- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3909
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
هذه دعوتنـــا
الجمعة 12 أغسطس 2011, 21:19
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد..
فقد مّر على الديارِ النجدية فيما مضى أيام انتشر فيها الشرك وارتفعت رايته، وطمست معالم التوحيد في كثير من بقاعها، وفشت البدع والخرافات بين الناس حتى صار التوحيدُ بينهم غريباً، ومن دعا إليه فكأنه جاء بدعاً من القول، فنادوا به بكل تهمة، وكادوه بكل طريق وسبيل، واستعانوا عليه بأعوانهم من الفسقة والأراذل، حتى ارتفع صوتُ الباطل ودوّى، وضعف صوتُ الحق، وخفَت نوره.
وقد فشا الشرك بين الجهلة، فكانوا يأتون القبور فيدعونها رغباً ورهباً من دون الله ويزعمون أنها تقضي الحوائج، وكانت المرأة إذا تأخر زواجها ولم ترغب فيها الأزواج تذهب إلى ـ فحل نخلٍ ـ وتدعوه من دون الله قائلةً: يا فحل الفحول، أريد زوجاً قبل الحَول.
وكانوا يتبركون بالأشجار فيعلقون عليها الخرق، رجاء البركة وللاستشفاء من الأمراض، وهكذا من وسائل الشرك والانحدار وصرف العبادة لغير الله.
فلما أراد الله سبحانه أن يُتِمَّ نعمته على عباده، وينصرَ دينَه ويعلي كلمتَه، أذن بظهور نور التوحيد براقاً في كلِّ أفقٍ وبقعة في تلك الديار، فازدهرت الأرض به بعد مَحلٍ وقحْط، وارتوت به بعد ظمأٍ وهلكة، وأنقذ الله به عباده من ظلمات الجهل والشرك والتذلل لغيره سبحانه.
وكان ذلك على يد الإمام المجاهد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعاونه على ذلك ويشد أزره الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى.
فقد ولد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في عام 1115هـ، ولما اشتد عودُه رحل لطلب العلم فجاب الديار في سبيل ذلك وهو فتى في عنفوان شبابه، فلما حصل له من العلم ما يعينُه على دعوتهِ وجهاده في سبيل ذلك، رجع إلى بلاده حريملاء عام 1140هـ، وعمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً.
وبدأ يدعو للتوحيد ونبذ الشرك والخرافة، مما أهاج عليه عُـبَّـاد القبور والفسقة والسفلة، وقد تبعه أناس من أهل البلد لما رأوا صدقه وإخلاصَه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكعادة المصلحين في كل زمن فقد حصل على الشيخ من الشر الذي كاد أن يودي بحياته، وذلك بأنه كان هناك بعض الفساق والأسافل، كَثُر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ أن يُمنعوا من الفساد، وينفَّذ فيهم الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، فهمّوا بقتل الشيخ فتسوّروا عليه الجدار ليلاً، فكان من لطف الله أن شعر بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا.
فانتقل الشيخ بعدها إلى العينية وأميرها يومئذٍ عثمان بن حمد بن معمر، فتلقاه بالقبول وأكرمه، وبين له الشيخ دعوته وقال له: إني لأرجو إن أنت قمت بنصر (لا إله إلا الله) أن يظهرك الله تعالى، وتملك نجداً وأعرابها، فساعده عثمان على ذلك، فأعلن بالدعوة وتبعه الناس، وكان بها أشجار تعظم فقطعها، وقبور تعبد فأزالها، وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود.
فلما ارتفع صيت الشيخ في الآفاق بلغ ذلك حاكم الأحساء، وكان يؤدي خراجاً لابن معمر، فهدده بقطع الخراج إن لم يخرج الشيخَ من عنده، فأخبر ابنُ معمرٍ الشيخ محمداً بالخبر، فقال الشيخ قولَ الواثق: إن هذا الذي قمت به أنا ودعوت إليه كلمة (لا إله إلا الله)، وأركان الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكتَ به ونصرته فإن الله سبحانه سيظهرك على أعدائك، فلا يزعجك صاحب الأحساء ولا يفزعك، فإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة، ما تملك به بلاده وما وراءها وما دونها، فاستحى عثمان وأعرض عن الشيخ، فلما رجع جاء جلساء السوء إلى عثمان وخوفوه وأرجفوا به، حتى طلب من الشيخ أن يغادر العينية، وهذا من حكمة الله وعلمه أن نصر هذا الدين والظهورَ والغلبةَ والتمكينَ يكون لغيره وعلى يد غيره.
فانتقل الشيخ إلى الدرعية، وكان أميرها يومئذٍ محمد بن سعود رحمه الله، وكأنَّ حال الشيخ يومئذٍ كحال النبي صلى الله عليه وسلم حين كان ينادي بداية دعوته من ينصرني من يؤويني حتى أبلغ كلام ربي.
فلما نزل بالدرعية، حل ضيفا على أحد أهل الدرعية، فخاف الرجل على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وأسكن جأشه، وعلم به أناس من أهل الدرعية فزاروه خفية، فقرر لهم التوحيد واستقر في قلوبهم، فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود بمجيئه، ويشيروا عليه بنصرته ولكنهم هابوه، فأتوا إلى زوجته الصالحة (مُوضِي)، وكانت ذات عقل ودين ومعرفة، فأخبروها بمكانة الشيخ، وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلبها حب التوحيد، وقذف الله في قلبها محبة الشيخ، فلما دخل عليها زوجها محمد بن سعود أخبرته بمكانه، وقالت: إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك، فأكرمه وعظِّمه، واغتنم نصرته، فقَبل قولَها، ثم دخل عليه أخواه ثنيان ومشاري، وأشاروا عليه بمساعدته ونصرته، وألقى الله سبحانه في قلب محمدِ بن سعود محبَّة الشيخ محمد فأراد أن يرسل إليه، فقالت له زوجته وأخواه: سر إليه برجلك وأظهر تعظيمه، لعلَّ الناس أن يكرموه ويعظموه، فسار إليه محمد بن سعود.
وهذا القول منهم (أي: ثنيان ومشاري وموضي)، واستجابة محمد بن سعود وذهابه للشيخ، لهو دليل على أنهم أهلُ دينٍ وتقوى، ما سعوا إلى الملك بل إنهم نصروا الشيخ وهو مستضعف ليس له دولة ولا ملك، وأنهم ما أرادوا إلا نصرةَ التوحيد ورفع رايته، ولذلك لما دخل محمد بن سعود على الإمام محمد بن عبد الوهاب رحب به وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة والنصرة والأمن، فقال له الشيخ: وأنت أبشر بالنصر والتمكين والعاقبة الحميدة، هذا دين الله، من نصره نصره الله، ومن أيده أيده الله.
وهكذا فقد فتح الله على يد محمد بن سعود، واختاره لنصرة دينه وإقامة شرعه بالرغم من كثرة الحكام في وقته، كما اختار الله الإمام محمد بن عبد الوهاب لرفع راية التوحيد بالرغم من وجود علماء غيره، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا ينسى مناصرة محمد بن سعود له لإقامة التوحيد ودعوة الناس إليه، فكان يقول في مراسلاته: إن العلماء في الشام واليمن إذا سئلوا عما أدعو إليه، قالوا: إن ما يدعو إليه ابنُ عبد الوهاب هو دين الله ورسوله، ولكن لا نقدر على إظهاره، لأن الدولة تحاربنا ولا ترضى بذلك، وأما ابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره بل لما عرف الحقَّ اتبعه.
ثم في عام 1158هـ بدأ الجهاد الفعلي بالحجة والبيان والسيف والسنان، وبدأ الشيخ يكاتب أهل البلدان ويراسلهم، ويكتب للرؤساء والقضاة ومدّعي العلم، فمنهم من اتبع الحق وقبل به، ومنه من صدّ عنه وأعرض واتخذه سخريا، واستهزأ بالشيخ ونسبه إلى الجهل والسحر وغير ذلك.
وقام عليه علماء السوء بالتشنيع والإفك يصدهم عن اتباع الهدى، حبُّ الدنيا والبحثُ وراءَ متاعها الزائل، وما ورثوه عن أسلافهم من العادات الرديئة والخرافات البائدة كما قال تعالى عنهم: {إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون}.
وها هي عادتهم في كل زمن وحين، يحاربون التوحيد وإقامة الدين، وينصرون الشركَ والبدعَ والخرافاتِ، ولو اضطرهم ذلك إلى الهجوم بالإفك الظاهر، والأكاذيب الواضحة، واتهام أهل السنة بالزور والبهتان، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.
فبدأت دعوة الشيخ تؤتي ثمارها، والتزم الناس بالطاعة والدخول في دين الله، وهدموا ما عندهم من القباب وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور، وحكّموا الشريعة، وتركوا تحكيمَ قوانينَ الآباء، وساد الأمن.
وفي عام 1179هـ توفي الإمامُ محمد بن سعود، ناصرُ دعوة التوحيد بعد أن أقام تلك الدولة العظيمة التي بلغت محاسنها الآفاق، وسار بسيرتها الركبان وابتهج بها قلبُ كلِّ موحّدٍ صادق، ولم يزل الشيخ مجتهدا في دعوته بعد أن خلف محمدَ بن سعود ابنُه العادل عبد العزيز الذي أقام العدل وبث العلم، فسار على طريقة والده، وناصرَ الشيخ في دعوته، ولا زال حتى توسعت الدولة بعد أن كانت قرية صغيرة، فأصبحت دولة عظيمة، فسيحَة الأرجاء، متناهيةَ الأطراف.
وبقى الشيخ على ذلك حتى توفاه الله في عام 1206هـ، وكفى بفضله شرفا ما حصل بسببه من إزالة البدع واجتماع المسلمين، وتقويمِ الجماعات والجمع، وتجديد الدينِ بعد دروسه، وقطع أصول الشركِ بعد غروسه، فلم يزل مجاهداً حتى أذعن أهلَ نجدٍ وتابعوا، وعمل فيها بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعمرت نجدٌ بعد خرابها، وصَلحت بعد فسادها، ونال الفخرَ والملكَ من نصره وآواه، وصاروا ملوكاً بعد التفرق والقتال.
وهكذا كل من نصر الشريعةَ من قديم الزمان وحديثه، الله ينصره على أعدائه، ويجعله مالكاً لمن عاداه.
وكانت عقيدته رحمه الله عقيدةُ السلفِ الأُول في الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدرِ خيره وشره، ويدعو الناسَ إلى التوحيد ونبذِ الشرك والبدع، وهذا هو أساس العداوةِ والنـزاع بين الناس:
*إنكار الشرك والدعوةُ إلى التوحيد الخالص.
*وإنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد.
فالإمام محمدُ بنُ عبد الوهاب ما جاءَ بدين جديد ولا بشريعة محدثة، بل إنه على عقيدة خير القرون، ويدعو إلى ما دعت إليه الأنبياءُ كافةً وهو: (توحيد الله وإفراده بالعبادة)، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
فالتوحيد هو أوجبُ الواجباتِ على العبد، وأول ما يجب على العبد أن يتدين به لربه، وما خاصم أهلُ الضلالة، أهلَ التقى والديانة وحاربوهم وحذروا منهم، إلا لدعوتهم لتوحيد الله وحثِّ الناس عليه.
فلما طُمِسَت بصيرتُهم، وزاغت قلوبهم، طمسَ الله بصائرهم عن معرفةِ حقيقة التوحيد ولذته، فتاهوا في غياهب الظلمات، لا يفقهون ولا يعقلون، صمُّ بكم عمي فهم لا يرجعون، وقاموا بالحربِ على الهدى واقتفوا طرق الضلالة، فباتوا في طغيانهم يعمهون.
إن مما دعا إلى هذه الكلمات إزالة اللبس الذي أحدثه بعض الناس ممن جهلوا حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقاموا يكيلون إليها بالتهم الكاذبة، والأراجيف الظالمة، ويشوهون صورتها عند الناس، ومما دفعهم إلى ذلك أنها دعوة التوحيد الحق، التي تنبذ الشرك والخرافة التي يتدين بها كثير من هؤلاء الملبِّسين الظلمة، الذين جعلوا خرافاتهم وبدعَهم وسيلة للتكسب وأكل أموال الناس بالباطل، ممن يحثّونهم على التقرب للقبور والنذر عندها، فيستولون على أموالهم بهذه الحيل الشيطانية.
كما أن مما دعا إلى هذه الخطبة قيامُ بعض الجهلة من رموز دعاةِ الباطل ممن تلمعهم القنوات الفضائية بالهجوم على دعوة الشيخ محمد قبل أيام ـ في إحدى القنوات الفضائية النتنة ـ وما أكثرها ـ ووصفها بالإرهاب والتطرف، وما كانت دعوةُ محمد بن عبد الوهاب والدولة التي قامت في وقته ولا زالت ـ دولة إرهاب وتطرف ـ بل إنها دعوة تقوم على ما قامت عليه دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من إقرار التوحيد ونبذ الشرك، {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وما ظهر الإرهابُ والتطرف إلا من قبل هذا وإمثاله، من أصحاب الدعوات الثورية السياسية التي جعلت السياسةَ دينَها وديدَنها، فهم أبعد ما يكونون عن تعاليم الدين وأقربُ إلى ألاعيبِ السياسةِ والإفك والعدوان.
والغريب في الأمر أن هذه الاتهامات تزامنت مع الحملة الإعلامية الشرسة التي تقودها بعض دول الكفر ضد دولة التوحيد، وتظهرها بأنها رأس الإرهاب ومنبع التطرف، ولكن من نظر في التاريخ عرف أن أسلاف هذا الحاقد، الذين شرب من منهلهم الكدر، ومستنقعهم الضحل، كانوا كلما قام الكفار على دعوة التوحيد آزروهم وزينوا لهم باطِلَهم، فليس غريباً أن يأخذ هذا وأمثالُه ميراثَ أصحابه السابقين، وليس غريباً أن يكتم الحاقد حقده وبغضه حتى إذا جاءته الفرصة أظهر ما في مكنونه، كما قيل:
إن العدوَّ وإن أبدى مسالمةً إذا رأى منك يوماً غِرةً وثبا
وفي هذا عبرةٌ للمعتبرين، وأصحاب النوايا السليمة، حتى لا يغتروا بالأدعياء الذين يتحينون الفرص للتهجم عليهم، وإن كانت القضيةُ مسألة كفرٍ وإسلام، فالحاقد أعمى، وحين تسنح له الفرصة، لا ينظر إلى شيء سوى أن يشفي حقده، مهما كانت النتائج.
فنسأل الله أن يجنبنا كيدَ الأدعياءِ والحاقدين وأن يوفقنا للحق الواضح المبين، واتباع سنة سيد المرسلين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد..
فقد مّر على الديارِ النجدية فيما مضى أيام انتشر فيها الشرك وارتفعت رايته، وطمست معالم التوحيد في كثير من بقاعها، وفشت البدع والخرافات بين الناس حتى صار التوحيدُ بينهم غريباً، ومن دعا إليه فكأنه جاء بدعاً من القول، فنادوا به بكل تهمة، وكادوه بكل طريق وسبيل، واستعانوا عليه بأعوانهم من الفسقة والأراذل، حتى ارتفع صوتُ الباطل ودوّى، وضعف صوتُ الحق، وخفَت نوره.
وقد فشا الشرك بين الجهلة، فكانوا يأتون القبور فيدعونها رغباً ورهباً من دون الله ويزعمون أنها تقضي الحوائج، وكانت المرأة إذا تأخر زواجها ولم ترغب فيها الأزواج تذهب إلى ـ فحل نخلٍ ـ وتدعوه من دون الله قائلةً: يا فحل الفحول، أريد زوجاً قبل الحَول.
وكانوا يتبركون بالأشجار فيعلقون عليها الخرق، رجاء البركة وللاستشفاء من الأمراض، وهكذا من وسائل الشرك والانحدار وصرف العبادة لغير الله.
فلما أراد الله سبحانه أن يُتِمَّ نعمته على عباده، وينصرَ دينَه ويعلي كلمتَه، أذن بظهور نور التوحيد براقاً في كلِّ أفقٍ وبقعة في تلك الديار، فازدهرت الأرض به بعد مَحلٍ وقحْط، وارتوت به بعد ظمأٍ وهلكة، وأنقذ الله به عباده من ظلمات الجهل والشرك والتذلل لغيره سبحانه.
وكان ذلك على يد الإمام المجاهد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعاونه على ذلك ويشد أزره الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى.
فقد ولد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في عام 1115هـ، ولما اشتد عودُه رحل لطلب العلم فجاب الديار في سبيل ذلك وهو فتى في عنفوان شبابه، فلما حصل له من العلم ما يعينُه على دعوتهِ وجهاده في سبيل ذلك، رجع إلى بلاده حريملاء عام 1140هـ، وعمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً.
وبدأ يدعو للتوحيد ونبذ الشرك والخرافة، مما أهاج عليه عُـبَّـاد القبور والفسقة والسفلة، وقد تبعه أناس من أهل البلد لما رأوا صدقه وإخلاصَه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكعادة المصلحين في كل زمن فقد حصل على الشيخ من الشر الذي كاد أن يودي بحياته، وذلك بأنه كان هناك بعض الفساق والأسافل، كَثُر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ أن يُمنعوا من الفساد، وينفَّذ فيهم الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، فهمّوا بقتل الشيخ فتسوّروا عليه الجدار ليلاً، فكان من لطف الله أن شعر بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا.
فانتقل الشيخ بعدها إلى العينية وأميرها يومئذٍ عثمان بن حمد بن معمر، فتلقاه بالقبول وأكرمه، وبين له الشيخ دعوته وقال له: إني لأرجو إن أنت قمت بنصر (لا إله إلا الله) أن يظهرك الله تعالى، وتملك نجداً وأعرابها، فساعده عثمان على ذلك، فأعلن بالدعوة وتبعه الناس، وكان بها أشجار تعظم فقطعها، وقبور تعبد فأزالها، وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود.
فلما ارتفع صيت الشيخ في الآفاق بلغ ذلك حاكم الأحساء، وكان يؤدي خراجاً لابن معمر، فهدده بقطع الخراج إن لم يخرج الشيخَ من عنده، فأخبر ابنُ معمرٍ الشيخ محمداً بالخبر، فقال الشيخ قولَ الواثق: إن هذا الذي قمت به أنا ودعوت إليه كلمة (لا إله إلا الله)، وأركان الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكتَ به ونصرته فإن الله سبحانه سيظهرك على أعدائك، فلا يزعجك صاحب الأحساء ولا يفزعك، فإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة، ما تملك به بلاده وما وراءها وما دونها، فاستحى عثمان وأعرض عن الشيخ، فلما رجع جاء جلساء السوء إلى عثمان وخوفوه وأرجفوا به، حتى طلب من الشيخ أن يغادر العينية، وهذا من حكمة الله وعلمه أن نصر هذا الدين والظهورَ والغلبةَ والتمكينَ يكون لغيره وعلى يد غيره.
فانتقل الشيخ إلى الدرعية، وكان أميرها يومئذٍ محمد بن سعود رحمه الله، وكأنَّ حال الشيخ يومئذٍ كحال النبي صلى الله عليه وسلم حين كان ينادي بداية دعوته من ينصرني من يؤويني حتى أبلغ كلام ربي.
فلما نزل بالدرعية، حل ضيفا على أحد أهل الدرعية، فخاف الرجل على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وأسكن جأشه، وعلم به أناس من أهل الدرعية فزاروه خفية، فقرر لهم التوحيد واستقر في قلوبهم، فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود بمجيئه، ويشيروا عليه بنصرته ولكنهم هابوه، فأتوا إلى زوجته الصالحة (مُوضِي)، وكانت ذات عقل ودين ومعرفة، فأخبروها بمكانة الشيخ، وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلبها حب التوحيد، وقذف الله في قلبها محبة الشيخ، فلما دخل عليها زوجها محمد بن سعود أخبرته بمكانه، وقالت: إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك، فأكرمه وعظِّمه، واغتنم نصرته، فقَبل قولَها، ثم دخل عليه أخواه ثنيان ومشاري، وأشاروا عليه بمساعدته ونصرته، وألقى الله سبحانه في قلب محمدِ بن سعود محبَّة الشيخ محمد فأراد أن يرسل إليه، فقالت له زوجته وأخواه: سر إليه برجلك وأظهر تعظيمه، لعلَّ الناس أن يكرموه ويعظموه، فسار إليه محمد بن سعود.
وهذا القول منهم (أي: ثنيان ومشاري وموضي)، واستجابة محمد بن سعود وذهابه للشيخ، لهو دليل على أنهم أهلُ دينٍ وتقوى، ما سعوا إلى الملك بل إنهم نصروا الشيخ وهو مستضعف ليس له دولة ولا ملك، وأنهم ما أرادوا إلا نصرةَ التوحيد ورفع رايته، ولذلك لما دخل محمد بن سعود على الإمام محمد بن عبد الوهاب رحب به وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة والنصرة والأمن، فقال له الشيخ: وأنت أبشر بالنصر والتمكين والعاقبة الحميدة، هذا دين الله، من نصره نصره الله، ومن أيده أيده الله.
وهكذا فقد فتح الله على يد محمد بن سعود، واختاره لنصرة دينه وإقامة شرعه بالرغم من كثرة الحكام في وقته، كما اختار الله الإمام محمد بن عبد الوهاب لرفع راية التوحيد بالرغم من وجود علماء غيره، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا ينسى مناصرة محمد بن سعود له لإقامة التوحيد ودعوة الناس إليه، فكان يقول في مراسلاته: إن العلماء في الشام واليمن إذا سئلوا عما أدعو إليه، قالوا: إن ما يدعو إليه ابنُ عبد الوهاب هو دين الله ورسوله، ولكن لا نقدر على إظهاره، لأن الدولة تحاربنا ولا ترضى بذلك، وأما ابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره بل لما عرف الحقَّ اتبعه.
ثم في عام 1158هـ بدأ الجهاد الفعلي بالحجة والبيان والسيف والسنان، وبدأ الشيخ يكاتب أهل البلدان ويراسلهم، ويكتب للرؤساء والقضاة ومدّعي العلم، فمنهم من اتبع الحق وقبل به، ومنه من صدّ عنه وأعرض واتخذه سخريا، واستهزأ بالشيخ ونسبه إلى الجهل والسحر وغير ذلك.
وقام عليه علماء السوء بالتشنيع والإفك يصدهم عن اتباع الهدى، حبُّ الدنيا والبحثُ وراءَ متاعها الزائل، وما ورثوه عن أسلافهم من العادات الرديئة والخرافات البائدة كما قال تعالى عنهم: {إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون}.
وها هي عادتهم في كل زمن وحين، يحاربون التوحيد وإقامة الدين، وينصرون الشركَ والبدعَ والخرافاتِ، ولو اضطرهم ذلك إلى الهجوم بالإفك الظاهر، والأكاذيب الواضحة، واتهام أهل السنة بالزور والبهتان، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.
فبدأت دعوة الشيخ تؤتي ثمارها، والتزم الناس بالطاعة والدخول في دين الله، وهدموا ما عندهم من القباب وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور، وحكّموا الشريعة، وتركوا تحكيمَ قوانينَ الآباء، وساد الأمن.
وفي عام 1179هـ توفي الإمامُ محمد بن سعود، ناصرُ دعوة التوحيد بعد أن أقام تلك الدولة العظيمة التي بلغت محاسنها الآفاق، وسار بسيرتها الركبان وابتهج بها قلبُ كلِّ موحّدٍ صادق، ولم يزل الشيخ مجتهدا في دعوته بعد أن خلف محمدَ بن سعود ابنُه العادل عبد العزيز الذي أقام العدل وبث العلم، فسار على طريقة والده، وناصرَ الشيخ في دعوته، ولا زال حتى توسعت الدولة بعد أن كانت قرية صغيرة، فأصبحت دولة عظيمة، فسيحَة الأرجاء، متناهيةَ الأطراف.
وبقى الشيخ على ذلك حتى توفاه الله في عام 1206هـ، وكفى بفضله شرفا ما حصل بسببه من إزالة البدع واجتماع المسلمين، وتقويمِ الجماعات والجمع، وتجديد الدينِ بعد دروسه، وقطع أصول الشركِ بعد غروسه، فلم يزل مجاهداً حتى أذعن أهلَ نجدٍ وتابعوا، وعمل فيها بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعمرت نجدٌ بعد خرابها، وصَلحت بعد فسادها، ونال الفخرَ والملكَ من نصره وآواه، وصاروا ملوكاً بعد التفرق والقتال.
وهكذا كل من نصر الشريعةَ من قديم الزمان وحديثه، الله ينصره على أعدائه، ويجعله مالكاً لمن عاداه.
وكانت عقيدته رحمه الله عقيدةُ السلفِ الأُول في الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدرِ خيره وشره، ويدعو الناسَ إلى التوحيد ونبذِ الشرك والبدع، وهذا هو أساس العداوةِ والنـزاع بين الناس:
*إنكار الشرك والدعوةُ إلى التوحيد الخالص.
*وإنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد.
فالإمام محمدُ بنُ عبد الوهاب ما جاءَ بدين جديد ولا بشريعة محدثة، بل إنه على عقيدة خير القرون، ويدعو إلى ما دعت إليه الأنبياءُ كافةً وهو: (توحيد الله وإفراده بالعبادة)، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
فالتوحيد هو أوجبُ الواجباتِ على العبد، وأول ما يجب على العبد أن يتدين به لربه، وما خاصم أهلُ الضلالة، أهلَ التقى والديانة وحاربوهم وحذروا منهم، إلا لدعوتهم لتوحيد الله وحثِّ الناس عليه.
فلما طُمِسَت بصيرتُهم، وزاغت قلوبهم، طمسَ الله بصائرهم عن معرفةِ حقيقة التوحيد ولذته، فتاهوا في غياهب الظلمات، لا يفقهون ولا يعقلون، صمُّ بكم عمي فهم لا يرجعون، وقاموا بالحربِ على الهدى واقتفوا طرق الضلالة، فباتوا في طغيانهم يعمهون.
إن مما دعا إلى هذه الكلمات إزالة اللبس الذي أحدثه بعض الناس ممن جهلوا حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقاموا يكيلون إليها بالتهم الكاذبة، والأراجيف الظالمة، ويشوهون صورتها عند الناس، ومما دفعهم إلى ذلك أنها دعوة التوحيد الحق، التي تنبذ الشرك والخرافة التي يتدين بها كثير من هؤلاء الملبِّسين الظلمة، الذين جعلوا خرافاتهم وبدعَهم وسيلة للتكسب وأكل أموال الناس بالباطل، ممن يحثّونهم على التقرب للقبور والنذر عندها، فيستولون على أموالهم بهذه الحيل الشيطانية.
كما أن مما دعا إلى هذه الخطبة قيامُ بعض الجهلة من رموز دعاةِ الباطل ممن تلمعهم القنوات الفضائية بالهجوم على دعوة الشيخ محمد قبل أيام ـ في إحدى القنوات الفضائية النتنة ـ وما أكثرها ـ ووصفها بالإرهاب والتطرف، وما كانت دعوةُ محمد بن عبد الوهاب والدولة التي قامت في وقته ولا زالت ـ دولة إرهاب وتطرف ـ بل إنها دعوة تقوم على ما قامت عليه دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من إقرار التوحيد ونبذ الشرك، {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وما ظهر الإرهابُ والتطرف إلا من قبل هذا وإمثاله، من أصحاب الدعوات الثورية السياسية التي جعلت السياسةَ دينَها وديدَنها، فهم أبعد ما يكونون عن تعاليم الدين وأقربُ إلى ألاعيبِ السياسةِ والإفك والعدوان.
والغريب في الأمر أن هذه الاتهامات تزامنت مع الحملة الإعلامية الشرسة التي تقودها بعض دول الكفر ضد دولة التوحيد، وتظهرها بأنها رأس الإرهاب ومنبع التطرف، ولكن من نظر في التاريخ عرف أن أسلاف هذا الحاقد، الذين شرب من منهلهم الكدر، ومستنقعهم الضحل، كانوا كلما قام الكفار على دعوة التوحيد آزروهم وزينوا لهم باطِلَهم، فليس غريباً أن يأخذ هذا وأمثالُه ميراثَ أصحابه السابقين، وليس غريباً أن يكتم الحاقد حقده وبغضه حتى إذا جاءته الفرصة أظهر ما في مكنونه، كما قيل:
إن العدوَّ وإن أبدى مسالمةً إذا رأى منك يوماً غِرةً وثبا
وفي هذا عبرةٌ للمعتبرين، وأصحاب النوايا السليمة، حتى لا يغتروا بالأدعياء الذين يتحينون الفرص للتهجم عليهم، وإن كانت القضيةُ مسألة كفرٍ وإسلام، فالحاقد أعمى، وحين تسنح له الفرصة، لا ينظر إلى شيء سوى أن يشفي حقده، مهما كانت النتائج.
فنسأل الله أن يجنبنا كيدَ الأدعياءِ والحاقدين وأن يوفقنا للحق الواضح المبين، واتباع سنة سيد المرسلين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى