حق مراجعة الفقهاء والاختيار من أقوالهم .. د. سعد الدين هلالى
ليس كل اجتهاد للفقهاء حق مطلق؛ لأن كل ابن آدم خطاء والعصمة للأنبياء فقط،
وهذا ما جعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ينص على وجه التحذير لأمرائه
أن يزعموا معرفتهم لحكم الله، وأمرهم أن يعلنوا تواضعهم البشرى فى أن ما يستنبطونه
من النصوص الشرعية ما هو إلا حكم فقهى يقبل التعديل والتغيير، ويعطى لكل أحد حق مراجعتهم.
فأخرج مسلم عن بريدة أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يقول لأمرائه:
«وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله
ولكن أنزلهم على حكمك أنت فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا».
وقد ترجم الإمام الشافعى هذا المعنى فقهياً فى قوله عن نتائج اجتهاده:
«قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب».
وكأن الإسلام بهذا التأسيس يوجب على كل من آحاد المسلمين مراجعة شيخه ومفتيه،
وأن يسمع لكل الفتاوى الصادرة من أهل الاجتهاد فى المسألة ثم يختار من بينها
بحسب فطرته المكنونة فى أصل الخلقة كما أخرج أحمد بإسناد حسن عن
وابصة بن معبد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له:
«استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». وعلى المسلم أن لا يسمح لغيره
أن يشككه فى نفسه أو أن يتهمه بشذوذ فطرته وانحرافها فى الاختيار الفقهى
لأن المشكك يهدف إلى السيطرة على أخيه بأن يجعل فطرته وقناعته هادمة لفطرة أخيه
وقناعته، مع أن الله تعالى يحاسب كل إنسان على قدر ما آتاه من عقل وعلم وفطرة،
وليس على قدر عقل أخيه وعلمه وفطرته، قال تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»
(البقرة:286)، وقال تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها» (الطلاق:7).
وحتى لا يزايد عليك أحد فى الدين من أجل السيطرة على عقلك بزعم أنك غير مؤهل
لحسن الاختيار الفقهى فقد رفع الله تعالى إثم الخطأ عن كل البشر ومنحهم جميعاً
حق العفو الدينى عن أخطائهم غير المقصودة حتى ينتزعوا حريتهم ممن نصّبوا أنفسهم
أوصياء على الناس، كما قال تعالى: «وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم»
( الأحزاب:5)، وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن عباس
أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه».
من بين الأقوال الفقهية بأن لهم أجراً على اجتهادهم الخاطئ وأجرين على اجتهادهم الصائب،
وأخفى على الجميع نتيجة الاجتهاد فى الدنيا حتى لا يتعالى أحد على أحد فالكل فى خطر
بين الخطأ والصواب، فأخرج الشيخان عن عمرو بن العاص أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:
«إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا اجتهد ثم أخطأ فله أجر».
أما المقلد لشيخه بغير مراجعة أو المتبع لإمامه بغير اختيار فلا أجر له
وهو فاسق عاص عند أهل السنة والجماعة، ومخلد فى النار أو كافر عند أهل الاعتزال والأشعرية.
________________________________________________
[center][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
موقعى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [/center]