- ناجح المتولى
- عدد المساهمات : 0
نقاط : 3760
تاريخ التسجيل : 13/01/2014
صور الإثم في آفات اللسان
الأحد 11 سبتمبر 2011, 14:50
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صور الإثم في آفات اللسان
نعم الله علينا كثيرة تترى فهي لا تعد ولا تحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) واللسان من أعظم نعم الله على الإنسان، وهو عظيم النفع إن استعمل فيما يحب الله من الكلام، عظيم الضرر إن استعمل في ضد ذلك..
فالواجب عليك ـ يا أختاه ـ حفظ لسانك إلا عن الخير.كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
وحفظ اللسان هو ملاك أمرك، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله) قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: (كف عليك هذا) قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
إذن فمن الخطر العظيم ما يقع فيه كثير من الناس من إطلاق ألسنتهم والتهاون بالكلام غافلين عن أنه يُحصى عليهم ما تتلفظ به ألسنتهم ويُسألون عنه، قال - تعالى -: [ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد] [ق: 18].
وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الفم والفرج) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وإذا تدبرنا ـ أُخيتي ـ هذا الحديث ونحوه من النصوص الواردة في الكتاب والسنة عرفنا حقيقة اللسان وخطره، فإن اللسان لا يَكَلُّ كما تكلُّ سائر الأعضاء، ثم إن المعاصي التي تكون باللسان كثيرة، منها: الغيبة، والنميمة، وقول الزور، والسخرية بالمسلمين، والكذب في الحديث، وأعظمُه الكذب على الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أكثر هذه الذنوب انتشاراً بين العامة والخاصة، وبين الرجال والنساء، بل أصبحت عادة ذميمة، وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكرة، لا يلجأ إليها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يستطيعها إلا الأراذل والتافهون، ولا ينتشر هذا العمل إلا حين يغيب الإيمان، وهي اعتداء صارخ على الأعراض، وظلم فادح، وإيذاء ترفضه العقول وتمجه الطباع، وتأباه النفوس الكريمة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب.. ألا وهي "الغيبة" التي جاء وصفها في كتاب الله بأبشع الصفات، قال - تعالى -: [ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه] [الحجرات: 12].
وبينها ووصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هي ذكرك أخاك بما يكره) ومع ذلك قد تجدين متكلمة في أحد المجالس تتعرض لغير واحد من الناس فتذكرهم بما يكرهون، فإذا نُصِحَت، قالت: والله إني لم أزد عليهم شيئاً فكل ما قلت هو فيهم. وهذا جهل منها عظيم، فما تكلمت به هو الغيبة بعينها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: (أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته) رواه مسلم.
وهي حرام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.
ولعظم أمرها فقد جاء الوعيد الشديد في حق مرتكبها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم).
قال عنها ابن حجر الهيثمي: (إن فيها أعظم العذاب وأشد النكال، وقد صح فيها أنها أربى الربا، وأنها لو مزجت في ماء البحر لأنتنته وغيرت ريحه، وأن أهلها يأكلون الجيف في النار، وأن لهم رائحة منتنة فيها، وأنهم يُعذبون في قبورهم، وبعض هذه كافية في كون الغيبة من الكبائر) ا هـ.
والغيبة بضاعة كاسدة، وسلعة رخيصة، لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعاف الإيمان، وهي في الوقت نفسه تجارة خاسرة للمغتاب حيث إنه يخسر كثيراً من حسناته، ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات.
وبعض الناس مع الأسف الشديد لا تراه دائماً إلا منتقداً، وينسى صفات الآخرين الحسنة، ويركز على أخطائهم وعيوبهم فقط، فهو في ذلك مثل الذباب الذي يقع على الجرح والأذى ويترك موضع البرء والسلامة، وهذا من رداءة النفوس، وفساد المزاج.
والغيبة تكون في القول والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة، تقول عائشة - رضي الله عنها -: (دخلت علينا امرأة فلما ولّت، أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اغتبتِها).
بواعث الغيبة:
قال ابن تيمية في بواعث الغيبة:
1- إن الإنسان قد يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس، واستثقله أهل المجلس.
2- ومنهم من يُخرج الغيبة في قالب ديانة وصلاح، ويقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة والكذب، وإنما أخبركم بأحواله، والله إنه مسكين، ورجل جيد، ولكن فيه كذا وكذا، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وقصده من ذلك استنقاصه.
3- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية ولعب ليضحك غيره بمحاكاته واستصغاره المستهزأ به.
4- ومن من يخرج الغيبة في قالب تعجب فيقول: تعجبت من فلان كيف يفعل كيت وكيت.
5- ومن من يخرج الغيبة في قالب الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمني ما جرى له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف، وقلبه منطو على التشفي به.
6- ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، وقصده غير ما أظهر.
خطورة الغيبة:
إن هذا الأمر على خطورته في الدنيا والآخرة لم يأبه به كثير من الناس، وتهاونوا في أمره تهاوناً عظيماً بل اعتبروه فاكهة مجالسهم، فإن لا تكاد تجلس في مجلس إلا وهذا الوباء موجود فيه، وسبب انتشاره هو عدم إدراك خطورته.
وإليك ـ أخيتي ـ هذه النصوص الكريمة لتبين لك شناعة الغيبة وخطورتها:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها قصيرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته).
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنهم ذكروا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً، فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يُرحل له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اغتبتموه)، فقالوا: يا رسول الله حدثنا بما فيه، قال: (حسبك إذا ذكرتُ أخاك بما فيه).
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - (أن رجلاً اعترف بالزنا أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات فأقام عليه الحد، فسمع الرسول رجلين من الأنصار، يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سار ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجله - أي قد انتفخ بطنه ـ فقال - عليه الصلاة والسلام -: أين فلان وفلان؟ فقالا: ها نحن رسول الله، فقال لهما: كُلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا رسول الله غفر الله لك، مَنْ يأكل من هذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يغمس فيها) رواه أحمد، وصححه الألباني - رحمه الله -.
وروي عن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت العرب يخدم بعضهم بعضاً في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - رجل يخدمهما، فاستيقظا مرة ولم يهيئ لهما طعاماً فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم بيتكم، فأيقظاه، فقال: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام وهما يستأدمانك، فذهب وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال - عليه السلام -: (قد ائتدما) فجاء الغلام وأخبرهما، ففزعا وجاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدمتما، بأي شيء ائتدمنا، قال عليه الصلاة والسالم: (بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما) قالا: استغفر لنا يا رسول الله، قال: (بل هو يستغفر لكما).
انظري ـ أخيتي ـ ما هي الكلمة التي قالاها، كلمة واحدة، قالا: (إن هذا ليوائم نوم بيتكم)، أي إن هذا النوم يشبه نوم البيت، لا نوم السفر) عاتبوه بكره النوم فقط، فعاتبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولأقرّب الصورة لك ـ أخيتي ـ أقول: إن كثيراً من الناس يهولون أمر الربا، ويستعظمون أمره وهو كذلك ويتساهلون فيما أعظم منه وهي الغيبة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم).
أخيتي الكريمة:
إن الغيبة هي أن تذكري أخاك بما يكرهه لو بلغهُ ذلك، سواء ذكرته بنقص في دينه أو بدنه أو في نسبه أو في خلفه أو في فعله أو في قوله، حتى في ثوبه ونحو ذلك.
فأما البدن: فكذكر العمش والحول والقصر والسواد، وجميع ما تعلمين أنه يكرهه من الصفات إلا أن يكون معروفاً بصفة من هذه الصفات، ولا يميز إلا بها وهو لا يكرهها فلا بأس بذلك. والقارئ في كتب الحديث يجد من رجاله من عُرف بالأعمش والأعرج وغير ذلك.
وأما النسب، فكقولك: فلانة أبوها هندي، أو فاسق، أو زبال، أو أي شيء تعرفين أنها تكرهه، أو انتقاص في حسبها ونسبها، ومنه ما انتشر بين الناس من التفريق بين الخضيري والقبيلي، مع أن ميزان التفاضل عند الله التقوى لا النسب، قال - تعالى -: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم].
وأما الخلق فكقولك: هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، شديد الغضب، متهور، متسرع، وما شابه ذلك.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين: كقولك هو كذاب، خائن، شارب خمر، ظالم، متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع والسجود، ليس باراً بوالديه، لا يحفظ لسانه من الكذب والشتم والسب، ونحو ذلك.
وأما أفعاله المتعلقة بالدنيا: فكقولك: إنه قليل الأدب، متهاون بالناس لا يحترمهم، لا يرى لأحد على نفسه حقاً، أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو إنه كثير الكلام، أو كثير النوم في غير وقت النوم.
وأما في ثوبه: فكقولك: إن ثوبه طويل، أو وسخ الثياب، أو رديء الملابس، أو لا يستطيع التنسيق بين الألوان، أو ذوقه رديء في اختيار ملابسه ونحو ذلك.
إن بعض النساء قد تغتاب شخصاً فإذا قيل لها: اتقي الله ولا تتكلمي في أعراض المسلمين، أجابت بقولها، أنا مستعدة أن أقول أمامه، أو أن فلاناً لا يغضب مما أقول، فما يدريك ـ يا أخيتي ـ أنه لا يغضب، فلعله يجامل عندكِ ولكن في قرارة نفسه يتألم كثيراً من ذلك القول ويكرهه.
أختي الحبيبة: إن حديثك تنسينه بمجرد إطلاق الكلمة وانتهاء المجلس، ولكنه محصل عليك، وأنت موقوفة يوم القيامة حتى يقتص منك، فيؤخذ لمن اغتبتهم من حسناتكِ، فإن فنيت حسناتك أخذ من سيئاتهم فحطت عليك!! وما أشدها من مصيبة أن تفجعي في ذلك اليوم العظيم بمثل هذا وأنت أحوج ما تكونين للحسنة الواحدة.
وكما أنكِ أيضاً لا تقبلي أن يكون عرضك حديث المجالس فكذلك الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم، فطهري لسانكِ وطهري مجلسك من الغيبة ولا تسمحي لأي شخص أن يغتاب أحداً عندك في مجلسك، ولو تكلم أحد فأسكتيه وبيني له حرمة ذلك، ودافعي عن أعراض إخوانك المسلمين إذا اغتابهم أحد عندك، فإن في ذلك أجراً عظيماً كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقاً على الله - عز وجل - أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة" رواه أحمد والترمذي.
واعلمي.. أن المغتاب لو لم يجد أذناً صاغية لما اغتاب واسترسل في الحديث، فأنت باستماعك الحديث وعدم إنكارك عليه تكونين مشجعة له على المعصية، وإذا لم تنكري عليه ولم تتركي المجلس لم يرتدع وينته عن الغيبة، فإنك تكونين شريكة في الإثم.
وأخيراً... فإن الغيبة كما تبين آنفاً أمرها خطير.. والاحتراز منها صعب جداً إلا لمن وفقه الله وأعانه على ذلك، وجاهد نفسه في الاحتراز منها.
لذا فينبغي على المسلمة أن تجاهد نفسها على تجنبها والابتعاد عنها، ولتحاول أيضاً أن تعفو وتصفح عن كل من اغتابها وتكلم فيها، فإن في ذلك أجراً عظيماً، قال - تعالى -]فمن عفا وأصلح فأجره على الله] [الشورى: 40] ولعل ذلك أيضاً يكون سبباً في أن يسخر الله لها قلب كل من اغتابته هي فيعفو عنها ويسامحها جزاء ما فعلت هي مع غيرها، ولن يخسر الإنسان شيئاً إذا عفا وسامح، بل إنه سيتضاعف له الأجر بهذا العفو: ولقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم ذلك فسارعوا إلى اغتنام مثل هذه الأجور فعفوا وسامحوا وصفت قلوبهم، ومن ذلك ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حث يوماً على الصدقة فقام علبة بن زيد، فقال: ما عندي إلا عرضي فإني أشهدك يا رسول الله أني تصدقت بعرضي على من ظلمني، ثم جلس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: أين علبة بن زيد؟ قالها مرتين أو ثلاثاً، فقال علبة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنت المتصدق بعرضك، قد قبل الله منك).
ويقول ابن القيم في مدارج السالكين: والجود عشر مراتب، ثم ذكرها فقال: والسابعة الجود بالعرض، كجود أبي ضمضم من الصحابة، كان إذا أصبح قال: اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم).
فنحرص كل الحرص على أن نكون كأبي ضمضم ونتأسى به ونحذو حذوه فنعفو ونسامح كل من ظلمنا أو اغتابنا، لعل الله أن يعفو عنا ويسامحنا، وليكن ذلك من هذه اللحظة قبل أن تضعف النفس، ويثقل عليها الأمر فيما بعد.
وهناك أخطاء أخرى يقترفها اللسان، كالتساهل بالغمغمة والاستهزاء بالمسلمين بخلقهم أو أخلاقهم، وهذه محرمات لا يسوغ لمسلمة التساهل فيها، قال - تعالى -: [يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب].
وعن حذيفة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين يعذبان فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة... " الحديث، رواه البخاري ومسلم.
فالنميمة محرمة، ومن الكبائر، والنمام الذي يسمع كلام الناس فينقل الكلام إلى من يسؤوه ليفسد بينهم، أو هو الذي يأتي بكلام أي من تلقاء نفسه ليفسد ما بين الأحبة، نسأل الله العافية.
والاستهزاء بالمسلمين في خلقهم كبيرة، وقد يكون كفراً والعياذ بالله.
قال - تعالى -: [ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[والواجب محبة أخلاق المسلمين ودينهم وهدي نبيهم، فذلك دليل الإيمان، والاستهزاء بالدين كفر، والعياذ بالله [مثال الاستهزاء باللحى أو تقصير الثياب].
ومن آفات اللسان: السب والشتم واللعان، وكل هذا منهي عنه وليس من خصال المؤمنين، كما روى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).
وكذلك السب بأنواعه لا يحل قال - عليه السلام -: (سباب المسلم فسوق)، وفي حديث جابر بن سُليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (لا تسبن أحداً) قال جابر: (فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيرا ولا شاة).
ومن آفات اللسان: الدعاء على النفس والمال والولد، وهو منهي عنه فلا يسوغ، وعلى المسلمة الواقعة فيه أن تعوّد لسانها تركه، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسال فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم وغيره.
وقال - جل وعلا -: [ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليه أجلهم... [الآية.
ومن آفات اللسان: سب الأيام والشهور والسنين، روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: (يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر) رواه مسلم.
وقوله: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: أن ما يجري فيه من خير وشر بإرادة الله وتدبيره بعلم منه - تعالى -وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالواجب عند ذلك حمدُه في الحالتين، وحسن الظن به - سبحانه - وبحمده، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة.
ومن آفات اللسان: سب مخلوقات الله ولعنها، مما لم يرد ذمه أو لعنه، وهذا منهي عنه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر بن سُليم: (لا تسبن أحداً) وهذا عموم يدخل فيه سائر المخلوقات، ولهذا فهم الصحابي جابر بن سُليم ذلك العموم، فقال: (فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة) وقد روى أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر يسير فلعن رجل ناقة، قال: أين صاحب الناقة؟ فقال الرجل: أنا، فقال: أخرّها فقد أجيب فيها.
ومن آفات اللسان: سب الصحابة أو تابعيهم، وسب الصحابة جميعاً كفر؛ لأن الله أثنى عليهم فقال: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود[الآية، وقال - تعالى -: [لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسُ محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ومن سب الصحابة فقد رد ثناء الله عليهم، وكذب بصريح القرآن، وهذا كفر والعياذ بالله.
وسب التابعين منكر ومحرم وكبيرة، وربما كان كفراً؛ لأنهم خير القرون بعد قرن الصحابة بشهادة النبي أكرم الخلق وأصدقهم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.. ).
ومن آفات اللسان: سب العلماء والاستهزاء بهم، ولا شك في أن سبهم كبيرة ومحرم، وربما كان كفراً وردة إذا كان سبهم لأجل دينهم وإسلامهم وتمسكهم به، والعياذ بالله من حال أهل النار، قال - تعالى -: [إنما يخشى الله من عباده العلماء[وقال: [قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون[وقال - جل وعلا -: [شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم[فمن قرنه الله بنفسه وملائكته في الشهادة بالتوحيد والحق واجبٌ إكرامه واحترامه لدينه، والساب لهم متنقص، فإن كان لدينهم وقولهم بأحكامه فهو ردة صريحة إن كان يعلمُ ذلك، وأما الاستهزاء بهم لدينهم فكفر كما تقدم قال - تعالى -: [قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم].
هذا ما اتسع الوقت لجمعه مما يتعلق بحفظ اللسان، ولا أدعي الشمول، ولكن أرجو أن أكون فتحت لك ـ أخيتي ـ باباً للاستزادة في هذا الأمر، وحركت فيك هاجساً لحفظ هذه الجارحة.
هذا، وأسأل الله العظيم أن يرزقني وإياكن حفظ هذه الجارحة وتسخيرها في طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صور الإثم في آفات اللسان
نعم الله علينا كثيرة تترى فهي لا تعد ولا تحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) واللسان من أعظم نعم الله على الإنسان، وهو عظيم النفع إن استعمل فيما يحب الله من الكلام، عظيم الضرر إن استعمل في ضد ذلك..
فالواجب عليك ـ يا أختاه ـ حفظ لسانك إلا عن الخير.كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
وحفظ اللسان هو ملاك أمرك، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله) قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: (كف عليك هذا) قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
إذن فمن الخطر العظيم ما يقع فيه كثير من الناس من إطلاق ألسنتهم والتهاون بالكلام غافلين عن أنه يُحصى عليهم ما تتلفظ به ألسنتهم ويُسألون عنه، قال - تعالى -: [ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد] [ق: 18].
وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الفم والفرج) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وإذا تدبرنا ـ أُخيتي ـ هذا الحديث ونحوه من النصوص الواردة في الكتاب والسنة عرفنا حقيقة اللسان وخطره، فإن اللسان لا يَكَلُّ كما تكلُّ سائر الأعضاء، ثم إن المعاصي التي تكون باللسان كثيرة، منها: الغيبة، والنميمة، وقول الزور، والسخرية بالمسلمين، والكذب في الحديث، وأعظمُه الكذب على الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أكثر هذه الذنوب انتشاراً بين العامة والخاصة، وبين الرجال والنساء، بل أصبحت عادة ذميمة، وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكرة، لا يلجأ إليها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يستطيعها إلا الأراذل والتافهون، ولا ينتشر هذا العمل إلا حين يغيب الإيمان، وهي اعتداء صارخ على الأعراض، وظلم فادح، وإيذاء ترفضه العقول وتمجه الطباع، وتأباه النفوس الكريمة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب.. ألا وهي "الغيبة" التي جاء وصفها في كتاب الله بأبشع الصفات، قال - تعالى -: [ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه] [الحجرات: 12].
وبينها ووصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هي ذكرك أخاك بما يكره) ومع ذلك قد تجدين متكلمة في أحد المجالس تتعرض لغير واحد من الناس فتذكرهم بما يكرهون، فإذا نُصِحَت، قالت: والله إني لم أزد عليهم شيئاً فكل ما قلت هو فيهم. وهذا جهل منها عظيم، فما تكلمت به هو الغيبة بعينها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: (أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته) رواه مسلم.
وهي حرام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.
ولعظم أمرها فقد جاء الوعيد الشديد في حق مرتكبها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم).
قال عنها ابن حجر الهيثمي: (إن فيها أعظم العذاب وأشد النكال، وقد صح فيها أنها أربى الربا، وأنها لو مزجت في ماء البحر لأنتنته وغيرت ريحه، وأن أهلها يأكلون الجيف في النار، وأن لهم رائحة منتنة فيها، وأنهم يُعذبون في قبورهم، وبعض هذه كافية في كون الغيبة من الكبائر) ا هـ.
والغيبة بضاعة كاسدة، وسلعة رخيصة، لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعاف الإيمان، وهي في الوقت نفسه تجارة خاسرة للمغتاب حيث إنه يخسر كثيراً من حسناته، ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات.
وبعض الناس مع الأسف الشديد لا تراه دائماً إلا منتقداً، وينسى صفات الآخرين الحسنة، ويركز على أخطائهم وعيوبهم فقط، فهو في ذلك مثل الذباب الذي يقع على الجرح والأذى ويترك موضع البرء والسلامة، وهذا من رداءة النفوس، وفساد المزاج.
والغيبة تكون في القول والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة، تقول عائشة - رضي الله عنها -: (دخلت علينا امرأة فلما ولّت، أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اغتبتِها).
بواعث الغيبة:
قال ابن تيمية في بواعث الغيبة:
1- إن الإنسان قد يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس، واستثقله أهل المجلس.
2- ومنهم من يُخرج الغيبة في قالب ديانة وصلاح، ويقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة والكذب، وإنما أخبركم بأحواله، والله إنه مسكين، ورجل جيد، ولكن فيه كذا وكذا، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وقصده من ذلك استنقاصه.
3- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية ولعب ليضحك غيره بمحاكاته واستصغاره المستهزأ به.
4- ومن من يخرج الغيبة في قالب تعجب فيقول: تعجبت من فلان كيف يفعل كيت وكيت.
5- ومن من يخرج الغيبة في قالب الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمني ما جرى له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف، وقلبه منطو على التشفي به.
6- ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، وقصده غير ما أظهر.
خطورة الغيبة:
إن هذا الأمر على خطورته في الدنيا والآخرة لم يأبه به كثير من الناس، وتهاونوا في أمره تهاوناً عظيماً بل اعتبروه فاكهة مجالسهم، فإن لا تكاد تجلس في مجلس إلا وهذا الوباء موجود فيه، وسبب انتشاره هو عدم إدراك خطورته.
وإليك ـ أخيتي ـ هذه النصوص الكريمة لتبين لك شناعة الغيبة وخطورتها:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها قصيرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته).
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنهم ذكروا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً، فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يُرحل له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اغتبتموه)، فقالوا: يا رسول الله حدثنا بما فيه، قال: (حسبك إذا ذكرتُ أخاك بما فيه).
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - (أن رجلاً اعترف بالزنا أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات فأقام عليه الحد، فسمع الرسول رجلين من الأنصار، يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سار ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجله - أي قد انتفخ بطنه ـ فقال - عليه الصلاة والسلام -: أين فلان وفلان؟ فقالا: ها نحن رسول الله، فقال لهما: كُلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا رسول الله غفر الله لك، مَنْ يأكل من هذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يغمس فيها) رواه أحمد، وصححه الألباني - رحمه الله -.
وروي عن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت العرب يخدم بعضهم بعضاً في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - رجل يخدمهما، فاستيقظا مرة ولم يهيئ لهما طعاماً فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم بيتكم، فأيقظاه، فقال: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام وهما يستأدمانك، فذهب وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال - عليه السلام -: (قد ائتدما) فجاء الغلام وأخبرهما، ففزعا وجاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدمتما، بأي شيء ائتدمنا، قال عليه الصلاة والسالم: (بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما) قالا: استغفر لنا يا رسول الله، قال: (بل هو يستغفر لكما).
انظري ـ أخيتي ـ ما هي الكلمة التي قالاها، كلمة واحدة، قالا: (إن هذا ليوائم نوم بيتكم)، أي إن هذا النوم يشبه نوم البيت، لا نوم السفر) عاتبوه بكره النوم فقط، فعاتبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولأقرّب الصورة لك ـ أخيتي ـ أقول: إن كثيراً من الناس يهولون أمر الربا، ويستعظمون أمره وهو كذلك ويتساهلون فيما أعظم منه وهي الغيبة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم).
أخيتي الكريمة:
إن الغيبة هي أن تذكري أخاك بما يكرهه لو بلغهُ ذلك، سواء ذكرته بنقص في دينه أو بدنه أو في نسبه أو في خلفه أو في فعله أو في قوله، حتى في ثوبه ونحو ذلك.
فأما البدن: فكذكر العمش والحول والقصر والسواد، وجميع ما تعلمين أنه يكرهه من الصفات إلا أن يكون معروفاً بصفة من هذه الصفات، ولا يميز إلا بها وهو لا يكرهها فلا بأس بذلك. والقارئ في كتب الحديث يجد من رجاله من عُرف بالأعمش والأعرج وغير ذلك.
وأما النسب، فكقولك: فلانة أبوها هندي، أو فاسق، أو زبال، أو أي شيء تعرفين أنها تكرهه، أو انتقاص في حسبها ونسبها، ومنه ما انتشر بين الناس من التفريق بين الخضيري والقبيلي، مع أن ميزان التفاضل عند الله التقوى لا النسب، قال - تعالى -: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم].
وأما الخلق فكقولك: هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، شديد الغضب، متهور، متسرع، وما شابه ذلك.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين: كقولك هو كذاب، خائن، شارب خمر، ظالم، متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع والسجود، ليس باراً بوالديه، لا يحفظ لسانه من الكذب والشتم والسب، ونحو ذلك.
وأما أفعاله المتعلقة بالدنيا: فكقولك: إنه قليل الأدب، متهاون بالناس لا يحترمهم، لا يرى لأحد على نفسه حقاً، أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو إنه كثير الكلام، أو كثير النوم في غير وقت النوم.
وأما في ثوبه: فكقولك: إن ثوبه طويل، أو وسخ الثياب، أو رديء الملابس، أو لا يستطيع التنسيق بين الألوان، أو ذوقه رديء في اختيار ملابسه ونحو ذلك.
إن بعض النساء قد تغتاب شخصاً فإذا قيل لها: اتقي الله ولا تتكلمي في أعراض المسلمين، أجابت بقولها، أنا مستعدة أن أقول أمامه، أو أن فلاناً لا يغضب مما أقول، فما يدريك ـ يا أخيتي ـ أنه لا يغضب، فلعله يجامل عندكِ ولكن في قرارة نفسه يتألم كثيراً من ذلك القول ويكرهه.
أختي الحبيبة: إن حديثك تنسينه بمجرد إطلاق الكلمة وانتهاء المجلس، ولكنه محصل عليك، وأنت موقوفة يوم القيامة حتى يقتص منك، فيؤخذ لمن اغتبتهم من حسناتكِ، فإن فنيت حسناتك أخذ من سيئاتهم فحطت عليك!! وما أشدها من مصيبة أن تفجعي في ذلك اليوم العظيم بمثل هذا وأنت أحوج ما تكونين للحسنة الواحدة.
وكما أنكِ أيضاً لا تقبلي أن يكون عرضك حديث المجالس فكذلك الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم، فطهري لسانكِ وطهري مجلسك من الغيبة ولا تسمحي لأي شخص أن يغتاب أحداً عندك في مجلسك، ولو تكلم أحد فأسكتيه وبيني له حرمة ذلك، ودافعي عن أعراض إخوانك المسلمين إذا اغتابهم أحد عندك، فإن في ذلك أجراً عظيماً كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقاً على الله - عز وجل - أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة" رواه أحمد والترمذي.
واعلمي.. أن المغتاب لو لم يجد أذناً صاغية لما اغتاب واسترسل في الحديث، فأنت باستماعك الحديث وعدم إنكارك عليه تكونين مشجعة له على المعصية، وإذا لم تنكري عليه ولم تتركي المجلس لم يرتدع وينته عن الغيبة، فإنك تكونين شريكة في الإثم.
وأخيراً... فإن الغيبة كما تبين آنفاً أمرها خطير.. والاحتراز منها صعب جداً إلا لمن وفقه الله وأعانه على ذلك، وجاهد نفسه في الاحتراز منها.
لذا فينبغي على المسلمة أن تجاهد نفسها على تجنبها والابتعاد عنها، ولتحاول أيضاً أن تعفو وتصفح عن كل من اغتابها وتكلم فيها، فإن في ذلك أجراً عظيماً، قال - تعالى -]فمن عفا وأصلح فأجره على الله] [الشورى: 40] ولعل ذلك أيضاً يكون سبباً في أن يسخر الله لها قلب كل من اغتابته هي فيعفو عنها ويسامحها جزاء ما فعلت هي مع غيرها، ولن يخسر الإنسان شيئاً إذا عفا وسامح، بل إنه سيتضاعف له الأجر بهذا العفو: ولقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم ذلك فسارعوا إلى اغتنام مثل هذه الأجور فعفوا وسامحوا وصفت قلوبهم، ومن ذلك ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حث يوماً على الصدقة فقام علبة بن زيد، فقال: ما عندي إلا عرضي فإني أشهدك يا رسول الله أني تصدقت بعرضي على من ظلمني، ثم جلس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: أين علبة بن زيد؟ قالها مرتين أو ثلاثاً، فقال علبة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنت المتصدق بعرضك، قد قبل الله منك).
ويقول ابن القيم في مدارج السالكين: والجود عشر مراتب، ثم ذكرها فقال: والسابعة الجود بالعرض، كجود أبي ضمضم من الصحابة، كان إذا أصبح قال: اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم).
فنحرص كل الحرص على أن نكون كأبي ضمضم ونتأسى به ونحذو حذوه فنعفو ونسامح كل من ظلمنا أو اغتابنا، لعل الله أن يعفو عنا ويسامحنا، وليكن ذلك من هذه اللحظة قبل أن تضعف النفس، ويثقل عليها الأمر فيما بعد.
وهناك أخطاء أخرى يقترفها اللسان، كالتساهل بالغمغمة والاستهزاء بالمسلمين بخلقهم أو أخلاقهم، وهذه محرمات لا يسوغ لمسلمة التساهل فيها، قال - تعالى -: [يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب].
وعن حذيفة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين يعذبان فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة... " الحديث، رواه البخاري ومسلم.
فالنميمة محرمة، ومن الكبائر، والنمام الذي يسمع كلام الناس فينقل الكلام إلى من يسؤوه ليفسد بينهم، أو هو الذي يأتي بكلام أي من تلقاء نفسه ليفسد ما بين الأحبة، نسأل الله العافية.
والاستهزاء بالمسلمين في خلقهم كبيرة، وقد يكون كفراً والعياذ بالله.
قال - تعالى -: [ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[والواجب محبة أخلاق المسلمين ودينهم وهدي نبيهم، فذلك دليل الإيمان، والاستهزاء بالدين كفر، والعياذ بالله [مثال الاستهزاء باللحى أو تقصير الثياب].
ومن آفات اللسان: السب والشتم واللعان، وكل هذا منهي عنه وليس من خصال المؤمنين، كما روى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).
وكذلك السب بأنواعه لا يحل قال - عليه السلام -: (سباب المسلم فسوق)، وفي حديث جابر بن سُليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (لا تسبن أحداً) قال جابر: (فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيرا ولا شاة).
ومن آفات اللسان: الدعاء على النفس والمال والولد، وهو منهي عنه فلا يسوغ، وعلى المسلمة الواقعة فيه أن تعوّد لسانها تركه، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسال فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم وغيره.
وقال - جل وعلا -: [ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليه أجلهم... [الآية.
ومن آفات اللسان: سب الأيام والشهور والسنين، روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: (يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر) رواه مسلم.
وقوله: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: أن ما يجري فيه من خير وشر بإرادة الله وتدبيره بعلم منه - تعالى -وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالواجب عند ذلك حمدُه في الحالتين، وحسن الظن به - سبحانه - وبحمده، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة.
ومن آفات اللسان: سب مخلوقات الله ولعنها، مما لم يرد ذمه أو لعنه، وهذا منهي عنه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر بن سُليم: (لا تسبن أحداً) وهذا عموم يدخل فيه سائر المخلوقات، ولهذا فهم الصحابي جابر بن سُليم ذلك العموم، فقال: (فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة) وقد روى أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر يسير فلعن رجل ناقة، قال: أين صاحب الناقة؟ فقال الرجل: أنا، فقال: أخرّها فقد أجيب فيها.
ومن آفات اللسان: سب الصحابة أو تابعيهم، وسب الصحابة جميعاً كفر؛ لأن الله أثنى عليهم فقال: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود[الآية، وقال - تعالى -: [لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسُ محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ومن سب الصحابة فقد رد ثناء الله عليهم، وكذب بصريح القرآن، وهذا كفر والعياذ بالله.
وسب التابعين منكر ومحرم وكبيرة، وربما كان كفراً؛ لأنهم خير القرون بعد قرن الصحابة بشهادة النبي أكرم الخلق وأصدقهم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.. ).
ومن آفات اللسان: سب العلماء والاستهزاء بهم، ولا شك في أن سبهم كبيرة ومحرم، وربما كان كفراً وردة إذا كان سبهم لأجل دينهم وإسلامهم وتمسكهم به، والعياذ بالله من حال أهل النار، قال - تعالى -: [إنما يخشى الله من عباده العلماء[وقال: [قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون[وقال - جل وعلا -: [شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم[فمن قرنه الله بنفسه وملائكته في الشهادة بالتوحيد والحق واجبٌ إكرامه واحترامه لدينه، والساب لهم متنقص، فإن كان لدينهم وقولهم بأحكامه فهو ردة صريحة إن كان يعلمُ ذلك، وأما الاستهزاء بهم لدينهم فكفر كما تقدم قال - تعالى -: [قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم].
هذا ما اتسع الوقت لجمعه مما يتعلق بحفظ اللسان، ولا أدعي الشمول، ولكن أرجو أن أكون فتحت لك ـ أخيتي ـ باباً للاستزادة في هذا الأمر، وحركت فيك هاجساً لحفظ هذه الجارحة.
هذا، وأسأل الله العظيم أن يرزقني وإياكن حفظ هذه الجارحة وتسخيرها في طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى