منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28468
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
بحر الدموع - الفصل التاسع عشر 1393418480781

بحر الدموع - الفصل التاسع عشر 140

بحر الدموع - الفصل التاسع عشر Empty بحر الدموع - الفصل التاسع عشر

الجمعة 16 سبتمبر 2011, 17:32
ص -84- بحر الدموع - الفصل التاسع عشر
يا أخي، لا يبيع الباقي بالفاني إلا خاسر، وإياك والأنس بمن ترحل عنه، فتبقى كالحائر، رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، مهر الآخرة يسير، قلب مخلص، ولسان ذاكر، إذا شبت ولم تنتبه، فاعلم أنك سائر، فديت أهل التهجد بلسان باك وجفن ساهر، كم لهم على باب تتجافى جنوبهم من تملق ودمع قاطر، إذا تنسّموا نسيم السحر أغناهم عن نسيم العذيب وحناجر، عصفت بهم رواشق الاستغفار البواكر، عمروا منازل الخدمة، ومنزل الغفلة خراب داثر.
قال ذا النون المصري رضي الله عنه: رأيت شابا في بعض السواحل مصفرّ اللون على وجه نور القبول، وآثار القرب وعز الأنس، فقلت: السلام عليك يا أخي، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقلت له: ما علامة المحبة، فقال: التشتت في البلاد، والتهتك في العباد، وتحريم الرّقاد، وخشية البعاد.
وأنشدوا:


أبليت من أحببت يا حسن البلا وخصصت بالبلوى رجالا خشعا

أحببت بلواهم وطول حنينهم وأطلت ضرّهم لكي يتخضعا

إخواني: كم إلى دير المحبة من موارد ومصادر، نبهوا رواهب الشوق لتكون إليهم سائر، طلبوا منه شرابا عتيقا جلّ عن معاصرة العاصر، فتح لهم دنان التوله، فانفض منه رحيق التحقيق له شعاع يملأ البصائر، أدار عليهم أقداح الوجد، فحنّوا إلى المزيد حنين الذاكر، خامرهم سكر التولة، فبدا لهم كل غائب وحاضر، استزادوا من هذا الشراب الطيّب الطاهر، بذلوا فيه النفوس والأوطان والغائب والحاضر، أطربهم تلحين أهل دير المحبة، فتواجدوا تواجد كابر عن كابر، محبوبهم ساقيهم، ومجلس أنسهم منضدّ بأنواع الأزاهر، ملوك في وقت السكر، عبيد في وقت الصحو، فهم بين غائب وحاضر.


ص -85- شربة من هذا المدام رخيصة ببذل الكون والأوائل والأواخر، لا يتركه إلا سيفه ليس لتيه شقائه من آخر، اقبل نصحي وبادر قبل غلق بابه وباكر، يغنيك عن كل مطعوم ومشروب، وعن كل نسيم عاطر.
منها شرب آدم، وناح عليها نوح، ونشر زكريا بالمناشر، وعرض الخليل على النار،، فما أحسّ بما هو إليه سائر، وعاجل الشوق موسى فقال: أرني لعلي أرى المنظور في الناظر، وكم لداود من سكر وأشواق وتلحين مزامر، وهام عيسى في البراري لا يأوي على باد ولا حاضر، شربها شربا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم السبت، فألقت فيه بقيّة أوجبت المدائح والمفاخر.
لك انفتح الكون، فاختر هذا الشراب الطيب الطاهر، قطرة منها نهر الكوثر، تروى منها في ظمأ الهواجر، دارت على الصدّيق والفاروق والسعيد إلى العاشر. اجتمعوا لشربها في الأول، واجتمعوا لشربها في الآخر، أبقوا في أدنان المعاني بقايا الكرام فعل الأكابر، صفت لأهل الصفة، فصفت بشربها السرائر.
فاخلع في شربها العذار، فما لك إن خلعت من عاذل، وإن لم تخلعه فما لك من عاذر، وزمزم وأطرب وارقص، فالكون كونك، ومحبوبك حاضر. صن موضع السر عن سواه، وإيّاك والخاطر الخاطر، إن نظرت لغيره، أبعدك وما لك إن بعدت من ناصر.
يا معشر الفقراء، هذه سماعكم، فأين من هو معي حاضر، يا أرباب الأحوال، معكم أتحدث، ولكم أصف، ولركبكم أساير، يا معشر التائبين، أما يهون عليكم بذل المعصية لنيل هذا الجوهر الفاخر، إن فاتك هذا السماع ولم تطرب، فأنت في بريّة الحرمان حائر.
قال أبو بكر الوراق1 رضي الله عنه: حقيقة المحبة مشاهدة المحبوب على كل حال، فان الاشتغال بالغير حجاب، وأصله التسليم واليقين، فإنها يبلغان إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو بكر محمد بن عمر الوراق الترمذي. من أعلام الزهد والتصوف.



ص -86- درجات المتقين في جنات النعيم.
وأنشدوا:


أحبّ الصالحين ولست منهم وأطلب أن أنال بهم شفاعة

وأكره من بضاعته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

ويروى عن ذي النون المصري رضي الله عنه أنه قال: بينما أنا في بعض الفيافي والقفار، أطوف، وإذا بغلام قد انتقع لونه ونحل جسمه، يتلألأ نور الخدمة بين عينيه، وينطق آثار القبول من بين وجنتيه، وعلى وجهه سمت الطاعة والمجاهدة، وهيأة المؤانسة والمشاهدة، وعليه طمران1، وعلى بدنه جبّة صوف متفتقة الأكمام والذيول، وعلى أحد كميّه مكتوب: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36. وعلى الكم الآخر مكتوب:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}النور 24. وعلى أذيالها مكتوب: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ق 16. وعلى ظهرها مكتوب: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} الحاقة 18.
وعلى رأسه مكتوب:


حبّ مولاي بلائي حيث مولاي دوائي

فما رأيت أنظف من طمرين كانا عليه، فتهيأت لخطابه، ثم دنوت منه بعد ساعة، فقلت: السلام عليك يا عبد الله، فقال: السلام عليك عليك يا ذا النون، فقلت له: ومن أين عرفتني يا أخي؟! فقال: اطلعت حقائق الحق من ضميري على مكنون ضميرك، فشاهد صفاء معرفتك في غياهب غيوب همتك، فتناطقا وتعانقا، فعرّفني أنك ذو النون المصري.
فقلت له: يا أخي ما هي ابتداء المحبة؟
فقال: الاعتبار بهذه الآية التي تراها وتسمعها، وأشار إلى المكتوبة على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الطمر: الثوب الخلق، والجمع: أطمار.



ص -87- طمريه، فقلت له يا أخي وما انتهاء المحبة، فقال: يا ذا النون محبوب بلا انتهاء ومحبته بابتهال محال، فقلت له: يا أخي الزهد في الدنيا طلب للعقبى، أم طلب للمولى؟
فقال:يا ذا النون، الزهد في مخلوق لطلب مخلوق آخر خسران، وإنما يصلح الزهد في الدنيا المخلوقة لطلب المولى الخالق.
يا ذا النون، صغرت همة عبد رضيت من محبوب قديم بجنة مخلوقة. إنما معنى الزهد: التجنّب عن الأغيار، وتتبع الأخيار، ومشاهدة الآثار لوجود الملك الجبار، فمن طلب الأغيار، فمطلوبه مشهوده، ومن طلب الجبار، فمطلوبه محبوبه، فالمخلوق إذا رضي بمخلوق مثله، فالمشاكلة مقصودة.
يا أخي ذا النون: الدّون كل الدّون والمغبون كل المغبون من هجر لذة الكرى والهوى، وأبغض طيب الدنيا، ثم رضي بدون المولى، وكدّ نفسه وهجر دنياه، رهبة أن تكون النار مثواه، أو رغبة أن تكون الجنة مأواه.
فقلت له: يا أخي: تصبرون في هذه الفيافي والمهالك المقحطة بلا زاد؟.
فغضب، وقال: يا بطّال، ما هذا الاعتراض على من لم يطلعك على حاله، ولا يأتمنك على سره، أما أمرنا في حال المأكول والمشروب، فهكذا، فوكز برجله اليمنى الأرض، فإذا بعين من سمن وعسل، فأكل وأكلت معه، ثم وكز الأرض برجله اليسرى فإذا بعين من الماء أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، فشرب وشربت معه، وردّ الرمل عليهما، فعادت الأرض كما كانت، كأن لم يكن بها شيء قط، ثم ولى عني وتركني، فبقيت باكيا، ومما عاينت متعجبا، رضي الله عنه ونفعنا بأمثاله.



________________________________________________
بحر الدموع - الفصل التاسع عشر 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى