منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28462
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التربية بالحب 1393418480781

التربية بالحب 140

التربية بالحب Empty التربية بالحب

الجمعة 11 نوفمبر 2011, 19:58
التربية بالحبّ
أ.د. ناصر أحمد سنه/ كاتب وأكاديمي من مصر.
بسم الله الرحمن الرحيم

علي كثرة الأعباء، وتعدد المهام الجسام، لرسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا" (الأحزاب: 45-46) نجد اهتمامه الكبير صلى الله عليه وسلم ، خيرُ من دعا، وخير من رَبي، وخير من أدب وعلّم ـ بتربية الغلمان، في مرحلة متقدمة من أعمارهم، بل حتى قبل قدومهم إلي هذه الحياة. ولما لا فحسن اختيار الحاضن السليم، وأساليب التنشئة والتربية والتأديب والتعليم الصحيح ـ لغمان اليوم، رجالات المستقبل ـ سبيل خيرية الأمة، ونهضتها الرسالية، وقوتها ومنعتها المعنوية والحضارية، وحلاً لمشكلاتها التربوية والتعليمية والاجتماعية المستحدثة في آن معاً. فضلاً عن أن رؤية الإنسان وكينونته وسلوكه أمور محكُومة بتنشئته وتربيته، وهي لن تستقيم إلا بإتباع هديه الشريف صلى الله عليه وسلم الأنموذج والقدوة:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الأحزاب: 21).

- فمن هديه الشريف الاهتمام بحُسن اختيار الأم ذات الدين، فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري ومسلم وغيرهما). فالأم مدرسة إذا أعددتها = أعددت شعباً طيب الأعراق•
- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد على دور الأسرة في رعاية الغلمان وتنمية قدراتهم، ويُلقي بالمسؤولية في تعهد الطفولة على الوالدين، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم Sadكلكم راع ومسئول عن رعيته, والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، ثم قال: فكلّكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"(متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
- ومن نهجه الشريف:" أن يؤذن في أذن المولود اليمني، ويُقيم في أذنه اليسرى، ليكون أول ما يصل سمعه تلكم الكلمات النيرات..تعظيماً لله تعالي، وتوحيدا له، واعترافا برسالة وشعائر وشرائع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . فعن أبي رافع رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن "الحسن" حين ولدته فاطمة" (الترمذي ج4/ص97 ، وقال حديث حسن صحيح).
- يوجه صلى الله عليه وسلم الأمة بقوله:" إذا سميتم فعبدوا" (رواه الطبراني والبيهقي)، فحُسن اختيار الاسم (عبد الله، وعبد الرحمن الخ، وإن كان ذلك يبدو أمراً بسيطاً إلا انه قد يترك أثرا تكوينياً شخصياً مستمرا ـ إيجابياً أو سلبياً. ويضفي ظلالا قاتمة إذا لم يتم وفق ذلكم الهدي الشريف.
- عن أبي موسى رضي الله عنه قال وُلد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه "إبراهيم"، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة، ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى") صحيح البخاري ج5/ص2081).
- الفتح علي الولدان بكلمة لا إله إلا الله: فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"افتحوا علي صبيانكم بلا إله إلا الله"( رواه الحاكم). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أنزل الله عز وجل على نبيه " : صلى الله عليه وسلم يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا"، تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال: "يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة" (المستدرك ج2/ص382).
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ "الحسن والحسين" رضي الله عنهما. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ "الحسن والحسين" رضي الله عنهما، ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق.. أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" (صحيح البخاري ج3/ص1233).
- يحث صلى الله عليه وسلم الأم (الحاضن الأهم الأول) بملازمة أطفالها ـ وخصوصاً في سنواتهم الخمس الأولى ـ ليشعروا بالطمأنينة والأمن وهما سياجان ضروريان لنمو صحي سليم سيبني عليه لاحقاً ..تربية وتأديباً وتعليما. وفي هذا يروي أبو هريرة رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده" )رواه مسلم).
- توفيرّ كل العطف والحنان والحب/ (مع الحزم) المستمر للغلمان، وتواصل ذلك في جميع مراحل حياتهم ـ وخصوصاً في فترة المراهقة ـ وأخبارهم بذلك الحب، وإبعادهم عن كل ما يشينهم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبِّلون الصبيان؟ فقال صلى الله عليه وسلم :أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة" (رواه البخاري)•
- من الجميل أن يسمع كثير من الأطفال آباءهم يقولون لهم: إنهم يحبونهم كثيرًا ، ولكن الأجمل من الآباء والأمهات أن يشعروهم بهذا الحب وهذه الحفاوة. قال البراء رضي الله عنه: رأيت النبي والحسن بن علي على عاتقه يقول: اللهم إني أُحِبُّه فأَحِبَّه.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله التزم الحسن بن علي، فقال اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه، وقال أبو هريرة فما كان أحد أحب إليَّ من الحسن بعد ما قال الرسول ما قال.
- مع كل ذلك الحب هناك حزم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ "الحسن" رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" كخ، كخ.. ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة".(صحيح البخاري ج2/ص542).
- وفي اعتنائه صلى الله عليه وسلم بالرائع بالأطفال، ما رواه أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير وكان إذا جاء قال: "يا أبا عُمير ما فعل النُغير؟" نغر كان يلعب به. فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وتنضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الصغير ويواجهه بالسلام والخطاب، وفي ذلك فائدة عظيمة، وإنه لتقدير منه صلى الله عليه وسلم ، وهو العظيم المرسَل إلى البشرية، يقدر الصغير فيثق بنفسه، ويشعر بقدره واحترام الناس له فيبرع.
- عن نهج عنايته ورعايته بالصبيان ليلاً، يروي جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله"(صحيح البخاري ج3/ص1195).
- وعن تعليم الغلمان كيفية آداب الطعام والشراب، يذكر "عمر بن أبي سلمة" رضي الله عنهما فيقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا غلام: سمّ الله/ وكل بيمينك، وكل مما يليك"(متفق عليه، وهو عند مسلم، البخاري ج5/ص2056).
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا بني: إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك" (الترمذي ج5/ ص59).
- أمر الأولاد بالعبادة منذ السابعة من أعمارهم:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع"(رواه الحاكم، وأبو داود، من حديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما).، ويقاس علي الصلاة الترويض علي صوم أيام،عند الاستطاعة ، والتعويد علي شعائر الحج إذا كان الأب يستطيعه.
- التعليم يبدأ من العام نحو الخاص، وقد نهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في جميع تعاليمه. فهذا هو سيدنا جندب بن عبد الله رضي الله عنه يقول: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة "أي قاربنا البلوغ" فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا"(رواه ابن ماجة).
- وتستوقفك تلكم الأسس التربوية الإيمانية والعقدية والتعليمية الباهرة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما. يقول كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقالSadيا غلام إني أعلمك كلمات؛ أحفظ الله يحفظك؛ أحفظ الله تجده تُجاهك؛ إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله؛ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف"(الترمذي ج4/ص667). فتأمل كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع غلام من الغلمان – فيغرس فيه هذه الأسس، فكان "ابن عباس" رضي الله عنهما في الأمة ما كان.
- ثمة ركائز للتأديب، عن علي رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته وقراءة القرآن ...."(في كنز العمال ج16/ص189).
- تعريفه أول ما يعقل إحكام الحلال والحرام: أخرج ابن جرير، ابن المنذر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما انه قال:" اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار".
-عن "الحسن" رضي الله عنه قال:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:" اللهم أهدني .... وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت"(سنن أبي داود ج2/ص63).
- عن شأن النفقة وتربية الأولاد، يروي معاذ رضي الله عنه قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال:"... وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله" (مسند أحمد بن حنبل ج5/ص238).
- رفيق بالخدم من الغلمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني فان لامني أحد من أهل بيته قال:"دعوه فلو قدر أو قال لو قضي أن يكون كان"(مسند أحمد بن حنبل ج3/ص231).
- النهي عن "النظرة السلبية للناس"، والتي فيها احتقارهم وازدراؤهم والترفعُ عليهم، واعتبارهم مخطئين وخاطئين، الأمر الذي نهى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقال في شأن الكِبر: "هو بَطر الحق وغمط الناس" والمعنى أن حقيقة الكِبْر إنما هي "ازدراء الناس ورد الحق تعصباً لما هو عليه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من الكِبْر: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر". وخطورة التعصب تتمثل في كونه قيْداً على الحرية، وعقبة في طريق الإبداع إذ يلغي التفكير الحر، ويشلّ القدرة على النقد ومحاورة الآخرين ومناقشة آرائهم بموضوعية، ومن ثم كان على المسلم أن يربي ابنه على الموضوعية، وعلى قبول تعدد الآراء، والنظر فيها، واختبارها بالعقل، والتشجيع على التفكير العلمي الخلاق .
- مما يخنق الشخصية السوية ويعيق نموها، وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عواقبه؛ الحرص على جمع المال وغيره من صور دنيوية لا تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجله، واعتبارها "الغاية/ الهدف/ القيم" التي يتم السعي إليها. ومثل هذا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وأنتكس ، وإذا شيك فلا انتقش‏.‏ طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعت رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة، إن أستأذن لم يؤذن له، وأن شفع لم يشفع) ‏في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه).
- أبرزت لنا السنة المطهرة في أحاديث عديدة قيمة الوقت وبخاصة عن الأبناء من الشباب، والحرص عليه، وعدم إضاعته، والمؤمن المكلف يُحْسِن إدارة الوقت واستغلال كل دقيقة منه، وجعله الإطار الذي يُنَمّى فيه الإبداع.
وفي بيان أهمية هذه القيمة الثمينة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" (الترمذيّ بإسناد صحيح). فالهدي النبوي يربي الوعي بقيمة الزمن، ويدعوه إلى المسارعة إلى اغتنام هذه القيمة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وقوتك قبل ضعفك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك)(رواه الحاكم في المستدرك،341،4، وصححه الألباني في صحيح الجامع من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
- إن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أركان التربية والتعليم ومقوماتهما، أن يُطالِب المرء ببلوغ الغاية في إحسان العمل وإتقانه وفق أحسن المواصفات، قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾. البقرة 195. إن الله تعالى قد أحسن في خلقه الكون ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ السجدة 7، لذا فقد طلب من عباده أن يُحسنوا ويبلغوا هذا المقام فيما أقامهم فيه، وفيما كلّفهم به.أخرج الإمام مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد شفرته وليرح ذبيحته). ومَنْ تدبر هذا الحديث وجده يشمل ظاهر الدين وباطنه، ويشمل العقيدة والشريعة، والعبادة والسلوك.
- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يولي الطفولة عنايته، وهذا هديٌ بثّه في نفوس أصحابه الذين كانوا يصطحبون أطفالهم في مجالس الكبار، لتُبْنى شخصيةُ الطفل فتكبر، ولا شك أن احتكاك الصغار بالكبار له فاعلية في تنمية الشخصية، ويشجعها. روى ابن عمر - وهو لا يزال غلاماً - قصته في مجلس كبار الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ من الشجر شجرة مَثَلها مَثَل المسلم، فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "هي النخلة". وللبخاري في الأطعمة قال ابن عمر: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم. إذن ها هو ابن عمر الأصغر سناً يخالط الكبار، ويصغي إلى أحاديثهم، ومن ثم يكون كبيراً ذا همة عالية.
- إن الكشف عن نبوغ الطفل مبكراً وتحسّس جوانب تفوقه ورعايتها هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته لصحابته, هذا زيد بن ثابت كان ابن إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد كان غلاما ذكيا فطنا تبدو عليه علامات النبوغ. قال زيد بن ثابت: أُتِي بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فقالوا: يا رسول الله هذا غلام بني النجار وقد قرأ مما أُنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقتُه، وكنت أكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم.
- هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يروي من وقائع معركة بدر قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتُ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحُدهما سراً مِنْ صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فروى قصة قتلهما أبا جهل.هذان الفتيان بَدَرَ منهما ما لم يتفطن الكبار له، رَغِبا في الانتقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منهما الموقف الناضج، وكان منهما التخطيط والتدبير، ثم إننا نلحظ التنافس بينهما على بلوغ الهدف العظيم، وأيّ هدف أعظم من تحقيق نصرٍ مظفر، واجتثاث رأس الكفر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه أحمد بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل فقال: "كان هذا فرعون هذه الأمة".
- لعل حاجة الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، لتوفير سبل وإمكانيات التربية والتعليم و" الأمن النفسي" أكبر وآكد من أسوياء الغلمان ومن ينشئون وسط أسرهم المعتادة. لذا نجد الإسلام ينهى عن الإساءة إليهم والانتقاص من حقوقهم، يقول تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر) الضحى:9، ويقول تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً) النساء:2• ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه، ثم أشار بإصبعيه السبابة والوسطى: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين(رواه البخاري).
- وكان من نهجه الحرص علي نجاة غير المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض الغلام فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (يا غلام أسلم قل لا إله إلا الله فجعل الغلام ينظر إلى أبيه فقال له أبوه قل ما يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم فقال لا إله إلا الله وأسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صلوا عليه وصلى عليه النبي) صلى الله عليه وسلم المستدرك ج4/ص323).
- ويبقي انه حال انقطع عمل المرء فسيبقي ما ترك من عمل صالح يجدد له ويرفده بعمل جديد بعد الممات:
ففي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .إذا مات ابن آدم أنقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له "(رواه مسلم 14,1631(.

جملة القول: أنها مشاهد سريعة لهديه صلى الله عليه وسلم ، ونهجه أفضل طرائق التربية، وأقوم وسائل التعليم، واغزها تنوعاً، وأيسرها تطبيقاً، وأبلغها أثرا، وصل اللهم علي معلم الناس الخير.

________________________________________________
التربية بالحب 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28462
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التربية بالحب 1393418480781

التربية بالحب 140

التربية بالحب Empty رد: التربية بالحب

الجمعة 11 نوفمبر 2011, 20:00
تابع / التربية بالحبّ
د/ عبد المجيد البيانوني
بسم الله الرحمن الرحيم

مضى زمن كان التعليم فيهِ بالشدّة والضربِ، وتحطيم شخصيّة الطفل، وإلغاء إرادته، وكبت مواهبه وإبداعِه، وعدم الإصغاء له بكلمة .. وأصبح الناس يذكرون ذلك منتقدين متندّرين .. ولكنّ مسالك أكثر المعلّمين والآباء لم تختلف عن ذلك إلاّ قليلاً، ولم يأخذوا البديل المناسب في طرائق التربية والتعليم وأساليبها .. ولا يقتصر اللوم على المعلّمين والآباء فهم جزء من منظُومة المجتمع الثقافيّة والتربويّة، الذي تقوم علاقاته كلّها علَى هذا الأسلوب، وتدور في فلكه ..

ومعَ غيبة التصوّر الصحيح للتربية الإسلاميّة المنهجيّة المؤصّلة أخذَ الناس يتّبعون كلّ صيحة في التربية تَأتي من هنا أو هناك، ويلتقطُون جزئيّات متناثرة، ربّما كانت صحيحة بحجمها وحدّ ذاتها، ولكنّها ليست صحيحة إذا اتّخذت عامّةً شاملة، أو كانت منهجاً مستقلاًّ بنفسه .. فسمعنا عن التربية بالترفيه .. والتربية الاستقلاليّة، التي يترك فيها للناشئ الحبل على الغارب .. وتوقّع ما شئت في المستقبل القريب وما بعده .. ونبقى أحوج ما نكون إلى نوع من التربية التي تلاحظ كينونة الإنسان الفطريّة، وطبيعته النفسيّة، وعلاقاته الإنسانيّة .. وليس شيء كذلك إلاّ التربية بالحبّ .! ودون إغفال لمطالب الجوانب الأخرى من كينونته ..

فلماذَا التربية بالحبّ .؟


يحظى الحبّ برصيد ضخم من الحضور والتأثير في كينونة الإنسان وسلوكه، فلا نبعد في القول إذا قلنا : إنّ الإنسان مخلوق عاطفيّ بالدرجة الأولى، تغلب عليه العاطفة، وتتحكّم بسلوكه، ويقاد منها أكثر من أن يقاد بعقله، أو مطالب جسده ..

وهناك جملة من الحقائق والمعاني تؤكّد ذلك، ينبغي أن تكون حاضرة في تصوّر المربّي، وتعامله مع الطفل والناشئ .. ونجمل هذه الحقائق في النقاط التالية :

الحبّ هو الأداة السحريّة في التأثير والتغيير : يُعتَبرُ الحبُّ أرقى أساليب التواصل الإنسَانيّ، الذي يحظى بالقبول العامّ من جميع الناس، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وقيمهم .. فلا يختلفُ على تقديره والاعتراف به اثنان، فهو من رصيد الفطرةِ، الذي يأبى التحريف والتشويه .. ففي داخل كلّ إنسان سويّ وهاجسه طلبُ الحبّ والتطلّع إليه، فلا عجبَ إذا قُلنا : إنّه الأداة السحريّة في التأثير والتغيير .!

الحبّ راحة للقلب من شتّى المتاعب : إنّ عاطفة الحبّ بصورة عامّة هي حالة منَ الانسجام النفسيّ، والاطمئنان الداخليّ، الذي يضفيه الإنسان على ما حوله، فيعينه على أداء عمله أيّاً كان نوعه بحيويّة وإيجابيّة .. ومَن كان الحبّ هاديه وحاديَه في عمله فلن يشعر بشيء من التعب مهما بذل من جهد، وواجه من عقبات ..

الحبُّ يجعلُ العملَ مُتعَة نفسيّة وعقليّة، لا محنة وبلاء : ويرقى الحبُّ بالإنسان درجة أخرى، فيستلذُّ التعب، ويستعذبُ البذل والنصب، فيصبر الإنسان ويجالد، ويستعذب الصبر، ولا يحسّ بمعاناته، وهنا بؤرة الإبداع والتألّق ومنطلقه .. ويكونُ لسانُ حال العامل الُمستمتع بعمله، كحال ذلك المُحبّ العاشق إذ يقولُ :
عذابُه فيك عذبُ وبعدُه منك قُربُ
وأنت عندي كرُوحي بل أنتَ منها أحبُّ
يَكفي منَ الحُبّ أنّي لما تُحِبُّ أحِبُّ

وشتّان بين مَن يرى عمله محنة، لا يعرفُ كيفَ يتخلّص منها، ومن يراه متعة نفسه، ولذّة روحه .؟! فكيف يكون عطاؤه وإبداعه، ونجاحه وتأثيره .؟
الحبّ ثروةٌ لك لا تنضب، ورصيدٌ لا ينقُصُ : عندما تبذر الحبّ أيّها المربّي تفتح لنفسك رصيداً لا يُسرق، ولا ينتُقصُ، بل يزيد مع الأيّام وينمو، من حيث لا ِتحتسب ولا تدري .. فالقلوب التي أحبّتك، وكان لك معها مواقف ومواقف .. لن تنساك، ولن تنسى معروفك معها وإحسانك، وإخلاصك وتضحيتك، ومواقفك التربويّة المؤثّرة ..

الحبّ يختصر الطريق، ويطوي لك المراحل : ومن منّا من لا يريد إنجاز عمله في أقرب وقت، وأقلّ جهد .؟! ولكنّ الطبيعة المتعجّلة للإنسان تحسب أنّ الحبّ وما يتطلّبه من الرفق والحلم عائق عن سرعة الإنجاز، وتحقيق الأهداف .. وتلك من خدع النفوس وتلبيساتها ..
الحبّ ضمانة قطعيّة للنجاح بإذن الله .. والناجحون هم الذين يمنحون الحبّ دائماً، وما لم يتحقّق نجاحه بالحبّ، فهو مستعصٍ على النجاح في أغلب الأحوال .. ولا يعني الحبّ الخروج عن الحكمة في معالجة المواقف، وإعطاء كلّ مقام ما يقتضيه ..
الحبّ سبيل اكتشاف المبدعين، ورقيّهم وإبداعهم، فالحبّ يجعل الطفل أو الناشئ يقبل بكلّيّته على العلم، ويستجيب غاية الاستجابة لمعلّمه، ويبذل قصاري جهده في التعلّم، حبّاً بالعلم، وإرضاءً لمعلّمه، فتتفتّح مواهبه، ويظهر إبداعه، وما كان ذلك ليكون لولا حبّه لمعلّمه ..

الحبّ يغيّر تفكير المتعلّم وأسلوبه ومواقفه .. فكثيراً ما يتّخذ بعض المتعلّمين موقفاً من التعلّم عامّة، أو من تعلّم بعض العلوم، لسبب من الأسباب، وربّما كان أهمّها موقف بعض المعلّمين منه أو سلوكه معه، وعندما يتهيّأ له المعلّم المحبّ، يغيّر له تفكير وأسلوبه وموقفه ؛ فيقبل على العلم بعد إدبار، ويحبّ المادّة التي كان يبغضها أشدّ البغض، ويكيّف حياته وسلوكه وفق ما يرضي معلّمه المحبوب، ويقرّبه إليه .. وقد رأيت على ذلك من النماذجِ والأمثلة الكثيرَ ..

الحبّ دليل العقل وسعة الأفق .. عندما يسلك المعلّم سبيل الحبّ في علاقته بأحبّائه الأطفال والناشئين، فهذا يعني أنّه يعي أهمّيّة الحبّ وثمراته وآثاره، وهذا دليل نضج عقله، وسعة أفقه، لأنّه لا يقف في التعامل معهم عند اللحظة الراهنة ..
مغانمُ الحبّ تستحقّ كلّ نصب .. وعندما يطلق المعلّم لخياله العنان في رؤية ما وراء الحبّ من مغانم وآثار إيجابيّة كثيرة، فإنّه لا يستكثرُ ما يتحمّل في سبيله من عناء ونصب ..
الحبّ قفزة من الكمّ إلى الكيف، ومن الصورة إلى الحقيقة .. فالأطفال الذين لا يتجاوبون مع معلّميهم، ويتّقون غضبهم وعقوبتهم بالأداء الظاهريّ للأعمال المطلوبة منهم، فتكون أعمالاً شكليّة غير مثمرة، ويتدنّى مستوى تحصيلهم العلميّ تبعاً لذلك .. هؤلاء الأطفال إذا أحبّهم معلّموهم، وأحبّوا معلّميهم يكون لهم مع التعليم شأن آخر، ولن يقف تعليمهم عند الصورة الظاهرة، والأداء الشكليّ دون تفاعل واستجابة حقيقيّة، وإنّما سيكون أداء نوعيّاً متميّزاً، وإتقاناً مبدعاً ..

بالحبّ نحلّ المشكلات، ونستغني عن تدخّل الآخرين : وإنّي والله لأشفق من قلبي على أولئك المعلّمين، الذين لا يزالون يستنجدون بإدارة المدرسة أو بأولياء الأمور لحلّ مشكلاتهم مع طلاّبهم .! وكثير من هذه المشكلات تكون تافهة صغيرة، يعرضها المعلّم وكأنّها كبيرة من الكبائر المستعصية على الحلّ .. والأنكى من ذلك أن يكون هذا الموقف من المرشد الطلاّبيّ نفسه .. فلا عتب على المعلّم بعد ذلك ولا جناح .. وخير لهؤلاء أن يستنجدوا بالحب، ليروا من النتائج العجب ..
الحبّ هو السبيل إلى تكوين الشخصيّة السويّة : الأطفال الذين يفتقدون حظّهم من الحبّ يفتقدون حظّاً كبيراً من السواء النفسيّ، ويسهم المعلّمون والآباء، الذين يفتقدون للحبّ في توريثهم عقداً وأزمات نفسيّة هم بغنىً عنها .. فأيّ تعليم هذا الذي يبني من جهة، ويخرّب من جهة أخرى .؟!

وأخيراً فالحبّ من أهمّ قواعد التربية المتوازنة : فالتقصير فيه، أو الخروج عنه خلل في التربية كبير يقود إلى الإخفاق، وعدم تحقيق الأهداف .. وتراكم ذلك في عملك يمنحك لقب : معلّم فاشل .! فهل ترضى لنفسك ذلك .؟!

هذه المعاني ليست أحلاماً وخيالات، ولا فلسفة تعيش مع الورق، أو تحلّق في السماء .. وإنّما هي ثمرات طيّبة لسلوك عمليّ واقعيّ، لاحظته في علاقة ابنتي الصغيرة، عندما دخلت الروضة، وكانت شديدة التعلّق بأبويها، وقد ظننت أوّل الأمر أنّها لن تألف الروضة مهما عملَت معها من أساليب تربويّة جذّابة للأطفال، إلاّ بعد عدّة أسابيع .. ووطّنتُ النفس على أن أستقبل منها كلّ يوم أفانين من القول والفعل للتهرّب من المدرسة ..

ولكنّني فوجئت بها حقّاً وهي تحبّ الروضة وتتعلّق بها منذ الأيّام الأولى .. وبحثت عن السبب .. فكان تلك المُعلّمة الفاضلة المتميّزة .. التي لم تكن تحمل شهادة علميّة عليا، ولم تكن ذات ثقافة واسعة، ولكنّها كانت تحبّ الأطفال من قلبها، وذات روح عالية في التعامل الإنسانيّ الراقي معهم .. عرفت ذلك عنها كلّه من مرآة ابنتي الصافية، التي كانت تتحدّث عنها كلّ يوم على سجيّتها، وبتلقائيّة فطريّة ؛ تنقل كلماتها .. تذكر مواقفها .. تروي لنا معالجاتها للمشكلات .. تتحدّث عن حبّها للأطفال، وحبّ الأطفال لها، حتّى إنّهم ببراءتهم الطفوليّة حوّلوا أنشودة للأطفال، ليضمّنوا فيها اسمها، وتكون أنشودة يتغنّون بها عندما تدخل عليهم .. ولا أذيع سرّاً إذا قلت : إنّني أدعو لها بكلّ خير كلمّا ذكرت مواقفها مع ابنتي .. وأنا لا أعرف عنها سوى اسمها الأوّل ..

فماذا فعلت هذه المُعلّمة .؟ إنّها لم تفعل أشياء صعبة أو مستحيلة .. كلّ ما فعلته أنّها قالت لهم بصدق : إنّي أحبّكم .. وترجمت قولها ببعض الأفعال والمواقف المحبّبة .. كانت تفتتح يومها معهم بهذه الكلمة : إنّي أحبّكم .! فهل أنتم تحبّونني .؟ فيجيبونها بصوت واحد : نعم، نحن نحبّك .. وتمسح على رؤوس الأطفال، وتقبّلهم .. وتكرّر هذه الكلمة على أسماعهم في اليوم عدّة مرّات، وتتّكئ عليها فيما تريد منهم، فما يكون منهم إلاّ الاستجابة السريعة لما تطلب .. وعندما ترى طفلة أو طفلاً حزيناً، أو يبكي تحتضنه، وتقبّله، وتمسح دموعه، ثمّ تسأله عن سبب بكائه .. وربّما أعطته شيئاً من الحلوى .. وأوّل الأسبوع تحتفي بأطفالها احتفاء مميّزاً، وتستقبلهم بالحلوى، والهدايا، والقبلات لكلّ طفل وطفلة، وتعبّر لهم عن شوقها الشديد لرؤيتهم .. فلا تسل عن أثر ذلك في قلوبهم .. فهنيئاً لهذه المُعلّمة مثل هذه الروح العالية .! وهل تعجز أخواتنا المعلّمات أن يكنّ مثلها .؟

ومع هذه الحقائق والمعاني كلّها .. فإنّنا كثيراً ما نقصّر وننسى .. ونخرجُ عن مقتضى الحبّ ومطالبه، ونندفع وراء حظوظ النفس ورعوناتها، فنحتاج دائماً إلى استحضار هذه المعاني في علاقاتنا مع الأطفال، وتربية النفس وتدريبها عليها، وضبطها بها، وألاّ نسمح لأنفسنا بتجاوزها، لأنّنا نريد أن يكون الحبّ طبعاً لنا وخُلُقاً ..

ويتبادر إلينا سؤال مهمّ : ما الطريق إلى التربية بالحبّ :

مدخل أساس، وأصل لا معدل عنه : إصلاح العلاقة مع الله .. وأن يكون الله ورسوله أحبّ إليك ممّا سواهما : ( .. والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله .. )، وهذا ما يغفل عنه أكثر الناس .. فالحبّ الأوّل والأكبر ينبغي أن يوجّه إلى الهي تعالى، ومن صدق في توجيه قلبه لله ملأ الله قلبه بحبّه والأنس به، ففاض حبّه على علاقته بالناس ..
فكّر دائماً : لماذَا تحبّ .؟ وما البديل عن الحبّ .؟ فالتفكير بذلك يجعلك تستحضر المعاني التي تحدّثنا عنها آنفاً .. كما أنّ التركيز على التفكير بالبديل عن الحبّ يجعلك تعتقد أنّ الحب ضرورة، وليس ترفاً ..
الحبّ روح تفيض من الداخل، وليس صورة متصنّعةً، أو مظاهر شكليّة، فالتصنّع لا يثمر ولا يدوم، والمظاهر لا تغني عن الحقائق ..
كْن واثقاً بنفسك، إيجابيّاً بعيد النظر، واحذر المتشائمين والمثبّطين، وما أكثر المعلّمين الذين يحملون روح التشاؤم، ويتقنون فنّ التثبيط، وينشرون ذلك في مجالسهم، ولا يتركون فرصة تمرّ دون ذلك .!

انقطع عن دنياك وهمومك الخاصّة، فكثيراً ما غلبت على المعلّم همومه الخاصّة وضغوطها، فانعكس ذلك على مواقفه وعلاقته مع طلاّبه ..
الحبّ كلمة وسلوك .. فاستحضر الحبّ ومتطلّباته في كلّ موقف .. واتّخذ للحبّ وسائله وأساليبه، ونمّ في نفسك ثقافته، وتفنّن في تطوير نفسك في هذا المجال ..
الحبّ عطاء بسخاء، فلا تبخل، ولا تنتظر من الناس جزاءاً ولا شكوراً .. فيكفيك أجر الله وجزاؤه ..

ابدأ علاقتَك التربويّة بالتعبيرِ عن الحبّ .. كما رأيت في خبر تلك المعلّمة المتميّزة، فهو استفتاح مبارك، ومقدّمة لا بدّ منها .. لأنّها تحدّد مسار سلوكك، وتقودك إلى متطلّباتها ..

الحبّ المطلوب والمظاهر المرفوضة :

الحبّ الذي نتحدّث عنه ونريده هو الحبّ الحكيم المتّزن، المقدّرُ بقدره، القائم على المنهج بأصوله ومبادئه، لا على دغدغة العواطف الآنيّة، أو المواقف المريبة .. إنّه عاطفة إنسانيّة سامية، وحبّ أبويّ، تمليه الرحمة والشفقة، بعيد عن أيّ شبهة أو ريبة، ولا بدّ من التنبيه عمّا قد يلتبس به الحبّ المطلوب من أمور تخرج به عن مساره، وتستغلّ شرف مكانته، ونبل دوافعه، فيكون منفذاً لسلوك مريب، ومدخلاً للنفوس المريضة، لتقف مواقف الريبة والتهم، وإن لم تقارفها، ومن هنا فقد وجب التنبيه والتأكيد على ضرورة بُعد المعلّم المربّي غاية البعد عن أيّ موقف أو تصرّف من هذا القبيل، وقد جاء في الأثر : " من سلك مسلك التهم اتّهم " و " من أقام نفسه مقام التهمة فلا يلومَنَّ من أساء الظنّ به "، وفي لفظ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم " ( ) .

فليراقب المعلّم المؤمن ربّه، وليحاسب نفسه، وليعلم أنّ الناقد بصير، وأنّ الله تعالى مطّلع خبير، لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وليحذر مداخل الريب، ومزالق التهم، فهو مهمّة الأنبياء، فلا يدنّسنّها بأفعال السوقة الأشقياء ..
وبعد ؛ فإنّ الاحتياج للحب أهمّ احتياجات الإنسان وأرقاها .. بل إنّه محور احتياجات الإنسان وقطب رحاها .. ( )، فكيف لا يوليه التربويّون الاهتمام المناسب، في وضع البرامج والمناهج، وإقامة الدورات التأهيليّة والتطويريّة .؟! وكيف لا ينال ما يناسب أهمّيّته وقدره من المعلّم الذي هو أهمّ إنسان في حياة الطفل بعد والديه .؟!

أيّها المعلّم المربّي عندما تتعامل مع الطفل والناشئ بالحبّ فأنت تزرع الحبّ في مجتمعه وأسرته، وفي سلوكه ومستقبله .. وحريّ بطفل تربّى بالحبّ أن يكون له في المستقبل عطاء لأمّته بلا حدود ..
ويتمّم رسالة التربية بالحبّ معان فاضت بها المشاعر منذ مدّة، يناسب أن ألحقها بهذه المقالة، راجياً من الله النفع والأجر ..

قد رأيتُ الحبَّ نُوراً ..
كُن مُحبّاً .. ألفَ مَرّه ..
ذاتَ صُبحٍ .. ذاتَ بُكرَه ..
قد رأيتُ الحبَّ سِرَّه
يَملأُ الكونَ جمالاً .. وَنُضاراً ومَسَرَّه
قد رأيتُ الحبَّ نُوراً .. عبقريَّ الوِردِ ثَرَّه
شَعَّ ألواناً حِسَاناً كشَفَت عن قلبِي ضُرَّه
لَفَّني مَنه سَناءٌ .. يتدلّى مِن مَجرّه ..
ودنا منّي يناجي .. وحباني منه فِكرَه
وجِبالُ الحبّ تجري .. ثمّ نادتني مُسِرّه :
كُن مُحبّاً .. كُن مُحبّاً ..
كُن مُحبّاً .. ألفَ مَرّه ..
كُن لهذا الكَونِ زَهرَه
كُن سُمُوّاً .. كُن علاءً ..
يعرف الأشرافُ قَدرَه ..
كُن كتاباً ..
يَتبارَى الكونُ نَشرَه ..
لا تُبالي مَن مَلا الأحقادَ صَدرَه
ربُّكَ الأعلى حَسِيبٌ يَكفِكَ الجبّارُ شَرَّه
لا تُخاصِم مَن تَباهى بالمَضرّه
لا تقف بين الدنايا .. كُن كلَيثٍ شَامَ هِرَّه
كُن كصَقرٍ يتسامى .. حَسبه الجوزاء فَخرَه
أنتَ أسمَى مِن حَسودٍ غِلُّه قد زادَ مَكرَه
أنتَ أزكى مِن لئيم يتَوَلّى أبا مُرّه ..
أنتَ أسمى من سفيه يقطع الأيّام حَسرَه
أنتَ أثرى من شحيح يجمع الأوهامَ عُمرَه
ازرعِ الحبَّ ابتساماً واملأ الأرجاء عِطرَه
ازرعِ الحبَّ عطاءً دُونَ مَنّ وَاجنِ خَيرَه
ازرَعِ الحبَّ وفاءً وتنسّم منه نَشرَه
ازرَعِ الحبَّ وحاذِر أن تَظُنَّ الحبَّ مَكرَه
فصَحَا قلبي سَعيداً ..
مذ حباه الحبُّ زَورَه
زال عنّي برؤاها ..
غُمّةٌ تهتِكُ صَبرَه ..
غَرّدَ القلبُ سُرُوراً .. ومَضَى يكتُبُ شِعرَه .



________________________________________________
التربية بالحب 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى