عملية «مرسى»
الثلاثاء 21 أغسطس 2012, 21:55
محمود عبد الشكور
أعرف أنك تنتظر رأيًا قاطعا فى عملية مرسى التى أطاح فيها برموز المجلس العسكرى،
إليك يا سيدى هذا الرأى: لا يمكن أن أكون أبدًا ضد الإطاحة بمن حشروا أنفسهم فى السياسة،
وأداروا أسوأ مرحلة انتقالية لثورة فى التاريخ، ولكنى استقبلتُ قرارات مرسى أيضا بكثير من الاحتراس،
لأن الخلاص من العسكر، لا يعنى بالضرورة أننا حصلنا على الدولة المدنية المنشودة.
كان متوقعا أن يحدث الصدام بين مرسى والمجلس العسكرى، وقد حدث أولا، وبشكل عاصف،
بقرار الرئيس إعادة مجلس الشعب، كانت مشكلة هذا القرار فى أنه تصادم مع القضاء بصورة فجّة وخطيرة،
انسحب المجلس العسكرى من الصورة، وتورطت السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية.
العملية الأخيرة كانت أكثر تحديدًا فى هدفها، فقد جاءت بعد كارثة رفح التى أثبتت بشكل قاطع
أمرين فى منتهى الخطورة: الأول هو أن هناك حالة من التسيّب التى أتاحت للقتلة أن يرتكبوا جريمتهم
بصورة تعلن عن الاستخفاف قبل أن تعلن عن الإرهاب، والثانى هو أن المجلس العسكرى لم يستطع
أن يحقق الأمن لا فى شوارع مصر، ولا فى صحراء سيناء، مسؤولية هذا الفشل بوضوح
فى رقبة مَن كان يدير البلاد طوال الشهور السابقة على اختيار الرئيس.
بدا توقيت العملية مُبرَّرًا، دولة العواجيز ما زالت تمارس العجز، والفرصة مواتية للتخلص من أصحاب الإعلان
الدستورى المكمّل الذى جعل العسكر شركاء فى السلطة مع الرئيس، كان واضحا أن المركب سيغرق
إذا استمر على هذا النحو، وكان مؤكدا أن المواجهة قادمة، فلتكن الآن وفورا.
ولكن هناك سلاحين استخدمهما المجلس والرئيس مرسى على حد سواء، فى حربهما اعتبرتهما مدعاة للق
لق الشديد، الأول هو ارتداء قناع الدولة المدنية والدفاع عنها، والثانى هو استخدام خبراء القانون
فى تبرير وتمرير القرارات، هى فى الحقيقة معارك سياسية استُخدم فيها القانون.
المشكلة أن ما فعله المجلس العسكرى طوال الفترة الانتقالية يجعل من حكاية ادعاء الدفاع عن الدولة المدنية ضد الإخوان
موضع تساؤل ودهشة، فقد أديرت الأمور بطريقة جعلت مصر أقرب إلى الانفجار، تم مطاردة الثوار واتهامهم بالعمالة،
واعتقل المئات وحوكموا أمام محاكم عسكرية، ورفض المجلس تفكيك النظام القديم والحزب الوطنى
إلا بأحكام قضائية، واستمر الانفلات الأمنى طوال عام ونصف العام.
حتى فى شأن إنجاز الانتخابات البرلمانية، فقد شارك المجلس فى مهزلة الرضوخ لضغوط القوى السياسية
بأن تتم الانتخابات وفقًا لقانون معيب دستوريًّا، وفى الانتخابات الرئاسية، أعلن أحمد شفيق أنه «استشار»
المشير طنطاوى فوافقه على الفكرة، ثم جاء تأخُّر إعلان نتيجة سباق الرئاسة
وسط كلام صريح عن مساومات لن نعرف تفاصيلها إلا بعد عُمر طويل.
إما أن المجلس العسكرى لا يعرف الطريق إلى الدولة المدنية، وإما أنه لا يعرف تلك الدولة أصلا،
فهذا النوع من الإدارة العشوائية والفوضى السياسة كاد يقضى على الدولة نفسها بصرف النظر عن نوعها،
كدنا نقترب فى وقت من الأوقات من الحرب الأهلية، حدود الوطن أيضا أصبحت مهددة،
وما زالت، بسبب انشغال المجلس بأمور الداخل.
لذلك كله، فإن رهان بعض «المدنيين» على استخدام المجلس العسكرى لمواجهة الإخوان تحت لافتة
«الدفاع عن مدنية الدولة» كان نوعًا من الاستخفاف بالعقول، تحت هذه اللافتة أيضا صدر الإعلان الدستورى «الكمالة»،
الذى يمكن تلخيصه فى أن مصر أصبحت بموجبه وزارة للدفاع «طالع لها دولة».
على الجانب الآخر، فإن دفاع الرئيس مرسى عن الثورة، ومدنية الدولة، يجب أن يُقابَل أيضا بكثير من الاحتراس،
الرجل كان رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، وعضوًا فى جماعة الإخوان التى لعبت دورًا محوريًّا فى التمكين لإدارة العسكر
للفترة الانتقالية رغم كوارثهم، لعلك تتذكر أن أحد أهداف جمعة قندهار التى شارك فيها الإخوان،
هو دعم المجلس العسكرى فى مواجهة القوى الثورية المدنية، ولعلك تتذكر أن الدكتور الكتاتنى،
وكان وقتها رئيسًا لمجلس الشعب، رفض تسلم السلطة من «العسكرى» إذا أُجبر على تركها.
انظر حتى إلى تفاصيل عملية مرسى التى هى فى جوهرها نسف كامل للإعلان الدستورى الكمالة
الذى انتقدناه بشدة وقت صدوره، المشكلة أن مرسى حلف اليمين بناء على هذا الإعلان الذى قام بنسفه،
وكان ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، أى أنه قام بتطبيق كلاسيكى ومباشر للفكرة الإخوانية
المعروفة، التى تبدأ بالمهادنة حتى التمكين ثم الانقلاب بعد ذلك.
هذا هو الجانب المزعج فى عملية مرسى، فإذا كان الرئيس قد انقلب على إعلان حلف بموجبه اليمين كرئيس للجمهورية،
فما الذى يمنع أن ينقلب بنفس الطريقة مستقبلا على أى نصوص قانونية أو دستورية قادمة؟
إذا كان قد انقلب على العسكر بطريقة الالتفاف والتمكين، فكيف نطمئن إلى أنه لن ينقلب مستقبلا
على الديمقراطية ونصوص الدستور الجديد الذى سيُقسم الرئيس أيضًا على احترامه؟
لم يرفض الرئيس مرسى أن يحلف اليمين وفقًا لإعلان دستورى مكمّل يؤمن بأنه غير شرعى، اكتفى الإخوان
وقتها بإطلاق البالونات للاختبار، مع حركات إعلامية بتكرار حلف اليمين فى التحرير وفى جامعة القاهرة،
دون أن يلغى ذلك الحقيقة التاريخية بأن محمد مرسى حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية رضوخًا للإعلان المكمّل.
فى عُرف السياسة هذه الأمور جائزة، ولكنها ليست كذلك من زاوية الثورة، خصوصًا أن هناك أسئلة مشروعة
حول ما إذا كانت ذات الطريقة يمكن أن تستخدم مستقبلا فى التخلص من القوى الثورية نفسها.
فإذا أضفت إلى ذلك أن المشروع الإخوانى العالمى يبتعد بنا عن فكرة الدولة المدنية الحديثة، وأن الرئيس مرسى
سمع مَن يطالب بالخلافة فى مؤتمراته الانتخابية وصمت وربما صفق،
فإن الاحتراس ينقلب على الفور إلى شكوك وهواجس قوية ومعتبرة.
يمكن صياغة المشكلة فى هذا التساؤل الكبير: إذا كان التخلص من العسكر مرحلة أساسية فى الطريق إلى دولة مدنية،
فهل مشروع الإخوان وأساليبهم القافزة والصادمة والمتقلبة يمكن أن تحقق فعلا حلم الدولة المدنية؟
أقول بكل وضوح: إن الطريق ما زال شاقا وطويلا، ومن المبكر جدًا أن نحدد ما إذا كانت الإطاحة بالعسكر انتصارًا
للثورة وللإخوان معا، أم أنها انتصار للإخوان وللمتأسلمين فقط؟ لا بد من الحذر فى التحليل لأسباب كثيرة جدًا،
منها الغياب الكامل لتفاصيل تطور العلاقة بين العسكر والإخوان، ومنها التاريخ المتقلب للإخوان
من النقيض إلى النقيض، وكذلك بعض مؤشرات رغبتهم فى الهيمنة والانفراد بالسلطة.
صدّقنى، لا أريد أن أفسد فرحتك وفرحتى بالإطاحة بمن كانوا مسؤولين عن فشل المرحلة الانتقالية بسوء التقدير
والإدارة، ولكن تاريخ الثورات يعلِّمنا أن ننتظر قبل أن نقفز إلى نتائج حاسمة،
تصفية الخصوم تحت شعارات ثورية برّاقة من الأمور المألوفة تمامًا.
عملية «مرسى» هامّة جدا فى تفاصيلها وفى تداعياتها، سنراقب عن كثب عمليات الرئيس القادمة،
لن نتسرع فى الحكم، سنواصل أيضا البحث عن طريق ثالث فى الانتخابات البرلمانية القادمة
حتى تكون هناك شراكة متوازنة، وسيكون القول الفصل فى الدستور الذى سيحدد
ما إذا كانت عملية «مرسى» ضد العسكر فقط، أم أنها كانت بداية للتخلص من القوى الثورية.
انتصار الثورة المصرية لا يكون فقط بابتعادها عن خطر الدولة العسكرية، ولكن أيضا بزوال خطر الدولة الدينية.
ويظلّ الضمان الوحيد لحماية الثورة فى أنّ من هتفوا بسقوط حكم العسكر،
يجب أن يكونوا مستعدين دائمًا لكى يهتفوا، فى أى وقت، بسقوط حكم المرشد.
- أسامة مرسى نجل الرئيس السابق محمد مرسى فى تدوينةيهدد بمفاجأة خلال ساعات
- مرسى والمرزوقى يتمسكان باستكمال "الربيع العربى".. الرئيس التونسى يؤكد: الحواجز بيننا سقطت.. وسنكون دائماً سنداً لمصر.. و"مرسى" يرد: ثورتكم "الزهرة الأولى".. ولن نقبل بالتدخل العسكرى فى سوريا
- افضل سعر عملية التكميم
- عملية تكيس المبايض
- تكاليف عملية المياة البيضاء في مصر
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى