- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3747
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
البكاء من خشية الله ... أسبابه ،,,, وموانعه ،,, وطرق تحصيله-3-
الأحد 25 سبتمبر 2011, 16:06
2. قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته .
قال الله تعالى - في وصف عباده العلماء الصالحين - : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [ الإسراء :107-109 ] .
قال الطبري عند الكلام على هذه الآية : يقول تعالى ذكره : ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين , من قبل نزول الفرقان , إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون , ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا , يعني خضوعا لأمر الله وطاعته استكانة له .
" تفسير الطبري " ( 15 / 181 ) .
وقال القرطبي : هذا مدح لهم , وحق لكل من توسم بالعلم , وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة , فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل .
" تفسير القرطبي " ( 10 / 341 ) .
{ من قبله } أي : من قَبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبكون عند سماع ما نزل عليهم .
وقيل : من قَبل القرآن ، وهم اليهود والنصارى ، وهي بشرى للمتقين منهم أنهم يسلمون ، وهو الذي حصل كما في قوله تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق } [ المائدة : 83 ] .
والآيات الأوَل - في الإسراء - مكية ، ومما نزل في مكة :
قولُه تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [ مريم / 58 ] .
وآية " النجم " :
{ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ . أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ . فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } [ النجم / 56 – 62 ] .
وهذا لتربية الصحابة على رقة القلب وصدق الإيمان ، وأن الضحك الحق لا يكون إلا في الآخرة.
{ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . [ المطففين / 29 – 36 ] وهي سورة مكية .
وهذا هو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع القرآن .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ عليَّ القرآن , قال : قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري , قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل .
رواه البخاري ( 4306 ) ومسلم ( 800 ) .
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن .
عن أبي صالح قال : لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر : هكذا كنا ثم قست القلوب !!
وحال أبي بكر تصفه عائشة فتقول :
لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يوذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليصل قلت : إن أبا بكر رجل أسيف - وفي رواية : لا يملك دمعه ، وفي روايةٍ : كان أبو بكر رجلا بكّاءً ؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن – إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة … . البخاري ( 633 ) ، ومسلم ( 418 ) .
وعن عبد الله بن شداد أنه قال : سمعتُ نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } [ يوسف / 86 ] .
رواه البخاري معلقاً ، انظر : " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 206 ) .
والنشيج : رفع الصوت بالبكاء .
وعن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية – [ البقرة / 284 ] - ; فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن , لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } – [ البقرة / 286 ] - .
وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [ سورة المطففين / 1 ] فلما بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة المطففين / 6 ] بكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده .
وقال مسروق رجمه الله : قرأتُ على عائشة هذه الآيات : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت : " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم " .
وهكذا كان حال من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قرأ رجلُ عند عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - قوله تعالى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان / 13 ] فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .
كان محمد بن المنكدر من سادات القراء ، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذُكر عنه أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى ، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه ، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه ، فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : ما هي ؟ قال : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } [ الزمر / 47 ] فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما .
قال إبراهيم بن الأشعث : سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويبكي ويردد هذه الآية : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } [ محمد / 31 ] وجعل يقول : وتبلوا أخبارنا ، ويردد : وتبلو أخبارنا ، إن بلوتَ أخبارنا فضحتَنا ، وهتكتَ أستارنا ، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا ، ويبكي .
وسبق ذِكر جملة من بكائهم - رحمهم الله - .
3. كثرة ذكر الله عز وجل .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ... - وذكر منهم : - ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ، والجرأة على المعصية ، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها ، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه ، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
قال ابن القيم :
إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذبه بالذكر ؛ وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل.
" الوابل الصيِّب " ( ص 99 ) .
4. الإكثار من الطاعات .
قال أحمد بن سهل - رحمه الله - : " قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما " .
5. تذكر الموت ورؤية المحتضرين والأموات .
عن جابر رضي الله عنه قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى ، فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال : لا ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة - خمش وجوه وشق جيوب - ، ورنة شيطان .
رواه الترمذي ( 1005 ) ، وقال : هذا حديث حسن ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2157 ) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بكى على ابنه إبراهيم ، حينما رآه يجود بنفسه ، فجعلت عيناه تذرفان الدموع ثم قال : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " رواه البخاري ( 1241 ) ومسلم ( 2315 ) .
وعن عبد الله بن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غاشية فقال قد قضى ؟ قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم . البخاري ( 1242 ) ومسلم ( 924 ) .
وعن صفية أن امرأة أتت عائشة تشكو إليها القسوة فقالت : " أكثري ذكر الموت يرق قلبك وتقدرين على حاجتك " قالت : ففعلت ، فوجدت أن قلبها رق ، فجاءت تشكر لعائشة رضي الله عنها .
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : أضحكني ثلاث و أبكاني ثلاث :
أضحكني : مؤمل دنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وضاحك بملء فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه .
و أبكاني : فراق أحب الأحبة محمَّد صلى الله عليه وسلم وصحبه ، وهَول المطلع عند غمرات الموت ، والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية فلا يدري أإلى الجنة أم إلى النار.
وكان سعيد بن جبير يقول : " لو فارق ذكر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا " .
6. أكل الحلال .
سئل بعض الصالحين : بم تلين القلوب ؟ قال : بأكل الحلال .
7. الابتعاد عن المعاصي .
قال مكحول رحمه الله : " أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً " .
8. سماع المواعظ .
وقد انتشر في كثير من البلدان أشرطة لمشايخ ثقات يحسنون التأثير على قلوب الناس ، وقد كانت الخطبة المؤثرة والموعظة البليغة مما يوجل قلوب الصحابة ويُذرف دمع عيونهم .
عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " .
رواه الترمذي ( 2676 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأبو داود ( 4607 ) وابن ماجه ( 42 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2735 ) .
9. تذكر القيامة وقلة الزاد والخوف من الله .
بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : " أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي " .
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة , بكى , فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية .
سئل عطاء السليمي : ما هذا الحزن ؟ قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ، وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً ومالَه زاد .
لما احتضر هشام بن عبد الملك نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء , ترك لكم ما جمَع و تركتم له ما حمل , ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .
قال ابن القيم : اعرف قدر ما ضاع ، وابك بكاء من يدري مقدار الفائت .
وقال الألبيري - رحمه الله - :
ولا تضحكْ مع السفهاءِ يومـاً فإنّك سوف تبكي إن ضحكتا !
ومَن لك بالسرور وأنتَ رهنٌ؟ وما تدري أتُفْدى ؟ أم غُلِلْتا ؟!
ولو بكت الدّما عيناك خوفاً ! لذنبـك لم أقل لك قـد أمِنْتا !
ومَن لك بالأمان وأنتَ عبـدٌ أُمِرْتَ فما ائتمرتَ ولا أطَعْتا!
10. البكاء عند زيارة القبور .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً " .
رواه أحمد ( 13075 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4584 ) .
وروى مسلم في صحيحه ( 976 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى , وأبكى من حوله " .
وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال : كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه " .
رواه الترمذي ( 2308 ) وابن ماجه ( 4267 ) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3550 ) .
11. التفكر عند رؤية ما يُعتبَر كرؤية النار في الدنيا .
عن مغيرة بن سعد بن الأخرم قال : ما خرج عبد الله بن مسعود إلى السوق فمر على الحدادين فرأى ما يخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان .
فإن المسلم أعرف أهل الأرض بربه تعالى ، فالواجب عليه أن يكون حاله لا كحال الآخرين ، فهو يعتبر ويتعظ بما يقرؤه ويسمعه من الآيات والمواعظ ، والقلب الخائف يثمر عيناً دامعة رجاء بلوغ رحمة الله تعالى ودخول الجنة ، تحقيقاً لوعد الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " رواه الترمذي ( 1639 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
12. الدعاء .
وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من القلب الذي لا يخشع ، وقد سبق ذِكر اتصال العين بالقلب .
عن زيد بن أرقم قال لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها . رواه مسلم ( 2722 ) .
ومن أراد أن تدمع عينه فله أن يدعو الله بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال : صوتاً حسناً ، ودمعاً غزيراً ، وطعاماً من غير تكلف ، فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره ، وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 282 ) .
13. التباكي .
عن ابن أبي مليكة قال : جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحِجر فقال : ابكوا ، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا ، لو تعلموا العلم لصلَّى أحدكم حتى ينكسر ظهره ، ولبكى حتى ينقطع صوته . رواه الحاكم في " المستدرك " ( 4 / 622 ) ، وصححه الألباني موقوفاً في " صحيح الترغيب " ( 3328 ) .
وعن التباكي قال ابن القيم - بعد ذكره أنواع البكاء - :
وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي وهو نوعان : محمود ومذموم
فالمحمود : أن يُستحلب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرياء والسمعة ،
والمذموم : يُجتلب لأجل الخلق .
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ( أخرجه مسلم في صحيحه ( 1763 ) ضمن حديث مطول في الجهاد ) .
ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا .
" زاد المعاد " ( 1 / 185 ، 186 ) .
ونسأل الله تعالى أن يجعل قلوبا وجلة ، وأعيننا دامعة من خشيته .
قال الله تعالى - في وصف عباده العلماء الصالحين - : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [ الإسراء :107-109 ] .
قال الطبري عند الكلام على هذه الآية : يقول تعالى ذكره : ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين , من قبل نزول الفرقان , إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون , ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا , يعني خضوعا لأمر الله وطاعته استكانة له .
" تفسير الطبري " ( 15 / 181 ) .
وقال القرطبي : هذا مدح لهم , وحق لكل من توسم بالعلم , وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة , فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل .
" تفسير القرطبي " ( 10 / 341 ) .
{ من قبله } أي : من قَبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبكون عند سماع ما نزل عليهم .
وقيل : من قَبل القرآن ، وهم اليهود والنصارى ، وهي بشرى للمتقين منهم أنهم يسلمون ، وهو الذي حصل كما في قوله تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق } [ المائدة : 83 ] .
والآيات الأوَل - في الإسراء - مكية ، ومما نزل في مكة :
قولُه تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [ مريم / 58 ] .
وآية " النجم " :
{ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ . أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ . فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } [ النجم / 56 – 62 ] .
وهذا لتربية الصحابة على رقة القلب وصدق الإيمان ، وأن الضحك الحق لا يكون إلا في الآخرة.
{ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . [ المطففين / 29 – 36 ] وهي سورة مكية .
وهذا هو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع القرآن .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ عليَّ القرآن , قال : قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري , قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل .
رواه البخاري ( 4306 ) ومسلم ( 800 ) .
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن .
عن أبي صالح قال : لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر : هكذا كنا ثم قست القلوب !!
وحال أبي بكر تصفه عائشة فتقول :
لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يوذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليصل قلت : إن أبا بكر رجل أسيف - وفي رواية : لا يملك دمعه ، وفي روايةٍ : كان أبو بكر رجلا بكّاءً ؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن – إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة … . البخاري ( 633 ) ، ومسلم ( 418 ) .
وعن عبد الله بن شداد أنه قال : سمعتُ نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } [ يوسف / 86 ] .
رواه البخاري معلقاً ، انظر : " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 206 ) .
والنشيج : رفع الصوت بالبكاء .
وعن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية – [ البقرة / 284 ] - ; فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن , لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } – [ البقرة / 286 ] - .
وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [ سورة المطففين / 1 ] فلما بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة المطففين / 6 ] بكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده .
وقال مسروق رجمه الله : قرأتُ على عائشة هذه الآيات : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت : " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم " .
وهكذا كان حال من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قرأ رجلُ عند عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - قوله تعالى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان / 13 ] فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .
كان محمد بن المنكدر من سادات القراء ، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذُكر عنه أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى ، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه ، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه ، فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : ما هي ؟ قال : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } [ الزمر / 47 ] فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما .
قال إبراهيم بن الأشعث : سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويبكي ويردد هذه الآية : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } [ محمد / 31 ] وجعل يقول : وتبلوا أخبارنا ، ويردد : وتبلو أخبارنا ، إن بلوتَ أخبارنا فضحتَنا ، وهتكتَ أستارنا ، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا ، ويبكي .
وسبق ذِكر جملة من بكائهم - رحمهم الله - .
3. كثرة ذكر الله عز وجل .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ... - وذكر منهم : - ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ، والجرأة على المعصية ، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها ، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه ، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
قال ابن القيم :
إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذبه بالذكر ؛ وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل.
" الوابل الصيِّب " ( ص 99 ) .
4. الإكثار من الطاعات .
قال أحمد بن سهل - رحمه الله - : " قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما " .
5. تذكر الموت ورؤية المحتضرين والأموات .
عن جابر رضي الله عنه قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى ، فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال : لا ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة - خمش وجوه وشق جيوب - ، ورنة شيطان .
رواه الترمذي ( 1005 ) ، وقال : هذا حديث حسن ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2157 ) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بكى على ابنه إبراهيم ، حينما رآه يجود بنفسه ، فجعلت عيناه تذرفان الدموع ثم قال : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " رواه البخاري ( 1241 ) ومسلم ( 2315 ) .
وعن عبد الله بن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غاشية فقال قد قضى ؟ قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم . البخاري ( 1242 ) ومسلم ( 924 ) .
وعن صفية أن امرأة أتت عائشة تشكو إليها القسوة فقالت : " أكثري ذكر الموت يرق قلبك وتقدرين على حاجتك " قالت : ففعلت ، فوجدت أن قلبها رق ، فجاءت تشكر لعائشة رضي الله عنها .
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : أضحكني ثلاث و أبكاني ثلاث :
أضحكني : مؤمل دنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وضاحك بملء فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه .
و أبكاني : فراق أحب الأحبة محمَّد صلى الله عليه وسلم وصحبه ، وهَول المطلع عند غمرات الموت ، والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية فلا يدري أإلى الجنة أم إلى النار.
وكان سعيد بن جبير يقول : " لو فارق ذكر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا " .
6. أكل الحلال .
سئل بعض الصالحين : بم تلين القلوب ؟ قال : بأكل الحلال .
7. الابتعاد عن المعاصي .
قال مكحول رحمه الله : " أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً " .
8. سماع المواعظ .
وقد انتشر في كثير من البلدان أشرطة لمشايخ ثقات يحسنون التأثير على قلوب الناس ، وقد كانت الخطبة المؤثرة والموعظة البليغة مما يوجل قلوب الصحابة ويُذرف دمع عيونهم .
عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " .
رواه الترمذي ( 2676 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأبو داود ( 4607 ) وابن ماجه ( 42 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2735 ) .
9. تذكر القيامة وقلة الزاد والخوف من الله .
بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : " أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي " .
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة , بكى , فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية .
سئل عطاء السليمي : ما هذا الحزن ؟ قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ، وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً ومالَه زاد .
لما احتضر هشام بن عبد الملك نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء , ترك لكم ما جمَع و تركتم له ما حمل , ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .
قال ابن القيم : اعرف قدر ما ضاع ، وابك بكاء من يدري مقدار الفائت .
وقال الألبيري - رحمه الله - :
ولا تضحكْ مع السفهاءِ يومـاً فإنّك سوف تبكي إن ضحكتا !
ومَن لك بالسرور وأنتَ رهنٌ؟ وما تدري أتُفْدى ؟ أم غُلِلْتا ؟!
ولو بكت الدّما عيناك خوفاً ! لذنبـك لم أقل لك قـد أمِنْتا !
ومَن لك بالأمان وأنتَ عبـدٌ أُمِرْتَ فما ائتمرتَ ولا أطَعْتا!
10. البكاء عند زيارة القبور .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً " .
رواه أحمد ( 13075 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4584 ) .
وروى مسلم في صحيحه ( 976 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى , وأبكى من حوله " .
وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال : كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه " .
رواه الترمذي ( 2308 ) وابن ماجه ( 4267 ) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3550 ) .
11. التفكر عند رؤية ما يُعتبَر كرؤية النار في الدنيا .
عن مغيرة بن سعد بن الأخرم قال : ما خرج عبد الله بن مسعود إلى السوق فمر على الحدادين فرأى ما يخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان .
فإن المسلم أعرف أهل الأرض بربه تعالى ، فالواجب عليه أن يكون حاله لا كحال الآخرين ، فهو يعتبر ويتعظ بما يقرؤه ويسمعه من الآيات والمواعظ ، والقلب الخائف يثمر عيناً دامعة رجاء بلوغ رحمة الله تعالى ودخول الجنة ، تحقيقاً لوعد الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " رواه الترمذي ( 1639 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
12. الدعاء .
وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من القلب الذي لا يخشع ، وقد سبق ذِكر اتصال العين بالقلب .
عن زيد بن أرقم قال لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها . رواه مسلم ( 2722 ) .
ومن أراد أن تدمع عينه فله أن يدعو الله بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال : صوتاً حسناً ، ودمعاً غزيراً ، وطعاماً من غير تكلف ، فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره ، وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 282 ) .
13. التباكي .
عن ابن أبي مليكة قال : جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحِجر فقال : ابكوا ، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا ، لو تعلموا العلم لصلَّى أحدكم حتى ينكسر ظهره ، ولبكى حتى ينقطع صوته . رواه الحاكم في " المستدرك " ( 4 / 622 ) ، وصححه الألباني موقوفاً في " صحيح الترغيب " ( 3328 ) .
وعن التباكي قال ابن القيم - بعد ذكره أنواع البكاء - :
وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي وهو نوعان : محمود ومذموم
فالمحمود : أن يُستحلب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرياء والسمعة ،
والمذموم : يُجتلب لأجل الخلق .
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ( أخرجه مسلم في صحيحه ( 1763 ) ضمن حديث مطول في الجهاد ) .
ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا .
" زاد المعاد " ( 1 / 185 ، 186 ) .
ونسأل الله تعالى أن يجعل قلوبا وجلة ، وأعيننا دامعة من خشيته .
- إيمان إبراهيم مساعد
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3896
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
رد: البكاء من خشية الله ... أسبابه ،,,, وموانعه ،,, وطرق تحصيله-3-
الأحد 25 سبتمبر 2011, 16:07
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى