لا شيء يُعجِبُني
الخميس 23 أغسطس 2012, 15:02
خالد كساب
«لا شيء يعجبنى».. شأنى فى ذلك شأن مسافر الباص فى قصيدة العظيم «محمود درويش»..
«لا الراديو.. ولا صحف الصباح.. ولا القلاع على التلال»..
وأضيف عليه.. ولا نشرات الأخبار ولا برامج التوك شو المسائية بإختلاف أنواعها وتوجهاتها وإنتمائاتها
والتى لا تملك سوى أن تكرر نفسها طالما أن الأحداث تكرر نفسها..
ولا تصرفات الناس مع بعضهم البعض فى الشوارع.. ولا كذب المجتمع على نفسه..
ولا تلك السرعه التى يتم بها إستبدال الأحداث التى تتصدر الخلايا القدمانيه فى أمخاخنا..
ولا الأحداث التى سوف تبدو للوهله الأولى أنها جديده بينما سوف تبدو للوهله الثانيه أنها مش جديده ولا حاجه
بشكل أصبح يثير بداخلى إرتباكاً فى إستمرار إعادة تصنيف وترتيب فايلات الذكريات والأحداث
فى خلايا المخ كل شوية.. ذلك الإحلال والتبديل المستمر فى فايلات خلايا المخ لا يسمح لملف واحد
فيهم بالحصول على حقه من التفكير.. فبمجرد وضع المعطيات أمامك ومحاولة الخروج منها ببرهان..
سوف يستجد ما يجعلك تلم تلك المعطيات وتفرد أمامك المعطيات الجديده التى قبل أن تخرج منها ببرهان
سرعان ما سوف تجد نفسك مضطراً للمها من جديد لتفرد أمامك معطيات جديده وهكذا.. لتجد فى النهايه
أن كل ما تمتلكه فى تلك الفايلات الكثيره التى تزدحم بها خلايا مخك ليست سوى معطيات.. مجرد معطيات
لا تمتلك برهاناً واضحاً تستطيع أن تخرج منه بأى نتيجة للنظرية.. أو بأى نظرية من أساسه!
لا شىء يعجبنى وأشعر بالإختناق وبالرغبة فى البكاء شأنى فى ذلك شأن مسافر الباص فى قصيدة درويش..
«أريد أن ابكى.. يقول السائق: انتظر الوصول إلى المحطة.. وابك وحدك ما استطعت»..
لا أنتظر الوصول إلى أى محطات.. ففى مثل هذا الزمن الذى نعيشه ليست هناك محطات محددة أو ثابتة..
ليس هناك سوى سفر دائم وترحال مقيم وموت متحرك وحياه ثابتة ووجع فى القلب لا ينتهى..
إفتحوا هويس أعينكم أمام الدموع ودعوها تنحدر كشلالات أتعبها السفر.. فالبكاء بدون سبب ليس مثله
كمثل الضحك بدون سبب.. قلة أدب.. لهذا إذا باغتتكم نوبات بكاء مجهولة المصدر والسبب لا تنشغلوا
بالبحث عن سبب لها.. وابكوا.. فالبكاء يطهر الروح.. والآن.. وبنظرة صغيرة على الكوكب وعلى آخر
ما وصلت إليه علاقات قاراته ودوله وتكتلاته وأبناء الدولة الواحده فيه ببعضهم البعض يصبح الفعل الأمثل
الذى ينبغى علينا كبشر أن نمارسه هو تطهير أرواحنا.. والبكاء إحدى مراحل ذلك التطهير!
قبل أن يتهمنى أحدكم بإشاعة الطاقة السلبية عبر كل هذا الإمتعاض والزهق والقرف والملل وكل تلك المشاعر العوء
التى لو أخبرنى أحدكم أنه لا يشعر بها فلن أصدقه.. دعونى أدفع عن نفسى تلك التهمة الشنعاء وأخبركم
أن الأحداث على الكوكب هى التى تحتوى بداخلها على الطاقه السلبية ولست أنا المسؤول عنها..
وأن أولى خطوات الوصول إلى السلام النفسى هى مصارحة البنى آدم منا لنفسه بأن هناك
خللاً ما قد أصاب روحه – التى هى نفسها روح الكوكب – ينبغى عليه إصلاحه!
«إيه الفرق بين الحقيقة والخيال.. دى بتبدأ منين ودا بينتهى فين»؟!.. ها هو سؤال عبثى آخر مالوش إجابة
يباغت خلايا مخى المنهك من كثرة الأسئلة اللى مالهاش إجابة.. يطلقه «عزت العلايلى»
فى وجهى فى فيلم الإختيار.. وعلى الرغم من أن المشرحة مش ناقصة قتلا.. إلا أنه يكمل..
«على إيه دا كله.. نجرى من هنا لهنا.. نضحك لدا ودا.. نسافر لآخر الدنيا.. ومهما رحنا..
ما نقابلش غير نفسنا.. ألف وألف.. وما لاقيش فى النهاية غير نفسى.. الديكور بيتغير..
وأنا بافضل زى ما أنا.. باضحك مش عارف ليه.. باجرى مش عارف ليه..
عايز أكبر وأكبر وأكبر وأبقى مهم.. مش عارف على إيه.. إحنا كلنا بندوَّر على إيه»؟!
عودة إلى باص محمود درويش ومسافريه الذين لا شيء يعجبهم.. وسائقه العصبى الذى يصرخ فيهم..
«ها نحن اقتربنا من محطتنا الأخيرة.. فاستعدوا للنزول.. فيصرخون: نريد ما بعد المحطة..
فانطلق.. أما أنا فأقول.. أنزلنى هنا.. أنا مثلهم.. لا شيء يعجبنى.. ولكنى تعبت من السفر»!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى