- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:39
[size=16][size=16][size=21][size=16][size=21][size=16][size=16][size=21][size=16][size=21][size=12]بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
[size=16][size=16][size=21][size=16][size=21][size=16][size=16][size=21][size=16][size=21][size=12]الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
[size=16][size=16][size=21][/size][/size][/size]
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ... |
أشراط الساعة الصغرى والكبرى ...
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
إن الحديث عن أشراط الساعة جزء من الإيمان بالغيب الذي أُمرنا به، بل إن الحديث عنه مما يزيد الإيمان ويقوي اليقين.
اعلموا -رحمني الله وإياكم- بأن الساعة آتية لا ريب فيها، قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر]، وقال -جل وعز-: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [(1-3) سورة الأنبياء].
إن الساعة قريبة، لذا ينبغي التنبه إلى أن الباقي من الدنيا قليل بالنسبة إلى ما مضى منها؛ روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس))، {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا* وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [(6-7) سورة المعارج].
عن عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ...)) الخ الحديث. [رواه مسلم].
إن الله جلت حكمته، قد أخفى على كل أحد وقت قيام الساعة، وجعل ذلك من خصائص علمه لم يطلع عليها أحداً، لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [(187) سورة الأعراف]، ولكنه -سبحانه وتعالى- قد أعلمنا بأماراتها وعلاماتها وأشراطها؛ لنستعد لها، فهناك كثير من أشراط الساعة ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- تحذيراً لأمته، وقد ظهرت بعض هذه الأشراط، وهذه العلامات منذ عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وهي في ازدياد، وقد تكثر في أماكن دون بعض.
ومن هذه الأشراط، ما ظهر وانقضى، ومنها ما يزال يتتابع ويكثر، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به، ومنها ما لم يظهر إلى الآن ويكون قرب قيام الساعة، وتكون في أمور غير معتادة على الناس.
إليكم أيها الأحبة بعض أشراط الساعة الصغرى، مع بعض الوقفات اليسيرة مع بعضها، لعلها تعلم جاهلنا، وتذكر ناسينا، وتزيد المتذكر إيماناً مع إيمانه.
إن شاء الله ...
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:40
إن أول أشراط الساعة: بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
فهو النبي الخاتم، فليس بعده نبي آخر، وإنما يليه القيامة كما يلي السبابة الوسطى، وهذا هو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويشير بأصبعيه، فضم السبابة والوسطى. [رواه البخاري]، قال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [(40) سورة الأحزاب].
فهو النبي الخاتم، فليس بعده نبي آخر، وإنما يليه القيامة كما يلي السبابة الوسطى، وهذا هو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويشير بأصبعيه، فضم السبابة والوسطى. [رواه البخاري]، قال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [(40) سورة الأحزاب].
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:41
ومن أشراط الساعة: موت النبي -صلى الله عليه وسلم-
روى البخاري في صحيحه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((اعدُدْ ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس ثم..)) ذكر بقية الستة.
إن موت النبي -صلى الله عليه وسلم- علامة من علامات قرب الساعة، لقد كان موت النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم المصائب التي وقعت على المسلمين، فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة -رضي الله عنهم- عندما مات -عليه الصلاة والسلام-.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء فيها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأيدي، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا".
قال ابن حجر -رحمه الله-: "يريد أنهم وجدوها تغيّرت عمّا عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة؛ لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب".
بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع الوحي من السماء، وكما قال القرطبي: "أولُ أمر دهم الإسلام وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وكان موته أول انقطاع الخير وأول نقصانه.
روى البخاري في صحيحه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((اعدُدْ ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس ثم..)) ذكر بقية الستة.
إن موت النبي -صلى الله عليه وسلم- علامة من علامات قرب الساعة، لقد كان موت النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم المصائب التي وقعت على المسلمين، فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة -رضي الله عنهم- عندما مات -عليه الصلاة والسلام-.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء فيها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأيدي، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا".
قال ابن حجر -رحمه الله-: "يريد أنهم وجدوها تغيّرت عمّا عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة؛ لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب".
بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع الوحي من السماء، وكما قال القرطبي: "أولُ أمر دهم الإسلام وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وكان موته أول انقطاع الخير وأول نقصانه.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:43
ومن أشراط الساعة: أن يكثر المال في أيدي الناس،
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقومُ الساعة حتى يكثر فيكم المال، حتى يُهمّ رَبَّ المال أن يقبله منه صدقة، ويُدَعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه)).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه)).
لقد تحقق كثير مما أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكثر المال في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ بسبب الفتوحات الإسلامية، وبسبب الجهاد في سبيل الله، واقتسموا أموال الفرس والروم، ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-؛ بسبب بركة عدله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله؛ لأن عمرَ قد أغنى الناس عن السؤال.
وسيكثر المال في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله فيقول الذي يعرض عليه: لا أرب لي به، وهذا -والله أعلم- سيكون في زمن المهدي وعيسى -عليه السلام-؛ حيث ستخرج الأرض كنوزها فيكثر المال.
ولا مانع من أن يتخلل هذه الفترات، بعض فترات يسود الفقر والمجاعة بعض الأمة، كما هو حاصل الآن من وجود شعوب ومجتمعات من هذه الأمة تموت فقراً وجوعاً، ولا يكاد يسلم بلد من وجود محاويج لا يعلم بحالهم إلا الله.
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقومُ الساعة حتى يكثر فيكم المال، حتى يُهمّ رَبَّ المال أن يقبله منه صدقة، ويُدَعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه)).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه)).
لقد تحقق كثير مما أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكثر المال في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ بسبب الفتوحات الإسلامية، وبسبب الجهاد في سبيل الله، واقتسموا أموال الفرس والروم، ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-؛ بسبب بركة عدله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله؛ لأن عمرَ قد أغنى الناس عن السؤال.
وسيكثر المال في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله فيقول الذي يعرض عليه: لا أرب لي به، وهذا -والله أعلم- سيكون في زمن المهدي وعيسى -عليه السلام-؛ حيث ستخرج الأرض كنوزها فيكثر المال.
ولا مانع من أن يتخلل هذه الفترات، بعض فترات يسود الفقر والمجاعة بعض الأمة، كما هو حاصل الآن من وجود شعوب ومجتمعات من هذه الأمة تموت فقراً وجوعاً، ولا يكاد يسلم بلد من وجود محاويج لا يعلم بحالهم إلا الله.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:44
ومن أشراط الساعة: أن تقلِّد هذه الأمة أمم الكفر من اليهود والنصارى:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع))، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم، فقال: ((ومن الناس إلا أولئك)) [رواه البخاري].
وفي رواية: قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: ((فمن))؟
إن ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- واقِعٌ ومُشَاهد، فقد تشبه عدد غير قليل من المسلمين بالكفار، من شرقيين وغربيين، فتشبه رجالنا برجالهم، ونساؤنا بنسائهم، ويستحي الشخص أن يقول بأن بعض رجالنا تشبهوا بنسائهم وافتتنوا، حتى أدى الأمر بالبعض بأن خرجوا من الدين -والعياذ بالله-.
إن من عرف الإسلام الصحيح عرف ما وصل إليه حال المسلمين في الفترة الراهنة من بعدهم عن تعاليم الإسلام؛ بسبب تقليدهم للغرب الكافر، انحراف في العقائد، تحكيم للقوانين الوضعية، ابتعاد عن شريعة الله، تقليد للغرب في الملبس والمأكل والمشرب، وليس هناك أبلغ من وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه المحاكاة من قوله: ((شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)).
ماذا جنت الأمة وماذا استفادت عندما تمركنت وتفرنست وتغرّبت؟ ماذا جنينا سوى الذل والهوان ونهب للخيرات، وضرب فوق الرؤوس، والعيش كالعبيد، وبعد هذا كله، خسران الدين، وقبله كان خسران الدنيا؟!
كم نتمنى من أولئك الذين يستوردون للأمة من الغرب مساحيق التجميل، والأخلاق السيئة والعادات، أن يستوردوا النظم الإدارية الجيدة، وتنظيم الأعمال التقنية الحديثة، نظم المعلومات، أن يرتقوا بشعوبهم في هذه النواحي، تحديث في نظم المستشفيات المؤسسات المقاولات، التحديث في رصف الشوراع، في بناء المعاهد، الجامعات، المدارس.
كم هو المحزن عندما تجول العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، فترى التخلف في هذه النواحي والقصور، ثم في المقابل تشاهد أنصاف رجال يتسكعون كالنساء، مفتخرين أنهم تفرنجوا، وأصبحت حياتهم غربية، ويدعون للتغريب، إنها فتن -نسأل الله جل وتعالى- أن يخلص منها هذه الأمة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع))، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم، فقال: ((ومن الناس إلا أولئك)) [رواه البخاري].
وفي رواية: قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: ((فمن))؟
إن ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- واقِعٌ ومُشَاهد، فقد تشبه عدد غير قليل من المسلمين بالكفار، من شرقيين وغربيين، فتشبه رجالنا برجالهم، ونساؤنا بنسائهم، ويستحي الشخص أن يقول بأن بعض رجالنا تشبهوا بنسائهم وافتتنوا، حتى أدى الأمر بالبعض بأن خرجوا من الدين -والعياذ بالله-.
إن من عرف الإسلام الصحيح عرف ما وصل إليه حال المسلمين في الفترة الراهنة من بعدهم عن تعاليم الإسلام؛ بسبب تقليدهم للغرب الكافر، انحراف في العقائد، تحكيم للقوانين الوضعية، ابتعاد عن شريعة الله، تقليد للغرب في الملبس والمأكل والمشرب، وليس هناك أبلغ من وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه المحاكاة من قوله: ((شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)).
ماذا جنت الأمة وماذا استفادت عندما تمركنت وتفرنست وتغرّبت؟ ماذا جنينا سوى الذل والهوان ونهب للخيرات، وضرب فوق الرؤوس، والعيش كالعبيد، وبعد هذا كله، خسران الدين، وقبله كان خسران الدنيا؟!
كم نتمنى من أولئك الذين يستوردون للأمة من الغرب مساحيق التجميل، والأخلاق السيئة والعادات، أن يستوردوا النظم الإدارية الجيدة، وتنظيم الأعمال التقنية الحديثة، نظم المعلومات، أن يرتقوا بشعوبهم في هذه النواحي، تحديث في نظم المستشفيات المؤسسات المقاولات، التحديث في رصف الشوراع، في بناء المعاهد، الجامعات، المدارس.
كم هو المحزن عندما تجول العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، فترى التخلف في هذه النواحي والقصور، ثم في المقابل تشاهد أنصاف رجال يتسكعون كالنساء، مفتخرين أنهم تفرنجوا، وأصبحت حياتهم غربية، ويدعون للتغريب، إنها فتن -نسأل الله جل وتعالى- أن يخلص منها هذه الأمة.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:46
ومن أشراط الساعة: انتشار الأمن في بعض فترات الأمة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخافُ إلا ضلال الطريق)) [رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح]. وهذا قد وقع في زمن الصحابة -رضي الله عنهم- وذلك حينما عمّ الإسلام والعدل البلاد التي فتحها المسلمون، ووقع أيضاً في زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-؛ فإن الأمن مرتبط بالإسلام والعدل، فإذا رأيت الأمن قد عمّ البلاد فأعلم بأن راية الإسلام مرفوعة والعدل قائم.
وهذا يؤيده حديث عدّي -رضي الله عنه- في صحيح البخاري قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عدي، هل رأيت الحيرة))، قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار طيء –أي قطاع الطرق من قبيلة طيء– الذين قد سعروا البلاد؟
((ولئن طالت بك حياة لتُفتحنَّ كنوز كسرى))، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه))، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- يُخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه.
وسيتحقق هذا الأمن، وسينتشر في زمن المهدي في آخر الزمان، وفي زمن عيسى بن مريم -عليه السلام- بعدما ينزل؛ لأن زمنهما سيعم العدل مكان الجور والظلم، وسيملآن الدنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
ومن أشراط الساعة: قتال الترك:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوماً وجوههم كالمجان المِطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)).
وقد قاتل المسلمون الترك في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- وذلك في أول خلافة بني أمية، في عهد معاوية -رضي الله عنه- وقد كان عند بعض الصحابة تخوف من قتال الترك بعدما سمعوا حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم الحجف -وهو الترس- حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الأولى فينجون هرباً منهم، وأما الثانية، فيهلك بعضهم وينجو بعض، وأما الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم))، قالوا يا نبي الله، من هم؟ قال: ((هم الترك))، قال: ((أما والذي نفسي بيده، ليربِطُنّ خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين)) [رواه الإمام أحمد].
فبعدما سمع بريدة هذا الحديث كان لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية؛ للهرب من البلاء الذي سينزل بسبب أمراء الترك.
وقد دخل كثير من الترك في الإسلام، ووقع على أيدهم خير كثير للإسلام والمسلمين، وكونّوا دولة إسلامية قوية، عزّ بها الإسلام، وحصل في عهدهم كثير من الفتوحات العظيمة، منها فتح القسطنطينية -عاصمة الروم- وهذا مصداقٌ لما قاله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة عند البخاري، بعد ذكره -صلى الله عليه وسلم- لقتال الترك قال: ((وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخافُ إلا ضلال الطريق)) [رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح]. وهذا قد وقع في زمن الصحابة -رضي الله عنهم- وذلك حينما عمّ الإسلام والعدل البلاد التي فتحها المسلمون، ووقع أيضاً في زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-؛ فإن الأمن مرتبط بالإسلام والعدل، فإذا رأيت الأمن قد عمّ البلاد فأعلم بأن راية الإسلام مرفوعة والعدل قائم.
وهذا يؤيده حديث عدّي -رضي الله عنه- في صحيح البخاري قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عدي، هل رأيت الحيرة))، قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار طيء –أي قطاع الطرق من قبيلة طيء– الذين قد سعروا البلاد؟
((ولئن طالت بك حياة لتُفتحنَّ كنوز كسرى))، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه))، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- يُخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه.
وسيتحقق هذا الأمن، وسينتشر في زمن المهدي في آخر الزمان، وفي زمن عيسى بن مريم -عليه السلام- بعدما ينزل؛ لأن زمنهما سيعم العدل مكان الجور والظلم، وسيملآن الدنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
ومن أشراط الساعة: قتال الترك:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوماً وجوههم كالمجان المِطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)).
وقد قاتل المسلمون الترك في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- وذلك في أول خلافة بني أمية، في عهد معاوية -رضي الله عنه- وقد كان عند بعض الصحابة تخوف من قتال الترك بعدما سمعوا حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم الحجف -وهو الترس- حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الأولى فينجون هرباً منهم، وأما الثانية، فيهلك بعضهم وينجو بعض، وأما الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم))، قالوا يا نبي الله، من هم؟ قال: ((هم الترك))، قال: ((أما والذي نفسي بيده، ليربِطُنّ خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين)) [رواه الإمام أحمد].
فبعدما سمع بريدة هذا الحديث كان لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية؛ للهرب من البلاء الذي سينزل بسبب أمراء الترك.
وقد دخل كثير من الترك في الإسلام، ووقع على أيدهم خير كثير للإسلام والمسلمين، وكونّوا دولة إسلامية قوية، عزّ بها الإسلام، وحصل في عهدهم كثير من الفتوحات العظيمة، منها فتح القسطنطينية -عاصمة الروم- وهذا مصداقٌ لما قاله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة عند البخاري، بعد ذكره -صلى الله عليه وسلم- لقتال الترك قال: ((وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)).
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:50
ومن أشراط الساعة أيضاً: ضياع الأمانة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)) [رواه البخاري].
وبين -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث حذيفة: ((إن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وإنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً)).
إن من أشراط الساعة: أن الأمانة سترفع من القلوب، حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله، وضعف إيمانه، وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً؛ لأن القرين يقتدي بقرينه.
وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه ستكون هناك سنون خدّاعة، تنعكس فيها الأمور، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن.
ومن مظاهر تضييع الأمانة، إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها؛ لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم، وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم، فإذا ضيّع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس في الغالب تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضيع الأمانة، عمّ بذلك الفساد في المجتمعات.
ثم إن إسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بأمر الدين، حتى إنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه، والله المستعان.
ومن أشراط الساعة: قبض العلم وظهور الجهل:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)) [رواه البخاري ومسلم].
إن المراد بالعلم هنا علم الكتاب والسنة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء -عليهم السلام-، فبذهاب هذا العلم تموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل، أما علم الدنيا فإنه في ازدياد، وليس هو المراد في الأحاديث، ويكون قبض العلم إما بقبض العلماء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) [رواه البخاري].
وإما -وهذه صورة أخرى من صور قبض العلم- أن لا يَعمل العلماء بعلمهم، بمعنى غياب العلماء الحقيقيون الربانيون عن واقع الأمة.
ما الفائدة إذا كنت أحفظ المتون، وأحفظ الكتب والمجلدات، ثم لا أثر لي ولا ينتفع بيَ الناس؟
إن العلماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم، ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الهدى، ويُشاهدون في المواقف التي تحتاجهم الأمة؛ فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه، بل يكون وبالاً على صاحبه.
قال مؤرخ الإسلام -الإمام الذهبي -رحمه الله- عن طائفة من علماء عصره: "وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل".
هذا في عصر الذهبي، فما بالك بزماننا هذا؟ فإن العلماء الحقيقيون أعز وجودهم من الكبريت الأحمر، ولا يزال العلم ينقص والجهل يكثر، فكلما بعد الزمان من عهد النبوة قل العلم، حتى يأتي على الناس زمان لا يُعرف فرائض الإسلام، وهذا يكون قرب قيام الساعة كما في حديث حذيفة الذي أخرجه ابن ماجة بسند صحيح قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يُدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة يقولون: لا إله إلا الله فنحن نقولها)).
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله))، ومعنى هذا أن أحداً لا ينكر منكراً، ولا يزجر أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وذلك عندما يبقى عجاجةٌ من الناس لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان.
ومن أشراط الساعة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها: انتشار الربا -والعياذ بالله- بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((بين يدي الساعة يظهر الربا)) [رواه الطبراني].
وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بمَ أخذ المال، أمن حلال أم من حرام)).
إن الربا -ومع كل أسف- قد ضُرب بأطنابه، وغُرس بقوائمه في ديار المسلمين، مع أن دينهم يحرم عليهم الربا أشد تحريم، يكفيك في ذلك قول الله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) [متفق عليه].
إن الربا الذي قد انتشر في مجتمعات المسلمين اليوم لهو أحد الأسباب الذي أدى إلى فساد الصلات، وإفساد المكاسب والمطاعم والمشارب، وكل هذا سيؤدي إلى عدم نفع الأعمال وقبول الدعاء، والتأييد بالنصر على الأعداء، وبهذا عُلل وجود آية الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران].
بين عدد كثير من آيات الجهاد التي نزلت في غزوة أحد في سورة آل عمران إيماءً إلى أن من أسباب قبول الأعمال وحصول النصر تطهير الأموال التي تنفق في العبادات التي من أفضلها الجهاد في سبيل الله، فإذا أرادت الأمة قبول أعمالها، وحصول النصر على أعدائها، فعليها تطهير أموالها، ومحاربة الربا في بلادها، لا أن تكون هي جالبةً للذل والخزي بنفسها بسبب تعاملاتها الربوية خصوصاً عن طريق ما يسمى بالديون الخارجية.
لقد عصم المسلمون زماناً طويلاً في الماضي من وباء الربا، وحفظت أموال الأمة التي جعلها الله قياماً للمسلمين من أن يسيطر عليها المرابون الذين يأكلون ثروات الشعوب، ويدمرون اقتصادها، ووجد أولئك أن اعتصام المسلمين بدينهم وابتعادهم عن التعامل بالربا جدار صلب يقف في وجه مطامعهم الخبيثة إلى أن وجّه عباد الصليب تلك الهجمة الفكرية الشرسة على ديار المسلمين، وزرعوا ألغام بشرية في أرضها من جلدتها ويتكلمون بلغتها، إلا أنهم يحاربون دينها فكان من جملة ما فعلوا، إقصاء الشريعة عن الحكم، وإبعاد الدين عن الهيمنة على حياة الناس، وإفساد مناهج التعليم، وتربية رجال من هذه الأمة وفق مناهج الكفر، فقام أولئك الذين رضعوا فكر الغرب، وتغذوا بسمه الزعاف ينادون بأخذ كل ما عند الغرب، ولا شك بأنها دعوة صريحة للضلال والانسلاخ من القيم، فعمل الذين أضلهم الله على علم والذين اتبعوهم على إقرار الأنظمة الربوية، وإقامة المؤسسات والبنوك الربوية في ديار المسلمين، وظن بعض هؤلاء أنهم هدوا للطريق التي ترقى بها أمتهم، وها نحن اليوم نشاهد بأعيننا انتشار الربا في ديار المسلمين انتشار السرطان في الجسد، ولا زلنا نعاني من التخلف والقهر والاستعباد، ولا يزال أباطرة الربا يربضون على قلب الأمة الإسلامية في كل شبر من أراضيها، وكل هذا تحقيق لما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أشراط الساعة: كثرة الشرط وأعوان الظلمة:
روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال –أو قال–: يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه))، وفي رواية للطبراني في الكبير وسنده صحيح: ((سيكون في آخر الزمان شرطةٌ يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون من بطانتهم)).
وقد جاء الوعيد بالنار لهذا الصنف من الناس الذين يتسلطون على المسلمين بغير ذنب فعلوه ولا جرم ارتكبوه إلا أن يقولوا: ربنا الله.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس...)).
قال النووي -رحمه الله-: وهذا الحديث من معجزات النبوة؛ فقد وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- فأما أصحاب السياط، فهم غلمان والي الشرطة.
وعند مسلم –أيضاً- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: ((إن طالت بك مدة، أوشكت أن ترى قوماً يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، وفي أيديهم مثل أذناب البقر))
ومن أشراط الساعة: انتشار الزنا:
فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن فشو الزنا وكثرته بين الناس أن ذلك من أشراط الساعة، ثبت في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة -فذكر منها- ويظهر الزنا)).
وعند الحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سيأتي على الناس سنوات خدّاعات...)) فذكر الحديث وفيه: ((... وتشيع فيها الفاحشة)).
الزنا أيها الأحبة، من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، وقد قرنه الله بالشرك فقال: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [(3) سورة النــور]، ومع ما سينتشر، بل انتشر تحقيقاً لما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جريمة الزنا يبدد الأموال، وينتهك الأعراض، ويقتل الذرية ويهلك الحرث والنسل، عاره يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويهبط بالرجل العزيز إلى هاوية من الذل والحقارة والازدراء، هاوية ما لها من قرار، ينـزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع.
إن الزنا يجمع خصال الشر كلها من الغدر والكذب والخيانة. إنه ينـزع الحياء ويذهب الورع ويزيل المروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب الرب، إنه إذا انتشر أفسد نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة الحرمات، والحفاظ على روابط الأسر، وتماسك المجتمعات.
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن المجتمع كله يصيبه الأمراض والأوجاع بسبب انتشار الزنا، يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن -وذكر منها-: ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)).
سؤال يرد: ما ذنب المجتمع في أن ينتشر فيه الأمراض؟.
ذنبه أنه لم يقاوم تيار الفساد، ولم يقاوم الأسباب التي تؤدي إلى انشار الزنا في البلد، ذنبه أنه لم يأمر بالمعروف ولم ينهى عن المنكر، ذنبه أنه يساعد تيار الفساد في التمدد، ويقاوم تيار الخير من أن ينتشر، فكان ذنب هذا المجتمع أن يذوق مرارة الوجع مع الزناة والزواني الذين أصابهم الزهري والسيلان والإيدز.
إذا أردنا حماية أنفسنا من أوجاع الزنا، وأردنا حماية أولادنا وبناتنا من الوقوع في هذه الرذيلة، فعلينا بذل كل سبب في الوقوع أمام هذا التيار من خلال:
أولاً: ما يحصل في الأسواق، وبالأخص في المجمعات التجارية من التبرج والسفور والميوعة، سواءً من الأجنبيات أو من بنات البلد؛ فإن هذا يزيد من ارتفاع نسبة الزنا.
ثانياً: ما يعرض في وسائل الإعلام من أغانٍ ماجنة، وصور فاضحة، وقصص ساقطة، وأفلام هابطة، مما يحرك ويثير شهوة الكبير المتزوج، فكيف بالشاب المراهق، والبنت المراهقة؟
فكل من يتساهل في أن يُعرض أو يُسمع شيء من هذا في بيته، ثم يقع أحد أولاده في الانحراف، فإنه يتحمل وزره يوم القيامة أمام الله -عز وجل-.
ثالثاً: إسكات هذه الأبواق العلمانية المضللة التي تسعى في نشر هذا السقوط الاجتماعي، إما بكتابة مقالات في جرائد ومجلات، أو نظم قصائد غرامية، وكلمات عشق وغرام ونشرها هنا وهناك، أو بأية طريقة أخرى يحاولون من خلاله نشر سمومهم وأفكارهم، هذا التيار يسعى جاهداً بكل ما أُوتي من حيلة ووسيلة إلى تغريب حياة الناس، وجعل الواقع يشابه الواقع الغربي المنحل في كل شيء، فلا بد علينا جميعاً من فضح هؤلاء ومقاومة شرهم بنشر الخير، ورد أفكارهم بالحجة والبرهان والمحاضرات، وإلا لو ترك لهم المجال ونشروا نتنهم أصابنا جميعاً ذلك الوجع.
"أنهلك وفينا الصالحون؟"، قال: ((نعم إذا كثر الخبث))، والخبث والله قد كثر، وبوادر الانحلال قد لاح، ولا داعي أن نضع رؤوسنا في التراب، فلنكن صرحاء.
هذه المشاكل وهذه القضايا التي نسمعها جميعاً، كل يوم عشرات القضايا وعشرات الجرائم في الأسواق، وحول المدارس والمعاهد والكليات، والشقق المفروشة وشواطئ البحر، بكل صراحة، هؤلاء أولاد من؟ هل هم أولاد الجن، أم أنهم أولادنا وبناتنا؟ هذه القصص التي تصل لمراكز الهيئات يومياً بالأكوام من المجمعات التجارية من الذي يمارسها؟ أولاد كوكب آخر؟! فلماذا التغافل؟ ولماذا دس الرؤوس؟ ولماذا الثقة المفرطة والاطمئنان الزائد، وكأن أولادنا أولاد الصحابة؟
كلنا يعرف بأن الشهوة لو تحركت فإنها لا تعرف التوسط والاعتدال، حتى تخرج في سبيلها، فاتقوا الله يا أولياء الأمور في الأولاد والبنات؛ فإن عذاب الدنيا لا يقارن بعذاب الآخرة قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [(32) سورة الإسراء].
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور ستقع بانتشار الزنا، فوالله إن لم ننتبه سيدركنا، يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أبي هريرة عند أبي يعلى قال: ((والذي نفسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذٍ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط)). قال القرطبي -رحمه الله-: "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان".
رحم الله القرطبي وأسكنه فسيح جناته، إذا كان هذا قد وقع في زمنه، وقد توفي في القرن السابع، فكيف لو رآى زماننا هذا الذي قد اختلط فيه الحابل بالنابل، وأصبحت قلة الحياء شعار أسر كاملة وعوائل معروفة، كانت معروفة إلى سنوات قريبة بالستر والعفاف؟ فنسأل الله -جل وتعالى- أن يدركنا برحمته، فإن واقعنا ينذر بشر عظيم، نسأله العفو والعافية إنه سميع الدعاء.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)) [رواه البخاري].
وبين -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث حذيفة: ((إن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وإنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً)).
إن من أشراط الساعة: أن الأمانة سترفع من القلوب، حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله، وضعف إيمانه، وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً؛ لأن القرين يقتدي بقرينه.
وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه ستكون هناك سنون خدّاعة، تنعكس فيها الأمور، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن.
ومن مظاهر تضييع الأمانة، إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها؛ لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم، وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم، فإذا ضيّع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس في الغالب تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضيع الأمانة، عمّ بذلك الفساد في المجتمعات.
ثم إن إسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بأمر الدين، حتى إنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه، والله المستعان.
ومن أشراط الساعة: قبض العلم وظهور الجهل:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)) [رواه البخاري ومسلم].
إن المراد بالعلم هنا علم الكتاب والسنة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء -عليهم السلام-، فبذهاب هذا العلم تموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل، أما علم الدنيا فإنه في ازدياد، وليس هو المراد في الأحاديث، ويكون قبض العلم إما بقبض العلماء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) [رواه البخاري].
وإما -وهذه صورة أخرى من صور قبض العلم- أن لا يَعمل العلماء بعلمهم، بمعنى غياب العلماء الحقيقيون الربانيون عن واقع الأمة.
ما الفائدة إذا كنت أحفظ المتون، وأحفظ الكتب والمجلدات، ثم لا أثر لي ولا ينتفع بيَ الناس؟
إن العلماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم، ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الهدى، ويُشاهدون في المواقف التي تحتاجهم الأمة؛ فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه، بل يكون وبالاً على صاحبه.
قال مؤرخ الإسلام -الإمام الذهبي -رحمه الله- عن طائفة من علماء عصره: "وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل".
هذا في عصر الذهبي، فما بالك بزماننا هذا؟ فإن العلماء الحقيقيون أعز وجودهم من الكبريت الأحمر، ولا يزال العلم ينقص والجهل يكثر، فكلما بعد الزمان من عهد النبوة قل العلم، حتى يأتي على الناس زمان لا يُعرف فرائض الإسلام، وهذا يكون قرب قيام الساعة كما في حديث حذيفة الذي أخرجه ابن ماجة بسند صحيح قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يُدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة يقولون: لا إله إلا الله فنحن نقولها)).
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله))، ومعنى هذا أن أحداً لا ينكر منكراً، ولا يزجر أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وذلك عندما يبقى عجاجةٌ من الناس لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان.
ومن أشراط الساعة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها: انتشار الربا -والعياذ بالله- بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((بين يدي الساعة يظهر الربا)) [رواه الطبراني].
وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بمَ أخذ المال، أمن حلال أم من حرام)).
إن الربا -ومع كل أسف- قد ضُرب بأطنابه، وغُرس بقوائمه في ديار المسلمين، مع أن دينهم يحرم عليهم الربا أشد تحريم، يكفيك في ذلك قول الله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) [متفق عليه].
إن الربا الذي قد انتشر في مجتمعات المسلمين اليوم لهو أحد الأسباب الذي أدى إلى فساد الصلات، وإفساد المكاسب والمطاعم والمشارب، وكل هذا سيؤدي إلى عدم نفع الأعمال وقبول الدعاء، والتأييد بالنصر على الأعداء، وبهذا عُلل وجود آية الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران].
بين عدد كثير من آيات الجهاد التي نزلت في غزوة أحد في سورة آل عمران إيماءً إلى أن من أسباب قبول الأعمال وحصول النصر تطهير الأموال التي تنفق في العبادات التي من أفضلها الجهاد في سبيل الله، فإذا أرادت الأمة قبول أعمالها، وحصول النصر على أعدائها، فعليها تطهير أموالها، ومحاربة الربا في بلادها، لا أن تكون هي جالبةً للذل والخزي بنفسها بسبب تعاملاتها الربوية خصوصاً عن طريق ما يسمى بالديون الخارجية.
لقد عصم المسلمون زماناً طويلاً في الماضي من وباء الربا، وحفظت أموال الأمة التي جعلها الله قياماً للمسلمين من أن يسيطر عليها المرابون الذين يأكلون ثروات الشعوب، ويدمرون اقتصادها، ووجد أولئك أن اعتصام المسلمين بدينهم وابتعادهم عن التعامل بالربا جدار صلب يقف في وجه مطامعهم الخبيثة إلى أن وجّه عباد الصليب تلك الهجمة الفكرية الشرسة على ديار المسلمين، وزرعوا ألغام بشرية في أرضها من جلدتها ويتكلمون بلغتها، إلا أنهم يحاربون دينها فكان من جملة ما فعلوا، إقصاء الشريعة عن الحكم، وإبعاد الدين عن الهيمنة على حياة الناس، وإفساد مناهج التعليم، وتربية رجال من هذه الأمة وفق مناهج الكفر، فقام أولئك الذين رضعوا فكر الغرب، وتغذوا بسمه الزعاف ينادون بأخذ كل ما عند الغرب، ولا شك بأنها دعوة صريحة للضلال والانسلاخ من القيم، فعمل الذين أضلهم الله على علم والذين اتبعوهم على إقرار الأنظمة الربوية، وإقامة المؤسسات والبنوك الربوية في ديار المسلمين، وظن بعض هؤلاء أنهم هدوا للطريق التي ترقى بها أمتهم، وها نحن اليوم نشاهد بأعيننا انتشار الربا في ديار المسلمين انتشار السرطان في الجسد، ولا زلنا نعاني من التخلف والقهر والاستعباد، ولا يزال أباطرة الربا يربضون على قلب الأمة الإسلامية في كل شبر من أراضيها، وكل هذا تحقيق لما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أشراط الساعة: كثرة الشرط وأعوان الظلمة:
روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال –أو قال–: يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه))، وفي رواية للطبراني في الكبير وسنده صحيح: ((سيكون في آخر الزمان شرطةٌ يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون من بطانتهم)).
وقد جاء الوعيد بالنار لهذا الصنف من الناس الذين يتسلطون على المسلمين بغير ذنب فعلوه ولا جرم ارتكبوه إلا أن يقولوا: ربنا الله.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس...)).
قال النووي -رحمه الله-: وهذا الحديث من معجزات النبوة؛ فقد وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- فأما أصحاب السياط، فهم غلمان والي الشرطة.
وعند مسلم –أيضاً- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: ((إن طالت بك مدة، أوشكت أن ترى قوماً يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، وفي أيديهم مثل أذناب البقر))
ومن أشراط الساعة: انتشار الزنا:
فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن فشو الزنا وكثرته بين الناس أن ذلك من أشراط الساعة، ثبت في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة -فذكر منها- ويظهر الزنا)).
وعند الحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سيأتي على الناس سنوات خدّاعات...)) فذكر الحديث وفيه: ((... وتشيع فيها الفاحشة)).
الزنا أيها الأحبة، من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، وقد قرنه الله بالشرك فقال: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [(3) سورة النــور]، ومع ما سينتشر، بل انتشر تحقيقاً لما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جريمة الزنا يبدد الأموال، وينتهك الأعراض، ويقتل الذرية ويهلك الحرث والنسل، عاره يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويهبط بالرجل العزيز إلى هاوية من الذل والحقارة والازدراء، هاوية ما لها من قرار، ينـزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع.
إن الزنا يجمع خصال الشر كلها من الغدر والكذب والخيانة. إنه ينـزع الحياء ويذهب الورع ويزيل المروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب الرب، إنه إذا انتشر أفسد نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة الحرمات، والحفاظ على روابط الأسر، وتماسك المجتمعات.
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن المجتمع كله يصيبه الأمراض والأوجاع بسبب انتشار الزنا، يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن -وذكر منها-: ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)).
سؤال يرد: ما ذنب المجتمع في أن ينتشر فيه الأمراض؟.
ذنبه أنه لم يقاوم تيار الفساد، ولم يقاوم الأسباب التي تؤدي إلى انشار الزنا في البلد، ذنبه أنه لم يأمر بالمعروف ولم ينهى عن المنكر، ذنبه أنه يساعد تيار الفساد في التمدد، ويقاوم تيار الخير من أن ينتشر، فكان ذنب هذا المجتمع أن يذوق مرارة الوجع مع الزناة والزواني الذين أصابهم الزهري والسيلان والإيدز.
إذا أردنا حماية أنفسنا من أوجاع الزنا، وأردنا حماية أولادنا وبناتنا من الوقوع في هذه الرذيلة، فعلينا بذل كل سبب في الوقوع أمام هذا التيار من خلال:
أولاً: ما يحصل في الأسواق، وبالأخص في المجمعات التجارية من التبرج والسفور والميوعة، سواءً من الأجنبيات أو من بنات البلد؛ فإن هذا يزيد من ارتفاع نسبة الزنا.
ثانياً: ما يعرض في وسائل الإعلام من أغانٍ ماجنة، وصور فاضحة، وقصص ساقطة، وأفلام هابطة، مما يحرك ويثير شهوة الكبير المتزوج، فكيف بالشاب المراهق، والبنت المراهقة؟
فكل من يتساهل في أن يُعرض أو يُسمع شيء من هذا في بيته، ثم يقع أحد أولاده في الانحراف، فإنه يتحمل وزره يوم القيامة أمام الله -عز وجل-.
ثالثاً: إسكات هذه الأبواق العلمانية المضللة التي تسعى في نشر هذا السقوط الاجتماعي، إما بكتابة مقالات في جرائد ومجلات، أو نظم قصائد غرامية، وكلمات عشق وغرام ونشرها هنا وهناك، أو بأية طريقة أخرى يحاولون من خلاله نشر سمومهم وأفكارهم، هذا التيار يسعى جاهداً بكل ما أُوتي من حيلة ووسيلة إلى تغريب حياة الناس، وجعل الواقع يشابه الواقع الغربي المنحل في كل شيء، فلا بد علينا جميعاً من فضح هؤلاء ومقاومة شرهم بنشر الخير، ورد أفكارهم بالحجة والبرهان والمحاضرات، وإلا لو ترك لهم المجال ونشروا نتنهم أصابنا جميعاً ذلك الوجع.
"أنهلك وفينا الصالحون؟"، قال: ((نعم إذا كثر الخبث))، والخبث والله قد كثر، وبوادر الانحلال قد لاح، ولا داعي أن نضع رؤوسنا في التراب، فلنكن صرحاء.
هذه المشاكل وهذه القضايا التي نسمعها جميعاً، كل يوم عشرات القضايا وعشرات الجرائم في الأسواق، وحول المدارس والمعاهد والكليات، والشقق المفروشة وشواطئ البحر، بكل صراحة، هؤلاء أولاد من؟ هل هم أولاد الجن، أم أنهم أولادنا وبناتنا؟ هذه القصص التي تصل لمراكز الهيئات يومياً بالأكوام من المجمعات التجارية من الذي يمارسها؟ أولاد كوكب آخر؟! فلماذا التغافل؟ ولماذا دس الرؤوس؟ ولماذا الثقة المفرطة والاطمئنان الزائد، وكأن أولادنا أولاد الصحابة؟
كلنا يعرف بأن الشهوة لو تحركت فإنها لا تعرف التوسط والاعتدال، حتى تخرج في سبيلها، فاتقوا الله يا أولياء الأمور في الأولاد والبنات؛ فإن عذاب الدنيا لا يقارن بعذاب الآخرة قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [(32) سورة الإسراء].
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور ستقع بانتشار الزنا، فوالله إن لم ننتبه سيدركنا، يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أبي هريرة عند أبي يعلى قال: ((والذي نفسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذٍ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط)). قال القرطبي -رحمه الله-: "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان".
رحم الله القرطبي وأسكنه فسيح جناته، إذا كان هذا قد وقع في زمنه، وقد توفي في القرن السابع، فكيف لو رآى زماننا هذا الذي قد اختلط فيه الحابل بالنابل، وأصبحت قلة الحياء شعار أسر كاملة وعوائل معروفة، كانت معروفة إلى سنوات قريبة بالستر والعفاف؟ فنسأل الله -جل وتعالى- أن يدركنا برحمته، فإن واقعنا ينذر بشر عظيم، نسأله العفو والعافية إنه سميع الدعاء.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:52
ومن أشراط الساعة والتي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنها ستكثر وتنتشر، بل ويستحلّها الناس: ظهور المعازف وأصوات الموسيقى والغناء وانتشارها بين الناس:
عن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ))، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهرت المعازف والقينات)) [رواه ابن ماجة وسنده صحيح]، وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن وفي هذا الوقت أكثر ظهوراً وأعظم انتشاراً، فقد ابتلي كثير من المسلمين بالمعازف، وأشربت قلوبهم حب الغناء وسماع الموسيقى، وارتفعت أصوات المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات في كل مكان، وتساهل الناس في هذا الأمر، وصار سماع الغناء جزء من حياتهم، ولا يُنكر ارتفاعه في الأسواق والأماكن العامة، وامتلأت بها البيوت، وكل هذا مؤذن بشر والله المستعان؛ فقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك بالمسخ والقذف والخسف، كما في الحديث السابق، بل والأعظم من هذا إذا استحلّ الناس الغناء والمعازف، وفعلاً فقد استحلها كثير من الناس ويستغرب إذا قلتَ له بأن سماع الموسيقى والغناء حرام، فهؤلاء عقوبتهم كما ثبت في البخاري أنهم يمسخون قردة وخنازير إلى يوم القيامة، فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [رواه البخاري].
إن المتأمل لواقع الناس اليوم يرى أن هذه الأمة إن لم يتداركها الله برحمته فإنها مقبلة على فتن عظيمة، لقد أحب الناس اللهو والعبث والمرح، نزعت الجدية من حياتهم، نسوا أننا أمة مجاهدة، أمة صاحبة رسالة، تكالب علينا الأعداء من كل جانب، نهبت أموالنا، اغتصبت أراضينا، سرقت خيرات الأمة، ومازلنا نرقص ونغني، تعجب أحياناً من رجل كبير في السن يتمايل مع أصوات المعازف، فكيف بالشاب المراهق.
إن مما عوّد الناس على سماع الغناء، وجعلها عادية في حياتهم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وزاد الطين بِلةً دخول الدشوش في البيوت، وهذا شر عظيم، وجرم كبير، يرتكبه رب الأسرة في حق أولاده؛ لأنها دعوة صريحة إلى الفواحش، محطات كاملة، تبث وعلى مدى 24 ساعة، خصصت فقط للرقص والغناء، بشكل فاضح ساقط، والبنت تنظر وتسمع، والولد والزوجة والبيت كله يتربى على هذا، ألا تظنون أننا لا نحاسب حساباً عسيراً على هذا؟ والله سنحاسب، فليعد كل من نال شيئاً من هذا جواباً عندما يوقف ويُسأل أمام رب العالمين.
عن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ))، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهرت المعازف والقينات)) [رواه ابن ماجة وسنده صحيح]، وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن وفي هذا الوقت أكثر ظهوراً وأعظم انتشاراً، فقد ابتلي كثير من المسلمين بالمعازف، وأشربت قلوبهم حب الغناء وسماع الموسيقى، وارتفعت أصوات المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات في كل مكان، وتساهل الناس في هذا الأمر، وصار سماع الغناء جزء من حياتهم، ولا يُنكر ارتفاعه في الأسواق والأماكن العامة، وامتلأت بها البيوت، وكل هذا مؤذن بشر والله المستعان؛ فقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك بالمسخ والقذف والخسف، كما في الحديث السابق، بل والأعظم من هذا إذا استحلّ الناس الغناء والمعازف، وفعلاً فقد استحلها كثير من الناس ويستغرب إذا قلتَ له بأن سماع الموسيقى والغناء حرام، فهؤلاء عقوبتهم كما ثبت في البخاري أنهم يمسخون قردة وخنازير إلى يوم القيامة، فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [رواه البخاري].
إن المتأمل لواقع الناس اليوم يرى أن هذه الأمة إن لم يتداركها الله برحمته فإنها مقبلة على فتن عظيمة، لقد أحب الناس اللهو والعبث والمرح، نزعت الجدية من حياتهم، نسوا أننا أمة مجاهدة، أمة صاحبة رسالة، تكالب علينا الأعداء من كل جانب، نهبت أموالنا، اغتصبت أراضينا، سرقت خيرات الأمة، ومازلنا نرقص ونغني، تعجب أحياناً من رجل كبير في السن يتمايل مع أصوات المعازف، فكيف بالشاب المراهق.
إن مما عوّد الناس على سماع الغناء، وجعلها عادية في حياتهم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وزاد الطين بِلةً دخول الدشوش في البيوت، وهذا شر عظيم، وجرم كبير، يرتكبه رب الأسرة في حق أولاده؛ لأنها دعوة صريحة إلى الفواحش، محطات كاملة، تبث وعلى مدى 24 ساعة، خصصت فقط للرقص والغناء، بشكل فاضح ساقط، والبنت تنظر وتسمع، والولد والزوجة والبيت كله يتربى على هذا، ألا تظنون أننا لا نحاسب حساباً عسيراً على هذا؟ والله سنحاسب، فليعد كل من نال شيئاً من هذا جواباً عندما يوقف ويُسأل أمام رب العالمين.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 18:59
ومن أشراط الساعة: انتشار وكثرة شرب الخمر في هذه الأمة:
والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، نعم، ولا غرابة أن يستحل بعض هذه الأمة ما حرم الله، روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أشراط الساعة.. -وذكر منها-: ((ويشرب الخمر)).
وعند الإمام أحمد وابن ماجه عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه)).
لقد ابتلي عدد غير قليل من المسلمين بشرب الخمر -والعياذ بالله- وابتلي به أكثر أصحاب الأموال والترف، وأصحاب الوجاهات، لأسباب منها: أن الحصول عليه يحتاج إلى ميزانية؛ لارتفاع سعره، وهذا ما لا يتمكن منه الفقير الفاسق.
ومنها: أن هذه الطبقة من المجتمع -تقليداً لأشباههم الكفار الغربيين- يعتبرونه من مكملات الوجاهة ومن متممات البروتوكولات –زعموا– لكن مع ذلك الفرق كبير بين المُقلِدّ والمُقَلَّد، فالكفار مع كفرهم، لكنهم أعقل ممن قلدوهم من المسلمين في تناول الخمر، يذهبون عقولهم لكن بقدر معقول، وفي أوقات محددة، وبعضهم تحت إشراف طبيب، أما أصحاب الترف وأصحاب الملذات واللعب من هذه الأمة -مع كونهم مسلمين، ومع أنهم يعلمون حرمته- لكنهم يُذهبون عقولهم بشكل غير طبيعي، فقد يبقى الشخص بالأربع والخمسة أيام فاقداً للوعي، لا يترك لنفسه فرصة ولا دقيقة واحدة ليعود إليه عقله.
لقد كثر الخمارون في أوساط الناس، وكثر أيضاً الخمارات، وكل هذا تحقيقاً لما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أما كثرة الخمارين، فإن الواقع يشهد لذلك قبيل سنوات، كان المبتلى بالخمر لا أحد يعرف عنه؛ يتستر حتى من أهل بيته، أما الآن، فلكثرة البلوى به أصبح عند الناس تبلد إحساس وعدم اكتراث بهذا الأمر، فلا يبالي إذا عرف الناس عنه أنه يتعاطى المسكرات؛ ذهب الحياء حتى من الناس، أصبحنا نسمع في واقعنا -وكأن الأمر عادي جداً- فلان أتانا وهو سكران، فلان يشرب في بيته، فلان.. وهكذا، وكأن الأمر لا شيء، أما كثرة الخمارات فلو اتيحت لك فرصة أن تجلس لبضع دقائق مع أحد أعضاء الهيئات، ليعطيك بعض أخبار مصانع الخمور التي تكتشف فأظنك لا تصدق العدد في البلد الواحد، ليس بالآحاد، بل بالعشرات وربما أكثر، مصانع داخلية في الشقق والبيوت، وأكثر البلوى والمصائب -كما بلغنا- أنها من العمالة الأجنبية، فهم سبب لكثير من المفاسد في المجتمع، يجتمع العشرة -وربما أكثر- في الشقة الواحدة، وليس بينهم متزوج، ومع غياب متابعة الكفيل، يفعلون كل شيء، فيفتحون لهم مصنعاً، وأحياناً يكون السبب هو الكفيل نفسه إذا أخرّ رواتبهم وهم بحاجة إلى المال، فماذا يفعلون؟ فيغريهم الشيطان إلى مثل هذه الطرق، لكن المصيبة على من يبيعون؟ على أولاد المسلمين ممن يتوفر في أيديهم المال، فلننتبه جميعاً، الأب يتابع ولده، والكفيل يتابع مكفوله، وكلنا نكون رجال هيئة، نتعاون مع الأعضاء الرسميين؛ لنخفف الشر المنتشر في كل مكان.
لقد تحقق وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في انتشار الخمر، وليس أعظم انتشاراً أن تباع جهاراً ونهاراً، وتشرب علانية في بعض البلدان الإسلامية، وتحت غطاء رسمي يَحمي ذلك كله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من كان يتصور أن يصل الحال بالمسلمين أن يرضوا ببيع الخمر في بلادهم، الكفار نقول: حكوماتهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن العجب فيمن يدعي الإسلام، ثم يرضى ببيع الخمر بين المسلمين، إن كان استحلالاً، فإن من استحل الخمر فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل كافراً مرتداً، تضرب عنقه، ثم لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يرمس بثيابه في حفرة بعيدة؛ لئلا يتأذى المسلمون برائحته وأقاربه بمشاهدته، ولا يرث أقاربه من ماله، وإنما يصرف ماله في مصالح المسلمين، ولا يدعى له بالرحمة، ولا النجاة من النار؛ لأنه كافر مخلد في نار جهنم، {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا* يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [(64-66) سورة الأحزاب]. هذا المستحل، أما غير المستحل فهو عاص لله، فاسق خارج عن طاعته، مستحق للعقوبة، وعقوبته في الدنيا الجلد.
وقد كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن من تكرر منه شرب الخمر فإنه يقتل في الرابعة عند الحاجة إليه، إذا لم ينته الناس بدون القتل، وهذا والله عين الفقه؛ فإن الصائل على الأموال إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، فما بالكم بالصائل على أخلاق المجتمع وصلاحه وفلاحه؛ لأن ضرر الخمر لا يقتصر على صاحبه، بل يتعداه إلى نسله ومجتمعه.
ومن أشراط الساعة: زخرفة المساجد والتباهي بها:
عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أشراط الساعة أن يتباهى الناس بالمساجد)) [رواه النسائي وابن خزيمة بسند صحيح]. وعند الإمام أحمد: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)).
زخرفة المساجد هو نقشها، وعلة النهي -والله أعلم- أن ذلك علامة الترف والتبذير والإسراف، إضافة إلى أنه يشغل الناس عن صلاتهم، أضف إلى ذلك قول ابن عباس -كما في صحيح البخاري- أنه من عمل اليهود والنصارى: "لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى"، لهذا ولغيره ورد النهي.
لمّا أمر عمر بن الخطاب بتجديد المسجد النبوي على عهده نهى عن الزخرفة وأكد على ذلك فقال: "أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس"، رحم الله الفاروق عمر، فإن من أتوا بعده لم يأخذوا بوصيته، ولم يقتصروا على التحمير والتصفير، بل تعدوا ذلك إلى النقش كما ينقش الثوب.
إن التباهي في بناء المساجد صار أمراً ظاهراً لكل أحد، ومنذ القديم والسلاطين والملوك والخلفاء، يتباهون في بناء المساجد وتزويقها وزخرفتها، حتى أتوا وعلى مر التاريخ بالعجب، ولا زالت بعض هذه المساجد قائمة حتى الآن في الشام ومصر وتركيا، وبلاد المغرب والأندلس والهند، وغيرها، ولا تزال هذه العادة مستمرة إلى يومنا هذا.
إن عمارة بيوت الله -جل وتعالى- إنما تكون بالطاعة والذكر والصلاة، وتحقيق ما وُجدت المساجد في هذا الدين من أجله، يكفي في المسجد أن يقي الناس الحر والبرد والمطر.
إن مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في وقته من جريد النخل، لكنه كان مكاناً للصلاة والذكر، وكان مقراً لاجتماع مجلس الشورى، وكانت قاعدة عسكرية، ينطلق منها جحافل الإيمان إلى أصقاع المعمورة، يفتحون البلاد وينشرون دين الله، وكانت جامعة تخرج منها الفقهاء والمحدثين والمفسرين، وكانت مأوى للفقراء والمساكين كأهل الصفة وغيرهم، إلى غير ذلك مما وجد المسجد في الإسلام من أجله.
لقد جاء الوعيد من نبينا بالخبر الصحيح بالدمار إذا زخرفت المساجد وحليت المصاحف، روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال:"إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم".
والذي عليه الشافعية -كما نقله المناوي رحمه الله- أن تزويق المساجد -ولو الكعبة- بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وبغيرهما مكروه، فنسأل الله -جل وتعالى- العفو والعافية.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [(107-110) سورة التوبة].
ومن أشراط الساعة –أيضاً-: ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من كثرة القتل في آخر الزمان:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج))، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: ((القتلُ القتل)) [رواه مسلم].
وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بين يدي الساعة الهرج))، قالوا: وما الهرج؟ قال: ((القتل))، قالوا: أكثر مما نَقتُل، إنا نَقتُل في العام الواحد أكثر من سبعين ألفاً، قال: ((إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً))، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: ((إنه ليُنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنه على شيء وليسوا على شيء)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتلَ، ولا المقتول فيم قُتل))، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: ((الهرج، القاتل والمقتول في النار)).
وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث قد وقع بعض منه، فحدث القتال بين المسلمين في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-، ثم فُتح الباب بعد ذلك، لكن قتال الصحابة ليس كقتال من جاء بعدهم، فلم تكن لهم أطماع دنيوية على مال أو حكم أو رياسة كما يُصور ذلك بعض المنحرفين من الكُتّاب، ويصدقه السذج وضعاف الإيمان، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(134) سورة البقرة].
ويكفي أنهم قوم قد حطوا رحالهم في الجنة، ثم صارت الحروب تكثر في بعض الأماكن دون بعض، وفي بعض الأزمان دون بعض، وغالبها لا تخلو من أطماع، إما على حكم -وهذا هو الغالب- أو على مال، أو حروب طائفية دينية، وأحياناً تقوم حروب دون أن يُعرف لها سبب، وأيضاً فإن انتشار الأسلحة الفتاكة الحديثة من قنابل وصواريخ وعابرات القارات، له دور كبير في كثرة القتل في الأزمان المتأخرة.
بقي تعليقان قصيران حول كثرة القتل:
الأول: إن جميع الحروب التي تُكاد ضد المسلمين في هذا الوقت -سواءً كانت موجهة مباشرةً ضدهم، أو كانت بالتحريش بينهم- فينبغي أن نعلم أن وراءَها الغرب الحاقد على الإسلام، متمثلة في دولة عاد الكبرى، وهي حروب دينية صليبية بحته، يراد منها القضاء على أكبر عدد من المسلمين بالقتل، وإن كانت في الظاهر قد تأخذ أسباباً يروج لها في الإعلام أنها غير دينية.
لا شك أنهم يحققون مكاسب مادية من وراء ذلك، لكن قضية الدين في المقدمة، ولقد كثر القتل في المسلمين في هذه الأزمان؛ بسبب هذا المخطط الصليبي الحاقد، فمرة يعطون الضوء الأخضر لدولة لتغزو جارتها، ومرة يتسببون في فتن بين جارتين فيقع بينهم حروب لسنوات تستنزف فيها أموال، وتزهق فيها أنفس، ومرة يكونون وراء حرب طائفية داخل الدولة الواحدة، ومرة يكون الطرف الآخر هم أنفسهم مباشرة -كما حصل في البوسنة- ويخترعون لها أي سبب، ما محصلة هذا كله؟ المحصلة كثرة القتل في المسلمين.
الأمر الثاني: إن هذا القتل الذريع في المسلمين، والغالب أنهم أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم شعوب تلك الدولة أو رعايا الدولة الأخرى، إنهم والعلم عند الله تعالى أن هذا القتل لهم بدون سبب يخفف عنهم عذاب الآخرة، فقد روى الحاكم في المستدرك بسند صحيح عن صدقة بن المثنى قال: حدثنا رباح بن الحارث، عن أبي بردة قال: بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجباً، فقال رجل من الأنصار: قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، يستحل بعضهم قتل بعض، قال: فلا تعجب؛ فإني سمعت والدي أخبرني أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب، إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن))، وفي رواية أبي موسى في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: ((إن أمتي أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة عذاب، إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل)).
ومن أشراط الساعة: تقارب الزمان:
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان)).
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة)) [رواه الإمام أحمد بسند صحيح].
ما معنى تقارب الزمان؟: معنى تقارب الزمان، قلة بركة الزمان، كما سمعتم في الحديث، تكون السنة كالشهر، يمضي عليك السنة ولم تفعل شيئاً، ولم تنجز عملاً يذكر كأنه شهر، والشهر يقل بركته، فيصير كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة، كم يستغرق وقت احتراق السعفة، بضع دقائق، الساعة بركتها كالدقائق والله المستعان.
وهذا يشعر به العقلاء من الناس، وأهل العلم والفطنة، وأصحاب العقول الراجحة والأذهان الصافية، أما فسقة الناس وجهالهم، وأصحاب الهمم الدنيئة، وأصحاب الشهوات العاجلة، فهؤلاء لا يشعرون بشيء، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [(44) سورة الفرقان]، همّ الواحد أن يملأ بطنه من الطعام والشراب، ويستمتع ويقف عند ذلك، {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [(12) سورة محمد].
ما السبب في تقارب الزمان؟ وما هو السبب في قلة بركة الوقت؟ وأظن أن الكثيرين منكم فعلاً يشتكي من هذه القضية، يمر عليك اليوم، واليومان والشهر والسنة، والإنجاز قليل، والعطاء ضعيف؛ السبب هو ظهور الأمور المخالفة للشرع في حياة الناس الخاصة، وفي مجتمعاتهم العامة، إنه من الخطأ ربط قلة البركة ونزعها من حياة الناس، بغير القضايا الشرعية، إن علاقتها المباشرة بالأمور الشرعية ولا غير.
يشتكي الناس من قلة البركة في الأوقات، ويشتكي آخرون من قلة البركة في المال، يستلم الموظف عشرة آلاف أو أكثر، ولا يدري أين ذهب الراتب، وفي الماضي كان يأخذ نصف راتبه الآن، ويجد ما يوفر بل ويتصدق، ويشتكي ثالث قلة البركة في الأولاد، نعم، لديك سبعة أو ثمانية من الولد لكن أين هم، ما وجودهم، ما قيمتهم بين الناس؟ فما هو السبب؟
السبب ضعف إيماننا، وكثرة معاصينا، وجرأتنا على الحرام، كثرة فشو المنكرات في مجتمعاتنا، وقلة المنكرين، كل هذا وغيره، عاقبنا الله -جل وتعالى- وهذه تعد عقوبة يسيرة -نزع البركة من حياتنا-.
قال الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي -رحمه الله- تعالى: "ولعل ذلك -أي تقارب الزمان- بسبب ما وقع من ضعف الإيمان، لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الأقوات، ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى، حتى أن كثيراً من الناس لا يتوقف في شيء ومهما قدر على تحصيل شيء، هجم عليه ولا يبالي، والواقع أن البركة في الزمان وفي الرزق وفي النبت إنما تكون عن طريق قوة الإيمان، واتباع الأمر واجتناب النهي، والشاهد لذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [(96) سورة الأعراف] انتهى..
ومن أشراط الساعة: ظهور الشرك في هذه الأمة:
هذه العلامة ظهرت، بل هي في ازدياد، ولها صور وأشكال لا تُحصى، لقد وقع الشرك في هذه الأمة، مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعث ليحارب الشرك.
لقد دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة -يوم فتحها- وحول الكعبة وفوقها 360 صنماً، تعبد من دون الله، وكان بيده معول، فصار يضربها ويكسرها وهو يتلو قول الله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [(81) سورة الإسراء]، فأعلن -عليه الصلاة والسلام- التوحيد، وأقامه بين الناس، لكن بعد سنوات القرون المفضلة وقع الشرك في هذه الأمة مرة أخرى، بل ولحقت قبائل منها بالمشركين، وعبدوا الأوثان، وبنوا المشاهد على القبور، وعبدوها من دون الله، وقصدوها للتبرك والتعظيم، وقدموا لها النذور، وأقاموا لها الأعياد، وصور أخرى من الشرك.
روى أبو داود والترمذي بسند صحيح عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تَعبُد قبائل من أمتي الأوثان)).
هذه بعض صور الشرك مما كان في الماضي ولا يزال، أما اليوم فقد ظهرت صور أخرى، تتعدى عبادة الحجر والشجر فصار اتخاذ الطواغيت أنداداً من دون الله، وصار الشرك في تشريع الناس لأنفسهم، ما يخالف شرع الله -عز وجل-، وصار الشرك بإلزام البشر بالتحاكم إلى غير شريعة الله، وصار الشرك بتنصيب أشخاص معنوية، تتمثل في جهة أو لجنة أو مجلس، اتخذوا أنفسهم آلهة مع الله في التحليل والتحريم، وصار الشرك في اعتناق البعض المذاهب العلمانية والإلحادية والاشتراكية والقومية والوطنية وغيرها، وقبل ذلك وبعده، يزعمون أنهم مسلمون..
ومن أشراط الساعة: ظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار:
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة))، فهذه ثلاثة أمور ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها من علامات الساعة وكلها منتشرة بيننا: لقد انتشر الفحش بين كثير من الناس غير مبالين بالتحدث بما يرتكبون من معاصي، وهذا تفاحش والعياذ بالله.
إن من المهانة والذلة وعدم المروءة أن يقع المرء في معصية أو خطأ أو جريمة أو فاحشة، وقد بات يستره الله، ثم يصبح ويكشف ستر الله عليه بأن يتحدث بين زملائه وأقرانه بما فعل، فإن حصل هذا -وهو حاصل- فاعلم إنها من أشراط الساعة.
أما قطيعة الأرحام، فالله المستعان وإلى الله المشتكى، صار القريب لا يصل قريبه، إلى درجة أن الشهور تمر وهم في بلد واحد، وربما في حارة واحدة، ولا يتزاورون ولا يتواصلون.
لقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صلة الرحم وحذّر من قطيعتها وقال: ((إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك))، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ* أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(22-24) سورة محمد])) [رواه مسلم].
أما عن سوء الجوار، فحدث عنه ولا حرج، فكم من جار لا يعرف جاره، ولا يتفقد أحواله ليمد له يد العون إن احتاج، بل ولا يكف شره عنه، يقول بعض الجيران: لا نريد من جيراننا خيراً، نريد أن يكفوا شرهم عنا.
ومما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة: تشبُّب المشيخة:
روى الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يكون قوم يخضِبون في آخر الزمان بالسواد، كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة)).
لقد انتشر بين الرجال في هذا العصر صبغُ لحاهم ورؤوسهم بالسواد؛ يريدون أن يتشببوا، والصبغ بالسواد حرام، لا يجوز أن يغير الرجل ولا المرأة الشعر بالسواد.
نعم التغيير سنة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتغيير لكن بغير السواد، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((غيّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد)).
وبهذا يعرف أن بعض المحلات التي تبيع صبغ الشعر الأسود أنه حرام عليهم، ولا يجوز لهم بيعه، وهذه من البيوع المحرمة، ولا حجة لهم بأن هذا طلبات الزبائن والناس تريد هذا.
فانتبه يا صاحب المحل أن تخلط حلال مالك بحرام، فالربح الذي يأتيك من هذه السلعة، اتركها لله، وسيعوضك الله خيراً منها.
أما حواصل الحمام، فالمراد به -والله أعلم- صنيع بعض الرجال في هذا العصر من حلق العوارض، ويتركون اللحية على الذقن فقط، ثم يصبغونه بالسواد، فيغدو كحواصل الحمام.
أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يريحون رائحة الجنة)) فقد قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: "يحتمل أن يكون المعنى لا يريحون رائحة الجنة لفعل يصدر منهم أو اعتقاد، لا لعلة الخضاب، ويكون الخضاب سيماهم، كما قال في الخوارج سيماهم التحليق، وإن كان تحليق الشعر ليس بحرام" انتهى..
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 19:05
ومن أشراط الساعة أيضاً: كثرة الشح:
والشح هو أشد البخل، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من أشراط الساعة أن يظهر الشحُّ)) [رواه الطبراني في الأوسط].
وروى البخاري عنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح)).
وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يزداد الأمر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شحاً)).
إن الشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام، وأما من وُقي شح نفسه فقد فاز وافلح؛ قال الله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(9) سورة الحشر].
عُرف بعض الناس بالكرم والجود والسخاء، وأنه رجل معطاء، لا يسمع بباب من أبواب الخير إلا وضرب فيها بسهم، فمرة ينفق على مسكين، ومرة يتصدق على فقير، ومرات يرسل لأرامل وأيتام، إذا سمع بجمعية خيرية كان أول المساهمين، وإذا سمع ببناء مسجد كان أول المبادرين، مثل هذا الإنسان يبشر بخير، فإن الله -جل وتعالى- يبارك له في ماله، فكلما زاد في العطاء زاده الله، ((يا ابن آدم انفق ينفق الله عليك))، ما من يوم يصبح الناس فيه إلا وملك ينـزل من السماء يقول: اللهم أعط منفقاً خلفا، وأعط ممسكاً تلفا.
وهناك من أهل الخير ممن كانت لهم مشاركات طيبة وبها عرفوا، والآن قلَّت مساهماتهم، وأمسكت أيديهم على جيوبهم، فإذا ما سُئلوا أجابوا: الأوضاع الاقتصادية الراهنة، كساد السوق، كثرة الالتزامات الرسمية وغير الرسمية، نقول لهم: هذا هو الاختبار للمؤمن الحقيقي، الذي ينفق في وقت الشدة، {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [(14) سورة البلد].
إن الله -جل وتعالى- يغيّر من أحوال الزمان، من رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء، والمؤمن مبتلى، والصادق من لا ينقطع حتى في أوقات الشدة، ويعلم بأن هذا اختبار من الله له؛ ليضاعف له الأجر والمثوبة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ)) [رواه مسلم].
ومن أشراط الساعة: كثرة التجارة وفشوها بين الناس، حتى تشارك وتزاحم النساء فيها الرجال:
روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تشارك المرأة زوجها في التجارة)).
وروى النسائي عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر، وتفشو التجارة))، وهذا أمر حاصل وظاهر لكل أحد.
إن كثرة التجارة وانتشارها أمر لا بأس به، بل قد يكون مطلوباً، فهو يُغنِي الإنسان عن سؤال الغير، لكن البأس أن تؤدي التجارة، ويؤدي هذا المال للافتتان، ثم الطغيان، {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(7) سورة العلق]، وكذلك المرأة، الأصل أنه لا بأس من دخولها في التجارة، لكن البأس ما هو حاصل من واقعنا في هذا الزمان، التمرد، والاستغناء عن الزوج، بل والتسلط عليه، وصار المسكين موقفه ضعيفاً، فالمال بيدها، أضف إلى ذلك نقصان العقل والدين، فماذا تتوقع بعد ذلك؟!
لا غرابة إذا سمعنا -بل أصبح هذا أمراً عادياً عند بعض الأسر- أن تسافر بعض النساء لوحدهن، وصارت ظاهرة سفر بعض النسوة لوحدهنّ للسياحة وحضور ما يسمى بمهرجانات التسوق، بل والاصطياف في الخارج أمراً لا ينكر، وهذا حاصل وواقع.
وصل قلة الحياء، والاستهانة بأوامر الله، وعدم الخجل حتى من الناس، أن يقال ويعرف أن بنات فلان قضوا شهراً من عطلة الصيف في أوربا أو أحد بلدان الشام، بل وصار الناس يستقبلون مثل هذه الأخبار دون نكارة ولا حرج، لو سألت وبحثت عن بعض أسباب ذلك، لوجدت أن وفرة المال وكثرته في أيدي النساء، قد يؤدي إلى مثل ذلك، بل وأشد من ذلك.
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يخشى على هذه الأمة من الفقر، إنما يخشى أن تبسط عليها الدنيا فيكثر المال، وتفشو التجارة فيقع بين الناس التنافس الذي يؤدي إلى الهلاك، ففي الحديث أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)) [رواه البخاري].
وفي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟))، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ)).
فالمنافسة على الدنيا تجر إلى ضعف الدين وهلاك الأمة وتفريق الكلمة، كما وقع في الماضي، وكما هو واقع الآن.
تجد أخوَان يحصل بينهما منازعات وخصومات، بل ويصل الأمر إلى المحاكم؛ من أجل خلاف على مزرعة أو أرض، أو كانا شريكين في تجارة، والله المستعان.
وتصديق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من فشو التجارة، أصبحت ترى مدينة صغيرة -كالتي نحن فيها الآن- كان سوقها قبيل سنوات محصور في شارع واحد، والآن تحولت المدينة كلها إلى سوق، وتحولت معظمها إلى مجمعات تجارية أضعاف أضعاف حاجة البلد، والعجيب أن التجار يشتكون من كساد السوق، وفي المقابل هناك ازدياد متضاعف على فتح محلات أخرى وجديدة، فبماذا يفسر هذا؟
إن تفسيره أنه أحد علامات الساعة.
أيضاً ومن أشراط الساعة: ذهاب الصالحين، وقلة الأخيار وكثرة الأشرار، حتى لا يبقى إلا شرار الناس، وهم الذين تقوم عليهم الساعة:
روى الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ –أي أهل الخير والدين– فَيَبْقَى فِيهَا عَجَاجَةٌ –وهم الأراذل الذين لا خير فيهم- لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا))، معنى الحديث أن الله يأخذ أهل الخير والدين، ويبقى غوغاء الناس وأراذلهم ومن لا خير فيهم، وتأمل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ربط القضية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروى الإمام أحمد –أيضاً- بسند صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُغَرْبَلُونَ فِيهِ غَرْبَلَةً يَبْقَى مِنْهُمْ حُثَالَةٌ –والحثالة الرديء من كل شيء– قَدْ مَرِجَتْ –أي اختلطت– عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا)) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ".
متى يكون ذهاب الصالحين، ومتى يقل الأخيار ويكثر الفجار؟:
يكون ذلك عند كثرة المعاصي، وعند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، "أنهلك وفينا الصالحون؟"، قال: ((نعم إذا كثر الخبث))، والخبث والله قد كثر وطفح على السطح، ولم يعد الخبث مستوراً، بل أصبح ظاهراً ويعلن عنه.
دخل الخبث معظم البيوت، أصبحت ترى الخبث في شوارع المسلمين وأسواقهم، بل لقد تخلل الخبث إلى سلوكيات الأمة وأخلاقها، كان في الماضي يستحي الناس من ظهور وبروز شيء من خبثهم وفجورهم ومعاصيهم، أما اليوم وصل الأمر إلى المجاهرة بالخبث، "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: ((نعم إذا كثر الخبث)).
إن كثرة الخبث في المجتمع سبب لذهاب النعم وحلول النقم، الخبث سلاّب للنعم جلاّب للنقم، خبث الناس وفجورهم ومعاصيهم يسبب تسلط الخصوم، وتسيطر الأشرار والفجار، وارتفاع الأسعار، وشح الوظائف، وكثرة الجرائم، وقلة الأمطار، وانتشار الأوبئة، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [(40) سورة العنكبوت].
ما نزل بالأمة من ذل وهوان وآلام وعقوبات ومحن وفتن؛ إلا بسبب كثرة الخبث وقلة الصالحين، فحرمت الأمة من خيرهم وبركتهم ودعوتهم، وما يصيب الأمة في واقعها ما هي إلا نذر، لكي يعودوا ويرجعوا ويكفوا من نشر الخبث، وتقليص تمدد الصالحين، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [(59) سورة القصص]، وقال -جل شأنه-: {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [(49) سورة المائدة].
ومن أشراط الساعة أيضاً: ارتفاع الأسافل من الناس على خيارهم، واستئثارهم بالأمور دونهم:
فيكون أمر الناس بيد أسافلهم وأراذلهم ومن لا خير فيهم، وهذا من انعكاس الحقائق وتغيّر الأحوال، وهذا أمر مشاهد جداً في هذا الزمان، فترى أن كثيراً من رؤوس الناس هم من أقل الناس صلاحاً وعلماً -إلا من رحم الله- مع أن الواجب أن يكون أهل الدين والتقى هم المقدمون على غيرهم في تولي أمور الناس؛ لأن أفضل الناس وأكرمهم هم أهل الدين والتقوى، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات]، ولذلك لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يولي الولايات وأمور الناس إلا من هم أصلح الناس وأعلمهم، وكذلك خلفاؤه من بعده، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها: ما رواه البخاري عن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأهل نجران: ((لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حَقَّ أمين))، فاستشرف لها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فبعث أبا عبيدة.
اسمع أخي المسلم إلى هذه الأحاديث في أن من أشراط الساعة ارتفاع أسافل الناس: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)) قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: ((السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)).
وفي حديث جبريل الطويل قال: ((ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها)) [رواه مسلم].
وفي الصحيح: ((إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من أشراط الساعة أن يعلو التحوت الوعول))، أكذلك يا عبد الله بن مسعود سمعته من حِبي؟ قال: نعم ورب الكعبة، قلنا: وما التحوت؟ قال: ((سفول الرجال وأهل البيوت الغامضة يُرفعون فوق صالحيهم))، والوعول أهل البيوت الصالحة" [رواه الطبراني في الأوسط].
وفي الصحيحين عن حذيفة -رضي الله عنه- فيما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبض الأمانة، قال: ((حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان))، وهذا هو الواقع بين المسلمين في هذا العصر، يقولون للرجل: ما أعقله، ما أحسن خلقه، ويصفونه بأبلغ الأوصاف الحسنة، ربما لم يوصف بها بعض الصحابة، وهو من أفسق الناس، وأقلهم ديناً وأمانة، بل قد يكون عدواً للإسلام والمسلمين، ويعمل على هدم الدين ليل نهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا داعي لكي تتيقن من ارتفاع أسافل الناس على خيارهم، وتقلد الأمور دونهم أن تنظر إلى بعيد، فلو نظرت إلى أقرب المؤسسات حولك أو الشركات، أو المصالح والمكاتب، لرأيت أنه يتولى أمر هذه المصلحة، أو ذلك المكتب، أو ذلك القسم أو الإدارة أقلهم علماً وخبرة بل وشهادة، وربما لا يحمل شهادة، ولا يفقه شيئاً في العمل، وإذا نظرت إلى خلقه وسلوكياته، لرأيته أفسق من في الإدارة أو المؤسسة، وأنزلهم خلقاً ومعاملة، بل ربما لو فتشت في أوراقه وملفاته، لوجدت عليه قضايا وطامات وسرقات واختلاسات، ناهيك عن القضايا الأخلاقية، فلو سألت: كيف تقلد هذا لهذا المنصب، وكيف ارتفع هذا التحوت؟! لكان الجواب بأن هذا هو الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون من أشراط الساعة.
ولعلك تسألني وتقول: ما هو الخبث؟ وماذا تعني بالخبث؟
فأقول لك: إن الخبث صوره لا تعد ولا تحصى، لكن خذ بعض النماذج:
فمن الخبث: إقامة الربا وانتشار الفواحش، وكثرة الزنا، ومن الخبث: إكرام الكفار والفجار وإهانة الصالحين والأخيار، ونبذ أحكام شريعة الجبار، ومن الخبث: تضييع الصلوات ومنع الزكوات واتباع الشهوات وارتكاب المنكرات، ومعاداة أولياء من بيده الأرض والسماوات.
ومن الخبث: انتشار الغش والظلم، وكثرة أكل الحرام، وارتفاع أصوات المعازف، وتساهل الناس في سماع الغناء، وعدم الاكتراث بمشاهدة التبرج والسفور، ومن الخبث: فشو رذائل الأخلاق، ومستقبح العادات في البنين والبنات، وتسكع النساء في الأسواق، وكثرة مشاكل المغازلات والمعاكسات، فهذه بعض صور الخبث وهناك غيرها وغيرها.
والمشكلة أن الناس نيام، والمجتمع غافلٌ لاه لا يعلم بأن الخبث يهدم الأركان، ويقوض الأساس، ويزيل النعم، وينقص المال، وترتفع الأسعار، وتغلو المعيشة، وتحل الهزائم الحربية والمعنوية؛ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ* وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ* لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [(65-67) سورة الأنعام].
قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ* أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [(97-100) سورة الأعراف].
ومن أشراط الساعة: ظهور الكاسيات العاريات:
والمراد بهذا خروج النساء عن الآداب الشرعية، وذلك بلبس الثياب التي لا تستر عوراتهن، وإظهارهن للزينة وما يجب عليهن ستره من أبدانهن.
روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) [رواه مسلم]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من أشراط الساعة أن تظهر ثيابٌ يلبسها نساءٌ كاسيات عاريات)).
إن هذه الأحاديث وأمثالها يعد من معجزات النبوة، فإنه لم ير -عليه الصلاة والسلام- ما أخبر به، ولكنه وقع كما أخبر، وذكر بأن هذا من أشراط وعلامات الساعة -ظهور الكاسيات العاريات- تخرج النساء كما نشاهد في عصرنا هذا، يلبسن ثياب لكنه لا يستر، والستر مطلوب شرعاً، فتكون المرأة كأنها عارية، إما لرِقة هذه الثياب وشفافيتها، وإما لقصره بحيث أنه لا يؤدي وظيفة الستر المطلوبة، وإما لأنها ثياب ضيقة، تُظهر تفاصيل جسمها، فتبرز صدرها وعجيزتها فتكون كأنها عارية، وكل هذا واقع ومشاهد.
لقد قفز المجتمع قفزات سريعة في وقت قصير من عمر الزمن، وصار هناك تحول ملحوظ في ملابس النساء عندنا، وشياطين مصممي الأزياء عرفوا من أين تؤكل الكتف.
إن الحديث عن الملاحظات الشرعية على ما تلبسه النساء اليوم حديث طويل، وليس هذا مجال تفصيله، ولكن سأنبه إلى ظاهرة انتشرت انتشاراً سريعاً وملحوظاً في الآونة الأخيرة، وقد أفتى عدد من علمائنا بحرمتها، فعليك أيها الأب أو الزوج أو ولي الأمر أن تتنبه أنت لهذا؛ لأن المرأة ناقصة عقل ودين، هذه الظاهرة هي: لبس النساء للبنطال.
لقد انتشرت هذه الظاهرة في مجتمعنا مؤخراً انتشار النار في الهشيم، وهي ظاهرة غربية جاءتنا من ديار الكفر، تتعارض مع عاداتنا وأعرافنا، ولا يناسب مجتمعنا، كيف رضيت به المرأة؟
لا أدري. بل كيف رضي الأب أن يخرجن بناته وهن لابسات للبنطال، وكيف رضي الزوج أن تخرج زوجته؟ لا أدري؟ حجتهم أنها ساترة لنفسها بالعباءة، وهذه حجة ضعيفة، فالعباءة قد يحركها الهواء، وكثرة الحركة، فيقال: وإن لم يحصل هذا، فإن ظهورها أمام النساء بهذا الشكل فيه محذور شرعي، وهي تجسيد عورتها وإبرازه، فتكون من النساء الكاسيات العاريات اللاتي قد لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها فلبسه حرام ولا يجوز، فتنبه أيها الأب، وأنت أيها الزوج.
ومن أشراط الساعة أيضاً: صدق رؤيا المؤمن:
فكلما اقترب الزمان، وكلما قربت الساعة كثرت هذه العلامة، وهو أن المؤمن يرى الرؤية في المنام، فتقع الرؤيا في الواقع كما رآها، وكلما كان المرء صادقاً في إيمانه كانت رؤياه صادقة.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ)).
لعلك تسأل: ما الحكمة أنه كلما اقترب الزمان صدقت رؤيا المؤمن؟
الجواب -والعلم عند الله تعالى- أنه كلما اقترب الزمان زادت غربة الإسلام كما في حديث مسلم: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)).
إذا زادت غربة الإسلام قبض أكثر العلم، ودَرَسَت معالم الشريعة، وازدادت الفتن، وأصبح الناس على مثل الفترة، ويقل عندها أنيس المؤمن ومعينه، فالناس عندها يكونون محتاجون إلى مجدد ومذكّر لما دَرَس من الدين، كما كانت الأمم تُذكّر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا آخر الأنبياء، وتعذّرت النبوة في هذه الأمة، فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من خمس وأربعين جزء من النبوة.
وإذا ازدادت غربة الإسلام وذلك بقلة عدد الأخيار الصالحين، وكثرة عدد الفسقة الموجودين، وأصبح الغلبة لملة الكفر، وأصبح الترؤس لأهل الجهل والفسق، وعندها يشعر المؤمن فعلاً بالغربة، فيقل المعين، وينعدم الأنيس، ويزداد الوحشة، ويأخذ أمر الدين بالاضمحلال، عندها تأتي هذه العلامة رحمة من الله تعالى، وأنساً للمؤمن، وإكراماً له، وتسلية لقلبه، فتكون رؤياه صادقة، نسأل الله -جل وتعالى- الإعانة.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 19:09
ومن أشراط الساعة أيضاً وعلاماتها الصغرى: كثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ)) [رواه مسلم]، وفي رواية: ((يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ)).
لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن الكذب أصبح من سمات هذا العصر، صار الكذب على جميع المستويات، الخاصة والعامة، الرسمية وغير الرسمية، الصغير والكبير، أصبح الناس لا يثقون بشيء.
خذ على سبيل المثال الصحف: أصبح الناس لا يثقون بمعظم أخبارها؛ بسبب المبالغات والزيادات والكذب أحياناً لمصلحة فلان أو فلان، وهذا أدى مع كل أسف إلى أن شعوب العالم الإسلامي صارت تأخذ أخبارها من الغرب الكافر ولا تثق بإعلامها؛ من أجل دقة الأخبار والتثبت والمصداقية عندهم، وأصبح الناس لا يثقون بتصريحات مدرائهم حتى على مستوى العمل والوظيفة، لدخول عنصر الكذب والنفاق فيه.
والأخطر من هذا كله إذا دخل عنصر الكذب في البيت، كأن يصدر من أب ويعرف الابن، أو يدخل المدرسة فيصدر من مدرس ويكتشف الطالب، عندها قُل: على التربية السلام.
ومما يؤسف له أنك أصبحت تشم رائحة الكذب من بعض الفئات العاملة للإسلام؛ بحجة مصلحة الدعوة، وهو في الحقيقة أنه كذب.
إنك تستطيع أن تتعامل في محيط السوق أو في محيط العمل أو غيرهما من قطاعات الحياة، تستطيع أن تتعامل مع فاسق، أو مع شارب خمر، أو مع آكل ربا، لكنك لا تستطيع أن تتعامل مع كذّاب.
اسمع لهذا الحديث الصحيح عند مسلم، عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله بن مسعود: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ)).
ومن أشراط الساعة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-: كثرة النساء وقلة الرجال:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحدُ)).
إن الله -جل وتعالى- يقدّر في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، ويقدر -جل وتعالى- أيضاً حصول الفتن الذي يكون سبباً في القتال، فيذهب بسببه كثير من الرجال قتلى، وتبقى النساء، وهذا شأن الحروب والمعارك.
جاء في حديث أبي موسى -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم: ((ويُرى الرجل يتبعه أربعون امرأة يَلُذْن به)).
إن مجتمعنا الذي نعيش فيه مع أنه ولله الحمد لم يُبتلى بالحروب والمعارك، ومع ذلك فإن ظاهرة العنوسة ظاهرة واضحة، في كثير من البيوتات والأسر بنات جاوزن سن الزواج ولم يقدر المولى لهن زوجاً يناسبها، وبهذا يظهر حكمة التشريع الإسلامي الذي يحث على التعدد، فالشريعة الإسلامية أباحت للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة؛ حفاظاً للمجتمع، وقضاءً على هذه الظاهرة، وإلا فمن لهؤلاء العوانس؟ غداً يموت أبوها وتموت أمها، وتبقى ذليلة عند أخ لا يحترمها، أو ولي لا يقدّر قدرها، فكونها تحصل على نصف رجل، أو ثلث رجل، خيراً لها أن تعيش طول عمرها بلا رجل، فربما رزقها الله أولاداً تأنس بهم، ويكون لها بيتاً تستقر خير لها من أن تعيش طوال حياتها لوحدها، وقبل هذا كله وقبل ذكر هذه المحاسن في التعدد يكفي أنه تشريع من الله، والله -جل وعز- هو الذي خلقنا، وهو سبحانه يعلم ما يُصلح أحوالنا وما يفسدها، فلا يُحرّم الله شيئاً إلا وفيه مضرة، ولا يبيح شيئاً إلا وفيه المنفعة، لكن المشكلة هذه القناعات عند الناس اليوم، بأن الزواج الثاني يجلب المشاكل، وأن التعدد ظلم للمرأة،
ولو فتشنا من أين جاءت هذه الآراء، وكيف صار الناس يعتقدون ويظنون هذا الظن، لوجدت أن الإعلام هو السبب في ذلك؛ أفسد على الناس فطرهم، هذه الأفلام التي تعرض على الناس، وهذه المسلسلات التي يشاهدها الناس، تَعرِض الزواج الثاني بأنه يفرق الأولاد ويظلم المرأة ويجلب المشاكل، مسلسل بعد آخر، وفيلم بعد آخر، يتأثر الناس وتتغير قناعاتهم، ولو بحثت خلف الستار من وراء هذه الأفلام ومن المنتجون لهذه المسلسلات، هل هم أناس مخلصون همهم حماية الشعوب المسلمة، ونشر الفضيلة؟ أم أن القائمين عليها مجرمون، بل ولهم علاقات مشبوهة بمنظمات سرية؟
ولقد كشف الزمان أوراق عدد من كبار الممثلين –زعموا– ومن أبطال الشاشة، ومن ممثلات قديرات كما يعبرون، اتضح أنهم أعضاء في منظمات ماسونية، يعملون ليل نهار ويخططون لهدم الدين، فيصورون أحكام الشرع وأوامر الله أنها ظلم، ومشاكل، ومع الأسف أننا نصدق ونتأثر بكل ما يبث وينشر.
فهل نرتقي بعقولنا قليلاً؟ وهل من تأمل وتبصر؟
نغيّر قناعاتنا حول أحكام شرعها الله -جل جلاله- بسبب فيلم أو مسلسل، ونقتنع بأن التعدد خطأ، ثم بعدها لتنتشر الرذيلة والفاحشة في البلد؛ بسبب كثرة العوانس والمطلقات ومن مات زوجها.
ومن أشراط الساعة: ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكثر موت الفجأة بين الناس:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن من أمارات الساعة –وذكر منها– أن يظهر موت الفجأة)) [رواه الطبراني في الصغير]، وهذا أمر مشاهد في هذا الزمن، حيث كثر في الناس موت الفجأة.
لقد كان في الماضي يشعر الرجل ويحس بمقدمات الموت، ويبقى لأيام مريضاً، يعرف أن هذا مرض الموت، فيكتب وصيته ويودع أهله ويوصي أولاده، بل ويقبل على ربه ويتوب مما سلف منه، ويبدأ في ترديد الشهادة؛ ليُختم له بها.
أما الآن، فترى الرجل صحيحاً معافى، لا يشتكي من شيء البتة، ثم تسمع خبر وفاته فجأة، وهذا ما يسمى في الوقت الحاضر بالسكتة القلبية، ومثله الحوادث المفاجئة، التي يهلك بها الناس فجأة، فإذا كان الأمر كذلك، فعلى العاقل أن يتنبه لنفسه، ويرجع ويتوب إلى ربه.
كن مستعداً يا أخي الحبيب لموت الفجأة، فربما لا تكمل سماع هذه المحاضرة، وكم من رجل كبّر تكبيرة الإحرام ولم يُسلّم منها،
ولهذا كان الإمام البخاري -رحمه الله- يقول:
اغتنم في الفــــراغ فضــــل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح رأيتُ من غير سقيم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته
قال ابن حجر -رحمه الله-: وكان من العجائب أن البخاري نفسه -رحمه الله- وقع له ذلك أو قريباً منه.
ومن أشراط الساعة أيضاً: أن تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً:
روى مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)).
إن أرض العرب أرض قاحلة -كما هو معروف- شحيحة المياه، قليلة النبات، غالب مياهها من الآبار والأمطار، فمن علامات الساعة، أن تنقلب هذه الأرض ويكثر فيها المياه، حتى تكون أنهاراً، فتنبت بها النباتات فتكون مروجاً وحدائق وغابات، ونحن نشاهد في وقتنا هذا أن عيوناً كثيرة تفجرت كالأنهار، وقامت عليها زراعات كثيرة، ولعل من أعجب ذلك هذا الحديث الصحيح في صحيح مسلم عن منطقة تبوك، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة تبوك: ((إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ))، فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟)) قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، قَالَ: وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ -شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: ((يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا)).
ومن أشراط الساعة أيضاً: تمني الموت من شدة البلاء:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ)) [رواه البخاري]، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدِّينُ إلا البلاء)) [رواه مسلم].
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغيّر الأحوال، وتبديل رسوم الشريعة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "سيأتي عليكم زمان لو وَجَد أحدكم الموت يُباع لاشتراه"،
وكما قيل:
وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موتٌ يباع فأشتريه
والأمر كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: إن هذه الحالة لا يلزم كونه في كل بلد ولا في كل زمن، ولا في جميع الناس، بل يصدق اتفاقه للبعض في بعض الأقطار في بعض الأزمان. فنحن ولله الحمد نعيش في عافية، أسأل الله -جل وع- أن نبقى في عافية، وأن يجنبنا الفتن، وإلا فالأيام حبلى، فإن هذا العصر الذي نحن فيه الآن في الوقت الذي نعيش فيه نحن بأمان، فإن غيرنا من المسلمين، وفي بلاد كثيرة يمرون بأحوال فعلاً يتمنى الواحد منهم الموت من شدة البلاء.
لقد مرت أيام -وما تزال- سمعنا أخبارهم على المسلمين في لبنان وفلسطين، ومسلمي العراق من الأكراد وغيرهم، ناهيك عن مسلمي البوسنة أو الشيشان أو غيرها، مرت أحوال على ضعاف المسلمين هناك يتمنى الواحد منهم أن يكون في بطن الأرض، ولا يرى ويعيش ما يحصل له على ظهرها.
تخيل يا أخي أنت أنهم دخلوا عليك في بيتك وأنت جالس أو نائم مع أهلك وأولادك ثم أمسكوا بأبيك الشيخ الكبير وذبحوه أمامك ذبح الشاة، وأمسكوا بأمك العجوز وبقروا بطنها وأنت تنظر، ثم انتزعوا منك زوجتك وانتهكوا عرضها أمام عينيك، أما أولادك الصغار، فيؤخذ الواحد تلو الآخر، ويغمس في بركة حتى يموت غرقاً وأنت تشاهد أليس الموت خير لك من هذا؟! ألا تتمنى الموت قبل أن تعيش هذه الحالة،؟! أسأل الله تعالى أن لا نرى مثل هذه الأحوال.
إذن فاعلم يا أخي بأن لك إخواناً مستضعفين في بلدان كثيرة في العالم الإسلامي وغيره، يعيشون مثل هذه الحالات وأشد، وتمر بهم أحوال أصعب من هذا، مذابح وحشية يمارس مع المسلمين، القتل بأقسى صوره وأشكاله.
سمعنا بأخبار من طاجاكستان وغيرها أنه يؤتى بأعداد من المسلمين، ثم يؤخذ الواحد تلو الآخر ويمررون على منشار كهربائي، تخيل ينتظر دوره في الطابور، وهو يرى أمام عينيه القتل بهذه الصورة -يقطع بالمنشار- ويؤخذ الأطفال والأولاد، ويوضعون في أنابيب ثم يغلق طرفي الأنبوب لساعات حتى يموت الطفل.، ألا يكفي في قتل هؤلاء أن يقتلوا مباشرة بالرصاص، أو بالقنابل والرشاشات إبادة جماعية؟ بلى يكفي، لكن هؤلاء النصارى يتلذذون في قتل المسلمين بأبشع الصور، وما ذكرت فقط نماذج، وإلا ما يُرى ويُسمع أشد من هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونحن هنا مشغولون في متابعة الدوري، وجولات المصارعة الحرة، ورجالنا -ولا أقول الشباب أو النساء، بل الرجال- ما يزال يغني ويرقص، وكأن الأمر لا يعنيه.
هل تظنون أن الله لا يسألنا ولا يحاسبنا عن هذا التقصير والإهمال تجاه المسلمين؟ أم أن الله لا يحاسبنا عن حياة الغفلة واللهو والعبث التي نعيشها؟
والله الذي لا إله إلا هو سيسأل كل واحد منا بنفسه عن واقعه، وعن أحوال أمته، فماذا أنت مجيب؟ وقد نعاقب نحن عقوبة دنيوية عاجلة ونبتلى بمثل ما ابتُلي به غيرنا؛ نتيجة تقصيرنا وغفلتنا عنهم، والحال كما تعرفون من أنفسكم، والله لا نحسن حتى الهرب، لا نعرف كيف نهرب فضلاً عن المواجهة والبذل والصبر. والله -جل وتعالى- لا يحابي أحداً؛ لأنك من قبيلة كذا، أو لأن نسبك إلى فلان أو فلان.
المخالفة الربانية، وعصيان أمر الله يوجب العقوبة، إما في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة..
يا ساري الليـــــــــــــــــل غطى ليلنا ليلُ *** يموج بالظلم والحافـــون ما انتعلوا
لا تلتفت يا رفيق الليــــــــــــــــــل إن لنا *** ضيــــــــــاء فجر به الركبان تحتفل
نشكوا ظلام ليالينـــــــــــــــــــــا فأغرقنا *** ظلام ليـــــــــــل به قد ضاقت الحيل
هذي فلسطين تدعـــــو المسلمين ضحىً *** أين المجيبون أم باللــــــذة انشغلوا
والله ما زعزعوا فينــــــــــــــــا كرامَتَنَا *** فالقدس من أرضنا والجــرح يندمل
مصائب تعجزُ الألبــــــــــــــــاب وقعتها *** في كل أرض لنــــــــا قد ذابت المقل
دارت رحى الكفـــر في البلقان كم لَعَبوا *** بعرض أخت لنــا في الدين كم فعلوا
كــــــم استغاثت وكــــــم نادت على أملٍ *** والقوم لاهـــــــون والأعراض تبتذل
عذراً فقومي لهــــــــــــــم شأنٌ يثبّطهم *** عن نصرة الحق بالتشجيع قد شغلوا
هذي الملاعب تزهــــــــــو بالأُلى فتنوا *** عن دينهم وعلى السفاسف قد جُبلوا
ماذا أقـــــــــــــــــول وعن ماذا أحدثكم *** مـــاذا أقـــــــول ويلطم وجهي الخجل
هذي جراحات أمتنــــــــــــــا نغص بها *** كالعلقـــــم المـــرّ لا حلــــوٌ ولا عسلٌ
لكنها سنـــــــــــــــــــة الرحمن ماضية *** وكـــــــــــــل خطب لأجـــل الله يحتمل
فلنتَّقِ الله أيها المسلمون ولننتبه، كفانا غفلة وكفانا عدم مبالاة، فالأمر جد خطير، ولنبدأ ببعض الخطوات العملية، وكل بإمكانه أن يقدم لأمته.
خذ هذا المثال: لماذا لا تقتطع شيئاً يسيراً من مرتبك ودخلك تجعلها لله، لنكبات المسلمين هنا أو هناك، ولكي نكون عمليين لا نريد ألف ريال شهرياً ولا ألفين، هل تعجز عن عشرين ريال شهرياً، فقط عشرين ريال لكنه شهرياً، تواصل في هذا المشرع، البعض يتحمس بسماع خطبة أو محاضرة، ثم يتصدق ويتبرع بألوف ثم ينام بعدها عشر سنين، لا نريد صدقات العواطف وتبرعات الفلتات العارضة، نريد عشرين ريال شهرياً إلى أن تموت، لو حسبنا فقط أهل هذا الحي، والبيوتات الموجودة والتزم كل مكلف بذلك، كم سنجمع شهرياً، أنا متأكد أنها تزيد على العشرة آلاف، أليس هذا المبلغ بإمكاننا أن نفك به عوز أسر فقيرة، وأرامل في نفس حيِّنا هذا، ونستر عليهم؛ لئلا يذلوا أنفسهم لغيرهم، وهكذا لو تحركنا بمثل هذه المشاريع البسيطة السهلة، والتي لا تكلفنا كثيراً، لقدمنا كثيراً لأمتنا، وهذه فقط فكرة، وأنا متأكد بأن العقلاء والأذكياء أمثالكم لو فكروا لخرجوا بعشرات الأفكار المناسبة.
ومما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ضمن أشراط الساعة:
أنه في آخر الزمان يخرج رجل من قحطان، يحكم الناس بالعدل، وهو رجل صالح، تدين له الناس بالطاعة، وتجتمع عليه، ويكون ذلك عند تغيّر الزمان، ولهذا ذكر البخاري -رحمه الله- حديث القحطاني في باب تغير الزمان، والقحطاني ليس هو المهدي الذي سيخرج –أيضاً- في آخر الزمان، فإن خروج المهدي يكون من علامات الساعة الكبرى، وسيكون خروجه بعد القحطاني بزمن، وليس القحطاني هو الجهجاه الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيحكم –أيضاً- ويكون له الملك في آخر الزمان؛ لأن الجهجاه رجل من الموالي، أما القحطاني فهو من الأحرار نسبة إلى قحطان الذي تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وهمدان وغيرهم إليه.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ)) [رواه البخاري ومسلم].
ومعنى يسوق الناس بعصاه: كناية عن استقامة الناس وانعقادهم إليه واتفاقهم عليه، وفيه إشارة أيضاً إلى القسوة على أهل المعصية؛ لأنه رجل صالح يحكم بالعدل، ولا يرضى بانتشار المعاصي والمنكرات تحت ولايته.
ولمّا حدّث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- بهذا الحديث غضب معاوية -رضي الله عنه- فقام وتكلم وقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن هذا الأمر -أي الحكم- في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين)).
ومعاوية -رضي الله عنه- لم ينكر حديث خروج القحطاني، ولكنه كان يريد -رضي الله عنه- التأكيد على أن الخلافة لا تجوز في غير قريش، لكن بشرط كما في حديث معاوية ((ما أقاموا الدين))، والحديث في البخاري فإذا لم يقيموا الدين خرج الأمر من أيديهم، وهذا هو الذي حصل، فإن الناس لم يزالوا في طاعة قريش إلى أن ضعف تمسكهم بالدين فضعف أمرهم، وتلاشى ملكهم، وانتقل الحكم إلى غيرهم، وهذه سنة ربانية ماضية إلى يوم القيامة، فكلما بدّل الناس، بُدّل عليهم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ)) [رواه مسلم]، وفي رواية: ((يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ)).
لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن الكذب أصبح من سمات هذا العصر، صار الكذب على جميع المستويات، الخاصة والعامة، الرسمية وغير الرسمية، الصغير والكبير، أصبح الناس لا يثقون بشيء.
خذ على سبيل المثال الصحف: أصبح الناس لا يثقون بمعظم أخبارها؛ بسبب المبالغات والزيادات والكذب أحياناً لمصلحة فلان أو فلان، وهذا أدى مع كل أسف إلى أن شعوب العالم الإسلامي صارت تأخذ أخبارها من الغرب الكافر ولا تثق بإعلامها؛ من أجل دقة الأخبار والتثبت والمصداقية عندهم، وأصبح الناس لا يثقون بتصريحات مدرائهم حتى على مستوى العمل والوظيفة، لدخول عنصر الكذب والنفاق فيه.
والأخطر من هذا كله إذا دخل عنصر الكذب في البيت، كأن يصدر من أب ويعرف الابن، أو يدخل المدرسة فيصدر من مدرس ويكتشف الطالب، عندها قُل: على التربية السلام.
ومما يؤسف له أنك أصبحت تشم رائحة الكذب من بعض الفئات العاملة للإسلام؛ بحجة مصلحة الدعوة، وهو في الحقيقة أنه كذب.
إنك تستطيع أن تتعامل في محيط السوق أو في محيط العمل أو غيرهما من قطاعات الحياة، تستطيع أن تتعامل مع فاسق، أو مع شارب خمر، أو مع آكل ربا، لكنك لا تستطيع أن تتعامل مع كذّاب.
اسمع لهذا الحديث الصحيح عند مسلم، عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله بن مسعود: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ)).
ومن أشراط الساعة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-: كثرة النساء وقلة الرجال:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحدُ)).
إن الله -جل وتعالى- يقدّر في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، ويقدر -جل وتعالى- أيضاً حصول الفتن الذي يكون سبباً في القتال، فيذهب بسببه كثير من الرجال قتلى، وتبقى النساء، وهذا شأن الحروب والمعارك.
جاء في حديث أبي موسى -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم: ((ويُرى الرجل يتبعه أربعون امرأة يَلُذْن به)).
إن مجتمعنا الذي نعيش فيه مع أنه ولله الحمد لم يُبتلى بالحروب والمعارك، ومع ذلك فإن ظاهرة العنوسة ظاهرة واضحة، في كثير من البيوتات والأسر بنات جاوزن سن الزواج ولم يقدر المولى لهن زوجاً يناسبها، وبهذا يظهر حكمة التشريع الإسلامي الذي يحث على التعدد، فالشريعة الإسلامية أباحت للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة؛ حفاظاً للمجتمع، وقضاءً على هذه الظاهرة، وإلا فمن لهؤلاء العوانس؟ غداً يموت أبوها وتموت أمها، وتبقى ذليلة عند أخ لا يحترمها، أو ولي لا يقدّر قدرها، فكونها تحصل على نصف رجل، أو ثلث رجل، خيراً لها أن تعيش طول عمرها بلا رجل، فربما رزقها الله أولاداً تأنس بهم، ويكون لها بيتاً تستقر خير لها من أن تعيش طوال حياتها لوحدها، وقبل هذا كله وقبل ذكر هذه المحاسن في التعدد يكفي أنه تشريع من الله، والله -جل وعز- هو الذي خلقنا، وهو سبحانه يعلم ما يُصلح أحوالنا وما يفسدها، فلا يُحرّم الله شيئاً إلا وفيه مضرة، ولا يبيح شيئاً إلا وفيه المنفعة، لكن المشكلة هذه القناعات عند الناس اليوم، بأن الزواج الثاني يجلب المشاكل، وأن التعدد ظلم للمرأة،
ولو فتشنا من أين جاءت هذه الآراء، وكيف صار الناس يعتقدون ويظنون هذا الظن، لوجدت أن الإعلام هو السبب في ذلك؛ أفسد على الناس فطرهم، هذه الأفلام التي تعرض على الناس، وهذه المسلسلات التي يشاهدها الناس، تَعرِض الزواج الثاني بأنه يفرق الأولاد ويظلم المرأة ويجلب المشاكل، مسلسل بعد آخر، وفيلم بعد آخر، يتأثر الناس وتتغير قناعاتهم، ولو بحثت خلف الستار من وراء هذه الأفلام ومن المنتجون لهذه المسلسلات، هل هم أناس مخلصون همهم حماية الشعوب المسلمة، ونشر الفضيلة؟ أم أن القائمين عليها مجرمون، بل ولهم علاقات مشبوهة بمنظمات سرية؟
ولقد كشف الزمان أوراق عدد من كبار الممثلين –زعموا– ومن أبطال الشاشة، ومن ممثلات قديرات كما يعبرون، اتضح أنهم أعضاء في منظمات ماسونية، يعملون ليل نهار ويخططون لهدم الدين، فيصورون أحكام الشرع وأوامر الله أنها ظلم، ومشاكل، ومع الأسف أننا نصدق ونتأثر بكل ما يبث وينشر.
فهل نرتقي بعقولنا قليلاً؟ وهل من تأمل وتبصر؟
نغيّر قناعاتنا حول أحكام شرعها الله -جل جلاله- بسبب فيلم أو مسلسل، ونقتنع بأن التعدد خطأ، ثم بعدها لتنتشر الرذيلة والفاحشة في البلد؛ بسبب كثرة العوانس والمطلقات ومن مات زوجها.
ومن أشراط الساعة: ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكثر موت الفجأة بين الناس:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن من أمارات الساعة –وذكر منها– أن يظهر موت الفجأة)) [رواه الطبراني في الصغير]، وهذا أمر مشاهد في هذا الزمن، حيث كثر في الناس موت الفجأة.
لقد كان في الماضي يشعر الرجل ويحس بمقدمات الموت، ويبقى لأيام مريضاً، يعرف أن هذا مرض الموت، فيكتب وصيته ويودع أهله ويوصي أولاده، بل ويقبل على ربه ويتوب مما سلف منه، ويبدأ في ترديد الشهادة؛ ليُختم له بها.
أما الآن، فترى الرجل صحيحاً معافى، لا يشتكي من شيء البتة، ثم تسمع خبر وفاته فجأة، وهذا ما يسمى في الوقت الحاضر بالسكتة القلبية، ومثله الحوادث المفاجئة، التي يهلك بها الناس فجأة، فإذا كان الأمر كذلك، فعلى العاقل أن يتنبه لنفسه، ويرجع ويتوب إلى ربه.
كن مستعداً يا أخي الحبيب لموت الفجأة، فربما لا تكمل سماع هذه المحاضرة، وكم من رجل كبّر تكبيرة الإحرام ولم يُسلّم منها،
ولهذا كان الإمام البخاري -رحمه الله- يقول:
اغتنم في الفــــراغ فضــــل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح رأيتُ من غير سقيم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته
قال ابن حجر -رحمه الله-: وكان من العجائب أن البخاري نفسه -رحمه الله- وقع له ذلك أو قريباً منه.
ومن أشراط الساعة أيضاً: أن تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً:
روى مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)).
إن أرض العرب أرض قاحلة -كما هو معروف- شحيحة المياه، قليلة النبات، غالب مياهها من الآبار والأمطار، فمن علامات الساعة، أن تنقلب هذه الأرض ويكثر فيها المياه، حتى تكون أنهاراً، فتنبت بها النباتات فتكون مروجاً وحدائق وغابات، ونحن نشاهد في وقتنا هذا أن عيوناً كثيرة تفجرت كالأنهار، وقامت عليها زراعات كثيرة، ولعل من أعجب ذلك هذا الحديث الصحيح في صحيح مسلم عن منطقة تبوك، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة تبوك: ((إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ))، فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟)) قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، قَالَ: وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ -شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: ((يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا)).
ومن أشراط الساعة أيضاً: تمني الموت من شدة البلاء:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ)) [رواه البخاري]، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدِّينُ إلا البلاء)) [رواه مسلم].
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغيّر الأحوال، وتبديل رسوم الشريعة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "سيأتي عليكم زمان لو وَجَد أحدكم الموت يُباع لاشتراه"،
وكما قيل:
وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موتٌ يباع فأشتريه
والأمر كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: إن هذه الحالة لا يلزم كونه في كل بلد ولا في كل زمن، ولا في جميع الناس، بل يصدق اتفاقه للبعض في بعض الأقطار في بعض الأزمان. فنحن ولله الحمد نعيش في عافية، أسأل الله -جل وع- أن نبقى في عافية، وأن يجنبنا الفتن، وإلا فالأيام حبلى، فإن هذا العصر الذي نحن فيه الآن في الوقت الذي نعيش فيه نحن بأمان، فإن غيرنا من المسلمين، وفي بلاد كثيرة يمرون بأحوال فعلاً يتمنى الواحد منهم الموت من شدة البلاء.
لقد مرت أيام -وما تزال- سمعنا أخبارهم على المسلمين في لبنان وفلسطين، ومسلمي العراق من الأكراد وغيرهم، ناهيك عن مسلمي البوسنة أو الشيشان أو غيرها، مرت أحوال على ضعاف المسلمين هناك يتمنى الواحد منهم أن يكون في بطن الأرض، ولا يرى ويعيش ما يحصل له على ظهرها.
تخيل يا أخي أنت أنهم دخلوا عليك في بيتك وأنت جالس أو نائم مع أهلك وأولادك ثم أمسكوا بأبيك الشيخ الكبير وذبحوه أمامك ذبح الشاة، وأمسكوا بأمك العجوز وبقروا بطنها وأنت تنظر، ثم انتزعوا منك زوجتك وانتهكوا عرضها أمام عينيك، أما أولادك الصغار، فيؤخذ الواحد تلو الآخر، ويغمس في بركة حتى يموت غرقاً وأنت تشاهد أليس الموت خير لك من هذا؟! ألا تتمنى الموت قبل أن تعيش هذه الحالة،؟! أسأل الله تعالى أن لا نرى مثل هذه الأحوال.
إذن فاعلم يا أخي بأن لك إخواناً مستضعفين في بلدان كثيرة في العالم الإسلامي وغيره، يعيشون مثل هذه الحالات وأشد، وتمر بهم أحوال أصعب من هذا، مذابح وحشية يمارس مع المسلمين، القتل بأقسى صوره وأشكاله.
سمعنا بأخبار من طاجاكستان وغيرها أنه يؤتى بأعداد من المسلمين، ثم يؤخذ الواحد تلو الآخر ويمررون على منشار كهربائي، تخيل ينتظر دوره في الطابور، وهو يرى أمام عينيه القتل بهذه الصورة -يقطع بالمنشار- ويؤخذ الأطفال والأولاد، ويوضعون في أنابيب ثم يغلق طرفي الأنبوب لساعات حتى يموت الطفل.، ألا يكفي في قتل هؤلاء أن يقتلوا مباشرة بالرصاص، أو بالقنابل والرشاشات إبادة جماعية؟ بلى يكفي، لكن هؤلاء النصارى يتلذذون في قتل المسلمين بأبشع الصور، وما ذكرت فقط نماذج، وإلا ما يُرى ويُسمع أشد من هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونحن هنا مشغولون في متابعة الدوري، وجولات المصارعة الحرة، ورجالنا -ولا أقول الشباب أو النساء، بل الرجال- ما يزال يغني ويرقص، وكأن الأمر لا يعنيه.
هل تظنون أن الله لا يسألنا ولا يحاسبنا عن هذا التقصير والإهمال تجاه المسلمين؟ أم أن الله لا يحاسبنا عن حياة الغفلة واللهو والعبث التي نعيشها؟
والله الذي لا إله إلا هو سيسأل كل واحد منا بنفسه عن واقعه، وعن أحوال أمته، فماذا أنت مجيب؟ وقد نعاقب نحن عقوبة دنيوية عاجلة ونبتلى بمثل ما ابتُلي به غيرنا؛ نتيجة تقصيرنا وغفلتنا عنهم، والحال كما تعرفون من أنفسكم، والله لا نحسن حتى الهرب، لا نعرف كيف نهرب فضلاً عن المواجهة والبذل والصبر. والله -جل وتعالى- لا يحابي أحداً؛ لأنك من قبيلة كذا، أو لأن نسبك إلى فلان أو فلان.
المخالفة الربانية، وعصيان أمر الله يوجب العقوبة، إما في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة..
يا ساري الليـــــــــــــــــل غطى ليلنا ليلُ *** يموج بالظلم والحافـــون ما انتعلوا
لا تلتفت يا رفيق الليــــــــــــــــــل إن لنا *** ضيــــــــــاء فجر به الركبان تحتفل
نشكوا ظلام ليالينـــــــــــــــــــــا فأغرقنا *** ظلام ليـــــــــــل به قد ضاقت الحيل
هذي فلسطين تدعـــــو المسلمين ضحىً *** أين المجيبون أم باللــــــذة انشغلوا
والله ما زعزعوا فينــــــــــــــــا كرامَتَنَا *** فالقدس من أرضنا والجــرح يندمل
مصائب تعجزُ الألبــــــــــــــــاب وقعتها *** في كل أرض لنــــــــا قد ذابت المقل
دارت رحى الكفـــر في البلقان كم لَعَبوا *** بعرض أخت لنــا في الدين كم فعلوا
كــــــم استغاثت وكــــــم نادت على أملٍ *** والقوم لاهـــــــون والأعراض تبتذل
عذراً فقومي لهــــــــــــــم شأنٌ يثبّطهم *** عن نصرة الحق بالتشجيع قد شغلوا
هذي الملاعب تزهــــــــــو بالأُلى فتنوا *** عن دينهم وعلى السفاسف قد جُبلوا
ماذا أقـــــــــــــــــول وعن ماذا أحدثكم *** مـــاذا أقـــــــول ويلطم وجهي الخجل
هذي جراحات أمتنــــــــــــــا نغص بها *** كالعلقـــــم المـــرّ لا حلــــوٌ ولا عسلٌ
لكنها سنـــــــــــــــــــة الرحمن ماضية *** وكـــــــــــــل خطب لأجـــل الله يحتمل
فلنتَّقِ الله أيها المسلمون ولننتبه، كفانا غفلة وكفانا عدم مبالاة، فالأمر جد خطير، ولنبدأ ببعض الخطوات العملية، وكل بإمكانه أن يقدم لأمته.
خذ هذا المثال: لماذا لا تقتطع شيئاً يسيراً من مرتبك ودخلك تجعلها لله، لنكبات المسلمين هنا أو هناك، ولكي نكون عمليين لا نريد ألف ريال شهرياً ولا ألفين، هل تعجز عن عشرين ريال شهرياً، فقط عشرين ريال لكنه شهرياً، تواصل في هذا المشرع، البعض يتحمس بسماع خطبة أو محاضرة، ثم يتصدق ويتبرع بألوف ثم ينام بعدها عشر سنين، لا نريد صدقات العواطف وتبرعات الفلتات العارضة، نريد عشرين ريال شهرياً إلى أن تموت، لو حسبنا فقط أهل هذا الحي، والبيوتات الموجودة والتزم كل مكلف بذلك، كم سنجمع شهرياً، أنا متأكد أنها تزيد على العشرة آلاف، أليس هذا المبلغ بإمكاننا أن نفك به عوز أسر فقيرة، وأرامل في نفس حيِّنا هذا، ونستر عليهم؛ لئلا يذلوا أنفسهم لغيرهم، وهكذا لو تحركنا بمثل هذه المشاريع البسيطة السهلة، والتي لا تكلفنا كثيراً، لقدمنا كثيراً لأمتنا، وهذه فقط فكرة، وأنا متأكد بأن العقلاء والأذكياء أمثالكم لو فكروا لخرجوا بعشرات الأفكار المناسبة.
ومما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ضمن أشراط الساعة:
أنه في آخر الزمان يخرج رجل من قحطان، يحكم الناس بالعدل، وهو رجل صالح، تدين له الناس بالطاعة، وتجتمع عليه، ويكون ذلك عند تغيّر الزمان، ولهذا ذكر البخاري -رحمه الله- حديث القحطاني في باب تغير الزمان، والقحطاني ليس هو المهدي الذي سيخرج –أيضاً- في آخر الزمان، فإن خروج المهدي يكون من علامات الساعة الكبرى، وسيكون خروجه بعد القحطاني بزمن، وليس القحطاني هو الجهجاه الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيحكم –أيضاً- ويكون له الملك في آخر الزمان؛ لأن الجهجاه رجل من الموالي، أما القحطاني فهو من الأحرار نسبة إلى قحطان الذي تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وهمدان وغيرهم إليه.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ)) [رواه البخاري ومسلم].
ومعنى يسوق الناس بعصاه: كناية عن استقامة الناس وانعقادهم إليه واتفاقهم عليه، وفيه إشارة أيضاً إلى القسوة على أهل المعصية؛ لأنه رجل صالح يحكم بالعدل، ولا يرضى بانتشار المعاصي والمنكرات تحت ولايته.
ولمّا حدّث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- بهذا الحديث غضب معاوية -رضي الله عنه- فقام وتكلم وقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن هذا الأمر -أي الحكم- في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين)).
ومعاوية -رضي الله عنه- لم ينكر حديث خروج القحطاني، ولكنه كان يريد -رضي الله عنه- التأكيد على أن الخلافة لا تجوز في غير قريش، لكن بشرط كما في حديث معاوية ((ما أقاموا الدين))، والحديث في البخاري فإذا لم يقيموا الدين خرج الأمر من أيديهم، وهذا هو الذي حصل، فإن الناس لم يزالوا في طاعة قريش إلى أن ضعف تمسكهم بالدين فضعف أمرهم، وتلاشى ملكهم، وانتقل الحكم إلى غيرهم، وهذه سنة ربانية ماضية إلى يوم القيامة، فكلما بدّل الناس، بُدّل عليهم.
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 19:19
ومن علامات الساعة: ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- عن آخر الزمان من كثرة الروم –وهم النصارى– وقتالهم للمسلمين:
روى مسلم في صحيحه حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" تقوم الساعة والروم أكثر الناس " وعن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " اعدد ستاً بين يدي الساعة – فذكر منها: ((ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر –وبنو الأصفر هم الروم النصارى– فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية –أي راية– تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً))، وهذا يعني بأن عدد النصارى في هذه المعركة يقارب المليون؛ لأنهم سيأتون تحت 80 راية، وتحت كل راية اثنا عشر ألفاً، وهذا القتال يقع في الشام في آخر الزمان قبل ظهور الدجال؛ كما دلت على ذلك الأحاديث، ويكون انتصار المسلمين على الروم تهيئة لفتح القسطنطينية، والتي فتحُها أيضاً من أشراط الساعة؛ فعن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحفظت منه أربع كلمات أعدُّهن في يدي، قال: ((تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ))، قَالَ: فَقَالَ نَافِعٌ: يَا جَابِرُ لَا نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ" [رواه مسلم].
وجاء تحديد أرض المعركة مع النصارى أنها في الشام في حديث أبي الدرداء في سنن أبي داود أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "((إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ))،
قال ابن المنيّر -رحمه الله- وهو الحافظ زين الدين عبد اللطيف من أعيان القرن التاسع الهجري قال: أما قصة الروم يقصد المعركة الكبرى بين المسلمين والنصارى فلم تجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد، فهي من الأمور التي لم تقع بعد، وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دلّ على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه بشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه.
إن صراع المسلمين مع النصارى صراع قديم، بدأ هذا الصراع مع غزوة مؤتة، وكان هذا أول التقاء للمسلمين مع النصرانية، في جماد الأولى سنة ثمان من الهجرة، وانتهت المعركة الذي كان عدد المسلمين فيه ثلاثة آلاف وعدد النصارى مائة ألف، انتهت بانسحاب الجيش المسلم بدون هزيمة، لكن قذف الله الرعب في قلوب النصارى، وبدأ الخوف من هذه القوة الجديدة التي ظهرت في جزيرة العرب وقبل هذه الغزوة بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسائل إلى ملوك عصره يدعوهم للإسلام، فكان من جملة ما بعث رسالة إلى قيصر ملك الروم –وهم النصارى في ذلك الوقت-: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين)).
إن هذا الكتاب الذي بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- للنصارى يمثل الإعلان الدائم والمستمر على أن الصراع بين الإسلام والنصرانية سيبقى؛ لأن الشرط الذي في هذا الكتاب هو قبول الإسلام، والخروج من النصرانية، بل والتخلي عن الزعامة، ونحن نشاهد أن زعامة العالم اليوم في أيديهم، أما نحن المسلمون فواجب علينا تحقيق هذا الكتاب، والسعي لتنفيذه وبذل كل غالٍ ورخيص في سبيل الوصول إليه.
فينبغي أن نعلم بأن من سنن الله الثابتة في هذا الكون هو ديمومة الصراع مع النصارى، وأنه سيستمر إلى نهاية العالم، وقد ورد ما يشير إلى بقاء هذا الصراع في كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بطريق غير مباشر حيث قال: ((فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين))، والأصرح منه قول الله -تبارك وتعالى-: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [(14) سورة المائدة].
إذن صراع الإسلام مع النصرانية، سيستمر إلى قيام الساعة، وهو فتنة ابتلى الله بها المسلمون، وهذا قدرهم وما عليهم إلا الصبر وحتمية المواجهة، وسيكون هذا الصراع بين مد وجزر، تنتهي بالمعركة الفاصلة، وبالملحمة الكبرى التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص، تنتهي بالهزيمة النهائية، حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما -العاصمة الروحية للنصرانية- وعند هذا الفتح تنتهي معركة الروم، ويتحقق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يتم فتح الروم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها، ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم، لنبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية.
روى الحاكم في المستدرك والإمام أحمد في مسنده واللفظ للحاكم عن خالد بن معدان أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تصالحون الروم صلحاً آمناً، حتى تغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتُنصرون وتغنمون وتنصرفون حتى تنـزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيتداولانِها بينهم، فيثور المسلم إلى صليبيهم وهم منهم غير بعيد فيدقه، ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيكرم الله -عز وجل- تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك جد العرب، فيغدُرون فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً))، وفي رواية أخرى للحاكم: ((ستصالحكم الروم صلحاً آمناً، ثم تغزون أنتم وهم عدواً، فتُنصرون وتَسلَمون وتَفتَحون، ثم تنصرفون بمرج، فيرفع لهم رجل من النصرانية الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليهم فيدق الصليب، فعند ذلك تغضب الروم فيجتمعون للملحمة)).
في هذا الحديث العظيم يتضح بعض الحقائق التي تبين مستقبل الصراع مع النصارى نلخصها في النقاط التالية.
أولاً: أن هذه الهيمنة من قبل النصارى اليوم على العالم سيزول، وأن هذه القوة المادية وهذه التقنية لن تستمر حتى نهاية العالم، قال الله تعالى: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [(24) سورة يونس].
إذن: فهذه العقلية التي يعيشها الغرب اليوم أنهم قادرون على فعل كل شيء، وهذا التباهي بالقوة المادية والعسكرية والتقنية، ستزول بقوة الواحد الأحد.
ثانياً: يشير الحديث إلى خفض الهيمنة العالمية المعاصرة للنصارى، وفك ارتباط بعض الحكومات المعاصرة مع العدو الصليبي اليهودي، وابتعاد النفوذ الصليبي عن المنطقة مما يتيح للمسلمين تسلم زمام الأمور وتكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى ويطلبون الصلح للحصول على مساندة لمحاربة عدوها الذي سيُنـزِل بها الدمار.
ثالثاً: أن هذا الصلح الذي سيتم مع النصارى آخر الزمان يتم بناء على رغبة من النصارى، فهم الذين يطلبون الصلح؛ بقصد الاستعانة بالمسلمين، وهذا يؤكد أنه سيكون للمسلمين دولة قوية، وهو مؤشر إلى أنه قبل الملحمة ستقوم للمسلمين دولة قوية، يخشاها النصارى ولمعرفتهم بقوة المسلمين يحشدون لهم ما يقارب مليون شخص، ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً.
رابعاً: يفهم من هذا الحديث أن الفكر العلماني المعاصر التي تتبناه الدول النصرانية سوف يحل محله الفكر الديني الصليببي، وأن الدول النصرانية ستعود إلى دينها، بعد أن قضت ردحاً من الزمن وهي غارقة في شهواتها وعلمنتها، وأن الدين سيكون هو المحرك لهذه الدول، وهذا يؤخذ من الحديث، من قيام رجل منهم برفع الصليب بقصد إظهار القوة النصرانية، فيغضبُ المسلمون لذلك فيعمدون إلى الصليب فيكسرونه، مما يثير غضب النصارى فيقومون بقتل الجيش الذي كان معهم، وبهذا ينقضون الصلح مع الدولة الإسلامية وتكون نهايتهم.
خامساً: أن هذا الحديث وما سبق وأمثاله من علم الغيب الذي أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونحن أمة تؤمن بالغيب، قال الله تعالى: {الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [(1-3) سورة البقرة].
فانطلاقاً من إيماننا بالغيب، وثقة بما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنحن على موعد مع النصارى، وسيتحقق كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسترفرف رايات المجاهدين فوق دول النصارى وسيطأ المسلمون بأقدامهم عاصمة الفاتيكان الحالية روما، وستلتحم هذه الأمة مع أعدائها ويكون الغلبة لها، وستقع المعركة الفاصلة مع النصارى، وسيُكسر الصليب فوق رؤوس أصحابه، وستكون معركة شديدة قوية، وسيكون قتلاها عدد كبير من الطرفين، {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [(51) سورة الإسراء].
إذن: من أشراط وعلامات الساعة أيضاً أن يفتح المسلمون القسطنطينية، وسيكون هذا قبل خروج الدجال، وبعد قتال الروم في الملحمة الكبرى وانتصار المسلمين عليهم، فعندئذٍ يتوجهون إلى مدينة القسطنطينية، فيفتحها الله للمسلمين بدون قتال، وسلاحهم التكبير والتهليل.
والقسطنطينية فتحت أيام الترك ولكن بقتال، ثم رجعت في أيدي الكفار، وستفتح فتحاً أخيراً بخبر الصادق المصدوق وبدون قتال.
وفتح الترك لها كان تمهيداً للفتح الأعظم، ففي صحيح مسلم حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْر))، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا))، قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: ((الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمْ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ)).
والقسطنطينية هي المعروفة الآن بـِ اسطنبول من مدن تركيا.
إن القسطنطينية لم تفتح في عصر الصحابة، فإن معاوية -رضي الله عنه- بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ولم يتم لهم فتحها، ثم حاصرها بعد ذلك مسلمة بن عبد الملك، ولم تفتح أيضاً، ولكنه صالح أهلها على بناء مسجد بها، ثم فتحت أيام الترك بقتال، لكنها رجعت تحت حكم الكفار، وها نحن ننتظر الفتح الأعظم لها -بإذن الله -عز وجل- وسيسبق ذلك أمور وأحوال، منها: عودة ورجوع المسلمين إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، نسأل الله تعالى أن يعجل بفرج أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-..
أشراط الساعة الكبرى
إن الحديث عن أشراط الساعة الكبرى من المواضيع التي قد تكون معروفةً عند البعض أو مكرراً، لكن طرقه له عدة فوائد:
أولاً: أن الحديث عن قضايا الغيب وما سيكون في آخر الزمان مما يزيد المسلم إيماناً وإن كان معروفاً.
ثانياً: ليس بصحيح أن كل ما ستسمعه الليلة معروف ومكرر، فقد يعرف بعضنا مثلاً بأن الدخان من أشراط الساعة الكبرى، لكن بعض تفاصيلها قد يجهله.
ثالثاً: ليس الهدف من طرح هذا الموضوع هو السرد فقط، لكن الأهم منه زيادة الإيمان والتوحيد، والاستعداد لهذه الأحوال، والأهم ربط هذه المسائل وهذه القضايا بواقعنا، أسأل الله -جل وتعالى- الإعانة والتوفيق.
روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: "اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: ((مَا تَذَاكَرُونَ؟))، قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: ((إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ))، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ، خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ".
إذا ظهرت علامة من علامات الساعة الكبرى فإن أخواتها تتبعها كتتابع الخرز في النظام يتبع بعضها بعضاً. روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يُقطع السلك يتبع بعضها بعضاً)).
سيظهر في آخر الزمان -وذلك بعد فشو الفساد، وكثرة المنكرات، واستفحال الظلم، وقلة العدل- رجلٌ يُصلح الله على يديه أحوال هذه الأمة، هذا الرجل يعرف عند أهل السنة بالمهدي، من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذرية فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ولد الحسن بن علي -رضي الله عنهم-، يؤيد الله به الدين يحكم سبع سنين، يملأ الأرض خلالها عدلاً كما ملئت جَوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة عظيمة، تُخرج الأرض نباتها، وتُمطر السماء قطرها، ويُعطى المال بغير عدد.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "في زمانه -أي في وقت المهدي- تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم".
يخرج مهدي أهل السنة من قبل المشرق، وعند خروجه لا يكون لوحده، بل يؤيده الله بأناس من أهل المشرق يحملون معه الدين ويجاهدون في سبيله كما ورد بذلك الحديث.
ووقت خروجه عندما يقتتل ثلاثة من أولاد الخلفاء على كنـز الكعبة؛ كلهم يريد الاستيلاء عليها ولا يكون لواحد منهم؛ معاقبة من الله على نقيض قصدهم، فيخرج على الناس فيُبَايع عند الكعبة.
عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقتتل عند كنـزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تَطلُع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يُقتَله قوم))، قال ثوبان -رضي الله عنه-: ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: ((فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج)) [رواه ابن ماجه]. ولماذا الراية التي يحملها المهدي سوداء اللون؟
قال ابن كثير: "ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشيدون أركانه وتكون راياتهم سود أيضاً، وهو زيّ عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت سوداء يقال لها: العقاب.
روى الحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً -أي تسوية بين الناس- وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً))، وفي رواية: ((ثم لا خير في الحياة بعده))، وهذا يدل على أن بعد موت المهدي يظهر الشر والفتن العظيمة مرة أخرى.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)) [رواه الإمام أحمد بسند صحيح].
قال الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: "أمر المهدي معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وتواترها تواتر معنوي؛ لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني، من ذرية الحسن بن علي -رضي الله عنهم- وهذا الإمام من رحمة الله -عز وجل- بالأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهدايةً وتوفيقاً وإرشاداً للناس. انتهى..
والرافضة يزعمون أن لهم مهدياً ينتظرونه، وهو آخر أئمتهم وهو الإمام الثاني عشر المدعو محمد بن الحسن العسكري، وهو عندهم من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، ويعتقدون أنه دخل سرداب سامراء منذ أكثر من ألف سنة، ولما دخل كان عمره خمس سنوات، وهو يعيش هناك ولم يمت، وسوف يخرج في آخر الزمان، ويعتقدون أنه حاضر في الأمصار غائب عن الأبصار، وكلامهم هذا لم يقم عليه دليل ولا برهان ولا عقل ولا نظر، وهو مخالف لسنة الله في البشر، فأنبياء الله ورسله الذين هم أفضل الخلق عند الله توفاهم الله وهم أحوج ما تكون لهم البشرية، ومهدي الرافضة ما زال حياً منذ ألف سنة – زعموا - ثم ما الداعي لغيبته واختفائه طوال هذه المدة وهو حيّ؟ فلماذا لم يخرج ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وواقع الأمة اليوم أحوج ما تكون له؟
قال ابن كثير -رحمه الله-: "ويكون ظهوره من بلاد المشرق -يعني مهدي أهل السنة- لا من سرداب سامرّاء، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان؛ فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان. انتهى..
هناك رجال من الحكام ادعوا المهدية، لا أنهم المهدي بل تفاؤلاً بأن يكون من الأئمة المهديين الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، منهم المهدي أحد خلفاء دولة بني العباس. وهناك رجال زنادقة ادعوا المهدية على أنهم المهدي الذي بشر به النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم الملحد عبيد الله بن ميمون القداح، عاش في القرن الثالث الهجري، كان جده يهودياً، انتسب زوراً إلى بيت النبوة وادعى أنه المهدي، وحكم وتغلّب واستفحل أمره واستولت ذريته على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، واشتدت غربة الإسلام، وكانوا يدّعون الألوهية وهم ملوك الرافضة القرامطة الباطنية أعداء الدين تستروا بالرفض والانتساب كذباً لأهل البيت، ودانوا بدين الإلحاد، ولم يزل أمرهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم بصلاح الدين الأيوبي، فأبادهم وأراح الناس من شرهم.
ومن علامات الساعة الكبرى: الدجال:
وما أدراكم ما الدجال، منبع الكفر والضلال، وينبوع الفتن والأوجال، ما من نبي إلا وحذر أمته الدجال بالنعوت الظاهرة وبالأوصاف الباهرة، ولكن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر تحذيراً لأمته منه، فأوضح للناس صفاته وأعماله حتى لا تخفى على ذي بصر.
ليس هناك فتنة ستمر على البشرية عبر تاريخها أعظم من فتنة الدجال، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة، خلق أكبر من الدجال))، وفي رواية: ((أمر أكبر من الدجال)) [رواه مسلم].
فتسأل وتقول لماذا؟
الجواب: لأن الدجال رجل من بني آدم، واحد من بني البشر، لكن الله -جل وتعالى- يعطيه بعض القدرات والتي لم يعطها لأحد من خلقه، ولا أيضاً أحد رسله وأنبيائه، فلهذا يُفتن الناس به، وتكون فتنته عظيمة.
من ذلك أنه يَقتل ثم يُحيي من قتله، يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، ويأتي للأرض القاحلة الجرداء ويأمرها أن تخرج كنوزها فتُخرج، وأموراً أخرى عجيبة يفعلها كاستجابة الجماد والحيوان لأمره، فيسحر الناس ويتبعونه، ومن تبعه وفتن به فهو الخاسر الهالك، والله والمستعان.
فربما تسأل ثانيةً وتقول: ولماذا يعطي الله -عز وجل- هذا الرجل هذه القدرات وهذه الصفات؟
فالجواب: أن الله -جل وتعالى- لا يُسأل عما يفعل، هذا أولاً، ثم إن العلماء -رحمهم الله تعالى- ومنهم الخطابي ذكروا حكماً في ذلك، منها أنها اختبار وامتحان للناس، وأنها على سبيل الفتنة للعباد، فأسأل الله -جل وتعالى- أن يعصمني وإياكم من كل فتنة.
وقبل خروج الدجال يكون للمسلمين شأن كبير وقوة عظيمة، ثم يحصل صلح بين المسلمون والروم ويغزون جميعاً عدواً مشتركاً فينتصرون عليه، ثم تثور الحرب بين المسلمين والصليبيين وتحصل بينهم ملحمة عظيمة.
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديث هول هذه المعركة وكيف يكون صبر المسلمين فيها، ثم يكون لهم النصر على أعدائهم، ويحصل فتح القسطنطينية فتُغنم غنائمها، وبينما المسلمون يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ بأن الدجال قد خرج.
والذي يزيد من فتنة الدجال أن الله -جل وعز- يبتلي هذه الأمة قبيل خروجه بقحط وبلاء شديد، فعندما يظهر ويأتي بالخوارق ويدعي الألوهية يصدقه الناس ويفتنون به.
عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ، يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا، وَيَأْمُرُ الأرض فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِي الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الأرض فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلَا تُقْطِرُ قَطْرَةً، وَيَأْمُرُ الأرض فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلَا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فَلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلَّا هَلَكَتْ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ))، قِيلَ: فَمَا يُعِيشُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ قَالَ: ((التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ، وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُجْرَى الطَّعَامِ)) [رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم بسند صحيح].
لقد وصف لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدجال بصفات دقيقة محددة فقال عنه أنه رجل جسيم، أحمر، جعد الرأس، قصير القامة، أقرب الناس به شبهاً عبد العزى بن قطن من خزاعة، عقيم لا يولد له، أعور العين.
ولقد ركز المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على وصف عيني الدجال، وركز على عوره في غير ما حديث؛ لأن الدجال مهما تخلص من شيء من صفاته فإنه لا يستطيع أن يتخلص من عينيه، فالعينان ظاهرتان بارزتان لكل أحد، قال ابن حجر: "لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية" .
عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وأن بين عينيه مكتوب كافر)) [رواه البخاري]، وهذه صفة أخرى للدجال، وهو أن الله تعالى مع ما أعطاه من قدرات إلا أنه فضحه بهذه الكتابة التي بين عينيه والتي لا يملك إزالتها، وسيقرؤها كل مسلم أراد الله عصمته من الدجال وإن كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب.
قال النووي -رحمه الله-: "إن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك" . انتهى كلام النووي -رحمه الله-.
إن مما يذهل عقول الناس فتنةً بهذا الرجل ما يعطيه الله من أمور منها:
أنه يجول أقطار الأرض ويعطى سرعة فائقة في التنقل والتحرك فلا يترك بلداً إلا دخله إلا مكة والمدينة يقف على أنقابهما الملائكة يمنعانه من الدخول، وقد حمى الله تعالى مكة والمدينة من الدجال والطاعون، ووكل حفظهما إلى ملائكته، فبعدما يُمنع من الدخول كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ينـزل بالسبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق))، وهذا يدل على وجود الكفار في المدينة في ذلك الوقت.
قيل: يا رسول الله: فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم يومئذٍ قليل. وعندما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سرعة تنقل الدجال قال: ((كالغيث استدبرته الريح)) [رواه مسلم].
وأيضاً مما يفتن به الدجال الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار، وواقع الأمر ليس كما يبدو للناس؛ فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذي يرونه ناراً إنما هو ماء بارد، وأن الذي يرونه ماءً بارداً إنما هو نار. وهذا يدل على أن الناس لا يدركون ما مع الدجال حقيقة من شدة الفتنة، وأن ما يرونه لا يمثل الحقيقة بل يخالفها.
إن الشيطان قد وجد مبتغاه في الدجال، ولذا فهو يعينه ويتعاون معه لكن على الشر، لإضلال الناس زيادةً، ومن المعلوم أن الشياطين لا تخدم إلا من كان في غاية الإفك والضلال.
روى ابن ماجه بسند صحيح عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بُني اتبعه، فإنه ربك)).
وأما عن مكان خروج الدجال، فإنه أول ما يخرج كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المشرق من أرض خراسان من بلد أصبهان ومن حارةٍ يقال لها: اليهودية، لكن ظهور أمره للمسلمين يكون عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، وعندما يَظهرُ أمره فسيكون اليهود هم أول الناس فرحاً به، رغبة منهم في السيطرة على العالم عن طريقه.
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة))، والطيلسان ثوب يلبس على الكتف يحيط بالبدن خال من التفصيل والخياطة، وأيضاً يتبعه كثير من الأعراب؛ لأن الجهل هو الغالب عليهم، وكذلك النساء فحالهنّ أشد من حال الأعراب، وذلك لسرعة تأثرهنّ وقلة عقلهنّ، ففي الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا؛ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْه)) [رواه الإمام أحمد بسند صحيح].
سأل الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المدة التي يمكثها الدجال في الأرض إذا خرج فقالوا: وَمَا لَبْثُهُ فِي الأرض، قَالَ: ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ((لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)) [رواه مسلم]، وهذا يدل على أن اليوم يطول حقيقة حتى يصبح اليوم الأول كسنة حقيقةً واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كأسبوع وبقية الأربعين كأيامنا العادية، وأولَ ما فكر فيه الصحابة في خضم هذه الفتنة الصلاة، يومٌ مفزع ومخيف وطويل ينسى فيه المرء أهله وأولاده بل حتى نفسه، والصحابة أولَ ما يهمهم أمر الصلاة: "يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ((لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)).
وقد قدّر الله لهذه الفتنة مدة ثم تنتهي بقتل الدجال، ويكون هلاكه على يد عيسى بن مريم -عليه السلام- عندما ينـزل في آخر الزمان إلى الأرض وقد عمّت الفتنة، فيُنـزل الله عيسى -عليه السلام- كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخبر الصحيح عنه أنه ينـزل على المنارة الشرقية بدمشق فيلتف حوله المؤمنون فيسير بهم قاصداً الدجال، ويكون الدجال وقت نزول عيسى -عليه السلام- متوجهاً نحو بيت المقدس، معه جيوش اليهود فيلتقيان هناك، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله عيسى -عليه السلام- بحربة في يده ويريق دمه، فينهزم أتباعه فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم ((حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود))، وبقتله -لعنه الله- تنتهي هذه الفتنة العظيمة والتي يهلك ويسقط فيها كثير من هذه الأمة.
وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى ما يعصمها من فتنة الدجال أولها الفرار منه، وعدم إتيانه ولو كان المرء واثقاً من نفسه فإنه لا يدري، عن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات)) [رواه مسلم].
وسيعصم الله أقواماً بفرارهم إلى الجبال، ففي صحيح مسلم عن أم شريك قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليفرنّ الناس من الدجال في الجبال)).
ومما يعصم المسلم من الدجال أن يلجأ إلى أحد الحرمين مكة أو المدينة؛ فإن الدجال محرم عليه دخولهما.
ومما يعصم من الدجال ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من قراءة فواتح سورة الكهف، وفي بعض الروايات خواتيمها، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) [رواه مسلم].
قال بعض أهل العلم والحكمة في ذلك -والله أعلم- هو أن الله أخبر في طليعة هذه السورة أن الله أمّن أولئك الفتية من الجبار الطاغية الذي كان يريد اهلاكهم، فناسب أن من قرأ هذه الآيات وحاله كحالهم أن ينجيه الله كما أنجاهم، وما ذلك على الله بعزيز.
ومما يعصم من الدجال التعوذ من فتنة الدجال، وخاصة في الصلاة كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)).
إذا خرج الدجال فإن الناس سيفتنون به مع ما ورد من تحذيرات وتنبيهات من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ما سمعوا عنه، والسبب هو قلة ورقة الدين والإيمان في قلوبهم.
إن واقع الناس التي نشاهدها اليوم، والله إنه لا يبشر بخير، ولو أتاهم ما هو أقل من الدجال بكثير لفتنهم وأفسد عليهم دينهم وأخلاقهم.
يا أخي أنظر في حال الناس اليوم وما يهويهم وما يفتنهم، لو فتح محل جديد في البلد لبيع أي شيء -وليكن تمراً- فما أن يتسامع الناس به إلا رأيت من له حاجة ومن لا حاجة له طوابير على هذا المحل، الناس اليوم فتنهم الإعلام، وفتنهم المناظر، وفتنهم المجمعات التجارية، وفتنهم السياحة والسفر، وفتنهم أمور تافهة تتعجب من بعض أصحاب العقول والمكانة أن ينساق وراءها، فما بالكم بالدجال الذي لم تمر ولن تمر على البشرية أعظم من فتنته؟!
إذا كان دين الناس اليوم، ومقدار الإيمان في قلوب الناس اليوم وما يعرفون من أحكام الشرع لم يعصمهم من هذه الفتن البسيطة في هذه الفترة، فكيف بذلك الوقت الذي تكون فيه الفتنة أعظم والدين والإيمان أقل؟! نسأل الله العافية.
وأيضاً من أشراط الساعة الكبرى: نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- في آخر الزمان:
زعم اليهود أنهم قتلوا عيسى -عليه السلام- فصدّق النصارى هذه الدعوى ثم اتخذوه ديناً وعقيدةً فعلقوا الصليب فأبطل القرآن زعمهم هذا وأنه لم يقتل، بل رفعه الله إلى السماء، وَرَفعُه إلى السماء كان ببدنه وروحه، وألقى -جل وعلا- الشبه على غيره قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [(157-158) سورة النساء]، ثم أشار الله تعالى إلى أنه سينـزل في آخر الزمان فيبقى ما شاء الله له أن يبقى ثم يتوفاه الله فقال -جل شأنه-: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [(159) سورة النساء].
هذا بالنسبة للقرآن، وأما في خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد ذكر المصطفى -عليه السلام- أموراً تفصيلية، وذلك أن الله -جل وعز- يجعل من نزول عيسى -عليه السلام- رحمة بالأمة وتفريجاً لكربتها، وذلك عندما تشتد فتنة الدجال ويضيق الأمر بالمؤمنين في ذلك الزمان يُنـزل الله عبده ورسوله عيسى -عليه السلام- ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق -كما ورد بذلك الخبر- عليه مهرودتان –أي ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران- واضعاً كفيه على أجنحة ملكين.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه".
وهو رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير، يميل إلى الحمرة والبياض، جعد الجسم عريض الصدر، سبط الشعر، كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق، ويكونون في حال إعداد لحرب الدجال، فيحين وقت الصلاة ويكون صلاة الفجر فيصطف المقاتلون المسلمون ليصلوا، فينـزل عيسى ويعرفه الإمام فيرجع ويطلب منه أن يتقدمهم ويؤمهم فيأبى، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصلّ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، ويصلي عيسى -عليه السلام- خلفه، وهذا فخر لهذه الأمة وأيّ فخر أن يصلي نبيّ خلف رجل صالح من هذه الأمة.
وأول عمل يقوم به عيسى -عليه السلام- هو مواجهة الدجال، فبعد نزوله يتوجه إلى بيت المقدس حيث يكون الدجال محاصراً للمسلمين، فيأمرهم عيسى بفتح الباب، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتحون ويكون الدجال وراءه معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، فيتبعه عيسى -عليه السلام- فيدركه عند باب لدّ الشرقي -كما في الحديث- فيقتله ويريهم دمه في حربته فيهزم الله اليهود.
والسر في ذوبان الدجال إذا رأى عيسى -عليه السلام- هو أن الله أعطى لنَفَسِ عيسى رائحة خاصة، إذا وجدها الكافر مات، ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل قال فيه: ((فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسَه إلا مات)).
ولو تركه عيسى -عليه السلام- لمات لوحده من رائحة النَفَس، لكنه لا يتركه يموت لوحده، بل يقتله بيده؛ لإنهاء أسطورة هذا المخلوق وفتنته، فإن الناس إذا شاهدوا قتله وموته استيقنوا أنه عبد ضعيف مغلوب على أمره، وأن دعواه كانت زوراً وكذباً.
وبعد إهلاك الله للدجال على يد عيسى -عليه السلام- يشاء من هو على كل شيء قدير، الذي له الحكمة البالغة ولا يُسأل -جل وتعالى- عما يفعل أن يخرج يأجوج ومأجوج، ومن مهام عيسى -عليه السلام- بنـزوله إلى الأرض هو القضاء أيضاً على فتنة يأجوج ومأجوج، وبعدها يتفرغ -عليه السلام- للمهمة الكبرى التي نزل من أجلها وهي تحكيم شريعة الله الإسلام، وإخضاع الناس لشريعة رب العالمين، والقضاء على المبادئ الضالة، والأديان المنحرفة، والتي نخرت بجسد الأمة ردحاً من الزمن.
روى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنـزير ويضع الحرب -وفي رواية عند مسلم: وليضعنّ الجزية- ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها)).
فكسره -عليه السلام- للصليب دليل على علو النصرانية المحرفة في ذلك الوقت وانتشارها، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ((ويُهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام)).
وأما عن وضع الجزية فليس معناه كما قد يتبادر للذهن لأول وهلة أنه أسقط الجزية عن أهل الكتاب، أو أنه قد تغيّر شيئاً في شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن معناه أنه لا يقبل من اليهود والنصارى الجزية فإما الإسلام وإما القتل.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة جدد المسلمون المنارة من حجارة بيض، وكان بناؤها من أموال النصارى الذي حرقوا المنارة التي كانت مكانها، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة؛ حيث قيض الله بناء هذه المنارة من أموال النصارى لينـزل عيسى بن مريم عليها فيقتل الخنـزير ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسلم وإلا قتل، وكذلك غيرهم من الكفار" انتهى..
ويبقى عيسى بن مريم -صلى الله عليه وسلم- بعد نزوله أربعون سنة يحكم فيها بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويكون من أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا ينـزل بشرع جديد؛ لأن دين الإسلام خاتم الأديان باقٍ إلى قيام الساعة لا يُنسخ، فيكون عيسى -عليه السلام- حاكماً من حكام هذه الأمة ومجدداً لأمر الإسلام ولا يكون نزوله على أنه نبيّ، فلا نبيّ بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)).
بل يقيم الإسلام في الناس ويصلي إلى الكعبة ويحج ويعتمر، ويُنعم الله فيها على البشرية وقت حكم عيسى -عليه السلام- برخاء وأمن وسلام عجيب لم يمر البشرية بمثلها.
اسمع لهذا الحديث العجيب قال -صلى الله عليه وسلم-: ((فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنـزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتُنـزَع حُمَةُ كلِّ ذات حُمة، حتى يُدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش مُلكُها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمّانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات)).
قال النووي -رحمه الله-: "فيزهد الناس في الإبل ولا يَرغب في اقتنائها أحد؛ لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب قيام الساعة".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت، وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاحّ ولا تحاسد ولا تباغض)).
وعند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيُهلك الله في زمانه -أي في زمان عيسى -عليه السلام- المسيح الدجال، وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم)).
ولعلك تتساءل، عن اختيار عيسى -عليه السلام- دون غيره من الأنبياء لينـزل إلى الأرض؟
ومن أشراط الساعة الكبرى والتي قد سبق الإشارة إليها: خروج يأجوج ومأجوج:
ويأجوج ومأجوج أمتان كثيرتا العدد لا يحصيهم إلا الله، وهما من ذرية آدم -عليه السلام- رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم، جاء في وصفهم أنهم صغار العيون عراض الوجوه شهب الشعور.
وهم موجودون الآن والذي يمنع من خروجهم ذلك السد الذي يحبسهم، السد الذي أقامه الملك الصالح ذو القرنين ليحجز بين يأجوج ومأجوج القوم المفسدين وبين الناس، ولا يُعرف مكان هذا السد بالتحديد، لكنه جهة المشرق؛ لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} [(90) سورة الكهف]، فإذا جاء الوقت المعلوم واقتربت الساعة اندك السد وخرج هؤلاء بسرعة عظيمة وجمع غفير كبير لا يقف أمامهم أحد من البشر، فماجوا في الناس وعاثوا في الأرض فساداً، وهذا علامةٌ على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا وقيام الساعة، وقد اختار الله أن يكون خروجهم بعد نزول عيسى عليه الإسلام وقتله للدجال.
قص الله علينا خبرهم في سورة الكهف، وذلك أن ذا القرنين في تطوافه في الأرض بلغ السدين فوجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، فاشتكوا له الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج، وطلبوا منه أن يقيم بينهم وبين هؤلاء سداً يمنع عنهم فسادهم فاستجاب لطلبهم، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا* قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا* قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَ
- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3761
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: أشراط الساعة الصغرى والكبرى .. (ملف شامل) ...
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011, 19:27
يأجوج ومأجوج
قال الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: يأجوج ومأجوج من بني آدم، ويخرجون في آخر الزمان وهم في جهة الشرق، وكان الترك منهم فتُركوا دون السد، وبقي يأجوج ومأجوج وراء السد والأتراك كانوا خارج السد، ويأجوج ومأجوج من الشعوب الشرقية -الشرق الأقصى- وهم يخرجون في آخر الزمان من الصين الشعبية وما حولها بعد خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- لأنهم تُركوا هناك حين بنى ذو القرنين السد، وصاروا من ورائه من الداخل، وصار الأتراك والتتر من الخارج، والله -جل وعلا- إذا شاء خروجهم على الناس خرجوا من محلهم وانتشروا في الأرض وعثوا فيها فساداً، ثم يرسل الله عليهم نَغفاً في رقابهم فيموتون موتة نفس واحدة في الحال، كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويتحصن منهم نبي الله عيسى بن مريم -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون؛ لأن خروجهم في وقت عيسى بعد خروج الدجال " انتهى..
وبعد هذا الانتشار العظيم للإسلام الذي يعم مشارق الأرض ومغاربها، يقدر الله تعالى بأن يَضعُف الإسلام مرة أخرى وينتفش الشر ويظهر ويعلو وذلك قبيل قيام الساعة، عندها يختار الله تعالى لهذا الدين أن يرفع من الأرض فيرفع القرآن ويذهب العلم وتحصل بعدها أشراط الساعة الكبار، وبعدها يقبض الله تعالى نفس من كان في قلبه بقية من إيمان، حتى إذا لم يبقَ على وجه الأرض إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ -رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((يَدْرُسُ الإسلام كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ -عز وجل- فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الأرض مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لا اله إلا الله فَنَحْنُ نَقُولُهَا)) [رواه ابن ماجه والحاكم وسنده صحيح].
وحتى هذه البقية الباقية التي لا تَعرف من الدين إلا كلمة لا اله إلا الله تفنى وتبيد، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)).
وذهاب هذه البقية الصالحة يكون عن طريق بعث ريح من اليمن وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها ألين من الحرير، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته.
عن النواس بن سمعان قال: ((فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ)) [رواه مسلم].
وروى البخاري عن مرداس الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله باله)).
وبعد انبعاث هذه الريح تنقطع عبادة الحج فلا حج ولا عمرة. ترجع البشرية بعدها إلى جاهليتها الأولى أو أشد، ويرجع عبادة الأوثان، ويعبد الناس اللات والعزى مرة أخرى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: ((فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: ما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان)).
ويتدنى المستوى الأخلاقي تدنياً هائلاً فقد أخرج البزار وابن حبان بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير))، قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: ((نعم ليكوننّ)).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذٍ من يقول: هلاّ واريتها وراء هذا الحائط)).
يظهر بعدها علامة كبرى وهي: الخسوفات الثلاثة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب.
عن أم سلمة -رضي الله عنه-ا قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب))، قلت: يا رسول الله! أيُخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أكثر أهلها الخبث)).
وهذه الخسوفات لم تقع بعد كغيرها من أشراط الساعة الكبرى التي لم يظهر شيء منها، وما حدث من بعض الخسف في أماكن متفرقة من الأرض وفي أزمان متباعدة فذلك كان من أشراط الساعة الصغرى، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وقد وجد الخسف في مواضع ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وجد، كأن يكون أعظم منه مكاناً أو قدراً .
ومن علامات الساعة الكبرى: هدم الكعبة المشرفة والقبلة المعظمة: فالكعبة التي يصلي إليها المسلمون اليوم تهدم في آخر الزمان؛ يسلط الله عليها رجلاً أسوداً من الحبشة يسمى ذو السويقتين -لصغر ساقيه ورقتهما- وسوف يهدمها حجراً حجراً ويجردها من كسوتها ويسلبها حليها.
وقد يقال كيف يهدمها وقد جعل الله مكة حرماً آمناً؟ قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [(67) سورة العنكبوت]، وقال سبحانه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج]، وقد حماه الله تعالى من أصحاب الفيل وهم حينئذٍ كفار مشركون،
فكيف يسلط عليه هذا الرجل وهو قبلة المسلمين؟
الجواب: أولاً: أنه يبقى حرماً آمناً، هذا سيكون إلى قرب قيام الساعة وليس إلى قيام الساعة وخراب الدنيا، وليس في الآية استمرار بقاء الأمن إلى قيام الساعة.
ثانياً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار في حديث صحيح وهو حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد أنه سيستحل هذا البيت أهله فقال: ((يُبايَع لرجل ما بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً، وهم الذين يستخرجون كنـزه)).
ففي زمن أصحاب الفيل مع أنهم كانوا كفاراً فما كانوا قد استحلوا البيت فمنعه الله -عز وجل- منهم، وأما ذو السويقتين الحبشي فلن يهدمه إلا بعد استحلال أهله له، وقد استحل المسلمون الحرم والكعبة عدة مرات، أولها جيش يزيد بن معاوية بأمره، ثم الحجاج في زمن عبد الملك بن مروان بأمره، فسلط الله عليه القرامطة فقتلوا من المسلمين في المطاف ما لا يحصى وقلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى بلادهم، وبقي معهم أكثر من عشرين سنة، فلما وقع استحلاله من أهله مراراً مكّن الله غيرهم من ذلك عقوبة لهم.
ومن أشراط الساعة الكبرى: ظهور الدخان، وهذا ثابت بالكتاب والسنة قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(11) سورة الدخان].
قال ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-: هو دخان قبل قيام الساعة يدخل أسماع الكفار والمنافقين ويعتري المؤمن كهيئة الزكام.
أخرج مسلم من حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- قال: طلع علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر فقال: ((وما تذاكرون؟)) قالوا: الساعة يا رسول الله، قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات..)) فذكر منها الدخان.
وسيملأ هذا الدخان ما بين المشرق والمغرب، ويمكث في الأرض أربعين يوماً، فأما المؤمن فيصيبه منه مثل الزكام وأما الكافر فيدخل فيه هذا الدخان فينتفخ حتى يخرج منه من كل جهة من فيه ومنخريه وعينيه وأذنيه ودبره.
ولا شك أن هذا ابتلاء من الله من جملة الابتلاءات لهذه الأمة في آخر الزمان، ولو تتبعنا بقية الآيات لربما أدركنا شيئاً من حكمة ذلك وهو البعد عن ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاسمع وتأمل قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ* أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ* ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ* إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ* يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [(10-16) سورة الدخان].
ومن علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من المغرب، وهذا خلاف ما اعتاده الناس من طلوعها من المشرق، ولكن الذي أطلعها من المشرق قادر على أن يغيّر مسارها فهو خالقها ومدبر أمرها -سبحانه وتعالى-. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام].
روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)).
وإذا طلعت الشمس من مغربها فإنه لا يقبل الإيمان ممن لم يكن قبل ذلك مؤمناً، كما أنه لا تقبل توبة العاصي، فبعد خروجها يغلق باب التوبة.
عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)) [رواه مسلم].
إن طلوع الشمس من مغربها آية عظيمة يراها كل من كان في ذلك الزمان، فتنكشف لهم الحقائق ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته، وحكمهم في ذلك حكم من عاين بأس الله تعالى، كما قال -عز وجل-: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [(84-85) سورة غافر].
قال القرطبي -رحمه الله-: " قال العلماء: وإنما لاينفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضرة الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت. انتهى..
إن طلوع الشمس من المغرب وخروج الدابَّة يكون متتالياً، وربما كما قال بعض العلماء يكون في يوم واحد وهو اليوم الذي تطلع الشمس فيه من المغرب تخرج الدابة فيه على الناس، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا)). [رواه مسلم].
ومن أشراط الساعة الكبرى: ظهور دابة تكلم الناس، وهذه الدابة آية من آيات الله، وهي مخالفة لمعهود البشر حيث أنها تتكلم وتخاطب الناس قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [(82) سورة النمل].
ففي قوله تعالى: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [(82) سورة النمل] إشارة إلى أن خروج الدابة يكون عندما يكثر الشر ويعم الفساد ويكون الخير قلة في ذلك الزمان.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وأن ذلك يكون عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يُخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأرض)) [رواه مسلم]. وذهب عدد من العلماء إلى أن مكان خروج الدابة يكون من مكة من أعظم المساجد.
ولا يبقى بعد ذلك إلاّ النار التي تخرج من قعر عدن لتحشر الناس إلى محشرهم وبعدها تقوم الساعة، وهذه النار يخرجها الله تعالى من قعر عدن من بحر حضرموت كما جاء في بعض الروايات تحشر الناس إلى محشرهم وهي آخر علامات الساعة الكبرى، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، ولا يكون بعدها إلا النفخ في الصور، فإذا خرجت هذه النار انتشرت في الأرض كلها حتى تجمع من في المشرق ومن في المغرب تسوق الناس إلى أرض المحشر.
روى الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة تحشر الناس، فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام)). ويكون حشر الناس على ثلاثة أفواج: فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون، وفوج يمشون تارة ويركبون أخرى يعتقبون على البعير الواحد كما ثبت في الصحيحين: ((اثنان على بعير وثلاثة على بعير وعشرة على بعير)). وذلك من قلة الظهر يومئذٍ، والفوج الثالث تحشرهم النار فتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر تقيل معهم النار حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا ومن تخلف أكلته النار. والأرض التي تحشر النار الناس إليها هي أرض الشام كما روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشام أرض المحشر والمنشر)). وعند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَبْقَى فِي الأرض إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ تَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ)).
والسبب في كون أرض الشام هي أرض المحشر هو أنه عندما تقع الفتن في آخر الزمان تكون أرض الشام هي محل الأمن والأمان.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ)). [رواه الإمام أحمد بسند صحيح]. وقد تقدم أن نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان يكون بالشام وبه يكون اجتماع المؤمنين لقتال الدجال.
إن هذا الحشر للناس ليس هو حشر الآخرة، وإنما هذا حشر يكون في الدنيا، وأما الحشر الآخر الذي يكون يوم القيامة فبعد بعث الناس من القبور.
قال ابن كثير -رحمه الله-: فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محل الحشر وهي أرض الشام.. وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الزمان حيث الأكل والشرب والركوب على الظهر المُشترى وغيره وحيث تُهلِك المتخلفين منهم النار ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ولا ظهر يُشترى ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات. انتهى..
وأما حشر الآخرة فمختلف فقد جاءت الأحاديث أن الناس مؤمنهم وكافرهم يحشرون حفاة عراة غرلاً بهماً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [(104) سورة الأنبياء].
فنسأل الله -جل وتعالى- أن يرحم ضعفنا، وأن يجبر كسرنا، وأن يقيل عثرتنا، وأن يتجاوز عنا.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(تم بحمد الله)
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى