- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3897
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
وصايا للداعية الجديد
الجمعة 12 أغسطس 2011, 20:52
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله وبعد :
استيقظ الإيمان في قلوب الكثيرين , فكان أن عادوا إلى الله , واستقاموا على دينه , وتحركت الغيرة عندهم من تجاوز استقامة النفس إلى السعي في الإصلاح والدعوة إلى الله .
وهذا دليل قوة قناعتهم بأهمية الالتزام بشرع الله , كما أنه علامة على صدق أخوتهم ونصحهم للأمة بعامة .
ولكن كعادة كل مستجد في ميدان لا يدركه , وكل مبتدى في فن لا يحسنه تجد هؤلاء الجدد في ميدان الدعوة يحسنون تارة ويخطئون أخرى , وذلك لضعف علمهم وقلة خبرتهم , لذا كان لزاما
على من كان له قدم سبق في هذا المضمار أن يدلي بدلوه , فيهدي لهم الوصايا والإرشادات , والتي جمعت من كتابات تناثرت في كتب الدعاة ومقالاتهم , وغايتنا من هذا الجمع تقريبها وتيسيرها للدعاة الجدد –وفقهم الله- وكلها تحت مظلة قوله تعالى ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف108
وقوله تعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل 125
ومن جملة هذه الوصايا الرائعة ما يلي :
1) صاحب الإخلاص في دعوتك :
فالواجب على الداعية الجديد فضلا عن غيره أن يستشعر دوما أن الدعوة إلى الله عبادة يتقرب بها إليه , وكل عبادة لا تقبل إلا إذا أخلص صاحبها فيها كما قال الله في الحديث القدسي :" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم .
ومما ينافي إخلاص الداعية أو يعكر عليه صدق نيته :
1- أن يبتغي بدعوته طمعا دنيويا أو رفعة وجاها ً.
2- أن يبتغي بدعوته طلب محمدة الناس ولفت أنظارهم إليه .
3- أن يطلب من وراء بذله الدعوي الرئاسة وتكثير الأتباع بين يديه .
4- أن يبتغي بدعوته إثبات وجوده ومنافسة أقرانه .
والداعية الجديد قد لا يقصد هذه الأمور , لكنه يصاب بها في مواضع ويهمل إصلاح قلبه فيصل إليها ويتدهور أمره .
أما كيف يبتلى بهذه الآفات ؟ فالجواب : أن لذلك صورا عديدة منها :
ذكر عن شاب في تجمع دعوي أنه كان يغار من زميله الداعية , ولأنه يلحظ استجابة الآخرين لهذا الصاحب , صار يجتهد في الدعوة ليثبت للمربين الذين يعرفونهما أنه ذو قدرات مماثلة لزميلة , إضافة إلى إرضاء نفسه وإشباع غروره , وهذه صورة متكررة نعلم منها أن الغيرة من الآخرين قد تفسد نية الداعية وهو لا يدري .
ومن أسباب مداومة استشعار الإخلاص ما يلي :
1- أن تحرص على أن يكون تعلمك لدينك الذي ستدعو إليه خالصا لوجه الله , وقد قال صلى الله عليه وسلم :" من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله يريد به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها من مسيرة كذا وكذا .." رواه الترمذي والحاكم وصححه .
2- استشعار فضل الدعوة إلى الله , فبذلك يرتقي همّ الداعية إلى تحصيل ما هو أكبر وأفضل من ثناء الناس المؤقت .
قال صلى الله عليه وسلم :" من دل على خير فله أجر فاعله " .
وقال صلى الله عليه وسلم :" لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النعم " .
3- لا يليق بالداعية أن يكون كالشمعة يضيء للآخرين ويحرق نفسه , فإن الناس ينتفعون بعلم الداعية ونصحه ويقبلون قوله وفعله وهم يخلصون لله في ذلك كله فيؤجرون ويتقبل الله منهم صالح أعمالهم وهذا الداعية ينسى الإخلاص ويسعى للمحمدة فيرد عليه عمله ودعوته وتذهب حسناته هذه في مهب الريح .
2) وكن مخلصا لدعوتك :
وهذا يعني بذل النفس والنفيس في سبيلها , وعدم الاكتفاء بالكلام وترديده فإن هذه علامة التناقض وعدم الحرص , ومن ذلك أن تجد :" أننا نظهر الاهتمام في الأمر ونحن في أعماق نفوسنا معرضون عنه كارهون له , ولا يستطيع الأكثرون أن يصلوا إلى إدراك ما هو مستقر في أعماق نفوسنا ولذلك يأتون بالأمور المتناقضة ولا يشعرون " .
ونجاح الداعية لا يكون إلا بإخلاصه لدعوته , ( فإن العامل الأساسي للنجاح ليس هو كثرة علم الداعية ولا قوة بيانه وسحره , ولكن هنالك عاملا قبل كل هذه الأمور : هو الإيمان بالدعوة التي يدعو إليها , والخوف الشديد مما يعتريها والشعور بالأخطاء التي تقع بسبب إهمال الدعوة , إن مثل هذا الإنسان يصبح بالناس ويترك أقوى الآثار ولو كان أبكم ) ..
ولذا يحسن بنا أن نتذكر دائما أنه ( إنما يوصل الداعية إلى غايته : شغفه بدعوته وإيمانه , واقتناعه بها وتفانيه فيها , وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله , وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة ( الناجحين ) , و "والله لا نجاح للدعوة , ولا وصول , إن أعطيناها فضول الأوقات ولم ننس أنفسنا وطعامنا " ويظهر جليا هذا المعنى في سير الأنبياء والمصلحين , فها هو نوح عليه السلام يقول ( رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ) ويقول ( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ) وبقي مخلصا في ذلك السنوات الطوال ( ألف سنة إلا خمسين عاما ) لم ينقطع عن ذلك إلا لحضور منيته عليه صلوات الله وسلامه .
ومن الصور التي يظهر فيها عدم إخلاص الداعية لدعوته :
1- إعطاء الدعوة فضول وقته فحسب .
2- التثاقل عن الأنشطة الدعوية , ولذا تجد الداعية لا يداوم على البذل , بل يعطي تارة ويشح تارة , ويحضر مرة ويتغيب مرات .
3- محاولة الداعية أن يرمي بثقل الواجبات الدعوية على الآخرين وأن يتملص منها قدر الإمكان .
4- التلفيق في إعداد الأنشطة الدعوية , وعدم الاجتهاد في إخراجها بصورة حسنة .
3) لا تنس فضل الدعوة :
فإن مما يعين على مواصلة الطريق , ويشحذ الهمم لدوام التحرك الدعوي , أن يتذكر الداعية فضل الدعوة وأجرها العظيم .
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بهذا الفضل ليشجعهم , ومن ذلك أنه قال يوما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه –من حديث طويل- قال صلى الله عليه وسلم :" فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النعم " رواه البخاري ومسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نضَّر الله تعالى عبدا سمع مقالتي فحفظها , ووعاها وأداها , فرُب حاملِ فقهٍ غيرُ فقيه , ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه " رواه أحمد وغيره
ومما يدل على دوام فضل الدعوة وبقاء أجرها للداعية قوله صلى الله عليه وسلم :" من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ... " رواه مسلم بتمامه.
4) دعوتك واجبٌ عليك :
فينبغي على الداعية الجديد أن يعلم أن نشاطه الدعوي ليس نفلاً يتفضلُ به على دينه , بل هو واجب لا تبرأ الذمةُ إلا به , وحقٌ للمسلمين لا يجوزُ التقصير فيه , قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :" فعند قلة الدعاة , وعند كثرة المنكرات , وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم , تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته " .
وقال في موضع آخر :" ونظرا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد , وإنكار رب العباد , وإنكار الرسالات , وإنكار الآخرة وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان , وغير ذلك من الدعوات المضللة , نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضا عاما , وواجبا على جميع العلماء " .
وبهذا نعلم أن " كل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره وهو قادر عليه فعليه أن يقوم به , ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على ذاك , وقد تقسطت الدعوة على الأمة بحسب ذلك تارة وبحسب غيره أخرى , فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب , وهذا إلى عمل ظاهر واجب , وهذا إلى عمل باطن واجب , فتنوع الدعوة يكون في الوجوب تارة , وفي الوقوع تارة " .
والأدلة على ذلك من نصوص الكتاب والسنة كثيرة , منها :
قوله تعالى ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران104
وفي هذه الآية " حمَّل الله هذه الأمة واجب الدّعوة إلى الخير , نظرا إلى أن هذا الدين قد أشتمل على الخير الذي تدركه العقول السليمة .. , وحمّلها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل جماعات المسلمين الذين عرفوا أوامر الدين وعرفوا حُسنها .. وعرفوا نواهي الدين وعرفوا قُبْحَها .. "
5) لا تنس نفسك من الهُدى :
فإن الداعية في زحمة الهموم الدعوية والمشاغل اليومية قد يهتم بالآخرين لكنه ينسى نفسه , ويغفل عن تربيتها على الخير والهُدى , " وهنا تحدث له آفات لا يشعر بها إلا بعد حين , ومنها خواء النفس وقسوة القلب وفتور الهمة , بل وانحراف النية أحيانا .."
فعليك يا أيها الداعية أن تستشعر أن مهمتك الأولى أن تربح نفسك وتنقذها من الضلال .. وقد ندد الله بمن يسترسل في الغفلة فقال ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) البقرة44
وهذا ما أوصى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال :" من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه , ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم " ..
وقال أحد الدعاة :" يجب أن يبقي رجال الصفوة بعض أوقاتهم لمواصلة تربية أنفسهم بالعلم والعبادة , وإلا قست قلوبهم من بعد لذة الابتداء " .
وليعلم الداعية أن زاده الذي يتقوى به على طريق الدعوة , إنما هو بإقامة الفرائض والاستكثار من النوافل , والاشتغال بالأذكار , والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية , والحرص على المناجاة الربانية , وغير ذلك من القربات والطاعات " .
وقرب الداعية من كتاب الله يجب أن يكون متعة لروحه وسكنا لفؤاده وشعاعا لعقله ووقودا لحركته ومرقاة لدرجته " .
6) كـُـــن قدوة حسنة :
وهذا يعني أن يكون الداعية صورة صادقة لكل ما يدعو إليه ويريد غرسه في المدعوين , بل أن يكون فعله وسلوكه قبل قوله وكلامه .
والاقتران بين الداعية والدعوة قائم في أذهان الناس , والداعية نفسه شهادة للدعوة , وهذه الشهادة قد تحمل الناس على قبول الدعوة , وقد تحملهم على ردها ورفضها والداعية عندما يكون بعيدا ً عن الالتزام بواجبات الإسلام وتكاليفه فإنه يكون فتنة للناس يصرفهم بسلوكه عن دين الله ويصير مثله كمل قاطع الطريق بل هو أسوأ .
ومما يرهب من مخالفة القول العمل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه , فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان , الم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه " .
7) خاطب الناس على قدر عقولهم :
فالواجب على الداعية أن يرعِ جهل الناس واختلاف بيئتهم حتى لا تكون دعوته فيهم فتنة لهم ... قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :" حدثوا الناس بما يعرفون , ودعوا ما ينكرون , أتحبون أن يكذّب الله ورسوله " رواه البخــــــــــاري .
ومن صور عدم مراعاة ما يفهمه الناس ما يلي :-
1- أن يطرح الداعية الخلافات الفقهية بتوسع بحيث لا يفقه الناس الراجح من المرجوح فيختلط عليهم الأمر .
2- أن يتكلم الداعية في مسائل دقيقة مثل القضاء والقدر مما يسبب للسامعين إشكالات هم في غنى عنها .
إنما أنت مُذكر :
وجه الله تعالى رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة , فقال ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) الشورى48
فالمطلوب من الداعية أن يبذل قصارى جهده , وأن يستخدم أحسن ما يستطيع من الأساليب ووسائل الدعوة , وأما استجابة المدعوين وقبولهم للحق وتركهم للمنكر فكل ذلك إلى الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله , ومن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما ربك بظلاّم للعبيد .
ومن فوائد استشعار الداعية لذلك أن لا يصاب بالإحباط عند إعراض المدعوين عنه , وفيه حفظ لمشاعره وصون لنفسه , ومن ذلك قول الله لنبيه ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8
9) لا دعوة إلا بعلم :
فعلى الداعية أن يعتقد أن لا دعوة بلا علم , والله تبارك وتعالى قال ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء36
فلا يجوز لأيٍّ كان أن يقوم , بما ليس مؤهلا ً له , لئلا يفتي بغير علم أو يدعو بغي الأسلوب الحكيم , فيكون في الدين محرما ً , أو من الإسلام منفرا , ثم إن الدعوة على الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم , ومن تبعه .. والله أمر نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم فقال ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف108
ولذا , دعوتك لا بد أن ترتكز على معرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن كل علم يتلقى عن سواهما فإنه يجب أن يعرض عليهما أولا ً وبعد عرضه فإما أن يكون موافقا ً أو مخالفا ً , فإن كان موافقا ً قـُـــبل , وإن كان مخالفا ً وجب رده على قائله كائنا ما كان .
ومن صور الدعوة إلى الله بغير علم ما يلي :-
1- نقل الفتاوى بغير منهج صحيح .
2- ذكر الأحاديث الضعيفة والمكذوبة دون معرفة بها .
3- توزيع المطويات التي تتضمن أذكارا ً أو أحاديث مختلقة , أو إهداء أشرطة تتضمن أقوالا ً مرجوحةً أو خاطئة .
10) جدد علمك وطور مهاراتك :
فالداعية لا يليق به أن يقف عند حد من العلم الشرعي بل عليه أن يستزيد منه يوما بعد يوم , فكلما زاد نفسه فقه في الدين كلما استطاع أن ينفع ذاته والآخريـــن .
ولا يصح مبررا ً للتوقف عن طلب العلم كثرة الانشغال بالأمور الدعوية فإن الناس لن يعذروا الداعية عند وقوعه في الزلل واخطأ ولن يقبلوا منه اعتذاره بالجهل .
ومن أسباب تطوير الذات ما يلي :-
1- حضور الدروس الشرعية المناسبة عند العلماء .
2- سماع الأشرطة النافعة في الوعظ والتربية وفقه الواقع .
3- تلخيص الكتب الشرعية والثقافية واقتطاف الثمرات منها .. وغيرها
11 ) لتكن جهودك الدعوية مكملة لبقية الدعاة :
ويمكن استفادة هذا المعنى من دعوة الله للمؤمنين في قوله ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ... ) آل عمران104
فلقد سمى الله فئة الدعاة أمة للإيماء إلى وجوب كونهم مجتمعين على صفات وخصائص روابط متميزة تجعلهم ظاهرين في الناس كأمة واحدة لا تغرق بين أفرادها ولا اختلاف ولا تنازع على الدنيا التي تغذيها الشهوات والهوى .
ومن صور التكامل مع الدعاة ما يلي :-
1- أن يشارك الداعية المتميز بطلب العلم الشرعي في إلقاء دروس مكثفة أو محاضرات في المراكز الصيفية التربوية .
2- أن يشارك الداعية مراكز الدعوة والإرشاد في توزيع المطويات والكتب والأشرطة وجمع التبرعات لذلك ...وغيرها
ومن فوائد هذا التكامل ما يلي :-
1- تنشيط الدعاة كلهم .
2- تبادل التجارب والخبرات بين الدعاة قديمهم وجديدهم .
3- قوة الأنشطة الدعوية ونجاحها .
4- تآلف الدعاة ومد الجسور بينهم ... وغيرها
12) كن مدركا لواقعك :
فإن معرفة الواقع العام للمجتمع يساعد الداعية على الاستفادة من كل فرصة سانحة , وحال الدعاة يشهد على أن فقه واقعهم سبيلٌ متأكد لنجاحهم في تحديد الأولويات فيما يدعون إليه .
13) ولا تتبع الهوى :
قد جعل الله إتباع الهوى مضادا ً للحق , وعدّه قسيما ً له كما في قوله تعالى ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص26
قال الشاطبي : فقد حصر الأمر في شيئين : الوحي , وهو الشريعة والهوى فلا ثالث بينهما وإذا كان الأمر كذلك فهما متضادات .. فإتباع الهوى مضاد للحق .
14) فاصبر صبرا ً جميلا ً :
فإن اعتياد الناس على معاصيهم , ودوام غفلتهم يحتاج إلى جهد دعوي مستمر , ولا يكون ذلك إلا بالصبر والمصابرة .
وعلى الداعية أن يوطن نفسه على تحمل كل ما يصيبه من أذى في ذات الله ويصبر ويحتسب لأنه يدعو إلى الانخلاع عن أخلاق وعادات وأعراف وتقاليد تأصلت في الناس حتى صارت كأنها جزء من حياتهم وما أنزل الله بها من سلطان , وهذا يؤدي إلى معارضته معارضة شديدة .
وصبر الداعية لا بد أن يشمل ثلاثة أمور وهي : الصبر على الدعوة , والصبر على من يعترض الدعوة , والصبر على ما يتعرضه من الأذى .
15) عليــك بمــا تطيـــق :
فإن الله لا يكلف المرء إلا ما يطيق قال تعالى ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة286
ومن فوائد بذل الداعية لدعوته بحسب وسعه ما يلي :
1- استمرار دعوته ونجاحها .
2- قوة نشاطه الدعوي وإتقانه .
3- التوازن في إعطاء كل ذي حقٍّ حقه .
4- تجنب الفوضوية والتلفيق الدعوي .
5- تجنب المركزية في العمل الدعوي , والتكامل مع الآخرين وتنشيطهم .
16) تخول الناس بالموعظة :
قال رجل لابن مسعود رضي الله عنه :" يا أبا عبدالرحمن , لوددت أنك تذكرنا كل يوم , وكان يذكر الناس في كل خميس – فرد عليه – فقال : " أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا " .
وأهمية هذا الأسلوب يمكن تلخيصه في فائدتين وهما :
1- المحافظة على محبة الناس للخير ودعاته .
2- التدرج في دعوة الناس ومراعاة ضعفهم البشري في التلقي .
17 ) لا تكن فظا ً غليظا :
فلقد بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران159
فعلى الداعية الذي يهدف إلى استمالة القلوب وهدايتها أن لا يقسوا لأن القسوة التي استنكرها الإسلام جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق ولا عدالة .
والناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ودٍّ يسعهم , وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم , ويجدون عنده دائما ً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء , وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
18) لا تنتظر مجيء الناس إليــــــــك :
فشأن الداعية أن يحتك بالناس , ويتعرف عليهم , ويزورهم في مجالسهم , ومن انتظر مجيء الناس إليه فإن الأيام تبقيه وحيدا ً , ويتعلم فن التثاؤب .
وينبغي على الداعية الجديد أن يعلم أن اختلاطه بالناس وحضوره لمجالسهم ينبغي أن لا ينسيه الأمور التــــــــــــالية :
1- لا يجوز للداعية أن يسكت عن المنكرات الموجودة , بل لابد من البيــــان والإنكار قال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ) النساء140
2- كن على حذر عند مخالطة الفساق , فإن من الدعاة من يخالط الفساق بقصد دعوتهم , ثم لا يلبث ن يعتاد ما هم عليه من المعاصي , ولذا يقول الإمام الغزالي :" إن مشاهدة الفسق تهون أمر المعصية على القلب , وتبطل نفرة القلب عنها " .
3- إذا كان الداعية يعلم أن المجلس الذي يحضره ستذكر فيه شبهات حول الشريعة ودعاتها , وهو لا يجد في نفسه قدرة على تفنيدها والرد على قائلها , فإن في ذلك مفسدة ظهور الباطل والاستخفاف بالحق , ولذا يقال للداعية الجديد الأولى عدم الحضور بينهم درأ ً لهذه المفسدة .
19) لا تخف من الفشل :
فما لم يزجّ الداعية بنفسه في غمار دعوته بدون خوف من الفشل غير عابئ بما يوجه له من النقد , فإنه لن يتقدم ولن يصل إلى دفة التوجيه والتغيير .
والفشل في خطوة دعوته لا يعني الموت والشلل , بل الأمر كما قال أحدهم :
جرِّب من العزمِ سيفاً تستعين به *** إن الترددَ بابً الضعفِ والكسلِ
والسعيً حتى وإن أفضى إلى خطأ *** خيرٌ من الجُبن والتشكيكِ والوجلِ
ساءَ الفتور ولو سميتهُ حذراً *** ما أصغر الفرق بين الموت والشللِ
مجدً الحياة لمن يبغيه مقتنعا ً *** ما من نجاحٍ إذا فكرت بالفشلِ
ومما يهون على الداعية الجديد فشله في أمر ما أن يتذكر ما يلي :
1- يستشعر الداعية أنه إذا وجد إعراضا من مدعو ما وفشل في دعوته , فإن ذلك لحكمة يعلمها الله , وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) القصص56
2- قد يفشل الداعية في نشاط دعوي ما , لكن قد ييسر الله له نشاطا ً آخر يُحسن فيه ويبدع .
3- الفشل أحيانا يكون مكسبا ً لصاحبه , فقد يستفيد أمرا ً تجريبيا ً يتجنبه في محاولاته القادمة .
20) إياك والاستعجال المذموم :
فإن من الاستعجال ما يكون مذموما ً لعواقبه الوخيمة , ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" التأني من الله والعجلة من الشيطان " وقد يقع الداعية الجديد في استعجال أمر فيجد عاقبة يندم عليها مدى الحيــــاة .
ومن صور الاستعجال المذموم ... ما يلي :
استعجال الداعية تحول الناس من معاصيهم إلى الحال التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم , وهذا محال فلابد من طول النفس والتدرج معهم شيئا ً فشيئا ً .
21) لتكن دعوتك شمولية :
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" وكل ما أحبه الله ورسوله من واجب ومستحب , من باطن وظاهر , فمن الدعوة إلى الله : الأمر به , وكل ما أبغضه الله ورسوله , من باطن وظاهر , فمن الدعوة إلى الله : النهي عنه , لا تتم الدعوة إلى الله إلا بالدعوة إلى أن يفعل ما أحبه الله , ويترك ما أبغضه الله سواء كان من الأقوال أو الأعمال الباطنة والظاهرة " .
وبهذا نعلم أن على الداعية أن يدعو إلى تصحيح العقائد ونبذ الفجور وترقيق القلوب , وتفقيه الناس بأمور دينهم , والتحذير من الذنوب والمعاصي , ومن لم يُحسن بعض هذه المهمات فليدعو غيره من الدعاة ليكمل نقصه وليتم ما عجز عنه .
22) إيــــاك ... والفوضوية :
بعض الدعاة المتحمسين يبذلون جهودا ً في مجالات عديدة , ويضربون في كل واد ٍ بسهم .. إلا أن هذه الجهود تثمر ثمارا ً هزيلة .. وسبب ذلك الفوضوية والدعوية !!
ولذا يقال للداعية عليك بتنظيم طريقتك الدعوية ومعرفية الأولويات , وإن التركيز على الأعمال التي يحسنها لهو خير له ولدعوته من العشوائية وتشتت الجهود .
قال الرافعي :" إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك " .
23) لا تنس استشارة أهل الخبرة والعلم :
يتناسى بعض الدعاة وهم في بداية الطريق أن الدعوة إلى الله وسيلةٌ تتعلق بأطراف كثيرة وتحتاج إلى خبرات عديدة , ولذا فإن على الدعاة الجدد استشارة أهل الخبر والعلم حتى يصلوا إلى أحسن النتائج .
ولعل من أسباب تجاهل الاستشارة ظن بعض الدعاة أن سؤالهم غيرهم ممن له باع في الدعوة يعني ضعفهم وجهلهم مما يؤدي بهم إلى المكابرة .
والداعية يحتاج إلى المشورة في أمور كثيرة , منها :
1- كيف يوازن بين الدعوة وطلب العلم إضافة إلى دراسته ووظيفته ؟
2- ما هي الرسائل أو الأشرطة المناسبة للتوزيع بين المدعوين ؟
24) أدومه وإن قل :
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ , وأخبر صلى الله عليه وسلم :" أن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه " .
والمداومة في الدعوة تعني معاني عدة , منها :
1- أن يكون للدعوة – عموما ً – أهدافٌ واضحة محددة , لا أن تكون خطوات مرتجلة مبعثرة .
2- أن لا تكون الدعوة دعوة مراسيم ومناسبات , أو محصورة بأوقات فرغ الداعية وإجازته , بل ينبغي أن تكون جزءا ً أساسا ً من وقته , ليسمع الناس داعي الخير في كل زمان ومكان .
25) إياك وحب الرئاسة :
فإن هذا الحرص يوقعه في مفاسد عديدة منها :
1- بهذا الحرص قد يضيع الإخلاص أو يضعف .
2- قد يجره ذلك إلى إتباع الهوى وارتكاب المحرمات , قال الفضيل بن عياض :" ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى , وتتبع عيوب الناس , وكره أن يذكر أحد بخير " .
تم بحمد الله وتوفيقه ,,
استيقظ الإيمان في قلوب الكثيرين , فكان أن عادوا إلى الله , واستقاموا على دينه , وتحركت الغيرة عندهم من تجاوز استقامة النفس إلى السعي في الإصلاح والدعوة إلى الله .
وهذا دليل قوة قناعتهم بأهمية الالتزام بشرع الله , كما أنه علامة على صدق أخوتهم ونصحهم للأمة بعامة .
ولكن كعادة كل مستجد في ميدان لا يدركه , وكل مبتدى في فن لا يحسنه تجد هؤلاء الجدد في ميدان الدعوة يحسنون تارة ويخطئون أخرى , وذلك لضعف علمهم وقلة خبرتهم , لذا كان لزاما
على من كان له قدم سبق في هذا المضمار أن يدلي بدلوه , فيهدي لهم الوصايا والإرشادات , والتي جمعت من كتابات تناثرت في كتب الدعاة ومقالاتهم , وغايتنا من هذا الجمع تقريبها وتيسيرها للدعاة الجدد –وفقهم الله- وكلها تحت مظلة قوله تعالى ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف108
وقوله تعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل 125
ومن جملة هذه الوصايا الرائعة ما يلي :
1) صاحب الإخلاص في دعوتك :
فالواجب على الداعية الجديد فضلا عن غيره أن يستشعر دوما أن الدعوة إلى الله عبادة يتقرب بها إليه , وكل عبادة لا تقبل إلا إذا أخلص صاحبها فيها كما قال الله في الحديث القدسي :" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم .
ومما ينافي إخلاص الداعية أو يعكر عليه صدق نيته :
1- أن يبتغي بدعوته طمعا دنيويا أو رفعة وجاها ً.
2- أن يبتغي بدعوته طلب محمدة الناس ولفت أنظارهم إليه .
3- أن يطلب من وراء بذله الدعوي الرئاسة وتكثير الأتباع بين يديه .
4- أن يبتغي بدعوته إثبات وجوده ومنافسة أقرانه .
والداعية الجديد قد لا يقصد هذه الأمور , لكنه يصاب بها في مواضع ويهمل إصلاح قلبه فيصل إليها ويتدهور أمره .
أما كيف يبتلى بهذه الآفات ؟ فالجواب : أن لذلك صورا عديدة منها :
ذكر عن شاب في تجمع دعوي أنه كان يغار من زميله الداعية , ولأنه يلحظ استجابة الآخرين لهذا الصاحب , صار يجتهد في الدعوة ليثبت للمربين الذين يعرفونهما أنه ذو قدرات مماثلة لزميلة , إضافة إلى إرضاء نفسه وإشباع غروره , وهذه صورة متكررة نعلم منها أن الغيرة من الآخرين قد تفسد نية الداعية وهو لا يدري .
ومن أسباب مداومة استشعار الإخلاص ما يلي :
1- أن تحرص على أن يكون تعلمك لدينك الذي ستدعو إليه خالصا لوجه الله , وقد قال صلى الله عليه وسلم :" من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله يريد به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها من مسيرة كذا وكذا .." رواه الترمذي والحاكم وصححه .
2- استشعار فضل الدعوة إلى الله , فبذلك يرتقي همّ الداعية إلى تحصيل ما هو أكبر وأفضل من ثناء الناس المؤقت .
قال صلى الله عليه وسلم :" من دل على خير فله أجر فاعله " .
وقال صلى الله عليه وسلم :" لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النعم " .
3- لا يليق بالداعية أن يكون كالشمعة يضيء للآخرين ويحرق نفسه , فإن الناس ينتفعون بعلم الداعية ونصحه ويقبلون قوله وفعله وهم يخلصون لله في ذلك كله فيؤجرون ويتقبل الله منهم صالح أعمالهم وهذا الداعية ينسى الإخلاص ويسعى للمحمدة فيرد عليه عمله ودعوته وتذهب حسناته هذه في مهب الريح .
2) وكن مخلصا لدعوتك :
وهذا يعني بذل النفس والنفيس في سبيلها , وعدم الاكتفاء بالكلام وترديده فإن هذه علامة التناقض وعدم الحرص , ومن ذلك أن تجد :" أننا نظهر الاهتمام في الأمر ونحن في أعماق نفوسنا معرضون عنه كارهون له , ولا يستطيع الأكثرون أن يصلوا إلى إدراك ما هو مستقر في أعماق نفوسنا ولذلك يأتون بالأمور المتناقضة ولا يشعرون " .
ونجاح الداعية لا يكون إلا بإخلاصه لدعوته , ( فإن العامل الأساسي للنجاح ليس هو كثرة علم الداعية ولا قوة بيانه وسحره , ولكن هنالك عاملا قبل كل هذه الأمور : هو الإيمان بالدعوة التي يدعو إليها , والخوف الشديد مما يعتريها والشعور بالأخطاء التي تقع بسبب إهمال الدعوة , إن مثل هذا الإنسان يصبح بالناس ويترك أقوى الآثار ولو كان أبكم ) ..
ولذا يحسن بنا أن نتذكر دائما أنه ( إنما يوصل الداعية إلى غايته : شغفه بدعوته وإيمانه , واقتناعه بها وتفانيه فيها , وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله , وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة ( الناجحين ) , و "والله لا نجاح للدعوة , ولا وصول , إن أعطيناها فضول الأوقات ولم ننس أنفسنا وطعامنا " ويظهر جليا هذا المعنى في سير الأنبياء والمصلحين , فها هو نوح عليه السلام يقول ( رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ) ويقول ( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ) وبقي مخلصا في ذلك السنوات الطوال ( ألف سنة إلا خمسين عاما ) لم ينقطع عن ذلك إلا لحضور منيته عليه صلوات الله وسلامه .
ومن الصور التي يظهر فيها عدم إخلاص الداعية لدعوته :
1- إعطاء الدعوة فضول وقته فحسب .
2- التثاقل عن الأنشطة الدعوية , ولذا تجد الداعية لا يداوم على البذل , بل يعطي تارة ويشح تارة , ويحضر مرة ويتغيب مرات .
3- محاولة الداعية أن يرمي بثقل الواجبات الدعوية على الآخرين وأن يتملص منها قدر الإمكان .
4- التلفيق في إعداد الأنشطة الدعوية , وعدم الاجتهاد في إخراجها بصورة حسنة .
3) لا تنس فضل الدعوة :
فإن مما يعين على مواصلة الطريق , ويشحذ الهمم لدوام التحرك الدعوي , أن يتذكر الداعية فضل الدعوة وأجرها العظيم .
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بهذا الفضل ليشجعهم , ومن ذلك أنه قال يوما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه –من حديث طويل- قال صلى الله عليه وسلم :" فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النعم " رواه البخاري ومسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نضَّر الله تعالى عبدا سمع مقالتي فحفظها , ووعاها وأداها , فرُب حاملِ فقهٍ غيرُ فقيه , ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه " رواه أحمد وغيره
ومما يدل على دوام فضل الدعوة وبقاء أجرها للداعية قوله صلى الله عليه وسلم :" من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ... " رواه مسلم بتمامه.
4) دعوتك واجبٌ عليك :
فينبغي على الداعية الجديد أن يعلم أن نشاطه الدعوي ليس نفلاً يتفضلُ به على دينه , بل هو واجب لا تبرأ الذمةُ إلا به , وحقٌ للمسلمين لا يجوزُ التقصير فيه , قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :" فعند قلة الدعاة , وعند كثرة المنكرات , وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم , تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته " .
وقال في موضع آخر :" ونظرا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد , وإنكار رب العباد , وإنكار الرسالات , وإنكار الآخرة وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان , وغير ذلك من الدعوات المضللة , نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضا عاما , وواجبا على جميع العلماء " .
وبهذا نعلم أن " كل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره وهو قادر عليه فعليه أن يقوم به , ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على ذاك , وقد تقسطت الدعوة على الأمة بحسب ذلك تارة وبحسب غيره أخرى , فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب , وهذا إلى عمل ظاهر واجب , وهذا إلى عمل باطن واجب , فتنوع الدعوة يكون في الوجوب تارة , وفي الوقوع تارة " .
والأدلة على ذلك من نصوص الكتاب والسنة كثيرة , منها :
قوله تعالى ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران104
وفي هذه الآية " حمَّل الله هذه الأمة واجب الدّعوة إلى الخير , نظرا إلى أن هذا الدين قد أشتمل على الخير الذي تدركه العقول السليمة .. , وحمّلها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل جماعات المسلمين الذين عرفوا أوامر الدين وعرفوا حُسنها .. وعرفوا نواهي الدين وعرفوا قُبْحَها .. "
5) لا تنس نفسك من الهُدى :
فإن الداعية في زحمة الهموم الدعوية والمشاغل اليومية قد يهتم بالآخرين لكنه ينسى نفسه , ويغفل عن تربيتها على الخير والهُدى , " وهنا تحدث له آفات لا يشعر بها إلا بعد حين , ومنها خواء النفس وقسوة القلب وفتور الهمة , بل وانحراف النية أحيانا .."
فعليك يا أيها الداعية أن تستشعر أن مهمتك الأولى أن تربح نفسك وتنقذها من الضلال .. وقد ندد الله بمن يسترسل في الغفلة فقال ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) البقرة44
وهذا ما أوصى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال :" من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه , ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم " ..
وقال أحد الدعاة :" يجب أن يبقي رجال الصفوة بعض أوقاتهم لمواصلة تربية أنفسهم بالعلم والعبادة , وإلا قست قلوبهم من بعد لذة الابتداء " .
وليعلم الداعية أن زاده الذي يتقوى به على طريق الدعوة , إنما هو بإقامة الفرائض والاستكثار من النوافل , والاشتغال بالأذكار , والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية , والحرص على المناجاة الربانية , وغير ذلك من القربات والطاعات " .
وقرب الداعية من كتاب الله يجب أن يكون متعة لروحه وسكنا لفؤاده وشعاعا لعقله ووقودا لحركته ومرقاة لدرجته " .
6) كـُـــن قدوة حسنة :
وهذا يعني أن يكون الداعية صورة صادقة لكل ما يدعو إليه ويريد غرسه في المدعوين , بل أن يكون فعله وسلوكه قبل قوله وكلامه .
والاقتران بين الداعية والدعوة قائم في أذهان الناس , والداعية نفسه شهادة للدعوة , وهذه الشهادة قد تحمل الناس على قبول الدعوة , وقد تحملهم على ردها ورفضها والداعية عندما يكون بعيدا ً عن الالتزام بواجبات الإسلام وتكاليفه فإنه يكون فتنة للناس يصرفهم بسلوكه عن دين الله ويصير مثله كمل قاطع الطريق بل هو أسوأ .
ومما يرهب من مخالفة القول العمل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه , فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان , الم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه " .
7) خاطب الناس على قدر عقولهم :
فالواجب على الداعية أن يرعِ جهل الناس واختلاف بيئتهم حتى لا تكون دعوته فيهم فتنة لهم ... قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :" حدثوا الناس بما يعرفون , ودعوا ما ينكرون , أتحبون أن يكذّب الله ورسوله " رواه البخــــــــــاري .
ومن صور عدم مراعاة ما يفهمه الناس ما يلي :-
1- أن يطرح الداعية الخلافات الفقهية بتوسع بحيث لا يفقه الناس الراجح من المرجوح فيختلط عليهم الأمر .
2- أن يتكلم الداعية في مسائل دقيقة مثل القضاء والقدر مما يسبب للسامعين إشكالات هم في غنى عنها .
إنما أنت مُذكر :
وجه الله تعالى رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة , فقال ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) الشورى48
فالمطلوب من الداعية أن يبذل قصارى جهده , وأن يستخدم أحسن ما يستطيع من الأساليب ووسائل الدعوة , وأما استجابة المدعوين وقبولهم للحق وتركهم للمنكر فكل ذلك إلى الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله , ومن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما ربك بظلاّم للعبيد .
ومن فوائد استشعار الداعية لذلك أن لا يصاب بالإحباط عند إعراض المدعوين عنه , وفيه حفظ لمشاعره وصون لنفسه , ومن ذلك قول الله لنبيه ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8
9) لا دعوة إلا بعلم :
فعلى الداعية أن يعتقد أن لا دعوة بلا علم , والله تبارك وتعالى قال ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء36
فلا يجوز لأيٍّ كان أن يقوم , بما ليس مؤهلا ً له , لئلا يفتي بغير علم أو يدعو بغي الأسلوب الحكيم , فيكون في الدين محرما ً , أو من الإسلام منفرا , ثم إن الدعوة على الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم , ومن تبعه .. والله أمر نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم فقال ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف108
ولذا , دعوتك لا بد أن ترتكز على معرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن كل علم يتلقى عن سواهما فإنه يجب أن يعرض عليهما أولا ً وبعد عرضه فإما أن يكون موافقا ً أو مخالفا ً , فإن كان موافقا ً قـُـــبل , وإن كان مخالفا ً وجب رده على قائله كائنا ما كان .
ومن صور الدعوة إلى الله بغير علم ما يلي :-
1- نقل الفتاوى بغير منهج صحيح .
2- ذكر الأحاديث الضعيفة والمكذوبة دون معرفة بها .
3- توزيع المطويات التي تتضمن أذكارا ً أو أحاديث مختلقة , أو إهداء أشرطة تتضمن أقوالا ً مرجوحةً أو خاطئة .
10) جدد علمك وطور مهاراتك :
فالداعية لا يليق به أن يقف عند حد من العلم الشرعي بل عليه أن يستزيد منه يوما بعد يوم , فكلما زاد نفسه فقه في الدين كلما استطاع أن ينفع ذاته والآخريـــن .
ولا يصح مبررا ً للتوقف عن طلب العلم كثرة الانشغال بالأمور الدعوية فإن الناس لن يعذروا الداعية عند وقوعه في الزلل واخطأ ولن يقبلوا منه اعتذاره بالجهل .
ومن أسباب تطوير الذات ما يلي :-
1- حضور الدروس الشرعية المناسبة عند العلماء .
2- سماع الأشرطة النافعة في الوعظ والتربية وفقه الواقع .
3- تلخيص الكتب الشرعية والثقافية واقتطاف الثمرات منها .. وغيرها
11 ) لتكن جهودك الدعوية مكملة لبقية الدعاة :
ويمكن استفادة هذا المعنى من دعوة الله للمؤمنين في قوله ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ... ) آل عمران104
فلقد سمى الله فئة الدعاة أمة للإيماء إلى وجوب كونهم مجتمعين على صفات وخصائص روابط متميزة تجعلهم ظاهرين في الناس كأمة واحدة لا تغرق بين أفرادها ولا اختلاف ولا تنازع على الدنيا التي تغذيها الشهوات والهوى .
ومن صور التكامل مع الدعاة ما يلي :-
1- أن يشارك الداعية المتميز بطلب العلم الشرعي في إلقاء دروس مكثفة أو محاضرات في المراكز الصيفية التربوية .
2- أن يشارك الداعية مراكز الدعوة والإرشاد في توزيع المطويات والكتب والأشرطة وجمع التبرعات لذلك ...وغيرها
ومن فوائد هذا التكامل ما يلي :-
1- تنشيط الدعاة كلهم .
2- تبادل التجارب والخبرات بين الدعاة قديمهم وجديدهم .
3- قوة الأنشطة الدعوية ونجاحها .
4- تآلف الدعاة ومد الجسور بينهم ... وغيرها
12) كن مدركا لواقعك :
فإن معرفة الواقع العام للمجتمع يساعد الداعية على الاستفادة من كل فرصة سانحة , وحال الدعاة يشهد على أن فقه واقعهم سبيلٌ متأكد لنجاحهم في تحديد الأولويات فيما يدعون إليه .
13) ولا تتبع الهوى :
قد جعل الله إتباع الهوى مضادا ً للحق , وعدّه قسيما ً له كما في قوله تعالى ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص26
قال الشاطبي : فقد حصر الأمر في شيئين : الوحي , وهو الشريعة والهوى فلا ثالث بينهما وإذا كان الأمر كذلك فهما متضادات .. فإتباع الهوى مضاد للحق .
14) فاصبر صبرا ً جميلا ً :
فإن اعتياد الناس على معاصيهم , ودوام غفلتهم يحتاج إلى جهد دعوي مستمر , ولا يكون ذلك إلا بالصبر والمصابرة .
وعلى الداعية أن يوطن نفسه على تحمل كل ما يصيبه من أذى في ذات الله ويصبر ويحتسب لأنه يدعو إلى الانخلاع عن أخلاق وعادات وأعراف وتقاليد تأصلت في الناس حتى صارت كأنها جزء من حياتهم وما أنزل الله بها من سلطان , وهذا يؤدي إلى معارضته معارضة شديدة .
وصبر الداعية لا بد أن يشمل ثلاثة أمور وهي : الصبر على الدعوة , والصبر على من يعترض الدعوة , والصبر على ما يتعرضه من الأذى .
15) عليــك بمــا تطيـــق :
فإن الله لا يكلف المرء إلا ما يطيق قال تعالى ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة286
ومن فوائد بذل الداعية لدعوته بحسب وسعه ما يلي :
1- استمرار دعوته ونجاحها .
2- قوة نشاطه الدعوي وإتقانه .
3- التوازن في إعطاء كل ذي حقٍّ حقه .
4- تجنب الفوضوية والتلفيق الدعوي .
5- تجنب المركزية في العمل الدعوي , والتكامل مع الآخرين وتنشيطهم .
16) تخول الناس بالموعظة :
قال رجل لابن مسعود رضي الله عنه :" يا أبا عبدالرحمن , لوددت أنك تذكرنا كل يوم , وكان يذكر الناس في كل خميس – فرد عليه – فقال : " أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا " .
وأهمية هذا الأسلوب يمكن تلخيصه في فائدتين وهما :
1- المحافظة على محبة الناس للخير ودعاته .
2- التدرج في دعوة الناس ومراعاة ضعفهم البشري في التلقي .
17 ) لا تكن فظا ً غليظا :
فلقد بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران159
فعلى الداعية الذي يهدف إلى استمالة القلوب وهدايتها أن لا يقسوا لأن القسوة التي استنكرها الإسلام جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق ولا عدالة .
والناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ودٍّ يسعهم , وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم , ويجدون عنده دائما ً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء , وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
18) لا تنتظر مجيء الناس إليــــــــك :
فشأن الداعية أن يحتك بالناس , ويتعرف عليهم , ويزورهم في مجالسهم , ومن انتظر مجيء الناس إليه فإن الأيام تبقيه وحيدا ً , ويتعلم فن التثاؤب .
وينبغي على الداعية الجديد أن يعلم أن اختلاطه بالناس وحضوره لمجالسهم ينبغي أن لا ينسيه الأمور التــــــــــــالية :
1- لا يجوز للداعية أن يسكت عن المنكرات الموجودة , بل لابد من البيــــان والإنكار قال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ) النساء140
2- كن على حذر عند مخالطة الفساق , فإن من الدعاة من يخالط الفساق بقصد دعوتهم , ثم لا يلبث ن يعتاد ما هم عليه من المعاصي , ولذا يقول الإمام الغزالي :" إن مشاهدة الفسق تهون أمر المعصية على القلب , وتبطل نفرة القلب عنها " .
3- إذا كان الداعية يعلم أن المجلس الذي يحضره ستذكر فيه شبهات حول الشريعة ودعاتها , وهو لا يجد في نفسه قدرة على تفنيدها والرد على قائلها , فإن في ذلك مفسدة ظهور الباطل والاستخفاف بالحق , ولذا يقال للداعية الجديد الأولى عدم الحضور بينهم درأ ً لهذه المفسدة .
19) لا تخف من الفشل :
فما لم يزجّ الداعية بنفسه في غمار دعوته بدون خوف من الفشل غير عابئ بما يوجه له من النقد , فإنه لن يتقدم ولن يصل إلى دفة التوجيه والتغيير .
والفشل في خطوة دعوته لا يعني الموت والشلل , بل الأمر كما قال أحدهم :
جرِّب من العزمِ سيفاً تستعين به *** إن الترددَ بابً الضعفِ والكسلِ
والسعيً حتى وإن أفضى إلى خطأ *** خيرٌ من الجُبن والتشكيكِ والوجلِ
ساءَ الفتور ولو سميتهُ حذراً *** ما أصغر الفرق بين الموت والشللِ
مجدً الحياة لمن يبغيه مقتنعا ً *** ما من نجاحٍ إذا فكرت بالفشلِ
ومما يهون على الداعية الجديد فشله في أمر ما أن يتذكر ما يلي :
1- يستشعر الداعية أنه إذا وجد إعراضا من مدعو ما وفشل في دعوته , فإن ذلك لحكمة يعلمها الله , وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) القصص56
2- قد يفشل الداعية في نشاط دعوي ما , لكن قد ييسر الله له نشاطا ً آخر يُحسن فيه ويبدع .
3- الفشل أحيانا يكون مكسبا ً لصاحبه , فقد يستفيد أمرا ً تجريبيا ً يتجنبه في محاولاته القادمة .
20) إياك والاستعجال المذموم :
فإن من الاستعجال ما يكون مذموما ً لعواقبه الوخيمة , ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" التأني من الله والعجلة من الشيطان " وقد يقع الداعية الجديد في استعجال أمر فيجد عاقبة يندم عليها مدى الحيــــاة .
ومن صور الاستعجال المذموم ... ما يلي :
استعجال الداعية تحول الناس من معاصيهم إلى الحال التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم , وهذا محال فلابد من طول النفس والتدرج معهم شيئا ً فشيئا ً .
21) لتكن دعوتك شمولية :
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" وكل ما أحبه الله ورسوله من واجب ومستحب , من باطن وظاهر , فمن الدعوة إلى الله : الأمر به , وكل ما أبغضه الله ورسوله , من باطن وظاهر , فمن الدعوة إلى الله : النهي عنه , لا تتم الدعوة إلى الله إلا بالدعوة إلى أن يفعل ما أحبه الله , ويترك ما أبغضه الله سواء كان من الأقوال أو الأعمال الباطنة والظاهرة " .
وبهذا نعلم أن على الداعية أن يدعو إلى تصحيح العقائد ونبذ الفجور وترقيق القلوب , وتفقيه الناس بأمور دينهم , والتحذير من الذنوب والمعاصي , ومن لم يُحسن بعض هذه المهمات فليدعو غيره من الدعاة ليكمل نقصه وليتم ما عجز عنه .
22) إيــــاك ... والفوضوية :
بعض الدعاة المتحمسين يبذلون جهودا ً في مجالات عديدة , ويضربون في كل واد ٍ بسهم .. إلا أن هذه الجهود تثمر ثمارا ً هزيلة .. وسبب ذلك الفوضوية والدعوية !!
ولذا يقال للداعية عليك بتنظيم طريقتك الدعوية ومعرفية الأولويات , وإن التركيز على الأعمال التي يحسنها لهو خير له ولدعوته من العشوائية وتشتت الجهود .
قال الرافعي :" إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك " .
23) لا تنس استشارة أهل الخبرة والعلم :
يتناسى بعض الدعاة وهم في بداية الطريق أن الدعوة إلى الله وسيلةٌ تتعلق بأطراف كثيرة وتحتاج إلى خبرات عديدة , ولذا فإن على الدعاة الجدد استشارة أهل الخبر والعلم حتى يصلوا إلى أحسن النتائج .
ولعل من أسباب تجاهل الاستشارة ظن بعض الدعاة أن سؤالهم غيرهم ممن له باع في الدعوة يعني ضعفهم وجهلهم مما يؤدي بهم إلى المكابرة .
والداعية يحتاج إلى المشورة في أمور كثيرة , منها :
1- كيف يوازن بين الدعوة وطلب العلم إضافة إلى دراسته ووظيفته ؟
2- ما هي الرسائل أو الأشرطة المناسبة للتوزيع بين المدعوين ؟
24) أدومه وإن قل :
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ , وأخبر صلى الله عليه وسلم :" أن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه " .
والمداومة في الدعوة تعني معاني عدة , منها :
1- أن يكون للدعوة – عموما ً – أهدافٌ واضحة محددة , لا أن تكون خطوات مرتجلة مبعثرة .
2- أن لا تكون الدعوة دعوة مراسيم ومناسبات , أو محصورة بأوقات فرغ الداعية وإجازته , بل ينبغي أن تكون جزءا ً أساسا ً من وقته , ليسمع الناس داعي الخير في كل زمان ومكان .
25) إياك وحب الرئاسة :
فإن هذا الحرص يوقعه في مفاسد عديدة منها :
1- بهذا الحرص قد يضيع الإخلاص أو يضعف .
2- قد يجره ذلك إلى إتباع الهوى وارتكاب المحرمات , قال الفضيل بن عياض :" ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى , وتتبع عيوب الناس , وكره أن يذكر أحد بخير " .
تم بحمد الله وتوفيقه ,,
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى