- ماما هنامشرفة عامة القسم الدينى و الأسرة
- عدد المساهمات : 9179
نقاط : 49040
تاريخ التسجيل : 21/04/2011
حقوق الحبيب صلى الله عليه وسلم على أمته
السبت 17 يناير 2015, 15:32
حقوق الحبيب صلى الله عليه وسلم على أمته
السبت, 17 يناير 2015 05:27
إن من أوجب الحقوق على كل مسلم فى هذه الحياة الدنيا بعد حق الله عز وجل حق النبي صلى الله عليه وسلم البشير النذير والسراج المنير والرحمة المهداة صلوات الله عليه وسلامه ، وهذه الحقوق بينها ربنا تبارك وتعالى فى القرآن الكريم والمصطفى صلى الله عليه وسلم فما هى هذه الحقوق الواجبة على الأمة الإسلامية للنبي صلى الله عليه وسلم تعالوا بنا نتعرف على هذه الحقوق فى هذه المقالة المتواضعة.
أولاً: الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
فمن أولى حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وأوجبها على مسلم هى الإيمان به صلى الله عليه وسلم قال تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتدونَ)[الأعراف:158].
قوله: ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأُمي) والمقصود طلب الإيمان بالنبي الأمي ؛ لأنه الذي سِيق الكلام لأجله ، ولكن لما صُدّر الأمر بخطاب جميع البشر وكان فيهم من لا يؤمن بالله ، وفيهم من يؤمن بالله ولا يؤمن بالنبي الأمّي ، جُمع بين الإيمان بالله والإيمان بالنبي الأمي في طلب واحد ، ليكون هذا الطلب متوجهاً للفرَق كلهم ، ليجمعوا في إيمانهم بين الإيمان بالله والنبي الأمي ، مع قضاء حق التأدب مع الله بجعل الإيمان به مقدماً على طلب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم للإشارة إلى أن الإيمان بالرسول إنما هو لأجل الإيمان بالله ، والإيمان بالله الإيمانُ بأعظم صفاته وهي الإلهية المتضمن إياها اسم الذات ، والإيمان بالرسول الإيمانُ بأخص صفاته وهو الرسالة ، وذلك معلوم من إناطة الإيمان بوصف الرسول دون اسمه العلم. (التحرير والتنوير:لابن عاشورجـ9صـ140وما بعدها).
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:136].
وقال تعالى: (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) [الفتح:13].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:"والإيمان هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً والتصديق به عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد به محبة وخضوعاً والعمل به باطناً وظاهراً وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان"( الفوائد:صـ107).
وقال القاضى عياض رحمه الله :والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له(الشفا بتعريف حقوق المصطفى: جـ2صـ3 ).
ثانياً: محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
إن محبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإيمان وإذا استقرت شجرة المحبة الصادقة في القلب أتت أكلها كل حين وأثمرت كل أنواع الإتباع والاقتفاء للمحبوب صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
يقول القاضي عياض رحمه الله مستدلا بهذه الآية :فكفى بهذا حضا وتنبها ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم بقوله تعالى : ( فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله (الشفا: جـ2 صـ18).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"(رواه البخاري).
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :أراد به حب الاختيار لا حب الطبع لأن حب الإنسان نفسه وأهله طبع ولا سبيل إلى قلبه قال: فمعناه لا يصدق في إيمانه حتى يفنى في طاعتي نفسه ويؤثر رضاي على هواه وإن كان فيه هلاكه.
وقال القاضى عياض وغيره: المحبة ثلاثة أقسام:
1 - محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد.
2 - محبة شفقة ورحمة كمحبة الولد.
3- محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع صلى الله عليه وسلم أقسام المحبة في محبته.
وقال الإمام ابن بطال رحمه الله: معنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حقه صلى الله عليه وسلم عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأنه صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار وهدانا من الضلال(الديباج على مسلم :جـ1صـ60).
وأخرج البخاري فى صحيحه عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وإنما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله: الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب(فتح البارى : جـ11صـ528).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"(رواه البخاري ومسلم).
قال سهل بن عبد الله: من لم يرى ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه صلى الله عليه وسلم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".
قال الإمام القاضى عياض رحمه الله :وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة(الشفا:جـ2صـ30).
ثالثاً: طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر:
قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء:80].
قال الإمام الطبرى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم:"إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا"!
ثم قال جل ثناؤه لنبيه: ومن تولى عن طاعتك، يا محمد، فأعرض عنك، فإنا لم نرسلك عليهم"حفيظًا"، يعني: حافظًا لما يعملون محاسبًا، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين(تفسير الطبري: جـ8صـ561 وما بعدها).
وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65]. وقال تعالى:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا )[النساء:الآيتان:69 ، 70].
قال القاضى عياض رحمه الله:فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب وأوعد على مخالفته بسوء العقاب وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه.
قال المفسرون والأئمة: طاعة الرسول في التزام سنته والتسليم لما جاء به وقالوا: ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه.
وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام فقال:(وما آتاكم الرسول فخذوه).
وقال السمرقندى يقال: أطيعوا الله في فرائضه والرسول في سنته.
وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم والرسول فيما بلغكم .
ويقال: أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنبوة(الشفا:جـ2صـ6).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ،ومن أطاع أميري فقد أطاعني،ومن عصى أميري فقد عصاني »(رواه البخاري ومسلم).
وعن العرباض بن سارية قال : « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ، فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة »( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 2549).
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: "أنت مع من أحببت".
وقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً!.
وقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة آل عمران:31].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله(تفسير ابن كثير: جـ2صـ440).
وقال الشنقيطى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إتباع نبيه موجب لمحبته جل وعلا ذلك المتبع، وذلك يدل على أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي عين طاعته تعالى، وصرح بهذا المدلول في قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا).
يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه صلى الله عليه وسلم، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محبا له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة(أضواء البيان:للشنقيطي جـ1صـ199).
وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة ؛ وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة(تفسير القرطبى: جـ4 صـ60 وما بعدها).
ولقد أحسن من قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
انظر معي أخي الحبيب..
أين نحن من حب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من سنته صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من أوامره صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من نواهيه صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وقال الحسن البصري رحمه الله : ادعى أناس محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) فعلامة محبة الله عز وجل الحقيقية حب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وإتباع سنته.
رابعاً: الانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"( رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاعة والاستطاعة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219]. فدعي عمر فقرئت عليه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) [النساء:43] فدعي عمر فقرئت عليه ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في المائدة:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:91] فدعي عمر فقرئت عليه فقال: "انتهينا – انتهينا"(أخرجه النسائي وصححه الألباني فى صحيح سنن النسائي رقم (5555).
خامساً: إتباع النبي صلى الله عليه وسلم:
فإتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء آثاره وإتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر والمنشط والمكره، هو أول علامات محبته صلى الله عليه وسلم، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من تظهر عليه هذه العلامة فيكون متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ومؤثراً لموافقته في مراده بحيث يكون فعله وقوله تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[الأعراف:158].
وقال تعالى:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[المائدة:16].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(رواه مسلم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه" ثم قرأ:( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].(أخرجه ابن حبان فى صحيحه).
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال: أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفي آثار النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لو آتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك".
وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار أبداً وإن اقتصاراً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
وهذا هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي إلى الحجر الأسود فيقبله ثم قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"( أخرجه البخاري فى صحيحه).
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
السبت, 17 يناير 2015 05:27
إن من أوجب الحقوق على كل مسلم فى هذه الحياة الدنيا بعد حق الله عز وجل حق النبي صلى الله عليه وسلم البشير النذير والسراج المنير والرحمة المهداة صلوات الله عليه وسلامه ، وهذه الحقوق بينها ربنا تبارك وتعالى فى القرآن الكريم والمصطفى صلى الله عليه وسلم فما هى هذه الحقوق الواجبة على الأمة الإسلامية للنبي صلى الله عليه وسلم تعالوا بنا نتعرف على هذه الحقوق فى هذه المقالة المتواضعة.
أولاً: الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
فمن أولى حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وأوجبها على مسلم هى الإيمان به صلى الله عليه وسلم قال تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتدونَ)[الأعراف:158].
قوله: ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأُمي) والمقصود طلب الإيمان بالنبي الأمي ؛ لأنه الذي سِيق الكلام لأجله ، ولكن لما صُدّر الأمر بخطاب جميع البشر وكان فيهم من لا يؤمن بالله ، وفيهم من يؤمن بالله ولا يؤمن بالنبي الأمّي ، جُمع بين الإيمان بالله والإيمان بالنبي الأمي في طلب واحد ، ليكون هذا الطلب متوجهاً للفرَق كلهم ، ليجمعوا في إيمانهم بين الإيمان بالله والنبي الأمي ، مع قضاء حق التأدب مع الله بجعل الإيمان به مقدماً على طلب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم للإشارة إلى أن الإيمان بالرسول إنما هو لأجل الإيمان بالله ، والإيمان بالله الإيمانُ بأعظم صفاته وهي الإلهية المتضمن إياها اسم الذات ، والإيمان بالرسول الإيمانُ بأخص صفاته وهو الرسالة ، وذلك معلوم من إناطة الإيمان بوصف الرسول دون اسمه العلم. (التحرير والتنوير:لابن عاشورجـ9صـ140وما بعدها).
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:136].
وقال تعالى: (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) [الفتح:13].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:"والإيمان هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً والتصديق به عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد به محبة وخضوعاً والعمل به باطناً وظاهراً وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان"( الفوائد:صـ107).
وقال القاضى عياض رحمه الله :والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له(الشفا بتعريف حقوق المصطفى: جـ2صـ3 ).
ثانياً: محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
إن محبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإيمان وإذا استقرت شجرة المحبة الصادقة في القلب أتت أكلها كل حين وأثمرت كل أنواع الإتباع والاقتفاء للمحبوب صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
يقول القاضي عياض رحمه الله مستدلا بهذه الآية :فكفى بهذا حضا وتنبها ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم بقوله تعالى : ( فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله (الشفا: جـ2 صـ18).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"(رواه البخاري).
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :أراد به حب الاختيار لا حب الطبع لأن حب الإنسان نفسه وأهله طبع ولا سبيل إلى قلبه قال: فمعناه لا يصدق في إيمانه حتى يفنى في طاعتي نفسه ويؤثر رضاي على هواه وإن كان فيه هلاكه.
وقال القاضى عياض وغيره: المحبة ثلاثة أقسام:
1 - محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد.
2 - محبة شفقة ورحمة كمحبة الولد.
3- محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع صلى الله عليه وسلم أقسام المحبة في محبته.
وقال الإمام ابن بطال رحمه الله: معنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حقه صلى الله عليه وسلم عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأنه صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار وهدانا من الضلال(الديباج على مسلم :جـ1صـ60).
وأخرج البخاري فى صحيحه عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وإنما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله: الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب(فتح البارى : جـ11صـ528).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"(رواه البخاري ومسلم).
قال سهل بن عبد الله: من لم يرى ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه صلى الله عليه وسلم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".
قال الإمام القاضى عياض رحمه الله :وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة(الشفا:جـ2صـ30).
ثالثاً: طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر:
قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء:80].
قال الإمام الطبرى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم:"إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا"!
ثم قال جل ثناؤه لنبيه: ومن تولى عن طاعتك، يا محمد، فأعرض عنك، فإنا لم نرسلك عليهم"حفيظًا"، يعني: حافظًا لما يعملون محاسبًا، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين(تفسير الطبري: جـ8صـ561 وما بعدها).
وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65]. وقال تعالى:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا )[النساء:الآيتان:69 ، 70].
قال القاضى عياض رحمه الله:فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب وأوعد على مخالفته بسوء العقاب وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه.
قال المفسرون والأئمة: طاعة الرسول في التزام سنته والتسليم لما جاء به وقالوا: ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه.
وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام فقال:(وما آتاكم الرسول فخذوه).
وقال السمرقندى يقال: أطيعوا الله في فرائضه والرسول في سنته.
وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم والرسول فيما بلغكم .
ويقال: أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنبوة(الشفا:جـ2صـ6).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ،ومن أطاع أميري فقد أطاعني،ومن عصى أميري فقد عصاني »(رواه البخاري ومسلم).
وعن العرباض بن سارية قال : « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ، فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة »( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 2549).
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: "أنت مع من أحببت".
وقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً!.
وقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة آل عمران:31].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله(تفسير ابن كثير: جـ2صـ440).
وقال الشنقيطى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إتباع نبيه موجب لمحبته جل وعلا ذلك المتبع، وذلك يدل على أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي عين طاعته تعالى، وصرح بهذا المدلول في قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا).
يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه صلى الله عليه وسلم، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محبا له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة(أضواء البيان:للشنقيطي جـ1صـ199).
وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة ؛ وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة(تفسير القرطبى: جـ4 صـ60 وما بعدها).
ولقد أحسن من قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
انظر معي أخي الحبيب..
أين نحن من حب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من سنته صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من أوامره صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من نواهيه صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وقال الحسن البصري رحمه الله : ادعى أناس محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) فعلامة محبة الله عز وجل الحقيقية حب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وإتباع سنته.
رابعاً: الانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"( رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاعة والاستطاعة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219]. فدعي عمر فقرئت عليه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) [النساء:43] فدعي عمر فقرئت عليه ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في المائدة:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:91] فدعي عمر فقرئت عليه فقال: "انتهينا – انتهينا"(أخرجه النسائي وصححه الألباني فى صحيح سنن النسائي رقم (5555).
خامساً: إتباع النبي صلى الله عليه وسلم:
فإتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء آثاره وإتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر والمنشط والمكره، هو أول علامات محبته صلى الله عليه وسلم، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من تظهر عليه هذه العلامة فيكون متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ومؤثراً لموافقته في مراده بحيث يكون فعله وقوله تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[الأعراف:158].
وقال تعالى:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[المائدة:16].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(رواه مسلم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه" ثم قرأ:( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].(أخرجه ابن حبان فى صحيحه).
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال: أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفي آثار النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لو آتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك".
وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار أبداً وإن اقتصاراً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
وهذا هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي إلى الحجر الأسود فيقبله ثم قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"( أخرجه البخاري فى صحيحه).
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى