- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3910
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
أسباب النصر الحقيقية
الجمعة 19 أغسطس 2011, 21:37
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب النصر الحقيقية
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سره وجهره، الجائد على المجاهد بنصره، وعلى المتواضع من أجله برفعه، يسمع صريف القلم عند خط سطره، ويرى النمل يدب في فيافي قفره، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، أحمده على القضاء حلوه ومره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالبر إلى الخلق في بره وبحره، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر السابق بما وقر من الإيمان في صدره، وعلى عمر معز الإسلام بحزمه وقهره،، وعلى عثمان ذي النورين الصابر من أمره على مره، وعلى علي ابن عمه وصهره، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما جاد السحاب بقطره، وسلم تسليماً.
إخواني: لقد نصر الله المؤمنين في مواطن كثيرة في بدر والأحزاب والفتح وحنين وغيرها نصرهم الله وفاء بوعده، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
نصرهم الله لأنهم قائمون بدينه، وهو الظاهر على الأديان كلها، فمن تمسك به فهو ظاهر على الأمم كلها {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
نصرهم الله تعالى لأنهم قاموا بأسباب النصر الحقيقية المادية منها والمعنوية، فكان عندهم من العزم ما برزوا به على أعدائهم أخذاً بتوجيه الله تعالى لهم وتمشياً مع هديه وتثبيته إياهم: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فكانوا بهذه التقوية والتثبيت يسيرون بقوة وعزم وجد، وأخذوا بكل نصيب من القوة امتثالاً لقول ربهم سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} من القوة النفسية الباطنة والقوة العسكرية الظاهرة نصرهم الله تعالى لأنهم قاموا بنصر دينه {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}.
ففي هاتين الآيتين الكريمتين: وعد الله بالنصر من ينصره وعداً مؤكداً بمؤكدات لفظية ومعنوية، أما المؤكدات اللفظية فهي القسم المقدر، لأن التقدير والله لينصرن الله من ينصره، وكذلك اللام والنون في لينصرن كلاهما يفيد التوكيد وأما التوكيد المعنوي ففي قوله {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} فهو سبحانه قوي لا يضعف، وعزيز لا يذل، وكل قوة وعزة تضاده فستكون ذلاً وضعفاً.
وفي قوله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} تثبيت للمؤمن عندما يستبعد النصر في نظره لبعد أسبابه عنده، فإن عواقب الأمور لله وحده، يغير سبحانه ما شاء حسب ما تقتضيه حكمته.
وفي هاتين الآيتين بيان الأوصاف التي يستحق بها النصر وهي أوصاف يتحلى بها المؤمن بعدالتمكين في الأرض، فلا يغريه هذا التمكين بالأشر والبطر والعلو والفساد وإنما يزيده قوة في دين الله وتمسكاً به.
الوصف الأول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ}، والتمكين في الأرض لا يكون إلا بعد تحقيق عبادة الله وحده كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، فإذا قام العبد بعبادة الله مخلصاً له في أقواله وأفعاله وإرادته لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة، ولا يريد بها جاهاً ولا ثناءً من الناس، ولا مالاً ولا شيئاً من الدنيا، واستمر على هذه العبادة المخلصة في السراء والضراء، والشدة والرخاء؛ مكّن الله له في الأرض، إذن فالتمكين في الأرض يستلزم وصفاً سابقاً عليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعد التمكين والإخلاص يكون:
الوصف الثاني: وهو إقامة الصلاة، بأن يؤدي الصلاة على الوجه المطلوب منه، قائماً بشروطها وأركانها وواجباتها، وتمام ذلك القيام بمستحباتها، فيحسن الطهور، ويقيم الركوع والسجود والقيام والقعود، ويحافظ على الوقت وعلى الجمعة والجماعات، ويحافظ على الخشوع وهو حضور القلب وسكون الجوارح، فإن الخشوع روح الصلاة ولبها، والصلاة بدون خشوع كالجسم بدون روح، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" رواه أبو داود والنسائي.
الوصف الثالث: إيتاء الزكاة {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، بأن يعطوها إلى مستحقيها طيبة بها نفوسهم كاملة بدون نقص يبتغون بذلك فضلاً من الله ورضواناً، فيزكون بذلك أنفسهم ويطهرون أموالهم وينفعون إخوانهم من الفقراء والمساكين وغيرهم من ذوي الحاجات وقد سبق بيان مستحقي الزكاة الواجبة في المجلس السابع عشر.
الوصف الرابع: الأمر بالمعروف {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} والمعروف كل ما أمر الله به ورسوله من واجبات ومستحبات، يأمرون بذلك إحياء لشريعة الله وإصلاحاً لعباده واستجلاباً لرحمته ورضوانه، فالمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، فكما أن المؤمن يحب لنفسه أن يكون قائماً بطاعة ربه، فكذلك يجب أن يحب لإخوانه من القيام بطاعة الله ما يحب لنفسه، والأمر بالمعروف عن إيمان وتصديق يستلزم أن يكون الآمر قائماً بما يأمر به لأنه يأمر به عن إيمان واقتناع بفائدته وثمراته العاجلة والآجلة.
الوصف الخامس: النهي عن المنكر {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}، والمنكر كل ما نهى الله عنه ورسوله من كبائر الذنوب وصغائرها مما يتعلق بالعبادة أو الأخلاق أو المعاملة ينهون عن ذلك كله صيانة لدين الله وحماية لعباده واتقاء لأسباب الفساد والعقوبة.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامتان قويتان لبقاء الأمة وعزتها ووحدتها حتى لا تتفرق بها الأهواء وتتشتت بها المسالك، ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الدين على كل مسلم ومسلمة مع القدرة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، فلولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتفرق الناس شيعاً وتمزقوا كل ممزق كل حزب بما لديهم فرحون وبه فضلت هذه الأمة على غيرها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} ويتركه {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
فهذه الأوصاف الخمسة متى تحققت مع القيام بما أرشد الله إليه الحزم والعزيمة وإعداد القوة الحسية حصل النصر بإذن الله {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، فيحصل للأمة من نصر الله ما لم يخطر لهم على بال.
وإن المؤمن الواثق بوعد الله ليعلم أن الأسباب المادية مهما قويت فليست بشيء بالنسبة إلى قوة الله الذي خلقها وأوجدها، افتخرت عادٌ بقوتها وقالوا: من أشد منا قوة ؟، فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}.
وافتخر فرعون بملك مصر وأنهاره التي تجرى من تحته، فأغرقه الله بالماء الذي كان يفتخر بمثله، وأورث ملكه موسى وقومه، وهو الذي في نظر فرعون مهين ولا يكاد يبين.
وافتخرت قريش بعظمتها وجبروتها، فخرجوا من ديارهم برؤسائهم وزعمائهم بطراً ورئاء الناس، يقولون: لا نرجع حتى نقدم بدراً فتنحر فيها الجزور، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً. فهزموا على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شر هزيمة، وسحبت جثثهم جيفاً في قليب بدر، وصاروا حديث الناس في الذل والهوان إلى يوم القيامة.
ونحن المسلمين في هذا العصر لو أخذنا بأسباب النصر، وقمنا بواجب ديننا، وكنا قدوة لا مقتدين، ومتبوعين لا أتباعاً لغيرنا، وأخذنا بوسائل الحرب العصرية بصدق وإخلاص؛ لنصرنا الله على أعدائنا كما نصر أسلافنا، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.
اللهم هيئ لنا من أسباب النصر ما به نصرنا وعزتنا وكرامتنا ورفعة الإسلام، وذل الكفر والعصيان إنك جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسباب النصر الحقيقية
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سره وجهره، الجائد على المجاهد بنصره، وعلى المتواضع من أجله برفعه، يسمع صريف القلم عند خط سطره، ويرى النمل يدب في فيافي قفره، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، أحمده على القضاء حلوه ومره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالبر إلى الخلق في بره وبحره، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر السابق بما وقر من الإيمان في صدره، وعلى عمر معز الإسلام بحزمه وقهره،، وعلى عثمان ذي النورين الصابر من أمره على مره، وعلى علي ابن عمه وصهره، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما جاد السحاب بقطره، وسلم تسليماً.
إخواني: لقد نصر الله المؤمنين في مواطن كثيرة في بدر والأحزاب والفتح وحنين وغيرها نصرهم الله وفاء بوعده، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
نصرهم الله لأنهم قائمون بدينه، وهو الظاهر على الأديان كلها، فمن تمسك به فهو ظاهر على الأمم كلها {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
نصرهم الله تعالى لأنهم قاموا بأسباب النصر الحقيقية المادية منها والمعنوية، فكان عندهم من العزم ما برزوا به على أعدائهم أخذاً بتوجيه الله تعالى لهم وتمشياً مع هديه وتثبيته إياهم: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فكانوا بهذه التقوية والتثبيت يسيرون بقوة وعزم وجد، وأخذوا بكل نصيب من القوة امتثالاً لقول ربهم سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} من القوة النفسية الباطنة والقوة العسكرية الظاهرة نصرهم الله تعالى لأنهم قاموا بنصر دينه {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}.
ففي هاتين الآيتين الكريمتين: وعد الله بالنصر من ينصره وعداً مؤكداً بمؤكدات لفظية ومعنوية، أما المؤكدات اللفظية فهي القسم المقدر، لأن التقدير والله لينصرن الله من ينصره، وكذلك اللام والنون في لينصرن كلاهما يفيد التوكيد وأما التوكيد المعنوي ففي قوله {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} فهو سبحانه قوي لا يضعف، وعزيز لا يذل، وكل قوة وعزة تضاده فستكون ذلاً وضعفاً.
وفي قوله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} تثبيت للمؤمن عندما يستبعد النصر في نظره لبعد أسبابه عنده، فإن عواقب الأمور لله وحده، يغير سبحانه ما شاء حسب ما تقتضيه حكمته.
وفي هاتين الآيتين بيان الأوصاف التي يستحق بها النصر وهي أوصاف يتحلى بها المؤمن بعدالتمكين في الأرض، فلا يغريه هذا التمكين بالأشر والبطر والعلو والفساد وإنما يزيده قوة في دين الله وتمسكاً به.
الوصف الأول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ}، والتمكين في الأرض لا يكون إلا بعد تحقيق عبادة الله وحده كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، فإذا قام العبد بعبادة الله مخلصاً له في أقواله وأفعاله وإرادته لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة، ولا يريد بها جاهاً ولا ثناءً من الناس، ولا مالاً ولا شيئاً من الدنيا، واستمر على هذه العبادة المخلصة في السراء والضراء، والشدة والرخاء؛ مكّن الله له في الأرض، إذن فالتمكين في الأرض يستلزم وصفاً سابقاً عليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعد التمكين والإخلاص يكون:
الوصف الثاني: وهو إقامة الصلاة، بأن يؤدي الصلاة على الوجه المطلوب منه، قائماً بشروطها وأركانها وواجباتها، وتمام ذلك القيام بمستحباتها، فيحسن الطهور، ويقيم الركوع والسجود والقيام والقعود، ويحافظ على الوقت وعلى الجمعة والجماعات، ويحافظ على الخشوع وهو حضور القلب وسكون الجوارح، فإن الخشوع روح الصلاة ولبها، والصلاة بدون خشوع كالجسم بدون روح، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" رواه أبو داود والنسائي.
الوصف الثالث: إيتاء الزكاة {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، بأن يعطوها إلى مستحقيها طيبة بها نفوسهم كاملة بدون نقص يبتغون بذلك فضلاً من الله ورضواناً، فيزكون بذلك أنفسهم ويطهرون أموالهم وينفعون إخوانهم من الفقراء والمساكين وغيرهم من ذوي الحاجات وقد سبق بيان مستحقي الزكاة الواجبة في المجلس السابع عشر.
الوصف الرابع: الأمر بالمعروف {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} والمعروف كل ما أمر الله به ورسوله من واجبات ومستحبات، يأمرون بذلك إحياء لشريعة الله وإصلاحاً لعباده واستجلاباً لرحمته ورضوانه، فالمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، فكما أن المؤمن يحب لنفسه أن يكون قائماً بطاعة ربه، فكذلك يجب أن يحب لإخوانه من القيام بطاعة الله ما يحب لنفسه، والأمر بالمعروف عن إيمان وتصديق يستلزم أن يكون الآمر قائماً بما يأمر به لأنه يأمر به عن إيمان واقتناع بفائدته وثمراته العاجلة والآجلة.
الوصف الخامس: النهي عن المنكر {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}، والمنكر كل ما نهى الله عنه ورسوله من كبائر الذنوب وصغائرها مما يتعلق بالعبادة أو الأخلاق أو المعاملة ينهون عن ذلك كله صيانة لدين الله وحماية لعباده واتقاء لأسباب الفساد والعقوبة.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامتان قويتان لبقاء الأمة وعزتها ووحدتها حتى لا تتفرق بها الأهواء وتتشتت بها المسالك، ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الدين على كل مسلم ومسلمة مع القدرة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، فلولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتفرق الناس شيعاً وتمزقوا كل ممزق كل حزب بما لديهم فرحون وبه فضلت هذه الأمة على غيرها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} ويتركه {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
فهذه الأوصاف الخمسة متى تحققت مع القيام بما أرشد الله إليه الحزم والعزيمة وإعداد القوة الحسية حصل النصر بإذن الله {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، فيحصل للأمة من نصر الله ما لم يخطر لهم على بال.
وإن المؤمن الواثق بوعد الله ليعلم أن الأسباب المادية مهما قويت فليست بشيء بالنسبة إلى قوة الله الذي خلقها وأوجدها، افتخرت عادٌ بقوتها وقالوا: من أشد منا قوة ؟، فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}.
وافتخر فرعون بملك مصر وأنهاره التي تجرى من تحته، فأغرقه الله بالماء الذي كان يفتخر بمثله، وأورث ملكه موسى وقومه، وهو الذي في نظر فرعون مهين ولا يكاد يبين.
وافتخرت قريش بعظمتها وجبروتها، فخرجوا من ديارهم برؤسائهم وزعمائهم بطراً ورئاء الناس، يقولون: لا نرجع حتى نقدم بدراً فتنحر فيها الجزور، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً. فهزموا على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شر هزيمة، وسحبت جثثهم جيفاً في قليب بدر، وصاروا حديث الناس في الذل والهوان إلى يوم القيامة.
ونحن المسلمين في هذا العصر لو أخذنا بأسباب النصر، وقمنا بواجب ديننا، وكنا قدوة لا مقتدين، ومتبوعين لا أتباعاً لغيرنا، وأخذنا بوسائل الحرب العصرية بصدق وإخلاص؛ لنصرنا الله على أعدائنا كما نصر أسلافنا، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.
اللهم هيئ لنا من أسباب النصر ما به نصرنا وعزتنا وكرامتنا ورفعة الإسلام، وذل الكفر والعصيان إنك جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى