- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3754
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
أخي في الله... أوصيك
الإثنين 14 نوفمبر 2011, 20:02
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
الحمد
لله الّذي خلق الخلق لعبادته، فمنهم من أطاعه ومنهم من تكبر على طاعته،
وقد أعدّ للعصاة نارًا وأعدّ للمتقين جنَّته، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا
محمّدٍ وعلى آله وجميع صحابته.. أمَّا بعد..
أخي في الله لقد ثبت في الصَّحيحين من حديث أنس أنّ نبيَّنا -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «لا يؤمن أحدكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» [رواه البخاري 13].
فمن
هذا المنطلق كان لزامًا أن أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، وذلك بأن أقدم إليك هذه
الوصايا الّتي أوصي بها نفسي أولًا، ثمَّ أوصيك لأنَّك أخي في الله
ثانيًا، ثمَّ أوصي بها كل من قرأها من المسلمين ثالثًا، وأسأل الله أن
ينفع بها كاتبها وقارئها وسامعها إنَّه وليٌّ ذلك والقادر عليه.
- أخي في الله أوصيك أولًا بتقوى الله،
ومن تقواه أن تخلص كل أعمالك له -سبحانه وتعالى-، فبالإخلاص يكون الخلاص
من الشِّرك وشوائبه الّتي قد تحبط العمل، قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيِّنة: 5]، وقال -سبحانه وتعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
[الكهف: 110]، فالإخلاص شرط أساسٍ لقبول العمل الصَّالح، ويتبعه شرطٌ آخرٌ
وهو تجريد المتابعة لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال -تعالى-: {قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فاحرص -رعاك الله- أن تجرد الإخلاص لله وحده، وأن تجرد المتابعة لنبيِّه محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- أخي في الله أوصيك ثانيًا ببر الوالدين والإحسان إليهما
إن كانا على قيد الحياة، أو الدُّعاء لهم والتُّرحم عليها إن كانا ميتين،
فقد أمرنا الله بأعظم أمر وهو ألا نعبد إلا إياه، وقرن مع هذا الأمر
الإحسان إلى الوالدين.. قال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ونهانا أيضًا -سبحانه وتعالى- أن نقول لهم: {أُفٍّ}
[الإسراء: 23] وذلك لما قاما من خدمةٍ ورعايةٍ لنا في وقت كنَّا في أمس
الحاجة إلى الرِّعاية. فهذا النَّهي على هذا القول المكون من حرفين قد نزل
في القرآن، قال -سبحانه وتعالى-: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}
[الإسراء: 23] فكيف بغيرها من الأقوال والأفعال.. ألا يدل ذلك على عظم
شأنهما. فاحرص -حفظني الله وإيّاك- على ألا تسمعهم إلا قولًا معروفًا، ولا
تريهم إلا عملًا مرضيًّا حتى تنال أجر برّهما، ففي برّهما الثَّواب العظيم
في الدُّنيا والآخرة.
- أخي في الله أوصيك ثالثًا بالمحافظة على الصَّلوات وعدم تأخيرها عن وقتها. فيا ويل من قلل من شأنها ولم يعطها أيِّ اهتمام، ألم تقرأ قول الحقِّ -سبحانه-: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
[الماعون: 4-5]، فهذا وعيدٌ من فاطر السّماوات والأرض لمن سها فكيف بمن
تركها والعياذ بالله؟! يقول الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تركها فقد كفر» [رواه ابن ماجه 891 والتِّرمذي 2621 والنِّسائي وصحَّحه الألباني] فيا سوء حال من كفر؛ لأنَّه مخلدٌ في سقر.
فاحرص
أخي ولا تركن إلى الكسل ففي أداء الصَّلاة نشاطٌ للأبدان وراحةٌ للوجدان،
وردٌّ لكيد الشَّيطان، وذلك لمن أداها حق الأداء. فهي صلة بين العبد
وربِّه، ففيها يناجيه ويتذلل بين يديه، وبذلك من العذاب ينجيه، وبالجنان
يجزيه أليس هذا مناك؟!.. نعم هذا مناي ومناك، فهلا حرصنا على عدم تأخيرها
-وفقني الله وإيّاك-.
- أخي في الله أوصيك رابعًا بفعل الأوامر واجتناب النَّواهي
وذلك فيما يحبِّه ويرضاه، فهذه هي العبودية الخاصّة، فبقدر تحقيقك
للعبودية يكون قربك من الله. وأكمل الخلق تحقيقًا للعبودية هو نبيُّنا
وقدوتنا وخير هادٍ لنا محمّد بن عبدالله عليه أفضل الصَّلاة وأتمّ
التَّسليم. فكن أخي من أتباعه الصَّادقين الّذي بيّن الله لنا بعض أوصافهم
في كتابه الكريم، يقول المولى -عزّ وجلّ-: {كَانُوا
قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ} [الذَّاريات:17- 19].
ويقول -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، ويقول عزَّ من قائل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السَّجدة: 16]، ويقول -جلّ وعلا-: {رِجَالٌ
لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النُّور: 37]، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم.. وانتبه أخي إن كنت راجيًا خائفًا ألا تكون ممن اتخذ إلهه هواه.
- أخي في الله أوصيك خامسًا بحفظ الفروج واللسان؛ فهما مفتاحان لكل الشُّرور، فمن ضمنهما ضمن له الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الجنَّة كما في الحديث: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنَّة» [رواه البخاري 6474] فاحرص -رعاك الله- على أن تكون من الوارثين الّذين من أوصافهم {وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5-6]، وإيّاك والاستهانة باللسان، يقول قدوتنا محمّدٌ -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّ الرَّجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسًا فيهوي بها في نار جهنَّم سبعين خريفًا»
[رواه ابن ماجه 3221 وصحَّحه الألباني] فاحرص ألا تسخط الله وأنت لا
تدري.. وتجنب الكذب وإيّاك إن كنت مازحًا، والغيبة والنَّميمة والسُّخرية
وغيرها مما يسخط الله، وعوّد لسانك على الكلام الحسن من ذكر الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعد: 28]، وإن لم يكن ذلك "قل خيراً أوِ اصمت" فهذا العلاج الأمثل أعانني الله وإيّاك عليه.
- أخي في الله أوصيك سادسًا بالإكثار من الأعمال الصَّالحات
فبها يثقل الميزان، فسوف يأتي عليك يوم تكون في حاجةٍ إلى أن يثقل ميزانك،
فاحرص -أرشدك الله- على ألا تضيع أوقاتك في المباحات فضلًا عن المحرمات،
ولا تنظر إلى الدُّنيا بعين عجب فإنَّ ما فيها سوف يزول، واجعل تفكيرك
فيما أعدّ للمتقين من جنَّاتٍ وعيونٍ، فالوقت يمضي وما تدري نفسٌ ماذا
تكسب غدًا، وما تدري نفس بأيِّ أرضٍ تموت.
- أخي في الله أوصيك سابعًا بالتَّفقه في الدِّين
وذلك بطلب العلم الشَّرعيّ فالعلم كثيرٌ والجهل كثيرٌ والوقت يسير؛
فبالعلم تعبد الله على بصيرةٍ، وتسلم من البدع الصَّغيرة والكبيرة، وأول
ما يجب عليك تعلمه وتفقهه هو كلام الله، فلم ينزل من السَّماء عبثًا
وإنَّما كي نعلمه ونعمل به، ففيه دليل العبد إلى ما يحبِّه المعبود
ويرضاه، وعليك بأهل العلم الرَّاسخين الموثوق من علمهم وأمانتهم الموقعين
عن ربِّ العالمين، فاحرص لنيله تجد سبيلًا. أسأل الله أن يعلمنا ما
ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا، ونسأله أن يجعله حجّةً
لنا لا حجّةً علينا.
- أخي في الله أوصيك ثامنًا بالأمر بالمعروف والنذَهي عن المنكر والدَّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
فكن راحمًا بالمذنبين مشفقًا على الغافلين؛ لأنَّهم اتبعوا خطوات
الشَّيطان ولم يذوقوا حلاوة الإيمان، فأنت بهذا تدعوهم إلى سبيل
المتَّقين، فهي وظيفة المرسلين وأفضلهم الّذي أرسل رحمةً للعالمين فكن
مثله رحيمًا، واعلم أن من الحكمة إنكار المنكر كبيرًا كان أم صغيرًا.
وليس
من الحكمة التَّساهل في المحرمات ولكن بالموعظة الحسنة وبالدَّعوة
الصَّادقة، واعلم أنَّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لذلك {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 21-22] وعليك في كل أمور الدَّعوة بالصَّبر كما أوصى لقمان ابنه {يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأُمُورِ} [لقمان: 17]، نسأل الله أن يجعلنا من الدَّاعين إلى سبيله إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه.
- أخي في الله أوصيك تاسعًا بمصاحبة الأخيار الّذين بمجالستهم يكثر زادك، ويقوى إيمانك،
وهم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوْا بالحق وتواصوْا بالصّبر:
الّذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، هؤلاء لا تعد عينك عنهم
تريد الحياة الدُّنيا، وإياك إياك من مجالسة أهل الشَّرِّ وإن كان منهم
أخوك فلن تكسب منهم إلا الخسارة، وامتثل قول الحقِّ -سبحانه-: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
ولا تصحب أخا الفسق وإيّاك وإيّاه***فكم من فاسقٍ أردى مطيعًا حين آخاه
فاحرص
على مصاحبة الأخيار ولا يزين لك الشَّيطان الأعذار، فهم كرائحة المسك ومن
الّذي يأنف من رائحة المسك، وفقني الله وإيّاك لما يحبِّه ويرضاه.
- أخي في الله أوصيك عاشرًا بالاستعداد للموت وسكرته، والقبر وضمّته، والموقف وشدَّته، والصِّراط وزلَّته.
فكن أخي على استعداد تامٍّ في أيِّ وقتٍ كان فأمامك تلك الأهوال.. موت
ٌوسكرةٌ كنت منها تحيد، وقبرٌ وضمَّةٌ لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعد بن
معاذ، وموقف وشدّة فيه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34-36]، في ذلك الموقف الّذي تجاهلنا {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحجَّ: 2]، في ذلك الموقف {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]، في ذلك الموقف {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} [النَّازعات: 35].
- أخي في الله تذكر أنَّك ستقف بين يدي الله، وستسأل عن كلّ عملٍ عملته صغيرًا كان أم كبيرًا، قال الله -تعالى-: {وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا
كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، سترى تلك الأعمال الّتي
عملتها ولم تبال بنظر الله إليك إمَّا إلى الجنَّة وما فيها من النَّعيم،
وإمّا إلى النّار وما فيها من العذاب المقيم، فعندها يندم المفرطون ويفرح
المحسنون.. يا له من يومٍ عظيمٍ يجب علينا أن نستعد له أيما استعداد وذلك
بالتّوبة النَّصوح والإكثار من الأعمال الصَّالحات.
نسأل الله أن
يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يظلِّنا في ظلِّه يوم لا ظلِّ إلا ظلُّه، وأن
يجعل الجنَّة هي دارنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، فالخذلان كما قال
ابن القيّم: "أن يكلك الله إلى نفسك"، نعوذ بالله من الخذلان.
- وفي الختام لا تنس الدُّعاء لمن قام بجمع هذه الوصايا أو من سعى في إخراجها ونشرها.
وأسأل
الله أن يثقل بهذا العمل ميزاني، وأن يغفر لي ولوالدي ولمن له حقٌّ عليَّ
من قرابةٍ أو محبةٍ في الله، وأسأله أن يغفر لمشايخي ولوالديهم ولجميع
المسلمين، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله
الحمد
لله الّذي خلق الخلق لعبادته، فمنهم من أطاعه ومنهم من تكبر على طاعته،
وقد أعدّ للعصاة نارًا وأعدّ للمتقين جنَّته، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا
محمّدٍ وعلى آله وجميع صحابته.. أمَّا بعد..
أخي في الله لقد ثبت في الصَّحيحين من حديث أنس أنّ نبيَّنا -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «لا يؤمن أحدكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» [رواه البخاري 13].
فمن
هذا المنطلق كان لزامًا أن أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، وذلك بأن أقدم إليك هذه
الوصايا الّتي أوصي بها نفسي أولًا، ثمَّ أوصيك لأنَّك أخي في الله
ثانيًا، ثمَّ أوصي بها كل من قرأها من المسلمين ثالثًا، وأسأل الله أن
ينفع بها كاتبها وقارئها وسامعها إنَّه وليٌّ ذلك والقادر عليه.
- أخي في الله أوصيك أولًا بتقوى الله،
ومن تقواه أن تخلص كل أعمالك له -سبحانه وتعالى-، فبالإخلاص يكون الخلاص
من الشِّرك وشوائبه الّتي قد تحبط العمل، قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيِّنة: 5]، وقال -سبحانه وتعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
[الكهف: 110]، فالإخلاص شرط أساسٍ لقبول العمل الصَّالح، ويتبعه شرطٌ آخرٌ
وهو تجريد المتابعة لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال -تعالى-: {قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فاحرص -رعاك الله- أن تجرد الإخلاص لله وحده، وأن تجرد المتابعة لنبيِّه محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- أخي في الله أوصيك ثانيًا ببر الوالدين والإحسان إليهما
إن كانا على قيد الحياة، أو الدُّعاء لهم والتُّرحم عليها إن كانا ميتين،
فقد أمرنا الله بأعظم أمر وهو ألا نعبد إلا إياه، وقرن مع هذا الأمر
الإحسان إلى الوالدين.. قال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ونهانا أيضًا -سبحانه وتعالى- أن نقول لهم: {أُفٍّ}
[الإسراء: 23] وذلك لما قاما من خدمةٍ ورعايةٍ لنا في وقت كنَّا في أمس
الحاجة إلى الرِّعاية. فهذا النَّهي على هذا القول المكون من حرفين قد نزل
في القرآن، قال -سبحانه وتعالى-: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}
[الإسراء: 23] فكيف بغيرها من الأقوال والأفعال.. ألا يدل ذلك على عظم
شأنهما. فاحرص -حفظني الله وإيّاك- على ألا تسمعهم إلا قولًا معروفًا، ولا
تريهم إلا عملًا مرضيًّا حتى تنال أجر برّهما، ففي برّهما الثَّواب العظيم
في الدُّنيا والآخرة.
- أخي في الله أوصيك ثالثًا بالمحافظة على الصَّلوات وعدم تأخيرها عن وقتها. فيا ويل من قلل من شأنها ولم يعطها أيِّ اهتمام، ألم تقرأ قول الحقِّ -سبحانه-: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
[الماعون: 4-5]، فهذا وعيدٌ من فاطر السّماوات والأرض لمن سها فكيف بمن
تركها والعياذ بالله؟! يقول الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تركها فقد كفر» [رواه ابن ماجه 891 والتِّرمذي 2621 والنِّسائي وصحَّحه الألباني] فيا سوء حال من كفر؛ لأنَّه مخلدٌ في سقر.
فاحرص
أخي ولا تركن إلى الكسل ففي أداء الصَّلاة نشاطٌ للأبدان وراحةٌ للوجدان،
وردٌّ لكيد الشَّيطان، وذلك لمن أداها حق الأداء. فهي صلة بين العبد
وربِّه، ففيها يناجيه ويتذلل بين يديه، وبذلك من العذاب ينجيه، وبالجنان
يجزيه أليس هذا مناك؟!.. نعم هذا مناي ومناك، فهلا حرصنا على عدم تأخيرها
-وفقني الله وإيّاك-.
- أخي في الله أوصيك رابعًا بفعل الأوامر واجتناب النَّواهي
وذلك فيما يحبِّه ويرضاه، فهذه هي العبودية الخاصّة، فبقدر تحقيقك
للعبودية يكون قربك من الله. وأكمل الخلق تحقيقًا للعبودية هو نبيُّنا
وقدوتنا وخير هادٍ لنا محمّد بن عبدالله عليه أفضل الصَّلاة وأتمّ
التَّسليم. فكن أخي من أتباعه الصَّادقين الّذي بيّن الله لنا بعض أوصافهم
في كتابه الكريم، يقول المولى -عزّ وجلّ-: {كَانُوا
قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ} [الذَّاريات:17- 19].
ويقول -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، ويقول عزَّ من قائل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السَّجدة: 16]، ويقول -جلّ وعلا-: {رِجَالٌ
لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النُّور: 37]، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم.. وانتبه أخي إن كنت راجيًا خائفًا ألا تكون ممن اتخذ إلهه هواه.
- أخي في الله أوصيك خامسًا بحفظ الفروج واللسان؛ فهما مفتاحان لكل الشُّرور، فمن ضمنهما ضمن له الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الجنَّة كما في الحديث: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنَّة» [رواه البخاري 6474] فاحرص -رعاك الله- على أن تكون من الوارثين الّذين من أوصافهم {وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5-6]، وإيّاك والاستهانة باللسان، يقول قدوتنا محمّدٌ -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّ الرَّجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسًا فيهوي بها في نار جهنَّم سبعين خريفًا»
[رواه ابن ماجه 3221 وصحَّحه الألباني] فاحرص ألا تسخط الله وأنت لا
تدري.. وتجنب الكذب وإيّاك إن كنت مازحًا، والغيبة والنَّميمة والسُّخرية
وغيرها مما يسخط الله، وعوّد لسانك على الكلام الحسن من ذكر الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعد: 28]، وإن لم يكن ذلك "قل خيراً أوِ اصمت" فهذا العلاج الأمثل أعانني الله وإيّاك عليه.
- أخي في الله أوصيك سادسًا بالإكثار من الأعمال الصَّالحات
فبها يثقل الميزان، فسوف يأتي عليك يوم تكون في حاجةٍ إلى أن يثقل ميزانك،
فاحرص -أرشدك الله- على ألا تضيع أوقاتك في المباحات فضلًا عن المحرمات،
ولا تنظر إلى الدُّنيا بعين عجب فإنَّ ما فيها سوف يزول، واجعل تفكيرك
فيما أعدّ للمتقين من جنَّاتٍ وعيونٍ، فالوقت يمضي وما تدري نفسٌ ماذا
تكسب غدًا، وما تدري نفس بأيِّ أرضٍ تموت.
- أخي في الله أوصيك سابعًا بالتَّفقه في الدِّين
وذلك بطلب العلم الشَّرعيّ فالعلم كثيرٌ والجهل كثيرٌ والوقت يسير؛
فبالعلم تعبد الله على بصيرةٍ، وتسلم من البدع الصَّغيرة والكبيرة، وأول
ما يجب عليك تعلمه وتفقهه هو كلام الله، فلم ينزل من السَّماء عبثًا
وإنَّما كي نعلمه ونعمل به، ففيه دليل العبد إلى ما يحبِّه المعبود
ويرضاه، وعليك بأهل العلم الرَّاسخين الموثوق من علمهم وأمانتهم الموقعين
عن ربِّ العالمين، فاحرص لنيله تجد سبيلًا. أسأل الله أن يعلمنا ما
ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا، ونسأله أن يجعله حجّةً
لنا لا حجّةً علينا.
- أخي في الله أوصيك ثامنًا بالأمر بالمعروف والنذَهي عن المنكر والدَّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
فكن راحمًا بالمذنبين مشفقًا على الغافلين؛ لأنَّهم اتبعوا خطوات
الشَّيطان ولم يذوقوا حلاوة الإيمان، فأنت بهذا تدعوهم إلى سبيل
المتَّقين، فهي وظيفة المرسلين وأفضلهم الّذي أرسل رحمةً للعالمين فكن
مثله رحيمًا، واعلم أن من الحكمة إنكار المنكر كبيرًا كان أم صغيرًا.
وليس
من الحكمة التَّساهل في المحرمات ولكن بالموعظة الحسنة وبالدَّعوة
الصَّادقة، واعلم أنَّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لذلك {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 21-22] وعليك في كل أمور الدَّعوة بالصَّبر كما أوصى لقمان ابنه {يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأُمُورِ} [لقمان: 17]، نسأل الله أن يجعلنا من الدَّاعين إلى سبيله إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه.
- أخي في الله أوصيك تاسعًا بمصاحبة الأخيار الّذين بمجالستهم يكثر زادك، ويقوى إيمانك،
وهم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوْا بالحق وتواصوْا بالصّبر:
الّذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، هؤلاء لا تعد عينك عنهم
تريد الحياة الدُّنيا، وإياك إياك من مجالسة أهل الشَّرِّ وإن كان منهم
أخوك فلن تكسب منهم إلا الخسارة، وامتثل قول الحقِّ -سبحانه-: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
ولا تصحب أخا الفسق وإيّاك وإيّاه***فكم من فاسقٍ أردى مطيعًا حين آخاه
فاحرص
على مصاحبة الأخيار ولا يزين لك الشَّيطان الأعذار، فهم كرائحة المسك ومن
الّذي يأنف من رائحة المسك، وفقني الله وإيّاك لما يحبِّه ويرضاه.
- أخي في الله أوصيك عاشرًا بالاستعداد للموت وسكرته، والقبر وضمّته، والموقف وشدَّته، والصِّراط وزلَّته.
فكن أخي على استعداد تامٍّ في أيِّ وقتٍ كان فأمامك تلك الأهوال.. موت
ٌوسكرةٌ كنت منها تحيد، وقبرٌ وضمَّةٌ لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعد بن
معاذ، وموقف وشدّة فيه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34-36]، في ذلك الموقف الّذي تجاهلنا {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحجَّ: 2]، في ذلك الموقف {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]، في ذلك الموقف {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} [النَّازعات: 35].
- أخي في الله تذكر أنَّك ستقف بين يدي الله، وستسأل عن كلّ عملٍ عملته صغيرًا كان أم كبيرًا، قال الله -تعالى-: {وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا
كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، سترى تلك الأعمال الّتي
عملتها ولم تبال بنظر الله إليك إمَّا إلى الجنَّة وما فيها من النَّعيم،
وإمّا إلى النّار وما فيها من العذاب المقيم، فعندها يندم المفرطون ويفرح
المحسنون.. يا له من يومٍ عظيمٍ يجب علينا أن نستعد له أيما استعداد وذلك
بالتّوبة النَّصوح والإكثار من الأعمال الصَّالحات.
نسأل الله أن
يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يظلِّنا في ظلِّه يوم لا ظلِّ إلا ظلُّه، وأن
يجعل الجنَّة هي دارنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، فالخذلان كما قال
ابن القيّم: "أن يكلك الله إلى نفسك"، نعوذ بالله من الخذلان.
- وفي الختام لا تنس الدُّعاء لمن قام بجمع هذه الوصايا أو من سعى في إخراجها ونشرها.
وأسأل
الله أن يثقل بهذا العمل ميزاني، وأن يغفر لي ولوالدي ولمن له حقٌّ عليَّ
من قرابةٍ أو محبةٍ في الله، وأسأله أن يغفر لمشايخي ولوالديهم ولجميع
المسلمين، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
- لا الة الا الله محمد رسول الله صلى الله علية وسلم سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
- زوجات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
- بنات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة الزهراء رضي الله عنها
- زوجات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عائشة بنت الصديق رضي الله عنها
- القرآن الكريم دليل على نبوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى