- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3909
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
لماذا الأسرة.. ولماذا هذه العلاقة الزوجية المعقّدة؟
الأحد 24 يوليو 2011, 18:11
ربما نستوحي من القرآن الكريم، أنّ قضية الزواج والنـزوع إلى تكوين الأسرة، ينبعان من الشعور العميق بالحاجة إلى أن يكمل الإنسان ـ رجلاً وامرأة ـ ذاته من خلال ارتباطه بالجنس الآخر، انطلاقاً من الفطرة التي فطر الله الناس عليها والكامنة في تكوينه الإنساني، الذي تختلط فيه الحاجة الروحية إلى الزوجية، بالحاجة الجسدية إلى إرواء الرغبة في إطار روحي حميم.. ما يعني أن عدم تلبية هذه الحاجة يدفع بالإنسان إلى الشعور الدائم بالقلق الروحي الذي يفترس طمأنينته، فيؤدي به إلى البحث عن الفرصة التي تحقق له ذلك.
وقد نستطيع التعرف على طبيعة هذه الفطرة من خلال ملاحظة النماذج الإنسانية التي قد تندفع إلى إرواء الغريزة إلى حدّ كبير، بعيداً عن إطار الزواج، ولكنها تظل تعيش الحنين والرغبة إلى أجواء الزوجية، لأنها تشعر بالفراغ الكبير الذي يغمر حياتها في ظلّ العزوبيّة، مهما حاولت أن توحي لنفسها بالامتلاء، فإننا نجد في ذلك أن قضية الحاجة إلى الزواج ليست هي الحاجة إلى إرواء الغريزة أو إشباعها، بل هي ـ بالإضافة إلى ذلك ـ حاجة روحية إلى الاتحاد الروحي والجسدي مع إنسان آخر..
وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21]..
فنحن نلاحظ في هذه الآية التأكيد على الوحدة في أصل الخلقة والتكوين، للإيحاء بالحالة النفسية التي تحدثها لدى الطرفين.. وذلك في فقرة {خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}..
ونلاحظ ـ إلى جانب ذلك ـ التركيز على أن الغاية هي حصول الطمأنينة والسكينة الروحية التي يشعر الإنسان من خلالها أنه وجد ذاته بتمامها، وتكتمل الصورة في اعتبار المودّة والرحمة أساساً للعلاقة في طبيعة التكوين.. وقد يلفت نظرنا ـ ونحن نتابع التشريعات الإسلامية ـ أن الإسلام يريد للزوجين أن يعيشا الشعور الروحي المرتبط بالله حتى في بداية الممارسة الجنسية، لئلا يتحوّل الزواج إلى عملية جسدية خالصة لا ترتبط بالمعاني الروحية، بل يعود علاقة تمتزج فيها المادة بالروح في عملية اتحاد وتكامل، انطلاقاً من الخط الإسلامي الأصيل الذي يريد للإنسان أن يسير في كل أفعاله وأقواله وعلاقاته، في تزاوج الجانب الروحي والجانب المادي للحياة..
وفي هذا الإطار، ورد في الأحاديث المأثورة الشريفة عن أئمة أهل البيت(ع) بعض التعاليم التي تجعل من بداية الحياة الزوجية صلاة خاشعة لله، وتأكيداً على الجانب الشرعي للعلاقة، من أجل الإيحاء بالطبيعة العملية للسلوك في الحاضر والمستقبل، فقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: "إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها واستقبل القبلة وقل: اللهم بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقياً.. ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً.. "( 1 ).
وقد جاء عن الإمام محمد الباقر(ع) في حديثه إلى بعض أصحابه: "إذا دخلت فمُرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضية، ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضّأ، وصلّ ركعتين، ثم مجِّد الله وصلّ على محمد وآل محمد، ثم ادعُ الله ومُر مَن معها أن يؤمنوا على دعائك، وقل: اللهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام"(2)..
وفي حديث الإمام جعفر الصادق إلى بعض أصحابه، قال: "إذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة فليقل: أقررت بالميثاق الذي أخذ الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"..
إننا نشعر ونحن نتابع هذه الكلمات الطيبة، أن الإسلام يريد للزوج أن يبدأ من خلال المسؤولية الروحية والعملية، لا من خلال النهم الغريزي الذي يريد إشباعه، ولعلّ القيمة الكبيرة لهذا الجو، أنه يفتح قلب الإنسان وروحه على طبيعة الخطوات التي يجب أن يخطوها في هذا السبيل، فيتحرك من خلال الوعي المنفتح على الله، لا من خلال العادة العمياء التي تسير على غير هدى.
وفي تأكيد الآية الكريمة على "السكن" و"المودة والرحمة" كطابع يطبع الحياة الزوجية في مفهوم الإسلام، قد نستشعر نوعية الأجواء التي يريد الإسلام للزوجين أن يعيشاها في ظل حياتهما الجديدة، فليست هي الأجواء التي يحقق فيها كل واحد منهما مصالحه الذاتية، أو أطماعه الخاصة لدى الآخر، وليست هي الأجواء التي تتحفّز فيها الشهوة الغريزية المجردة لتكون الأساس المتين لبناء هذه الحياة، بل هي الأجواء التي تؤكد الإنسانية فيها ذاتها، عندما تنطلق العلاقة من منطلق إنساني رحيب صاف يشعر فيه كل طرف بأنه مشدود إلى طرفه الآخر برباط المودة والمحبة، الأمر الذي يجعل كلاً منهما باحثاً عما لدى الآخر من أسس المحبة الدائمة المرتكزة على التأمل والتفكير، لئلاّ تكون مجرد عاطفة طارئة لا تلبث أن تتضاءل أو تذوب أمام حالات الرغبة المضادّة.
وإذا استطاعا أن يعيشا هذا الشعور العقلاني بالمحبة والمودة، فستخضع حياتهما المشتركة للعفوية والعطاء والسماح في كل ما يجدُّ فيها من متاعب ومشاكل وآلام. ثم نجد في كلمة "الرحمة" إيحاءً جديداً بطبيعة العلاقة الزوجية من جانب آخر، وهو الجانب الذي يتصل بالفهم الواعي المسؤول لدى كل منهما عن الآخر، من خلال ظروفه العائلية والنفسية والاجتماعية، فإذا عاش كل منهما ظروف الآخر، أمكنه أن يتعامل معه على أساس تقديره لتلك الظروف، ويتعايش معه من خلال محاولة الانسجام ـ مهما أمكن ـ مع الأجواء التي تفرضها، والمشاعر التي تخلقها في داخل النفس.. فيبتعدان في هذه الأجواء عن الأنانيات الذاتية التي تحطم الحياة الزوجية، عندما يندفع كل منهما ليفكر بنفسه بعيداً عن مصلحة رفيقه، فيبدأ بالبحث عن أفضل السبل لاستغلال هذه العلاقة لمصالحه ومزاجه وأطماعه.. وتأتي الرحمة لتبدل كل هذه المشاعر والوسائل، فيتجه التفكير ـ من جديد ـ إلى أن هناك حياة مرتبطة بحياته، وأن لهذه الحياة ظروفاً تختلف عن ظروف حياته، وأنّ للإنسان الآخر الذي يعيش معه، أجواء فكرية وروحية ونفسية تختلف عن أجوائه في ما عاشه من بيئة مختلفة عن بيئته، وأسلوب في التربية مختلف عن أسلوب تربيته، وتأثيرات عاطفية وفكرية متنوعة لا تتفق مع التأثيرات التي شاركت في تكوين شخصيته، فيعمل على مراقبة ذلك كله، عندما يتعامل مع الكلمة التي ينطقها، أو الحركة التي يطلقها، أو العمل الذي يقوم به، الأمر الذي يجسد الرحمة بالممارسة بدلاً من تجسيدها بالشعور الطيب الساذج، فيرحم كل منهما آلام الآخر وأحلامه وتطلعاته من خلال تأثيرها في حياته.. حتى الخطأ الذي يراد إصلاحه لا بد من التعامل معه برفق وحكمة، لئلا يحوّله إلى عقدة بدلاً من تحويله إلى صواب..
وبذلك تتحوّل الحياة الزوجية إلى "سكن" يسكن إليه كل منهما في حياته الداخلية والخارجية، حيث يعيشان الهدوء الروحي والعقلي بعيداً عن المشاحنات والمنازعات التي تشوّه جمالها وتسيء إلى طبيعتها الرحبة.
وأحسب أننا لو عشنا المودة والرحمة على هذا الأساس، لاستطعنا أن نخفف كثيراً من المشاكل الزوجية التي نعايشها مما يرتكز على إهمال كل طرف ما لدى الطرف الآخر من ظروف ومؤثرات، وعلى "الأنانية" التي توحي للإنسان بالواجبات الملقاة على عاتق صاحبه تجاهه من دون تفكير بالحقوق المترتبة عليه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى