- ماما هنامشرفة عامة القسم الدينى و الأسرة
- عدد المساهمات : 9179
نقاط : 49036
تاريخ التسجيل : 21/04/2011
وهدوا إلى الطيب من القول (1)
الثلاثاء 14 أغسطس 2012, 02:56
وهدوا إلى الطيب من القول (1)
جمال نصار
أكدت العديد من الدراسات أن الكلمة الهادئة الطيبة هى مفتاح
الحل لكثير من الألغاز والمشاكل والأزمات البشرية على مستوى الأفراد
والمجتمعات، ففى عام 2010 أظهرت دراسة بريطانية أن الكلام الطيب والهادئ
أفضل مهدئ للآلام والأوجاع وأكثرها أماناً.
وإذا رجعنا إلى إسلامنا العظيم نجد أنه قد سبق كل هذه الأبحاث عندما
أكد قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام على فضل الكلمة الطيبة وأهميتها فى
الحياة، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى
السَّمَاءِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [إبراهيم26: 24].
نعم فكما أن الشجرة الطيبة تكون دائماً باسقة سامقة، وراسخة ثابتة،
ومثمرة ظليلة، ذات نفع كبير بثمرها وفيئها.. فكذلك الكلمة الطيبة عظيمة
النفع لقائلها وكل من يسمعه، وتكاد لا تُحصى فوائدها، ولا تنقطع ثمارها فى
الصدور التى تنشرح لها، والنفوس التى تبتهج بها، والقلوب التى تنفتح لها،
على العكس تماماً من الكلمة الخبيثة التى تلوث الأجواء، وتُفسد القلوب،
وتُغيِّر النفوس، وتبث جراثيم الحقد والبغضاء والكراهية، وتُثير الإحن
والضغائن والشحناء بين الناس، وتُوهِن أواصر الأخوة، وتُضعف روابط المحبة،
وتمزق وشائج الود بين الأهل وذوى القربى والأصدقاء والزملاء والجيران، وهى
لا قرار لها ولا بقاء، تماماً كالشجرة الخبيثة التى قد تنتعش وتهيج وترتفع
أغصانها وتتعالى وتتشابك، ويُخَيَّلُ إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجرة
الطيبة وأقوى، ولكن هذه الصورة المبهرة لتلك الشجرة الفاسدة صورة خدَّاعة
ومزيفة، ورغم أنها تبدو شجرة ضخمة فإنها فى الحقيقة نافشة وهشة.. أى مجرد
مظهر خادع مضلل، لكن تظل تلك الشجرة الخبيثة مزعزعة فى مهب الريح؛ فجذورها
سطحية جداً قريبة فى التربة، حتى كأنها فوق الأرض.. وما تلبث إلا فترة
يسيرة يكسوها هذا الزخم الكاذب، ثم تذبل وتسقط وتتهاوى، وتُجتث من فوق
الأرض، لأن لا رسوخ لها ولا ثبات ولا قرار.
ومن هنا نفهم حرص الإسلام البالغ على إشاعة الكلمة الطيبة، ونشر
ثقافة احترام الآخر، والتلطف معه، والحرص على مشاعره وأحاسيسه، والرفق به،
والمرونة فى التعامل معه.. وغير ذلك من مظاهر التراحم والتعاون والتفاهم
بين الناس، قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة: 83] وقال عز
من قائل: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ [النساء: 5] بل جعل الله
تبارك وتعالى الكلمة الطيبة السديدة سبباً من أسباب حفظ الذرية ووقايتهم من
المشاكل المختلفة، وحمايتهم من كل مكروه وسوء، قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
[النساء: 9]
ليس هذا فحسب بل جعل الإسلام القول السديد والكلم الطيب علامة
ودليلاً على التقوى وطاعة الله ورسوله، وسبباً لصلاح الأعمال، وغفران
الذنوب، والفوز بالجنة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: 70، 71].
ما أحوجنا فى هذه الأيام إلى الكلمة الطيبة فى بيوتنا وفى مدارسنا
وفى شوارعنا وفى كل معاملاتنا، حيث إنها للأسف أصبحت تتلاشى، وحلت محلها
الكلمة الخبيثة التى أصبحنا نسمعها فى كثير من مجالس الشباب وحتى فى كثير
من مجالس الكبار، فى البيت فى السيارة فى الشارع فى وقت الأزمة وعند حل
المشكلة تجد الكلمات الخبيثة التى تزيد من التفرقة وتزيد من الهوة بين
المتخاصمين. فالكلمة الطيبة تبقى ويبقى أثرها، والكلمة السيئة يذهب بها
الغضب، ويبقى أثرها فى النفس، والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن
من ملك لسانه ملك جميع أمره.
* رئيس منتدى السياسات والاستراتيجيات البديلة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى