طعم هذه الوظيفة ومارسناها حتى لا نشتهيها بعد اليوم, وحتى نعود إلي خدمة الدين.
ولا أنسي عندما دعينا إلي احتفال بمناسبة تولينا الوزارة وكان حاضرا فيه المرحوم الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود ــ شيخ الأزهر ــ آنذاك وعندما حضر الشعراوي ذهب يسلم عليه ويقبل يديه حبا وتقديرا لعلمه وعندما لم يجد مقعدا جلس علي الأرض وهو وزير للأوقاف وعندما طلب احد الحاضرين من الشيخ عبد الحليم محمود أن يقول كلمة في تلميذه الوزير الشعراوي ــ رد الإمام قائلا: إني أحب أن استمع لمحمد متولي الشعراوي, وكان هذا الرد يكفيه من عالم كبير مثل الإمام عبد الحليم محمود.
قانون جيهان السادات
كثيرة هي المواقف العظيمة والروحانيات التي عكستها لغة وطريقة هذا الرجل الذي كان يحفظ مائة ألف بيت من الشعر فضلا عن تجويده القرآن وبراعته في تناول سير الأنبياء وقصص الصالحين, أيضا كان مستمعا متميزا لكل جديد ولكل متكلم مبادرا بالسؤال والتدقيق حتى يتبين ما يحتاجه في شروحاته وردوده وكان للشعراوي حلم واحد يعمل من أجله ولا يعلن عنه كثيرا هو أن تطبق الشريعة الإسلامية في كل البلدان العربية والإسلامية وكان يفضي بهذا الكلام لزوج ابنته( صالحة) الدكتور عصام القطقاط ـ المحبب إلي قلبه ـ فيقول لكن تطبيق الشريعة يحتاج لتهيئة أذهان الناس وتعليمهم أصول دينهم وأن الدين ممارسة وليس كلاما أو خطبا في كل مكان..
ولزواج عصام بصالحة حكاية طريفة فلم يطلب الشيخ من زوج ابنته سوي شيء واحد أن يكون الأصهار علي صلة طيبة بربهم وبرسوله عملا بالحديث الشريف إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. أن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وعند الحديث عن المهر قال مولانا لزوج ابنته أكثرهن بركة أقلهن مهرا ثم أضاف: التمس خاتما ولو من جديد.. وبعيدا عن قصة الزواج كان الدكتور عصام شاهدا علي موقف الشعراوي من قانون الأحوال الشخصية الذي اشتهر وقتها باسم قانون جيهان السادات فقد كان الشيخ يري أن فيه تجنبا علي الشريعة الإسلامية وأن مواده سوف تؤدي إلي خراب البيوت ونشوز بعض النساء وتهديدهن للأزواج بالطرد من الشقة في حالة الخلاف وإذلال الأزواج.. وهدد الشعراوي بالاستقالة قائلا: أنا لن أبيع شرع الله واستجاب السادات له وبعد خروجه من الوزارة صدر القانون في عهد الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف الذي تلاه.
السادات يبكي
ولم يكن الشعراوي ـ الداعية والإمام ـ بعيدا عن السياسة فقد جمعته صلات كبيرة بالإخوان والجماعات الإسلامية والملوك والرؤساء.. وقد بدأ الأمام وفديا لكنه رفض أن يدون اسمه في القيادة المركزية للحزب وكان مؤيدا للنحاس باشا وفؤاد سراج الدين لكن العلاقة القوية تلك التي جمعته بالرئيس أنور السادات وهذه العلاقة علي حسب قول د. محمود جامع ـ عضو مجلس الشورى الأسبق والأستاذ بطب طنطا والصديق المشترك ـ كانت خاصة حيث لعب الشعراوي وعبد الحليم محمود دورا كبيرا في تعميق مفاهيم الدين عند أنور السادات وقد عاهد السادات الشيخ الشعراوي وقد عاهد السادات الشيخ الشعراوي في منزلي وهو واضع رأسه في حجره والدموع في عينيه وقال: أشهد الله أن أحفظ لهذا البلد إسلامه وأزهره وأن أحميه من الشيوعية ومن الإلحاد وأن أنذر نفسي لذلك وأن أرفع الظلم عن كل مظلوم وأن أفرج كربة كل مسجون وكل سياسي وأن أعيد الحق إلي نصابه وأن اسعي للحكم بدين الله وشريعته الإسلامية وبالفعل حاول السادات أن يفعل شيئا فكان اقرب الحكام إلي الدين كما يقول الدكتور محمود جامع., وقد لعب الشعراوي دورا كبيرا في تهيئة المناخ لحرب أكتوبر73 وقد أرسله السادات إلي الملك فيصل لإقناعه باستخدام سلاح البترول في الحرب وذلك لأن الشعراوي كان العالم الأقرب إلي قلب الملك فيصل وعقله وروحه وكان يري انه أفضل حاكم إسلامي في القرن العشرين.
إلا إنه في نهاية فترة السادات بدأت المسافات بينه وبين الشعراوي تتسع وربما زاد من بعد المسافة حديث تليفزيوني قال فيه: أن الموت سوف يدرك كل البشر حتى الحكام في بروجهم المشيدة مضيفا: فربما يستدير حارس الحاكم وتحرك الشيخ يمينا بجسده ويوجه بندقيته ليقتل الحاكم بدلا من أن يحرسه. وهنا عاتب السادات الشعراوي وأرسل إليه كلمه غاضبة قال فيها هل الشيخ يعلم الشعب المصري كيف يغتال حكامه ويشاء القدر أن يغتال السادات بعدها بأسبوع..
واصل الإمام رحلته الإيمانية وكثيرا ما كان يردد: ما أقوله هو رزق يسوقه الله للناس علي لساني.. ومضي إمام الدعاة وفاضت روحه إلي بارئها.. ويبقي الشيخ الإمام في العقل والوجدان حتى مع الذين كانوا يختلفون معه.
الشــــــعراوي.. الإمــــام الثائـــــر
قليلون من يأتون إلي هذه الدنيا وتزدهر بهم الحياة, يملئونها عطاء بفضلهم وعلمهم وبما يقدمونه للناس من خير كثير.. وقليلون أيضا من يستمر عطاء علمهم بعد رحيلهم..
أولئك الذين لا تغيب شمس وجودهم ولا يغيب حضورهم عن الدنيا رغم غيابهم عنا منذ سنوات وهذه الأيام تواكب الذكري الثالثة عشرة لرحيل العالم الجليل إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي... رحيل لم يمنعه أن يكون موجودا بروحه وبكلماته.. ومعاصرا لثورة25 يناير بحديث عن الثائر الحق... وبعد غياب بسبب أو لآخر لخواطره وإطلالاته المتميزة.. عاد الناس ليطلبون أن يسمعوا الإمام الراحل من جديد ولهذا كانت سطور صفحتنا قراءة في حياة هذا العالم المجدد والمفسر والمفتي والأهم انه كان ولا يزال مؤثرا في عقل ووجدان الشعوب الإسلامية وتلك محاولة نعيد من خلالها قراءة حياته... ونستعيد خواطره.. ونستعيد فتاواه نتلمس في ضوئها الخطي.
بداية يتبادر إلي ذهان الكثيرين سؤال مهم لماذا لم يخفت نجم الشعراوي برغم وفاته؟!
ولماذا لم يظهر عالم إسلامي جديد يحتل ذات المكانة التي كان عليها الشعراوي؟! والمتابع لسيرة الشيخ الشعراوي يجد أن الإجابة أكثر صعوبة, فالرجل الذي نتحدث عنه كان البوتقة التي انصهر فيها الدين والعلم واللغة والسياسة والثقافة والتاريخ ليصنع مزيجا فريدا له مذاق خاص يصل إلي لب القلوب ومن رحم هذا التكوين خرجت خواطره الإيمانية وتفسيراته للقرآن الكريم لتكشف أشياء ربما لم يسبقه أليها أحد, وكانت درايته بعلوم اللغة تتيح له أن يظل تفسيره بمثابة الإبحار المبدع في أعماق القرآن, كما أن اجتهاده كان يستبعد كل ما هو مفتقد للمنطق بعد أن يستعرض ما يقال أمامه..
وقد بدأ الشعراوي تفسيره للقرآن بطريقة غير مقصودة وبلا ترتيب فبعد أن تخرج وبدأ يعطي الدروس في المساجد كان مجرد عالم دين يدعو بالحسنى, وظل خمسة عشر عاما يشرح الأحاديث والآيات ويقدم خواطره بكل تواضع حتى أصبح له جمهور عريض ومريدون له ولعلمه, ومع بداية السبعينيات لمع نجم الشيخ في التليفزيون بعد ظهوره في بضع حلقات مع الراحل أحمد فراج في برنامج نور علي نور وكان يعمل في ذلك الوقت في المملكة العربية السعودية ولم تظهر خواطره الإيمانية بل كان يتحدث حول بعض الموضوعات مثل القضاء والقدر والغيب والإسراء والمعراج, وأعطاه التليفزيون شهرة واسعة ـ لم ينكرها رحمه الله ـ بل كان حريصا علي التليفزيون من أجل توصيل رسالته إلي عدد أكبر من الناس, ولم يكن يتقاضي مليما واحدا طوال عمره, بل جاء له عرض كما يقول ابنه الحاج عبد الرحيم بشيك علي بياض وكان بإمكانه أن يضع فيه مائة مليون جنيه مقابل تسجيل خواطره الإيمانية ورفض كذلك عرضا آخر للشيخ صالح كامل مصحوبا بكل وسائل الراحة والإقامة في قصر مع الأسرة لكنه رفض وقال: التليفزيون المصري هو الأولي وله حق التوزيع والبيع والنشر.. وظل الشيخ لسنوات طويلة يظهر من خلال التليفزيون المصري مفسرا لكتاب الله.
ولأننا نتحدث عن الخواطر والتفسير القرآني فلا يمكن أن نغفل ما ظهر له في الأيام الماضية عندما كشفت احدي الفضائيات عن تسجيل نادر له أثناء تفسيره للآية(28) من سورة هود قال فيه: إن الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد. وإن آفة الثائر من البشر, انه يظل ثائرا, وليعلم الناس أن الثائر ما جاء ضد طائفة, وإنما جاء ضد ظلم طائفة, فإذا أخذ الثائر من الظالم وأعطي المظلوم, فعليه أن يجعل الاثنين سواء ومن هنا يأتي الهدوء بهذه الكلمات أصاب الشعراوي كبد الحقيقة منذ سنوات بعيدة وكأنه يتحدث إلي شباب الثورة من قلب ميدان التحرير.
كان الشيخ الشعراوي لا يعتبر نفسه مفتيا إنما يقول لمن يسأله عن شيء ما اقعد وأنت ورزقك فالحديث أرزاق وفتوح.. ربنا يفتح.. ولم يكن راضيا عن فكر وفتاوي الكثيرين من علماء الأزهر بل اختلف مع رموز كبيرة ومنهم الدكتور سيد طنطاوي عندما كان مفتيا للديار المصرية وذلك في فتواه بإجازة فوائد البنوك ونقل الأعضاء وكان الشعراوي صاحب فكر ميسر علي الناس ففي فتوى البنوك أجاز لمن لا يجد قوت يومه أن يلجأ للقروض البنكية كما أباح لمن لا يجد عملا أن يعمل في أماكن تقديم الخمور حتى يجد بديلا بشرط إلا يرتكن إلي هذه الفتوي ورغم أن البعض وصفوه بالشيخ المتناقض وأنه لم يكن يجد حرجا في العدول عن رأي ما قاله طالما فيه مصلحة الناس بما يتوافق مع ثوابت الفقه.
وعلي سبيل المثال لم يرفض التعامل مع البنوك بشكل عام وكان صاحب الفضل في إنشاء البنوك الإسلامية وجعل الفائدة صفرا.
مقعد الوزارة ربما لا يعرف الكثيرون أن الشعراوي كان مدخنا شرها مما أصابه بأمراض الالتهاب الرئوي لكن الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق, وصديقه المقرب نجح في إقناعه بالتنازل عن عادة التدخين لكن قدره أن تليف الرئة قد أصابه وهو المرض الذي اشتد عليه قبل وفاته.
ولأن الدكتور بدران كان أيضا زميلة في وزارة ممدوح سالم منذ عام1976 عندما أدي الشعراوي اليمين وزيرا للأوقاف فقد سألته حول ذكريات هذه الأيام ولماذا قبل الشعراوي هذا المنصب فأجابني د. بدران: من حسن حظي أنني زاملت الشيخ منذ حلف اليمين وكنت اجلس بجواره في مقعد مجلس الوزراء لمدة عامين وكانت تجمعني به صداقة سابقة بفضل صديقنا المشترك المرحوم سيد جلال, ورغم أن الشيخ قبل الوزارة فإنه كان ينتظر يوم الخروج منها بفارغ الصبر ويقول دائما اعتقوني لوجه الله وأتذكر انه في آخر جلسة له في مجلس الوزراء أكتوبر1978 قال مخاطبا رئيس الوزراء: يا سيد ممدوح الحمد لله الذي أذاقنا طعم هذه الوظيفة ومارسناها حتى لا نشتهيها بعد اليوم, وحتى نعود إلي خدمة الدين.
ولا أنسي عندما دعينا إلي احتفال بمناسبة تولينا الوزارة وكان حاضرا فيه المرحوم الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود ــ شيخ الأزهر ــ آنذاك وعندما حضر الشعراوي ذهب يسلم عليه ويقبل يديه حبا وتقديرا لعلمه وعندما لم يجد مقعدا جلس علي الأرض وهو وزير للأوقاف وعندما طلب احد الحاضرين من الشيخ عبد الحليم محمود أن يقول كلمة في تلميذه الوزير الشعراوي ــ رد الإمام قائلا: إني أحب أن استمع لمحمد متولي الشعراوي, وكان هذا الرد يكفيه من عالم كبير مثل الإمام عبد الحليم محمود.
قانون جيهان السادات
كثيرة هي المواقف العظيمة والروحانيات التي عكستها لغة وطريقة هذا الرجل الذي كان يحفظ مائة ألف بيت من الشعر فضلا عن تجويده القرآن وبراعته في تناول سير الأنبياء وقصص الصالحين, أيضا كان مستمعا متميزا لكل جديد ولكل متكلم مبادرا بالسؤال والتدقيق حتى يتبين ما يحتاجه في شروحاته وردوده وكان للشعراوي حلم واحد يعمل من أجله ولا يعلن عنه كثيرا هو أن تطبق الشريعة الإسلامية في كل البلدان العربية والإسلامية وكان يفضي بهذا الكلام لزوج ابنته( صالحة) الدكتور عصام القطقاط ـ المحبب إلي قلبه ـ فيقول لكن تطبيق الشريعة يحتاج لتهيئة أذهان الناس وتعليمهم أصول دينهم وأن الدين ممارسة وليس كلاما أو خطبا في كل مكان..
ولزواج عصام بصالحة حكاية طريفة فلم يطلب الشيخ من زوج ابنته سوي شيء واحد أن يكون الأصهار علي صلة طيبة بربهم وبرسوله عملا بالحديث الشريف إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. أن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وعند الحديث عن المهر قال مولانا لزوج ابنته أكثرهن بركة أقلهن مهرا ثم أضاف: التمس خاتما ولو من جديد.. وبعيدا عن قصة الزواج كان الدكتور عصام شاهدا علي موقف الشعراوي من قانون الأحوال الشخصية الذي اشتهر وقتها باسم قانون جيهان السادات فقد كان الشيخ يري أن فيه تجنبا علي الشريعة الإسلامية وأن مواده سوف تؤدي إلي خراب البيوت ونشوز بعض النساء وتهديدهن للأزواج بالطرد من الشقة في حالة الخلاف وإذلال الأزواج.. وهدد الشعراوي بالاستقالة قائلا: أنا لن أبيع شرع الله واستجاب السادات له وبعد خروجه من الوزارة صدر القانون في عهد الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف الذي تلاه.
السادات يبكي
ولم يكن الشعراوي ـ الداعية والإمام ـ بعيدا عن السياسة فقد جمعته صلات كبيرة بالإخوان والجماعات الإسلامية والملوك والرؤساء.. وقد بدأ الأمام وفديا لكنه رفض أن يدون اسمه في القيادة المركزية للحزب وكان مؤيدا للنحاس باشا وفؤاد سراج الدين لكن العلاقة القوية تلك التي جمعته بالرئيس أنور السادات وهذه العلاقة علي حسب قول د. محمود جامع ـ عضو مجلس الشورى الأسبق والأستاذ بطب طنطا والصديق المشترك ـ كانت خاصة حيث لعب الشعراوي وعبد الحليم محمود دورا كبيرا في تعميق مفاهيم الدين عند أنور السادات وقد عاهد السادات الشيخ الشعراوي وقد عاهد السادات الشيخ الشعراوي في منزلي وهو واضع رأسه في حجره والدموع في عينيه وقال: أشهد الله أن أحفظ لهذا البلد إسلامه وأزهره وأن أحميه من الشيوعية ومن الإلحاد وأن أنذر نفسي لذلك وأن أرفع الظلم عن كل مظلوم وأن أفرج كربة كل مسجون وكل سياسي وأن أعيد الحق إلي نصابه وأن اسعي للحكم بدين الله وشريعته الإسلامية وبالفعل حاول السادات أن يفعل شيئا فكان اقرب الحكام إلي الدين كما يقول الدكتور محمود جامع., وقد لعب الشعراوي دورا كبيرا في تهيئة المناخ لحرب أكتوبر73 وقد أرسله السادات إلي الملك فيصل لإقناعه باستخدام سلاح البترول في الحرب وذلك لأن الشعراوي كان العالم الأقرب إلي قلب الملك فيصل وعقله وروحه وكان يري انه أفضل حاكم إسلامي في القرن العشرين.
إلا إنه في نهاية فترة السادات بدأت المسافات بينه وبين الشعراوي تتسع وربما زاد من بعد المسافة حديث تليفزيوني قال فيه: أن الموت سوف يدرك كل البشر حتى الحكام في بروجهم المشيدة مضيفا: فربما يستدير حارس الحاكم وتحرك الشيخ يمينا بجسده ويوجه بندقيته ليقتل الحاكم بدلا من أن يحرسه. وهنا عاتب السادات الشعراوي وأرسل إليه كلمه غاضبة قال فيها هل الشيخ يعلم الشعب المصري كيف يغتال حكامه ويشاء القدر أن يغتال السادات بعدها بأسبوع..
واصل الإمام رحلته الإيمانية وكثيرا ما كان يردد: ما أقوله هو رزق يسوقه الله للناس علي لساني.. ومضي إمام الدعاة وفاضت روحه إلي بارئها.. ويبقي الشيخ الإمام في العقل والوجدان حتى مع الذين كانوا يختلفون معه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى