- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3763
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
أمكم عائشة زوجة رسولنا في الدنيا والأخرة
السبت 06 أغسطس 2011, 18:23
بسم الله الرحمن الرحيم[size=18]
السلام عليكم ورحمة الله
أيّها المسلمون هذه أمكم عائشة زوجة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في الدّنيا والآخرة
عبادتها – علمها- فضائلها - زهدها
مقدمة:
الحمد لله وحده:
هذه رسالة مختصرة جداً عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وسيرتها الطّاهرة القصد منها الرّد على المتطاولين على مقام أم المؤمنين الشّريفة زوجة الشّريف -صلى الله عليه وسلم-.
إن هؤلاء الّذين تطاولوا عليها كأنّهم تطاولوا على الله -سبحانه وتعالى- وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ولنعلم أن اتهام أم المؤمنين بالإفك اتهامٌ قديمٌ وأن ما يقوم به الأفاكون هو فتح باب للمستشرقين والمنصّرين والطّاعنين والمغرضين حتى ينالوا من الإسلام نيلًا عظيمًا ولكن هيهات لهم ذلك؛ فعلى محبي عائشة -رضي الله عنها- من أصحاب الأنفة والشّهامة أن يشمروا عن سيقانهم ويحدّوا شفراتهم لمواجهة أمثال هؤلاء الخونة الّذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين.
نسبها:
عائشة بنت عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. وأبوها هو (الصّديق) حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أول من آمن من الرّجال، وأول من صدّق بحادثة الإسراء والمعراج وسمي(بالصديق) وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب الكنانية. وهي من السّابقات إلى الإسلام بمكة، تقول عائشة -رضي الله عنه-: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدّين" [رواه البخاري 476].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أبا بكر الصّديق، ويقول -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر الصديق: «ولو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل» [أخرجه البخاري 467].
رؤيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام صورة عائشة
رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتزوج عائشة صورتها في المنام. يقول- صلى الله عليه وسلم-: «أريتك في المنام ثلاث ليالي. جاءني بك الملك في سرقةٍ من حريرٍ. فيقول: هذه امرأتك. فأكشف عن وجهك. فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله، يمضه» [رواه مسلم 2438].
وأخرج التّرمذي :«أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذه زوجتك في الدّنيا والآخرة» [أخرجه التّرمذي 3880، وصححه الألباني].
الزّواج المبارك
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنوات: وقيل سبع سنوات، ودخل بها وهي ابنة تسع سنين، وتوفي عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي ابنة ثماني عشرة سنة، ولم يتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكرًا غيرها.
عاشت عائشة -رضي الله عنها- في بيت النّبوة الطاهرة الملحق بالمسجد النبّوي الشريف، مهبط الوحي وتملأ البيت السّعادة والهناء، وترعرعت عائشة في هذا البيت الذي يشع منه الإيمان والتّقوى، وهي فوق ذلك تتمتع بالذّكاء والفطنة.
فنضجت واستوت عقلًا وفهمًا ترتوي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمًا وتقوى فحفظت كثيرًا من أقواله وأفعاله، ومع صغر سنها إلا أنها كانت تقوم بواجبها في خدمة بيتها خير قيام، وكانت لها مكانةٌ عظيمةٌ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
تقول -رضي الله عنها-: «تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحظى عنده منّي؟» [رواه مسلم 1423].
حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أبابكر الصّديق الّذي وقف معه في دعوته وألقى الله حب أبي بكر في قلب الرّسول فأحبه حبًّا جمًّا.
روي البخاري بإسناده إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، «أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش (ذات السّلاسل) فأتيته فقلت: أي النّاس أحب إليك؟ قال: (عائشة). فقلت: من الرجال ؟ فقال: (أبوها)» [رواه البخاري 3662].
عاِئشة تختار الآخرة على الدّنيا
تقول -رضي الله عنها-: «لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكرًا لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28-29]، قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج الّنبيّ -صلى اله عليه وسلم- مثل ما فعلت» [رواه البخاري 4786].
وقال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة -رضي الله عنها-: «أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه» [رواه مسلم 2442].
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمازح عائشة -رضي الله عنها-
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمازحها ويلاطفها الملاطفة الزّوجية البريئة، فقد سابقها النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسبقته، حتى إذا أرقها اللحم سابقها، فسبقها عليه الصّلاة والسّلام وقال لها: «هذه بتلك السبقة» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وكان عليه الصّلاة والسّلام يدعو لها فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «اللهمّ اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من الضّحك، فقال: أيسرك دعائي، فقالت: ومالي لا يسرني دعاؤك، فقال: والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة» [حسنه الألباني].
علمها وأحاديثها وأحكامها
كانت -رضي الله عنها- أفقه النّساء على الإطلاق وهي أذكى أمهات المؤمنين، وأحفظهن لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكانت متبحرةً في علوم الدّين من قرآن وسنة وفقه، وكان كبار الصحابة يلجؤون إليها في دقائق الأمور وكبيرها؛ يقول الحاكم: "إن ربع أحكام الشّريعة نٌقلت عنها".
وكانت حجرتها تُعد مجلساً للعلم حيث يأتي إليها طلاب العلم والمعرفة من مختلف الأقطار، وكانت -رضي الله عنها- تحتجب عن الطّلاب غير المحارم، وقد شهدت الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- أثناء هبوط الوحي عليه تقول: «لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عليه الوحي في اليوم البرد الشّديد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا» [رواه التّرمذي 3634، وصححه الألباني]، وكانت -رضي الله عنها- تناقش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسأله، تقول -رضي الله عنها-: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، قالت عائشة: أهم الذّين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال: لا يا بنت الصّديق ولكنّهم الّذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]» [أخرجه التّرمذي 3175، وصححه الألباني].
الصحابة يسألون عائشة -رضي الله عنها-
وكان الصّحابة -رضي الله عنهم- إذا اختلفوا في شيء يذهبون إلى حجرتها حتى يتحققوا من صحة الأحاديث وقوتها؛ يقول القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها: "إنها استقلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- إلى أن تُوفيت -رضي الله عنها-".
يقول أبو سلمة بن عبد الرّحمن: "ما رأيت أحدًا أعلم بسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أفقه في رأي إذا احتيج إليه ولا أعلم بأيةٍ فيم نزلت ولا فريضة من عائشة".
وفي الصّحيحين أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «إن جبريل يقرأ عليك السّلام. قالت: فقلت: وعليه السّلام ورحمة الله» [رواه البخاري ومسلم].
يقول عروة بن الزّبير أحد الفقهاء السّبعة: "ما رأيت أحدًا أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام ولا بأشعار العرب ولا بالأنساب من عائشة".
فأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- امتازت بحفظ الحديث وروايته والصّدق في العلم والأمانة في الرواية، وكان كبار الصّحابة إذا أشكلت عليهم الفرائض فزعوا إليها.
وقد حفظت عدة آلاف من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعدد الأحاديث المروي عنها(2210) أحاديث منها (147) في الصّحيحين؛ البخاري ومسلم، (67) حديثا في صحيح مسلم فقط والبقية من الأحاديث في كتب الحديث الأخرى.
وكانت قوية الحفظ روت عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- علماً كثيرا، فهي:
- معلمة العلماء.
-سيدة المفسرين.
- أستاذة المحدثين.
- فقيهة نساء الأمة.
تقول -رضي الله عنها-: "إنكم لن تلقوا الله -عز وجل- بشيءٍ خير لكم من قلة الذّنوب، فمن سره أن يسبق الدّائب المجتهد، فليكف نفسه عن كثرة الذّنوب".
تقول أيضًا: "من أرضى الله بإسخاط النّاس كفاه الله ما بينه وبين النّاس، ومن أرضى النّاس بإسخاط الله، وكله الله إلى النّاس".
سٌئلت -رضي الله عنها- عن أفضل النّساء فأجابت: "هي الّتي لا تعرف عيب المثال، ولا تهتدي لمكر الرّجال، فارغة القلب إلا من الزّينة لبعلها، والإبقاء في الصّيانة على أهلها".
ويكفيها فخراً كما هي تفتخر أنه: «تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، وفي يومي وليلتي، وبين سحري ونحري، ودخل عبدالرحمن بن أبي بكر، ومعه سواكٌ رطبٌ، فنظر إليه، حتى ظننت أنه يريده، فأخذته، فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيته مستنًّا قط» [صححه الذّهبي في سير أعلام النّبلاء 2/189].
ورعها وتقواها
كانت -رضي الله عنها- عابدة زاهدة تصوم الدّهر، ولا تُفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر، وتقضي جل وقتها في الصّلاة وقيام الليل، وكانت كثيرة البكاء في قيامها الليل، كانت -رضي الله عنها- لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا.
وكانت تطيل الصّلاة، عن عبد الله بن أبي موسى قال: أرسلني مدرك أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء قال: فأتيتها فإذا هي تصلي الضّحى فقلت: أقعد حتى تفرغ، فقالوا: هيهات، أي انتظارك سيطول؛ لأنها تطيل الصّلاة من ركوعٍ وسجودٍ وقيامٍ.
وكانت تصوم في أشد الحر فقد أخرج أحمد في مسنده: أن عبد الرّحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- دخل على عائشة -رضي الله عنها- يوم عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها، فقال لها عبد الرّحمن: أفطري، فقالت: أفطر وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله» [رواه المنذري في التّرغيب والتّرهيب 2/126، رواته ثقات محتج بهم في الصحيح إلا أن عطاء الخرساني لم يسمع من عبدالرّحمن بن أبي بكر].
وكانت صاحبة كرمٍ وجودٍ، ولم تحتفظ في بيتها ولا دينار، وكانت -رضي الله عنها- من أجود النّاس سخاء.
قال عروة بن الزّبير: "رأيت عائشة الصّديقة أنفقت سبعين ألف درهم في سبيل الله في يوم واحد. ومرة بعث إليها عبد الله بن الزبير بمائة ألف درهم فأنفقت جميعها حتى لم يبق عندها درهم، وكانت تردد: "وددت أنّي متّ وكنت نسيًا منسيًا".
رحلة الخلود والنعيم
كانت عائشة -رضي الله عنها- المرجع في أحاديث الرّسول -صلى الله عليه وسلم- فعاشت حياةً حافلةً بالصّبر والشّدائد والجهاد بكل أنواعه وأشكاله.
فتوفيت -رضي الله عنها- وهي في السّادسة والستين، وكان ذلك في شهر رمضان من السّنة الثّامنة والخمسين للهجرة بعد أن مرضت مرضاً ألزمها الفراش، وصلى عليها أبو هريرة -رضي الله عنه- وكان نائبًا لمروان بن الحكم بالمدينة ودفنت بالبقيع ليلًا، وسار جموع من المسلمين وهم يبكون على هذه الطّاهرة أم المؤمنين أفضل النّساء فضلًا وعلمًا وجودًاوكرمًا ومعرفةً وتقوى. ورحم الله أمنا الطّاهرة عائشة وأسكنها فسيح جناته.
حقًّا كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدّنيا والآخرة؟ قلت: بلى قال: فأنت زوجتي في الدّنيا و الآخرة» [صححه الألباني 2255]
علينا أن نفيق من سباتنا من هذا النّوم ونقف صفًّا واحدًا هاتفين بصوتٍ واحدٍ قائلين:
عائشة -رضي الله عنها- لن نسمح أبدًا أن تُمس أو تُهان.
عائشة -رضي الله عنها- لن نسمح أبدًا أن يُساء إليها.
عائشة رضي الله عنها لن نسمح أبدًا أن يُتطاول عليها كل الدنيا تهون إلا أنت يا حبيبة رسولنا الكريم.
اللهمّ إني بلغت فهل من سامعٍ، اللهمّ إني قد ذكرت فهل من مدّكرٍ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بقلم
د. أحمد بن عبد العزيز الحصين
السلام عليكم ورحمة الله
أيّها المسلمون هذه أمكم عائشة زوجة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في الدّنيا والآخرة
عبادتها – علمها- فضائلها - زهدها
مقدمة:
الحمد لله وحده:
هذه رسالة مختصرة جداً عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وسيرتها الطّاهرة القصد منها الرّد على المتطاولين على مقام أم المؤمنين الشّريفة زوجة الشّريف -صلى الله عليه وسلم-.
إن هؤلاء الّذين تطاولوا عليها كأنّهم تطاولوا على الله -سبحانه وتعالى- وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ولنعلم أن اتهام أم المؤمنين بالإفك اتهامٌ قديمٌ وأن ما يقوم به الأفاكون هو فتح باب للمستشرقين والمنصّرين والطّاعنين والمغرضين حتى ينالوا من الإسلام نيلًا عظيمًا ولكن هيهات لهم ذلك؛ فعلى محبي عائشة -رضي الله عنها- من أصحاب الأنفة والشّهامة أن يشمروا عن سيقانهم ويحدّوا شفراتهم لمواجهة أمثال هؤلاء الخونة الّذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين.
نسبها:
عائشة بنت عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. وأبوها هو (الصّديق) حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أول من آمن من الرّجال، وأول من صدّق بحادثة الإسراء والمعراج وسمي(بالصديق) وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب الكنانية. وهي من السّابقات إلى الإسلام بمكة، تقول عائشة -رضي الله عنه-: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدّين" [رواه البخاري 476].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أبا بكر الصّديق، ويقول -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر الصديق: «ولو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل» [أخرجه البخاري 467].
رؤيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام صورة عائشة
رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتزوج عائشة صورتها في المنام. يقول- صلى الله عليه وسلم-: «أريتك في المنام ثلاث ليالي. جاءني بك الملك في سرقةٍ من حريرٍ. فيقول: هذه امرأتك. فأكشف عن وجهك. فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله، يمضه» [رواه مسلم 2438].
وأخرج التّرمذي :«أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذه زوجتك في الدّنيا والآخرة» [أخرجه التّرمذي 3880، وصححه الألباني].
الزّواج المبارك
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنوات: وقيل سبع سنوات، ودخل بها وهي ابنة تسع سنين، وتوفي عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي ابنة ثماني عشرة سنة، ولم يتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكرًا غيرها.
عاشت عائشة -رضي الله عنها- في بيت النّبوة الطاهرة الملحق بالمسجد النبّوي الشريف، مهبط الوحي وتملأ البيت السّعادة والهناء، وترعرعت عائشة في هذا البيت الذي يشع منه الإيمان والتّقوى، وهي فوق ذلك تتمتع بالذّكاء والفطنة.
فنضجت واستوت عقلًا وفهمًا ترتوي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمًا وتقوى فحفظت كثيرًا من أقواله وأفعاله، ومع صغر سنها إلا أنها كانت تقوم بواجبها في خدمة بيتها خير قيام، وكانت لها مكانةٌ عظيمةٌ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
تقول -رضي الله عنها-: «تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحظى عنده منّي؟» [رواه مسلم 1423].
حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أبابكر الصّديق الّذي وقف معه في دعوته وألقى الله حب أبي بكر في قلب الرّسول فأحبه حبًّا جمًّا.
روي البخاري بإسناده إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، «أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش (ذات السّلاسل) فأتيته فقلت: أي النّاس أحب إليك؟ قال: (عائشة). فقلت: من الرجال ؟ فقال: (أبوها)» [رواه البخاري 3662].
عاِئشة تختار الآخرة على الدّنيا
تقول -رضي الله عنها-: «لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكرًا لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28-29]، قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج الّنبيّ -صلى اله عليه وسلم- مثل ما فعلت» [رواه البخاري 4786].
وقال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة -رضي الله عنها-: «أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه» [رواه مسلم 2442].
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمازح عائشة -رضي الله عنها-
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمازحها ويلاطفها الملاطفة الزّوجية البريئة، فقد سابقها النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسبقته، حتى إذا أرقها اللحم سابقها، فسبقها عليه الصّلاة والسّلام وقال لها: «هذه بتلك السبقة» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وكان عليه الصّلاة والسّلام يدعو لها فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «اللهمّ اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من الضّحك، فقال: أيسرك دعائي، فقالت: ومالي لا يسرني دعاؤك، فقال: والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة» [حسنه الألباني].
علمها وأحاديثها وأحكامها
كانت -رضي الله عنها- أفقه النّساء على الإطلاق وهي أذكى أمهات المؤمنين، وأحفظهن لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكانت متبحرةً في علوم الدّين من قرآن وسنة وفقه، وكان كبار الصحابة يلجؤون إليها في دقائق الأمور وكبيرها؛ يقول الحاكم: "إن ربع أحكام الشّريعة نٌقلت عنها".
وكانت حجرتها تُعد مجلساً للعلم حيث يأتي إليها طلاب العلم والمعرفة من مختلف الأقطار، وكانت -رضي الله عنها- تحتجب عن الطّلاب غير المحارم، وقد شهدت الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- أثناء هبوط الوحي عليه تقول: «لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عليه الوحي في اليوم البرد الشّديد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا» [رواه التّرمذي 3634، وصححه الألباني]، وكانت -رضي الله عنها- تناقش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسأله، تقول -رضي الله عنها-: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، قالت عائشة: أهم الذّين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال: لا يا بنت الصّديق ولكنّهم الّذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]» [أخرجه التّرمذي 3175، وصححه الألباني].
الصحابة يسألون عائشة -رضي الله عنها-
وكان الصّحابة -رضي الله عنهم- إذا اختلفوا في شيء يذهبون إلى حجرتها حتى يتحققوا من صحة الأحاديث وقوتها؛ يقول القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها: "إنها استقلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- إلى أن تُوفيت -رضي الله عنها-".
يقول أبو سلمة بن عبد الرّحمن: "ما رأيت أحدًا أعلم بسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أفقه في رأي إذا احتيج إليه ولا أعلم بأيةٍ فيم نزلت ولا فريضة من عائشة".
وفي الصّحيحين أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «إن جبريل يقرأ عليك السّلام. قالت: فقلت: وعليه السّلام ورحمة الله» [رواه البخاري ومسلم].
يقول عروة بن الزّبير أحد الفقهاء السّبعة: "ما رأيت أحدًا أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام ولا بأشعار العرب ولا بالأنساب من عائشة".
فأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- امتازت بحفظ الحديث وروايته والصّدق في العلم والأمانة في الرواية، وكان كبار الصّحابة إذا أشكلت عليهم الفرائض فزعوا إليها.
وقد حفظت عدة آلاف من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعدد الأحاديث المروي عنها(2210) أحاديث منها (147) في الصّحيحين؛ البخاري ومسلم، (67) حديثا في صحيح مسلم فقط والبقية من الأحاديث في كتب الحديث الأخرى.
وكانت قوية الحفظ روت عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- علماً كثيرا، فهي:
- معلمة العلماء.
-سيدة المفسرين.
- أستاذة المحدثين.
- فقيهة نساء الأمة.
تقول -رضي الله عنها-: "إنكم لن تلقوا الله -عز وجل- بشيءٍ خير لكم من قلة الذّنوب، فمن سره أن يسبق الدّائب المجتهد، فليكف نفسه عن كثرة الذّنوب".
تقول أيضًا: "من أرضى الله بإسخاط النّاس كفاه الله ما بينه وبين النّاس، ومن أرضى النّاس بإسخاط الله، وكله الله إلى النّاس".
سٌئلت -رضي الله عنها- عن أفضل النّساء فأجابت: "هي الّتي لا تعرف عيب المثال، ولا تهتدي لمكر الرّجال، فارغة القلب إلا من الزّينة لبعلها، والإبقاء في الصّيانة على أهلها".
ويكفيها فخراً كما هي تفتخر أنه: «تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، وفي يومي وليلتي، وبين سحري ونحري، ودخل عبدالرحمن بن أبي بكر، ومعه سواكٌ رطبٌ، فنظر إليه، حتى ظننت أنه يريده، فأخذته، فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيته مستنًّا قط» [صححه الذّهبي في سير أعلام النّبلاء 2/189].
ورعها وتقواها
كانت -رضي الله عنها- عابدة زاهدة تصوم الدّهر، ولا تُفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر، وتقضي جل وقتها في الصّلاة وقيام الليل، وكانت كثيرة البكاء في قيامها الليل، كانت -رضي الله عنها- لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا.
وكانت تطيل الصّلاة، عن عبد الله بن أبي موسى قال: أرسلني مدرك أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء قال: فأتيتها فإذا هي تصلي الضّحى فقلت: أقعد حتى تفرغ، فقالوا: هيهات، أي انتظارك سيطول؛ لأنها تطيل الصّلاة من ركوعٍ وسجودٍ وقيامٍ.
وكانت تصوم في أشد الحر فقد أخرج أحمد في مسنده: أن عبد الرّحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- دخل على عائشة -رضي الله عنها- يوم عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها، فقال لها عبد الرّحمن: أفطري، فقالت: أفطر وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله» [رواه المنذري في التّرغيب والتّرهيب 2/126، رواته ثقات محتج بهم في الصحيح إلا أن عطاء الخرساني لم يسمع من عبدالرّحمن بن أبي بكر].
وكانت صاحبة كرمٍ وجودٍ، ولم تحتفظ في بيتها ولا دينار، وكانت -رضي الله عنها- من أجود النّاس سخاء.
قال عروة بن الزّبير: "رأيت عائشة الصّديقة أنفقت سبعين ألف درهم في سبيل الله في يوم واحد. ومرة بعث إليها عبد الله بن الزبير بمائة ألف درهم فأنفقت جميعها حتى لم يبق عندها درهم، وكانت تردد: "وددت أنّي متّ وكنت نسيًا منسيًا".
رحلة الخلود والنعيم
كانت عائشة -رضي الله عنها- المرجع في أحاديث الرّسول -صلى الله عليه وسلم- فعاشت حياةً حافلةً بالصّبر والشّدائد والجهاد بكل أنواعه وأشكاله.
فتوفيت -رضي الله عنها- وهي في السّادسة والستين، وكان ذلك في شهر رمضان من السّنة الثّامنة والخمسين للهجرة بعد أن مرضت مرضاً ألزمها الفراش، وصلى عليها أبو هريرة -رضي الله عنه- وكان نائبًا لمروان بن الحكم بالمدينة ودفنت بالبقيع ليلًا، وسار جموع من المسلمين وهم يبكون على هذه الطّاهرة أم المؤمنين أفضل النّساء فضلًا وعلمًا وجودًاوكرمًا ومعرفةً وتقوى. ورحم الله أمنا الطّاهرة عائشة وأسكنها فسيح جناته.
حقًّا كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدّنيا والآخرة؟ قلت: بلى قال: فأنت زوجتي في الدّنيا و الآخرة» [صححه الألباني 2255]
علينا أن نفيق من سباتنا من هذا النّوم ونقف صفًّا واحدًا هاتفين بصوتٍ واحدٍ قائلين:
عائشة -رضي الله عنها- لن نسمح أبدًا أن تُمس أو تُهان.
عائشة -رضي الله عنها- لن نسمح أبدًا أن يُساء إليها.
عائشة رضي الله عنها لن نسمح أبدًا أن يُتطاول عليها كل الدنيا تهون إلا أنت يا حبيبة رسولنا الكريم.
اللهمّ إني بلغت فهل من سامعٍ، اللهمّ إني قد ذكرت فهل من مدّكرٍ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بقلم
د. أحمد بن عبد العزيز الحصين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى